فصل: باب كَلامِ اللَّه تَعَالَى مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب كَلامِ اللَّه تَعَالَى مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- فيه‏:‏ أَبُو سَعِيد،، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأهْلِ الْجَنَّةِ‏:‏ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ‏:‏ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ، فَيَقُولُ‏:‏ هَلْ رَضِيتُمْ‏؟‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ وَمَا لَنَا لا نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ‏:‏ أَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ يَا رَبِّ، وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ‏:‏ ‏(‏أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِى الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، وَلَكِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ‏:‏ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَم، َ فَإِنَّهُ لا يُشْبِعُكَ شَىْءٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال المهلب‏:‏ قد تقدم إثبات كلام الله مع الأنبياء ومع الملائكة، وفى هذا الباب إثبات كلامه مع أهل الجنة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله يقول لأهل الجنة‏:‏ يا أهل الجنة، فيقولون‏:‏ لبيك ربنا وسعديك‏)‏ فإن قال قائل من القدرية‏:‏ إن فى هذا الحديث ما يدل على وهنه وسقوطه، وهو قوله‏:‏ ‏(‏أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدًا‏)‏ لأن فيه ما يوهم أن له أن يسخط على من صار فى الجنة، وقد نطق القرآن بخلاف ذلك قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 185‏]‏، وقال‏:‏ ‏(‏الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 82‏]‏، وأنهم خالدون في الجنة أبدًا فكيف يحل عليهم رضوانه، وقد أوجبه لأهل الجنة بقوله‏:‏ ‏(‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏ 8‏]‏، فيقال له‏:‏ لما ثبت أن الله تفضل بخلق العباد، وأخرجهم من العدم إلى الوجود، وأنعم عليهم بخلق الحياة وإدامة الصحة والالتذاذ بنعمه، وكان له تعالى ألا يخرجهم ويبقيهم على العدم، ثم لما خلقهم كان له ألا يخلقهم أحياءً ملتذين، وألا يديم لهم الصحة‏.‏

فكان تعالى فى مجازاة المحسنين وإنجاز ما وعدهم من إحسانه متفضلا عليهم، ولم يجب تعالى عليه لأحد شىء يلزمه، إذ ليس فوقه تعالى من شرع له شرعًا، ولا ألزمه حكمًا، وللمتفضل أن يتفضل وألا يتفضل، كما له أن يتعبد عباده بلا جزاء ولا شكور، تسخيرًا كسائر المخلوقات، وله أن يجازى مدة بمدة، ومدة العمل فى الدنيا متناهية فيقطع ما تفضل به من المجازاة على ما تفضل به عليهم من العمل والمعونة‏.‏

وعلموا أن آدم عليه السلام كلف فى الجنة اجتناب أكل الشجرة، فجاز عليه التكليف والمعصية، لم يأمنوا ما لله تعالى فى خلقه مثل ذلك من ابتداء التكليف وجواز المعصية، فزاد الله سرورهم بأن أمنهم ما كان له أن يفعله فيهم، ورفعه عنهم بالرضوان عليهم وإسقاط التكليف لهم وعصمهم من جواز المعصية عليهم، فلو عبد الله العبد ألف سنة بعد تقدم أمره إليه بذلك لما وجب له عليه جزاء على عبادة‏.‏

وكيف يجب له ثواب وأقل نعمة من نعمه تستغرق جميع أعماله التى تقرب بها إليه، فحلول رضوانه عليهم أنعم لنفوسهم من كل ما خولهم فى جناته تعالى، فسقط اعتراضهم، وصح معنى الحديث‏.‏

وأدخل حديث الزارع فى الجنة لتكلم الله له‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شىء‏)‏ فإن ظن من لم ينعم النظر أن قوله‏:‏ لا يشبعك شىء‏.‏

معارض لقوله‏:‏ ‏(‏إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 118‏]‏، فليس كما ظن؛ لأن نفى الشبع لا يوجب الجوع؛ لأن بينهما واسطة الكفاية والشبع بعده، وأكل أهل الجنة لا عن جوع أصلاً لنفى الله تعالى الجوع منهم، واختلف فى الشبع فيها، والصواب‏:‏ ألا شبع؛ لأنه لو كان فيها طول الأكل المستلذ منها مدة الشبع، وإنما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يشبعك شىء‏)‏ ذم ترك القناعة بما كان فيه، وطلب الزيادة عليه، أى لا تشبع عينك ولا نفسك بشىء، والله الموفق‏.‏

باب ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالأمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإبْلاغِ

لِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 152‏]‏‏)‏ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ‏}‏ الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 27‏]‏‏.‏

غُمَّةٌ‏:‏ هَمٌّ وَضِيقٌ‏.‏

قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ اقْضُوا إِلَىَّ مَا فِى أَنْفُسِكُمْ، يُقَالُ‏:‏ افْرُقِ‏:‏ اقْضِ‏.‏

وقال مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 6‏]‏ إِنْسَأن يَأْتِيهِ، فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ، فَيَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ النَّبَأُ الْعَظِيمُ الْقُرْآنُ،‏)‏ صَوَابًا ‏(‏حَقًّا فِى الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ‏.‏

معنى قوله باب ذكر الله بالأمر‏:‏ أى ذكر الله لعباده يكون مع أمره لهم بعبادته، والتزام طاعته، ويكون مع رحمته لهم، وإنعامه عليهم إذا أطاعوه، وبعذابه إذا عصوه‏.‏

قال ابن عباس فى قوله‏:‏ ‏(‏فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 152‏]‏‏:‏ إذا ذكر الله العبد وهو على طاعته؛ ذكره برحمته، وإذا ذكره وهو على معصيته؛ ذكره بلعنته‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ اذكرونى بالطاعة أذكركم بالمغفرة‏.‏

قال المهلب‏:‏ ذكر العباد بالدعاء والتضرع فى الغفران، والتفضل عليهم بالرزق والهداية، وقوله‏:‏ والرسالة والإبلاغ معناه‏:‏ وذكر الله الأنبياء بالرسالة والإبلاغ بما أرسلهم به إلى عباده بما يأمرهم به من عبادته وينهاهم، وقوله‏:‏ ‏(‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ‏(‏، فهذا ذكر الله لرسوله نوح بما بلغ من أمره، وتذكيره قومه بآيات الله، وكذلك فرض على كل نبى تبليغ كتابه وشريعته، ولذلك ذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 6‏]‏ الذى أمر بتلاوته عليهم، وإنبائهم به‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ النبأ العظيم‏:‏ القرآن، سمى نبأ لأنه منبا به، وهو متلو للنبى صلى الله عليه وسلم ولهذا ذكر فى الباب هذه الآية من أجل أمر الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم إجارة المشرك حتى يسمع الذكر، وقوله صوابًا حقًا، يريد قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 38‏]‏، يريد وقال حقًا فى الدنيا، وعمل به فذلك الذى يؤذن له فى الكلام بين يدى الله تعالى بالشفاعة لمن أذن له، وكان يصلح أن يذكر فى هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى‏:‏ ‏{‏من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه‏)‏ أى من ذكرنى فى نفسه متضرعًا داعيًا؛ ذكرته فى نفسى مجيبًا مشفقًا، فإن ذكرنى فى ملأ من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته فى ملأ من الملائكة، الذين هم أفضل من ملأ الناس، بالمغفرة والرحمة والهداية، يفسره قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث التنزل‏:‏ ‏(‏هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه‏)‏ هذا ذكر الله للعباد بالنعم والإجابة لدعائهم‏.‏

باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 22‏]‏

وَقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68‏]‏ وقوله‏:‏ ‏(‏وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ‏}‏ الآية ‏[‏الزمر‏:‏ 65‏]‏‏.‏

وَقَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ ‏(‏وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 106‏]‏‏.‏

يسألهم من خلقهم وخلق السموات والأرض، فيقولون‏:‏ الله، وذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره‏.‏

وَمَا ذُكِرَ فِى خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وأسروا قولكم أو اجهروا به‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏(‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 96‏]‏، وقوله‏:‏ ‏(‏وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 2‏]‏‏.‏

وقال مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏(‏مَا تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ إِلا بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 8‏]‏ بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ،‏)‏ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 8‏]‏ الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ،‏)‏ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ‏(‏عِنْدَنَا‏)‏ وَالَّذِى جَاءَ بِالصِّدْقِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 33‏]‏ الْقُرْآنُ‏)‏ وَصَدَّقَ بِهِ ‏(‏الْمُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏:‏ هَذَا الَّذِى أَعْطَيْتَنِى عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ‏.‏

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ، سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ‏)‏، قُلْتُ‏:‏ ثُمَّ أَيُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خشية أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ‏)‏، قُلْتُ‏:‏ ثُمَّ أَيُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ غرضه فى هذا الباب إثبات الأفعال كلها لله تعالى كانت من المخلوقين، خيرًا أو شرًا، فهى لله خلق وللعباد كسب، ولا ينسب منها شىء إلى غير الله تعالى فيكون شريكًا له، وندًا مساويًا له فى نسبة الفعل إليه، ونبه الله عباده على ذلك بقوله‏:‏ ‏(‏فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 22‏]‏ أنه الخالق لكم ولأفعالكم وأرزاقكم، ردًا على من زعم من القدرية أنه يخلق أفعاله، فمن علم أن الله خلق كل شىء فقدره تقديرًا، فلا ينسب شيئًا من الخلق إلى غيره، فلهذا ذكر هذه الآيات فى نفى الأنداد والآلهة المدعوة معه، فمنها ما حذر به المؤمنين، ومنها ما وبخ به الكافرين الضالين، ثم أثنى على المؤمنين فى قوله‏:‏ ‏(‏وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 68‏]‏، يريد كما يدعو عبدة الأوثان لترزقهم، وتعافيهم، وهى لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أى الذنب أعظم‏؟‏ قال‏:‏ أن تجعل لله ندًا وهو خلقك‏)‏ معناه‏:‏ رزقك بدليل قوله‏:‏ ‏(‏ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‏)‏ كيف تقتله وقد خلق رزقه، فلا يأكل من رزقك شيئًا، فمن خلقك وخلقه، ورزقك ورزقه، أحق بالعبادة من الند الذى اتخذت معه شريكًا، ثم أن تزانى حليلة جارك، وقد خلق لك زوجة فتقطع بالزنا الرحم والنسب، وتقاطع الرحام سبب إلى قطع الرحمة من الله، والتراحم بين الناس، ألا ترى غضب القبائل لبنى عمها من أجل الرحم، وأن الغدر وخسيس الفعل منسوب إلى أولاد الزنا، لانقطاع أرحامهم‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏فصلت‏:‏ 22‏]‏

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّه بْن مسعود، اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِىٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِىٌّ، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ‏:‏ أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ‏؟‏ قَالَ الآخَرُ‏:‏ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ‏:‏ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ‏}‏ الآية‏.‏

غرضه فى هذا الباب إثبات السمع لله تعالى والعلم بنيات الكلام له فى هذه الآية ومن سائر الآيات فى الأبواب المتقدمة، وإذا ثبت أنه سميع فواجب كونه سامعًا بسمع، كما أنه لما ثبت كونه عالمًا وجب كونه عالمًا بعلم خلافًا لمن أنكر صفات الله من المعتزلة، وقالوا‏:‏ معنى وصفه بأنه سامع للمسموعات‏:‏ بمعنى وصفه بأنه عالم بالمعلومات ولا سمع له، ولا هو سامع حقيقة، وهذه شناعة ورد لظواهر كتاب الله وسنن رسوله، وموجب كون المخلوق أكمل أوصافًا من الخالق؛ لأن السامع هنا يسمع الشىء ويعلمه حقيقة، وكذلك البصير منا يرى الشىء ويعلمه حقيقةً، فلو كان البارى سامعًا لما يسمعه، ويعلمه بمعنى أنه عالم فقط؛ لكنا أكمل وصفًا منه تعالى من حيث أدركنا الشىء من جهة السمع والعلم، وأدركه هو من جهة العلم فقط، ومن أدرك الشىء من وجهين أولى يكون بصفة الكمال من مدركه من وجه واحد، وهذا يوجب عليهم أن يكون خالقهم بصفة الصم الذى يعلم الشىء ولا يسمعه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا‏.‏

وفى حديث الثقفى والقرشيين من الفقه‏:‏ إثبات القياس الصحيح، وإبطال القياس الفاسد، ألا ترى أن الذى قال‏:‏ ‏(‏يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا‏)‏ قد أخطأ فى قياسه؛ لأنه شبه الله تعالى بخلقه الذين يسمعون الجهر، ولا يسمعون السر، والذى قال‏:‏ ‏(‏إن كان يسمع إن جهرنا، فإنه يسمع إن أخفينا‏)‏ أصاب فى قياسه حين لم يشبه الله بالمخلوقين، ونزهه عن مماثلتهم‏.‏

فإن قيل‏:‏ فإن كان أصاب فى قياسه، فكيف جعله النبى صلى الله عليه وسلم من جملة الذين شهد لهم بقلة الفقة‏.‏

قيل له‏:‏ لما لم يعتقد حقيقة ما قال‏:‏، وشك فيه، ولم يقطع على سمع الله تعالى بقوله‏:‏ إن كان يسمع، لم يحكم له النبى صلى الله عليه وسلم بالفقه، وسوى بينهم فى أنه قليل فقه قلوبهم‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 29‏]‏

وَ‏{‏مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 2‏]‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وَأَنَّ حَدَثَهُ لا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وقال ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِى الصَّلاةِ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، قَالَ‏:‏ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ‏.‏

- وَقَالَ مرة‏:‏ كِتَابُكُمِ الَّذِى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الأخْبَارِ بِاللَّهِ‏.‏

غرضه في هذا الباب الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق، وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق، وأجاز وصفه بالحدث، اعتمادًا على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 2‏]‏، وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظاهر، وهو خطأ فى القول؛ لأن الذكر الموصوف فى الآية بالإحداث، ليس هو نفس كلامه تعالى؛ لقيام الدليل على أن محدثًا، ومخلوقًا، ومنشئًا، ومخترعًا‏:‏ ألفاظ مترادفة على معنى واحد‏.‏

فإذا لم يجز وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق، لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان ذلك كذلك كان الذكر الموصوف فى الآية بأنه محدث راجعًا إلى أنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد سماه الله تعالى فى آية أخرى ذكرًا، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولاً‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 10، 11‏]‏، فسماه ذكرًا فى هذه الآية، فيكون المعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم، بمعنى‏:‏ ما يأتيهم رسول‏.‏

ويحتمل أن يكون الذكر فى الآية هو وعظ الرسول، وتحذيره إياهم من معاصى الله، فسمى وعظه ذكرًا، وأضافه إليه، إذ هو فاعل له، ومقدر رسوله على اكتسابه‏.‏

وقال بعض المتكلمين فى هذه الآية‏:‏ يحتمل أن يرجع الإحداث إلى الإتيان، لا إلى الذكر القديم؛ لأن نزول القرآن على النبى كان شيئًا بعد شىء، فكان يحدث نزوله حينًا بعد حين، ألا ترى أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل، فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم، ولم يكن إحداثه عند المتعلم إحداث عين العلم‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 16‏]‏

وَفِعْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ أَنَا مَعَ عَبْدِى حَيْثُمَا ذَكَرَنِى، وَتَحَرَّكَتْ بِى شَفَتَاهُ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، فِى قَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ‏(‏، قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ‏(‏قَالَ‏:‏ جَمْعُهُ فِى صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَؤُهُ،‏)‏ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 18‏]‏ قَالَ‏:‏ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَقْرَأَهُ‏.‏

قال المهلب‏:‏ غرضه فى هذا الباب، أن يعرفك أن وعاء القلب لما يسمعه من القرآن، وأن قراءة الإنسان وتحريك شفتيه ولسانه، عمل له وكسب يؤجر عليه، فكان صلى الله عليه وسلم يحرك به لسانه عند قراءة جبريل عليه مبادرةً ألا يفلت منه ما سمع، فنهاه الله عن ذلك، ورفع عنه الكلفة والمشقة التى كانت تناله فى ذلك، مع ضمانه تعالى تسهيل الحفظ على نبيه، وجمعه له فى صدره، وأمره أن يقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته، وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقيل معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ‏(‏، أي اعمل بما فيه، فأما إضافته فعل القراءة إليه بقوله‏:‏ ‏(‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ‏(‏والقارئ لكلامه تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم وهو جبريل دونه تعالى فهذه إضافة فعل فعله فى غيره، كما تقول‏:‏ قتل الأمير اللص وصلبه، وهو لم يل ذلك بنفسه، إنما أمر من فعله‏.‏

ففيه بيان لما يشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى، مما لا يليق به فعله من الإتيان، والنزول، والمجئ، أن ذلك الفعل إنما هو منتسب إلى الملك المرسل به، كقوله‏:‏ ‏(‏وَجَاء رَبُّكَ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 22‏]‏، والمجئ مستحيل عليه لاستحالة الحركة، وإنما معناه‏:‏ وجاء أمر ربك ورسول ربك، فكما استحالت عليه الحركة والانتقال، كذلك استحالت عليه القراءة المعلومة منا لأنها محاولة حركة أعضاء وآلات، والله يتعالى عن ذلك، وعن شبه الخليقة فى قول أو عمل‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏أنا مع عبدى ما ذكرنى وتحركت بى شفتاه‏)‏ فمعناه‏:‏ أنا مع عبدى زمان لى أى‏:‏ أنا معه بالحفظ والكلاءة، لا على أنه معه بذاته حيث حلَّ العبد وتقلب، ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏وتحركت بى شفتاه‏)‏‏:‏ تحركت باسمى وذكره لى وبسائر أسمائه تعالى الدالة عليه، لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى، إذ محال حلوله فى الأماكن، ووجوده فى الأفواه، وتعاقب الحركات عليه‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ‏}‏ إلى‏:‏ ‏{‏الْخَبِيرُ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 13‏]‏

‏{‏يَتَخَافَتُونَ‏}‏‏:‏ يَتَسَارُّونَ‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، فِى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا ‏(‏نَزَلَتْ وَالنَّبِيّ عليه السلام مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ‏(‏أَىْ بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ‏)‏ وَلا تُخَافِتْ بِهَا ‏(‏عَنْ أَصْحَابِكَ فَلا تُسْمِعُهُمْ‏)‏ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 110‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ‏)‏‏.‏

وَزَادَ غَيْرُهُ‏:‏ ‏(‏يَجْهَرُ بِهِ‏)‏‏.‏

معنى هذا الباب إثبات العلم لله تعالى صفة بذاتية؛ لاستواء علمه من القول والجهر، وقد بينه تعالى فى آية أخرى، فقال‏:‏ ‏(‏سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 10‏]‏، وفيه دليل أن اكتساب العباد من القول والفعل خلق لله تعالى ألا ترى قوله‏:‏ ‏(‏وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 13‏]‏، ثم قال عقيب ذلك‏:‏ ‏(‏أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 14‏]‏، فدل أنه ممتدح بكونه عالمًا بما أسروه من قولهم وجهروا به، وأنه خالق لذلك منهم‏.‏

فإن قال قائل من القدرية الذين يزعمون أن أفعال العباد ليست خلقًا لله تعالى‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ‏(‏غير راجع بالخلق إلى القول، وإنما هو راجع إلى القائلين، فليس فى الآية بدليل لكم على كونه تعالى خالقًا لقول القائلين‏.‏

قيل له‏:‏ هذا تأويل فاسد؛ لأن الله تعالى أخرج هذا الكلام مخرج التمدح منه بعلمه ما أسروه من قولهم وجهروا به، وخلقه لذلك مع خلقه خلقه، دليلا على كونه عالمًا به‏.‏

فلو كان غير خالق له، وممتدحًا بكونه عالمًا بقوله، وخالقًا لهم دون قولهم؛ لم يكن فى الآية دليل على صحة كونه عالمًا بقولهم، كما ليس فى عمل العامل ظرفًا من الظروف دليل على علمه ما أودعه غيره فيه‏.‏

والله تعالى قد جعل خلقه دليلا على كونه عالمًا بقولهم؛ فيجب رجوع خلقه تعالى إلى قولهم؛ ليصح له التمدح بالأمرين، وليكون أحدهما دليلا على الآخر، وإذا كان ذلك كذلك، ولا أحد من الأمة يفرق بين القول وسائر الأفعال، وقد دلت الآية على كون الأقوال خلقًا له تعالى؛ وجب كون سائر أفعال العباد خلقًا له‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ فقد تقدم فى فضائل القرآن، وتلخيص معناه‏:‏ الحض على تحسين الصوت به، والغناء الذى أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن به، وهو الجهر بالصوت وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة؛ حتى يتميز التالى له من المتحدث تعظيمًا له فى النفوس وتحبيبًا إليها‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فإن كان معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ ما ذكرت من تحسين الصوت به، أفعندك من لم يحسن صوته بالقرآن فليس من النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏‏.‏

قيل‏:‏ معناه لم يستن بنا فى تحسين الصوت بالقرآن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن صوته به، ويرجع فى تلاوته على ما حكاه ابن مغفل، على ما يأتى بعد، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس بمتبع لسنته صلى الله عليه وسلم، ولا مقتديًا به فى تلاوته‏.‏

باب قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ‏)‏

فَبَيَّنَ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 22‏]‏ وَقَالَ تعالى‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 77‏]‏‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا حَسد إِلا فِى اثْنَتَيْنِ‏:‏ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهُوَ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِى حَقِّهِ، فَيَقُولُ‏:‏ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ‏)‏‏.‏

هذا الباب مستغنى عن الكلام فيه لبيانه ووضوح معناه لمن تأمله من ذوى الألباب‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ الآية ‏[‏المائدة‏:‏ 67‏]‏

وَقَالَ الزُّهْرِىُّ‏:‏ مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 28‏]‏، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏أُبْلِغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى‏}‏‏.‏

وقال فِى قصة كَعْب حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِىِّ عليه السلام‏:‏ ‏)‏ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 105‏]‏، وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ، فَقُلْ‏)‏ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ‏(‏وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ‏.‏

وقال مَعْمَرٌ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ الْكِتَابُ ‏(‏هَذَا الْقُرْآنُ،‏)‏ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 2‏]‏ بَيَانٌ وَدِلالَةٌ، كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ‏(‏هَذَا حُكْمُ اللَّهِ،‏)‏ لا رَيْبَ فيه ‏(‏لا شَكَّ،‏)‏ تِلْكَ آيَاتُ ‏(‏يَعْنِى هَذِهِ أَعْلامُ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ،‏)‏ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 22‏]‏، يَعْنِى بِكُمْ‏.‏

وقال أَنَسٌ‏:‏ بَعَثَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ‏:‏ أَتُؤْمِنُونِى أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ‏.‏

- فيه‏:‏ الْمُغِيرَةُ، أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ‏.‏

وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْىِ فَلا تُصَدِّقْهُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏(‏يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ الآية ‏[‏المائدة‏:‏ 67‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عَبْدُاللَّهِ، قَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَىُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا‏:‏ ‏(‏وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ الآية ‏[‏الفرقان‏:‏ 68‏]‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذا الباب كالذى قبله، وهو فى معناه وتبليغ الرسول فعل من أفعاله‏.‏

وقول الزهرى‏:‏ من الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ يبين هذا، وأنه قول أئمة الدين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 105‏]‏، يعنى‏:‏ تلاوتهم وجميع أعمالهم، ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 67‏]‏، يريد بلغه جهارًا وعلانيةً، فإن لم تفعل فما بلغت كل التبليغ‏.‏

وقول عائشة‏:‏ ‏(‏إذا أعجبك حسن عمل امرئ‏)‏‏:‏ تلاوته من عمله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ولا يستخفنك أحد‏)‏ أى لا يستخفنك بعمله، فتظن به الخير، لكن حتى تراه عاملا على ما شرع الله، ورسوله على ما سن، والمؤمنون على ما عملوا‏.‏

وقول معمر فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ الْكِتَابُ ‏(‏ففسر ذلك بهذا وذلك مما يخبر به عن الغائب، وهذا إشارة إلى الحاضر، والكتاب حاضر، ومعنى ذلك أنه لما ابتدأ جبريل بتلاوة القرآن لمحمد، عليهما السلام، كفت حضرة التلاوة عن أن يقول هذا الذى يسمع، هو ذلك الكتاب لا ريب فيه، فاستغنى بأحد الضميرين عن الآخر‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 22‏]‏ فلما جاز أن يخبر عنهم بضميرين مختلفين، ضمير المخاطبة والحضرة، وضمير الخبر عن الغيبة، فلذلك أخبر بضمير الغائب بقوله‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ ‏(‏، وهو يريد هذا الحاضر، وهذا مذهب مشهور للعرب، سمته أصحاب المعانى‏:‏ الالتفاف، وهو انصراف المتكلم عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُنْتُمْ ‏(‏ثم قال‏:‏ ‏(‏بِهِمْ ‏(‏يدل أنه خاطب الكل، ثم أخبر عن الراكبين للفلك خاصة إذا قد يركبها الأقل من الناس، لكن لجواز أن يركبها كل واحد من المخاطبين خاطبهم بضمير الكل، ولأن لا يركبها إلا الأقل أخبر عن ذلك الأقل بقوله‏:‏ ‏(‏بِهِمْ‏}‏‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إن كنتم صادقين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 93‏]‏

وَقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أُعْطِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا، وَأُعْطِىَ أَهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ، وَأُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ‏)‏‏.‏

وقال أَبُو رَزِينٍ‏:‏ ‏(‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 121‏]‏ يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ، يُقَالُ‏)‏ يُتْلَى ‏(‏يُقْرَأُ، حَسَنُ التِّلاوَةِ‏:‏ حَسَنُ الْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ،‏)‏ لا يَمَسُّهُ ‏(‏لا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلا مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ، وَلا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلا الْمُوقِنُ؛ لِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وَسَمَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ وَالإسْلامَ وَالصَّلاةَ عَمَلا‏.‏

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِبِلالٍ‏:‏ ‏(‏أَخْبِرْنِى أَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِى الإسْلامِ‏)‏، قَالَ‏:‏ مَا عَمِلْتُ عَمَلا أَرْجَى عِنْدِى أَنِّى لَمْ أَتَطَهَّرْ إِلا صَلَّيْتُ، وَسُئِلَ أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا، قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِىَ أَهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا، قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، الحديث فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ‏:‏ هَؤُلاءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلا وَأَكْثَرُ أَجْرًا، قَالَ اللَّهُ‏:‏ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لا، قَالَ‏:‏ فَهُوَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ‏)‏‏.‏

وَسَمَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ عَمَلا، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن مَسْعُود، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى هذا الباب كالذى قبله، أن كل ما يكسبه الإنسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل له يجازى على فعله، ويعاقب على تركه؛ إن أنفذ الله عليه الوعيد‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين سُئل أى العمل أفضل، فقال‏:‏ ‏(‏الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد‏)‏ فقرن حق الوالدين بحق الله عز وجل على عباده بواو العطف، وليس هذا بمخالف للحديث الآخر ‏(‏أن النبى صلى الله عليه وسلم سُئل أى العمل أفضل، فقال‏:‏ إيمان بالله، ثم الجهاد، ثم حج مبرور‏)‏ ولم يذكر بر الوالدين، وإنما يفتى السائل بحسب ما يعلم من حاله، أو ما يتقى عليه من فتنة الشيطان‏.‏

فلذلك اختلف ترتيب أفضل الأعمال، مع أنه قد يكون العمل فى وقت أوكد وأفضل منه فى وقت آخر، كالجهاد الذى يتأكد مرةً، ويتراخى مرةً، ألا تراه أمر وفد عبد القيس بأمر فصل باشتراطهم ذلك منه، فلم يرتب لهم الأعمال، ولا ذكر لهم الجهاد ولا بر الوالدين، وإنما ذكر لهم أداء الخمس مما يغنمون، وذكر لهم الانتباذ فى المزفت فيما نهاهم عنه، وفى المنهيات ما هو أوكد منه مرارًا‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ ضجورًا ‏{‏إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 19، 20، 21‏]‏

- فيه‏:‏ عَمْرُو بْن تَغْلِبَ، قَالَ‏:‏ أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مَالٌ فَأَعْطَى قَوْمًا، وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنِّى أُعْطِى الرَّجُلَ‏:‏ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِى أَدَعُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنِ الَّذِى أُعْطِى، أُعْطِى أَقْوَامًا لِمَا فِى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ‏)‏، فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِكَلِمَةِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى هذا الباب إثبات خلق الله للإنسان بأخلاقه التى خلقه عليها من الهلع، والمنع، والإعطاء، والصبر على الشدة، واحتسابه ذلك على الله عز وجل وفسر هلوعًا بقول من قال‏:‏ ضجورًا؛ لأن الإنسان إذا مسه الشر ضجر به، ولم يصبر محتسبًا، ويلزم من آمن بالقدر خيره وشره، وعلم أن الذى أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، الصبر على كل شدة تنزل به‏.‏

ألا ترى أن الله تعالى قد استثنى المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، لا يضجرون بتكررها عليهم، ولا يملون؛ لأنهم محتسبون لها، ومكتسبون بها التجارة الرابحة فى الدنيا والآخرة، وكذلك لا يمنعون حقوق الله فى أموالهم، فعرفك بما خلق الله عليه أهل الجنة من حسن الأخلاق، وما استثنى به العارفين المحتسبين بالصبر على الصلاة والصدقة‏.‏

فقد أفهمك أن من اّدعى لنفسه قدرةً وحولا بالإمساك والشح والضجر من الإملاق والفقر، وقلة الصبر لقدر الله الجارى عليه بما سبق فى عمله ليس بقادر ولا عابد لله على حقيقة ما يلزمه، فمن ادّعى أن له قدرة على نفع نفسه، أو دفع الضر عنها، فقد ادّعى أن فيه صفة الإلهية من القدرة‏.‏

وفى حديث عمرو بن تغلب دليل أن أرزاق العباد ليست من الله تعالى على قدر الاستحقاق بالدرجة والرفعة عنده، ولا عند السلطان فى الدنيا، وإنما هى على وجه المصلحة، والسياسة لنفوس العباد الأمارة بالسوء، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطى أقوامًا؛ ليداوى ما بقلوبهم من جزع، وكذلك المنع، هو على وجه الثقة بتميزه بما قسم الله له لمنعه صلى الله عليه وسلم أهل البصائر واليقين‏.‏

قال غيره‏:‏ وفيه من الفقه أن البشر فاضلهم ومفضولهم، قد جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة فى عاقبته، وهل لفاعل ذلك مخرج‏؟‏ وفيه أن المنع قد لا يكون مذمومًا، ويكون أفضل للممنوع لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل فى قلوبهم من الغنى والخير‏)‏‏.‏

وهذه المنزلة التى شهد لهم بها النبى صلى الله عليه وسلم أفضل من العطاء الذى هو عرض الدنيا، ألا ترى أن عمرو بن تغلب اغتبط بذلك بعد جزعه منه، وقال‏:‏ ‏(‏ما أحب أن لى ذلك حمر النعم‏)‏ وفيه استئلاف من يخشى منه، والاعتذار إلى من ظن ظنًا والأمر بخلاف ظنه، وهذا موضع كان يحتمل التأنيب للظان، واللوم له لكنه صلى الله عليه وسلم رءوف رحيم كما وصفه الله‏.‏

باب ذِكْرِ النَّبِيِّ عليه السلام وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ

- فيه‏:‏ أَنَس، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إلي شبراً، تقربت إِليه ذِرَاعًا‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِى‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوى عَنْ رَبِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لا يَنْبَغِى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن مُغَفَّل، رَأَيْتُ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ، قَالَ‏:‏ فَرَجَّعَ فِيهَا، قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِى قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ‏:‏ لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، يَحْكِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ‏:‏ كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ آ آ آ ثَلاثَ مَرَّاتٍ‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى هذا الباب أن النبى صلى الله عليه وسلم روى عن ربه السنة، كما روى عنه القرآن، وهذا مبين فى كتاب الله فى قوله‏:‏ ‏(‏وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 3، 4‏]‏، ومعنى حديث ابن مغفل فى هذا الباب التنبيه على أن القرآن، بالترجيع، والألحان الملذة للقلوب بحسن الصوت المنشود لا المكفوف عن مداه الخارج عن مساق المحادثة، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يبالغ فى تزيين قراءته لسورة الفتح التى كان وعده الله فيها بفتح مكة، فأنجزه له ليستمل قلوب المشركين العتاة على الله، بفهم ما يتلوه من إنجاز وعد الله له فيهم، بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت المرجَّع فيه بنغم، ثلاث فى المدة الفارغة من التفصيل‏.‏

وقول معاوية‏:‏ ‏(‏لولا أن يجتمع الناس إلى، لرجعت كما رجع ابن مغفل، يحكى عن النبى‏)‏ يدل أن القراءة بالترجيع والألحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والتفهم، ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع المشوب بلذة الحكمة المفهومة منه، وقد تقدم فى كتاب فضائل القرآن، فى باب من لم يتغن بالقرآن، اختلاف أهل العلم فى التغنى‏.‏

باب مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وكُتُبِ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا

لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 93‏]‏‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَخْبَرَنِى أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ‏:‏ ‏(‏بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ، وَ‏)‏ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏ الآية‏)‏، ‏[‏آل عمران‏:‏ 64‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلامِ، فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا‏:‏ ‏(‏آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ‏}‏ الآية‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 136‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن عُمَرَ، أن النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ‏:‏ يَا أَعْوَرُ، اقْرَأْ، فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْها، قَالَ‏:‏ ‏(‏ارْفَعْ يَدَكَ‏)‏، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

تفسير كتب الله بالعربية جائز وقد كان وهب بن منبه وغيره يترجمون كتب الله، إلا أنه لا يقطع على صحتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تصدقوا أهل الكتاب فيما يفسرونه من التوراة بالعربية‏)‏ لثبوت كتمانهم لبعض الكتاب وتحريفهم له‏.‏

واحتج أبو حنيفة بحديث هرقل، وأنه دعا ترجمانه، وترجم له كتاب النبى بلسانه حتى فهمه، فأجاز قراءة القرآن بالفارسية، وقال‏:‏ إن الصلاة تصح بذلك‏.‏

وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا‏:‏ لا تصح الصلاة بها‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ إن كان يحسن العربية فلا تجزئه الصلاة، وإن كان لا يحسن أجزأه‏.‏

ومن حجة أبى حنيفة أن المقروء يسمى قرآنًا، وإن كان بلغة أخرى إذا بين المعنى، ولم يغادر شيئًا، وإن أتى بما لا ينبئ عنه اللفظ، نحو الشكر مكان الحمد لم يجز، واستدلوا بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء بلسانهم، بلسان عربى فى القرآن، كقول نوح‏:‏ ‏(‏يَا بُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 42‏]‏، وأن نوحًا قال هذا بلسانه، قالوا‏:‏ فكذلك يجوز أن يحكى القرآن بلسانهم، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏، فأنذر به سائر الناس، والإنذار إنما يكون بما يفهمونه من لسانهم، فيقرأ أهل كل لغة بلسانهم؛ حتى يقع لهم الإنذار به، وإذا فسر لهم بلسانهم فقد بلغهم، وسمى ذلك قرآنًا، وكذلك الإيمان يصح أن يقع بالعربية وبالفارسية، وحجة من لم يجز قراءة القرآن بالفارسية قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 2‏]‏، فأخبر تعالى أنه أنزله عربيًا فبطل أن يكون القرآن الأعجمى منزلا، ويقال لهم‏:‏ أخبرونا إذا قرأ فاتحة الكتاب بالفارسية، هل تسمى فاتحة الكتاب أو تفسير فاتحة الكتاب، فإن قالوا‏:‏ تفسير فاتحة الكتاب‏.‏

قيل لهم‏:‏ قد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)‏، ولم يقل بتفسير فاتحة الكتاب‏.‏

ألا ترى أنه لو قرأ تفسيرها بالعربية فى الصلاة لم يجز، فتفسيرها بالفارسية أولى ألا يجوز‏.‏

وقولهم‏:‏ إن الله حكى قول الأنبياء، عليهم السلام، الذى بلسانهم بلسان عربى فى القرآن، كقوله نوح‏:‏ ‏(‏يَا بُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 42‏]‏ وأن نوحًا قال هذا بلسانه، فكذلك يجوز أن يحكى القرآن بلسانهم‏.‏

فالجواب أنا نقول‏:‏ أنهم ما نطقوا بما حكى عنهم إلا كما فى القرآن، ولو قلنا ما ذكروه لم يلزمنا نحن أن نحكى القرآن بلغة أخرى؛ لأنه يجوز أن يحكى الله تعالى قولهم بلسان العرب، ثم يتعبدنا نحن بتلاوته على ما أنزله فلا يجوز أن نتعداه، وما يحتجون به أنه فى الصحف الأولى، وما يحتجون به من قوله‏:‏ ‏(‏وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏ فأنذر به على لسان كل أمة، فالجواب أن العرب إذا حصل عندها أن ذلك معجز، وهم أهل الفصاحة كانت العجم أتباعًا لهم، كما كانت العامة أتباعًا للسحرة فى زمن موسى، وأتباعًا للطب فى زمن عيسى، فقد يمكن العجم أن يتعلموه بلسان العرب‏.‏

وأما قولهم‏:‏ إن الإيمان يصح أن يقال بالفارسية، فالجواب أن الإيمان يقع بالاعتقاد دون اللفظ؛ ولهذا جاز اللفظ بالشهادتين بكل لغة؛ لأن المقصود سقط المعجز، الذى هو النظم والتأليف‏.‏

فإن قيل‏:‏ أنتم تجوزونه بالفارسية إذا لم يقدر على العربية؛ فينبغى ألا يفترق الحكم‏.‏

قيل‏:‏ إنما أجزناه للضرورة، وليس ما جاز مع الضرورة يجوز مع القدرة، ولو كان كذلك لجاز التيمم مع وجود الماء، ولجاز ترك الصلاة مع القدرة؛ لأنه يسقط مع العذر‏.‏

باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قال‏:‏ ‏(‏مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِى شَأْنِى وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِى فِى نَفْسِى كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِىَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ ‏(‏الْعَشْرَ الآيَاتِ‏.‏

- فيه‏:‏ الْبَرَاء، سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِى الْعِشَاءِ ب‏)‏ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ‏(‏فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا، أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بالقرآن فَإِذَا سَمِعَه الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا‏}‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيد، قَالَ لابْن أَبِى صَعْصَعَة‏:‏ إِنِّى أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِى غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ لِلصَّلاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَىْءٌ إِلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِى حَجْرِى، وَأَنَا حَائِضٌ‏.‏

قال المهلب‏:‏ المهارة بالقرآن‏:‏ جودة التلاوة له بجودة الحفظ، فلا يتلعثم فى قراءته، ولا يتغير لسانه بتشكك فى حرف أو قصة مختلفة النص، وتكون قراءته سمحة بتيسير الله له كما يسره على الملائكة الكرام البررة، فهو معها فى مثل حالها من الحفظ، وتيسير التلاوة، وفى درجة الأجر إن شاء الله، فيكون بالمهارة عند كريمًا برًا، وكأن البخارى أشار بهذه الترجمة وما ضمنها من الأحاديث فى حسن الصوت، إلى أن الماهر بالقرآن هو الحافظ له مع حسن الصوت به، ألا تراه أدخل بأثر ذكر الماهر قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ فأحال صلى الله عليه وسلم على الأصوات التى تتزين بها التلاوة فى الأسماع، لا الأصوات التى تمجها الأسماع لإنكارها، وجفائها على حاسة السمع، وتألمها بقرع الصوت المنكر وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 19‏]‏‏.‏

لجهارته والله أعلم وشدة قرعه للسمع، وفى اتباعه أيضًا لهذا المعنى بقوله‏:‏ ‏(‏ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت بالقرآن‏)‏ ما يقوى قولنا ويشهد له، وقد تقدم فى فضائل القرآن، ونزيده هاهنا وضوحًا، فنقول‏:‏ إن الجهر المراد فى قوله‏:‏ ‏(‏يجهر به‏)‏ هو إخراج الحروف فى التلاوة عن مساق المحادثة بالأخبار، بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت وترجيعه لا الجهر المنهى عنه الجافى على السامع، كما قال عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 110‏]‏، وكما قال تعالى فى النبى‏:‏ ‏(‏وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 2‏]‏، وقوله‏:‏ ‏(‏أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 2‏]‏، دليل أن رفع الصوت على المتكلم بأكثر من صوته من الأذى له، والأذى خطيئة‏.‏

ويدل على أن المقاومة فى مقدار المتكلمين معافاة من الخطأ، إلا فى النبى صلى الله عليه وسلم وحده، فمنع الله من مقاومته فى الآية، توقيرًا له وإعظامًا، وقد روى لفظ الترجمة عن النبى صلى الله عليه وسلم من حديث قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام، عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الذى يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن وهو يشتد عليه فله أجران‏)‏‏.‏

وتأويل قوله‏:‏ ‏(‏أجران‏)‏ والله أعلم تفسيره حديث ابن مسعود‏:‏ ‏(‏من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، فيضاعف الأجر لمن يشتد عليه حفظ القرآن فيعطى بكل حرف عشرون حسنة، ولأجر الماهر أضعاف هذا إلى ما لا يعلم مقداره؛ لأنه مساوٍ للسفرة الكرام البررة، وهم الملائكة‏)‏ وفى هذا تفضيل الملائكة على بنى آدم، وقد تقدم‏.‏

وكذلك لم يسند البخارى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ ورواه شعبة ومنصور، عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، عن النبى صلى الله عليه وسلم وقوله‏:‏ ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ تفسير قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ لأن تزيينه بالصوت لا يكون إلا بصوت يطرب سامعيه ويلتذون بسماعه وهو التغنى الذى أشار إليه النبى، وهو الجهر الذى قيل فى الحديث، يجهر به بتحسين الصوت الملين للقلوب من القسوة إلى الخشوع، وهذا التزيين الذى أمر به صلى الله عليه وسلم أمته‏.‏

وإلى هذا أشار أبو عبيد فقال‏:‏ مجمل الأحاديث التى جاءت فى حسن الصوت بالقرآن، إنما هو من طريق التخزين والتخويف والتشويق، وقال‏:‏ إنما نهى أيوب شعبة أن يحدث بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ لئلا يتأول الناس فيه الرخصة من رسول الله فى هذه الألحان المبتدعة‏.‏

وفسر أبو سليمان الخطابى الحديث بتفسير آخر، قال‏:‏ معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ أى زينوا أصواتكم بالقرآن على مذهبهم فى قلب الكلام، وهو كثير فى كلامهم، يقال‏:‏ عرضت الناقة على الحوض‏:‏ أى عرضت الحوض على الناقة، وإنما تأولنا الحديث على هذا المعنى؛ لأنه لا يجوز على القرآن وهو كلام الخالق أن يزينه صوت مخلوق‏.‏

وقال شعبة‏:‏ نهانى أيوب أن أحدث بهذا الحديث‏.‏

وهكذا رواه سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏زينوا أصواتكم بالقرآن‏)‏ والمعنى‏:‏ أشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوا شعارًا‏.‏

ولم يرد تطريب الصوت به والتزيين له، إذ ليس ذلك فى وسع كل أحد، لعل من الناس من يريد التزيين له، فيفضى ذلك به إلى التهجين، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ إنما هو أن يلهج بتلاوته كما يلهج الناس بالغناء والطرب عليه‏.‏

وهكذا فسره أبو سعيد بن الأعرابى، سأله عنه إبراهيم ابن فراس فقال‏:‏ كانت العرب تتغنى بالركبانى، وهو النشيد بالتمطيط والمد، إذا ركبت الإبل، وإذا جلست فى الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبى أن يكون القرآن هجيرهم، مكان التغنى بالركبانى‏.‏

قال المؤلف‏:‏ والقول الأول هو الذى عليه الفقهاء، وعليه تدل الآثار، وما اعتل به الخطابى من أن كلام الله لا يجوز أن يزينه صوت مخلوق، فقد نقضه بقوله‏:‏ ‏(‏وليس التزيين فى وسع كل أحد، لعل من الناس من يريد التزيين فيقع فى التهجين‏)‏ فقد نفى عنه التزيين وأثبت له التهجين، وهذا خلف من القول‏.‏

ولو كان المعنى زينوا أصواتكم بالقرآن كما زعم هذا القائل؛ لدخل فى الخطاب من كان قبيح الصوت وحسنه، ولم يكن للحسن الصوت فضل على غيره؛ ولا عرف للحديث معنى، ولما ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى موسى الأشعرى، حين سمع قراءته وحسن صوته‏:‏ ‏(‏لقد أوتى هذا مزمارًا من مزامير آل داود‏)‏‏.‏

وثبت أن عقبة بن عامر كان حسن الصوت بالقرآن، فقال له عمر ابن الخطاب‏:‏ اقرأ سورة كذا، فقرأها عليه، فبكى عمر وقال‏:‏ ما كنت أظن أنها نزلت‏.‏

فدل ذلك أن التزيين للقرآن إنما هو تحسين الصوت به ليعظم موقعه من القلوب، وتستميل مواعظه النفوس، ولا ينكر أن يكون القرآن يزين صوت من أدمن قراءته، وآثره على حديث الناس، غير أن جلالة موقعه من القلوب، والتذاذ السامعين به لا يكون إلا مع تحسين الصوت به‏.‏

وقوله فى حديث أبى سعيد‏:‏ ‏(‏ارفع صوتك بالنداء‏)‏ ففيه دليل أن رفع الصوت وتحسينه بذكر الله فى القرآن وغيره من أفعال البر؛ لأن ذلك تعظيم أمر الله، والإعلان بشريعته، وذلك يزيد فى التخشع، وترقيق النفوس‏.‏

قال المهلب‏:‏ وأما حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ورأسه فى حجرها وهى حائض، ففيه معنى ما ترجم به من معنى المهارة بالقرآن؛ لأنه كان قد يسرّ الله عليه قراءته حتى كان يقرأه على كل أحواله لا يحتاج أن يتهيأ له بقعود، ولا بإحضار حفظه؛ لاستحكامه فيه، فلا يخاف عليه توقفًا؛ فلذلك كان يقرؤه راكبًا وماشيًا وقاعدًا وقائمًا ولا يتأهب لقوة حفظه ومهارته عليه السلام ، ومنه أن المؤمن لا ينجس كما قال صلى الله عليه وسلم، وأن وصف المؤمن بالنجاسة إنما هو إخبار عن حال مباشرة الصلاة، ونقض غسله ووضوئه، ألا ترى سماع عائشة قراءة الرسول وهى حائض، والسماع عمل من أعمال المؤمنين مدخور لهم به الحسنات ورفع الدرجات‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 20‏]‏

- فيه‏:‏ عُمَرَ، سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ‏.‏‏.‏‏.‏

فذكر الحديث إلى قوله‏:‏ ‏(‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ‏)‏‏.‏

وقد تقدم فى فضائل القرآن‏.‏

قال المهلب‏:‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 20‏]‏، ما تيسر على القلب حفظه من آياته، وعلى اللسان من لغاته، وإعراب حركاته، كما فسره النبى فى هذا الحديث‏.‏

ونذكر فى هذا الموضع ما لم يمض فى فضائل القرآن إن قال قائل‏:‏ إذا ثبت أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فكيف ساغ للقراء تكثير الروايات وقراءتهم بسبعين رواية وبأزيد من مائة‏؟‏ قال المهلب‏:‏ فالجواب‏:‏ أن عثمان لما أمر بكتابة المصاحف التى بعث بها إلى البلدان أخذ كل إمام من أئمة القراء في كل أفق نسخته، فما انفك له من سوادها وحروف مدادها مما وافق قراءته التى كان يقرأ لم يمكنه مفارقته لقيامه من سواد الحفظة، وأنه كان عنده فيه رواية إلى أحد من الصحابة، مع أنه لم تكن النسخ التى بعث بها عثمان مضبوطة بشكل لا يمكن تعديه، ولا تحقيق هجاء يعين معانيه؛ إذ كانوا يسمحون فى الهجاء بإسقاط الألف من كلمة لعلمهم بها استخفافًا لكثرة تكرر هذا كألف العالمين والمساكين، وكل ألف هى فى المصحف ملحقة بالحمرة‏.‏

وقال يزيد الرقاشى‏:‏ كان فى المصحف كانوا‏:‏ كنوا، وقالوا‏:‏ قلوا، فزدنا فيها ألفًا، يريد جماعة القراء حين جمعهم الحجاج، وكذلك ما زادوا فى الخط وقد كان فى المصحف‏:‏ ‏(‏ماء غير يسن‏)‏ فردها الحجاج مع جماعة القراء‏)‏ آسن ‏(‏وفى الزخرف‏:‏ ‏(‏معايشهم‏)‏ فردها‏)‏ معيشتهم‏}‏‏.‏

فكل تأول من ذلك الخط ما وافق قراءته كيفما كان من طريق الشكل وحركات الحروف مما يبدل المعنى، وقد يجوز أن يكون ذلك من وهل الأقلام، ويدل على ذلك استجلاب الحجاج مصحف أهل المدينة ورد مصاحف البصرة والكوفة إليه وإبقاء ما لا يغير معنى، وما له وجه جائز من وجوه ذلك المعنى وصار خط مصحف أهل المدينة سُنّة متبعة لا يجوز فيها التغيير؛ لأنها القراءة المنقولة سمعًا، وأن الستة المتروكة قطعًا لذريعة الاختلاف ما وافق منها المنفك من سواد الخط لأهل الأمصار فتواطئوا عليها جوز لهم تأويلهم فيه بما وافق روايتهم عن صحابى لخشية التحزب الذى منه هربوا، ولكثرة من اتبع القراء فى تلك الأمصار من العامة غير المأمونة عند منازعتها، فهذا وجه تجويز العلماء أن يقرأ بخلاف أهل المدينة وبروايات كثيرة‏.‏

وأما ما ذكر من قراءة ابن مسعود فهذا تبديل كلمة بأخرى كقوله‏:‏ ‏(‏صَيْحَةً وَاحِدَةً‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 29‏]‏، قرأها هو‏:‏ ‏(‏زقية واحدة‏)‏ و‏)‏ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 46‏]‏ قرأها‏:‏ ‏(‏صفراء‏)‏ فهذا تبديل اللفظ والمعنى، ولذلك أجمعت الأمة على ترك القراءة بها، ولو سمح فى تبديل السواد لما بقى منه إلا الأقل، لكن الله حفظه علينا من تحكم المتأولين وتسلط أيدى الكاتبين على تبديل حرف بحرام إلى حلال، وحلال بحرام، وكلمة عذاب برحمة، ورحمة بعذاب، ونهى بأمر، وأمر بنهى، وإنما هو ذلك مما هو جائز فى كلام العرب من نصب وخفض ورفع مما لا يحيل معنى ولا حرج فيه‏.‏

وقد روى البغوى‏:‏ حديث محمد بن زياد، حدثنا ابن شهاب الخياط، حدثنا داود بن أبى هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ ‏(‏جلس ناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم على بابه، فقال بعضهم‏:‏ إن الله قال فى آية كذا كذا، وقال بعضهم‏:‏ لم يقل كذا‏.‏

فخرج رسول الله كأنما فقئ فى وجهه حب الرمان وقال‏:‏ أبهذا أمرتم‏؟‏ إنما ضلت الأمم فى مثل هذا، انظروا ما أمرتم به فاعلموا به، وما نهيتم عنه فانتهوا‏)‏ فدل هذا أنه لم يك فى السبع الذى نزل بها القرآن ما يحيل الأمر والنهى عن مواضعه، ولا يحيل الصفات عن مواضعها؛ لأنها مأمور باعتقادها ومنهى عن قياسها على المعانى؛ لأنه تعالى برئ من الأشياء والأنداد، وبقيت حركات الإعراب مستعملة لما انفك من سواد الخط فى المجتمع عليه، وعلى هذا استقر أمر القراءات عند العلماء‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 32‏]‏

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ‏)‏‏.‏

مُهَيَّأٌ‏.‏

- فيه‏:‏ عِمْرَان، قُلْتُ‏:‏ ‏(‏يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ‏)‏‏.‏

وروى على معناه عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم فى كتاب القدر‏.‏

وتيسير القرآن للذكر هو تسهيله على اللسان، ومسارعته إلى القراءة حتى أنه ربما سبق اللسان إليه فى القراءة فيجاوز الحرف إلى ما بعده، ويحذف الكلمة حرصًا على ما بعدها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 15‏]‏، أى‏:‏ متفكر ومتدبر لما يقرأ ومستيقظ لما يسمع، يأمرهم أن يعتبروا، ويحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن هلك من الأمم قبلهم، وأصله‏:‏ مذتكر، مفتعل من الذكر، أدغمت الذال فى التاء، ثم قلبت دالا، وأدغمت الذال فى الدال؛ لأنها أشبه بالدال من التاء‏.‏

باب قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَحْفُوظٍ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 21، 22‏]‏ ‏{‏وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِى رق منشور‏}‏

قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ ‏(‏يَسْطُرُونَ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 1‏]‏ يَخُطُّونَ‏)‏ فِى أُمِّ الْكِتَابِ ‏(‏الزخرف‏:‏ جُمْلَةِ الْكِتَابِ، وَأَصْلِهِ‏)‏ مَا يَلْفِظُ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 18‏]‏ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَىْءٍ إِلا كُتِبَ عَلَيْهِ‏.‏

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ،‏)‏ يُحَرِّفُونَ ‏(‏‏:‏ يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، دِرَاسَتُهُمْ‏:‏ تِلاوَتُهُمْ،‏)‏ وَاعِيَةٌ ‏(‏حَافِظَةٌ‏)‏ وَتَعِيَهَا ‏(‏تَحْفَظُهَا،‏)‏ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏ يَعْنِى أَهْلَ مَكَّةَ،‏)‏ وَمَنْ بَلَغَ ‏(‏هَذَا الْقُرْآنُ، فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ‏:‏ غَلَبَتْ، أَوْ قَالَ‏:‏ سَبَقَتْ رَحْمَتِى غَضَبِى، وَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ‏)‏‏.‏

وقال مرة عن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ‏:‏ إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى، وَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ‏)‏‏.‏

قال أهل التفسير‏:‏ ‏(‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 21‏]‏، أى كريم على الله تعالى‏)‏ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 22‏]‏، وهو أم الكتاب عند الله‏.‏

وقرأ نافع‏:‏ ‏(‏محفوظ‏)‏ بالرفع من نعت ‏(‏قرآن‏)‏ المعنى‏:‏ بل هو قرآن مجيد محفوظ فى لوح‏.‏

وقرأه غيره‏:‏ ‏(‏محفوظٍ‏)‏ بالخفض من نعت اللوح، واختلف أهل التأويل فى قوله‏:‏ ‏(‏وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِى رَقٍّ مَّنشُورٍ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 1- 3‏]‏، قال الحسن‏:‏ هو القرآن فى أيدى السفرة‏.‏

وقال الزجاج‏:‏ الكتاب هاهنا ما أثبت على بنى آدم من أعمالهم‏.‏

قال المهلب‏:‏ وما ذكره النبى صلى الله عليه وسلم من سبق رحمة الله لغضبه فهو ظاهر؛ لأن من غَضب الله عليه من خلقه لم يخيبه فى الدنيا من رحمته ورأفته، بأن رزقه ونعمه وخوله مدة عمره أو وقتًا من دهره، ومكنه من آماله وملاذه، وهو لا يستحق بكفره ومعاندته غير أليم العذاب، فكيف رحمته بمن آمن به واعترف بذنوبه، ورجا غفرانه، ودعاه تضرعًا وخفية‏.‏

وقد قال بعض المتكلمين‏:‏ إن رحمته تعالى لم تنقطع عن أهل النار المخلدين الكفار، إذ من قدرته أن يخلق لهم عذابًا يكون عذاب النار لأهلها رحمة وتخفيفًا بالإضافة إلى ذلك العذاب‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 96‏]‏ ‏{‏إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 49‏]‏

وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ‏:‏ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ،‏)‏ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏]‏‏.‏

وقال ابْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأمْرِ؛ بِقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏]‏ وَسَمَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ عَمَلا‏.‏

قَالَ أَبُو ذَرّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ سُئِلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِهِ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 17‏]‏، وَقَالَ‏:‏ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالإيمَانِ وَالشَّهَادَةِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلاً‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو مُوسَى، أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِى نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏وَاللَّهِ لا أَحْمِلُكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وذكر الحديث إلى قوله‏:‏ ‏(‏لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلى آخره‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، ‏(‏قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِالْقَيْسِ عَلَى النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا‏:‏ مُرْنَا بِعُمَلٍ مِنَ الأمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِها دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ‏:‏ ‏(‏آمُرُكُمْ بِالإيمَانِ بِاللَّهِ، شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏قَالَ اللَّهُ‏:‏ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، وَلِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ غرضه فى هذا الباب إثبات أفعال العباد وأقوالهم خلقًا لله تعالى كسائر الأبواب المتقدمة، واحتج بقوله‏:‏ ‏(‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 96‏]‏، ثم فصل بين الأمر بقوله للشئ‏:‏ كن، وبين خلقه قطعًا للمعتزلة القائلين بأن الأمر هو الخلق، وأنه إذا قال للشئ‏:‏ كن‏.‏

معناه أنه كونه نفيًا منهم للكلام عن الله خلافًا لقوله‏:‏ ‏(‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 164‏]‏، وقد تقدم بيان الرد عليهم فى باب‏:‏ المشيئة والإرادة ثم زاد في بيان الأمر فقال‏:‏ ‏(‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏]‏، فجعل الأمر غير خلقه لها، وغير تسخيرها الذى هو عن أمره، ثم ذكر قول ابن عيينة أنه فصل بين الخلق والأمر وجعلهما شيئين بإدخال حرف العطف بينهما، والأمر منه تعالى قول، وقوله صفة من صفاته غير مخلوق‏.‏

ثم بين لك أن قول الإنسان بالإيمان وغيره قد سماه رسول الله عملا حين سئل‏:‏ أى العمل أفضل‏؟‏ قال‏:‏ إيمان بالله‏.‏

والإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وكذلك أمره وفد عبد القيس حين سألوه أن يدلهم على ما إن عملوه دخلوا الجنة فأمرهم بالإيمان بالقلب، والشهادة باللسان، وسائر أعمال الجوارح‏.‏

فثبت أن كلام ابن آدم بالإيمان وغيره عمل من أعماله وفعل له، وأن كلام الله المنزل بكلمة الإيمان غير مخلوق، ثم بين لك أن أعمالنا كلها مخلوقة لله تعالى خلافًا للقدرية الذين يزعمون أنها غير مخلوقة له تعالى بقوله فى حديث أبى موسى لست أنا حملتكم على الإبل بعد أن حلف لهم أن ما عندى ما أحملكم عليه، وإنما الله هو الذى حملكم عليها، ويسرها لكم فأثبت ذلك كله فعلا لله تعالى، وهذا بين لا إشكال فيه‏.‏

وقوله فى حديث عائشة‏:‏ يقال للمصورين‏:‏ أحيوا ما خلقتم‏)‏ فإنما نسب خلقها إليهم توبيخًا لهم وتقريعًا لهم فى مضاهاتهم الله عز وجل فى خلقه فبكتهم بأن قال لهم‏:‏ فإذ قد شابهتم بما صورتم مخلوقات الرب، فأحيوا ما خلقتم كما أحيا هو تعالى ما خلق فينقطعون بهذه المطالبة حين لا يستطيعون نفخ الروح في ذلك‏.‏

ومثل هذا قوله فى حديث أبى هريرة‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقى‏)‏ يريد يصور صورة تشبه خلقى فسمى فعل الإنسان فى تصوير مثالها خلقًا له توبيخًا له على تشبهه بالله فيما صور فأحكم وأتقن على غير مثال احتذاه ولا من شىء قديم ابتداه، بل أنشأ من معدوم، وابتدع من غير معلوم، وأنتم صورتم من خشب موجود وحجر غير مفقود على شبه معهود مضاهين له، وموهمين الأغمار أنكم خلقتم كخلقه، فاخلقوا أقل مخلوقاته وأحقرها الذرة المتعدية فى أدق من الشعر، وأنفذ منكم بغير آله فى نحت الحجر فتتخذه مسكنًا وتدخر فيه قوتها نظرًا فى معاشها، أو اخلقوا حبة من هذه الأقوات التى خلقها الله لعباده، ثم يخرج منها زرعًا لا يشبهها نباته، ثم يطلع منها بقدرته من جنسها بعد أن أعدم شخصها عددًا من غير نوع نباتها الأخضر قدرة بالغة لمعتبر، وإعجازًا لجميع البشر‏.‏

باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلاوَتُهُمْ لا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ

- فيه‏:‏ أَبُو مُوسَى، قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الَّذِى لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِى لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلا رِيحَ لَهَا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَىْءٍ‏)‏، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّىْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ‏:‏ فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام‏:‏ ‏(‏تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ، فَيُقَرْقِرُهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ، كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ، فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيد، قَالَ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ، قِيلَ‏:‏ مَا سِيمَاهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، أَوْ قَالَ‏:‏ التَّسْبِيدُ‏)‏‏.‏

معنى هذا الباب أن قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده، وإنما يزكو عنده ويرتفع إليه من الأعمال ما أريد به وجهه، وكان عن نية وقربة إليه تعالى، ألا ترى أنه شبه الفاجر الذى يقرأ القرآن بالريحانة، ريحها طيب وطعمها مر حين لم ينتفع ببركة القرآن، ولم يفز بحلاوة أجره فلم يجاوز الطيب حلوقهم من موضع الصوت، ولا بلغ إلى قلوبهم ذلك الطيب؛ لأن طعم قلوبهم مر وهو النفاق المستسر كما استسر طعم الريحانة فى عودها مع ظهور رائحتها وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه‏)‏ فهذا الحديث أخرجهم من الإسلام، وهو بخلاف الحديث الذى قال فيه عليه الصلاة السلام‏:‏ ‏(‏ويتمارى فى الفوق‏)‏ لأن ذلك التمارى أبقاهم فى الإسلام‏.‏

وهذا الحديث أخرجهم من الإسلام؛ لأن السهم لا يعود إلى فوقه بنفسه أبدًا، فيمكن أن يكون هذا الحديث فى قوم عرفهم النبي عليه السلام بالوحي أنهم يمرقون قبل التوبة، وقد خرجوا ببدعتهم وسوء تأويلهم إلى الكفر، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم وسمهم بسيما خصَّهم بها من غيرهم وهو التسبيد أو التحليق، كما وسمهم بالرجل السود الذى إحدى يديه مثل ثدى المرأة، وهم الذين قتل على بالنهروان حين قالوا‏:‏ إنك ربنا، فاغتاظ عليهم وأمر بحرقهم بالنار فزادهم الشيطان فتنة فقالوا‏:‏ الآن أيقنا أنك ربنا؛ إذ لا يعذب بالنار إلا الله فثبت بذلك كفرهم، وقد قال بعض العلماء‏:‏ إن من وسمه النبى صلى الله عليه وسلم بتحليق أو غيره أنه لا يستتاب إذا وجدت فيه السيما، ألا ترى أن عليًا، رضى الله عنه، لم ينقل عنه أنه استتاب أحدًا منهم‏.‏

وقد روى على عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجر لمن قتلهم، وقال‏:‏ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد‏)‏‏.‏

وأما حديث الكهان فإنما ذكره فى هذا الباب لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليسوا بشئ‏)‏ وإن كان فى كلامهم شىء من الحق والصدق فإنهم يفسدون تلك الكلمة من الصدق بمائة كذبة أو أكثر، فلم ينتفعوا بتلك الكلمة من الصدق لغلبة الكذب عليهم، كما لم ينتفع المنافق بقراءته لفساد عقد قلبه‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏فيقرقرها فى أذن وليه كقرقرة الدجاجة‏)‏ أى يضعها فى الأذن بصوت شبيه بقرقرة الدجاجة‏.‏

قال الأصمعى‏:‏ قرقر البعر قرقرة إذا صفا ورجع‏.‏

وقد روى‏:‏ كقرقرة الزجاجة، وكلا الروايتين صواب، ويدل على صحة الرواية بالزجاجة رواية من روى‏:‏ كما تقر القارورة؛ لأن القرقرة قد تكون فى الزجاجة عند وضع الأشياء فيها كما تقرقر الدجاجة أيضًا، وكما تكون القراقر فى البطن، ووقع فى كتاب بدء الخلق‏:‏ فيقرها فى أذن وليه كما تقر القارورة، والمعنى فيه‏:‏ أن الشياطين تقرأ الكلمة فى أذن الكاهن كما يقر الشىء فى القارورة، وهذا على الاتساع كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 33‏]‏، والمعنى‏:‏ بل مكرهم فى الليل والنهار لأن القارورة لا تقر، وإنما يقر فيها كما لا يكون المكر لليل والنهار وإنما يكون فيهما‏.‏

قال صاحب الأفعال‏:‏ قررت الماء فى السقاء‏:‏ صببته فيه، وأقررته وقررت الخبر فى أذنه أقره قرًا‏:‏ أودعته فيها‏.‏

وعن أبى زيد‏:‏ أقره، بكسر القاف‏.‏

وقال الأصمعى‏:‏ يقال‏:‏ قر ذلك فى أذنه يقر قرًا إذا صار فى أذنه فيكون معناه أنه يقر الكلمة فى أذن الكاهن من غير صوت، وفى حديث القرقرة أنه يضعها بصوت، فدل اختلاف لفظ الحديثين أنه مرة يضعها فى أذن الكاهن بصوت، ومرة بغير صوت‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏سيماهم التحليق أو التسبيد‏)‏ شك من المحدث فى أى اللفظين قال صلى الله عليه وسلم، ومعناهما متقارب‏.‏

قال صاحب العين‏:‏ سبد رأسه‏:‏ استأصل شعره‏.‏

والتسبيد أن ينبت شعره بعد أيام‏.‏

باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 47‏]‏ وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِى آدَمَ وَقَوْلَهُمْ تُوزَنُ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ الْقُسْطَاسُ‏:‏ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَيُقَالُ‏:‏ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ، وَهُوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ‏.‏

- قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ‏)‏‏.‏

قال الزجاج‏:‏ القسط‏:‏ العدل، المعنى‏:‏ ونضع الموازين ذوات القسط، وقسط مثل عدل مصدر يوصف به، يقال‏:‏ ميزان قسط، وميزانان قسط وموازين قسط‏.‏

وأجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان وتمثل الأعمال بما يوزن، وخالف ذلك المعتزلة وأنكروا الميزان وقالوا‏:‏ الميزان عبارة عن العدل‏.‏

وهو خلاف لنص كتاب الله، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال المهلب‏:‏ فأخبر الله تعالى أنه يضع الموازين لتوزن أعمال العباد بها، فيريهم أعمالهم ممثلة فى الميزان لأعين العاملين؛ ليكونوا على أنفسهم شاهدين قطعًا لحججهم وإبلاغًا فى إنصافهم عن أعمالهم الحسنة، وتبكيتًا لمن قال‏:‏ إن الله لا يعلم كثيرًا مما يعملون، وتقصيًا عليهم لأعمالهم المخالفة لما شرع لهم، وبرهانًا على عدله على جميعهم، وأنه لا يظلم مثقال حبة من خردل حتى يعترف كل بما قد نسيه من عمله، ويميز ما عساه قد احتقره من فعله‏.‏

ويقال له عند اعترافه‏:‏ كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا‏.‏

وقوله‏:‏ ثقيلتان يدل أن تسبيح الله وتقديسه من أفضل النوافل، وأعظم الذخائر عنده تعالى، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏حبيبتان إلى الرحمن‏)‏‏.‏

وقول البخاري‏:‏ ويقال‏:‏ القسط مصدر المقسط فإنما أراد المصدر المحذوف الزوائد، كالقدر مصدر قدرت إذا حذفت زوائده، قال الشاعر‏:‏

وإن تهلك فذلك كان قدرى ***

بمعنى‏:‏ تقديرى محذوف زوائده، ورده إلى الأصل، ومثله كثير، وإنما تحذف العرب زوائد المصادر لترد الكلام إلى أصله، ويدل عليه‏.‏

ومصدر المقسط‏:‏ الجارى على فعله الإقساط‏.‏

كِتَاب الْفِتَنِ- قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً‏}‏ ‏[‏الأنفال 25‏]‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سَتَرَوْنَ بَعْدِى أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا‏)‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هَلاكُ أُمَّتِى عَلَى يَدَ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ‏)‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ‏)‏ باب ظُهُورِ الْفِتَنِ باب لا يَأْتِى زَمَانٌ إِلا الَّذِى بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا‏)‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ‏)‏ باب تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ باب إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا باب كَيْفَ الأمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ‏؟‏ باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ باب إِذَا بَقِىَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ باب التَّعَرُّبِ فِى الْفِتْنَةِ باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ باب الْفِتْنَةِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ باب إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ‏:‏ ‏(‏إِنَّ ابْنِى هَذَا لَسَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏)‏ باب إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلافِهِ باب لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ باب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأوْثَانُ باب خُرُوجِ النَّارِ باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ باب لا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ باب يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ كِتَاب الدَّعَاء باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏ وقَوْلِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ‏)‏ باب فضل الاسْتِغْفَارِ باب اسْتِغْفَارِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ باب ‏{‏تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 8‏]‏ باب الضَّجْعِ عَلَى الشِّقِّ الأيْمَنِ باب إِذَا بَاتَ طَاهِرًا باب مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ باب وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى تَحْتَ الْخَدِّ الأيْمَنِ باب الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ الْمَنَامِ باب التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَنَامِ باب الدُّعَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخَلاءِ باب مَا يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ باب الدُّعَاءِ فِى الصَّلاةِ باب الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاةِ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏ وَمَنْ خَصَّ أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دُونَ نَفْسِهِ باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِى الدُّعَاءِ باب لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ باب يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ باب رَفْعِ الأيْدِى فِى الدُّعَاءِ باب الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ باب الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ باب دَعْوَةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ بِطُولِ الْعُمُرِ وَبِكَثْرَةِ مَالِهِ باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ باب التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ باب الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ باب الدُّعَاءِ لِلصِّبْيَانِ بِالْبَرَكَةِ وَمَسْحِ رُءُوسِهِمْ باب الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم باب هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ آذَيْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً‏)‏ باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ باب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْوَجَعِ باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الاسْتِخَارَةِ باب باب الْوُضُوءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ باب الدُّعَاءِ إِذَا عَلا عَقَبَةً باب الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ رَجَعَ منه باب الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ باب مَا يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ‏؟‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً‏)‏ باب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ‏)‏ باب الدُّعَاءِ فِى السَّاعَةِ الَّتِى فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يُسْتَجَابُ لَنَا فِى الْيَهُودِ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا‏)‏ باب فَضْلِ التَّهْلِيلِ باب فَضْلِ التَّسْبِيحِ باب فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ باب قَوْلِ الرجل‏:‏ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ باب لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ كِتَاب الرِّقَاقِ باب لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ باب مَثَلِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ‏)‏ باب فِى الأمَلِ وَطُولِهِ باب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِى الْعُمُرِ باب مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهَرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا‏}‏ الآية ‏[‏فاطر‏:‏ 5‏]‏ باب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ باب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ‏)‏ باب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ باب الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى أُحُدٍ ذَهَبًا‏)‏ باب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ باب فَضْلِ الْفَقْرِ باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابِهِ وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ باب الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ باب حِفْظِ اللِّسَانِ باب الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ باب الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ باب الانْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِى باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا‏)‏ باب حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ باب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ باب مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ باب مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقرَاتِ الذُّنُوبِ باب الأعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ وَمَا يُخَافُ مِنْهَا باب الْعُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ خُلاطِ السُّوءِ باب رَفْعِ الأمَانَةِ باب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ باب مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِى طَاعَةِ اللَّهِ باب التَّوَاضُعِ كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ باب كَيْفَ نَزَلَ الْوَحْىُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ باب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏قُرْآنًا عَرَبِيًّا ‏(‏،‏)‏ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 195‏]‏ باب جَمْعِ الْقُرْآنِ باب ذكر كَاتِبِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم باب أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ باب تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ باب الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم باب فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ باب فَضْلِ الْبَقَرَةِ باب فَضْلِ الْكَهْفِ باب فَضْلِ سُورَةِ الْفَتْحِ باب فَضْلِ‏)‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 1‏]‏ باب الْمُعَوِّذَاتِ باب نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلائِكَةِ عِنْدَ القِرَاءَةِ باب مَنْ قَالَ‏:‏ لَمْ يَتْرُكِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ باب الْوَصِيَّةِ بِكِتَابِ اللَّهِ باب فَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ باب مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ باب اغْتِبَاطِ صَاحِبِ الْقُرْآنِ باب خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ باب الْقِرَاءَةِ عَلى ظَهْرِ قَلبه باب اسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ باب الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ باب تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ باب نِسْيَانِ الْقُرْآنِ وَهَلْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ باب مَنْ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقُولَ‏:‏ سُورَةُ الْبَقَرَةِ باب التَّرْتِيلِ فِى الْقِرَاءَةِ باب مَدِّ الْقِرَاءَةِ باب التَّرْجِيعِ باب حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ باب قَوْلِ الْمُقْرِئِ لِلْقَارِئِ حَسْبُكَ باب فِى كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ باب الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ باب مَنْ رَاءَى بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ، أَوْ فَخَرَ بِهِ باب اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ كِتَاب التَّمَنِّى باب مَنْ يتمنى الشَّهَادَةَ باب تَمَنِّى الْخَيْرِ، وَقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَوْ كَانَ لِى أُحُدٌ ذَهَبًا‏)‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْىَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا‏)‏ باب تَمَنِّى الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّى باب قَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا باب كَرَاهِيَةِ التَمَنِّى لِقَاءِ الْعَدُوِّ باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ، وَقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 80‏]‏ كِتَاب الْقَدَرِ باب فِى الْقَدَرِ باب جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ باب اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ- بَاب ‏{‏وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 38‏]‏ باب الْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ باب إِلْقَاءِ النَّذْرِ الْعَبْدَ إِلَى الْقَدَرِ باب لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ باب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ- بَاب ‏{‏وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 95‏]‏ باب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 60‏]‏ باب محاجة آدَمُ مُوسَى باب لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ باب نَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ باب يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ- باب ‏{‏قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 51‏]‏- باب ‏{‏وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 43‏]‏ كِتَاب الاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ باب باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ‏)‏ باب الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم باب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لا يَعْنِيهِ باب الاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ وَالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ، باب إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا باب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْىِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ باب مَا كَانَ النَّبِىُّ عليه السَّلام يُسْأَلُ باب تَعْلِيمِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى باب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 65‏]‏ باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ باب اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ‏)‏ باب إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً باب مَا ذَكَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَرَمَانِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَمَا كَانَ بِهَا مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ، وَمُصَلَّى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَىْءٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 128‏]‏ باب قَول اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلا ‏(‏ باب قَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ‏(‏ باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلافَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ، لِقَوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏)‏ باب أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ باب الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمُورِ الإسْلامِ باب مَنْ رَأَى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً لا مِنْ غَيْرِه باب الأحْكَامِ الَّتِى تُعْرَفُ بِالدَّلائِلِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ‏)‏ باب النَهْىِ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 38‏]‏ كِتَاب التَّوْحِيدِ باب مَا جَاءَ فِى دُعَاءِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 110‏]‏ باب قَول تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 58‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 26‏]‏ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏السَّلامُ الْمُؤْمِنُ المهيمن ‏(‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَلِكِ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الناس‏:‏ 2‏]‏ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏‏)‏ سُبْحَانَ رَبِّكَ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ ‏(‏ باب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 65‏]‏ باب مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ باب قول النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ باب السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالاسْتِعَاذَةِ بِهَا باب مَا يُذْكَرُ فِى الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِى اللَّهِ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 28‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 88‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 39‏]‏ يعنِى‏:‏ تُغَذَّى، باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 24‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 75‏]‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا أحد أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ‏)‏ باب قوله‏:‏ ‏(‏قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 19‏]‏- باب ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 7‏]‏ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 4‏]‏ باب قَول تعالى‏:‏ ‏{‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 22، 23‏]‏ باب قَوله تَعَالَى‏:‏ باب قَوله تَعَالَى‏:‏ باب مَا جَاءَ فِى خلق السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ باب قَوله‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 40‏]‏ باب فِى الْمَشِيئَةِ وَالإرَادَةِ باب‏:‏ ‏(‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏ باب قَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 171‏]‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّى ‏(‏ باب قَوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ باب كَلامِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَلائِكَةَ باب قَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 166‏]‏ باب قوله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 15‏]‏ باب قَوْل اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 146‏]‏ باب كَلامِ اللَّه تَعَالَى مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ باب ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالأمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإبْلاغِ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏فصلت‏:‏ 22‏]‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 29‏]‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 16‏]‏ وَفِعْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ‏(‏ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إن كنتم صادقين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 93‏]‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ‏(‏ضجورًا باب ذِكْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 20‏]‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 32‏]‏ باب قوله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَحْفُوظٍ‏}‏ ‏[‏البروج‏:‏ 21، 22‏]‏ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 96‏]‏ باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ باب قَوْله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 47‏]‏‏.‏