فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (11):

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)}
{الله فِي الخلق} أي ينشئهم.
وقرأ عبد الله وطلحة {يُبدئ} بضم الياء وكسر الدار، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر فما بالعهد من قدم.
{ثُمَّ يُعِيدُهُ} بالبعث {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للجزاء، وتقديم المعمول للتخصيص، وكان الظاهر يرجعون بياء الغيبة إلا أنه عدل عنه إلى خطاب المشركين لمكافحتهم بالوعيد ومواجهتهم بالتهديد وإيهام إن ذلك مخصوص بهم فهو التفات للمبالغة في الوعيد والترهيب. وقرأ أبو عمرو. وروح {يَرْجِعُونَ} بياء الغيبة كما هو الظاهر.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)}
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} التي هي وقت إعادة الخلق ومرجعهم إليه عز وجل: {يُبْلِسُ المجرمون} أي يسكتون وتنقطع حجتهم، قال الراعب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ومنه اشتق إبليس فيما قيل، ولما كان المبلس كثيرًا ما يلزم السكوت وينسى ما يعينه قيل أبلس فلان إذا سكت وانقطعت حجته وأبلست الناقة فهي مبلاس إذا لم ترغ من شدة الضبعة وقال ابن ثابت: يقال أبلس الرجل إذا يئس من كل خير، وفي الحديث: «وأنا مبشرهم إذا أبلسوا» والمراد بالمجرمين على ما أفاده الطيبي أولئك الذين أساءوا السوأى لكنه وضع الظاهر موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بهذا الوصف الشنيع والإشعار بعلة الحكم.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي {يُبْلِسُ} بفتح اللام وخرج على أن الفعل من أبلسه إذا أسكته، وظاهره أنه يكون متعديًا وقد أنكره أبو البقاء. والسمين. وغيرهما حتى تكلفوا وقالوا: أصله يبلس إبلاس المجرمين على إقامة المصدر مقام الفاعل ثم حذفه وإقامة المضاف إليه مقامه. وتعقبه الخفاجي عليه الرحمة فقال: لا يخفى عدم صحته لأن إبلاس المجرمين مصدر مضاف لفاعله وفاعله هو فاعل الفعل بعينه فكيف يكون نائب الفاعل فتأمل.
وأنت تعلم أنه متى صحت القراءة لا تسمع دعوى عدم سماع استعمال أبلس متعديًا.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)}
{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ} ممن أشركوهم بالله سبحانه في العبادة ولذا أضيفوا إليهم، وقيل: إن الإضافة لإشراكهم إياهم بالله تعالى في أموالهم والمراد بهم الأوثان، وقال مقاتل: الملائكة عليهم السلام، وقيل: الشياطين، وقيل: رؤساؤهم {شُفَعَاء} يجيرونهم من عذاب الله تعالى كما كانوا يزعمون، وجيء بالمضارع منفيًا بلم التي تقلبه ماضيًا للتحقق، وصيغة الجمع لوقوعها في مقابلة الجمع أي لم يكن لواحد منهم شفيع أصلًا.
وقرأ خارجة عن نافع، وابن سنان عن أبي جعفر، والأنطاكي عن شيبة {وَلَمْ تَكُنْ} بالتاء الفوقية.
{وَكَانُواْ بِشُرَكَائِهِمْ} أي بإلهيتهم وشركتهم كما يشير إليه العدول عن وكانوا بهم {كافرين} حيث يئسوا منهم ووقفوا على كنه أمرهم، {وَكَانُواْ} للدلالة على الاستمرار لا للمحافظة على رؤوس الفواصل كما توهم.
