فصل: تفسير الآية رقم (40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (40):

{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}
{فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} هذا وما بعده كالفذلكة للآيات المتضمنة تعذيب من كفر ولم يمتثل أمر من أرسل إليه، وقال أبو السعود: هذا تفسير لما ينبئ عنه عدم سبقهم بطريق الإبهام وما بعده تفصيل للأخذ، وفي القلب منه شيء. وكأنه اعتبر رجوع ضمير {كانوا} [العنكبوت: 39] إلى المهلكين، وقد علمت حاله وتقديم المفعول للاهتمام بأمر الاستيعاب والاستغراق، وقال الفاضل: المذكور للحصر أي كل واحد من المذكورين عاقبناه بجنايته لا بعضًا دون بعض، وبحث فيه بأن كلًا متكفلة بهذا المعنى قدمت أو أخرت، وأجيب بأنا لا نسلم أنه يفهم منها لا بعضًا إذا أخرت وإنما يفهم منها بواسطة التقديم فتأمل، والكلام في مرجع ضمير بذنبه سؤالًا وجوابًا لا يخفى على من أحاط علمًا بما قيل في قولهم: كل رجل وضيعته. وقولهم: الترتيب جعل كل شيء في مرتبته، وهو شهير بين الطلبة {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} أي ريحًا عاصفًا فيها حصباء، وقيل: ملكًا رماهم بالحصباء وهم قوم لوط.
وقال ابن عطية: يشبه أن يدخل عاد في ذلك لأن ما أهلكوا به من الريح كانت شديدة وهي لا تخلو عن الحصب بأمور مؤذية، والحاصب هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} هم مدين وثمود ولم يقل أخذناه بالصيحة ليوافق ما قبله وما بعده في إسناد الفعل إليه تعالى الأوفق بقوله تعالى: {فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} دفعًا لتوهم أن يكون سبحانه هو الصائح {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} وهو قارون {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} وهو فرعون ومن معه، وذكر بعضهم قوم نوح عليه السلام أيضًا. واعترض بأنهم ليسوا من المذكورين، وتعقب بأنهم أول المذكورين في هذه السورة من الأمم السالفة، ولعل المعترض أراد بالمذكورين المذكورين متناسقين أي بلا فصل بأمة لم تفد قصتها إهلاكها، وقوم نوح وإن ذكروا أولًا لكن فصل بينهم وبين نظائرهم من المهلكين بقصة صوم إبراهيم عليه السلام وهي لم تفد أنهم أهلكوا، وذكر النيسابوري أنه سبحانه قرر بقوله تعالى: {فَكُلًا} إلخ أمر المذنبين بإجمال آخر يفيد أنهم عذبوا بالعناصر الآربعة فجعل ما منه تركيبهم سببًا لعدمهم وما منه بقاؤهم سببًا لفنائهم، فالحاصب وهو حجارة محماة تقع على كل واحد منهم فتنفذ من الجانب الآخر إشارة إلى التعذيب بعنصر النار، والصيحة وهي تموج شديد في الهواء إشارة إلى التعذيب بعنصر الهواء، والخسف إشارة إلى التعذيب بعنصر التراب، والغرق إشارة إلى التعذيب بعنصر الماء اه ولا يخفى ما فيه {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} أي ما كان سبحانه مريدًا لظلمهم وذلك بأن يعاقبهم من غير جرم لأنه خلاف ما تقتضيه الحكمة.
وفي أنوار التنزيل أي ما كان سبحانه ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من سنته عز وجل، ويفيد أنه لو وقع منه تعالى تعذيبهم من غير جرم لا يكون ظلمًا لأنه تعالى مالك الملك يتصرف به كما يشاء فله أن يثيب العاصي ويعذب المطيع، وهذا أمر مشهور بين الأشاعرة والكلام في تحقيقه يطلب من علم الكلام. وقد أسلفنا في تفسير قوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23] ما ينفعك في هذا المقام تذكره فتذكر {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالاستمرار على مباشرة ما يوجب ذلك من الكفر والمعاصي باختيارهم، وقال مولانا اليخ إبراهيم الكوراني ما حاصله: إن ظلم الكفرة أنفسهم إنما هو لسوء استعدادهم الذي هم عليه في نفس الأمر من غير مدخل للجعل فيه وبلسان ذلك الاستعداد طلبوا من الجواد المطلق جل وعلا ما صار سببًا لظهور شقائهم اه، والبحث في ذلك طويل الذيل فليطلب من محله، وتقديم المعمول لرعاية رؤوس الآي.

