فصل: تفسير الآية رقم (43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (43):

{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)}
{وَتِلْكَ الامثال} أي هذا المثل ونظائره من الأمثال المذكورة في الكتاب العزيز.
{نَضْربُهَا للنَّاس} تقريبًا لما بعد من أفهامهم {وَمَا يَعْقِلُهَا} على ما هي عليه من الحسن واستتباع الفوائد {إِلاَّ العالمون} الراسخون في العلم المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي. وروي محيي السنة بسنده عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {وَتِلْكَ الامثال} الآية فقال: «العالم من عقل عن الله تعالى فعمل بطاعته واجتنب سخطه».

.تفسير الآية رقم (44):

{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)}
{خَلَقَ الله السموات والأرض بالحق} أي محقا مراعيا للحكم والمصالح على أنه حال من فاعل خلق أو ملتبسة بالحق الذي لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية على أنها حال من مفعوله. فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على شؤونه تعالى المتعلقة بذاته سبحانه وصفاته كما يفصح عنه قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} دالة لهم على ما ذكر من شؤونه عز وجل، وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد في خلقهما للكل لأنهم المنتفعون بذلك.

.تفسير الآية رقم (45):

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}
{اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} أي دم على تلاوة ذلك تقربًا إلى الله تعالى بتلاوته وتذكرا لما في تضاعيفه من المعاني وتذكيرًا للناس وحملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق {وَأَقِمِ الصلاة} أي داوم على إقامتها، وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان أمره صلى الله عليه وسلم بإقامتها متضمنًا لأمر الأمة بها علل بقوله تعالى: {اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} كأنه قيل: وصل بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ومعنى يهيها إياهم عن ذلك أنها لتضمنها صنوف العبادة من التكبير والتسبيح والقراءة والوقوف بين يدي الله عز وجل والركوع والسجود له سبحانه الدال على غاية الخضوع والتعظيم كأنها تقول لمن يأتي بها لا تفعل الفحساء والمنكر ولا تعص ربا هو أهل لما أتيت به، وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه عز وجل وقد أتيت مما يدل على عظمته تعالى وكبريائه سبحانه من الأقوال والأفعال بما تكون به أن عصيت وفعلت الفحشاء أو المنكر كالمتناقض في أفعاله، وا ذكر ينحل الأشكال المشهور وهو أنا نرى كثيرًا من المرتكبين للفحشاء والمنكر يصلون ولا ينتهون عن ذلك، فإن نهيها إياهم عن الفحساء وانكر بهذا المعنى لا يستلزم انتهاءهم. ألا ترى أن الله تعالى ينهى عن ذلك أيضًا كما قال سبحانه: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآء ذِى القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغى} [النحل: 90] والناس لا ينتهون وليس نهى الصلاة بأعظم من نهيه سبحانه وتعالى، فإذا لم يكن هناك استلزام فكيف يكون هنا. وما أرى هذا الإشكال إلا مبنيًا على توهم استلزام النهي للانتهاء، وهو توهم باطل وتخيل عاطل لا يشهد له عقل ولا يأيده نقل. ونقل أبو حيان عن ابن عباس. والكلبي. وابن جريج. وحماد بن أبي سليمان أن الصلاة تنهى عن ذلك ما دام المصلي فيها، وكأنهم أرادوا أنها كالناهية للمصلي القائلة له لا تفعل ذلك ما دام فيها لأنه إذا فرغ منها فقد انقطعت الأقوال والأفعال التي كان النهي بما تدل عليه من العظمة والكبرياء. ونقل عن القطب أنه قال في جواب الاشكال: إن الصلاة تقام لذكر الله تعالى كما قال عز من قائل: {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى} [طه: 14] ومن كان ذاكرًا لله عز وجل منعه ذلك عن الاتيان بما يكرهه منه تعالى مما قل أو كثر وكل من تراه يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر فهو بحيث لو لم يكن يصلي لكان أشد اتيانًا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره، وهو كما ترى، وقيل: إن المراد أن الصلاة سبب للانتهاء عن ذلك، وليس هذا كليًا لما أن الصلاة في حكم النكرة وهي في الإثبات لا يجب أن تعم فينحل الإشكال، وعلى ما قلنا لا يضر دعوى الكلية.
نعم النهي الذي ذكرناه يتفاوت بحسب تفاوت أداء الصلاة فهوي في صلاة أديت على أتم ما يكون من الخشوع والتدبر لما يتلى فيها مع الاتيان بفروضها وواجباتها وسننها وآدابها على أحسن أحوالها أتم، وقد يضعف النهي فيما حتى كأنها لا تنهى كما في الصلاة التي تؤدي مع الغفلة التامة والاخلال بما يليق فيها وهي الصلاة المردودة التي تلف كما يلف الثوب الخلق ويرمي بها وجه صاحبها فتقول له: ضيعك الله تعالى كما ضيعتني، وكأن مراد القائل: إن المراد بالصلاة التي تنهى عما ذكر هي الصلاة المقبولة هو هذا.
