فصل: تفسير الآية رقم (19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (19):

{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)}
{يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} الإنسان من النطفة {وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} النطفة من الإنسان وهو التفسير المأثور عن ابن عباس، وابن مسعود، ولعل مرادهما التمثيل، وعن مجاهد يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن، وقيل: أي يعقب الحياة بالموت وبالعكس {يُخْرِجُ الحى} بالنبات {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها فالإحياء والموت مجازان {وكذلك} أي مثل ذلك الإخراج البديع الشأن {تُخْرَجُونَ} من قبوركم. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش {تُخْرَجُونَ} بفتح التاء وضم الراء، وهذا على ما قيل نوع تفصيل لقوله تعالى: {يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يونس: 4].

.تفسير الآية رقم (20):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)}
{وَمِنْ ءاياته} الباهرة الدالة على أنكم تبعثون دلالة أوضح من دلالة ما سبق فإن دلالة بدأ خلقهم على إعادتهم أظهر من دلالة إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ومن دلالة إحياء الأرض بعد موتها عليها {أَنْ خَلَقَكُمْ} أي في ضمن خلق آدم عليه السلام لما مر مرارًا من أن خلقه عليه السلام منطو على خلق ذرياته انطواء إجماليًا {مّن تُرَابٍ} لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه في ذاتكم وصفاتكم، وقيل: خلقهم من تراب لأنه تعالى خلق مادتهم منه فهو مجاز أو على تقدير مضاف {ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} أي في الأرض تتصرفون في أغراضكم وأسفاركم، {وَإِذَا} فجائية و{ثُمَّ} على ما ذهب إليه أبو حيان للتراخي الحقيقي لما بين الخلق والانتشار من المدة، وقال العلامة الطيبي: إنها للتراخي الرتبي لأن المفاجأة تأبى الحقيقي. ورد بأنه لا مانع من أن يفاجئ أحدًا أمر بعد مضي مدة من أمر آخر أو أحدهما حقيقي والآخر عرفي. وتعقب بأنه على تسليم صحته يأباه الذوق فإنه كالجمع بين الضب والنون فما ذكره الطيبي أنسب بالنظم القرآني، والظاهر أن الجملة معطوفة على المبتدأ قبلها وهي بتأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته خلقكم من تراب ثم مفاجأتكم وقت كونكم بشرًا منتشرين كذا قيل، وفي وقوع الجملة مبتدأ ثل هذا التأويل نظر إلا أن يقال: إنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ويتخيل من كلام بعضهم أن العطف على {خَلَقَكُمْ} بحسب المعنى حيث قال: أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين، ويفهم من كلام صاحب الكشف في نظر الآية أعني قوله تعالى الآتي: {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 52] أنه إقيمت الجملة مقام المفرد من حيث المعنى لأنها تفيد فائدته، والكلام على أسلوب {مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} [آل عمران: 79] لأنه في معنى وأمن داخله، وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَكُمْ} وفائدة هذا الأسلوب الإشعار بأن ذلك آية خارجة من جنس الآيات مستقلة بشأنها مقصودة بذاتها فتأمل.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
{وَمِنْ ءاياته} الدالة على البعث أيضًا {أَنْ خَلَقَ لَكُم} أي لأجلكم {مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا} فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم على ما عرفت من التحقيق فمن تبعيضية والأنفس عناها الحقيقي، ويجوز أن تكون {مِنْ} ابتدائية والأنفس مجاز عن الجنس أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل: وهو الأوفق بقوله تعالى: {لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} أي لتميلوا إليها يقال: سكن إليه إذا مال فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} أي بين الأزواج إما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور أي جعل بينكم وبينهن كما في قوله تعالى: {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] وقيل: بين أفراد الجنس أو بين الرجال والنساء، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى: {مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعًا أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادًا وترحمًا من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم قيل: المودة والرحمة من الله تعالى والفرك وهو بغض أحد الزوجين الآخر من الشيطان.