وقيل: إنها للمضي كما هو الظاهر، والباء في {بِشُرَكَائِهِمْ} سببية أي وكانوا في الدنيا كافرين بالله تعالى بسببهم ولم يرتضه بعض الأجلة إذ ليس في الإخبار بذلك فائدة يعتد بها، ولأن المتبادر أن {يَوْمٍ تَقُومُ الساعة} [الروم: 12] ظرف للإبلاس وما عطف عليه ولذا قيل: إن المناسب عليه جعل الواو حالية ليكون المعنى أنهم لم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم في الدنيا وهو أحسن من جعله معطوفًا على مجموع الجملة مع الظرف، مع أنه عليه ينبغي القطع للاحتياط إلا أن يقال: إنه ترك تعويلًا على القرينة العقلية، وهو خلاف الظاهر، وكتب {شفعواء} في المصحف بواو بعدها ألف وهو خلاف القياس والقياس ترك الواو أو تأخيرها عن الألف لكن الأول أحسن كما ذكر في الرسم، وكذا خولف القياس في كتابه {السوأى} حيث كتبت بالألف قبل الياء والقياس كما في الكشف الحذف لأن الهمز يكتب على نحو ما يسهل.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)}
{وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه وهو ظرف للفعل بعده، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ} على ما ذكره الطبرسي بدل منه.
وفي البحر التنوين في {يَوْمَئِذٍ} تنوين عوض من الجملة المحذوفة أي ويوم تقوم الساعة يوم إذ يبلس المجرمون {يَتَفَرَّقُونَ} وظاهره أن {يَوْمَئِذٍ} ظرف لتقوم، ولا يخفى ما في جعل الجملة المعوض عنها التنوين حينئذٍ ما ذكره من النظر.
وفي إرشاد العقل السليم أن قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} تهويل ليوم قيام الساعة إثر تهويل وفيه رمز إلى أن التفرق يقع في بعض منه، وفي وجه الرمز إلى ذلك بما ذكر خفاء، وضمير {يَتَفَرَّقُونَ} للمسلمين والكافرين الدال عليهما ما قبل من عموم الخلق وما بعد من التفصيل، وذهب إلى ذلك الزمخشري. وجماعة.
وقال في الإرشاد: هو لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من مبدئهم ومرجعهم وإعادتهم لا المجرمون خاصة، وقال أبو حيان: يظهر أنه عائد على الخلق قبله وهو المذكور في قوله تعالى: {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 11] والمراد بتفرقهم اختلافهم في المحال والأحوال كما يؤذن به التفصيل، وليس ذلك باعتبار كل فرد بل باعتبار كل فريق، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في ذلك هؤلاء في عليين وهؤلاء في أسفل سافلين، والتفصيل يؤذن بذلك أيضًا، وهذا التفرق بعد تمام الحساب.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)}
{فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} الروضة الأرض ذات النبات والماء، وفي المثل أحسن من بيضة في روضة يريدون بيضة النعامة، وباعتبار الماء قيل: أراض الوادي واستراض أي كثر ماؤه وأراضهم أرواهم بعض الري من أراض الحوض إذا صب فيه من الماء ما يوارى أرضه، ويقال: شربوا حتى أراضوا أي شربوا عللًا بعد نهل. وقيل: معنى أراضوا صبوا اللبن على اللبن، وظاهر تفسير الكثير للروضة اعتبار النبات والماء فيها، وأظن أن ابن قتيبة صرح بأنه لا يقال لأرض ذات نبات بلا ماء روضة.
وقيل: هي البستان الحسن، وقيل: موضع الخضرة، وقال الخفاجي: الروضة البستان وتخصيصها بذات الأنهار بناءً على العرف، وأيًا ما كان فتنوينها هنا للتفخيم والمراد بها الجنة، والحبر السرور يقال: حبره يحبره بالضم حبرًا وحبرة وحبورًا إذا سره سرورًا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره، وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة، وحكى الكسائي حبرته أكرمته ونعمته، وقيل: الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين، ويقال: فلان حسن الحبر والسبر بالفتح إذا كان جميلًا حسن الهيئة، واختلفت الأقوال في تفسيره هنا فأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن الضحاك أنهما قالا: يحبرون يكرمون.
وأخرج جماعة عن مجاهد يحبرون ينعمون، وقال أبو بكر ابن عياش: يتوجون على رؤوسهم.
وقال ابن كيسان: يحلون، وقال الأوزاعي. ووكيع. ويحيى بن أبي كثير: يسمعون الأغاني، وأخرج عبد بن حميد عن الأخير أنه قال: قيل: يا رسول الله ما الحبر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اللذة والسماع.
