فصل: قصة زينب بنت الرسول وزوجها أبي العاص

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 بشرى الفتح

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبدالله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية ، بما فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ‏‏.‏‏

قال أسامة بن زيد ‏‏:‏‏ فأتانا الخبر - حين سوينا التراب على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي كانت عند عثمان بن عفان ‏‏.‏‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّفني عليها مع عثمان - أن زيد بن حارثة قد قدم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس ، وهو يقول ‏‏:‏‏ قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وأبو البختري العاص بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ يا أبت ، أحق هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، والله يا بني ‏‏.‏‏

 الرجوع إلى المدينة

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ، ومعه الأسارى من المشركين ، وفيهم عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، واحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النَّفَل الذي أصيب من المشركين ، وجعل على النفل عبدالله بن كعب بن عمرو ابن عوف بن مبذول ‏بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار ؛ فقال راجز من المسلمين - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يقال ‏‏:‏‏ إنه عدي بن أبي الزغباء ‏‏:‏‏

أقم لها صدروها يا بسبسُ * ليس بذي الطلح لها مُعرَّسُ

ولا بصحراء غُمير محبس * إن مطايا لقوم لا تُخَيَّسُ

فحملها على الطريق أكيس * قد نصر الله و فرّ الأخنس

 تهنئة المسلمين الرسول صلى الله عليه وسلم بالفتح

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية - يقال له ‏‏:‏‏ سير - إلى سرحة به ‏‏.‏‏ فقسّم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء ، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين ، فقال لهم سلمة بن سلامة - كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، ويزيد بن رومان - ‏‏:‏‏ ما الذي تهنئوننا به ‏‏؟‏‏ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقلة ، فنحرناها ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏‏:‏‏ أي ابن أخي ، أولئك الملأ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الملأ ‏‏:‏‏ الأشراف والرؤساء ‏‏.‏‏

 مقتل النضر وعقبة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث ، قتله علي بن أبي طالب ، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قُتل عقبة بن أبي معيط ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عرق الظبية عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والذي أسر عقبة ‏‏:‏‏ عبدالله بن سلمة أحد بني العجلان ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ‏‏:‏‏ فمن للصبية يا محمد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ النار ‏‏.‏‏ فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري ، أخو بني عمرو بن عوف ، كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند ، مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحميت ‏‏:‏‏ الزق ، وكان قد تخلف عن بدر ، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إنما هو أبو هند امرؤ من الأنصار فأنكحوه ، وأنكحوا إليه ، ففعلوا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر أن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة ، قال ‏‏:‏‏ قُدم بالأسارى حين قُدم بهم ، وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء ، في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء ، وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب ‏‏.‏‏ ‏

قال ‏‏:‏‏ تقول سودة ‏‏:‏‏ والله إني لعندهم إذ أُتينا ، فقيل ‏‏:‏‏ هؤلاء الأسارى ، قد أتى بهم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فرجعت إلى بيتي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، قالت ‏‏:‏‏ فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت ‏‏:‏‏ أي أبا يزيد ‏‏:‏‏ أعطيتم بأيديكم ، ألا متم كراما ، فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت ‏‏:‏‏ يا سودة ، أعلى الله ورسوله تحرضين ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت ‏‏.‏‏

 الإيصاء بالأسارى

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني نبيه بن وهب ، أخو بني عبدالدار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه ، وقال ‏‏:‏‏ استوصوا بالأسارى خيرا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكان أبو عزيز ابن عمير بن هاشم ، أخو مصعب بن عمر لأبيه وأمه في الأسارى ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال أبو عزيز ‏‏:‏‏ مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني ، فقال ‏‏:‏‏ شد يديك به ، فإن أمه ذات متاع ، لعلها تفديه منك ، قال ‏‏:‏‏ وكنت في رهط من الأنصار حين أقبوا بي من بدر ، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز ، وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأستحيي فأردها على أحدهم ، فيردها علي ما يمسها ‏‏.‏‏

