فصل: العادة من المعروف تقطع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


العادة من المعروف تقطع

كان يقال‏:‏ انتزع العادة ذنبّ محسوبّ لأبي الأسود الدؤلي

وقال أبو الأسود‏"‏الدؤلـي‏"‏‏:‏

ليت شعري عن أميري ما الذي *** غاله في الودّ حتـى ودعـه

لا تهنّي بعد إذ أكرمـتـنـي *** وشديد عادةٌ مـنـتـزعـه

أذكر البلوى التي أبلـيتـنـي *** وكلامًا قلته في المجـمـعة

لا يكن برقك برقًا خـلّـبـًا *** إنّ خير البرق ما الغيث معه

للأعشى والمشهور في هذا قول الأعشي‏:‏

عوّدت كندة عادةً فاصبر لها *** واغفر لجاهلها وروّ سجالها

لأعرابي في القطع بعد العطاء سأل أعرابّي قومًا، فرقّ له رجلٌ منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقًا أيامًا ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابي‏:‏

تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه *** رأى أنه لا يستقيم له السّـرو

مثله لأبي زياد الكلابي وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة، فأجرى عليهم رجلٌ رغيفًا لكل رجلٍ ثم قطعه؛ فقال أبو زياد‏:‏

إن يقطع العباس عنا رغيفة *** فما يأتني من نعمة اللّه أكثر

والحكماء تقول‏:‏ ‏"‏العادة طبيعةٌ ثانيةٌ‏"‏في الأثر وفي الحديث‏:‏ ‏"‏الخير عادةٌ والشرّ لجاجةٌ‏"‏لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف‏:‏

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد *** أحدًا سواك إلى المكارم ينسب

فاصبر لعادتك التي عودتـنـا *** أولًا فأرشدنا إلى من نذهـب

من أقوال العرب وتقول العرب فيمن اصطنع معروفًا ثم أفسده بالمنّ أو قطعه حين كاد يتمّ‏:‏ ‏"‏شوى أخوك حتى إذا أنضج رمدّ‏"‏لأبي كعب القاص قال أبو كعب القاصّ‏:‏ كان رجل يجري عليّ رغيفًا في كلّ يوم، وكان يقول إذا أتاه الرغيف‏:‏ لعنك اللّه ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى أصيب خيرًا منك‏.‏

والعرب تقول في مثل هذا‏:‏ ‏"‏خذ من الرّضفة ما علها‏"‏وقال الشاعر‏:‏

وخذ القليل من اللئيم وذمّه *** إنّ اللئيم بما أتى معذور

ومعذور‏:‏ موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر

الشكر والثناء

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف قال‏:‏ قال‏"‏النبي‏"‏صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق‏"‏وحدّثني أيضًا عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال‏:‏ قال أبو ذرّ‏:‏ قلت للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏تلك عاجل بشرى المؤمن‏"‏وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء‏"‏مضاعفة الثناء كما تضاعف الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ كان يقال‏:‏ الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات؛ يكون الرجل سخيًّا فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعًا فيزيد اللّه في شجاعته‏.‏

بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال‏:‏ قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه‏:‏ إنّ فلانًا رجل صدقٍ‏.‏ قال‏:‏ سافرت معه‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فكانت بينك وبينه خصومة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل ائتمنته على شيء‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فأنت الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد‏؟‏‏؟‏‏!‏ لبعض الحكماء في الشعر قال بعض الحكماء‏:‏ إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر‏:‏ حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها‏.‏

شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين‏:‏

عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثـمـن *** لكنّه يشتهي حمـدًا بـمـجّـان

والناس أكيس من أن يحمدوا أحدًا *** حتى يروا قبله آثار إحـسـان

لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد‏:‏

قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ *** إذا أتى دون ما أولـيت يومـان

تنأى بودّك ما استغنت عن أحـدٍ *** وطمعت فأنت الواصل الدّانـي

الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت *** وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبـان

وقال عمران بن حطّان‏:‏

وقد عرضت لي حاجةٌ وأظننـي *** بأنّي إذا أنزلتها بـك مـنـجـح

فإن أك في أخذ العطيّة مربحـًا *** فإنك في بذل العـطـيّة أربـح

لأنّ لك العقبى من الأجر خالصًا *** وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح

لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشًا وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشًا‏:‏

إذا أنا أعطيت القلـيل شـكـوتـم *** وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكـر

وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم *** وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر

وأمنحكم مالي وتكفر نعـمـتـي *** وتشتم عرضي في مجالسها فهـر

إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسـى *** وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر

فكـيف أداوي داءكـم ودواؤكـم *** يزيدكم غيًّا‏؟‏‏؟‏ فقد عظـم الأمـر

سأحرمكم حتى يذلّ صعـابـكـم *** وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقـر

لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ‏:‏

سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي *** فقصّرت مغلوبًا وإني لـشـاكـر

للخريمي ومثله قول الخريميّ‏:‏

لأنك تعطيني الـجـزيل بـداهةً *** وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر

ومثله قوله أيضًا‏:‏

زاد معروفك عندي عظمًا *** أنه عندك محقور صغير

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه *** وهو عند الناس مشهورٌ كبير

قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان‏:‏ المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به‏.‏ غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة‏.‏

شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ‏:‏

رآني على ما بي عميلة فاشتكـى *** إلى ماله حالي أسرّ كما جـهـر

دعاني فآساني ولو صـدّ لـم ألـم *** على حين لا بدو يرجّى ولا حضر

فقلت له خيرًا وأثنـيت فـعـلـه *** وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر

شعر في الشكر وقال آخر‏:‏

سأشكر عمرًا إن تراخت منـيتـي *** أيادي لم تمنن وإن هـي جـلّـت

فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه *** ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانهـا *** فكانت قذى عينيه حتى تـجـلّـت

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة‏:‏ مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لاشكر له‏.‏

لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل‏:‏ إنه للبحتري، فبعثت إليه أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له‏:‏

فلو كان للشكر شخصٌ يبين *** إذا ما تأملـه الـنـاظـر

لبينته لـك حـتـى تـراه *** فتعلم أنّي امرؤ شـاكـر

ولكنه ساكنٌ في الضمـير *** يسحرّكه الكلم الـسـائر

وقال آخر‏:‏

فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ *** لعزة ملكٍ أو علـوّ مـكـان

لما أمر الله الجليل بـشـكـره *** فقال اشكروني أيها الثقـلان

وقال آخر‏:‏

فأثنوا علينا لا أبا لأبـيكـم *** بإحساننا إن الثناء هو الخلد

وقال رجل من غنيٍّ‏:‏

فإذا بلغتم أهلكم فتحدثـوا *** ومن الثناء مهالك وخلود

لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر‏:‏

يجزيك أو يثني عليك وإن مـن *** أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي‏:‏

الناس تحتك أقدام وأنـت لـهـم *** رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم

فحسبنا من ثناء الـمـادحـين إذا *** أثنوا عليك بأن يثنوا بما علمـوا

وقال آخر‏:‏

بأي الخصلتين عليك أثنـي *** فإني عند منصرفي مسول

أبالحسنى وليس لها ضـياءٌ *** عليّ فمن يصدّق ما أقول

أم الأخرى ولست لها بأهلٍ *** وأنت البحر من ذهبٍ يسيل

لبشار وقال بشار‏:‏

أثني عليك ولي حال تكـذبـنـي *** فيما أقول فأستحيي من الـنـاس

قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم مـن *** يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي

من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب إلى وزير‏:‏ لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن‏.‏ وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئًا ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقًا أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك‏.‏ وكم تحتال بالألفاظ، وتموه بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان‏.‏

لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء‏:‏

وزهدني في كل خيرٍ صنـعـتـه *** إلى الناس ما جريت من قلة الشكر

شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم‏:‏

إذا فاخرتنا من معـدٍّ عـصـابةٌ *** فحزنًا عليها بابن عتبة عاصـم

يجرّ رياط الحمد في دار قومـه *** ويختال في عرضٍ من الذم سالم

من رجل لبعض السلطان

وقال رجل لبعض السلطان‏:‏ مثلك أوجب حقًا لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح العذر، واسكثر قليل الشكر‏.‏ لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك‏.‏

وكتب آخر‏:‏ ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني بلوغها‏.‏ وما عجز الناس عنه فالله من ورائه‏.‏ فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها‏.‏

ونحو هذا قول آخر‏:‏ كان لي فيك أملان‏:‏ أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه‏.‏

وفي كتاب آخر‏:‏ أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ، والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره‏.‏

لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب‏:‏ وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديمًا ولا جدّدت منه حديثًا، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه‏.‏ فإن أقض واجب حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في بلوغ الجهد فيه‏.‏