وذكر بعضهم أن الظاهر يسرون ولم يذكر ما يسرون به إيذانًا بكثرة المسار وما جاء في الخبر فمن باب الاقتصار على البعض، ولعل السائل كان يحب السماع فذكره صلى الله عليه وسلم له لذلك، والتعبير بالمضارع للإيذان بتجدد السرور لهم ففي كل ساعة يأتيهم ما يسرون به من متجددات الملاذ وأنواعها المختلفة.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)}
{وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} التي من جملتها الآيات الناطقة بما فصل {وَلِقَاء الاخرة} أي وكذبوا بالبعث، وصرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات للاعتناء به، وقوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الكفر والتكذيب بآياته تعالى وبلقاء الآخرة للإيذان بكمال تميزهم بذلك عن غيرهم وانتظامهم في سلك المشاهدات، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلتهم في الشر أي فأولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح {فِى العذاب مُحْضَرُونَ} على الدوام لا يغيبون عنه أبدًا، والظاهر أن الفسقة من أهل الإيمان غير داخلين في أحد الفريقين أما عدم دخولهم في الذين كفروا وكذبوا بالآيات والبعث فظاهر وأما عدم دخولهم في {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الروم: 15] فأما لأن ذلك لا يقال في العرف إلا على المؤمنين المجتنبين للمفسقات على ما قيل، وأما لأن المؤمن الفاسق يصدق على المؤمن الذي لم يعمل شيئًا من الصالحات أصلًا فهم غير داخلين في ذلك باعتبار جميع الأفراد وحكمهم معلوم من آيات أخر فلا تغفل.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)}
{فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحمد فِي السموات والأرض وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} إثر ما بين حال فريقي المؤمنين العاملين بالصالحات والكافرين المكذبين بالآيات وما لهما من الثواب والعقاب أرشد سبحانه إلى ما ينجي من الثاني ويفضي إلى الأول من تنزيه الله عز وجل عن كل ما لا يليق بشأنه جل شأنه ومن حمده تعالى والثناء عليه ووصفه بما هو أهله من الصفات الجميلة والشؤون الجليلة، وتقديم الأول على الثاني لما أن التخلية متقدمة على التحلية مع أنه أول ما يدعي إليه الذين كفروا المذكورون قبل بلا فصل، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وظاهر كلامهم أن {سُبْحَانَ} هنا منصوب بفعل أمر محذوف فكأنه قيل: إذا علمتم ذلك أو إذا صح واتضح حال الفريقين ومآلهما فسبحوا سبحان الله إلخ أي نزهوه تعالى تنزيهه اللائق به عز وجل في هذه الأوقات، قال في الكشف: وفيه إشكال لأن سبحان الله لزم طريقة واحدة لا ينصبه فعل الأمر لأنه إنشاء من نوع آخر، والجواب أن ذلك توضيح للمعنى وأن وقوعه جواب الشرط على منوال إن فعلت كذا فنعم ما فعلت فإنه إنشاء أيضًا لكنه ناب مناب الخبر وأبلغ، كذلك هو لإنشاء تنزيهه تعالى في الأوقات هربًا من وبيل عقابه وطلبًا لجزيل ثوابه، والشرط والجواب مقول على ألسنة العباد انتهى، وفي حواشي شيخ زاده أن الأمر بل الجملة الإنشائية مطلقًا لا يصح تعليقها بالشرط لأن الإنشاء إيقاع المعنى بلفظ يقارنه ولو جاز تعليقه للزم تأخره عن زمان التلفظ وأنه غير جائز وإنما المعلق بالشرط هو الإخبار عن إنشاء التمني والترجي وإنشاء المدح والذم والاستفهام ونحوها فإذا قلت: إن فعلت كذا غفر الله تعالى لك أو فنعم ما فعلت كان المعنى فقد فعلت ما تستحق بسببه أن يغفر الله تعالى لك أو أن تمدح بسببه إلا أن الجملة الإنشائية أقيمت مقامه للمبالغة للدلالة على الاستحقاق فمعنى الآية إذا كان الأمر كما تقرر فأنتم تسبحون الله تعالى في الأوقات المذكورة وهو في معنى الأمر بالتسبيح فيها انتهى.
