فصل: تفسير الآية رقم (47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (47):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)}
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} تجريد للخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه في الفضل أي مثل ذلك الإنزال البديع الشأن الموافق لإنزال سائر الكتب أنزلنا إليك القرءان الذي من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالتي هي أحسن، وقيل: الإشارة إلى ما تقدم لذكر الكتاب وأهله أي وكما أنزلنا الكتاب إلى من قبلك أنزلنا إليك الكتاب.
{فالذين أُمُّ الكتاب} من الطائفتين اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب جنسه الشامل للتوراة والإنجيل والكلام على ظاهره، وقيل: هو على حذف مضاف أي آتيناهم على الكتاب {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالكتاب الذي أنزل إليك، وقيل: الضمير له صلى الله عليه وسلم وهو كما ترى، والمراد بهم في قول من تقدم عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك حيث كانوا مصدقين بنزول القرآن حسا علموا مما عندهم من الكتاب، والمضارع لاستخصار تلك الصورة في الحكاية وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن ما بعدهم من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ، وفي قول آخر معاصروه عليه الصلاة والسلام العاملون بكتابهم من عبد الله بن سلام وأضرابه، وتخصيصهم بإيتاء الكتاب لما أنهم هم المنتفعون به فكأن من عداهم لم يؤتوه، قيل: هذا يؤيد القول: بأن الآيات المذكورة مدنية إذ كونها مكية وعبد الله ممن أسلم بعد الهجرة بناء على أنه اعلام من الله تعالى بإسلامهم في المستقبل، والتفصيل باعتبار الإعلام بعيدًا جدًا، وجوز الطبرسي أن يراد بالموصول المسلمون من هذه الأمة وضمير {بِهِ} للقرآن، ولا يخفى ما فيه، ولعل الأظهر كون المراد به علماء أهل الكتابين الحريون بأن ينسب إليهم إيتاء الكتاب كعبد الله بن سلام. وأضرابه، ولا بعد في كون الآيات مكية بناء على ما سمعت، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور {وَمِنْ هَؤُلاء} أي ومن العرب أو من أهل مكة على أن المراد بالموصول عبد الله. وأضرابه، ولا بعد في كون الآيات مكية بناء على ما سمعت، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور {وَمِنْ هَؤُلاء} أي ومن العرب أو من أهل مكة على أن المراد بالموصول عبد الله. واضرابه، أو ممن في عصره صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى على أن المراد به من تقدم {مَن يُؤْمِنُ بِهِ} أي بالكتاب الذي أنزل إليك، {وَمِنْ} على ما استظهره بعضهم تبعيضية واقعة موقع المبتدأ وله نظائر في الكتاب الكريم {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} أي {وَمَا يَجْحَدُ} به، وأقيم هذا الظاهر مقام الضمير للتنبيه على ظهور دلالة الكتاب على ما فيه وكونه من عند الله عز وجل، والإضافة إلى نون العظمة لمزيد التفخيم.
وفيما ذكر غاية التشنيع على من يجحد به.
والجحد كما قال الراغب: نفي ما في القلب ثباته وإثبات ما في القلب نفيه، وفسر هنا بالإنكار عن علم فكأنه قيل: وما ينكر آياتنا مع العلم بها {إِلاَّ الكافرون} أي المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يمنعهم عن الإقرار والتسليم، وقيل: يجوز أن يفسر طلق الإنكار، ويراد بالكافرين المتوغلون في الكفر أيضًا لدلالة فحوى الكلام، والتعبير بآياتنا على ذلك أي وما ينكر آياتنا مع ظهورها وارتفاع شأنها إلا المتوغلون في الكفر لأن ذلك يصدهم عن الاعتناء بها والالتفات إليها والتأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيتها، والمراد بهم من اتصف بتلك الصفة من غير قصد إلى معين، وقيل: هم كعب بن الأشرف. وأصحابه.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)}
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِنْهُ قَبْلِهِ} أي وما كنت من قبل أنزالنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو {مِن كتاب} أي كتابًا على أن {مِنْ} صلة {وَلاَ تَخُطُّهُ} ولا تقدر على أن تخطه {بِيَمِينِكَ} أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا تخطه، وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفي عنه صلى الله عليه وسلم من الخط فهو مثل العين في قولك: نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز {إِذًا لارتاب المبطلون} أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتاب مشركو مكة وقالوا: لعله التقطه من كتب الأوائل، وحيث لم تكن كذلك لم يكن لارتيابهم وجه، وكأن احتمال التعليم مما لم يلتفت إليه لظهور أن مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقى ويتعلم إلا في زمان طويل دارسة لا يخفى مثلها، ووصف مشركي مكة بالإبطال باعتبار ارتيابهم وكفرهم وهو عليه الصلاة والسلام أمي فكأنه قيل: اذن لارتاب هؤلاء المبطلون الآن وكان إذ ذاك. لارتيابهم وجه، وقيل: وصفهم بذلك باعتبار ارتيابهم، وهو صلى الله عليه وسلم أمي وباعتبار ارتيابهم وهو عليه الصلاة والسلام ليس بأمي أما كونهم مبطلين بالاعتبار الأول فظاهر، وأما كونهم كذلك بالاعتبار الثاني فلأن غاية ما يلزم من عدم أميته صلى الله عليه وسلم انتفاء أحد وجوه الاعجاز، ويكفي الباقي في الغرض فيكون المرتاب مبطلًا كالمرتاب في نبوة الأنبياء الذين لم يكونوا أميين وصحة ما جاؤوا به.
والأول أظهر، وكون المراد بالمبطلين مشركي مكة هو المروى عن مجاهد، وقال قتادة: هم أهل الكتاب أي لو كنت تتلو من قبل أو تخط لارتاب أهل الكتاب لأن نعتك في كتابهم أمي، ووصفهم بالإبطال قيل: باعتبار ارتيابهم وهو عليه الصلاة والسلام أمي كما هو الواقع، وإلا فهم ليسوا بطلين في ارتيابهم على فرض عدم كونه صلى الله عليه وسلم أميًا، وفي الكشف هذا فرض وتمثيل دلالة على أن مدار الأمر على المعجز، وان كونه عليه الصلاة والسلام أميًا لا يخط ليس مما لا يتم دعواه به، وتلك الدلالة لا تختلف والمنكر مبطل اه فتأمل.
هذا واختلف في أنه صلى الله عليه وسلم هل كان بعد النبوة يقرأ ويكتب أم لا؟ فقيل: إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يحسن الكتابة واختاره البغوي في التهذيب وقال: إنه الأصح، وادعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها وعدم معرفتها بسبب المعجزة لهذه الآية. فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرف الكتابة حينئذ، وروي ابن أبي شيبة.
وغيره «ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ».
ونقل هذا للشعبي فصدقه وقال: سمعت أقوامًا يقولونه وليس في الآية ما ينافيه، وروي ابن ماجه عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي مكتوبًا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر» والقدرة على القراءة فرع الكتابة ورد باحتمال أقدار الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام عليها بدونها معجزة أو فيه مقدر وهو فسألت عن المكتوب فقيل: إلخ، ويشهد للكتابة أحاديث في صحيح البخاري. وغيره كما ورد في صلح الحديبية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث، وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد بن أحمد الهروي. وأبو الفتح النيسابوري. وأبو الوليد الباجي من المغاربة، وحكاه عن السمناني، وصنف فيه كتابًا، وسبقه إليه ابن منية، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه، ومعرفة الكتابة بعد أميته صلى الله عليه وسلم لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم، ورد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: كتب فمعناه أمر بالكتابة كما يقال: كتب السلطان بكذا لفلان، وتقديم قوله تعالى: {مِن قَبْلِهِ} على قوله سبحانه: {وَلاَ تَخُطُّهُ} كالصريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب مطلقًا وكون القيد المتوسط راجعًا لما بعده غير مطرد، وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده فقال: يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان قادرًا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوًا عن الفائدة، وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذ قيل بحجية المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيته، ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» ليس نصًا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام وهو وكذا أكثر من بعث إليهم وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد، وأما ما ذكر من تأويل كتب بأمر بالكتابة فخلاف الظاهر، وفي شرح صحيح مسلم للنواوي عليه الرحمة نقلًا عن القاضي عياض أن قوله في الرواية التي ذكرناها: ولا يحسن يكتب فكتب كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم.
ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ما يكتب لكن إذا نظر إلى المكتوب عرف ما فيه بأخبار الحروف إياه عليه الصلاة والسلام عن أسمائها فكل حرف يخبره عن نفسه أنه حرف كذا وذلك نظير أخبار الذراع اياه صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة.
وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل بدون خبر صحيح ولم أظفر به.

.تفسير الآية رقم (49):

{بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)}
{بَلْ هُوَ} أي القرآن، وهذا اضراب عن ارتيابهم، أي ليس القرآن مما يرتاب فيه لوضوح أمره بل هو {ءايات بَيّنَاتٍ} واضحات ثابتة راسخة {فِى صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} من غير أن يلتقط من كاتب يحفظونه بحيث لا يقدر على تحريفه بخلاف غيره من الكتب، وجاء في وصف هذه الأمة صدورهم أناجيلهم، وكون ضمير هو للقرآن هو الظاهر، ويؤيده قراءة عبد الله {بَلْ هي ءايات بَيّنَاتٍ}، وقال قتادة: الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وقرأ {بَلْ هُوَ بَيّنَةً لّقَوْمٍ} على التوحيد، وجعله بعضهم له عليه الصلاة والسلام على قراءة الجمع على معنى بل النبي وأموره آيات، وقيل: الضمير لما يفهم من النفي السابق أي كونه لا يقرأ لا يخط آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأن ذلك نعت النبي عليه الصلاة والسلام في كتابهم، والكل كما ترى، وفي الأخير حمل {الذين أُوتُواْ العلم} على علماء أهل الكتاب وهو مروى عن الضحاك. والأكثرون على أنهم علماء الصحابة أو النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء أصحابه، وروي هذا عن الحسن. وروي بعض الإمامية عن أبي جعفر. وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} مع كونها كما ذكر {إِلاَّ الظالمون} المتجاوزون للحد في الشر والمكابرة والفساد.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)}
{وَقَالُواْ} أي كفار قريش بتعليم بعض أهل الكتاب.
وقيل: الضمير لأهل الكتاب {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايات مّن رَّبّهِ} مثل ناقة صالح وعصا موسى، وقرأ أكثر أهل الكوفة {ءايَةً} على التوحيد {قُلْ إِنَّمَا الايات عِندَ الله} ينزلها حسا يشاء من غير دخل لأحد في ذلك قطعًا {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ليس من شأني إلا الإنذار بما أوتيت من الآيات لا الاتيان بما اقترحتموه فالقصر قصر قلب.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}
{أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ} كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردًا على اقتراحهم وبيانًا لبطلانه والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أقصر ولم يكفهم ءاية مغنية عن سائر الآيات {إِنَّا أَنزَلْنَا} {عَلَيْكَ الكتاب} الناطق بالحق المصدق لما بين يديه من الكتب السماوية وأنت عزل من مدارستها وممارستها {يتلى عَلَيْهِمْ} تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم ءاية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل ءاية بعد كونها، وقيل: {يتلى عَلَيْهِمْ} أي أهل الكتاب بتحقق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك، وله وجه ان كان ضمير قالوا فيما تقدم لأهل الكتاب وأما إذا كان لكفار قريش فلا يخفى ما فيه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي الكتاب العظيم الشأن الباقي على ممر الدهور، وقيل: الذي هو حجة بينة {لَرَحْمَةً} أي نعمة عظيمة {وذكرى} أي تذكرة {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي همهم الإيمان لا التعنت فالجار والمجرور متعلق بذكرى والفعل مراد به الاستقبال، ويجوز أن يكون {رَحْمَةً وَذَكَرَ} مما تنازعا في الجار والمجرور فيجوز أن يكون الفعل للحال، وأخرج الفريابي. والدارمي. وأبو داود في مراسيله. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بقوم حمقًا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الآية» وأخرج الإسماعيلي في معجمه. وابن مردويه عن يحيى هذا ما هو قريب مما ذكر مرويًا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. و{يُؤْمِنُونَ} على هذا على ظاهره لا غير، وتعقب بأن السياق والسياق مع الكفرة وان الظاهر كون {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ} الآية جوابًا لقولهم: {لَوْلا أُنزِلَ} إلخ، وفي جعل سبب النزول ما ذكر خروج عن ذلك فتأمل.
وعليه تكون الآية دليلًا لمن منع تتبع التوراة ونحوها. وروي هذا المنع عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
أخرج ابن عساكر عن أبي مليكة قال: أهدى عبد الله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها وقالت: يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ} فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر فقبلتها. وجاء في عدة أخبار ما يقتضي المنع، أخرج عبد الرزاق في المصنف.
والبيهقي في شعب الإيمان، عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه فقال: والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظى من الأمم.
وأخرج عبد الرزاق. والبيهقي أيضًا عن أبي قلابة «أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتابًا فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل: اكتب لي من هذا الكتاب قال: نعم فاشتري أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وانت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إنما بعثت فاتحًا وخاتمًا وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الحديث اختصارًا فلا يهلكنكم المتهوكون» أي الواقعون في كل أمر بغير روية، وقيل: المتحيرون إلى ذلك من الأخبار، وحقق بعضهم أن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين وذلك مما لا شبهة فيه في صدر الإسلام، وعليه تحمل الأخبار، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر.