فصل: الجزء الثاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة

تشابه الناس في الطبائع وذمهم

لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في تشابه الناس بآبائهم حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا يحيى بن هاشم الغساني عن إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم‏.‏

ولأبي الدرداء قال‏:‏ وحدّثني حسين بن الحسن المروزي قال‏:‏ حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن سفيان قال‏:‏ قال أبو الدرداء‏:‏ وجدت الناس أخبر تقله‏.‏

عمر بن الخطاب وقد مر بقوم يتبعون رجلًا متهمًا قال‏:‏ حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا شريح بن النعمان عن المعافى بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم يتبعون رجلًا قد أخذ في ريبةٍ فقال‏:‏ لا مرحبًا بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في الشر‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم في طبائع الناس وأخلاقهم قال‏:‏ وحدّثني محمد بن داود قال‏:‏ حدّثنا الصلت بن مسعود قال‏:‏ حدّثنا عصام بن عليّ عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبيد ة أن الوليد السوائي قال‏:‏ لغط قومٌ عند رسول صلى الله عليه وسلم، فقيل‏:‏ يا رسول الله لو نهيتهم‏!‏ فقال‏:‏ ‏"‏لو نهيتهم أن يأتوا الحجون لأتاه بعضهم ولو لم تكن له حاجةٌ‏"‏‏.‏

لمطرف وغيره في اختلاف الناس قال‏:‏ وحدّثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير قال‏:‏ قال مطرف‏:‏ هم الناس وهم النسناس وناسٌ غمسوا في ماء الناس‏.‏

قال يونس بن عبيد‏:‏ لو أمرنا بالجزع لصبرنا‏.‏

وكان يقال‏:‏ لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا‏:‏ ما نهينا عنه إلا وفيه شيءٌ‏.‏

لشاعر في بني جوين وقال الشاعر‏:‏

ولما أن أتيت بنـي جـوينٍ *** جلوسًا ليس بينهم جلـيس

يئست من التي أقبلت أبغي *** لديهم، أنني رجـلٌ يؤوس

إذا مـا قـلـت أيهـم لأي *** تشابهت المناكب والرؤوس

ويقال‏:‏ لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا‏.‏

لبعض شعراء في اختلاف الناس وقال آخر‏:‏

الناس أسواءٌ وشتى في الشيم *** وكلهم يجمعهم بـيت الأدم

وقال آخر - يذكر قومًا -‏:‏

سواءٌ كأسنان الحمـار ولا تـرى *** لذي شيبةٍ منهم على ناشيءٍ فضلًا

وقال آخر‏:‏

سواسيةٌ كأسنان الحمار

وكان يقال‏:‏ المرء تواقٌ إلى ما لم ينل والعجم تقول‏:‏ كل عزٍ دخل تحت القدرة فهو ذليل‏.‏

وقالوا‏:‏ كل مقدورٍ عليه مملولٌ محقورٌ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

وزاده كلفًا بالحب أن منـعـت *** أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا

وقال آخر‏:‏

ترى الناس أسواء إذا جلسوا مـعـًا *** وفي الناس زيف مثل زيفٌ الدراهم

ويقال‏:‏ الناس سيلٌ وأسراب طيرٍ يتبع بعضهم بعضًا‏.‏

لطرفة بن العبد وغيره وقال طرفة‏:‏

كل خليلٍ كنت خاللتـه *** لا ترك اللّه له واضحه

كلهم أروغ من ثعلـبٍ *** ما أشبه الليلة بالبارحه

وقال آخر‏:‏

فإنك لا يضرك بعد حـولٍ *** أظبيٌ كان أمك أم حمـار

فقد لحق الأسافل بالأعالـي *** وماج اللؤم واختلط النجار

وعاد العبد مثل أبي قبـيسٍ *** وسيق مع المعلهجة العشار

يقول‏:‏ سيقت الإبل الحوامل في مهر اللئيمة‏.‏

للحسن قال أبو محمد‏:‏ بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه، قال‏:‏ كنت عند الحسن فقال‏:‏ أسمع حسيسًا ولا أرى أنيسًا، صبيانٌ حيارى ما لهم تفاقدوا عقولهم وفراش نار وذبان طمع‏.‏

للأصمعي، وابن الجهم وقال أبو حاتم عن الأصمعيّ‏:‏ لو قسمت في الناس مائة ألف درهم كان أكثر للائمتي من لو أخذتها منهم‏.‏

ونحوه قول محمد بن الجهم‏:‏ منع الجميع أرضى للجميع‏.‏

شعر لابن بشير، وغيره وقال ابن بشير‏:‏

سوءةً للناس كـلـهـم *** أنا في هذا من أولهم

لست تدري حين تنسبهم *** أين أدناهم من أفضلهم

وقال نهار بن توسعة‏:‏

عتبت على سلم فلما فقـدتـه *** وجربت أقوامًا بكيت على سلم

وهذا مثل قولهم‏:‏ ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه‏.‏

وقال الأحنف بن قيس‏:‏

وما مر يومٌ أرتجي فيه راحةً *** فأخبره إلا بكيت على أمس

وقال آخر‏:‏ وفسره بأنه قطعة من الجبل طولًا، وقيل الجبل العظيم‏.‏ وأبو قبيس جبل بمكة، والمراد به الرجل الشريف كما يراد بالفند الرجل الوضيع‏.‏

المعلهجة‏:‏ المرأة اللئيمة الأصل الفاسدة النسب‏.‏ ورواه سيبويه في كتابه عن خداش بن زهير وصار مع المعلهجة العشار‏.‏

ونعتب أحيانًا عليه ولو مضـى *** لكنا على الباقي من الناس أعتبا

وقال آخر‏:‏

سبكناه ونحسبـه لـجـينـًا *** فأبدى الكبر عن خبث الحديد

لأبي الزناد قال‏:‏ وحدّثني أبو حاتم، قال‏:‏ حدّثني الأصمعيّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال‏:‏ لا يزال في الناس بقيةٌ ما تعجب من العجب‏.‏

رجوع المتخلق إلى طبعه

لأعرابي ربى جرو ذئب ورجع إلى طبعه بلغني أن أعرابيًا ربى جرو ذئب حتى شب وظن أنه يكون أغنى عنه من الكلب وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاةٍ فقتلها وأكل منها فقال الأعرابي‏:‏

أكلت شويهتي وربيت فينا *** فما أدراك أن أباك ذيب

ويروى‏:‏ ولدت بقفرةٍ ونشأت عندي

إذا كان الطباع طباع سوءٍ *** فليس بنافعٍ أدب الأديب

للخريمي في غلبة الطبع وقال الخريمي‏:‏

يلام أبو الفضل في جـوده *** وهل يملك البحر ألا يفيضا

مثله لأبي الأسد، ولكثير وقال أبو الأسد‏:‏

ولائمةٍ لامتك يا فيض فـي الـنـدى *** فقلت لها هل يقدح اللوم في البحـر

أرادت لتثني الفيض عن عادة النـدى *** ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر

موقع جود الفيض في كل بلـدةٍ *** مواقع ماء المزن في البلد القفر

وقال كثير‏:‏

ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه *** يدعه ويغلبه على النفس خيمهـا

لزهير بن أبي سلمى، وغيره وقال زهير‏:‏

ومهما تكن عند امرءٍ من خلـيقةٍ *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وأنشدني ابن الأعرابي لذي الإصبع العدواني‏:‏

كل امرء راجعٌ يومًا لشيمته *** وإن تخلق أخلاقًا إلى حين

وقال آخر‏:‏

ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه *** إن التخلق يأبى دونه الخـلـق

لكثير في التطبع وترك الأهواء وقال كثير في خلاف هذا‏:‏

وفي الحلم والإسلام للمرء وازعٌ *** وفي ترك أهواء الفؤاد المتـيم

بصائر رشدٍ للفتى مسـتـبـينةٌ *** وأخلاق صد قٍ علمها بالتعلـم

مثله للمتلمس، وللطائي ونحوه للمتلمس‏:‏

تجاوز عن الأدنين واستبق ودهم *** ولن تستطيع الحلم حتى تحلما

وقال الطائي‏:‏

لبس الشجاعة إنها كانت لـه *** قدمًا نشوعًا في الصبا ولدودا

بأسا قبيلـيًا وبـأس تـكـرمٍ *** فينا وبأس قريحةٍ مـولـودا

أبو جعفر الشطرنجي يصف جارية سوداء وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء‏:‏

أشبهك المسك وأشبهته *** قائمةً في لونه قاعده

لا شك إذ لونكما واحدٌ *** أنكما من طينةٍ واحده

لأبي نواس، وللرياشي وقال أبو نواس‏:‏

تلقى الندى في غير عرضًا *** وتراه فيه طبيعةً أصـلا

وإذا قرنت بعاقـلٍ أمـلًا *** كانت نتيجة قوله فـعـل

وأنشدنا الرياشي‏:‏

لا تصحبن امرءًا على حسب *** إني رأيت الأحساب قد دخلت

مالك مـن أن يقـال إن لـه *** أبًا كريمًا في أمةٍ سلـفـت

بل اصحبنه على طـبـائعـه *** فكل نفسٍ تجري كماطبعـت

للعباس بن مرداس في غلبة الطبع وقال العباس بن مرداس‏:‏

إنك لم تك كابن الـشـريد *** ولكن أبوك أبـو سـالـم

حملت المئين وأثقـالـهـا *** على أذني قـنـقـذٍ رازم

وأشبهت جدك شر الجـدو *** د والعرق يسري إلى النائم

مثله لبعض العبديين وقال بعض العبديين‏:‏

وما يستوي المرءان هذا ابن حرةٍ *** وهذا ابن أخرى ظهرها مشترك

وأدركه خالاتـه فـخـذلـنـه *** ألا إن عرق السوء لا بـد يدرك

باب الشيء يفرط فينتقل إلى غير طبعه

من كتاب الهند في معنى العنوان قرأت في كتاب للهند‏:‏ لا ينبغي اللجاج في إسقاط ذي الهمة والرأي وإذالته فإنه إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم تلسع لم يغتر بها فيعاد لوطئها، وإما سجح الطبع كالصندل البارد إن أفرط في حكه عاد حارًا مؤذيًا‏.‏

وقال أبو نواس‏:‏

قل لزهـير إذا حـدا وشـدا *** أقلل وأكثر فأنـت مـهـذار

سخنت من شدة الـبـرودة ح *** تى صرت عندي كأنك النار

لا يعجب السامعون من صفتي *** كذلك الثـلـج بـاردٌ حـار

ويقال‏:‏ إنما ملح القرد عند الناس لإفراط قبحه‏.‏

وللطائي قال الطائي‏:‏

أخرجتموه بكرهٍ من سـجـيتـه *** والنار قد تنتضى من ناضر السلم

أمن عمًى نزل الناس الربى فنجوا *** وأنتم نصب سيل الفتنة الـعـرم

أم ذاك من هممٍ جاشت فكم ضعةٍ *** حدا إليها غلو القوم في الهـمـم

وكان يقال‏:‏ من التوقي ترك الإفراط في التوقي‏.‏

باب الحسد

للنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ حدّثنا إسحاق بن راهويه قال‏:‏ أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثلاثةٌ لا يسلم منهن أحدٌ الطيرة والظن والحسد‏"‏قيل‏:‏ فما المخرج منهن يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ‏"‏‏.‏

لبكر بن عبد الله وقال بكر بن عبد الله‏:‏ حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى الحاسد دوام النعم من اللّه عليك‏.‏

ولروح بن زنباعٍ وقال روح بن زنباعٍ الجذامي‏:‏ كنت أرى قومًا دوني في المنزلة عند السلطان يدخلون مداخل لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا‏.‏

شعر لابن حمام وقال ابن حمام‏:‏

تمنى لي الموت المعجل خـالـدٌ *** ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده

وللطائي وقال الطائي‏:‏

وإذا أراد اللـه نـشـر فـضـيلةٍ *** طويت أتاح لها لسـان حـسـود

لولا اشتعال النارفيمـا جـاورت *** ما كان يعرف طيب عرف العودا

لولا التخوف للعواقب لـم تـزل *** للحاسدالنعمى على المـحـسـود

الحجاج يصف عيوبه بين يدي عبد الملك وقال عبد الملك للحجاج‏:‏ إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك قال‏:‏ أعفني يا أمير المؤمنين‏.‏ قال‏:‏ لتفعلن‏.‏ قال‏:‏ أنا لجوجٌ حقودٌ حسود‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ ما في الشيطان شرٌ مما ذكرت‏.‏

لبعض الحكماء في الحسد قال بعض الحكماء‏:‏ الحسد من تعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل الحسرات‏.‏

لابن المقفع في الحسد والحاسد قال ابن المقفع‏:‏ أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذابًا ليس بمدركٍ به حظًا ولا غائظ به عدوًا، فإنا لم نر ظالمًا أشبه بظلومٍ من الحاسد، طول اسفٍ ومحالفة كآبةٍ وشدة تحرقٍ، ولا يبرح زاريًا على نعمة الله ولا يجد لها مزالًا ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعمًا ولا يزال ساخطا على من لا يترضاه ومتسخطًا لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم السخطة محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشرًا للسرور منتفعًا به ممهلًا فيه إلى مدة ولا يقدر الناس لها على قطعٍ وانتقاصٍ للحسن البصري في حسد المؤمن أخاه قيل للحسن البصري‏:‏ أيحسد المؤمن أخاه‏؟‏ قال‏:‏ لا أبا لك، أنسيت إخوة يوسف‏.‏ وكان يقال‏:‏ إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعم عليه أمورك‏.‏

ويقال‏:‏ إذا أراد الله أن يسلط على عبد ه عدوًا لا يرحمه سلط عليه حاسدا‏.‏

العتبي يرثي أولاده وقال العتبي‏:‏ - وذكر ولده الذين ماتوا -

وحتى بكى لي حسـادهـم *** وقد أقرحوا بالدموع العيونا

وحسبك من حاد ثٍ بامـرءٍ *** يرى حاسديه له راحمينـا

لسفيان بن معاوية، ولغيره قيل لسفيان بن معاوية‏:‏ ما أسرع حسد الناس إلى قومك؛ فقال‏:‏

إن العرانين تلقاها محسدةً *** ولا ترى للئام الناس حسادا

وقال آخر‏:‏

وترى اللبيب محسدًا لم يجترم *** شتم الرجال وعرضه مشتوم

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخـصـوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسدًا وظلمًا إنـه لـذمـيم

ليحيى بن خالد في الحاسد وقال يحيى بن خالد‏:‏ الحاسد عدو مهينٌ لا يدرك وتره إلا بالتمني‏.‏

قيل لبعضهم‏:‏ أي الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقًا‏؟‏ قال‏:‏ من سبب عداؤته النعمة‏.‏ للأحنف وقال الأحنف‏:‏ لا صديق لملولٍ ولا وفاء لكذوبٍ ولا راحة لحسودٍ ولا مروءة لبخيلٍ ولا سؤدد لسييء الخلق‏.‏

ولمعاوية في استحالة إرضاء الحاسد وقال معاوية‏:‏ كل الناس استطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمةٍ فإنه لا يرضيه إلا زوالها‏.‏

لشاعر في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر‏:‏

كل العداوة قد ترجى إماتتهـا *** إلا عداوة من عاداك من حسد

وفي بعض الكتب يقول الله‏:‏ الحاسد عدوٌ لنعمتي متسخط لقضائي غير راضٍ بين عبادي‏.‏

وكان يقال‏:‏ قد طلبك من لا يقصر دون الظفر وحسدك من لا ينام دون الشفاء‏.‏

للحجاج يتمثل بقول سويد بن أبي كاهل في خطبة له وخطب الحجاج يومًا برستقباذ بقول سويد بن أبي كاهل‏:‏

كيف يرجون سقاطي بعـدمـا *** جلل الرأس بياضٌ وصـلـع

رب من أنضجت غيظا صدره *** قد تمنى لي موتـًا لـم يطـع

ويراني كالشجا في حـلـقـه *** عسرًا مخرجه مـا ينـتـزع

مزبدًا يخطر مـا لـم يرنـي *** فإذا أسمعته صوتي إنقـمـع

لم يضرني غير أن يحسـدنـي *** فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع

ويحـيينـي إذا لاقــيتـــه *** وإذا يخلو له لحـمـي رتـع

قد كفاني الله ما في نـفـسـه *** وإذا ما تلكف شـيئًا لا يضـع

لشاعر في حسد أهل الفضل وقال آخر‏:‏

إن تحسدوني فـإنـي لا ألـومـكـم *** قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

فدام لي ولكم مـا بـي ومـا بـكـم *** ومات أكثرنا غـيظـًا بـمـا يجـد

أنا الذي تجدوني فـي حـلـوقـكـم *** لا أرتقي صـعـدًا فـيهـا ولا أرد

لبعضم في الحسد وقال بعضهم‏:‏ الحسد أول ذنبٍ عصي اللّه به في السماء، يعني حسد إبليس آدم، وأول ذنب عصي اللّه به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله‏.‏

شعر لأبي زيد الأعرابي وأنشدني شيخٌ لنا عن أبي زيد الأعرابي‏:‏

لا تقبل الرشد ولا ترعوي *** ثاني رأس كابـن عـواء

حسدتني حين أفدت الغنـى *** ما كنت إلا كابـن حـواء

وأنت تقليني ولا ذنب لـي *** لكنني حـمـال أعـبـاء

من يأخذ النار بأطـرافـه *** ينضح على النار من الماء

بين قيس بن زهير والربيع بين زياد في بلاد غطفان مر قيس بن زهير ببلاد غطفان فرأى ثروةً وجماعاتٍ وعددًا فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد‏:‏ إنه يسوءك ما يسر الناس؛ فقال له‏:‏ يا أخي إنك لا تدري، إن مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد والتناضر‏.‏

بين الأصمعيّ وأعرابي معمر قال الأصمعي‏:‏ رأيت أعرابيًا قد أتت له مائةٌ وعشرون سنةً، فقلت له‏:‏ ما أطول الله عمرك ‏!‏ فقال‏:‏ تركت الحسد فبقيت‏.‏

لزيد بن الحكم الثقفي وقال زيد‏!‏ بن الحكم الثقفي

تملأت من غيظٍ علي فـلـم يزل *** بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي

باب الغيبة والعيوب

لحماد بن سلمة في الغيبة وقال حماد بن سلمة‏:‏ ما كنت تقوله للرجل وهو حاضرٌ فقلته من خلفه فليس بغيبةٍ‏.‏

لبعض الأشراف يرد على رجل اغتاب رجلًا عاب رجلٌ رجلاٌ عند بعض الأشراف فقال له‏:‏ قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها‏.‏

قال بعض الشعراء‏:‏

وأجرأ من رأيت بظهر غـيبٍ *** على عيب الرجل ذوو العيوب

لابن الأعرابي في النهي عن الغيبة وأنشد ابن الأعرابي‏:‏

اسكت ولا تنطق فأنت خياب *** كلك ذو عيب وأنت عـياب

وأنشدني أيضًا‏:‏

رب غريبٍ ناصح الجيب *** وابن أب متهم الـغـيب

وكل عيا بٍ له منـظـرٌ *** مشتمل الثوب على العيب

عتبة بن عبد الرحمن وحبه للغيبة وكان عتبة بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له‏:‏ أتركتها‏؟‏ قال‏:‏ نعم، على أني واللّه أحب أن أسمعها‏.‏

بين عمرو بن مرثد وأحد جلسائه أتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر‏:‏ إنه ليس مستحقًا لما وعدته‏.‏ فقال عمرو‏:‏ إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا، لأنه إن كان مستحقًا كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث‏:‏ ‏"‏إن الغيبة أشد من الزنا‏"‏قيل‏:‏ كيف ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لأن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر حتى يغفر له صاحبها‏.‏

بين الحسن ورجل قال رجل للحسن‏:‏ يا أبا سعيد إني اغتبت رجلًا وأريد أن أستحله‏.‏ فقال له‏:‏ لم يكفك أن اغتبته حتى أرعدت أن تبهته‏.‏

بين قتيبة بن مسلم ورجل يغتاب عنده آخر اغتاب رجلٌ رجلًا عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة‏:‏ أمسك أيها الرجل، فواللّه لقد تلمظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام‏.‏

مر رجلٌ بجارين له ومعه ريبةٌ، فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ أفهمت ما معه من الريبة‏؟‏ فقال الآخر‏:‏ غلامي حر لوجه اللّه شكرًا له إذا لم يعرفني من الشر ما عرفك‏.‏

بين سعد بن أبي وقاص ورجل وقع عنده في خالد بن الوليد شعبة عن يحيى بن الحصين عن طارق قال‏:‏ دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ‏:‏ مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا‏.‏ أي عداوةٌ وشرٌ وقال الشاعر‏:‏

ولست بذي نيربٍ في الكرام *** ومناع خيرٍ وسـبـابـهـا

ولا من إذا كان في جانـب *** أضاع العشيرة وآغتابـهـا

ولكن أطـاوع سـاداتـهـا *** ولا أتعـلـم ألـقـابـهـا

وقال آخر‏:‏

لا يأمل الجار خيرًا من جوارهم *** ولا محالة من هزءٍ وألـقـاب

للفرزدق وقال الفرزدق‏:‏

تصرم مني ود بكر بن وائلٍ *** وما خلت عني ودهم يتصرم

قوارص تأتيني ويحتقرونهـا *** وقد يملأ القطر الإناء فيفعم

لبعض الضبيين أنشد أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين

ألا رب من يغتابنـي ود أنـنـي *** أبوه الذي يدعى إليه وينـسـب

على رشدةٍ من أمـه أو لـغـيةٍ *** فيغلبها فحلٌ على النسل منجـب

فبالخير لا بالشر فاطلب مودتـي *** وأي امرئٍ ب يغتال منه الترهب

وقال آخر في نحوه‏:‏

ولما عصيت العاذلين ولـم أبـل *** ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي

وهازئةٍ مني تود لـوابـنـهـا *** على شيمتي أو أن قيمها مثلـي

لبزرجمهر فيمن ليس فيه عيب قيل لبزرجمهر‏:‏ هل من أحدٍ ليس فيه عيبٌ‏؟‏ قال‏:‏ لا، إن الذي لا عيب فيه لا ينبغي أن يموت‏.‏

مثله لموسى شهوات وقال في مثل هذا موسى شهوات‏:‏

ليس فيما بدا لنا منك عـيبٌ *** عابه الناس غير أنك فإنـي

أنت خير المتاع لو كنت تبقى *** غير أن لا بقاء للإنـسـان

لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدؤلي‏:‏

وترى الشقي إذا تكامل عيبه *** يرمى ويقرف بالذي لم يفعل

بكر بن عبد الله ينصح أخًا له لقي بكر بن عبد اللّه أخًا له فقال‏:‏ إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرمًا وهو أخوف لله منك لقيته‏.‏ أرأيت لو صحبك رجلان‏:‏ أحدهما مهتوكٌ لك ستره ولا يذنب ذنبًا إلا رأيته ولا يقول هجرًا إلا سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن به السوء فأنت تبغضه، أعدلت بينهما‏؟‏ قال‏:‏ لا؛ قال‏:‏ فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راءٍ من الناس إلا كذلك‏؟‏ إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، وتظن الظنون على غيرنا فنبغضهم على ذلك‏.‏ ثم قال‏:‏ أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو أكبر منك سنًا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك، ثم أنظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له سترًا وتبدي له عورةً‏!‏ النبي صلى الله عليه وسلم والعلاء بن الحضرمي وشعر للعلاء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التحبب إلى ذوي الأضغان سعيد بن واقد المزني قال‏:‏ حدّثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير قال‏:‏ وفد العلاء ابن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أتقرأ من القرآن شيئًا‏"‏‏؟‏ فقرأ عبس وزاد فيها من عنده‏:‏ وهو الذي أخرج من الحبلى، نسمةً تسعى، من بين شرا سيف وحشًى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له‏:‏ ‏"‏كف فإن السورة كافيةٌ‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏هل تروي من الشعر شيئًا‏"‏‏؟‏ فأنشده‏:‏

حي ذوي الأضغان تسب قلوبهـم *** تحيتك القربى فقد ترفع النعـل

وإن دحسوا بالكره فاعف تكرمـًا *** وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

فإن الذي يؤذيك منه سـمـاعـه *** وإن الذي قالوا وراءك لم يقـل

فقال النبي عليه السلام‏:‏ ‏"‏إن من الشعر حكما وإن من البيان سحرًا‏"‏‏.‏

وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة‏:‏ بلغني أنك تقع في؛ قال‏:‏ أنت إذًا أكرم عليّ من نفسي‏!‏ لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا *** فيكشف اللّه سترًا عن مسـاويكـا

واذكر محاسن ما فيهـم إذا ذكـروا *** ولا تعب أحدًا منهم بـمـا فـيكـا

لأبي الدراء وقال أبو الدرداء‏:‏ لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره‏.‏

عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه قال عمر بن عبد العزيز لمزاحمٍ مولاه‏:‏ إن الولاة جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تربأ بي عنها أو فعالًا لا تحبه فعظني عنده وأنهني عنه‏.‏

بين عامر بن عبد الله بن الزبير وابن له تنقص عليًا كرم الله وجهه العتبي قال‏:‏ تنقص ابن لعامر بن عبد اللّه بن الزبير علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال

له أبوه‏:‏ لا تتنقصه يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتموه ستين سنةً فلم يزده الله إلا رفعةً، وإن الدين لم يبن شيئًا فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئًا إلا عادت على ما بنت فهدمته‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

ابدأ بنفسك فانهها عن غـيهـا *** فإذا انتهت عنه فأنت حكـيم

فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى *** بالقول منك ويقبل التعـلـيم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثـلـه *** عارٌ عليك إذا فعلت عظـيم

وقال آخر‏:‏

ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه *** مرادٌ لعمري مـا أراد قـريب

وقال آخر‏:‏

لك الخير، لم نفسًا عليك ذنوبـهـا *** ودع لوم نفسٍ ما عـلـيك تـلـيم

وكيف ترى في عين صاحبك القذى *** ويخفى قذى عينك وهو عـظـيم

كان رجلٌ من المتزمتين لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرًا شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه‏:‏

وعيابةٍ للشرب لو أن أمه *** تبول نبيذًا لم يزل يستبيلها

وقال رجل لعمرو بن عبيد‏:‏ إني لأرحمك مما تقول الناس فيك‏.‏ قال‏:‏ أفتسمعني أقول فيهم شيئًا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إياهم فارحم‏.‏

قال أعرابي لامرأته‏:‏

وإما هلكت فلا تنكحـي *** ظلوم العشيرة حسادهـا

يرى مجده ثلب أعراضها *** لديه ويبغض من سمادها