 بلوغ مصاب قريش في رجالها إلى مكة

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر النضر بن الحارث ، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر ، وهو الذي أسره ، ما قال ، قال له أبو عزيز ‏‏:‏‏ يا أخي ، هذه وصاتك بي ، فقال له مصعب ‏‏:‏‏ إنه أخي دونك ‏‏.‏‏ فسألت أمه عن أغلى ما فُدي به قرشي ، فقيل لها ‏‏:‏‏ أربعة آلاف درهم ، فبعثت بأربعة آلاف درهم ، ففدته بها ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان ابن عبدالله الخزاعي ، فقالوا ‏‏:‏‏ ما وراءك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، فلما جعل يُعدد أشراف قريش ؛ قال صفوان بن أمية ، وهو قاعد في الحجر ‏‏:‏‏ والله إن يعقل هذا فاسئلوه عني ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ و ما فعل صفوان بن أمية ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ها هو ذاك جالسا في الحجر ، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمتُ ، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر ، فبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة ، وكذلك كانوا صنعوا ، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا ، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش ، كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أعمل الأقداح ، أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحي ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر ، حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ؛ فبينما هو جالس إذ قال الناس ‏‏:‏‏ هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم أبي سفيان المغيرة - قد قدم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال أبو لهب ‏‏:‏‏ هلم إلي ، فعندك لعمري الخبر ، قال ‏‏:‏‏ فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، أخبرني كيف كان أمر الناس ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقودوننا كيف شاءوا ، ويأسروننا كيف شاءوا ، وأيم الله مع ذلك ما لمتُ الناس ، لقينا رجالا بيضا ، على خيل بلق ، بين السماء والأرض ، والله ما تُليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء ‏‏.‏‏

قال أبو رافع ‏‏:‏‏ فرفعت طُنُب الحجرة بيدي ، ثم قلت ‏‏:‏‏ تلك والله الملائكة ؛ قال ‏‏:‏‏ فرفع أبو لهب يده فضرب بها وجهي ضربة شديدة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا ، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجة منكرة ، وقالت ‏‏:‏‏ استضعفته أن غاب عنه سيده ؛ فقام موليا ذليلا ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعَدَسة فقتله ‏‏.‏‏

 قريش تنوح على قتلاها وشعر الأسود في رثاء أولاده

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال ‏‏:‏‏ ناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا ‏‏:‏‏ لا تفعلوا فيبلغ محمد و أصحابه فيشمتوا بكم ؛ ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده ، زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وكان يحب أن يبكي على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل ، فقال لغلام له ، وقد ذهب بصره ‏‏:‏‏ انظر هل أُحلّ النَّحْب ؛ هل بكت قريش على قتلاها ‏‏؟‏‏ لعلي أبكي على أبي حكيمة ، يعني زمعة ، فإن جوفي قد احترق ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فلما رجع اليه الغلام قال ‏‏:‏‏ إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فذاك حين يقول الأسود ‏‏:‏‏

أتبكي أن يضل لها بعير * ويمنعها من النوم السهودُ

فلا تبكي على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود

على بدر سراة بني هصيص * ومخزوم ورهط أبي الوليد

وبكّي إن بكيت على عقيل * وبكّي حارثا أسد الأسود ‏

وبكيهم ولا تسمي جميعا * وما لأبي حكيمة من نديد

ألا قد ساد بعدهم رجال * ولولا يوم بدر لم يسودوا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هذا إقواء ، وهي مشهورة من أشعارهم ، وهي عندنا إكفاء ‏‏.‏‏ وقد سقطنا من رواية ابن إسحاق ما هو أشهر من هذا ‏‏.‏‏

 فداء أسرى قريش وفداء أبي وداعة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن له بمكة ابنا كيِّسا تاجرا ذا مال ، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه ؛ فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسرائكم ، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه ، قال المطلب بن أبي وداعة - وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى - ‏‏:‏‏ صدقتم ، لا تعجلوا ، وانسل من الليل فقدم المدينة ، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم ، فانطلق به ‏‏.‏‏

 فداء سهيل بن عمرو

قال ‏‏:‏‏ ثم بعثت قريش في فداء الأسارى ، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو ، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم ، أخو بني سالم بن عوف ، فقال ‏‏:‏‏

أسرتُ سهيلا فلا أبتغي * أسيرا به من جميع الأممْ

وخندف تعلم أن الفتى * فتاها سهيل إذا يظلم

ضربت بذي الشفر حتى انثنى * وأكرهت نفسي على ذي العلم

وكان سهيل رجلا أعلم من شفته السفلى ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لمالك بن الدخشم ‏‏.‏‏

 النهي عن التمثيل بالعدو

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، أخو بني عامر ابن لؤي ‏‏:‏‏ أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، دعني أنزعْ ثَنِيَّتَيْ سهيل بن عمرو ، ويدلع لسانه ، فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث ‏‏:‏‏ إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسأذكر حديث ذلك المقام في موضعه إن شاء الله تعالى ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضاهم ، قالوا ‏‏:‏‏ هات الذي لنا ، قال ‏‏:‏‏ اجعلوا رجلي مكان رجله ، وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه ‏‏.‏‏ فخلوا سبيل سهيل ، وحبسوا مكرزا مكانه عندهم ، فقال مكرز ‏‏:‏‏

فديت بأذواد ثمان سبا فتى * ينال الصميم غُرْمها لا المواليا

رهنت يدي والمال أيسر من يدي * علي ولكني خشيت المخازيا

وقلت سهيل خيرنا فاذهبوا به * لأبنائنا حتى ندير الأمانيا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا لمكرز ‏‏.‏‏

 أسر عمرو بن أبي سفيان و إطلاقه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، قال ‏‏:‏‏ كان عمرو بن أبي سفيان بن حرب ، وكان لبنت عقبة بن أبي معيط - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أم عمرو بن أبي سفيان بنت أبي عمرو ، وأخت أبي معيط بن أبي عمرو - أسيرا في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أسرى بدر ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أسره علي بن أبي طالب ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر ، قال ‏‏:‏‏ فقيل لأبي سفيان ‏‏:‏‏ افْدِ عمرا ابنك ؛ قال ‏‏:‏‏ أيجمع علي دمي ومالي ‏‏!‏‏ قتلوا حنظلة ، وأفدي عمرا ‏‏!‏‏ دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فبينما هو كذلك ، محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ خرج سعد بن النعمان بن أكَّال ، أخو بني عمرو بن عوف ثم أحد بني معاوية معتمرا ومعه مُرَيَّة له ، وكان شيخا مسلما ، في غنم له بالنقيع ، فخرج من هنالك معتمرا ، ولا يخشى الذي صُنع به ، لم يظن أنه يحُبس بمكة ، إنما جاء معتمرا ‏‏.‏‏

وقد كان عهد قريشا لا يعرضون لأحد جاء حاجا ، أو معتمرا إلا بخير ؛ فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو ، ثم قال أبو سفيان ‏‏:‏‏

أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه * تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا

فإن بني عمرو لئام أذلة * لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا

فأجابه حسَّان بن ثابت فقال ‏‏:‏‏

لو كان سعد يوم مكة مطلقا * لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا

بعضب حسام أبو بصفراء نبعة * تحن إذا ما أُنبضتْ تحفز النبلا

ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره ، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا به صاحبهم ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ فبعثوا به إلى أبي سفيان ، فخلى سبيل سعد ‏‏.‏‏

 قصة زينب بنت الرسول وزوجها أبي العاص

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبد شمس ، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج ابنته زينب ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أسره خراش بن الصمة ، أحد بني حرام ‏‏.‏‏

 

سبب زواج أبي العاص من زينب

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين ‏‏:‏‏ مالا ، وأمانة ، وتجارة ، وكان لهالة بنت خويلد ، وكانت خديحة خالته ‏‏.‏‏ فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها ، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي ، فزوجه ، وكانت تعده بمنزلة ولدها ‏‏.‏‏

فلما أكرم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت به خديجة وبناته ، فصدقنه ، وشهدن أن ما جاء به الحق ، و دِنَّ بدينه ، وثبت أبو العاص على شركه ‏‏.‏‏

 

قريش تشغل الرسول عليه الصلاة والسلام بطلاق بناته من أزواجهن

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوّج عتبة بن أبي لهب رقية ، أو أم كلثوم ‏‏.‏‏ فلما ‏بادى قريشا بأمر الله تعالى وبالعداوة ، قالوا ‏‏:‏‏ إنكم قد فرَّغتم محمدا من همه ، فردوا عليه بناته ، فاشغلوه بهن ‏‏.‏‏

فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له ‏‏:‏‏ فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت ؛ قال ‏‏:‏‏ لا والله ، إني لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش ‏‏.‏‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره خيرا ، فيما بلغني ‏‏.‏‏ ثم مشوا إلى عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له ‏‏:‏‏ طلق بنت محمد ونحن نُنكحك أي امرأة من قريش شئت ؛ فقال ‏‏:‏‏ إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها ‏‏.‏‏

فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها ، ولم يكن دخل بها ، فأخرجها الله من يده كرامة لها ، وهوانا له ، وخلف عليها عثمان بن عفان بعده ‏‏.‏‏

 

تحريم زينب على أبي العاص بن الربيع

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحُل بمكة ولا يحرم ، مغلوبا على أمره ؛ وكان الإسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما ، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صارت قريش إلى بدر ، سار فيهم أبو العاص بن الربيع فأصيب في الأسارى يوم بدر ، فكان بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

 

رد المسلمين فدية زينب لأبي العاص

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت ‏‏:‏‏ لما بعث أهل مكة في فداء أُسَرَائهم ، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها ؛ قالت ‏‏:‏‏ فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ‏‏:‏‏ إن رأيتم أن تُطْلقوا لها أسيرها ، وتردوا عليها مالها ، فافعلوا ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ نعم يارسول الله ‏‏.‏‏ فأطلقوه ، وردوا عليها الذي لها ‏‏.‏‏