فصل: تابع فتح مكة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 تابع فتح مكة

وقال الأموي كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح بيد سعد بن عبادة فلما مر بها على أبي سفيان وكان قد أسلم أبو سفيان فقال سعد إذ نظر إليه اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الل قريشاً‏.‏

فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة الأنصار حتى إذا حاذى أبا سفيان ناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك فإنه زعم سعدٌ ومن معه حين مر بنا أنه قاتلنا أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس وأرحمهم وأوصلهم‏.‏وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف يا رسول الله والله لا نأمن سعداً أن تكون منه في قريش صولة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشاً ‏"‏‏.‏

وقال ضرار بن الخطاب الفهري يومئذ‏:‏ يا نبي الهدى إليك لجاحي - - ي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر - - ض وعاداهم إله السماء والتقت حلقتا البطان على القو - - م ونودوا بالصيلم الصلعاء إن سعداً يريد قاصمة الظه - - ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجي لو يستطيع من الغي - - ظ رمانا بالنسر والعواء وغر الصدر لا يهم بشيء غير سفك الدما وسبي النساء قد تلظى على البطاح وجاءت عنه هند بالسوءة السواء إذ ينادي بذل حي قريش وابن حرب بذا من الشهداء فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء ثم ثابت إليه من بهم الخز - - رج والأوس أنجم الهيجاء إنه مطرق يدبر لنا الأم - - ر سكوتاً كالحية الصماء فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد بن عبادة فنزع اللواء من يده وجعله بيد قيس ابنه ورأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن اللواء لم يخرج عنه إذ صار إلى ابنه قيس‏.‏

قال أبو عمر وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد‏.‏

رجع إلى الخبر عن ابن إسحاق‏:‏ وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مك في بعض الناس فكان خالد على المجنبة اليمنى‏.‏

وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

وروينا في صحيح مسلم أن أبا عبيدة كان على البياذقة يعني الرجالة‏.‏

قال ابن إسحاق ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة‏.‏

وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا أناساً بالخندمة ليقاتلوا‏.‏

وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحاً قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويصلح منه فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال‏:‏ وذو غرارين سريع السله ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد وناوشوهم شيئاً من القتال فقتل كرز بن جابر الفهري وحبيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي وكانا في خيل خالد بن الوليد فشدا عنه فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً‏.‏

وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء وأصيب من المشركين قريب من اثني عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً ثم انهزموا‏.‏

وقال ابن سعد قتل أربعة وعشرون رجلاً من قريش وأربعة من هذيل قال فخرج حماس منهزماً حتى دخل بيته ثم قال لامرأته أغلقي علي بابي قالت وأين ما كنت تقول فقال‏:‏ إنك لو شهدت يوم الخندمه إذ فر صفوان وفر عكرمه واستقبلتنا بالسيوف المصلمه يقطعن كل ساعد وجمجمه ضرباً فلا تسمع إلا غمغمه لهم نهيت حولنا وهمهمه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه أخبرنا أبو الفضل الموصلي بقراءة والدي رحمهما الله عليه قال أنا الشيخ أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج بن سعادة الرصافي المكبر سماعاً عليه بسفح قاسيون سنة اثنتين وستمائة قال أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال أنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب قال أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قال أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي حدثنا بهزٌ وهاشم ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال هاشم حدثني ثابت ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم وأبو هريرة فذكر حديثاً‏.‏

وفيه قال فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معاشر الأنصار قال فذكر فتح مكة‏:‏ قال أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل مكة قال فبعث الزبير على إحدى المجنبيتين وبعث خالداً على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة قال وقد وبشت قريش أوباشها قال فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا‏.‏

وفيه فقال ‏"‏ يا أبا هريرة ‏"‏ قلت لبيك يا رسول الله قال فقال ‏"‏ اهتف لي يا للأنصار ولا يأتني إلا أنصاري ‏"‏ فهتف بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصداً حتىتوافوني بالصفا ‏"‏ قال فقال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء وما أحد يوجه إلينا منهم شيئاً قال فقال أبو سفيان يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ‏"‏ قال فغلق الناس أبوابهم قال فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال وفي يده قوس آخذاً بسية القوم فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه قال فجعل يطعن بها في عينه ويقول ‏"‏ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ‏"‏ ‏"‏ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ‏"‏ قال ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه قال والأنصار تحته قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى يقضي‏.‏

قال هشام فلما قضى الوحي رفع رأسه ثم قال ‏"‏ يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته ‏"‏ قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال ‏"‏ فما أسمي إذن إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم ‏"‏ قال فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم ‏"‏‏.‏

رواه أبو داود عن الإمام أحمد بن حنبل وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا أنه قد عهد في نفر سماهم بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وعبد العزي بن خطل وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد بن قصي ومقيس بن صبابة وهبار بن الأسود وقينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل يهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسارة مولاة لبني عبد المطلب‏:‏ فأما ابن أبي سرح فكان ممن أسلم قبل ذلك وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش فلما كان يوم الفتح فر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة أرضعت أمه عثمان فغيبه حتى أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ما اطمأن الناس فاستأمنه له فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلاً ثم قال ثعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن حوله ‏"‏ ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ‏"‏ فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله فقال ‏"‏ إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة أعين ‏"‏‏.‏

قلت وكان بعد ذلك ممن حسن إسلامه ولم يظهر منه شيء ينكر عليه وهو آخر النجباء العقلاء الكرماء من قريش وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم وولاه عمر بن الخطاب ثم عثمان رضي الله عنهم‏.‏

وأما ابن خطل فإنما أمر بقتله فإنه كان مسلماً فبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى لهم يخدمه وكان مسلماً فنزل منزلاً وأمر المولى أن يذبح له تيساً فيصنع له طعاماً فنام فاستيقظ ابن خطل ولم يصنع له شيئاً فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركاً‏.‏

وكانت له قينتان فرتنا وقريبة وكانتا تغنيات بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر بقتلهما معه فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي‏.‏

وروينا عن ابن جميع حدثنا محمد ابن أحمد الخولاني بمكة ثنا أحمد بن رشدين قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال ‏"‏ اقتلوه ‏"‏‏.‏

قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ محرماً‏.‏

وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فردته فأسلم وحسن إسلامه وكان يعد من فضلاء الصحابة‏.‏وأما الحويرث بن نقيد فكان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة فقتله علي بن أبي طالب يوم الفتح‏.‏

وأما مقيس بن صبابة فكان قد أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلماً قبل ذلك ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله بأخيه هشام ابن صبابة بعد أن أخذ الدية وكان الأنصاري قتل أخاه مسلماً خطأ في غزوة ذي قرد وهو يرى أنه من العدو‏.‏وقد تقدم ذلك في غزوة ذي قرد وأبيات مقيس في ذلك ثم لحق بمكة مرتداً فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي وهو ابن عمه‏.‏

قال أبوعمر ومن سنته صلّى الله عليه وسلّم أنه قال ‏"‏ لا أعفي أحداً قتل بعد أخذ الدية هذا من المسلمين ‏"‏‏.‏

وأما مقيس فارتد أيضاً‏.‏

وأما هبار بن السود فهو الذي عرض لزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفهاء من قريش حين بعث بها أبو العاص زوجها إلى المدينة فأهوى إليها هبار هذا ونخس بها فسقطت على صخرة فألقت ذا بطنها واهراقت الدماء فلم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت سنة ثمان فقال عليه السلام طإن وجدتم هباراً فاحرقوه بالنار ‏"‏ ثم قال ‏"‏ اقتلوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار ‏"‏‏.‏

فلم يوجد ثم أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه وصحب النبي صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

وذكر الزبير أنه لما أسلم وقدم مهاجراً جعلوه يسبونه فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ‏"‏ سب من سبك فانتهوا عنه ‏"‏‏.‏

وأما قنتنا ابن خطل فرتنا وقريبة فقتلت إحداهما واستؤمن رسول الله صا للأخرى فأمنها فعاشت مدة ثم ماتت في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

وأما سارة فاستؤمن لها أيضاً فأمنها عليه السلام فعاشت إلى أن أوطأها رجل فرساً بالأبطح في زمن عمر فماتت‏.‏واستجار بأم هانئ بنت أبي طالب رجلان قيل لهما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية وقيل أحدهما جعدة بن هبيرة فأجارتهما فأراد على قتلهما فدخلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي الضحىف ذكرت ذلك له فأمضى جوارها وقال ‏"‏ قد أجرنا من أجرت وآمنا من أمنت ‏"‏‏.‏

وأسلمت أم هانئ يوم الفتح وهي شقيقة علي بن أبي طالب وعقيل وجعفر وطالب أمهم فاطمة بنت أسد قيل اسمها فاختة وقيل هند‏.‏

ومن حجة من قال إن اسمها هند قول زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي حين فر يوم الفتح ولم يسلم ولحق بنجران ومات على شركه في أبيات أولها‏:‏ أشاقتك هند أم جفاك سؤالها كذاك النوى أسبابها وانفتالها وقد أرقت في رأس حصن ممرد بنجران يسري بعد نوم خيالها وعاذلة هبت علي تلومني وتعذلني بالليل ضل ضلالها لئن كنت قد تابعت دين محمد وعطفت الأرحام منك حبالها فكوني علي أعلى سحيق بهضبة ممنعة لا يستطاع قلالها فإني من قوم إذا جد جدهم على أي حال أصبح اليوم حالها وإني لا حمى من وراء عشيرتي إذا كثرت تحت العوالي مجالها وطارت بأيدي القوم بيض كأنها مخاريق ولدان يطيش ظلالها وأن كلام المرء في غير كنهه لكالليل تهوى ليس فيها نصالها بقية الخبر عن فتح مكة ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعاً على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان ابن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد بها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال‏:‏ ‏"‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ شبيه العمد السوط والعصي ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ‏"‏ ثم تلا هذه الآية ‏"‏ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ‏"‏ الآية ثم قال ‏"‏ يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم ‏"‏ قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال ‏"‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء ‏"‏ ثم جلس في المسجد فقام إليه علي ومفتاح الكعبة في يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك‏.‏

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ أين عثمان بن طلحة ‏"‏ فدعي له فقال ‏"‏ هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر وفاء ‏"‏‏.‏وروينا عن عثمان بن طلحة من طريق ابن سعد قال كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم يوماً يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فغلظت عليه ونلت منه وحلم عني ثم قال ‏"‏ يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت ‏"‏ فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلك فقال ‏"‏ بل عمرت وعزت يومئذ ‏"‏ ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعاً ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال‏.‏

وفيه أنه عليه السلام قال له يوم الفتح ‏"‏ يا عثمان أن ائتني بالمفتاح ‏"‏ فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إليّ وقال ‏"‏ خذوها تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف ‏"‏‏.‏

قال عثمان فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال ‏"‏ ألم يكن الذي قلت لك ‏"‏ قال فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة ‏"‏ لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت ‏"‏ فقلت بلى أشهد أنك رسول الله‏.‏

وروينا عن سعيد بن المسيب أن العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم فدفعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعثمان ودخل النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ الكعبة ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيداً أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم أنه حق لاتبعته فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء فخرج عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال ‏"‏ لهم لقد علمت الذي قلتم ‏"‏ ثم ذكر ذلك لهم فقال الحرث وعتاب نشهد أنك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك‏.‏

وروينا عن ابن إسحاق من طريق زياد البكائي قال حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا خطيباً فقال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد بها شجراً ‏"‏‏.‏

الحديث‏.‏

وفيه فقال عمرو لأبي شريح انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع طاعة ولا مانع جزية‏.‏

الحديث‏.‏

قلت الذي وقع في الصحيح أن هذا الخبر لعمرو ابن سعيد بن العاص مع أبي شريح لا لعمرو بن الزبير وهو الصواب‏.‏

والوهم فيه عن من دون ابن إسحاق‏.‏

وقد رواه يونس بن بكير عنه على الصواب‏.‏

وحين افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة وقف على الصفا يدعو وقد أحدقت به الأنصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ‏"‏ ماذا قلتم ‏"‏ قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ‏"‏‏.‏ذكرهابن هشام وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح أراد قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ أفضالة ‏"‏ قال نعم فضالة يا رسول الله قال ‏"‏ ماذا كنت تحدث به نفسك ‏"‏ قال لا شي كنت أذكر الله فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال ‏"‏ استغفر الله ‏"‏ ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئاً أحب إليّ منه‏.‏

قال فضالة فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت هلم إلى الحديث فقلت لا وانبعث فضالة يقول‏:‏ قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لو ما رأيت محمداً وقبيله بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بيناً والشرك يغشى وجهه الإظلام وفر يومئذ صفوان بن أمية فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمنه وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فرده فقال يا رسول الله اجعلني بالخيار شهرين فقال ‏"‏ أنت بالخيار أربعة أشهر ‏"‏‏.‏

وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت واستأمنت له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمنه فلحقته باليمن فردته وأقرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وصفوان على نكاحهما الأول‏.‏

قال ابن سعد ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم وحانت الظهر فأذن بلال فوق ظهر الكعبة وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ لا تغز قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ‏"‏ يعني على الكفر ووقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحزورة فقال ‏"‏ إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ‏"‏‏.‏

وبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فسكرها منها العزى ومناة وسواع وبوانة وذو الكفين ونادى مناديه بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره‏.‏

ومما قيل من الشعر يوم الفتح قول حسان بن ثابت‏:‏

عفت ذات الأصابع فالجواء ** إلى عذراء منزلها خلاء

ديار من بني الحسحاس قفر ** تعفيها الروامس والسماء

وكانت لا يزال بها أنيس ** خلال مروجها نعم وشاء

فدع هذا ولكن من لطيف ** يؤرقني إذا هبّ العشاء

لشعثاء التي قد تيمته ** فلي لقلبه منها شفاء

كأن سبيئة من بيت رأس ** يكون مزاجها عسل وماء

نوليها الملامة إن ألمنا ** إذا ما كان مغث أو لحاء

ونشربها فتتركنا ملوكاً ** وأسداً ما ينهنهنا اللقاء

عدمنا خيلنا إن لم تروها ** تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأعنة مصغيات ** على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات ** يلطمهن بالخمر النساء

فأما تعرضوا عنا اعتمرنا ** وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاد يوم ** يعين الله فيه من يشاء

وجبريل رسول الله فينا ** وروح القدس ليس له كفاء

وقال الله قد أرسلت عبداً ** يقول الحق إن نفع البلاء

شهدت به فقوموا صدقوه ** فقالوا لا نقوم ولا نشاء

وقال الله قد يسرت جنداً ** هم الأنصار عرضتها اللقاء

لنا في كل يوم من معد ** سباب أو قتال أو هجاء

هجوت محمداً فأجبت عنه ** وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء ** فشركما لخيركما الفداء

هجوت مباركاً براً حنيفاً ** أمين الله شيمته الوفاء

فمن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء

فإن أبي ووالده وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء

لساني صارم لا عيب فيه ** وبحري لا تكدره الدلاء

وقال أنس بن زنيم يعتذر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما قال فيهم عمرو بن سالم من أبيات‏:‏

وما حملت من ناقة فوق رحلها ** أبر وأوفى ذمة من محمد

أحث على خير وأسبغ نائلاً ** إذا راح كالسيف الصقل المهند

وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله ** وأعطى لرأس السابق المتجرد

تعلم رسول الله أنك مدركي ** وأن وعيداً منك كالأخذ باليد

تعلم رسول الله أنك قادر ** على كل صرم متهمين ومنجد

 فوائد تتعلق بخبر الفتح

الوتير ماء لخزاعة وهي كلام العرب الورد الأبيض‏.‏

والعنان والسحاب‏.‏

وقوله قد كنتم ولداً وكنا والداً يريد أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة كذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية‏.‏

والولد الولد‏.‏

وقوله ثمت أسلمنا من السلم لأنهم لم يكونوا آمنوا بعد‏.‏

وفيه هم قتلونا ركعاً وسجداً يدل على أن فيهم من أسلم وصلى‏.‏

قاله السهيلي وحاطب بن أبي بلتعة مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى واسم أبي بلتعة عمرو من ولده زياد بن عبد الرحمن شبطون‏.‏روى الموطأ عن مالك أندلسي ولي قضاء طليطلة‏.‏

قاله السهيلي وقد قيل إنه كان في الكتاب الذي كتبه حاطب بن أبي بلتعة إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو صار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده‏.‏

قيل وفي الخبر دليل على قتل الجاسوس لتعليقه عليه السلام المنع من قتله بشهوده بدراً‏.‏

وحمشتهم الحرب يقال حمشت الرجل إذا أغضبته ويقال حمست النار إذا أوقدتها ويقال حمست بالسين‏.‏

وأبو سفيان بن الحرث كان رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرضعتهما حليمة وكان آلف الناس له قبل النبوة ثم كان أبعدهم عنه بعد ذلك ثم أسلم يوم الفتح ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء فإنه هو الذي كان يهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل إسلامه‏.‏

والحميت الزق‏.‏

والأحمس الشديد والأحمس الذي لا خير عنده‏.‏

ودخل عليه السلام مكة من ثنية كداء بفتح الكاف والمد من أعلاها حيث وقف إبراهيم عليه السلام فدعا لذريته ‏"‏ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ‏"‏ فاستجيب له تبركاً بذلك‏.‏

والصيلم الصلعاء الداهية‏.‏

وخنيس بن خالد كذا هو عند ابن إسحاق وقد قيد بالحاء المهملة المضمومة والباء الموحدة مفتوحة والشين المعجمة‏.‏والنهيت صوت الصدر وأكثر ما يوصف به الأسد‏.‏

وابن خطل اسمه عبد الله وقيل هلال وقيل بل هلال أخوه وكان يقال لها الخطلان من بني تيم بن غالب‏.‏

وصلاته عليه السلام في بيت أم هانئ قاله السهيلي هي صلاة الفتح تعرف بذلك وكان الأمراء إذا افتتحوا بلداً يصلونها وحكي عن الطبري قال صلاها سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن ودخل إيوان كسرى ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا تصلى بإمام ولا يجهر فيها بالقراءة‏.‏

وذات الأصابع والجواء منزلان بالشام‏.‏

وعذراء قرية بقرب دمشق معروفة‏.‏وبنو الحسحاس حي من بني أسد‏.‏

والروامس الرياح‏.‏

والسماء يعني المطر‏.‏

وشعثاء بنت سلام بن مشكم اليهودي‏.‏

وخبر كان سبيئة محذوف تقديره كان في فيها سبيئة نحو قوله إن محلاً وإن مرتحلاً أي إن لنا محلاً‏.‏

وألمنا أتينا بما يلام فاعله أي نصرف اللوم إلى الخمر ونعتذر بالسكر‏.‏

والمغث الضرب باليد واللحاء الملاحاة باللسان وشركما لخيركما الفداء أنصف بيت قالته العرب وهو من باب قوله عليه السلام ‏"‏ شر صفوف الرجال آخرها ‏"‏ يريد نقصان حظهم عن حظ الصف الأول‏.‏

قال سيبويه ولا يجوز أن يريد التفضيل في الشر‏.‏

حكاه أبو القاسم السهيلي‏.‏

قال ابن إسحاق وبلغني عن الزهري أنه لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

ونحكم بالقوافي أي نرد من حكمة الدابة‏.‏

وفي شعر أنس بن زنيم وأعطى لبرد الخال الخال من برود اليمن وهو من رفيع الثياب‏.‏

 سرية خالد بن الوليد

قال ابن سعد ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ليهدمها فخرج في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره‏.‏

فقال ‏"‏ هل رأيت شيئاً ‏"‏ قال لا قال ‏"‏ فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها ‏"‏ فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها فضربها خالد فجزلها باثنتين ورجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره فقال نعم ‏"‏ تلك العزى وقد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً وكانت بنخلة وكانت لقريش وجميع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم وكان سدنتها بنو شيبان من بني سليم ‏"‏‏.‏

 سرية عمرو بن العاص إلى سواع

في شهر رمضان سنة ثمان وهو صنم لهذيل ليهدمه قال عمرو فانتهيت إليه وعنده السادن فقال ما تريد فقلت أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أهدمه قال لا تقدر على ذلك قلت لم قال تمنع قلت حتى الآن أنت على الباطل ويحك وهل يسمع أو يبصر قال فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئاً ثم قلت للسادن كيف رأيت قال أسلمت لله‏.‏

 سرية سعد بن زيد الأشهل إلى مناة

في شهر رمضان سنة ثمان وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان فخرج في عشرين فارساً حتى انتهى إليها وعليها سادن فقال السادن ما تريد قال هدم مناة قال أنت وذاك فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها فقال السادن مناة دونك بعض عصاتك ويضربها سعد بن زيد فيقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه ولم يجدوا في خزانتها شيئاً وانصرف راجعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لست بقين من شهر رمضان‏.‏