فصل: التهاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


التهاني

بين الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال‏:‏ حدّثنا أبو قتيبة قال‏:‏ حدّثنا ميمون‏"‏قال‏"‏حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال‏:‏ كنت عند الحسن، فقال رجل‏:‏ ليهنئك الفارس‏.‏ فقال‏:‏ لعله يكون بغّالا، ولكن قل‏:‏ شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه‏.‏

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لمتزوّج قال‏:‏ ‏"‏على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند الرحمن‏"‏أبو الأسود يهنىء رجلًا تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج‏:‏ باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة‏.‏

نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول‏:‏ بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهى أن يقال‏:‏ ‏"‏بالرّفاء والبنين‏"‏لعطاء بن أبي صيفي الثقفي يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال‏:‏ إن أوّل من هنّأ وعزّى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ‏.‏ عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال‏:‏ أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه‏.‏ قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية‏.‏ وعظّم اللّه في أمير المؤمنين أجرك،وأحسن على الخلافة عونك‏.‏

مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العبّاس‏:‏ أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم خلافتك‏.‏

بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة‏:‏ اخطب عليّ هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات‏.‏ فأتاهم فقال‏:‏ أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون‏؟‏ قالوا‏:‏ بل أنكحنا وأنعمنا‏.‏ فرجع ابن القرّية إلى الحجّاج فقال‏:‏ أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك، وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودودًا ولودًا، وجمع بينكما على البركة والخير‏.‏

لبعض الكتّاب يهنّىء رجلًا بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها‏:‏ بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه عاجلًا وآجلًا خير منازل المفلحين‏.‏

تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج‏:‏

قمر السماء وشمسها اجتمعا *** بالسّعد ما غابا وما طلعـا

ما وارت الأستار مثلهمـا *** فيمن رأيناه ومن سمـعـا

دام السّرور له بها ولـهـا *** وتهنّأ طول الحياة مـعـًا

تهنئة رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله‏:‏ قد بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين للحال وزينتها، فهنيئًا هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول التعمير والسنين‏.‏

من بعض الكتّاب إلى عامل

وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل‏:‏ نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها، وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها‏.‏

تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه‏:‏ الحمد للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال‏:‏ ‏"‏ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه‏"‏، وقال‏:‏ ‏"‏إنّ الدّين عند اللّه الإسلام‏"‏‏.‏ والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرّفه بولاء خليفته‏.‏ وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا أخًا ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول‏:‏ ‏{‏لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم‏}‏‏.‏

تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ‏:‏ الحمد للّه على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛ وجعلك ممنٍ قلبه مفلحًا منجحًا، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً تفضل عملك، وتوفيقًا يحوط دينك، وشكرًا يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان‏.‏

تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود‏:‏ أنا - أعزّك اللّه - لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك‏.‏ وكلّ ما نقّل اللّه الفتى‏"‏و‏"‏بلّغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر، وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة‏.‏ وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد، وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئًا بتجدّد النعمة عندكم فيه‏.‏ فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته‏.‏ وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين، بمنّه فضله‏.‏

تهنئة بحجّ إلى صاحبه‏:‏ الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من جلائل حقوقهم على أوليائهم‏.‏ وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ في تعظيمه وشكره‏.‏ ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلًا بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير‏.‏ وأنا أسأل اللّه الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالمًا، وأصدرك عنه غانمًا؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة‏.‏

تهنئة بولاية

وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية‏:‏ فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته‏.‏ وبلغني خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة‏.‏

كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول‏:‏ فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ‏.‏ ‏{‏وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌ لكم‏}‏ وقال أيضًا‏:‏ ‏{‏فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل اللّه فيه خيرًا كثيرًا‏}‏ وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والاستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول‏.‏ وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها‏.‏ فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحًا مجدّدًا، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك‏.‏

أيضًا تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ‏:‏ لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئًا لك بالأوبة، ومجدّدًا بك عهدًا، ومحييًا نفسي بالنظر إلك‏.‏ وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك، ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك‏.‏

تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب‏:‏ لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئًا، تعظيمًا لنعمه فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري‏.‏ فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية، وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب‏.‏

باب شرار الإخوان

لشيب بن شيبة في خالد بن صفوان

ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال‏:‏ ذاك رجلٌ ليس له صديقٌ في السرّ ولا عدوٌّ في العلانية‏.‏

لبعض الشعراء وقال الشاعر‏:‏

وإنّ من الخلاّن من تشحط النّوى *** به وهو داعٍ للـوصـال أمـين

ومنهم صديق العين أمّا لـقـاؤه *** فحلوّ وأمّا غيبـه فـظـنـون

لعيينة بن حصن قبل إسلامه أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركبٌ خارجون منها؛ فقال‏:‏ أخبروني عن هذا الرجل‏"‏يعني النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏"‏، فقالوا‏:‏ الناس فيه ثلاثة رجال‏:‏ رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشًا وأفناء العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقى أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال‏:‏ ما يسمّى هؤلاء‏؟‏ قالوا‏:‏ المنافقون‏.‏ قال‏:‏ فأشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء‏.‏

دعاء لرجل وكان يدعو فيقول‏:‏ اللّهم اكفني بوائق الثّقات، واحفظني من الصّديق‏.‏ وكتب رجلٌ على باب داره‏:‏ جزى اللّه من لا يعرفنا ولا نعرفه خيرًا، فأمّا أصدقاؤنا فلا جزوا ذلك، فأنّا لم نؤت قطّ إلا منهم‏.‏

شعر إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك الزيات وكتب إبراهيم بن العبّاس إلى محمد بن عبد الملك الزيّات‏:‏

وكنت أخي بإخاء الزمـان *** فلما نبا صرت حربًا عوانا

وقد كنت أشكو إليك الزمان *** فأصبحت فيك أذمّ الزمانا

وكنت أعدّك للـنـائبـات *** فهأنا أطلب منك الأمانـا

شعر لمحمد بن مهدي وقال محمد بن مهديّ‏:‏

كان صديقي وكان خالصتـي *** أيّام نجري مجاري السّـلـق

حتى إذا راح والملوك مـعـًا *** عدّ اطّراحي من صالح الخلق

خلّيت ثوب الفـراق فـي يده *** وقلت هذا الوداع فانطـلـق

لبسته لبسة الجديد على ال *** قرّ وفارقت فرقة الخلق

وقال آخر‏:‏

ذا رأيت أمرًا في حال عسرته *** مواصلًا لك ما في ودّه خلل

فلا تمنّ له أن يستفيد غـنـىً *** فإنه بانتقال الحال ينـتـقـل

كتاب رجل لصديق له أعرض عنه وكتب رجلٌ إلى صديق أعرض عنه‏:‏ لولا أنّي أشفقت من أشتات ظني‏"‏في‏"‏إجابتك إلى ما يعلم اللّه براءتي منه فيك ولك لمعجبك ولكفيتك مؤونتي، ثقةً بأنّ ازديادك من معرفة الناس ستردّك إلّي؛ فإن رجعت قبلت وتمسّكت واغتبطت وإن أصررت لم أتبع مولّيا، ولم آس على مدبر ولم أسامح نفسي على تعلّقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك‏.‏ فكم من زمان تركتك فيه وسومك ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسىً على أيّامي معك وما تؤكّد بيني وبينك‏.‏ وما من كرةٍ لي إليك إلا وهي داعيةٍ إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك ولو فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه الخفّ محمل ما يكون منك عليّ ولا جست في عتباك ورضاك وفي جواب كتاب‏:‏ وقد وزعني ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن استبطائك على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في يقيّته؛ وقد قيل‏:‏

يأبين إلا جـفـوةً وظـلـمـا *** من كثرة الوصل تجنّى الجرما

وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي جوابك بإيحاشي وفي اعتدادك عليّ بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه، وما أنكر الخلاف بين الأب وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك قطّ، فإني لم أخالفك ولم أشاححك ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك بنهي‏.‏

شعر للحسن بن وهب وقال الحسن بن وهب‏:‏

سأكرم نفسي عنك حسب إهانتـي *** لها فيك إذ قرّت وكفّ نزاعـهـا

هي النّفس ما كلفتها قـطّ خـطةً *** من الأمر إلا قلّ منه امتناعـهـا

صدقت لعمري أنت أكبر ههّمهـا *** فأجهدها إذ قلّ منك انتفـاعـهـا

هب أنّي أعمى فاتت الشمس طرفه *** وغيّب عنه نورها وشعـاعـهـا

ولعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر‏:‏

رأيت فضيلًا كان شيئًا ملـفّـقـًا *** فكشّفه التحميص حتى بـدا لـيا

فأنت أخي ما لم تكن لي حـاجة *** فإن عرضت أيقنت أن لا أخًا ليا

فلا زاد ما بيني وبينك بـعـدمـا *** بلوتك في الحاجات إلا تـمـاديا

فلست براءٍ عيب ذي الودّ كـلـهّ *** ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا عن كلِّ عيب كلـيلةٌ *** ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