.تفسير الآية رقم (41):

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
{مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء} استئناف متضمن تقبيح حال أولئك المهلكين الظالمين لأنفسهم وأضرابهم ممن تولى غير الله عز وجل، وفيه إشارة إلى أعظم أنواع ظلمهم فالمراد بالموصول جميع المشركين الذين عبدوا من دون الله عز وجل الأوثان.
وجوز أن يكون جميع من اتخذ غيره تعالى متكلًا ومعتمدًا آلهة كان ذلك أو غيرها، ولذا عدل إلى أولياء من آهلة أي صفتهم أو شبههم {كَمَثَلِ العنكبوت} أي كصفتها أو شبهها.
{اتخذت بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} بيانا لصفة العنكبوت التي يدور عليها أمر التشبيه، والجملة على ما نقل عن الأخفش من لزوم الوقف على العنكبوت مستأنفة لذلك {وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت} إلخ في موضع الحال من فاعل اتخذت المستكن فيه، وجوز كونه في موضع الحال من مفعوله بناء على جواز مجيء الحال من النكرة، وعلى الوجهين وضع المظهر موضع الضمير الراجع إلى ذي الحال، والجملة من تتمة الوصف. واللام في البيوت للاستغراق، والمعنى مثل المتخذين لهم من دون الله تعالى أولياء في اتخاذهم إياهم كمثل العنكبوت وذلك أنها اتخذت لها بيتًا والحال أن أوهن كل البيوت وأضعفها بيتها، وهؤلاء اتخذوا لهم من دون الله تعالى أولياء والحال أن أوهن كل الأولياء وأضعفها أولياؤهم، وإن شئت فقل: إنها اتخذت بيتًا في غاية الضعف وهؤلاء اتخذوا لها أو متكلًا في غاية الضعف فهم وهي مشتركان في اتخاذ ما هو في غاية الضعف في بابه، ويجوز أن تكون جملة اتخذت حالًا من العنكبوت بتقدير قد أو بدونها أو صفة لها لأن أل فيها للجنس، وقد جوزوا الوجهين في الجمل الواقعة بعد المعرف بأل الجنسية نحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وعن الفراء أن الجملة صلة لموصول محذوف وقع صفة {العنكبوت} أي الت ياتخذت، وخرج الآية التي ذكرناها على هذا واختار حذف الموصول في مثله ابن درستويه، وعليه لا يوقف على العنكبوت، وأنت تعلم أن كون الجملة صفة أظهر. والمعنى حينئذ مثل المشرك الذي عبد الوثن بالقياس إلى الموحد الذي عبد الله تعالى كمثل عنكبوت اتخذت بيتًا بالإضافة إلى رجل بني بيتًا بآجر وجص أو نحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتًا بيتًا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينًا دينًا عبارة الأوثان، وهو وجه حسن ذكره الزمخشري في الآية، وقد اعتبر فيه تفريق التشبيه، والغرض إبراز تفاوت المتخذين والمتخذ مع تصوير توهين أمر أحدهما وادماج توطيد الآخر، وعليه يجوز أن يكون قوله تعالى: {وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت} جملة حالية لأنه من تتمة التشبيه، وإن يكون اعتراضية لأنه لو لم يؤت به لكان في ضمنه ما يرشد إلى هذا المعنى وإلى كونه جملة حالية ذهب الطيبي.
وقال صاحب الكشف: كلام الزمخشري إلى كونه اعتراضية أقرب لأن قوله: وكما أن أوهن البيوت إلخ ليس فيه إيماء إلى تقييد الأول، وقد تعقب أبو حيان هذا الوجه بأنه لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل اللفظ ما لا يحتمله كعادته في كثير من تفسيره، وهذه مجازفة على صاحب الكشاف كما لا يخفى، ويجوز أن يكون المعنى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء فيما اتخذوه معتمدًا ومتكلًا في دينهم وتولوه من دون الله تعالى كمثل العنكبوت فيما نسجته واتخذته بيتًا، والتشبيه على هذا من المركب فيعتبر في جانب المشبه اتخاذ ومتخذ واتكال عليه، وكذلك في الجانب الآخر ما يناسبه ويعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من ذلك كله بالهيئة المنتزعة من هذا بالأسر، والغرض تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها، ومدار قطب التشبيه أن أولياءهم نزلة منسوج العنكبوت ضعف حال وعدم صلوح اعتماد، وعلى هذا يكون قوله تعالى: {ءانٍ أَوْهَنَ البيوت} تذييلًا يقرر الغرض من التشبيه.