وفي هذا الكتاب‏:‏ أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه‏.‏ وما يرشدني أملي بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه‏.‏ ولو عجزت عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به‏.‏ ومال الأمير الكثير المذخور عند انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفًا على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله‏.‏

بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل‏:‏ مجّدنا بشعرك؛ فقال‏:‏ افعلوا حتى أثني‏.‏

شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب‏:‏

فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم *** نطقت ولكن الرمـاح أجـرّت

بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب‏:‏ والله ما شكرت معروفي عندك‏.‏ فقال‏:‏ إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير شاكر‏.‏

شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس‏:‏

أنت امرؤ أوليتنـي نـعـمـًا *** أوهت قوى شكري فقد ضعفا

فإليك بـعـد الـيوم تـقـدمةً *** والتك بالتصريح منكـشـفـا

لا تـحـدثـنّ إلـيّ عـارفةً *** حتى أقوم بشكر ما سـلـفـا

وقال أبو نخيلة‏:‏

شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى *** وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي

فأحييت من ذكري وما كان ميّتـًا *** ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

آخر‏:‏

لأشكرنّك معروفًا همـمـت بـه *** إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمـضـه قـدرٌ *** فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن جبير‏:‏ المجوسيّ يوليني خيرًا فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه‏.‏ فقال سعيد‏:‏ سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي‏:‏ لو قال لي فرعون خيرًا لرددت عليه مثله‏.‏

شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي‏:‏

أهلكتني بفـلانٍ ثـقـتـي *** وظنون بفلانٍ حـسـنـه

ليس يستوجب شكرًا رجلٌ *** نلت خيرًا منه من بعد سنه

لبعضهم وقال بعضهم‏:‏ لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر‏.‏

لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر‏:‏

سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ *** وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي

من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول‏:‏ فلانٌ‏"‏أشكر من البروق‏"‏وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

لئن طبت نفسًا عن ثنائي فـإنـنـي *** لأطيب نفسًا عن نداك على عسري

فلست إلى جدواك أعظـم حـاجةً *** على شدّة الإعسار منك إلى شكري

وقال آخر‏:‏

حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ *** من برّه أن فاته شـكـري

إني إذا ضاق امرؤ بـجـدًا *** عني اتسعت عليه بالـعـذر

شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم‏:‏

ومحجّب حاولتـه فـوجـدتـه *** نجمًا عن الركب العفاة شسوعا

أعدمته لما عدمـت نـوالـه *** شكري فرحنا معدمين جميعا

وقال‏:‏

فإن يك أربى عفو شكري على ندى *** أناسٍ فقد أربى نداه على جهـدي

وقال‏:‏

وكيف يجور عن قصدٍ لساني *** وقلبي رائحٌ برضاك غادي

ومما كانت العلماء قـالـت *** لسان المرء من خدم الفؤاد

وقال‏:‏

أبا سعيدٍ وما وصفـي بـمـتّـهـمٍ *** على الثناء وما شكري بمـخـتـرم

لئن جحدتك وما أوليت مـن نـعـمٍ *** إني لفي الشكر أحظى منك في النعم

أنسى ابتسامـك والألـوان كـاسـفةً *** تبسّم الصبح في داجٍ من الـظـلـم

رددت رونق وجهي في صحيفـتـه *** ردّ الصقال بهاء الصـارم الـخـذم

وما أبالي، وخير القـول أصـدقـه، *** حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

وقال‏:‏

فلا تكدر حياضك لي فإني *** أمتّ إليك آمـالًا طـوالا

وفر جاهي عليّ فإن جاهي *** إذا ما غبّ يومٌ كان مـالا

وقال‏:‏

يا منّةً لك لولا ما أخـفّـفـهـا *** به من الشكر لم تحمل ولم تطق

بالله أدفع عني ثقل فـادحـهـا *** فإنني خائفٌ منه على عنـقـي

شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء‏:‏

دعاني إلى عمـرٍ جـوده *** وقول العشيرة بحرٌ خضم

ولولا الذي زعموا لم أكن *** لأمدح ريحانةً قبل شـمّ

مراتب الشكر ويقال‏:‏ الشكر ثلاث منازل‏:‏ لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه‏.‏

شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون‏:‏

رددت مالي ولم تمنن علـيّ بـه *** وقبل ردّك مالي قد حقنت دمـي

فأبت منك وقد جللتني نـعـمـًا *** هي الحياتان من موتٍ ومن عدم

فلة بذلت دمي أبغي رضاك بـه *** والمال حتى أسل النعل من قدمي

ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت *** إليك لو لم تعرها كنت لم تـلـم