كلانا غنيٌّ عـن أخـيه حـياتـه *** ونحن إذا متنا أشـدّ تـغـانـيا

أيضًا من عبد اللّه بن معاوية إلى بعض إخوانه وكتب ايضًا إلى بعض إخوانه‏:‏ أما بعد، فقد عاقني الشكّ فيك عن عزيمة الرأي في أمرك؛ ابتدأني بلطف عن غيره خبرة، ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنب؛ فأطعمني أوّلك في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحًا، ولا أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف‏.‏

كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له‏:‏ نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونرى الزيادة في الغمّ أدوم لجميل رأيك‏.‏

شعر لكثير، ولغيره ومثله قول كثير‏:‏

وإن شحطت يومًا بكيت وإن دنت *** تدلّلت واستكثرتها باعتزالـهـا

ونحوه قول الكميت‏:‏

وقـد يخـذل الـمـولـى دعــائي ويجـــتـــدي *** أذاتـي وإن يعـدل بـه الـضــيم أغـــضـــب

فأونس من بعض الصديق ملالة الدّنوّ فأستبقيهم بالتجنّب ***

وقال آخر‏:‏

إنك ما أعلـم ذو مـلةٍ *** يذهلك الأدنى عن الأقدم

وقال عبد الحمن بن حسان‏:‏

لا خير في الودّ ممن لا تزال له *** مستشعرًا أبدًا من خيفةٍ وجـلا

إذا تغيّب لم تبرح تسـيء بـه *** ظنًا وتسأل عمّا قال أو فعـلا

ولمرّة بن محكان وقال مرّة بن محكان‏:‏

ترى بيننا خلقـًا ظـاهـرًا *** وصدرًا عدوًا ووجهًا طليقا

ونحوه قول المرّار‏:‏

كذبٌ تخرّصه عليّ لقومـه *** سلم اللسان محارب الإسرار

نصيحة أعرابية لابنها وحدثني أبو حمزة الأنصاريّ قال‏:‏ حدثنا العتّبي قال‏:‏ قالت أعرابية لابنها‏:‏ يا بنيّ، إياك وصحبة من مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح‏.‏

أصناف الإخوان وكان يقال‏:‏ الإخوان ثلاثة‏:‏ أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده‏.‏ وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، دون رفده ومعونته‏.‏ وأخٌ يلهوق لك لسانه، ويتشاغل عنك بشانه، ويوسعك من كذبه وأيمانه‏.‏

شعر للمثقّب العبدي، ولأوس بن حجر وقال المثقب العبدي‏:‏

فإما أن تكون أخي بصـدقٍ *** فأعرف منك غثّي من ثميني

وإلا فاجتنبني واتـخـذنـي *** عدوًّا أتقيك وتـتّـقـينـي

وقال أوس بن حجر‏:‏

وليس أخوك الدائم العهد بـالـذي *** يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبـلًا

ولكن أخوك النائي ما دمت آمنـًا *** وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا

وقال آخر‏:‏

لعمرك ما ودّ اللسـان بـنـافـعٍ *** إذا لم يكن أصل المودّة في القلب

لأبي حارثة المدني وقال أبو حارثة المدنيّ‏:‏ ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول‏.‏

شعر للعباس بن الأحنف، ولآخرين قال العباس بن الأحنف‏:‏

أشكو الذين أذاقونـي مـودّتـهـم *** حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا

واستنهضوني فلمّا قمت منتهـضـًا *** بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا

ونحوه قول المجنون‏:‏

وأدنيتني حتى إذا ما سبيتـنـي *** بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح

تجافيت عنّي حين لا لي حـيلةً *** وخلّفت ما خلّفت بين الجوانـح

وقال آخر‏:‏

ولا خير في ودّ إذا لم يكن له *** على طول مرّ الحادثات بقاء

وأنشد ابن الأعرابي‏:‏

لحا اللّه من لا ينفع الودّ عـنـده *** ومن حبله إن مدّ غـير مـتـين

ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً *** يقطع بها أسبـاب كـلّ قـرين

ويقال‏:‏ صاحب السوء جذوةٌ من النار‏.‏

لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقال عليّ عليه السلام‏:‏ ‏"‏لا تؤاخ الفاجر فإنه يزيّن لك فعله ويحبّ لو أنك مثله ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من عندك شين وعار‏.‏ ولا الأحمق فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضّرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته‏.‏ ولا الكذّاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدّث بالصدق فما يصدّق‏"‏شعر رآه أبو قبيل في بلاد الروم قال أبو قبيل‏:‏ أسرت ببلاد الروم فأصبت على ركن من أركانها‏:‏

ولا تصحب أخا الجهل *** وإيّاك وإيّاه

فكم من جاهـل أردى *** حليمـًا حـين آخـاه

يقاس المرء بالمـرء *** إذا ما هو مـاشـاه

وللشيء على الشـيء *** مقـاييس وأشـبـاه

وللقلب على القـلـب *** دليلٌ حـين يلـقـاه

شعر لعدي بن يزيد وقال عديّ بن يزيد‏:‏

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه *** فإنّ القرين بالمقارن نقـتـدي

وللرياشي وأنشد الرياشي‏:‏

إن كنت لا تصحب إلا فتـىً *** مثلك لم تؤت بأمـثـالـكـا

إنّ لك الفضل على صحبتـي *** والمسك قد يستصحب الرّامكا

هبني أمرًا جئت أريد الهـدى *** فجد على ضعفي بإسلامكـا

ليحيى بن خالد وكتب يحيى بن خالد‏:‏ أحبّ أن تكون على يقين أنّي بك ضنين، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عنّي ما كان ذلك بي وبك جميلًا يحسن عند إخواننا، وإن وقعت القادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب‏.‏ والذي هاجني على الكتاب أنّ أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، واللّه يعلم أنّي ما تبدلت وما حلت عن عهد، فجمعنا اللّه وإياك على طاعته ومحبّة خليفته‏.‏

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل العاقل ؤغير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ وأهرب من الئيم الأحمق‏.‏

شعر لحماد عجرد وقال حمّاد عجرد‏:‏

كم من أخٍ لست تنـكـره *** ما دمت من دنياك في يسر

متصنّع لك فـي مـودّتـه *** يلقاك بالتّرحيب والبـشـر

يطري الوفاء وذا الوفاء ويل *** حي الغدر مجتهدًا وذا الغدر

فإذا عدا، والدهر ذو غـير، *** دهرٌ عليك عدا مع الدهـر

فارفض بإجمالٍ أخوة مـن *** يقلي المقلّ ويعشق المثري

وعليك مـن حـالاه واحـدةٌ *** في العسر إمّا كنت واليسر

لا تخلطنّـهـم بـغـيرهـم *** من يخلط العقيان بالصّفـر‏!‏

لسويد بن الصامت وقال سويد بن الصامت‏:‏

ألا ربّ من تدعو صديقًا ولو تـرى *** مقالته بالغيب سـاءك مـا يفـري

مقالته كالشّحم مـا كـان شـاهـدًا *** وبالغيب مأثورٌ على ثغرة النّحـر

تبين لك العينـان مـا هـو كـاتـمٌ *** من الضّغن والشّحناء بالنّظر الشّزر

فرشني بخيرٍ طالما قد بـريتـنـي *** وخير الموالي من يرش ولا يبري

وقال آخر‏:‏

وصاحبٍ كان لي وكنـت لـه *** أشفق من والدٍ عـلـى ولـد

كنّا كساقٍ تسعـى بـهـا قـدمٌ *** أو كذراعٍ نيطت إلى عـضـد

حتى إذا دانت الحـوادث مـن *** خطوي وحلّ الزمان من عقدي

احولّ عنّي وكان ينظـر مـن *** عيني ويرمي بساعـدي ويدي

وكان لي مؤنسًا وكـنـت لـه *** ليست بنا وحـشة إلـى أحـد

حتى إذا اسـتـرفـدت يدي يده *** كنت كمسـتـرفـدٍ يد الأسـد

لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب‏:‏

إخوان هذا الزمان كلّـهـم *** إخوان غدرٍ عليه قد جبلوا

طووا ثياب الوفاء بينـهـم *** وصارثوب الرّياء يبتـذل

أخوهم المستحقّ وصلهـم *** من شربوا عنده ومن أكلوا

وليس فيما علمت بينـهـم *** وبين من كان معدمًا عمل

بين رجل وصاحبه وقال دعبل‏:‏

أبا مسلم كنّا حـلـيفـي مـودّة *** هوانا وقلبانا جميعًا معًا مـعـا

أحوطك بالودّ الذي لا تحوطنـي *** وأرأب منك الشّعب أن يتصدّعا

فلا تلحينّي لم أجد فـيك حـيلةً *** تخرّقت حتى لم أجد فيك مرقعا

فهبك يميني استأكلت فاحتسبتهـا *** وجشّمت قلبي قطعها فتخشّعـا

وقال يزيد بن الحكم الثّقفي‏:‏

تكاشرني كرهًا كـأنـك نـاصـحٌ *** وعينك تبدي أنّ قلبـك لـي دوي

لسانك ماذيّ وقلـبـك عـلـقـمٌ *** وشرّك مبسوطٌ وخيرك منطـوي

عدوّك يخشي صولتي إن لقـيتـه *** وأنت عدوّي ليس ذاك بمسـتـوي

أراك إذا لم أهوا لأمـرًا هـويتـه *** ولست لما أهوى من الأمر بالهوي

أراك اجتويت الخير منّي وأجتـوي *** أذاك فكل يجتوي قرب مجتـوي

وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى *** بأجرامه من قلّة النّيق منـهـوي

ويقال‏:‏ إيّاك ومن مودّته على قدر حاجته فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودّة لأحد الحكماء في ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن وقال الحكيم‏:‏ ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن‏:‏ لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه‏.‏

شعر لجرير قال جرير‏:‏

فأنت أخي ما لم تكـن لـي حـاجةٌ *** فإن عرضت أيقنت أن لا أخـا لـيا

تعرّضت فاستمررت من دون حاجتي *** فحالك إني مسـتـمـرٌ لـحـالـيا

وإنّي لمغرورٌ أعلّـل بـالـمـنـى *** ليالي أرجـو أنّ مـالـك مـالـيا

بأيّ نجادٍ تحمل السـيف بـعـدمـا *** نزعت سنانًا بعد قناتـك مـاضـيّا

ألا لا تخافا نبـوتـي فـي مـلـمّةٍ *** وخافا المنايا أن تفـوتـكـمـا بـيا

لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية‏:‏

أنت ما استغنيت عن صا *** حبك الـدّهـر أخـوه

فإذا احـتـجـت إلـيه *** ساعةً مـجّـك فـوه

وقال آخر‏:‏

موالينا إذا افتقروا إلـينـا *** وإن أثروا فليس لنا موالي

والعرب تقول فيمن شركك في النّعمة وخذلك عند الئبة‏:‏ يربض لاحجرة ويرتع وسطًا‏.‏

للحجاج يتمثل بشعر قعنب ابن أم صاحب

قال المدائنيّ‏:‏ لحن الحجاج يومًا، فقال الناس‏:‏ لحن الأمير‏.‏ فأخبره بعض من حضر، فتمثّل بشعر قعنب بن أمّ صاحب‏:‏

صمّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت بـه *** وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنـوا

فطانةٌ فطنوعها لو تكون لـهـم *** مروءة أو تقىً للّه ما فطـنـوا

إن يسمعوا سيّئًا طاروا به فرحًا *** منّي وما سمعوا من صالح دفنوا

باب القرابات والولد

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في صلة الرحم حدّثني زيد بن أخزم قال‏:‏ حدّثنا أبو داود قال‏:‏ حدّثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ولد سعيد بن العاص قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ كنت عند ابن عبّاس، فأتاه رجل فمتّ إليه برحم بعيدةٍ، فلان له وقال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرّحم إذا قطعت وإن كانت قريبةً ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً‏"‏‏.‏

لعبد اللّه بن دينار في النعمة والأمانة والرحم حدّثني شبابة قال‏:‏ حدّثني القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد اللّه بن دينار قال‏:‏ إحذروا ثلاثًا، فإنهنّ معلّقات بالعرش‏:‏ النعمة تقول يا ربّ كفرت، والأمانة تقول يا ربّ أكلت، والرّحم تقول يا ربّ قطعت‏.‏

لمحارب بن دثار في صلة الرحم حدّثني الزّياديّ قال‏:‏ حدّثنا عيسى بن يونس قال‏:‏ قال محارب بن دثار‏:‏ إنما سمّوا أبرارًا لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك عليك حقًا، فكذلك لولدك عليك حقّ‏.‏

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أبو سفيان الغنويّ عن عبد اللّه بن يزيد عن حيوة بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه‏"‏‏.‏حدّثني القومسيّ قال‏:‏ حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال‏:‏ حدّثنا كثير بن زيد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من أنفسهم وحليف القوم من انفسهم‏"‏‏.‏ وحدّثني أيضًا عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن عبد اللّه بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال‏:‏ قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الرّحم شجنةٌ من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته‏"‏‏.‏

لعثمان رضي اللّه عنه حدّثني الزّياديّ قال‏:‏ حدّثنا حمّاد بن زيد عن حبيب عن ابن سيرين قال‏:‏ قال عثمان‏:‏ كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، وأنا أعطي قرابتي لوجه اللّه، ولن يرى مثل عمر‏.‏

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال‏:‏ حدّثنا إبراهيم بن موسى قال‏:‏ حدّثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه فليصل رحمه‏"‏‏.‏

حدّثني أحمد بن الخليل قال‏:‏ حدّثنا أبو نعيم قال‏:‏ حدّثنا سفيان عن عبد اللّه بن عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يزيد في العمر إلا البرّ ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذّنب يصيبه‏"‏‏.‏

حدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال‏:‏ حدّثنا عبد الأعلى قال‏:‏ حدّثنا سعيدٌ عن مطر عن الحكم بن عتيبة عن النّخعيّ عن ابن عمر قال‏:‏ أتى رجا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أو ما علمت أنك ومالك لأبيك‏"‏‏.‏

في العقوق حدّثن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال‏:‏ أخبرني بعض العرب‏:‏ أن رجلًا كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابّ عاقًّا بأبيه، وكان يقال للشابّ‏"‏منازل‏"‏فقال الشيخ‏:‏

جزت رحمٍ بيني وبـين مـنـازلٍ *** جزاءً كما يستنجز الدّين طالـبـه

تربّت حتى صار جعدًا شـمـردلًا *** إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه

تظلّمني مالـي كـذا ولـوى يدي *** لوى يده اللّه الذي لا يغـالـبـه

وإنّي لداعٍ دعوةً لـو دعـوتـهـا *** على جبل الرّيّان لانقضّ جانبـه

فبلغ ذلك أميرًا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ‏:‏ أخرج من خلف البيت‏.‏ فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقّه في آخر عمره فقال‏:‏

تظلّمني مالي خليجٌ وعـقّـنـي *** على حين كانت كالحنيّ عظامي

تخيّرته وازددتـه لـيزيدنـي *** وما بعض ما يزداد غير عرام

شعر يحيى بن سعيد لابنه وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفيّ لابنه‏:‏

غذوتك مولودًا وعلتك يافـعـًا *** تعلّ بما أجني عليك وتنـهـل

إذا ليلةٌ نالتك بالشكو لـم أبـت *** لشكواك ألاّ ساهرًا أتملـمـل

كأنّي أنا المطروق دونك بالذي *** طرقت به دوني وعيني تهمل

فلمّا بلغت الوقت في العدّة التي *** إليها جرى ما أبتغتـه وآمـل

جعلت جزائي منك جبهًا وغلظةً *** كأنك أنت المنعم المتفـضّـل

فليتك إذ لم ترع حقّ أبـوّتـي *** كما يفعل الجار المجاور تفعل

للقاسم بن محمد قال القاسم بن محمد‏:‏ قد جعل اللّه في الصديق البارّ عوضًا من الرّحم المدبرة‏.‏

لعمر بن الخطاب إلى أبي موسى‏:‏ مر ذوي القرابات أنّ يتزاوروا ولا يتجاوروا‏.‏

مثله لأكثم بن صيفي وقال أكثم بن صيفيّ‏:‏ تباعدوا في الدّيار تقاربوا في المودّة‏.‏

لأعرابي في ابن عمه قيل لأعرابيّ‏:‏ ما تقول في ابن عمك‏؟‏ قال‏:‏ عدوّك وعدوّ عدوّك‏.‏

شعر لقيس بن زهير وقال قيس بن زهير‏:‏

شفيت النفس من حمل بن بدرٍ *** وسيفي من حذيفة قد شفاني

قتلت بإخوتي سادات قومـي *** وقد كانوا لنا حلي الزمـان

فإن أك قد بردت بهم غليلـي *** فلم أقطع بهم إلاّ بـنـانـي

لعلي بن أبي طالب عند قتلى معركة الجمل قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، حين تصفّح القتلى يوم الجمل‏:‏ شفيت نفسي وجدعت أنفي‏.‏ وفي مثل قول القائل‏:‏

قومي هم قتلوا أمـيم أخـي *** فإذا رميت يصيبني سهمـي

ولئن عفوت لأعفون جلـلًا *** ولئن قرعت لأوهنن عظمي

بين رجل من العرب قتل ابن أخيه، ووالد القتيل قتل رجلٌ من العرب ابن أخيه فدفع إلى أخيه ليقيده، فلمّا أهوى بالسيف أرعدت يداه فألقى السيف من يده وعفا عنه وقال‏:‏

أقول للنفس تأسـاءً وتـعـزيةً *** إحدى يديّ أصابتني ولم تـرد

كلاهما خلفٌ من فقد صاحبـه *** هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

لبعض الشعراء وقال بعضهم‏:‏

بكره سراتنا يا آل عمرو *** نفاديكم بمرهفة النّضال

فنبكي حين نذكركم عليكم *** ونقتلكم كأنّا لا نبـالـي

وقال عديّ بن زيد‏:‏

وظلم ذوي القربى أشدّ مضـاضةً *** على المرء من وقع الحسام المهنّد

وقال غيره‏:‏

سآخذ منكم آل حـزنٍ لـحـوشـبٍ *** وإن كان مولاي وكنتم بنـي أبـي

إذا كنت لا أرمي وترمي عشيرتـي *** تصب جائحات النّبل كشحي ومنكبي

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ حدّثنا أبو الخطاب قال‏:‏ حدّثنا الوليد بن سلم عن محمد بن السائب البكريّ عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏حقٌّ كبير الإخوة على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده‏"‏‏.‏

للعرب في العطف مع القرابة والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن وادًّا‏:‏ ‏"‏أنفك منك وإن ذنّ‏"‏‏.‏ ومثله‏:‏ ‏"‏عيصك منك وإن كان أشبًا‏"‏‏.‏

شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولب‏:‏

إذا كنت من سعدٍ وأمّك فـيهـم *** غريبًا فلا يغررك خالك من سعد

فإن ابن أخت القوم مصغىً إناؤه *** إذا لم يزاحم خاله بـأبٍ جـلـد

شعر أمية بن أبي عائذ لإياس بن سهم وقال أميّة بن أبي عائذ لإياس بن سهم‏:‏

أبلغ إياسًا أنّ عرض ابن أخـتـكـم *** رداؤك فاصطن حسنـه أو تـبـذّل

فإن تك ذا طولٍ فإنّي ابن أخـتـكـم *** وكلّ ابن أخت من مدى الخال معتلي

فكن أسدًا أو ثعلـبـًا أو شـبـيهـه *** فمهما تكن أنسب إلـيك وأشـكـل

وما ثعلبٌ إلا ابن أخـت ثـعـالـبٍ *** وإن ابن أخت اللّيث رئبال أشـبـل

شعر بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمله وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمّه بهذه الأبيات‏:‏

جفاني الأمير والمغيرة قد جفـا *** وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه

وكلّهم قد نال شبعًا لـبـطـنـه *** وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه

فيا عمّ مهلًا واتّخذني لنـوبةٍ *** تنوب، فإن الدّهر جمّ عجائبه

أنا السيف إلا أن للسيف نبوةً *** ومثلي لا تنبو عليك مضاربه

لرجل من الأشراف يعيب أخاه عند بعض الملوك دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه ويشتمه، وفي المجلس رجل يشنؤه فشرع معه في القول؛ فقال له‏:‏ مهلًا‏!‏ إنّي لآكل لحمي ولا أدعه لآكل‏.‏

ويقال‏:‏ القرابة محتاجة إلى المودّة، والمودّة أقرب الأنساب‏.‏ والبيت المشهور في هذا‏:‏

فإذا القرابة لا تقرّب قاطعًا *** وإذا المودّة أقرب الأنساب

لبزر جمهر في الأخ الصديق وقيل لبزر جمهر‏:‏ أخك أحبّ إليك أم صديقك‏؟‏ فقال‏:‏ إنما أحبّ أخي إذا كان صديقًا‏.‏

شعر لخداش بن زهير، ولآخرين وقال خداش بن زهير‏:‏

رأيت ابن عمي باديًا لي ضغنـه *** وواغره في الصدر ليس بذاهب

وأنشدنا الرّياشي‏:‏

حياة أبي السّيار خيرٌ لـقـومـه *** لمن كان قد ساس الأمور وجرّبا

ونعتب أحيانًا عليه ولو مـضـى *** لكنا على الباقي من الناس أعتبا

وقال الشاعر‏:‏

ولم أر عزًّا لامرىءٍ كـعـشـيره *** ولم أر ذلًا مثل نأي عـن الأهـل

ولم أر مثل لفقر أوضع للـفـتـى *** ولم أر مثل المال أرفـع لـلـرّذل

ولم أر من عدمٍ أضرّ على الفـتـى *** إذا عاش وسط الناس من عدم العقل

للمهلهل وقد زوّج ابنته في اليمن كان مهلهلٌ صار إلى القبيلة من اليمن يقال لهم جنبٌ، فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كارهٌ لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدمًا؛ فقال‏:‏

أنكحها فقدها الأراقم في *** جنبٍ وكان الحباء من أدم

لو بأبانين جاء يخطبـهـا *** رمّل ما أنف خاطبٍ بدم

شعر للأعشى وقال الأعشى‏:‏

ومن يغترب عن قومه لا يزال يرى *** مصارع مظلومٍ مجرًّا ومسحـبـا

وتدفن منه الصالحات وإن يسـيء *** يكن ما أساء النار في رأس كبكـا

وربّ بقيع لو هـتـفـت بـجـوّه *** أتاني كريمٌ ينغض الرأس مغضبـا

لرجل من غطفان وقال رجل من غطفان‏:‏

إذا أنت لم تستبق ودّ صـحـابةٍ *** على دخنٍ أكثرت بثّ المعاتب

وإنّي لأستبقي أمرأ السّوء عدّةً *** لعدوة عرّيضٍ من الناس عائب

أخاف كلاب الأبعدين ونبحهـا *** إذا لم تجاوبها كلاب الأقـارب

بين عبيد اللّه بن أبي بكرة ورجل قال رجل لعبيد اللّه بن أبي بكرة‏:‏ ما تقول في موت الوالد‏؟‏ قال‏:‏ ملك حادث‏.‏ قال‏:‏ فموت زوج‏؟‏ قال‏:‏ عرس جديد‏.‏ قال‏:‏ فموت الأخ‏؟‏ قال‏:‏ قصّ الجناح‏.‏ قال‏:‏ فموت الولد‏؟‏ قال‏:‏ صدعٌ في الفؤاد لا يجبر‏.‏

وكان يقال‏:‏ العقوق ثكل من لم يثكل‏.‏

لعثمان يشكو عليًا إلى العباس رضي اللّه عنهم شكا عثمان عليًّا إلى العباس رضي اللّه عنهم؛ فقال‏:‏ أنا منه كأبي العاقّ، إن عاش عقّه وإن مات فجعه‏.‏

بين رجل وأبيه وقال رجل لأبيه‏:‏ يا أبت، إن عظيم حقّك عليّ لا يذهب صغير حقّي عليك، والذي تمتّ به إليّ أمتّ بمثله إليك، ولست أزعم أنّا على سواء‏.‏

بين زيد علي بن لحسين وابنه يحيى وقال زيد بن علي بن الحسين لابنه يحيى‏:‏ إن اللّه لم يضرك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك‏.‏

بين لأحنف ومعاوية لما غضب على ابنه يزيد غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له الأحنف‏:‏ يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلًا فيملّوا حياتك ويتمنّوا موتك‏.‏

لأعرابي عقّه ابنه قيل لأعرابيّ‏:‏ كيف ابنك‏؟‏- وكان عاقًّا- فقال‏:‏ عذابّ رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشكر‏.‏

لبعضهم في أحب أولاده إليه قيل لبعضهم‏:‏ أيّ ولدك أحبّ إليك‏؟‏ قال‏:‏ صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم‏.‏

بين عمر بن الخطاب ورجل ناول عمر بن الخطاب رجلًا شيئًا؛ فقال له‏:‏ خدمك بنوك‏.‏ فقال عمر‏:‏ بل أغنانا اللّه عنهم‏.‏

للحسن وقد ولد له غلام

وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه‏:‏ بارك اللّه لك في هبته، وزادك من أحسن نعمته‏.‏ فقال الحسن‏:‏ الحمد للّه على كلّ حسنة، ونسأل اللّه الزيادة في كل نعمة، ولا مرحبًا بمن إن كنت عائلًا أنصبي، وإن كنت غنيًا أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعيًا، ولا بكدّي له في الحياة كدًّا، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حالٍ لا يصل إليّ من غمّه حزن ولا من فرحة سرور‏.‏

شعر لابن الأعرابي عاتبه أبوه على شرب النبيذ قال الأصمعي‏:‏ عاتب أعرابي ابنه في شرب النبيذ، فلم يعتب وقال‏:‏

أمن شربةٍ من ماء كرم شربـتـهـا *** غضبت عليّ‏!‏ الآن طاب لي الخمر

سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما *** إليّ لذيذٌ‏:‏ أن أعقـك والـسـكـر

شعر الطرماح لابنه صمصامة وقال الطرماح لابنه صمصامة‏:‏

أصمصام إن تشفع لأمك تلقـهـا *** لها شافع في الصدر لم يتبـرح

هل الحبّ إلاّ أنّها لو تعـرضـت *** لذبحك يا صمصام قلت لها أذبحي

أحاذر يا صمصام إن متّ أن يلي *** تراثي وإيّاك امرؤ غير مصلـح

إذا صكّ وسط القوم رأسك صكّةً *** يقول له الناهي ملكت فاسـجـح

لابن الأعرابي، وغيره وأنشد ابن الأعرابي‏:‏

أحبّ بنـيتـي ووددت أنـي *** دفنت بنيتي في قعر لـحـد

وما بي أن تهون عليّ لكـن *** مخافة أن تذوق البؤس بعدي

ونحوه قول آخر‏:‏

لولا أميمة لم أجزع من الـعـدم *** ولم أجب في الليالي حندس الظّلم

وزادني رغبةً في العيش معرفتي *** ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرّحـم

أحاذر الفقر يومًا أن يلـمّ بـهـا *** فيهتك السّتر من لحمٍ على وضم

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقـًا *** والموت أكرم نزّالٍ على الحرم

وقال أعرابيّ في ابنته‏:‏

يا شقّة النفس إن النفس والـهةٌ *** حرّى عليك ودمع العين منسجم

قد كنت أخشى عليها أن تقدّمني *** إلى الحمام فيبدي وجهها العدم

فالآن نمت فلا همّ يؤرقـنـي *** تهدا العيون إذا ما أودت الحرم

وقال أعشى سليم‏:‏

نفـســي فـــداؤك مـــن وافـــدٍ *** إذا مـا الـبـيوت لـبـسـن الـجـلـيدا

كفـيت الـذي كـنـت أرجــى لـــه *** فصـرت أبـًا لـي وصـرت الـولــيدا

لأعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء ***

وقال أعشى همدان في خالد‏"‏بن عتّاب‏"‏بن ورقاء‏:‏

فإن يك عتابٌ مضى لسبـيلـه *** فما مات من يبقى له مثل خالد

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏ريح الولد من ريح الجنة‏"‏‏.‏