وجوز أن يكون المعنى والغرض من التشبيه ما سمعت إلا أنه يجعل التذييل استعارة تمثيلية ويكون ما تقدم كالتوطئة لها، فكأنه قيل: وإن أوعن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان، وهي تعقرر الغرض من التشبيه بتبعية تقرير المشبه، وكأن التقرير في الوجه السابق بتبعية تقرير المشبه به، وهذا قريب من تجريد الاستعارة وترشيحها، ونظير ذلك قولك: زيد في الكلام بحر والبحر لا يخيب من أتاه إذا كان البحر الثاني مستعارًا للكريم، وذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة لو كان في جملته، ورجح السابق لأن عادة البلغاء تقرير أمر المشبه به ليدل به على تقرير المشبه، ولأن هذا إنما يتميز عن الإلغاز بعد سبق التشبيه.
وجوز أن يكون قوله تعالى: {مَثَلُ الذين} إلخ كالمقدمة الأولى، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت} كالثانية وما هو كالنتيجة محذوف مدلول عليه بما بعد كما في الكشف، والمجموع يدل على المراد من تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها على سبيل الكناية الإيمائية فتأمل، والظاهر أن المراد بالعنكبوت النوع الذي ينسج بيته في الهواء ويصيد به الذباب لا النوع الآخر الذي يحفر بيته في الأرض ويخرج في الليل كسائر الهوام، وهي على ما ذكره غير واحد من ذوات السموم فيسن قتلها لذلك، لا لما أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلى الله عليه وسلم: «العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى فمن وجدها فليقتلها» فإنه كما ذكر الدميري ضعيف.
وقيل: لا يسن قتلها فقد أخرج الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن» ذكر هذا الخبر الجلال السيوطي في الدر المنثور، والله تعالى أعلم بصحته وكونه مما يصلح للاحتجاج به، ونصوا على طهارة بيتها لعدم تحقق كون ما تنسج به من غذائها المستحيل في جوفها مع أن الأصل في الأشياء الطهارة، وذكر الدميري أن ذلك لا تخرجه من جوفها بل من خارج جلدها، وفي هذا بعد. وأنا لم أتحقق أمر ذلك ولم أعين كونه من فمها أو دبرها أو خارج جلدها لعدم الاعتناء بشأن ذلك لا لعدم إمكان الوقوف على الحقيقة، وذكر أنه بحسن إزالة بيتها من البيوت لما أسند الثعلبي. وابن عطية وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: «طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإنه تركه في البيوت يورث الفقر» وهذا إن صح عن الإمام كرم الله تعالى وجهه فذاك، وإلا فحسن الإزالة لما فيها من النظافة ولا شك بندبها. والتاء في العنكبوت زائدة كتاء طالوت فوزنه فعللوت وهو يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ومن استعماله مذكرًا قوله:
على هطالهم منهم بيوت ** كأن العنكبوت هو ابتناها

واستظهر الفاضل سعدي جلبي كون المراد به هنا الواحد، وذهب إلى تأنيثه أيضًا فذكر أنه اختير هنا تأنيثه لأنه المناسب لبيان الخور والضعف فيما يتخذه، وقال مولانا الخفاجي معرضًا به: الظاهر أن المراد الجمع لا الواحد لقوله تعالى: {الذين} وأما افراد البيت فلأن المراد الجنس، ولذلك أنث {اتخذت} لا لأن المراد المؤنث، وفي القاموس العنكبوت معروف وهي العنكباة والعكنباة والعنكبوة والعنكباء، والذكر عنكب وهي عنكبة، وجمعه عنكبوتات وعناكب، والعكاب. والعكب والأعكب أسماء الجموع، وتعقب بأن عد ما عدا ما ذكره أولا اسم جمع لا وجه له لأن أعكب لا يصح فيه ذلك، وذكروا في جمعه أيضًا عناكيب، واختلف في نونه فقيل أصلية، وقيل: زائدة كالتاء، وجمعه على عكاب يدل على ذلك. وذكر السجستاني في غريب سيبويه أنه ذكر عناكب في موضعين فقال في موضع: وزنه فناعل وفي آخر فعالل، فعلى الأول النون زائدة وهو مشتق من العكب وهو الغلظ اه المراد منه، ولعل الأقرب على ذلك كونه مشتقًا من الكعب بالفتج عنى الشدة في السير فكأنه لشدة وثبه لصيد الذباب أو لشدة حركته عند فراره أطلق عليه اسم العنكبوت {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أي لو كانوا يعلمون شيئًا من الأشياء لعلموا أن هذا مثلهم أو أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن، وقيل: أي لو كانوا يعلمون وهن الأوثان لما اتخذوها أولياء من دون الله تعالى، وفي الكشف أن قوله تعالى: {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} على جميع التقادير أي المذكورة في الكشاف وقد ذكرناها فيما مر من الايغال، جعلهم سبحانه في الاتخاذ ثم زادهم جل وعلا تجهيلًا أنهم لا يعلمون هذا الجهل البين الذي لا يخفى على من له أدنى مسكة، و{لَوْ} شرطية وجوابها محذوف على ما أشرنا إليه، وجوز بعضهم كونها للتمني فلا جواب لها وهو غير ظاهر.

.تفسير الآية رقم (42):

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)}
{إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْء} على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله إلخ، وقيل: لا حاجة إلى إضماره لجوز أن يكون {تَدْعُونَ} من باب الالتفات للإيذان بالغضب، وفيه بحث. وقرأ أبو عمرو. وسلام {يَعْلَمُ مَا} بالادغام. وأبو عمرو. وعاصم بخلاف {يَدَّعُونَ} بياء الغيبة حملًا على ما قبله، و{مَا} استفهامية منصوبة بتدعون و{يَعْلَمْ} معلقة عنها فالجملة في موضع نصب بها و{مِنْ} الأولى متعلقة بتدعون على ما هو الظاهر و{مِنْ} الثانية للتبيين، وجوز كونها للتبعيض، ويحوز كون ما نافية ومن الثانية مزيدة وشيء مفعول تدعون، أي لستم تدعون من دونه تعالى شيئًا، كأن ما يدعونه من دونه عز وجل لمزيد حقارته لا يصلح أن يسمى شيئًا، وجوز كونها مصدرية وهي وما بعدها في تأويل مصدر مفعول يعلم على أنها عنى يعرف ناصبة لمفعول واحد ومن تبعيضية، أي يعرف دعاءكم وعبادتكم بعض شيء من دونه وقيل: {مِنْ} للتبيين و{شَيْء} عنى ذلك المصدر وتنوينه للتحقير، أي يعرف دعوتكم من دونه هي دعوة حقيرة، وجوز كونها موصولة مفعول يعلم عنى يعرف ومفعول تدعون عائدها المحذوف ومن إما بيان للموصول أو تبعيضية.
وجوز زيادتها على هذا الوجه وما بعده، ولا يخفى ما فيه، والكلام على الوجهين الأولين في {مَا} تجهيل للكفرة المتخذين من دون الله تعالى أولياء لما فيهما من نفي الشيئية عما اتخذوه وليا؛ والاستفهام عنه الذي هو في معنى النفي لأنه إنكار، وفيه توكيد للمثل لأن كون معبودهم ليس بشيء يعبأ به مناسب ولذا لم يعطف، وعلى الوجهين الأخيرين فيها وعيد لهم لأن العلم بدعوتهم وعبادتهم عبارة عن مجازاتهم عليها وكذا العلم بما يدعونه عبارة عن مجازاتهم على دعائهم إياه، وترك العطف فيه لأنه استئناف، ويجوز أرادة التجهيل والوعيد في الوجوه كلها، وقوله تعالى: {وَهُوَ العزيز الحكيم} في موضع الحال ويفهم منه التعليل على المعنيين، فإن من فرط الغباوة اشراك ما لا يعد شيئًا بمن هذا شأنه، وإن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم واتقان الفعل الغاية القاصية كالمعدم والبحت، وإن من هذا صفته قادر على مجازاتهم.