وقد يجعل الانتهاء علامة القبول. روي بعض الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: من أحب أن يعلم قبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه، وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير. والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» وفي لفظ «لم يزدد بها من الله تعالى إلا بعدا» وأخرجه بهذا اللفظ ابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا.
وأخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال له: إن فلانًا يطيل الصلاة فقال: إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها ثم قرأ {اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} وقد يتفق لمن يكثر الصلاة أن تقع بعض صلاته على الوجه اللائق فتقبل لطفًا من الله تعالى وكرمًا، ويظهر أثر ذلك بالانتهاء عن المعاصي، ويشير إلى هذا ما أخرج أحمد. وابن حبان. والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانًا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق قال سينهاه ما تقول» وأصرح منه فيما ذكرنا ما روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ولا يدع شيئًا من الفواحش إلا ركبه فوصف له، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن صلاته ستنهاه» فلم يلبث إلا أن تاب. إلا أن ابن حجر ذكر فيه أنه لم يجده في كتب الحديث. ثم إن حمل الصلاة في الآية على الصلاة المعروفة هو الظاهر المؤيد بالآثار والأخبار الصحيحية، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن المراد بها هنا القرآن، وقال ابن بحر: إن المراد بها الدعاء أي أقم الدعاء إلى أمر الله تعالى إن الدعاء إلى أمره سبحانه ينهى عن الفحشاء والمنكر، وكل منهما عدول عن الظاهر من غير داع.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. عن الربيع بن أنس أنه كان يقرأ {اتل مَا ذِى القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر} {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} قال ابن عباس. وابن مسعود. وابن عمر. وأبو قرة. ومجاهد. وعطية: المعنى لذكر الله تعالى إياكم أكبر من ذكركم إياه سبحانه، وفي لفظ لذكر الله تعالى العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى، وعن ابن عباس أنه قال ذلك ثم قرأ {اذكرونى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن أبي مالك أنه قال ذكر الله تعالى العبد في الصلاة أكبر من الصلاة، فذكر مصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف وكذا المفضل عليه وهو خاص على ما سمعت، وجوز أن يكون عامًا أي أكبر من كل شيء، وقيل: المعنى ولذكر العبد لله تعالى في الصلاة أكبر من سائر أركان الصلاة، وقيل: أي ولذكر العبد لله تعالى في الصلاة أكبر من ذكره إياه سبحانه خارج الصلاة، وقيل: أي ولذكر العبد لله تعالى أكبر من سائر أعماله، وروي عن جماعة من السلف ما يقتضيه. أخرج أحمد في الزهد. وابن المنذر عن معاذ بن جبل قال: «ما عمل آدمي عملًا أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله تعالى قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع لأن الله تعالى يقول في كتابه {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ}».
وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير عن أبي الدرداء قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم وأسماها في درجاتكم وخير من أن تغزوا عدوكم فيضربوا رقابكم وتضربوا رقابهم وخير من إعطاء الدنانير والدراهم قالوا: وما هو يا أبا الدرداء؟ قال ذكر الله تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ}». وأخرج ابن جرير عن سلمان أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال: أما تقرأ القرآن؟ {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} لا شيء أفضل من ذكر الله، ونسب في البحر إلى أبي الدرداء. وسلمان رضي الله تعالى عنهما القول الذي ذكرناه أولًا عمن سمعت، ولعل ذلك إحدى روايتين عنهما، وجاء عن ابن عباس أيضًا رواية تشعر بأن المراد بذكر الله تعالى ذكر العبد له سبحانه.
أخرج سعيد بن منصور. وابن أبي شيبة. وابن المنذر. والحاكم في الكنى. والبيهقي في شعب الإيمان عن عنترة قال: قلت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر وما قعد قوم في بيت من بيوت الله تعالى يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بينهم إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها وكانوا أضياف الله تعالى ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره وما سلك رجل طريقًا يلتمس فيه العلم الاسهل الله تعالى له طريقًا إلى الجنة.