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد ابني بنته‏:‏ إنّكم لتجبّنون وإنكم لمن ريحان اللّه‏"‏‏.‏

لأعرابية وقالت أعرابية‏:‏

يا حبّذا ريح الولـد *** ريح الخزامى بالبلد

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ هذا يدلّك على تفضيلهم الخزامى‏.‏

وكان يقال‏:‏ إبنك ريحانك سبعًا، وخادمك سبعًا، ثم عدوٌّ أو صديق‏.‏

بين أعرابي يبحث عن ابنه وقوم مرّ أعرابيٌّ ينشد ابنًا له بقوم، فقالوا‏:‏ صفه‏.‏ فقال‏:‏ دنينيرٌ‏.‏ قالوا‏:‏ لم نره‏.‏ فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعلٍ؛ فقالوا‏:‏ ما وجدت ابنك يا أعرابيّ‏؟‏ قال‏:‏ نعم هو هذا‏.‏ قالوا‏:‏ لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال منذ اليوم بين أيدينا‏.‏

لشاعر في امرأة قال الشاعر في امرأة‏:‏

نعم ضجيج الفتى إذا برد ال *** ليل سحيرًا وقرقف الصّرد

زيّنها اللّه في العيون كمـا *** زيّن في عين والـدً ولـد

في الأثر وفي الحديث‏:‏ ‏"‏من كان له صبيٌّ فليستصب له‏"‏للزبير يرقّص وقال الزبير وهو يرقّص ابنًا له‏:‏

أبيض من آل أبي عتيق *** مباركٌ من ولد الصّديق

ألذّه كما ألذّ ريقي لأعرابي يذكر أولاده وقال أعرابيّ‏:‏

لولا بنيّاتٌ كـزغـب الـقـطـا *** حططن من بعضٍ إلى بـعـض

لكان لـي مـضـطـربٌ واسـعٌ *** في الأرض ذات الطّول والعرض

وإنـمـا أولادنـا بـينــنـــا *** أكبادنا تمـشـي عـلـى الأرض

لو هبّت الريح على بـعـضـهـم *** لامتنعت عيني من الـغـمـض

أنزلني الدهر عـلـى حـكـمـه *** من مرقبٍ عالٍ إلـى خـفـض

وابتزّني الدهر ثياب الغنـى *** فليس لي مالٌ سوى عرضي

لبعض النسّابة في سعد العشيرة قال بعض النّسّابين‏:‏ إنما قيل‏:‏ سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من ولده، فكأنهم عشيرة‏.‏

لضرار بن عمرو الضبي وقال ضرار بن عمرو الضّبيّ، وقد رئي له ثلاثة عشر ذكرًا قد بلغوا‏:‏ من سرّه بنوه ساءته نفسه‏.‏

شعر لبشر بن أبي خازم قال بشر بن أبي خازم‏:‏

إذا ما علوا قالوا أبونا وأمّـنـا *** وليس لهم عالـين أمّ ولا أب

وقال آخر‏:‏ ***

أنا ابن عمّك إن نابتك نائبةٌ *** وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا

للرياشي، وغيره وأنشدنا الرّياشي‏:‏

الرّحم بلّها بخـير الـبـلاّن *** فإنّ فيها للدّيار العـمـران

وآمر المال وبنت الصّغـران *** وإنما اشتقّت من اسم الرحمن

وقال المعلوط‏:‏

ومن يلق ما ألقى وإن كـان سـيّدا *** ويخش الذي أخشى يس سير هارب

مخافة سلطـانٍ عـلـيّ أظـنّـه *** ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب

بين عثمان بن عفان وابنته اوزوجها دخل عثمان بن عفّان على ابنته وهي عند عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فقال‏:‏ يا بنيّة‏:‏ ما لي أراك مهزولةً‏؟‏ لعلّ بعلك يغيرك‏؟‏ فقالت‏:‏ لا، ما يغيرني‏.‏ فقال لزوجها‏:‏ لعلّك تغيرها‏!‏ قال‏:‏ فأفعل، فلغلامٌ يزيد اللّه في بني أميّة أحبّ إليّ منها‏.‏

شعر للنعمان بن بشير في القريب قال النعمان بن بشير‏:‏

وإني لأعطي المال من ليس سائلًا *** وأدرك للمولى المعاند بالـظـلـم

وإني متى ما يلقني صارمـًا لـه *** فما بيننا عند الشدائد مـن صـرم

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى *** ولكنما المولى شريكك في العـدم

إذا متّ ذو القربى إليك برحـمـه *** وغشّك واستغنى فليس بذي رحـم

ولكنّ ذا القربى الذي يستـخـفّـه *** أذاك ومن يرمي العدوّ الذي ترمي

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

لقد زاد الحـياة إلـيّ حـبّـا *** بناتي أنّهن من الضّـعـاف

مخافة أن يرين البؤس بعدي *** وأن يشربن رنقًا بعد صافي

وأن يعرين إن كسي الجواري *** فتنبوا العين عن كرمٍ عجاف

لعلي بن الحسين وقد سئل عن عدم مؤاكلته أمّه قيل لعلّي بن الحسين‏:‏ أنت من أبرّ الناس ولا نراك تؤاكل أمّك‏.‏ قال‏:‏ أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها‏.‏

لعمر بن ذر في برّ ابنه به قيل لعمر ذرّ‏:‏ كيف كان برّ ابنك بك‏؟‏ قال‏:‏ ما مشيت نهارًا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلًا إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحًا وأنا تحته‏.‏

بين عمر ورجل كبير يذكر ابنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن عطاء بن السائب عن عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده‏:‏

تركت أباك مرعـشةً يداه *** وأمّك ما تسيغ لها شرابا

إذا غنّت حمامة بطن وجٍّ *** على بيضاتها ذكرت كلابا

فقال عمر‏:‏ ممّ ذاك‏؟‏ قال‏:‏ هاجر إلى الشأم وترك أبوين له كبيرين‏.‏ فبكى عمر وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحّله، فقدم عليه، فقال‏:‏ برّ أبويك وكن معهما حتى يموتا‏.‏ قال أبو اليقظان‏:‏ مربّعة كلاب بالبصرة إليه تنسب والعوامّ تقول مربّعة الكلاب‏.‏

شعر لأبي علي الضرير قال أبو علي الضرير‏:‏

أتيتك جذلان مـسـتـبـشـرًا *** لبشراك لما أتانـي الـخـبـر

أتاني البشير بأن قـد رزقـت *** غلامًا فأبهجـنـي مـا ذكـر

وأنّك، والرشد فـيمـا فـعـل *** ت، أسميته باسم خير البـشـر

وطهّـرتـه يوم أسـبـوعـه *** ومن قبل في الذّكر ما قد طهر

فعمّرك الـلّـه حـتـى تـرا *** ه قد قارب الخطو منه الكبـر

وحتى ترى حوله مـن بـنـيه *** وإخوتـه وبـنـيهـم زمـر

وحتى يروم الأمور الجـسـام *** ويرجى لنفع ويخشى لـضـرّ

وأوزعك اللّه شكر العـطـاء *** فإن المزيد لـعـبـدٍ شـكـر

وصلّى على السّلف الصالحـي *** ن منكم وبارك فيمـن غـبـر

وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضًا‏.‏

للمأمون في برّ الفضل بن يحيى بأبيه

قال المأمون‏:‏ لم أر أحدًا أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى كان لا يتؤضّأ إلا بماء مسخّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان يسخّن فيه الماء، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائمًا وهو في يده حتى أصبح‏.‏

لأعرابي يرّقص ابنه رقّص أعرابيٌّ ابنه وقال‏:‏

أحبّه حبّ الشّحيح مالـه *** قد كان ذاق الفقر ثم ناله

إذا يريد بذله بدا له بين عمرو بن العاص ومعاوية في البنات دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال‏:‏ من هذه يا أمير المؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ هذه تفّاحة القلب‏.‏ فقال‏:‏ انبذها عنك‏.‏ قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لأنهن يلدن الأعداء ويقرّبن البعداء، وورثن الضغائن‏.‏ فقال‏:‏ لا تقل ذاك يا عمرو، فو اللّه ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجدٌ خالًا قد نفعه بنو أخته فقال له عمرو‏:‏ ما أعلمك إلا حّببتهنّ إليّ‏.‏

الاعتذار

كان يقال‏:‏ الأعتراف يهدم الأقتراف كتاب اعتذار لبعض الكتّاب كتب بعض الكتّاب إلى بعض العمال‏:‏ لو قابلت حقّك عليّ بمتقدّم ومؤكّد الحرمة إلى ما جدّده اللّه لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب دون تجشّم الرّحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن الشغل بما ألفيت عليه أموري من الأنتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا خيار معه؛ أحلّني في الظاهر محلّ المقصّرين؛ وإن وهب اللّه فرجةً من الشغل وسهّل سبيلًا إليك، لم أتخلّف عمّا لي فيه الحظّ من مجاورتك والتنسّم بريحك والتيمّن بالنظر إليك، غاديًا ورائحًا عليك، إن شاء اللّه تعالى كتاب ابن الجهم وهو في الحبس إلى نجاح كتب ابن الهجم إلى نجاح من الحبس‏:‏

إن تعف عن عبدك المسىء ففي *** فضلك مأوىً للصّفح والمنـن

أتيت ما استحـقّ مـن خـطـا *** فعدّ لما تستحق مـن حـسـن

للحسن بن وهب يعتذر وكتب الحسن بن وهب‏:‏

ما أحسن العفو من القـادر *** لا سيّما عن غير ذي ناصر

إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي *** فما له غيرك من غـافـر

أعوذ بالودّ الـذي بـينـنـا *** أن يفسـد الأول بـالآخـر

اعتذار جعفر بن يحيى لرجل استبطأه العطاء كتب رجلٌ إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقّع في ظهر كتابه‏:‏ أحتجّ عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النيّة لبعض الشعراء قال بعض الشعراء‏:‏

وتعذر نفسك إمّـا أسـات *** وغيرك بالعذر لا تـعـذر

وتبصر في العين منه القذى *** وفي عينك الجذع لا تبصر

وقال بعض الشعراء‏:‏

ياذا المميّز لـلأخـاء ولـل *** إخوان في التفضيل والقدر

لا يقبضنك عن معاشرتـي *** بالأنس أن قصّرت في برّي

إني إذا ضاق امرؤ بـجـدًا *** عنّي استعنت عليه بالعـذر

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏من لم يقبل من معتذرٍ صادقًا كان أو كاذبًا لم يرد عليّ الحوض‏"‏وفيه‏:‏ ‏"‏أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم‏"‏بين أبي عبيد اللّه الكاتب ورجل اعتذر إليه إعتذر رجل إلى أبي عبيد اللّه الكاتب فقال‏:‏ ما رأيت عذرًا أشبه باستئناف ذنبٍ من عذرك‏.‏

ما قيل في أعجل الذنوب وكان يقال‏:‏ أعجل الذنوب عقوبةً العذر، واليمين الفاجرة، وردّ التائب وهو يسأل العفو خائبًا‏.‏

وقال مطّرف‏:‏ المعاذر مكاذب إبراهيم النخعي يرد على رجل اعتذر إليه اعتذر رجل إلى إبراهيم فقال له‏:‏ قد عذرتك غير معتذرٍ، إن المعاذير يشوبها الكذب‏.‏

ويقال‏.‏ ما اعتذر مذنبٌ إلا ازداد ذنبًا وقال الشاعر‏:‏

لا ترج رجعة مذنب *** خلط احتجاجًا باعتذار

اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة، فقبل منه وقال‏:‏ لا يدعونّك أمر تخلصت منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه‏.‏

لبعض الشعراء وقال الشاعر‏:‏

فلا تعذراني في الإسـاءة إنـه *** شرار الرجال من يسيء فيعتذر

وقال ابن الطّثريّة‏:‏

هبيني امرًا إما بريئًا ظلمته *** وإما مسيئًا تاب بعد وأعتبا

وكنت كذي داءٍ تبغّي لدائه *** طبيبًا فلما لم يجده تطبّبـا

اعتذار لبعض الكتّاب

كتب بعض الكتّاب معتذرًا‏:‏ توهّمت، أعزك اللّه، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان كتابي هذا بإسمي، لما تضمنتّه من السّخيمة عليّ، فأخليته منه؛ وانتظرت باستعطافك من طويّتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدّين الحقد، واختصرت من الإحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والإعتذار المتعاود بين النّظراء، والإقرار المثّبت للأقدام، الإستسلام لك‏.‏ على أنك إن حرمتني رضاك اتّسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغّر صدرك لم تضق من الرّقة عليّ من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي نازعةٌ بك إلى استتمامها لديّ‏.‏ ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من خوّلوا بالإحسان‏.‏ ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت‏.‏ كتبت وإنا على ما تحبّ بشرًا إن تغمدت زّلتي، وكما تحب ضرًا إن تركت إقالتي، وبخيرٍ في كلتا الحالتين ما بقيت‏.‏

وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف‏:‏ كم عسى أن يكون انتظاري لعطفك‏!‏ وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا أني مضطرٌ إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري‏.‏ لقد استحييت واستحييت من ذلّي وعزّك، وخفضي جناحي ونأيٍ بجانبك‏.‏

وفي كتاب آخر‏:‏ قد أودعني اللّه من نعمك ما بسطني في القول مدلًا به عليك، ووكّد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك مالا أخاف معه نبوات الزمان عليّ فيك، وأمّنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ فأقدمت ثقةً بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت، وبأخذك بالفضل إن زللت‏.‏

من كتاب اعتذار وفي كتاب اعتذار‏:‏ أنا عليلٌ منذ فارقتك، فإن تجمع عليّ العلّة وعتبك أفدح‏.‏ على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجالٍ فوصلت به قولي‏:‏

لك الحق إن تعتب عليّ لأنني *** جفوت وإمّا تغتفر فلك الفضل

أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضّلك بقبوله وإن أبلك يمح إفراطي في البرّ بك تفريطي فيه وإلى ذلك ما أسالك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد اللّه في أسره لك‏.‏

وفي فصل آخر‏:‏ أنا المقرّ بقصوري عن حقكّ واستحقاقي جفاءك، وبفضلك من عذلك أعوذ، فو اللّه لئن تأخرّ كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودّتك، ولطيف عنايتك‏.‏كيف يسلاك أو ينساك أخٌ مغرمٌ بك يراك زينة مشهدة ومغيبة‏!‏

وكيف أنساك لا أيديك واحـدةٌ *** عندي ولا بالذي أوليت من نعم

وفي آخر الكتاب‏:‏

إذا اعتذر الصديق إليك يومًا *** من التقصير عذر أخٍ مقرّ

فصنه عن عتابك واعف عنه *** فإن الصفح شيمة كلّ حـرّ

شعر للخليل بن أحمد في الإعتذار وقال الخليل بن أحمد‏:‏

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني *** أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتـنـي *** وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكـا

لبزر جمهر وقد سئل عن عدم معاتبة الجهلة قيل لبزر جمهر‏:‏ ما بالكم لا تعاتبون الجهلة‏؟‏ قال‏:‏ لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا‏.‏

شعر لابن الدمينة وقال ابن الدّمينة‏:‏

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له *** ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل *** به ضعفةٌ حتى يقـال مـريب

لرجل يعتذر إلى صديقه وكتب رجل إلى صديق له يعتذر‏:‏ أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلاّ من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلاّ بالإعتراف بالزّلة‏.‏

وقرأت في كتاب‏:‏ لست أدري بأيّ شيء استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت عليّ به حكم قطيعتك، فواللّه ما صدق عليّ ولا كاد، ولا استجزت ما توهّمته فيمن لا يلزمني حقّه‏.‏

وأعيذك باللّه من بدارٍ إلى حكم يوجب الإعتذار، فإن الأناة سبيل أهل التّقى والنّهى؛ والظنّ والإسراع إلى ذوي الإخاء ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللّقاء‏.‏

لإسماعيل بن عبد اللّه يعتذر في آخر يوم من شعبان قال إسماعيل بن عبد اللّه وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان‏:‏ واللّه فإني في غبّر يومٍ عظيم، وتلقاء ليلة تفتّر عن أيامٍ عظامٍ، ما كان ما بلغك‏.‏

كتاب اعتذار

وقرأت في كتاب معتذرٍ‏:‏ إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة اللّه عندك؛ ستقبل العذر على معرفةٍ منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقينٍ من صدق النيّة، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن‏.‏

بين جعفر البرمكي ورجل اعتذر إليه اعتذر رجلٌ إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر‏:‏ قد أغناك اللّه بالعذر منّا عن الإعتذار، وأعنانا بالمودّة لك عن سوء الظن بك‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائبًا *** إليك فلم تغفر له فلك الذنب

بين الحسن وورد بن عاصم المبرسم وقد هجاه ثم اعتذر له كان الحسن بن زيد بن الحسن واليًا للمنصور على المدينة، فهجاه ورد بن عاصم المبرسم فقال‏:‏

له حقٌّ وليس علـيه حـقٌّ *** ومهما قال فالحسن الجميل

وقدكان الرسول يرى حقوقًا *** عليه لأهلها وهو الرسول

فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثلٌ بين يديه يقول‏:‏

سيأتي عذري الحسن بن زيدٍ *** وتشهد لي بصفّين القبـور

قبورٌ لو بأحمد أو عـلـيًّ *** يلوذ مجيرها حفظ المجير

هما أبواك من وضعا تضعه *** وأنت برفع ما رفعا جدير

فاستخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه‏.‏

في كتاب لمعتذر وفي كتاب لمعتذرٍ‏:‏ علوّ الرّتبة واتّساع القدرة وانبساط اليد بالسّطوة، ربما أنست ذا الحنق المحفظ من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصّفح وما في إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء غيظه، وحرّكته على تبريد غلّته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من عادته‏.‏ وهمّتك تجلّ عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظّفر‏.‏ فصل في الإعتذار وفي فصل‏:‏ نبت بي عنك غرّة الحداثة فردّتني إليك الحنكة، وباعدتني عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقةً بإسراعك إليّ وإن كنت أبطأت منك، وقبولك العذر وإن كنت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصّفح؛ فأيّ موقفٍ هو أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك‏!‏ وأيّ خطّةٍ هي أودى بصاحبها من خطّةٍ أنا راكبها لولا أنها في رضاك‏!‏‏.‏

بين الحجاج وعمرو بن عتبة أوقع الحجاج يومًا بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة‏:‏ فقال عمرو‏:‏ إن خالدًا أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديمٍ غلب عليه وحديث لم يسبق إليه‏.‏ فقال الحجّاج معتذرًا‏:‏ يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا، فتعرّضنا للذي تحبون‏.‏

بين أبي مسلم وقائدٍ له تطاول عليه وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى عليه القائد إلى أن قال له‏:‏ يا لقيط‏!‏ فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال‏:‏ أيها الأمير، واللّه ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي‏.‏ قال‏:‏ قد فعلت‏.‏ فقال‏:‏ إني أحبّ أن أستوثق لنفسي‏.‏ فال أبو مسلم‏:‏ سبحان اللّه‏!‏ كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء‏!‏‏.‏

شعر للطائي‏:‏

وكم ناكثٍ للعهد قد نكثت بـه *** أمانيه واستخذي بحقّك باطله

فحاط له الإقرار بالذنب روحه *** وجثمانه إذ لم تحطه قبـائلـه

وقال آخر‏:‏

حتى متى لا تزال معتذرًا *** من زلّة منك ما تجانبها

لا تتّقي عيبها علـيك ولا *** ينهاك عن مثلها عواقبها

لتركك الذنب لا تقارفـه *** أيسر من توبةٍ تقاربهـا

أعرابي يخاطب ابن عم له قال أعرابيّ لابن عمٍّ له‏:‏ سأتخطّى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقينٍ ومن الآخر على شكّ؛ ليتمّ المعروف منّي إليك، ولتقوم الحجّة مني عليك‏.‏

عتب الإخوان والتباغض والعداوة

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني الزّيّادي قال‏:‏ حدّثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها سمعت هشام بن عامر يقول‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏"‏لا يحلّ لمسلم أن يصارم مسلمًا فوق ثلاثٍ، وأيّهما فعل فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صرمهما وإن ماتا لا يدخلان الجنة‏"‏‏.‏

لبعض الشعراء في توارث العداوة، ومثله لأبي بكر رضي اللّه عنه قال بعض الشعراء‏:‏

سنّ الضغائن آباءٌ لنا سلفوا *** فلن تبيد وللآباء أبـنـاء

هذا مثل قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه‏:‏ العداوة تتوارث‏.‏

من كتاب الهند وقرأت في كتاب الهند‏:‏ إذا كانت الموجدة عن علّة كان الرضا مرجوًّا، وإذا كانت غير علة كان الرضا معدومًا‏.‏ ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه‏.‏

قال بعض لمحدثين‏:‏

فلا تله عن كسب ودّ العدوّ *** ولا تجعلنّ صديقًا عـدوًّا

ولا تغتر بهـدوّ امـرىءٍ *** إذا هيج فارق ذلك الهدوّا

وقال آخر‏:‏

إحـــذر مــــودّة مـــــــاذقٍ *** شاب الـمـرارة بــالـــحـــلاوة

يحصي العيوب عليك أيام الصداقة والعداوة ***

شعر لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدّؤليّ‏:‏

إذا المرء ذو القربى الضّغن أجحفت *** به سنةٌ حلّت مصيبـتـه حـقـدي

شعر محمد بن أبان اللاحقي يخاطب أخاه إسماعيل وقال محمد بن أبان اللاّحقي لأخيه إسماعيل‏:‏

تلوم على القطيعة من أتاها *** وأنت سننتها في الناس قبلي

وقال آخر‏:‏

وروّعت حتى ما أراع من النّـوى *** وإن بان جـيران عـلـيّ كـرام

فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي *** وعيني على هجر الصديق تـنـام

ولأحمد بن يوسف قال أحمد بن يوسف الكاتب‏:‏

ما على ذا كنّا افترقنا بسنـدا *** ولا بيننا عـقـدنـا الإخـاء

نطعن الناس بالمثقّفة الـسّـم *** ر على غدرهم وننسى الوفاء

لأفلاطون قيل لأفلاطون‏:‏ بماذا ينتقم الإنسان عدوّه‏؟‏ قال‏:‏ بأن يزداد فضلًا في نفسه‏.‏

وكان يقال‏:‏ إحذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز‏.‏

كتاب رجل إلى صديق له تجنّي عليه كتب رجل من الكتاب إلى صديقٍ تجنّى عليه‏:‏

عتبت عليّ ولا ذنـب لـي *** بما الذنب فيه ولا شكّ لـك

وحاذرت لومي فبادرتـنـي *** إلى اللوم من قبل أن أبدرك

فكنّا كما قيل فيما مـضـى *** خذ اللّصّ من قبل أن يأخذك

وقال آخر‏:‏

رأيتك لما نلت مالًا، ومسّـنـا *** زمانٌ ترى في حدّ أنيابه شغبا

جعلت لنا ذنبًا لتمـنـع نـائلًا *** فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا

وقال آخر‏:‏

تريدين أن أرضى وأنـت بـخـيلةٌ *** ومن ذا الذي يرضي الأخلاّء بالبخل

وجدّك لا يرضى إذا كان عـاتـبـًا *** خليلـك إلا بـالـمـودّة والـبـذل

متى تجمعني منّـًا كـثـيرًا ونـائلًا *** قليلًا يقطّع ذاك باقـية الـوصـل

من رجل لصديق له كتب رجل إلى صديق له‏:‏

لئن ساءني أن نلتني بمسـاءةٍ *** لقد سرّني أنّي خطرت ببالك

وقال آخر‏:‏

إذا رأيت ازورارًا مـن أخـي ثـقةٍ *** ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني

فإن صددت بوجهي كـي أكـافـئه *** فالعين غضبي وقلبي غير غضبـان

لإبراهيم بن العباس، وآخرون وقال إبراهيم بن العباس‏:‏

وقد غضبـت فـمـا غـضـبـي *** حتى انصرفت بقلبٍ ساخطٍ راضي

وقال زهير‏:‏

وما يك في عدوّ أو صديقٍ *** تخبّرك العيون عن القلوب

وقال دريد‏:‏

وما تخفى الضغينة حيث كانت *** ولا النظر الصحيح من السقيم

وقال ابن أبي خازم‏:‏

خذ من الدهر ما كفى *** ومن العيش ما صفا

لا تلحّن بـالـبـكـا *** ء على منزلٍ عـفـا

خلّ عنك العتـاب إن *** خان ذو الودّ أو هفـا

عين من لا يحبّ وص *** لك تي لك الجـفـا

لأعرابي يذكر أعداءً وقال أعرابيّ يذكر أعداءً‏:‏

يزمّلون جنين الضّـغـن بـينـهـم *** والضغنّ أشوة أو في وجهه كلـف

إن كاتمونا القلى نمّـت عـيونـهـم *** والعين تظهر ما في القلب أو تصف

لأبن أبي أمية وقال ابن أبي أمية‏:‏

كم فرحةٍ كانت وكم ترحةٍ *** تخرّصتها لي فيك الظنون

إذا قلوبٌ أظهرت غير ما *** تضمره أنبتك عنها العيون

وقال آخر‏:‏

أما تبصر في عـين *** يّ عنوان الذي أبدي

وقال آخر‏:‏

ومولىً كأنّ الشمس بيني وبينه *** إذا ما التقينا ليس ممنّ أعاتبه

يقول‏:‏ لا أقدر‏"‏أن‏"‏أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه‏.‏

ومثله‏:‏

إذا أبصرتني أعرضت عنّي *** كأنّ الشمس من قبلي تدور

شعر للنمر بن تولب في الإعراض وقال النّمر بن تولب في الإعراض‏:‏

فصدّت كأن الشمس تحت قناعها *** بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب

مثله لأبي نواس أخذه أبو نواس، فقال‏:‏

يا قمرًا للنّصف من شهره *** أبدى ضياءً لثمانٍ بقـين

يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه‏.‏

شعر في الضغينة وقال آخر في الضغينة‏:‏

وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغـنٌ *** كما طرّ أوبار الجراب على النّشر

وقال آخر في نحوه‏:‏

وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى *** وتبقى حزازات النفوس كما هـيا

وقال الأخطل‏:‏

إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمـت *** كالعرّ يكمن حينًا ثم ينتـشـر

شمس العداوة حتى يستقاد لهـم *** وأعظم الناس أحلامًا إذا قدروا

من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند‏:‏ ليس بين عداوة الجوهريّة صلحٌ إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صبّ عليها‏.‏

بين سعد بن أبي وقّاص وعمّار بن ياسر قال سعد بن أبي وقّاص لعمّار بن ياسر‏:‏ إن كنا لنعدّك من أكابر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء الحمار فعلت وفعلت‏.‏ قال‏:‏ أيّما أحبّ إليك‏:‏ مودّة على دخلٍ أو مصارمةٌ جميلة‏؟‏ قال‏:‏ مصارمةٌ جميلة‏.‏ قال‏:‏ للّه عليّ ألاّ أكلمت أبدًا‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في صديقٍ له تغيّر‏:‏

احول عنّي وكان ينظر مـن *** عيني ويرمي بساعدي ويدي

وقال المثقّب العبديّ‏:‏

ولا تعدي مواعد كـاذبـاتٍ *** تمرّ بها رياح الصيف دوني

فإني لو تعاندني شـمـالـي *** عنادك ما وصلت بها يميني

إذًا لقطعتها ولقلت بـينـي *** كذلك أجتوي من يجتوينـي

وقال الكميت‏:‏

ولكنّ صبرًا عن أخٍ عنك صابرٍ *** عزاءً إذا ما النفس حنّ طروبها

رأيت عذاب الماء إن حيل دونها *** كفاك لما لا بدّ منه شروبـهـا

وإن لم يكن إلا الأسنة مركـبٌ *** فلا رأي للمجهود إلا ركوبهـا

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ العدوّ إذا أحدث صداقة لعلةٍ ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد باردًا‏.‏

لمحمد بن يزداد الكاتب قال محمد بن يزداد الكاتب‏:‏ إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوّك فقبّلها قال الشاعر‏:‏

لقد زادني حبًّا لنفـسـي أنـنـي *** بغيضٌ إلى كل امرىءٍ غير طائل

إذا ما رآني قطّع الطرف دونـه *** ودوني فعل العارف المتجاهـل

ملأت عليه الأرض حتى كأنـهـا *** من الضّيق في عينيه كفّة حابـل

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ إعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي اللّه‏.‏

بين أزدي وتميمي الهيثم عن ابن عيّاش قال‏:‏ أخبرني رجل من الأزد قال‏:‏ كنا مع أسد بن عبد اللّه بخراسان، فبينا نحن نسير معه مقد مدّ نهرٌ فجاء بأمرٍ عظيم لا يوصف، وإذا رجل يضربه الموج وهو ينادي‏:‏ الغريق الغريق‏!‏ فوقف أسد وقال‏:‏ هل من سابح‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ إلحق الرجل‏!‏ فوثبت عن فرسي وألقيت عنّي ثيابي ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريبًا منه قلت‏:‏ ممن الرجل‏؟‏ قال‏:‏ من بني تميم‏.‏ قلت‏:‏ إمض راشدًا‏.‏ فواللّه ما تأخرت عنه ذراعًا حتى غرق؛ فقال ابن عياش‏:‏ فقلت له‏:‏ ويحك‏!‏ أما اتقيت اللّه‏!‏ غرّقت رجلًا مسلمًا‏!‏ فقال‏:‏ واللّه لو كنت معي لبنةٌ لضربت بها رأسه‏.‏

طاف رجل من الأزد بالبيت وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له‏:‏ ألا تدعو لأمك‏؟‏ فقال‏:‏ إنها تميميةٌ‏.‏

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم‏.‏

لبزر جمهر وقد أراد الملك أن يقتله ويتزوج ابنته

أراد الملك قتل بزر جمهر وأن يتزوّج ابنته بعد قتله؛ فقال‏:‏ لو كان ملككم حازمًا ما جعل بينه وبين شعاره موتورة‏.‏

لأبي حازم قال أبو حازم‏:‏ لا تناصبنّ رجلًا حتى تنظر إللى سريرته؛ فإن تكن له سريرةٌ حسنةٌ فإن اللّه لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئةً فقد كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي اللّه لم تقدر‏.‏

قال رجل‏:‏ إني لأغتنم في عدوّي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه‏.‏

شعر للأفوه الأودي وقال الأفوه الأودي‏:‏

بلوت الناس قرنًا بعـد قـرنٍ *** فلم أر غير خلاّبٍ وقـالـي

وذقت مرارة الأشياء جمعـًا *** فما طعمٌ أمرّ من الـسـؤال

ولم أر في الخطوب أشدّ هولًا *** وأصعب من معاداة الرجال

وقال آخر‏:‏

بلاءٌ لـيس يشـبـهـه بـلاءٌ *** عداوة غير ذي حـسـبٍ ودين

يبيحك منه عرضًا لم يصـنـه *** ويرتع منك في عرضٍ مصون

شماتة الأعداء

لعمرو بن عتبة وقد بلغه شماتة قوم به بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال‏:‏ واللّه لئت عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى اللّه لنا‏:‏ شبّانًا يشّبون الحروب، وسادةً يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت‏.‏

لأيوب النبي في شماتة الأعداء قيل لأيوب النبيّ عليه السلام‏:‏ أيّ شىء كان أشدّ عليك في بلائك‏؟‏ قال‏:‏ شماتة الأعداء ليزيد بن عبد الملك يعاتب هشامًا إشتكى يزيد بن عبد الملك شكاةً شديدةً وبلغه أنّ هشامًا سرّ بذلك، فكتب إلى هشام يعاتبه، وكتب في آخر الكتاب‏:‏

تمنّى رجالٌ أن أموت، وإن أمـت *** فتلك سبيلٌ لست فيهـا بـأوحـد

وقد عملوا، لو ينفع العلم عندهـم *** متى متّ ما الداعي عليّ بمخلـد

منيّته تجري لوقـتٍ وحـتـفـه *** يصادفه يومًا على غير مـوعـد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى *** تهيّأ لأخرى مثلها فـكـأن قـد

للفرزدق وقال الفرزدق‏:‏

إذا ما الدّهر جرّ على أناسٍ *** حوادثه أناخ بـآخـرينـا

فقل للشامتين بنا أفـيقـوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا

لأعرابي ذهبت إبله أغير على رجلٍ من الأعراب فذهب بإبله فقال‏:‏

لا والذي أنا عبدٌ في عبادتـه *** لولا شماته أعداءٍ ذوي إحـن

ما سرّني أن إبلي في مباركها *** وأنّ شيئًا قضاه اللّه لم يكـن

لعدي بن زيد العبادي وقال عدّي بن زيد العباديّ‏:‏

أرواحٌ مـــودعٌ أم بــــــكـــــــور *** لك فـانـظــر لأيّ حـــالٍ تـــصـــير

وابـيضـاض الـسـواد مـن نـذر الــمـــو *** ت فـهـل بـــعـــده لإنـــس نـــذير

أيّهـا الـشـامـت الـمـعـــيّر بـــالـــدّه *** ر أأنـت الـمـبـــرّأ الـــمـــوفـــور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام أم أنت جاهلٌ مغرور ***

من رأيت المنون خلّدن أم من *** ذا عـلـيه مــن أن يضـــام مـــجـــير

أين كـسـرى كـسـرى الـمـلـوك أنـوشــر *** وإن أم أين قـــبـــلـــه ســـابـــور

وأخـو الـحـضـر إذ بــنـــاه وإذ دجـــل *** ة تـجـبــى إلـــيه والـــخـــابـــور

شاده مـرمــرًا وجـــلّـــلـــه كـــل *** سًا فـلـلــطـــيّر فـــي ذراه وكـــور

لم يهـبـه ريب الـمـنـــون فـــبـــاد ال *** ملـك عـنـه فـبـابـه مـــهـــجـــور

وتـبـــيّن ربّ الـــخـــورنـــق إذ أش *** رف يومـًا ولـلـهــدى تـــفـــكـــير

سره حـــالـــه وكـــثـــرة مـــا يم *** لك والـبـحـر مـعـرضـًا والـــسّـــدير

فارعـوى قـلـبـه فـقــال ومـــا غـــب *** طة حـيٍّ إلـى الــمـــمـــات يصـــير

ثم بـعـد الـفـلاح والـمـلـك والـــنّـــع *** مة وارتـهـم هـنــاك الـــقـــبـــور

ثم أضـحـوا كــأنـــهـــم ورقٌ جـــفّ *** فألـوت بـه الـصّــبـــا والـــدّبـــور

شماتة نساء كندة بموت النبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر لرجل منهم قال ابن الكلبي‏:‏ لما قبض النبي صلى اللّه عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت فخضبن أيديهنّ وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم‏:‏

أبلغ أبا بكرٍ إذا مـا جـئتـه *** أنّ البغايا رمـن أيّ مـرام

أظهرن من موت النبي شماتة *** وخضبن أيديهنّ بـالـعـلاّم

فأقطع، هديت، أكفّهنّ بصـارمٍ *** كالبرق أومض من متون غمام

فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهنّ وقطعّ أيديهنّ‏.‏

في ذكر عدو وقرأت في كتاب ذكر فيه عدوّ‏:‏ فإنه يتربّص بك الدوائر، ويتمنّى لك الغوائل، ولا يؤمّل صلاحًا إلا في فسادك، ولا رفعةٍ إلا في سقوط حالك والسلام‏.‏

وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصّه‏:‏ آخر كتاب الإخوان، وهو كتاب السابع من عيون الأخبار، تأليف أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه‏.‏ وكتبه الفقير إلى اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين خمسمائة‏.‏ وصلى اللّه على سيدنا محمد النبيّ وآله الطاهرين‏.‏

وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي-وهو من زيادة الناسخ-‏:‏ قيل قدم المهدي أمير المؤمنين، وقيل الرشيد، فتلقّاه الناس، وتلقّاه أبو دلامة في جملة الناس، فأنشده‏:‏

إني نذرت لئن رأيتك سالمـًا *** بقرى العراق وأنت ذو وفر

لتصلّين على النبيّ محـمـد *** ولتملأن دراهمًا حـجـري

فقال له أمير المؤمنين‏:‏ أما الأولى فنعم‏.‏ اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة‏:‏ يا أمير المؤمنين ما نذرت إلا الثنين، فضحك وأمر حتى ملأوا حجره دراهم‏.‏

شاعر‏:‏

ولقد تنسمت الرياح لحاجتي *** فإذا لها من راحتيك نسـيم

ولربّما استيأست ثم أقول لا *** إن الذي ضمن النجاح كريم