ولعله أظهر مما في الكشف بل لا يظهر ما ذكر فيه من دعوى أن الشرط والجواب مقول على ألسنة العباد.
ويوهم كلام بعضهم أن الكلام بتقدير القول حيث قال: كأنه قيل إذا صح واتضح عاقبة المطيعين والعاصين فقولوا: نسبح سبحان إلخ، والمعنى فسبحوه تسبيحًا في الأوقات، ولا يخفى ما فيه، وكأني بك تمنع لزوم سبحان طريقة واحدة وهي التي ذكرت أولًا، ويجوز نصب فعل الأمر لها إذا اقتضاه المقام وأشعر به الكلام، ولكن كأنك تميل إلى اعتبار كون الجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى بأن يراد بها الأمر لتوافق جملة {لَهُ الحمد} فإنها وإن كانت خبرية إلا أن الإخبار بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على المميزين من أهل السموات والأرض كما يشعر به اتباع ذلك ذكر الوعد والوعيد وتفريعه عليه بالفاء في معنى الأمر به على أبلغ وجه على ما صرح به بعض الأجلة فكأنه حينئذٍ قد قيل: فسبحوا الله تعالى تسبيحه اللائق به سبحانه في هذه الأوقات واحمدوه، وظاهر كلام الأكثرين أن جملة {لَهُ الحمد} إلخ معطوفة على الجملة التي قبلها وأن {عشيًا} معطوف على {الله حِينَ تُمْسُونَ} بل هم صرحوا بهذا، وعلى ما ذكر يكون جملة {لَهُ الحمد} فاصلة بين المعطوف والمعطوف عليه، وما أشبه الآية حينئذٍ بآية الوضوء على ما ذهب إليه أهل السنة.
وفي الكشاف أن {عشيًا} متصل بقوله تعالى: {الله حِينَ تُمْسُونَ} وقوله تعالى: {وَلَهُ الحمد} إلخ اعتراض بينهما، ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السموات والأرض أن يحمدوه.
وإلى كون الجملة معترضة ذهب أبو البقاء أيضًا، وجعل قوله تعالى: {فِي السموات} حالًا من الحمد، وفي جواز مجيء الحال منه على احتمال كونه مبتدأ وهو الظاهر خلاف، ولعل من لا يجوز ذلك يجعل الجار متعلقًا بالثبوت الذي تقتضيه النسبة، والمراد بالتسبيح والحمد ظاهرهما على ما ذهب إليه جمع من الأجلة، وقيل: المراد بالتسبيح الصلاة. وأخرج عبد الرزاق. والفريابي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه عن أبي رزين قال: جاء نافع بن الأرزق إلى ابن عباس فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم فقرأ {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ} صلاة المغرب {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 71] صلاة الصبح {وَعَشِيًّا} صلاة العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر، وقرأ {وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء} [النور: 58] وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر عنه قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ} المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الفجر {وَعَشِيًّا} العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظهر، وذهب الحسن إلى ذلك حتى أنه ذهب إلى أن الآية مدنية لما أنه يرى فرضية الخمس بالمدينة وأنه كان الواجب كة ركعتين في أي وقت اتفقت الصلاة فيه، والصحيح أنها فرضت كة ويدل عليه حديث المعراج دلالة بينة.