وقيل: المراد بذكر الله الصلاة كما في قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} [الجمعة: 9] أي وللصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها به للإيذان بأن ما فيها من ذكر الله تعالى هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات، وقيل: المعنى ولذكر الله تعالى عند الفحشاء والمنكر، وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر في الزجر من الصلاة، {فَذَكّرْ} على هذه الأقوال مصدر مضاف للمفعول والمفضل عليه محذوف، وجوز أن لا يكون أفعل للتفضيل سواء كانت إضافة المصدر للفاعل أم للمفعول كما في الله أكبر {والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} من الخير والطاعة فيجازيكم بذلك أحسن المجازاة، وقال أبو حيان: {يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} من الخير والشر فيجازيكم بحسبه ففيه وعد ووعيد وحث على المراقبة.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)}
{وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} من اليهود والنصارى، وقيل: من نصارى نجارن {إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، والمشاغبة بالنصح، والسورة بالإناة كما قال سبحانه: {ادفع بالتى هي أَحْسَنُ} [المؤمنون: 96] {إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} بالافراد في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن الذين ظلموا هم الذين أثبتوا الولد والشريك أو قالوا يد الله تعالى مغلولة، أو الله سبحانه فقير، أو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الغلظة التي نفهم الآية الاذن بها لا تصل إلى القتال لأولئك الظالمين من أهل الكتاب على أي وجه من الوجوه المذكورة كان ظلمهم لأن ظاهر كون السورة مكية أن هذه الآية مكية، والقتال في المشهور لم يشرع كة وليست الغلظة محصورة فيه كما لا يخفى، وقيل: المعنى ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فإن أولئك مجادلتهم بالسيف.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ما يقرب منه، وتعقب بأن السورة مكية والحرب والجزية مما شرع بالمدينة، وكون الآية بيانًا لحكم آت بعد بعيد وأيضًا لا قرينة على التخصيص.
وقيل: يجوز أن يكون القائل بذلك ذاهبًا إلى أن الآية مدنية ومكبة السورة باعتبار أغلب آياتها؛ أو ممن يقول: بأن الحرب شرع كة في آخر الأمر، والسورة آخر ما نزل بها إلا أنه لم يقع وعدم الوقوع لا يدل على عدم المشروعية.
وعن ابن زيد أن المراد بأهل الكتاب مؤمنو أهل الكتاب وبالتي هي أحسن موافقتهم فيما حدثوا به من أخبار أوائلهم وبالذين ظلموا من بقي منهم على كفره وهو كما ترى، واختلف في نسخ الآية. فأخرج أبو داود في ناسخه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة أنه قال: نهى في هذه الآية عن مجادلة أهل الكتاب، ثم نسخ ذلك فقال سبحانه: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الاخر} [التوبة: 29] الآية ولا مجادلة أشد من السيف، وقال في مجمع البيان: الصحيح أنها غير منسوخة لأن المراد بالجدال المناظرة وذلك على الوجه الأحسن هو الواجب الذي لا يجوز غيره.
وقال بعض الأجلة: إن المجادلة بالحسنى في أوائل الدعوة لأنها تتقدم القتال فلا يلزم النسخ ولا عدم القتال بالكلية، وأما كون النهي يدل على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتم ما ذكر فيدفعه أن من يقاتل كمانع الجزية داخل في المستثنى فلا نسخ وإنما هو تخصيص تصل، وكون ذلك يقتضي مشروعية القتال كة ليس بصحيح لأنه مسكوت عنه فتأمل.
وقرأ ابن عباس {إِلاَّ بالتى} إلخ، على أن {إِلا} حرف تنبيه واستفتاح، والتقدير ألا جادلوهم بالتي هي أحسن {وَقُولُواْ ءامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا} من القرءان {وَ} الذي {الذى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ} أي وبالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل، وهذا القول نوع من المجادلة بالتي هي أحسن، وعن سفيان بن حسين أنه قال: هذه مجادلتهم بالتي هي أحسن.
وأخرج البخاري. والنسائي. وغيرهما عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون الكتاب بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم» الآية، والتصديق والتكذيب ليسا نقيضين فيجوز ارتفاعهما.
{وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ} لا شريك له في الألوهية {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي مطيعون خاصة كما يؤذن بذلك تقديم {لَهُ}، وفيه تعيرض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى.