فصل: مداراة الناس وحسن الخلق والجوار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


مداراة الناس وحسن الخلق والجوار

بين رجل ووهب بن منّبه في معنى هذا العنوان قال‏:‏ حدّثنا الحسين بن الحسن‏"‏قال‏"‏‏:‏ حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن وهيب قال‏:‏ جاء رجل إلى وهب بن منّبه فقال‏:‏ إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألاّ أخالطهم‏.‏ فقال له وهبٌ‏:‏ لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعًا، وأعمى بصيرًا، وسكوتًا نطوقًا‏.‏

العبد اللّه بن عمرو بن العاص

قال‏:‏ وحدّثنا حسين بن الحسن قال‏:‏ حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن عليّ بن رباح قال‏:‏ سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال‏:‏ أربع خلالٍ إن أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به من الدّنيا‏:‏ حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ، وحفظ أمانةٍ‏.‏

لعبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد اللّه بن باباه قال‏:‏ قال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ خلطوا الناس وزايلوهم‏.‏

نصيحة صعصعة بن صوحان لابن أخيه عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال‏:‏ قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه‏:‏ إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنّه‏.‏

للمسيح عليه السلام قال المسيح صلّى اللّه عليه‏:‏ ‏"‏كن وسطًا وامش جانبًا‏"‏لأبي الدرداء وروي أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهريّة قال‏:‏ قال أبو الدّرداء‏:‏ إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم‏.‏

بين عمر رضي اللّه عنه ولبيدة العجلي ودخل لبيدة العجليّ على عمر رضي اللّه عنه، فقال له عمر‏:‏ أقتلت زيدًا‏؟‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلًا يسمّى زيدًا، فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه اللّه بيدي ولم يهنّي به ثم لم ير من عمر بعد ذلك مكروهًا‏.‏

بين محمد بن أبي الفضل الهاشمي وأبيه قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ‏:‏ قلت لأبي‏:‏ لم تجلس إلى فلانٍ وقد عرفت عداوته‏؟‏ فقال‏:‏ أخبي نارًا وأقدح عن ودّ‏.‏

شعر للمهاجر بن عبد اللّه الكلابي وقال المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ‏:‏

وإنّي لأقصي المرء من غير بغضةٍ *** وأدني أخا البغضاء منّي على عمد

ليحدث ودًّا بعد بغـضـاء أو أرى *** له مصرعًا يردي به اللّه من يردي

بين عقال بن شبة ولأبيه وقال عقال بن شبّة‏:‏ كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغلٍ فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت‏:‏ أبعد ما قال لنا ما قال‏!‏ قال‏:‏ يا بنيّ، أفأوسّع جرحي‏!‏ لابن الحنفية قال ابن الحنفيّة‏:‏ قد يدفع باحتمال مكروهٍ ما هو أعظم منه‏.‏

للحسن في حسن السؤال، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة‏.‏

لابن الشهاب مدح ابن شهابٍ شاعرٌ فأعطاه، وقال‏:‏ من ابتغى الخير اتّقى الشرّ‏.‏

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن‏"‏وقال‏:‏ إنّ حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الإعمار‏.‏

وقال‏:‏ من حسّن اللّه خلقه وخلقه كان من أهل الجنة‏.‏

لبعض الشعراء قال الشاعر‏:‏

فتىً إذا نبّهته لم يغضـب *** أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب

موكّل النفس بحفظ الغيّب *** أقصى رفيقته له كالأجنب

من كتاب العجم وقرأت في كتب العجم‏:‏ حسن الخلق خير قرينٍ، والأدب خير ميراثٍ، والتوفيق خير قائدٍ‏.‏

لعائشة رضي اللّه عنها في الأنصار وقالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ ما تبالي المرأة إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألاّ تنزل من أبويها‏.‏

لجعفر بن محمد في حسن الجوار وصدقة السر وقال جعفر بن محمد‏:‏ حسن الجوار عمارة للدار، وصدقة السرّ مثراةٌ للمال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص‏:‏ ثلاثةٌ من قريش أحسنها أخلاقًا وأصبحها وجوهًا وأشدّها حياءً، إن حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقً أو باطل لم يكذّبوك‏:‏ أبو بكر الصدّيق، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم‏.‏

شعر ليزيد بن الطثرية وقال يزيد بن الطثرية‏:‏

وأبيض مثل السيف خـادم رفـقةٍ *** أشمّ ترى سربالـه قـد تـقـدّدا

كريم على علاّته لـو تـسّـبـه *** لفدّاك رسلًا لا تـراه مـربـدًّا

يجيب بلـبـيه إذا مـا دعـوتـه *** ويحسب ما يدعي له الدهر أرشدا

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ من تزوّد خمسًا بلّغته وآنسته‏:‏ كفّ الأذى، وحسن الخلق ومجانبة الرّيب والنبّل في العمل، وحسن الأدب شعر للمرّار ولغيره، في مداراة القرابة وقال المرّار في مداراة القرابة‏:‏

ألا أنّما المولى كعظمٍ جـبـرتـه *** فلا يخرق المولى ولا جابر العظم

وقال آخر في مداراة الناس‏:‏

وأنزلني طول النّوى دار غـربةٍ *** إذا شئت لاقيت آمرًار لا أشاكله

فحامقته حتى يقال سـجـيّةً *** ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقله

وقال بشارٌ‏:‏

خليليّ إنّ العسر سـوف يفـيق *** وإنّ يسارًا في غدٍ لـخـلـيق

وما أنا إلا كالزمان إذا صـحـا *** صحوت وإن ماق الزمان أموق

التلاقي والزيارة

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا الفضل بن دكينٍ عن طلحة بن عمر عن عطاء عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏زر غبًا تزدد حبًا‏"‏لجعفر بن سليمان في حبيب بن سويد وقال الأصمعيّ‏:‏ دخل حبيب بن سويد على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر‏:‏ حبيب بن سويد وادّ الصّديق، حسن الثناء، يكره الزيادة المملّة، والقعدة المنسية‏.‏

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة‏:‏ الزيادة في الرّحل، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم‏.‏

شعر للطائي وقال الطائي

وحظّك لقيةٌ في كل عـامٍ *** موافقةً على ظهر الطريق

للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن عاد مريضًا أو زار أخًا قال‏:‏ أخبرنا اسحاق بن إبراهيم الصّواف عن موسى بن يعقوب السّدوسيّ عن أبي السّنان عن عثمان بن أبي سودة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من عاد مريضًا أو زار أخًا ناداه منادٍ من السماء‏:‏ أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلًا‏"‏من كتاب رجل إلى صديق له كتب رجل إلى صديق له‏:‏ مثلنا، أعزّك اللّه، في قرب تجاورنا وبعد تزاورنا ما قال الأول‏:‏

ما أقرب الدار والجوار وما *** أبعد مع قربنا تـلاقـينـا

وكلّ غفلةً منك محتملةٌ، وكل جفوةٍ مغفورةٌ، للشّغف بك، والثّقة بحسن نيّتك، وسآخذ بقول أبي قيس‏:‏

ويكرمها جارتها فيزرنها *** وتعتلّ عت إتيانهنّ فتعذر

شعر لأعرابية وقالت أعرابية‏:‏

فلا تحمدوني في الزيادة إنّني *** أزوركم إذ لم أجد متعلّـلًا

كتاب رجل إلى صديق له يستزيره وكتب رجل إلى صديق له يستزيره‏:‏ طال العهد بالإجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي، وقد جعلك اللّه للسّرور نظامًا، وللأنس تمامًا، وجعل المشاهد موحشةً إذ خلت منك‏.‏

شعر لسهل بن هارون وقال سهل بن هارون‏:‏

وما العيش إلا أن تطول بـنـائل *** وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي

لبشار وقال بشار‏:‏

تسقط الطير حيث تلتقط الح *** بّ وتغشي منازل الكرماء

بين صديقين قال رجل لصديق له‏:‏ قد تصدّيت للقائك غير مرّة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر‏:‏ كلّ برّ تأتيه فأنت تأتي عليه‏.‏

شعر لابن الأعرابي، ولغيره قال ابن الأعرابي‏:‏

وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم *** لترجعني يومًا علـيك الـرواجـع

وقال آخر‏:‏

رأيت أخا الدنيا وإن بـات آمـنـا *** على سفرٍ يسري به وهو لا يدري

تثاقلت ألا عن يدٍ أسـتـفـيدهـا *** وزورة ذي ودٍّ أشـدّ بـه أزري

وقال آخر‏:‏

أزور محمـدًا وإذا الـتـقـينـا *** تكلمت الضمائر في الصـدور

فأرجع لم ألمه ولـم يلـمـنـي *** وقد رضي الضمير عن الضمير

لسفيان بن عيينة كان سفيان بن عيينة يقول‏:‏ لا تعفّروا الأقدام إلا أقدارها؛ وأنشد‏:‏

نضع الزيارة حيث لا يزري بنا *** شرف الملوك ولا تخيب الزّوّر

وكان يقال‏:‏ امش ميلًا وعد مريضًا، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة أميال وزر أخًا في اللّه‏.‏

لبعض المحدثين‏:‏

إذا شئت أن تقلى فزر متتابـعـًا *** وإن شئت أن تزداد حبًّا فزر غبّا

وقال آخر‏:‏

أقلل زيارتك الـصّـدي *** ق يراك كالثوب استجدّه

إنّ الـصـديق يمـلّـه *** ألاّ يزال يراك عـنـده

قول رجل لصديق عنده قال رجل لصديق له‏:‏ ما أخلو وإن كان اللقاء قليلًا من سؤالٍ أو مطلعةٍ لك، فقلبي يقوم مقام العيان‏.‏

وقال آخر لصديق له‏:‏ قد جمعتنا وإياك أحوالٌ لا يزري بها بعد اللقاء ولا يخلّ بها تنازح الديار‏.‏ وقال آخر‏:‏ لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرّض به قبل معرفة العين للجفوة، لم أتوقّف على مطلعةٍ حتى أصير إليك‏.‏

لبعض الشعراء وقال الشاعر‏:‏

وما لي وجهٌ في الـلـئام ولا يدٌ *** ولكنّ وجهي في الكرام عريض

أصحّ إذا لاقيتهم وكأنّنـي *** إذا أنا لاقيت اللئام مريض

لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم‏:‏

أبلغ أخًا ما تولى اللّه صحبتنا *** أنّي وإن كنت لا ألقاه ألقاه

وأن طرفي موصول برؤيته *** وإن تباعد عن مثواي مثواه

اللّه يعلم أني لسـت أذكـره *** وكيف أذكره إذ لست أنساه

المعاتبة والتجنّي

لأبي الدرداء في معاتبة الأخ قال‏:‏ حدّثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر قال‏:‏ قال أبو الدّرداء‏:‏ معاتبة الأخ خيرٌ من فقده، ومن لك بأخيك كلّه‏!‏‏.‏

وكان يقال‏:‏ التجنّي وافد الصّرم‏.‏

بعض ما جاء في الإنجيل وقرأت في الإنجيل‏:‏ إن ظلمت أخوك فأذهب فعاتبه فيما بينك وبينه، فأن أطاعك فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فأستتبع رجلًا أو رجلين يشهدان ذلك الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن لم يستمع من أهل البيعة فليكن عندك كصاحب المكس‏.‏

شعر لابن أبي فنن وقال ابن أبي فنن‏:‏

إذا كنت تغضب من غير ذنبٍ *** وتعتب من غير جرمٍ علـيّا

طلبت رضاك فإن عـزّنـي *** عددتك ميتًا وإن كنـت حـيّا

قنعت وإن كنـت ذا حـاجةٍ *** فأصبحت من أكثر الناس شيّا

فلا تعجبنّ بـمـا فـي يديك *** فأكثر منه الـذي فـي يديّا

ولأبي نهشل يعاتب صديقه وقال أبو نهشل يعاتب صديقًا له‏:‏

عدلت عن الرّحاب إلى المضيق *** وزرت البيت من غير الطريق

وتظلم عند طاعتك المـوالـي *** وليس الظلم من فعل الصـديق

تجود بفضل عدلك للأقـاصـي *** وتمنعه من الخلّ الـشـفـيق

أمّا والراقصات بـذات عـرق *** وربّ البيت والركن الـوثـيق

لقد أطلقت لي تهـمـًا أراهـا *** ستحملني على مضض العقوق

ولآخر وقال آخر‏:‏

فدع العتاب فربّ ش *** رّ هاج أوّله العتاب

للجعدي وقال الجعدي‏:‏

وكان الخليل إذا رابـنـي *** فعاتبته ثم لـم يعـتـب

هواي له وهوى قلـبـه *** سواي وما ذاك بالأصوب

فإني جريء على صرمه *** إذا ما القرينة لم تصحب

لرجل يعاتب صديقه قال رجلٌ لصديق له يعلتبه‏:‏ ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطئك إلاّ لك، ولا أستزيدك إلا بك، فأنا منتظرٌ واحدة من اثنتين‏:‏ عتبي تكون منك،أو عقبي الغنى عنك‏.‏

وقال آخر‏:‏ قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفحٌ لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجرٌ لا وصل بعده‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

ولا خير في قربي لغيرك نفعها *** ولا في صديق لا تزال تعاتبـه

يخونك ذو القربى مرارًا وربّمـا *** وفي لك عند الجهد من لا تناسبه

لأوس بن حجر وقال آخر وهو أوس بن حجر‏:‏

وقد أعتب ابن العمّ إن كان ظالمًا *** وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجل إلى صديق له‏:‏ الحال بيننا تحتمل الدّالّة، وتوجب الأنس والثّقة، وتبسط اللسان بالاستزادة‏.‏ وكتب رجل آخر إلى صديق له‏:‏ قد جعلك اللّه ممن يحتمل الدّالّة الكبيرة لذي الحرمة اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحميّة‏.‏

من أقوال العرب لمن عوتب فلم يعتب والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب‏:‏ ‏"‏لك العتبى بأن لا رضيت‏"‏مثله شعر لبشر بن أبي خازم ونحوه قول بشر بن أبي خازم‏:‏

غضبت تميمٌ أن تقتل عامرٌ *** يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم

قول أوس بن حارثة لابنه وقال أوس بن حارثة لابنه‏:‏ العتاب قبل العقاب وهذا نحو قول الآخر‏:‏ ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك بين إياس بن معاوية وشيخ أعرابي

وقال إياس بن معاوية‏:‏ خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلّما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخٌ من الحيّ، فقال لهما الشيخ‏:‏ أنعما عيشًا، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة‏.‏ فقلت للشيخ‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلّونه فقلت له‏:‏ ما أفادك الدّهر‏؟‏ قال‏:‏ العلم به‏.‏ قلت‏:‏ فماذا رأيت أحمد‏؟‏ قال‏:‏ أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده‏.‏ قال‏:‏ فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك الشيخ وصلّيت عليه‏.‏

وقال رجل لصديق له‏:‏ أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل نائيًا من رأيك يغني عن اقتضائك‏.‏

من كتاب العتابي وقرأت في كتاب العتابي‏:‏ تأّنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل حقّ من غلظ في اختيارك‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

فأيّهما يا ليل إن تفعلي بنـا *** فآخر مهجورٍ وأول معتب

كتاب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب‏:‏ يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محاميًا على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه‏.‏ معنى بيت شريح‏:‏

فإني رأيت الحبّ في الصّدر والأذى *** إذا اجتمعنا لم يلبث الحـبّ يذهـب

باب الوداع

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال‏:‏ حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال‏:‏ حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر‏:‏ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلًا‏:‏ ‏"‏أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك‏"‏قال‏:‏ وحدثني محمد بن عبد العزيز قال‏:‏ حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك‏:‏ أن رجلًا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ إني أريد سفرًا غدًا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت‏"‏للحسن يودع رجلًا المعتمر عن إياس بن دغفل قال‏:‏ رأيت الحسن ودّع رجلًا وعيناه تهملان وهو يقول‏:‏

وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له *** رزيئة مالٍ أو فراق حـبـيب

شعر لرجل ودّع صديقًا قال‏:‏ وودّع رجلٌ صديقًا له وهو يقول‏:‏

وداعك مثل وداع الربيع *** وفقدك مثل افتقاد النـدّيم

عليك السلام فكم من وفاءٍ *** نفارقه منك أو من كرم

وقال الطائي‏:‏

بيّن البين فقدها، قلّمـا تـع *** رف فقدًا للشمس حتى تغيبا

وقال جرير‏:‏

يا أخت ناجية السلام علـيكـم *** قبل الرحيل وقبل لوم العـذّل

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكـم *** يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ *** لقنعت أو لسألت ما لم يسـأل

بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال‏:‏ دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي‏:‏ ما أسمك‏؟‏ فقلت‏:‏ بكّر‏.‏ قال‏:‏ من خلّفت ورائك‏؟‏ قلت‏:‏ بنيّة‏.‏ قال‏:‏ ما قلت عند وداعك‏؟‏ قلت‏:‏ قالت‏:‏

إذا غبت عنّا وخلّفـتـنـا *** فإنا سواءٌ ومن قـد يتـم

أبانا فلا رمت من عندنـا *** فإنا بخـير إذا لـم تـرم

أبانا إذا أضمرتك الـبـلا *** د نجفى وتقطع منّا الرّحم

قال‏:‏ فما قلت لها أنت‏؟‏ قال‏:‏ قلت ما قال جرير‏:‏

ثقي باللّه ليس له شريكٌ *** ومن عند الخليفة بالنّجاح

شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعرًا‏:‏

أشوقًا ولمّا يمض بي غير لـيلةٍ *** فكيف إذا سار المطيّ بنا شهرًا

لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد‏:‏

وإنّي وإسماعيل عـنـد وداعـه *** لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل

فإن أغش قومًا بعدهم وأزورهـم *** فكالوحش يدنيها من الأنس المحل

وقال آخر عند توديعه‏:‏

عجبت لتطويح النّوى من نحبّه *** وتدنو بمن لا يستلذّ له قـرب

وقال آخر‏:‏

مالت تودّعني والقلب يغلبهـا *** كما يميل نسيم الريح بالغصن

ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ *** يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن

قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه‏:‏ بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة‏.‏

شعر للبحتري وقال البحتري‏:‏

اللّه جارك في انطـلاقـك *** تلقاء شامك أو عـراقـك

لا تعذلنّـي فـي مـسـي *** ري يوم سرت ولم ألاقـك

إنّي خـشـيت مـوافـقـًا *** للبين تفسح غرب مـاقـك

وعلمت ما يلقـلا الـمـودّ *** ع عند ضمّك واعتنـاقـك

فتـركـت ذاك تـعـمّـدًا *** وخرجت أهرب من فراقك

الهدايا

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال‏:‏ حدّثنا يزيد بن عمرو قال‏:‏ حدّثنا عمير بن عمران قال‏:‏ حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏"‏تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور، وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة‏"‏‏.‏

وحدّثني أبو الخطاب قال‏:‏ حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت‏"‏‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ ‏"‏تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة القلب‏"‏‏.‏

لابن عمر في الهدايا قال‏:‏ حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال‏:‏ سمعت نافعًا يحدّث قال‏:‏ كان ابن عمر يقول‏:‏ الهدايا من أمراء الفتنة‏.‏

بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال‏:‏ كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله‏"‏فقال‏"‏‏:‏ لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يردّه علينا‏.‏ وانقلب الحارث إلى أهله فقال‏:‏ هل أتاكم اللبن‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ فلما راح الحارث بعمرو قال‏:‏ يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال‏:‏ أمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري‏.‏ فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد‏.‏

للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه‏:‏ بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً، ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

إنّ الـهـديّة حـلـوةٌ *** كالسّحر تجتلب القلوبا

تدني البغيض من الهوى *** حتى تصيّره قـريبـا

وتعيد مضطغن العـدا *** وة بعد نفرته حبـيبـا

بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبدًا أسود أهدى رجلّ إلى صديق له عبدًا أسود، فكتب إليه‏:‏ أما بعد، فلو علمت عددًا أقلّ من واحد أو لونًا شرًّا من الأسود لبعثت به إليّ‏.‏

وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد‏؟‏ قال‏:‏ خبيثٌ قليل‏.‏ قيل‏:‏ وكيف‏؟‏ فقال‏:‏ لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت‏.‏

جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير‏:‏ قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء‏.‏

لابن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول‏:‏ من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثيابًا من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل‏:‏ ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها‏!‏ فقال‏:‏ إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا‏.‏

لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر‏:‏

أتاني أخٌ مـن غـيبةٍ كـان غـابـهـا *** وكنت إذا مـاغـاب أنـشـده ركـبـا

فجاء بـمـعـروفٍ كـثـيرٍ فـدسّـه *** كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا

فقلـت لـه هـل جـئتـنـي بـهـديّةٍ *** فقال بنفسي قلت أتحف بها الكـلـبـا

هي النفس لا أرثي لهـا‏"‏مـن‏"‏بـلـيّةٍ *** ولا أتمـنـى أن رأيت لـهـا قـربـا

أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه‏:‏ الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم‏.‏

بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال‏:‏ حدّثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة قالت‏:‏ قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ما جزاء الغنيّ من الفقير‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏النصيحة والدعاء‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ يكره ردّ اللّطف‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ما أقبحه، لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل القلوب‏"‏‏.‏

ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال‏:‏ حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال‏:‏ أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضرًا‏:‏

كأنّ شمامـيس فـي بـيعةٍ *** تسبّح في بعض عيداتـهـا

وقد حضرت رسل المهرجا *** ن وصفّوا كريم هديّاتـهـا

علوت برأسي فوق الرؤوس *** فأشخصته فوق هاماتـهـا

لأكسب صاحبتي صـحـفةً *** تغيظ بها بعض جارتـهـا

فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد‏:‏

لا تبخلنّ بدنيا وهي مـقـبـلةٌ *** فليس ينقصها التبذير والسّرف

فإن تولّت فأحرى أن تجود بهـا *** فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله‏.‏ فكتب إليه العامل‏:‏ أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق، إن شاء اللّه‏.‏

لبعضهم في الهدية وقال بعضهم‏:‏ الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع‏.‏

لأبي السمط وكتب أبو السمط‏:‏

بدولة جعفرٍ حسن الزمـان *** لنا بك كلّ يوم مهـرجـان

ليوم المهرجان بك اختـيالٌ *** وإشراقٌ ونورٌ يسـتـبـان

جعلت هديّتي لك فيه وشـيًا *** وخير الوشي ما نسج اللسان

بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ إلى قتادة نعلًا رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال‏:‏ إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديّته‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

سقى حجّاجنا نـوء الـثـريّا *** على ما كان من بخلٍ ومطل

هم جمعوا النعال وأحرزوهـا *** وسدّوا دونها بابـًا بـقـفـل

فإن أهديت فـاكـهةً وجـديًا *** وعشر دجاج بعثوا بـنـعـل

ومسواكين طولـهـمـا ذراعٌ *** وعشرٍ من رديء المقل حسل

فإن أهديت ذاك ليحملـونـي *** على نعلٍ فدقّ اللّه رجـلـي

أناس تـائهـون لـهـم رواءٌ *** تغيم سماؤهم من غير وبـل

إذا انتسبوا ففرعٌ من قـريش *** ولكنّ الفعال فعـال عـكـل

لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه له‏:‏ لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك‏.‏ وكرهت أن تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته‏:‏ جراب ملح، وجراب أشنان‏.‏

شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلمًا أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلمًا وكتب إليه‏:‏

قد بعثنا إليك أكرمك الـل *** ه بشيء فكن له ذا قبول

لا تقسه إلى ندى كفّك الغم *** ر ولا نيلك الكثير الجزيل

واغتفر قلّة الهديّة منّـي *** إنّ جهد المقلّ غير قليل

مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلًا وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها‏:‏

نعلٌ بعثت بها لتلبـسـهـا *** تسعى بها قدمٌ إلى المجـد

لو كان يمكن أن أشرّكهـا *** جلدي جعلت شراكها خدّي

لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك‏:‏

أو ما رأيت الورد أتحفنـا بـه *** إتحاف من خطر الصديق بباله

لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى *** يهدي لعظـم فـراقـه وزيالـه

لرددت تحفته عليه وإن عـلـت *** عن ذاك واستهديت بعض خصاله

وقال المهديّ‏:‏

تفّاحةٌ من عـنـد تـفّـاحةٍ *** جاءت فماذا صنعت بالفـؤاد

واللّه ما أدري أأبصرتـهـا *** يقظان أم أبصرتها في الرّقاد

كتاب بعض العمال إلى صديق له قال‏:‏ وكتب بعض العمال إلى صديق له‏:‏ إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئًا منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برًّا ولا لطفًا‏.‏ ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّرًا عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلًا ألتمس بها برًّا أعتدّ به أو لطفًا أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك‏:‏

إن أهد نفسي فهي من ملكه *** أو أهد مالي فهو من ماله

معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية المدينة منصرفًا من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله‏:‏ ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ‏.‏ فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر‏:‏ إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم‏.‏ قالوا‏:‏ أخبرنا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئًا من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائبًا‏.‏ وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول‏:‏ يا بديح‏!‏ اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله‏.‏ وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته‏:‏ خذوا من الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيرًا؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول‏:‏ ارفعوا، لعلّي أن أعود بها على ابن هند يومًا ما‏.‏ وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول‏:‏ قليلٌ من كثير وما كل رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال معاوية فقال معاوية‏:‏ أنا ابن هند‏!‏ أعلم بقريش من قريش‏.‏

بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد‏:‏ أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية فسمعته يقول‏:‏ قولوا له‏:‏ إني نائم يريد‏:‏ سأنام؛ فقلت‏:‏ معي خبيص؛ فقال‏:‏ مكانك حتى أخرج إليك‏.‏

بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء‏:‏ إن فلانًا يقرئك السلام؛ فقال‏:‏ هديةٌ حسنة ومحمل خفيف‏.‏

لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها‏"‏راح‏"‏براحٍ وكتب إليها‏:‏

قل لمن يملك الملو *** ك وإن كان قد ملك

قد شربناك فأشربي *** وبعثنا إلـيك بـك

شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد‏:‏

وهبت لنـا يا أخـا مـنـقـرٍ *** وعـجـل وأكـرمـهـا أوّلا

عجوزًا أضرّ بهـا دهـرهـا *** وأنزلها الـذّلّ دار الـبـلـى

سلوحًا حسبت بـأن الـرّعـاء *** سقوها الغريقون والحنـظـلا

وأجـدب مـن ثـور زرّاعةٍ *** أصاب على جوعه سنـبـلا

وأزهد مـن جـيفةٍ لـم تـدع *** لها الشمس من مفصلٍ مفصلا

فأهوت يميني إلى جنـبـهـا *** فخلت حراقيفـهـا جـنـدلا

وأهوت يساري لعرقـوبـهـا *** فخلت عراقيبـهـا مـغـزلا

فقلت أبـيع فـلا مـشـربـًا *** تؤدي إلـيّ ولا مـأكـــلا

أم أجعل من جلدها حـنـبـلًا *** فأقذر بحنبلـهـا حـنـبـلا

إذا هي مرّت على مجلـس *** من العجب كبّر أو هلّـلا

رأو آية خلـفـهـا سـائقٍ *** يحثّ وإن هرولت هرولا

فكنت أمرت بها ضـخـمةً *** بشحم ولحمٍ قد اسستكمـلا

ولكنّ روحًا عـدا طـوره *** وما كنت أحسب أن يفعلا

فعضّ الذي خانني حاجتـي *** بإست آمه بظرها الأغرلا

فلولا مكانك خضّبـتـهـا *** وعلّقت في جيدها جلجـلا

فجاءت لكيمـا حـالـهـا *** فتعلم أني بها مـبـتـلـي

سألتك لحمًا لصـبـيانـنـا *** فقد زدتني فـيهـم عـيّلا

فخذها وأنت بها محـسـنٌ *** وما زلت بي محسنًا مجملا

لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه‏:‏

بعثت إليّ بأضـحـيّةٍ *** وكنت حريًّا بأن تفعلا

ولكنها خرجت غـثةً *** كأنك أرعيتها حرملا

فإن قبل اللّه قربانهـا *** فسبحان ربّك ما أعدلا

لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم من مكة‏:‏ كيف أثمان النّعال بمكة‏؟‏ قال‏:‏ أثمان الجداء بالعراق‏.‏

شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد‏:‏

جزى اللّه من أهدى التّرنج تحـيةً *** ومنّ بما يهوى علـيه وعـجّـلا

أتتنا هدايا منه أشبـهـن ريحـه *** وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا

ولو أنه أهـدى إلـيّ وصـالـه *** لكان إلى قلبـي ألـذّ وأوصـلا

شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً‏:‏

تأنق في الهـديّة كـلّ قـومٍ *** إليك غداة شربـك لـلـدواء

فلمّا أن هممـت بـه مـدلاّ *** لموضع حرمتي بك والإخاء

رأيت كثير ما أهدي قـلـيلًا *** لعبدك فاقتصرت على الدّعاء

وكتب رجل إلى صديق له‏:‏ وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة

العيادة

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ حدثنا يزيد بن عمرو قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون قال‏:‏ حدثنا شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال‏:‏ عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلًا من الأنصار من رمدٍ كان بعينه‏.‏

ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثلاثة لا يعادون صاحب الدّمل والرمد والضرس‏"‏عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر‏:‏ أن أبا الدرداء عاد جارًا له نصرانيًا‏.‏

للشعبي في عيادة الحمقى‏"‏النوكي‏"‏قال الشعبي‏:‏ عيادة النّوكي أشدّ على المريض من وجعه‏.‏

بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال قال‏:‏ قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده‏:‏ المريض يعاد، والصحيح يزار‏.‏

مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلًا فأطالوا عنده، فقال لهم‏:‏ إن كان لكم في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا‏.‏

بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالًا عاد رجل رقبة، فنعى رجالًا اعتلّوا مثل علّته، فقال له رقبة‏:‏ إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا‏.‏

لأعرابي يعود أعرابيًا عاد أعرابيّ أعرايبًا فقال‏:‏ بأبي أنت‏!‏ بلغني أنك مريض، فضاق واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجدًا، فهو الشفاء بإذن اللّه‏.‏

شعر لكثير قال كثير‏:‏

ألا تلك عزّة قد أقـبـلـت *** تقلّب للبين طرفًا غضيضـا

تقول مرضت وما عدتـنـا *** فقلت لها لا أطيق النهوضا

كلانا مريضان فـي بـلـدةٍ *** وكيف يعود مريضٌ مريضا

وقال آخر‏:‏

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم *** وتذنبون فنأتيكم فنعتـذر

لبشار وقال بشار‏:‏

لو كانت الفدية مقبولةً *** لقلت بي لا بك حمّاكا

شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل‏:‏

نبئت أنّك معتلٌّ فقلـت لـهـم *** نفسي الفداء له من كلّ محذور

يا ليت علّته بي غير أنّ لـه *** أجر العليل وأنّي غير مأجور

وكتب آخر إلى عليل‏:‏

أقول بحـقٍّ واجـبٍ لـك لازمٍ *** وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر

بي السوء والمكروه لا بك كلّما *** أراداك كانا بي وكان لك الأجر

وقال آخر في مثله‏:‏

فأن تك حمّى الغبّ شفّـك وردهـا *** فعقباك منها أن يطول لك العمـر

وقيناك‏!‏ لو نعطى المنى فيك والهوى *** لكان بي الشكوى وكان لك الأجـر

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏"‏حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء‏"‏وفي حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يومًا لأصحابه‏:‏ ‏"‏من أصبح منكم صائمًا‏؟‏‏"‏‏.‏ قال عمر‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فمن شيّع جنازةً‏؟‏‏"‏قال عمر‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فمن عاد مريضًا‏؟‏‏"‏قال عمر‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فمن فيكم تصدّق بصدقة‏؟‏‏"‏قال عمر‏:‏ أنا‏.‏ فقال صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وجبت وجبت وجبت‏"‏‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة‏"‏‏.‏

لبعض الشعراء وقال الشاعر‏:‏

إن كنت في ترك العيادة تاركًا *** حظّي فإني في الدعاء لجاهد

فلربما ترك العيادة مـشـفـقٌ *** وأتي على غلٍ الضمير الحاسد

للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال‏:‏ حدّثنا العتبيّ عن أبيه قال‏:‏ كان يقال‏:‏ إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيرًا ولم يكفّ عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضًا وقالت‏:‏ إن فلانًا داويناه فلم ينفعه الدواء‏.‏

لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم‏:‏ حدّثنا القحذميّ قال‏:‏ أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال‏:‏ أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء‏:‏ إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني‏.‏ وإني وإن كنت عاتبًا على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم‏.‏ وقد أصبت ترون، فرحم اللّه امرًا دعا لي بعافية‏!‏ فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء‏.‏

بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال‏:‏ ما يبطىء بك‏؟‏ قال‏:‏ أريد أن أساهرك‏.‏ قال‏:‏ أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر‏.‏

لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال‏:‏ اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون‏:‏ كيف أصبحت وكيف كنت‏؟‏ فلما أكثروا عليه قال‏:‏ كما قلت لصاحبك‏.‏

مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال‏:‏ وقع رجل من أهل المدينة فوثئت رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه‏"‏عائد‏"‏وسأله دفع إليه الرقعة‏.‏

لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال‏:‏ كان رجل من أهل السّواد محدودًا لا يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها‏:‏

وما زلت أقطع عرض الفلاة *** من المشرقين إلى المغربين

وأطوي الفيافي أرضًا فأرضًا *** وأستمطر الجدي والفرقدين

وأطوي وأنشر ثوب الهمـوم *** إلى أن رجعت بخفّي حنـين

فقيرًا وقيرًا أخـا عـسـرةٍ *** بعيدًا من الخير صفر اليدين

كئيب الصّديق بهيج الـعـدوّ *** طويل الشّقا زاني الوالـدين

وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع

قال‏:‏ حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيًّا وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه‏:‏ كيف وقعت‏؟‏ فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال‏:‏ هكذا وقعت‏.‏

لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدرًا أبو الخطاب قال‏:‏ كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول‏:‏ الذي جاء شرّ من الذي ذهب‏.‏

شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال‏:‏ سقط ابن شبرمة القاضي عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال‏:‏

أقول غداة أتاني الـخـبـير *** فدسّ أحاديثـه الـهـينـمة

لك الويل من مخبرٍ ما تقول‏؟‏ *** أبن لي وعدّ عن الجمجـمة

فقال خرجت وقاضي القضا *** ة مثقلةٌ رجـلـه مـؤلـمة

فقلت وضاقت عليّ الـبـلاد *** وخفت المجلّلة المعـظـمة

فغزوان حـرّ وأمّ الـولـيد *** إن اللّه عافى أبا شـبـرمة

جزاءً لمعروفه عـنـدنـا، *** وما عتق عبدٍ له أو أمـه‏؟‏

قال‏:‏ وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال‏:‏ يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد‏؟‏ فضحك وقال‏:‏ أو ما تعرفهما‏؟‏ هما سنّوران في البيت‏.‏

لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال‏:‏ حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال‏:‏ دخلنا على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له‏:‏ كيف تجدك‏؟‏ قال‏:‏ أجدني أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ‏:‏ من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد‏.‏

مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل‏:‏ لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً‏:‏ كيف تجدك‏؟‏ قال‏:‏ أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا‏!‏‏.‏

سئل عليلٌ عن حاله فقال‏:‏ أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل‏.‏

وقيل لآخر‏:‏ كيف تجدك‏؟‏ قال‏:‏ أجدني لم أرض حياتي لموتي‏.‏

وقيل لرجل من المعجم‏:‏ ما حالك‏؟‏ قال‏:‏ ما حال من يريد سفرًا طويلًا بلا زادٍ‏!‏ وينزل منزلًا موحشًا بلا أنيس‏!‏ ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة‏!‏‏.‏

قيل لعكرمة‏:‏ كيف حالك‏؟‏ قال‏:‏ بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسورًا‏.‏

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ قيل لشيخ من العبّاد‏:‏ كيف أنت، وكيف أحوالك‏؟‏ فقال‏:‏ ما كلّها كما أشتهي‏.‏

قيل لآخر‏:‏ ما تشتكي‏؟‏ قال‏:‏ تمام العدّة وانقضاء المدّة‏.‏

لأبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال‏:‏ مرض أبو الدّرداء، فعاده صديقٌ له فقال‏:‏ أيّ شيء تشتكي‏؟‏ قال‏:‏ ذنوبي‏.‏ قال‏:‏ فأيّ شيء تشتهي‏؟‏ قال‏:‏ الجنة‏.‏ قال‏:‏ فندعوا لك بالطيب‏؟‏ قال‏:‏ هو أمرضني‏.‏

سئل رجلٌ عن حاله فقال‏:‏

كنا إذا نحن أردنا لم نجـد *** حتى إذا نحن وجدنا لم نرد

بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال‏:‏ يا مصقل‏:‏

أبقي الحوادث من خلي *** لك مثل جندلة المراجم

قد رامني الأقوام قـب *** لك فامتنعت من المظالم

فقال مصقلة‏:‏ أمّا قول أمير المؤمنين‏:‏ ‏"‏أبقي الحوادث من خليلك‏"‏، فقد أبقى اللّه منك جبلًا راسيًا وكلًا مرعيًّا لصديقك وسمًّا ناقعًا لعدوّك‏.‏ وأما قولك‏:‏ ‏"‏قد رامني الأقوام قبلك‏"‏، فمن ذا يرومك أو يظلمك‏!‏ فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم‏.‏ فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال‏:‏ واللّه لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضًا‏.‏

بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ‏:‏ دخل كثيّر عزّة على عبد الملك بن مروان، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة‏.‏ فضحك وأمر له بمال؛ فقال‏:‏

ونعود سيّدنـا وسـيّد غـيرنـا *** ليت التّشكّي كان بـالـعـواد

لو كان يقبل فـديةٌ لـفـديتـه *** بالمصطفى من طارفي وتلادي

لآخر وقال آخر‏:‏

لا تشكون دهرًا صححت به *** إنّ لبغني في صحة الجسم

هبك الخليفة، كنت منتفعـًا *** بلذاذة الدنيا مع السّـقـم‏؟‏

بين المسور وابن عباس

إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور‏:‏ يا أبا عباس هلاّ ساعةً غير هذه‏!‏ قال ابن عباس‏:‏ إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها عليّ‏.‏

كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له‏:‏ كيف أنت‏؟‏ بنفسي أنت‏!‏ وكيف كنت‏؟‏ لازلت‏!‏ وكيف قوتك ونشاطك‏؟‏ لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك، وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك‏!‏ لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكينًا للاعج الشوق‏.‏

تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلًا في كتاب‏:‏ لئن تخلّفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصًا عن خبرك في ممساك ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في ألمها ألمك، ومن تتّصل بك أحواله في السراء والضراء‏.‏ ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئًا بالعافية مخبرًا بالعذر، معفيًّا من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالًا‏.‏

شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس‏:‏

تجمّعن من شتّى ثلاث وأربـعٌ *** وواحدةٌ حتى بلغن ثـمـانـيا

سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ *** وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطامـيا

وأقبلن من بعض الخيام يعدنني *** ألا إنّ بعض العـائدات دوائيا

شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري‏"‏عائد الكلب‏"‏وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ‏:‏

ما لي مرضت فلم يعدني عائد *** منكم ويمرض كلبكم فأعـود

فسمّي‏"‏عائد الكلب‏"‏، وولده الآن يسمّون‏"‏بني عائد الكلب‏"‏

التعازي وما يتمثّل به فيها

لابن جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال‏:‏ قال عبد الوهاب الثّقفيّ‏:‏ أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال‏:‏ إنه من لم يسل أهله إيمانًا واحتسابًا سلا كما تسلو البهائم‏.‏

إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى المهديّ يعزّيه عن ابنته‏:‏ أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له‏.‏ وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن هارون ونحوه قول سهل بن هارون‏:‏ التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل المصيبة‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها *** للّه في ظلّ المكاره كامنه

يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ‏:‏ واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضًا، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك‏.‏

لصالح المرّي يعزّي رجلًا وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه‏:‏ إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم‏.‏

ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها‏.‏

ومثله قول الشاعر‏:‏

إن يكن ما به أصبت جليلًا *** فلفقد العزاء فـيه أجـلّ

لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها‏.‏

لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال‏:‏ أيها الأمير، مم تجزع‏؟‏ الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير‏:‏

وأهون مفقودٍ إذا الموت نـالـه *** على المرء من أصحابه من تقنّعا

وقال آخر‏:‏

ولم أر نعمة شملت كريمًا *** كنعمة عورةٍ سترت بقبر

وعزّى رجل رجلًا فقال‏:‏ لا أراك اللّه بعد هذه المصيبة ما ينسيكها‏.‏

شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز‏:‏

تعزّ أمير المؤمـنـين فـإنـه *** لما قد ترى يغذي الصغير ويولد

هل ابنـك إلاّ مـن سـلالة آدمٍ *** لكلّ على حوض المنيةّ مـورد

لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال‏:‏ عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك‏.‏

شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق‏:‏

يمثّل ذا اللبّ في نـفـسـه *** مصائبه قبـل أن تـنـزلا

فإن نزلت بغتةً لم تـرعـه *** لما كان في نفسه مـثـلًا

رأى الهمّ يفضي إلى آخـر *** فصــيّر آخـــره أولا

وذو الجهـل يأمـن أيامـه *** وينسى مصارع من قد خلا

فإن بدهته صروف الزمان *** ببعض مصـائبـه أعـولا

ولو قدّم الحزم فـي أمـره *** لعلمه الصبر عند الـبـلا

موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال‏:‏ أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة‏!‏ مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال‏:‏ كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلًا توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر‏:‏

حسبي حياة اللّه من كل مـيتٍ *** وحسبي بقاء اللّه من كل هالك

إذا ما لقيت اللّه عنّي راضـيًا *** فإنّ شفاء النفس فيما هنالـك

لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه بابن له‏:‏ أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه‏!‏ أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك‏!‏ أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلّقًا بالخطر‏.‏ واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له‏:‏ أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه‏!‏ أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك‏!‏ أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقًا بالخطر‏.‏ واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك‏.‏

كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف‏:‏ المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفًا بعبده، وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل‏.‏ ومنها ما يكون سخطًا وانتقامًا، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقًّا الجامعة لخسران الدنيا والآخرة‏.‏ ولم تزل عادة اللّه عندك الإخلاف والإتلاف‏.‏ وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر المأمول على قدر ذلك‏.‏

وكتب أبو دلف إليه‏:‏ إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي الأمير‏.‏ وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من المفقود‏.‏

وفي كتاب آخر‏:‏ لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضًا وافيًا وخلفًا كافيًا‏.‏ وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه عما أخذ منه‏.‏ وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه‏.‏

لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ‏:‏ أسأل اللّه أن يسد بك ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه‏.‏

في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ‏:‏ لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف رأيك، ولم يرجع إليك فائتًا ولا إلى شقيقك بمكانه روحًا ولا إلى من خلّف حفظًا‏.‏ واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل‏.‏

وقرأت في كتاب تعزية‏:‏ لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ‏.‏

وقرأت في كتاب‏:‏ مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع‏.‏ ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك‏.‏

وقرأت في كتاب‏:‏ نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرٍ محضرًا، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمدًا بعيدًا، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيمانًا وإيقانًا، ولا يجعله ذهولًا ونسيانًا‏.‏

لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة‏:‏ إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء‏.‏

لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها‏:‏ ما أحسن عزاءك‏!‏ فقالت‏:‏ أن فقدي إياه أمّنني من المصيبة بعده‏.‏ ونحوه قول الشاعر‏:‏

وكنت عليه أحذر الموت وحده *** فلم يبق لي شيء عليه أحاذر

ومثله‏:‏

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى *** من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية‏:‏

وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى *** فكذا يبلى عليهن الحـزن

في الأثر وفي الحديث‏:‏ ‏"‏من يرد اللّه به خيرًا يصب منه‏"‏‏.‏

ويقال‏:‏ المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن‏.‏

بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي‏:‏ مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها‏:‏ ما فعل الشابّ‏؟‏ فقلت‏:‏ واريناه؛ فقلت‏:‏ فما هذا السّويق‏؟‏ فقلت‏:‏

على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهـم *** على البؤس والبلوى وفي الحدثان

لأعرابي قيل لأعرابيّ‏:‏ كيف حزنك اليوم على ولدك‏؟‏ فقال‏:‏ ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزنًا‏.‏

لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عمّا أصابك‏.‏

لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال‏:‏ ندعوا اللّه فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ‏.‏

لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه‏:‏ إذا ما قضى اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني‏.‏

شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي‏:‏

فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة *** ولكن إذا ما شئت أسعدني مـثـلـي

وقال آخر‏:‏

إذا أنت لم تسا اصطبارًا وحسبةً *** سلوت على الأيام مثل البهـائم

بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجابًا من الجزع وسترًا من النار‏.‏

فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعًا يستتر منه، وما توفيقي إلا باللّه‏.‏

فقال محمد‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ اللّه يقول‏:‏ ‏"‏وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين‏"‏‏.‏

شعر للطائي وقال الطائيّ‏:‏

ويفرح بالشيء المعـار بـقـاؤه *** ويحزن لمّا صار وهو له ذخـرٌ

عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبـسٌ *** فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر

وقال أيضًا‏:‏

أمالك إنّ الحزن أحلام نائم *** ومهما يدم فالوجد ليس بدائم

تأمّل رويدًا هل تعدّنّ سالمًا *** إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم

وقال آخر‏:‏

اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجـلّـد *** واعلم بأن الدهر غير مخلّد

أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ *** وترى المنية للعباد بمرصد

وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها *** فاذكر مصابك بالنبيّ محمد

لرجل يعزّي الرشيد

عزّي رجلالرشيد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا عنك‏.‏

ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضًا يعزّي أهل نجران بعضهم بعضًا بهذا الكلام‏:‏ لا يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة‏.‏

لبعض الزبيريين يعزّي رجلًا عزّى بعض الزّبيرّيين رجلًا فقال‏:‏ ريصفر ربعك، ولا يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك‏.‏

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء‏:‏

أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى *** فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهـر

فيا ليت من فيها عليك وليت مـن *** عليها ثوى فيها مقيمًا إلى الحشر

وقاسمني دهري بنيّ بـشـطـره *** فلما توفّى شطره مال في شطري

فصاروا ديونًا للمنايا ومـن يكـن *** عليه لها دين قضاه على عـسـر

كأنّهم لم يعرف الموت غـيرهـم *** فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قـبـر

وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهـم *** فلما توفّوا مات خوفي من الدهر

فللّه ما أعطى وللّـه مـا جـزى *** وليس لأيام الرّزيّة كالـصـبـر

فحسبك منهم موحشًا فقد بـرّهـم *** وحسبك منهم مسليًا طلب الأجـر

لشبيب بن شيبة يعزّي يهوديًا عزّى شبيب بن شيبة رجلًا من اليهود فقال‏:‏ أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدًا من أهل ملّتك‏.‏

للعتبي وقال العتبي‏:‏

ما عالج الحزن والحرارة في ال *** أحشاء من لم يمـت لـه ولـد

فجعت بأبنيّ ليس بـينـهـمـا *** إلا ليال لـيسـت لـهـا عـدد

وكلّ حزنٍ يبلى علـى قـدم ال *** دّهر وحـزنـي يجـدّه الأبـد

وقال أيضًا‏:‏

ألا يزجر الدهر عنا المنونـا *** يبقّي البنات ويفني البنـينـا

وأنحى علـيّ بـلا رحـمةٍ *** فلم يبق لي في جفوني جفونا

وكنت أبا سبعةٍ كـالـبـدور *** أفقّي بهم أعين الحاسـدينـا

فمرّوا على حادثات الزمـان *** كمرّ الدراهم بالنـاقـدينـا

فأفنـتـهـم واحـدًا واحـدًا *** إلى أن أبادتهم أجمـعـينـا

وألقـين ذاك إلـى ضـارحٍ *** وألقين هـذا إلـى دافـينـا

وما زال ذلك دأب الـزمـا *** ن يفني الأوائل فالأوّلـينـا

وحتّى بكى لي حـسـادهـم *** فقد أقرحوا بالدموع الجفونا

وحسبك من حادثٍ بامـرىء *** ترى حاسديه له راحمـينـا

وكانوا على ظهرها أنجـمـًا *** فأضحوا إلى بطنها ينقلونـا

فمن كان يسليه مرّ السـنـين *** فحزني يجدّده لي السنـونـا

ومما يسكّن وجـدي بـهـم *** بأن المنون ستلقى المنـونـا

تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلًا قال‏:‏ ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم‏.‏

تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلًا يقول‏:‏ إن تجزع فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد، وعظّم اللّه أجركم‏.‏

شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ‏:‏

أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي *** ووجهك معفورٌ وأنت سلـيب

نسيبك من أمسى يناجيك طرفه *** وليس لمن وارى التراب نسيب

وإني لأستحي أخي وهو مـيتٌ *** كما كنت أستحييه وهو قريبٌ

وقال أعرابيّ‏:‏

وما نحن ألا مثلهم غير أننا *** أقمنا قليلًا بعدهم وتقدّموا

وقال آخر‏:‏

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى *** من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر

وأجـزع أن ينـأى بـه بـين لـيلةٍ *** فكيف ببين صار ميعاده الحـشـر

وقال آخر‏:‏

وإنّا وإخوانًا لنا قد تتابعـوا *** لكالمغتدي والرائح المتهجّر

لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ‏:‏

ربّ مغروسٍ يعاش به *** عدمته كفّ مغترسه

وكذاك الدهر مـأتـمـه *** أقرب الأشياء من عرسه

شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يومًا فقال‏:‏

إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه *** وأوحش من جيرانه فهو سائر

وقال آخر‏:‏

وإذا قيل مات يومًا فـلانٌ *** راعنا ذاك ساعةً ما نحير

نذكر الموت عند ذاك وننسا *** ه إذا غيّبته عنا القـبـور

وقال آخر‏:‏

نراع من الجنائز قابلتنـا *** ونلهو حين تخفي ذاهبات

كروعة ثلّةٍ لمغار سبـع *** فلما غاب ظلّت راتعات

وقال أبو نواس‏:‏

سبقونا إلى الرّحي *** ل وإنا لبـالأثـر

تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى بعض الأمراء في تعزية‏:‏ الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقّه‏.‏ فزاده اللّه توفيقًا إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب‏.‏ وقد كان من حادث قضاء اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علمًا بما دخل على الأمير من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج القرابة‏.‏ فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون‏.‏

تعزية إلى أمير وفي كتاب‏:‏ نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليًّا وعضدًا أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن الجزع على غيرك‏.‏

كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد بن عبد اللّه‏:‏ ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير، فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن‏.‏ فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصًا، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب‏.‏ ورحم اللّه الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله‏.‏ ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمنّ حيل بينه وبين الواجب‏.‏

مثله لابن مكرم ولابن مكرم‏:‏ وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر‏.‏ فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد ملته وجابر رزيّته‏.‏ وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك، ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله‏.‏

تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب‏:‏ وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها‏.‏

وفي فصل آخر‏:‏ لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما تضنّ به النفوس، وأن أكون سترًا بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ‏.‏ فأعظم اللّه أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظًا فيك ولا سبيلًا عليك‏.‏

بين الوليد وعبسيّ المدائني قال‏:‏ قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛ فسأله عن سبب ضرّه، فقال‏:‏ بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيًّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيًّا رضيعًا وبعيرًا صعبًا، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد‏.‏ فقال الوليد‏:‏ اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه‏.‏ وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول‏:‏ كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت ثلاثة وأخذت واحدًا، وكنّ أربعًا - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثًا‏.‏ أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت‏.‏ وشخص إلى إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال‏:‏ إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيرًا كثيرًا‏.‏

شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم‏:‏

من سبق السّلوة بالصبـر *** فاز بفضل الحمد والأجر

يا عجبًا من هلعٍ جـازعٍ *** يصبح بين الذّم والـوزر

مصيبة الإنسان في دينـه *** أعظم من جائحة الدهر

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

ليت شعري ضلةً *** أيُّ شيءٍ فتلـك

والمنـايا رصـدٌ *** للفتى حيث سلك

كلّ شيء قاتـل *** حين تلقى أجلك

ليت نفسي قدّمت *** للمنايا بـدلـك

أيُّ شيءٍ حسـنٍ *** للفتى لم يك لك

وقال آخر‏:‏

غرّ امرؤ منتـه نـف *** سٌ أن تدوم له السلامة

هيهات‏!‏ أعـيا الأولـي *** ن دواء دائك يا دعامه

شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها‏:‏

كنا كغصنين في جرثومةٍ سـمـوا *** حينًا بأحسن ما تسموا له الشجـر

حتى إذا قيل قد طالت فروعهمـا *** وطاب قنواهما واستنظر الثـمـر

أخنى على واحدي ريب الزمان ولا *** يبقي الزمان على شـيءٍ ولا يذر

كنّا كأنجم ليلٍ وسـطـنـا قـمـرٌ *** يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر

للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله‏:‏

كأنّ بني تبهـان يوم وفـاتـه *** نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر

وقال آخر‏:‏

لكلّ أناسٍ مقبـرٌ بـفـنـائهـم *** فهم ينقصون والقبـور تـزيد

وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت *** وبيتٌ لميتٍ بالـفـنـاء جـديد

هم جيرة الأحياء أمّا جوارهـم *** فدانٍ وأمّا الملتقـى فـبـعـيد

وقال آخر‏:‏

لا يبعد اللّه أقوامًا لنا ذهبوا *** أفناهم حدثان الدهر والأبد

نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتـنـا *** ولا يؤوب إلينا منهم أحـد

وقال النابغة‏:‏

حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما *** هذا عليها وهذا تحتها بـالـي

وقال آخر‏:‏

وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً *** فحال قضاء اللّه دون رجـائيا

ألا ليمت من شاء بعدك إنمـا *** عليك من الأقدار كان حذاريا

وقال آخر‏:‏

لعمرك ما وارى التراب فعاله *** ولكنه وارى ثيابًا وأعظـمـا

لفضالة بن شريك فضالة بن شريك‏:‏

رمى الحدثان نسوة آل حربٍ *** بفادحةٍ سمدن لها سـمـودا

فردّ شعورهنّ السود بيضـًا *** وردّ وجوههن البيض سودا

وقال آخر‏:‏

أمّا القبور فإنّهنّ أوانـسٌ *** بجوار قبرك والديار قبور

عمّت مصيبته فعمّ هلاكه *** فالناس فيه كلّهم مأجـور

ردّت صنائعه عليه حياتـه *** فكأنه من نشرها منشور

لمنصور النّمري منصور النّمريّ‏:‏

فإن يك أفنته الليالي فأوشكت *** فإنّ له ذكرًا سيفني الليالـيا

شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت‏:‏

مضوا سلفًا قصد السبيل عليهم *** وصرف المنايا بالرجال تقلّب

وقال هشام أخو ذي الرّمّة‏:‏

تعزّيت عن أوفى بغيلان بعـده *** عزاءً وجفن العين ملآن مترع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده *** ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع

لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب‏:‏ لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين‏.‏ ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين‏.‏