واختار الإمام الرازي حمل التسبيح على التنزيه فقال: إنه أقوى والمصير إليه أولى لأنه يتضمن الصلاة وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن وبالأركان معهما جميعًا وهو العمل الصالح، والأول هو الأصل والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئًا ظهر من قلبه على لسانه وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحوال أفعاله واللسان ترجمان الجنان والأركان برهان اللسان لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان فهو تنزيه في التحقيق، فإذا قال سبحانه نزهوني وهذا نوع من أنواع التنزيه والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون هذا أمرًا بالصلاة، ثم إن قولنا يناسبه ما تقدم وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال عز وجل: {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] قال سبحانه: إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان والعمل الصالح استعمال الأركان فالكل تنزيهات وتحميدات فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض والحضور على الحياض اه، وأنا بالإمام أقتدي في دعوى أولوية الحمل على الظاهر، واختار أيضًا أن قوله تعالى: {لَهُ الحمد} اعتراض مؤكد بين المعطوف والمعطوف عليه مطلقًا ومعناه على ما سمعت عن الكشاف أن على المميزين كلهم أن يحمدوه فإن حمل التسبيح على الصلاة فهو كلام يؤكد الوجوب لأن الحمد يتجوز به عن الصلاة كالتسبيح، ووجه التأكيد دلالته على أنه أمر عم المكلفين من أهل السموات والأرض، وإن حمل على الظاهر فوجهه أن ذلك جار مجرى الاستدراك للأمر بالتسبيح، ولما كان من واد واحد كان كل منهما مؤكدًا للآخر فدل على دوام وجوب الحمد في الأوقات ووجوب التسبيح على أهل السموات والأرض، وأما الدلالة على الوجوب فمن اتباع {سبحان الله} إلخ ذكر الوعد والوعيد بالفاء فإنه يفهم تعين ذلك طريقًا للخلاص عن الدركات الوصول إلى الدرجات وما يتعين طريقًا لذلك كان واجبًا كذا في الكشف.
وذكر الإمام أن في هذا الاعتراض لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه قال جل وعلا: بين لهم أن تسبيحهم الله تعالى لنفعهم لا لنفع يعود إلى الله عز وجل فعليهم أن يحمدوا الله تعالى إذا سبحوه جل شأنه، وهذا كما في قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للايمان} [الحجرات: 17].
وجوز بعضهم كون {عشيًا} معطوفًا على قوله تعالى: {مَا فِي السموات} ورد بأنه لا يعطف ظرف الزمان على المكان ولا عكسه، وقيل: يحتمل أن يكون معطوفًا على مقدر أي وله الحمد في السموات والأرض دائمًا وعشيًا على أنه تخصيص بعد تعميم والجملة اعتراضية أو حالية وهو كما ترى، وتخصيص الأوقات المذكورة بالذكر لظهور آثار القدرة والعظمة والرحمة فيها، وقدم الإمساء على الإصباح لتقدم الليل والظلمة، وقدم العشي على الإظهار لأنه بالنسبة إلى الإظهار كالإمساء بالنسبة إلى الإصباح.
وفي البحر قوبل بالعشي الإمساء وبالإظهار الإصباح لأن كلًا منهما يعقب بما قابله فالعشي يعقبه الإمساء والإصباح يعقبه الإظهار، وقال العلامة أبو السعود: إن تقديم {عشيًا} على {حِينٍ تُظْهِرُونَ} لمراعاة الفواصل وليس بذاك وذكر الإمام أنه قدم الإمساء على الإصباح هاهنا وأخر في قوله تعالى: {سبحوه بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 42] لأن أول الكلام هاهنا ذكر الحشر والإعادة وكذا آخره والإمساء آخر فذكر الآخر أولًا لتذكر الآخرة، وتغيير الأسلوب في {عشيًا} لما أنه لا يجيء منه الفعل عنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السر في ذلك على ما قيل: إنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرًا ظاهرًا مصححًا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها كالأوقات المذكورة فإن كلًا منها وقت يتغير فيه الأحوال تغيرًا ظاهرًا، أما في المساء والصباح فظاهر. وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة كما مرت إليه الإشارة في سورة النور، هذا وفضل التسبيح والتحميد أظهر من أن يستدل عليه، وذكروا في فضل ما تضمنته الآية عدة أخبار، فأخرج الإمام أحمد. وابن جرير. وابن المنذر: وابن أبي حاتم. وابن السني في عمل اليوم والليلة. والطبراني. وابن مردويه. والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى لأنه يقول كلما أصبح وأمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيًا وحين تظهرون».
وأخرج أبو داود، والطبراني، وابن السني، وابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تعالى: وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته» إلى غير ذلك من الأخبار، ولعل فيه تأييدًا لكون {فَيَكُونُ فسبحان} إلخ مقولًا على ألسنة العباد فتأمل. وقرأ عكرمة {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} بتنوين حين فالجملة صفة حذف منها العائد والتقدير تمسون فيه وتصبحون فيه، وعلى قراءة الجمهور الجملة مضاف إليها ولا تقدير للضمير أصلًا.