وقال الحسن. ومجاهد. وعكرمة المودة كناية عن النكاح والرحمة كناية عن الولد، وكون المودة عنى المحبة كناية عن النكاح أي الجماع للزومها له ظاهر، وأما كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له فلا يخلو عن بعد، وقيل: مودة للشابة ورحمة للعجوز، وقيل: مودة للكبير ورحمة للصغير، وقيل: هما اشتباك الرحم والكل كما ترى {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم وإلقاء المودة والرحمة فهو إشارة إلى جميع ما تقدم، وقيل: إلى ما قبله وليس بذاك، وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإشعار ببعد منزلته {لاَيَاتٍ} عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في تضاعيف تلك الأفاعيل المبنية على الحكم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على أن ما ذكر ليس بآية فذة بل هي مشتملة على آيات شتى وأنها تحتاج إلى تفكر كما تؤذن بذلك الفاصلة. وذكر الطيبي أنه لما كان القصد من خلق الأزواج والسكون إليها وإلقاء المحبة بين الزوجين ليس مجرد قضاء الشهوة التي يشترك بها البهائم بل تكثير النسل وبقاء نوع المتفكرين الذين يؤديهم الفكر إلى المعرفة والعبادة التي ما خلقت السموات والأرض إلا لها ناسب كون المتفكرين فاصلة هنا.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
{وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والأرض *واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} أي لغاتكم بأن علم سبحانه كل صنف لغته أو ألهمه جل وعلا وضعها وأقدره عليها فصار بعض يتكلم بالعربية وبعض بالفارسية وبعض بالرومية إلى غير ذلك مما الله تعالى أعلم بكميته. وعن وهب أن الألسنة اثنان وسبعون لسانًا في ولد حام سبعة عشر وفي ولد سام تسعة عشر، وفي ولد يافث ستة وثلاثون، وجوز أن يراد بالألسنة أجناس النطق وأشكاله فقد اختلف ذلك اختلافًا كثيرًا فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه، ولعل هذا أولى مما تقدم. والإمام حكى الوجه الأول وقدم عليه ما هو ظاهر في أن المراد بالألسنة الأصوات والنغم ونص على أنه أصح من المحكي {وألوانكم} بياض الجلد وسواده وتوسط فيما بينهما أو تصوير الأعضاء وهيئاتها وألوانها وحلاها بحيث وقع التمايز بين الأشخاص حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة وإن كانا في غاية التشابه، فالألوان عنى الضروب والأنواع كما يقال: ألوان الحديث وألوان الطعام، وهذا التفسير أعم من الأول، وإنما نظم اختلاف الألسنة والألوان في سلك الآيات الآفاقية من خلق السموات والأرض مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم للإيذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من متممات خلقهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان {لاَيَاتٍ} عظيمة كثيرة {للعالمين} أي المتصفين بالعلم كما في قوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] وقرأ الكثير {العالمين} بفتح اللام، وفيه دلالة على وضوح الآيات وعدم خفائها على أحد من الخلق كافة.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}
{وَمِنْ ءاياته مَنَامُكُم} أي نومكم {الذين يُنفِقُونَ} لاستراحة القوى النفسانية وتقوى القوى الطبيعية {وابتغاؤكم} أي طلبكم {مِن فَضْلِهِ} أي بالليل والنهار، وحذف ذلك لدلالة ما قيل عليه، ونظيره قوله:
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ** ومقتلهم عند الوغى كان أغدرا

فإنه أراد يقتلون نفوسهم عند السلم وحذف لدلالة الوغى في الشطر الثاني عليه، والنوم بالليل والابتغاء من الفضل أي الكسب بالنهار أمران معتادان، وأما النوم بالنهار فكنوم القيلولة، وأما الكسب بالليل فكما يقع من بعض المكتسبين، وأهل الحرف من السعي والعمل ليلًا لاسيما في أطول الليالي وعدم وفاء نهارهم بأغراضهم، ومن ذلك حراسه الحوانيت بالأجرة وكذا قطع البراري في الأسفار ليلًا للتجارة ونحوها، وقال الزمخشري: وهذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينين الأولين أعني منامكم وابتغاؤكم بالقرينين الآخرين أعني الليل والنهار لأنهما ظرفان والظرف والواقع فيه كشيء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد وهو الوجه الظاهر لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن انتهى؛ والظاهر أنه أراد باللف الاصطلاحي ولا يأبى ذلك توسيط الليل والنهار لأنهما في نية التأخير وإنما وسطًا للاهتمام بشأنهما لأنهما من الآيات في الحقيقة لا المنام والابتغاء على ما حققه في الكشف مع تضمن توسيطهما مجاورة كل لما وقع فيه فالجار والمجرور قيل حال مقدمة من تأخير أي كائنين بالليل والنهار، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي وذلك بالليل والنهار، والجملة في «النظم الكريم» معترضة، وعلى كلا القولين لا يرد على الزمخشري لزوم كون النهار معمولًا للابتغاء مع تقدمه عليه وعطفه على معمول {مَنَامُكُم} وفي اقتران الفضل بالابتغاء إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من نفسه وبحذقه بل يرى كل ذلك من فضل ربه جل وعلا.
{إِنَّ فِي ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي شأنهم أن يسمعوا الكلام سماع تفهم واستبصار، وفيه إشارة إلى ظهور الأمر يحيث يكفي فيه مجرد السماع لمن له فهم وبصيرة ولا يحتاج إلى مشاهدة وإن كان مشاهدًا.
وقال الطيبي: جيء بالفاصلة هكذا لأن أكثر الناس منسدحون بالليل كالأموات ومترددون بالنهار كالبهائم لا يدرون فيم هم ولم ذلك لكن من ألقى السمع وهو شهيد يتنبه لوعظ الله تعالى ويصغي إليه لأن مر الليالي وكر النهار يناديان بلسان الحال الرحيل الرحيل من دار الغرور إلى دار القرار كما قال تعالى: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] وذكر الإمام أن من الأشياء ما يحتاج في معرفته إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه فيفهم إذا سمع من ذلك المرشد، ولما كان المنام والابتغاء قد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد فيحتاج معرفة أنهما من آياته تعالى إلى مرشد يعين الفكر قيل: {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} فكأنه قيل: لقوم يسمعون ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد انتهى؛ ولعل الاحتياج إلى مرشد يعين الفكر في أن الليل والنهار من الآيات بناءً على ما سمعت في بيان نكتة التوسيط أظهر فتأمل.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}
{وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق} ذهب أبو علي إلى أنه بتقدير أن المصدرية والأصل أن يريكم فحذف أن وارتفع الفعل وهو الشائع بعد الحذف في مثل ذلك، وشذ بقاؤه منصوبًا بعده وقد روي بالوجهين قول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

وجوز كونه مما نزل فيه الفعل منزلة المصدر فلا تقدر أن بل الفعل مستعمل في جزء معناه وهو الحدث مقطوع فيه النظر عن الزمان فيكون اسمًا في صورة الفعل فيريكم عنى الرؤية، وحمل على ذلك في المشهور قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وجوز فيه أن يكون مما حذف فيه أن وأيد بأنه روى فيه تسمع بالنصب أيضًا ولم يرتضه بعض الأجلة لأن المعنى ليس على الاستقبال، وأما أن تراه فالاستقبال فيه بالنسبة إلى السماء فلا ينافيه، ومثله قوله:
فقالوا ما تشاء فقلت الهو ** إلى الاصباح آثر ذي أثير

ورجح الحمل على التنزيل منزلة اللازم دلالة على أنه كالحال اهتمامًا بشأن المراد لقوله: آثر ذي أثير، والتعليل بأن ما تشاء سؤال عما يشاؤه في الحال وأن للاستقبال ليس بالوجه لأن المشيئة تتعلق بالمستقبل أبدًا، وقال الجامع الأصفهاني: تقدير الآية ومن آياته آية يريكم البرق على أن {يُرِيكُمْ} صفة وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه كما في قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

أي فمنهما تارة أموت قيل فلابد من راجع فقد فيها أو بها، ونص على الثاني الرماني كما في البحر وكلاهما لا يسد كما في الكشف عليه المعنى، وقيل: التقدير ومن آياته البرق ثم استؤنف يريكم البرق، وقيل: {مّنْ ءاياته} حال من البرق أي يريكم البرق حال كونه من آياته، وجوز أبو حيان تعلقه بيريكم و{مِنْ} لابتداء الغاية وفيه مخالفة لنظرائه.
وفي الكشف لعل الأوجه أن يكون من آياته خبر مبتدأ محذوف أي من آياته ما يذكر أو ما يتلى عليكم ثم قيل: {يُرِيكُمُ البرق} بيانًا لذلك ثم قال: وهذا أقل تكلفًا من الكل، وأنت تعلم أن الأوجه ما توافق الآية به نظائرها.
{خَوْفًا} أي من الصواعق {وَطَمَعًا} في المطر قاله الضحاك، وقال قتادة: خوفًا للمسافر لأنه علامة المطر وهو يضره لعدم ما يكنه ولا نفع له فيه وطمعًا للمقيم، وقيل: خوفًا أن يكون خلبًا وطمعًا أن يكون ما طرأ وقال ابن سلام: خوفًا من البرد أن يهلك الزرع وطمعًا في المطر ونصهما على العلة عند الزجاج، وهو على مذهب من لا يشترط في نصب المفعول له اتحاد المصدر والفعل المعلل في الفاعل ظاهر، وأما على مذهب الأكثرين المشترطين لذلك فقيل في توجيهه: إن ذلك على تقدير مضاف أي إرادة خوف وطمع أي على تأويل الخوف والطمع بالإخافة والاطماع أما بأن يجعل أصلهما ذلك على حذف الزوائد أو بأن يجعلا مجازين عن سببيهما.
وقيل: إن ذلك لأن إراءتهم تستلزم رؤيتهم فالمفعولون فاعلون في المعنى فكأنه قيل: لجعلكم رائين خوفًا وطمعًا.
واعترض بأن الخوف والطمع ليسا غرضين للرؤية ولا داعيين لها بل يتبعانها فكيف يكونان علة على فرض الاكتفاء ثل ذلك عند المشترطين، ووجه بأنه ليس المراد بالرؤية مجرد وقوع البصر بل الرؤية القصدية بالتوجه والالتفات فهو مثل قعدت عن الحزب جبنًا ولم يرتض ذلك أبو حيان أيضًا ثم قال: لو قيل على مذهب المشترطين أن التقدير يريكم البرق فترونه خوفًا وطمعًا فحذف العامل للدلالة عليه لكان إعرابًا سائغًا، وقيل: لعل الأظهر نصبهما على العلة للإراءة لوجود المقارنة والاتحاد في الفاعل فإن الله تعالى هو خالق الخوف والطمع، وكون معنى قول النحاة لابد أن يكون المفعول له فعل الفاعل أنه لابد من كونه متصفًا به كالإكرام في قولك: جئتك إكرامًا لك إن سلم فلا حجر من الانتصاب على التشبيه في المقارنة والاتحاد المذكور.
وتعقب بأن كون المعنى ما ذكر مما لا شبهة فيه وقد ذكره صاحب الانتصاف وغيره فإن الفاعل اللغوي غير الفاعل الحقيقي فالتوقف فيه وادعاء أنه لا حجر من الانتصاب على التشبيه مما لا وجه له، وأنا أميل إلى عدم اشتراط الاتحاد في الفاعل لكثرة النصب مع عدم الاتحاد كما يشهد بذلك التتبع والرجوع إلى شرح الكافية للرضى، والتأويل مع الكثرة مما لا موجب له، وجوز أن يكون النصب هنا على المصدر أي تخافون خوفًا وتطمعون طمعًا على أن تكون الجملة حالًا، وأولى منه أن يكونا نصبًا على الحال أي خائفين وطامعين.
{وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مَاء} وقرأ غير واحد بالتخفيف {وَمِنْ ءاياته} أي بسبب الماء {الأرض} بأن يخرج سبحانه به النبات {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع جل شأنه وحكمته سبحانه، وقال الطيبي: لما كان ما ذكر تمثيلًا لإحياء الناس وإخراج الموتى وكان التمثيل لإدناء المتوهم المعقول وإراءة المتخيل في صورة المحقق ناسب أن تكون الفاصلة لقوم يعقلون.