فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (25):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
{وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ} أي بقوله تعالى قوما أو بإرادته عز وجل، والتعبير عنها بالأمر للدلالة على كمال القدرة والغنى عن المبادي والأسباب، وليس المراد بإقامتهما إنشاءهما لأنه قد بين حاله بقوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض} [الروم: 22] ولا إقامتهما بغير مقيم محسوس كما قيل فإن ذلك من تتمات إنشائهما وإن لم يصرح به تعويلًا على ما ذكر في موضع آخر من قوله تعالى: {خُلِقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] الآية بل قيامهما وبقاؤهما على ما هما عليه إلى أجلهما الذي أشير إليه بقوله تعالى فيما قبل: {مَّا خَلَقَ الله السموات والأرض *وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الروم: 8].
ولما كان البقاء مستقبلًا باعتبار أواخره وما بعده نزول هذه الآية أظهرت هنا كلمة {ءانٍ} التي هي علم في الاستقبال. والإمام ذهب إلى أن القيام عنى الوقوف وعدم النزول ثم قال على ما لخصه بعضهم: ذكرت {ءانٍ} هاهنا دون قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق} [الروم: 24] لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن العلم في الاستقبال وجعل مصدرًا ليدل على الثبوت، وإراءة البرق لما كانت من الأمور المتجددة جيء بلفظ المستقبل ولم يذكر معه ما يدل على المصدر اه {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} {إِذْ} الأولى شرطية والثانية فجائية نائبة مناب الفاء في الجزاء لاشتراكهما في التعقيب. والجملة الشرطية قيل: معطوفة على {أَن تَقُومَ} على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض بأمره ثم خروجكم من قبوركم بسرعة إذا دعاكم، «وصاحب الكشف» يقول: إنها أقيمت مقام المفرد من حيث المعنى وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ} وذلك على أسلوب {مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} [آل عمران: 97] وفائدته ما سمعته قريبًا، وظاهر كلام بعض الأفاضل أن العطف عليه ظاهر في عدم قصد عد ما ذكر آية. واختار أبو السعود عليه الرحمة كون العطف من عطف الجمل وإن المذكور ليس من الآيات قال: حيث كانت آية قيام السماء والأرض بأمره تعالى متأخرة عن سائر الآيات المعدودة متصلة بالبعث في الوجود أخرت عنهن وجعلت متصلة به في الذكر أيضًا فقيل: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} الآية، والكلام مسوق للأخبار بوقوع البعث ووجوده بعد انقضاء أجل قيامهما مترتب على تعدد آياته تعالى الدالة عليه غير منتظم في سلكها كما قيل كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض على هيئتها بأمره عز وجل إلى أجل مسمى قدره الله تعالى لقيامهما ثم إذا دعاكم أي بعد انقضاء الأجل في الأرض وأنتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال سبحانه: أيها الموتى اخرجوا فجأتم الخروج منها، ولعل ما أشار إليه صاحب الكشف أدق وأبعد مغزى فتأمل، {وَمِنَ الأرض} متعلق بدعا و{مِنْ} لابتداء الغاية يكفي في ذلك إذا كان الداعي هو الله تعالى نفسه لا الملك بأمره سبحانه كون المدعو فيها يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلى لا بدعوة فإنه إذا جاء نهر الله جل وعلا بطل نهر معقل.
نعم جوز كون ذلك صفة لها وأن يكون حالًا من الضمير المنصوب ولا بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، وقال ابن عطية: إن {مِنْ} عندي لانتهاء الغاية وأثبت ذلك سيبويه، وقال أبو حيان: إنه قول مردود عند أصحابنا، وظواهر الأخبار أن الموتى يدعون حقيقة للخروج من القبور، وقيل: المراد تشبيه ترتب حصول الخروج على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابه الداعي المطلع على دعائه، ففي الكلام استعارة تمثيلية أو تخييلية ومكنية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم متهيئين لذلك وإثبات الدعوة لهم قرينتها أو هي تصريحية تبعية في قوله تعالى: {دَعَاكُمْ} إلى آخرها، {وثم} إما للتراخي الزماني أو للتراخي الرتبي، والمراد عظم ما في المعطوف من إحياء الموتى في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله تعالى الآتي: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] وكونه أعظم من قيام السماء والأرض لأنه المقصود من الإيجاد والإنشاء وبه استقرار السعداء والأشقياء في الدرجات والدركات وهو المقصود من خلق الأرض والسموات، فاندفع ما قاله ابن المنير من أن مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا مع إن كون المعطوف في مثله أرفع درجة أكثري لا كلي كما صرح به الطيبي فلا مانع من اعتبار التراخي الرتبي لو لم يكن المعطوف أرفع درجة، ويجوز حمل التراخي على مطلق البعد الشامل للزماني والرتبي.
وقرأ السبعة ما عدا حمزة. والكسائي {تُخْرَجُونَ} بضم التاء وفتح الراء، وهذه الآية ذكر أنها مما تقرأ على المصاب، أخرج ابن أبي حاتم عن الأزهر بن عبد الله الجرازي قال: يقرأ على المصاب إذا أخذ {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} وذكر الإمام، وأبو حيان في وجه ترتيب الآيات وتذييل كل منهما بما ذيل كلامًا طويلًا إن احتجته فارجع إليه.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}
{وَلَهُ} عز وجل خاصة كل {مِنْ السموات والأرض} من الملائكة والثقلين خلقًا وملكًا وتصرفًا ليس لغيره سبحانه شركة في ذلك بوجه من الوجوه {كُلٌّ لَّهُ} لا لغيره جل وعلا {قانتون} منقادون لفعله لا يمتنعون عليه جل شأنه من شأن من الشؤون وإن لم ينقد بعضهم لأمره سبحانه فالمراد طاعة الإرادة لا طاعة الأمر بالعبادة، وهذا حاصل ما روى عن ابن عباس، وقال الحسن: {قانتون} قارن بالشهادة على وحدانيته تعالى كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

وقال ابن جبير: {قانتون} مخلصون، وقيل: مقرون بالعبودية، وعليهما ليس العموم على ظاهره.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
{وَهُوَ الذي الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الموت؛ والتكرير لزيادة التقرير لشدة إنكارهم البعث والتمهيد لما بعده من قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الضمير المرفوع للإعادة وتذكيره لرعاية الخبر أو لأنها مؤولة بأن والفعل وهو في حكم المصدر المذكر أو لتأويلها بالبعث ونحوه، وكونه راجعًا إلى مصدر مفهوم من {يُعِيدُ} وهو لم يذكر بلفظ الإعادة لا يفيد على ما قيل لأنه اشتهر به فكأنه إذا فهم منه يلاحظ فيه خصوص لفظه والضمير المجرور لله تعالى شأنه، و{أَهْوَنُ} للتفضيل أي والإعادة أسهل على الله تعالى من المبدأ، والأسهلية على طريقة التمثيل بالنسبة لما يفعله البشر مما يقدرون عليه، فإن إعادة شيء من مادته الأولى أهون عليهم من إيجاده ابتداء، والمراد التقريب لعقول الجهلة المنكرين للبعث وإلا فكل الممكنات بالنسبة إلى قدرته تعالى عز وجل سواء فكأنه قيل: وهو أهون عليه بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم.
وذكر الزمخشري وجهًا آخر للتفضيل وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله والإعادة من قبيل الواجب الذي لابد من فعله لأنها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب والأفعال إما محال والمحال ممتنع أصلًا خارج عن المقدور، وإما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح وهو رديف المحال لأن الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنع الإحالة، وأما تفضل والتفضل حاله بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله، وأما واجب لابد من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع وإذا كانت أبعدها منه كانت أدخلها في التأتي والتسهل فكانت أهون منها وإذا كانت كذلك كانت أهون من الإنشاء اه. قال في «التقريب»: وفيه نظر لأنه مبني على الوجوب العقلي ولأن الوجوب إذا كان بالذات نافي القدرة كالامتناع وإلا كان ممكنًا فتساوي الفعلان لاشتراكهما في مصحح المقدورية وهو الإمكان.
وتعقبه في الكشف بقوله أقول: إنه غير واجب بالذات ولا يلزم منه المساواة مع التفضل في سهولة التأتي وأما المساواة في مصحح المقدورية فلا مدخل لها فيما نحن فيه، والحاصل منه أنه لو سلم منه أن الداعي إلى فعله أقوى فلا شك أنه أقرب إلى الوجود مما لا يكون الداعي كذلك. نعم إذا خلص الداعي إلى القسمين صارا سواء، وليس البحث على ذلك التقدير اه.
والحق ما قاله أبو السعود من أنه ليس المراد بأهونية الفعل أقربيته إلى الوجود باعتبار كثرة الأمور الداعية للفاعل إلى إيجاده وقوة اقتضائها لتعلق قدرته به بل أسهلية تأتيه وصدوره عنه عند تعلق قدرته بوجوده وكونه واجبًا بالغير، ولا تفاوت في ذلك بين أن يكون ذلك التعلق بطريق الإيجاب أو بطريق الاختيار.
وروى الزجاج عن أبي عبيدة وكثير من أهل اللغة أن {أَهْوَنُ} هاهنا عنى هين، وروى ذلك عن ابن عباس. والربيع، وكذا هو في مصحف عبد الله، وهذا كما يقال: الله تعالى أكبر أي كبير وأنت أوحد الناس أي واحدهم وإني لأوجل أي وجل. وفي الكشف التحقيق أنه من باب الزيادة المطلقة، وإنما قيل عنى إلهين لأنه يؤدي مؤداه، وقيل: أفعل على ظاهره وضمير عليه عائد على الخلق على معنى أن الإعادة أيسر على المخلوق لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانًا والإعادة لا تحتاج إلى التدريجات في الأطوار إنما يدعوه الله تعالى فيخرج.
وأما على معنى أن الإعادة أسهل على المخلوق أي أن يعيدوا شيئًا ويفعلوه ثانيًا بعدما زاولوا فعله وعرفوه أولًا أسهل من أن يفعلوه أولًا قبل المزاولة وإذا كان هذا حال المخلوق فما بالك بالخالق، ولا يخفى أن الظاهر رجوع الضمير إليه تعالى، ثم إن الجار والمجرور صلة {أَهْوَنُ} وقدمت الصلة في قوله تعالى: {وَهُوَ على هَيّنٌ} [مريم: 9و21] وأخرت هنا لأنه قصد هنالك الاختصاص وهو محزة فقيل {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} وإن كان صعبًا عندكم أن يولد بين هم وعاقر وأما هاهنا فلا معنى للاختصاص كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء فلو قدمت الصلة لتغير المعنى، ولما أخبر سبحانه بأن الإعادة أهون عليه على طريق التمثيل عقب ذلك بقوله تعالى: {وَلَهُ} تعالى شأنه خاصة {المثل} أي الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال {الاعلى} الذي ليس لغيره ما يدانيه فضلًا عما يساويه فكأنه قيل هذا لتفهيم العقول القاصرة إذ صفاته تعالى عجيبة وقدرته كل شأنه عامة وحكمته سبحانه تامة فكل شيء بدأ وإعادة وإيجادًا وإعدامًا على حد سواء ولا مثل له تعالى ولا ند. وعن قتادة. ومجاهد أن {المثل الاعلى} لا إله إلا الله، ولعلهما أرادا بذلك الوحدانية في ذاته تعالى وصفاته سبحانه، والكلام عليه مرتبط بما قبله أيضًا كأنه قيل: ما ذكر لتفهيم العقول القاصرة لأنه تعالى لا يشاركه أحد في ذاته تعالى وصفاته عز وجل، وقيل: مرتبط بما بعده من قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسِكُمْ} [الروم: 28] وقال الزجاج: المثل قوله تعالى: {هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قد ضربه الله تعالى مثلًا فيما يسهل ويصعب عندكم وينقاس على أصولكم فاللام في المثل للعهد وهو محمول على ظاهره غير مستعار للوصف العجيب الشأن {فِي السموات والأرض} متعلق ضمون الجملة المتقدمة على معنى أنه سبحانه قد وصف بذلك وعرف به فيهما على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وقيل: بالأعلى، وقيل: حذوف هو حال منه أو من {المثل} أو من ضميره في {الاعلى} وقيل: متعلق بما تعلق به {لَهُ} أي له في السماوات والأرض المثل الأعلى، والمراد أن دلالة خلقهما على عظيم القدرة أتم من دلالة الإنشاء فهو أدل على جواز الإعادة ولهذا جعل أعلى من الإنشاء فتأمل {وَهُوَ العزيز} القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن وإعادته {الحكيم} الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة.

.تفسير الآية رقم (28):

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
{ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا} يتبين به بطلان الشرك {مّنْ أَنفُسِكُمْ} أي منتزعًا من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم وأظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الأولوية، و{مِنْ} لابتداء الغاية وقوله تعالى: {هَلْ لَّكُمْ} إلى رخره تصوير للمثل، والاستفهام إنكاري عنى النفي و{لَكُمْ} خبر مقدم وقوله تعالى: {مّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} في موضع الحال من {شُرَكَاء} بعد لأنه نعت نكرة تقدم عليها؛ والعامل فيها كما في البحر هو العامل في الجار والمجرور الواقع خبرًا و{مِنْ} للتبعيض و{مَا} واقعة على النوع، وقوله تعالى: {مّن شُرَكَاء} مبتدأ و{مِنْ} مزيدة لتأكيد النفي المستفادة من الاستفهام، وقوله تعالى: {فِى مَا رزقناكم} متعلق بشركاء أي هل شركاء فيما رزقناكم من الأموال وما يجري مجراها مما تتصرفون فيه كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم من نوع العبيد والأماء كائنون لكم.
وجوز أن يكون {لَكُمْ} متعلقًا بشركاء ويكون {فِيمَا رزقناكم} في موضع الخبر كما تقول لزيد في المدينة مبغض فلزيد متعلق بغض الذي هو مبتدأ وفي المدينة الخبر أي هل شركاء لكم كائنون مما ملكته أيمانكم كائنون فيما رزقناكم، وقوله تعالى: {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} جملة في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري {وَفِيهِ} متعلق بسواء، وفي الكلام محذوف معطوف على {أَنتُمْ} أي فانتم وهم أي المماليك مستوون فيه لا فرق بينكم وبينهم في التصرف فيه، وقيل: لا حذف {وَأَنتُمْ} شامل للمماليك بطريق التغليب، وقوله تعالى: {تَخَافُونَهُمْ} خبر آخر لأنتم، وقال أبو البقاء: حال من ضمير {أَنتُمْ} الفاعل في {سَوَآء} وقوله تعالى: {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} في موضع الصفة لمصدر محذوف أي تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم يعني الأحرار المساهمين لكم، والمقصود نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي لا ترضون بأن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه سبحانه بل مصنوع مخلوقه جل وعلا حيث تصنعونه بأيدكم ثم تعبدونه.
وقرأ ابن أبي عبلة {أَنفُسَكُمْ} بالرفع على أن المصدر مضاف للمفعول {وأَنفُسَكُمْ} فاعله، قال أبو حيان: وهو وجه حسن ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل {كذلك} أي مثل ذلك التفصيل الواضح {نُفَصّلُ الآيات} أي نبينها ونوضحها لا تفصيلًا أدنى منه فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحصوص وإبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس فيكون في غاية الإيضاح والبيان.
{لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي يستعملون عقولهم في تدبير الأمثال، وقيل: في تدبير الأمور مطلقًا ويدخل في ذلك الأمثال دخولًا أوليًا، وخصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل لأنهم المنتفعون بها، وذكر العلامة الطيبي أنه لما كان ضرب الأمثال لأدناء المتوهم إلى المعقول وإراءة المتخيل في صورة المحقق ناسب أن تكون الفاصلة {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وهذه النكتة هنا أظهر منها فيما تقدم فتذكر.
وقرأ عباس عن أبي عمرو {يُفَصّلُ} بياء الغيبة رعيًا لضرب إذ هو مسند لما يعود للغائب. وقراءة الجمهور بالنون للحمل على {رزقناكم} وذكر بعض العلماء أن في هذه الآية دليلًا على صحة أصل الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض كأنه قيل: الممتنع المستقبح شركة العبيد لساداتهم أما شركة السادات بعضهم لبعض فلا تمتنع ولا تستقبح.