وقام علمك بي فاحتج عندك لـي *** مقام شاهد عدلٍ غير مـتّـهـم

للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي‏:‏

فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق *** رٌ إلى جنب قبره فاعقراني

وانضحا من دمي عليه فقد كا *** ن دمي من نداه لو تعلمـان

بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه شاكرًا وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له‏:‏ ما أقدمك‏؟‏ قال‏:‏ ما أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ‏.‏ قال‏:‏ وكيف ذاك‏؟‏ قال‏:‏ أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر‏.‏

الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة‏:‏

لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له *** ما كانت البصرة الحمقاء وطنا

أعطاني المال حتى قلت يودعني *** أو قلت أودع لي مالًا رآه لنـا

فجوده متعبٌ شكري ومنّـتـه *** وكلما زدت شكرًا زادني مننـا

يرمي بهمته أقصى مسافتـهـا *** ولا يريد على معروفه ثمـنـا

لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول الأعرابيّ‏:‏ ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله‏.‏ وما ضاع مالٌ أورث المحامد‏.‏

خمسة أشياء ضائعة ويقال‏:‏ خمسة أشياء ضائعةٌ‏:‏ سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى من لا شكر له‏.‏

قول في الشكر وكان يقال‏:‏ الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير‏.‏

لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة‏:‏ إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء‏.‏

لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه‏:‏ قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّرًا، ولا أكثّرها تمنّنًا، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء‏.‏

من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند‏:‏ لا ثناء مع كبر‏.‏

وفيه‏:‏ ستّة أشياء لا ثبات لها‏:‏ ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب‏.‏

من أمثال العرب والعرب تقولك‏:‏ ‏"‏لا تهرف قبل أن تعرف‏"‏أي تطنبنّ في لثّناء قبل الاختيار‏.‏

شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع‏:‏

ما من يدٍ في الناس واحدةٍ *** كيدٍ أبو العباس مولاهـا

نام الثّقات على مضاجعهم *** وسرى إلى نفسي فأحياها

قد كنت خفتك ثم آمننـي *** من أن أخافك خوفك اللّه

فعفوت عنّي عفو مقتـدرٍ *** وجبت له نقمٌ فألغـاهـا

والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ‏:‏

لا تحمدنّ امرًا حتى تجرّبه *** ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر

شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار‏:‏

إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم *** ألفيتهم شتّى على الأخـبـار

لا تعجلنّ إلى شريعة مـوردٍ *** حتى تبيّن خـطّة الإصـدار

لأبي العالية وقال الرّياشيّ‏:‏ أنشدني أبو العالية‏:‏

إذا أنا لم أشكر على الخير أهله *** ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما

ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه *** وشقّ لي اللّه المسامع والفما

لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم‏:‏ كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ‏.‏ وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا شريك له‏.‏ فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين‏:‏ أحدهما التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه‏.‏ والآخر‏:‏ لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصدها إليها‏.‏ إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛ فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلمًا إلى حاجته وسببًا إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلبًا للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه‏.‏

وكان محمد بن الجهم يقول‏:‏ نحو هذا قول الشاعر‏:‏

لعمرك ما الناس أثنوا علـيك *** ولا عظّموك ولا عظـمـوا

ولا شايعوك على ما بـلـغ *** ت من الصالحات ولا قدّموا

ولو وجدوا لهم مـطـعـنـًا *** إلى أن يعيبوك ما جمجمـوا

ولكن صبرت لما ألـزمـوك *** وجدت بما لـم يكـن يلـزم

وكان قراك إذا مـا لـقـوك *** لسانًا بما سـرّهـم ينـعـم

وخفض الجناح ووشك النجاح *** وتصغير ما عظّم المنـعـم

فأنت بفضلك ألـجـأتـهـم *** إلى أن يجلّوا وأن ينعـمـوا

شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع‏:‏

وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ *** تميت بها عسرًا وتحيي بها يسـرًا

ولـيس يدٌ أولـيتـهـا بـغـنـيمة *** إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شـكـرا

غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً *** فإن زاد شيئًا عاد ذاك الغنى فقـرا

شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة‏:‏ بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال‏:‏

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي *** تولّى سواكم أجرها واصطناعها

أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ *** ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها

إذا هي حثّته على الخير مـرّةً *** عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها

بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة‏:‏ قال رجلٌ يومًا لابن عيينة‏:‏ ما شيء تحدثونه يا أبا محمد‏؟‏ قال‏:‏ ماهو‏؟‏ قال‏:‏ يقولون إن اللّه تعالى يقول‏:‏ أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته‏.‏ فقال له‏:‏ يا بن أخي، وما تنكر من هذا‏!‏ أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان‏:‏

أثنى عليه المرء يومـًا *** كفاه من تعرضه الثناء

فكيف بأكرم الأكرمين‏!‏ وكان يقال‏:‏ في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ‏:‏ إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير الذي منعه‏.‏

شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال‏:‏ أنشدنا كيسان لدكين الراجز‏:‏

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه *** فكـل رداءٍ يرتـديه جـمــيل

إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه *** فليس إلى حسن الثنـاء سـبـيل

أول منازل الحمد وكان يقال‏:‏ أول منازل الحمد السلامة من الذم‏.‏

شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي‏:‏

لا تتركن إن صنيعةٌ سلـفـت *** منك وإن كنت لا تصغّرهـا

إلى امرىء أن يقول إن ذكرت *** عندك في الجدّ لست أذكرهـا

فإنّ إحـياءهـا إمـاتـتـهـا *** وإنّ منّـا بـهـا يكـدّرهـا

وإن تولّى امرؤٌ بـشـكـر يدٍ *** فاللّه يجزي بها ويشكـرهـا

إحياء المعروف ويقال‏:‏ أحيوا المعروف بإماتته‏.‏

لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال‏:‏ كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزًا في كتبه، فكتب إلى صديق له‏:‏ أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران‏:‏ أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا‏.‏ وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر‏.‏ والسلام‏.‏

كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال‏:‏ وما أتأملّ في وقت من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه، وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ طليق وباع رحيب‏.‏ والسلام‏.‏

الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال‏:‏ حدّثنا داود بن المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة من لا يؤجر في حاجته‏.‏ ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى رؤوس المحلّقين‏"‏وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن أبي موسى قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اشفعوا إليّ ويقضي اللّه على لسان نبيّكم ما شاء‏"‏‏.‏

بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن منصور بن المعتمر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن أحببت أن يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء إلا نبذته إليهم‏"‏لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال‏:‏ قال ابن عيينة‏:‏ ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت‏:‏ قيل لابن المنكدر‏:‏ أيّ الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ إدخال السرور على المؤمن‏.‏ وقيل‏:‏ أيّ الدنيا أحبّ إليك‏؟‏ قال‏:‏ الإفضال على الإخوان‏.‏

لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس

حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ حدّثنا زرير العطارديّ قال‏:‏ صلّى بنا أبو رجاء العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت‏:‏ أبا رجاءٍ، إنّ لطارق الليل حقًّا، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئًا من متاعهم‏.‏ فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل، والناس يقولون‏:‏ إنها أربعة فراسخ‏.‏

للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال‏:‏ حدّثنا ابن المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال‏:‏ لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً‏.‏

دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ‏:‏ أنت متلافٌ‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين‏}‏ لابن عباس، وللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول‏:‏ صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكًا‏.‏ هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المعروف يقي مصارع السّوء‏"‏لابن عباس أيضًا في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضًا‏:‏ ما رأيت رجلًا أوليته معروفًا إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلًا أوليته سوءًا إلاّ أظلم ما بيني وبينه‏.‏

لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد‏:‏ إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع‏.‏

شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر‏:‏

وبادر بسلطان إذا كنـت قـادرًا *** زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب

وقال آخر في مثله‏:‏

بدا حين أثرى بإخـوانـه *** ففكّك عنهم شباة العـدم

وذكّره الحزم غبّ الأمور *** فبادر قيل انتقال النّعـم

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند‏:‏ من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه‏.‏

لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس‏:‏ ثلاثة لا أكافئهم‏:‏ رجل بدأني بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ‏.‏ قيل‏:‏ ومن هو‏؟‏ قال‏:‏ رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلًا لحاجته‏.‏

أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة‏:‏ ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه‏.‏

ويقال‏:‏ الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة‏.‏

قيل لبزرجمهر‏:‏ هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئًا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيبًا من معروفك‏.‏

لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد‏:‏ ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل‏.‏

لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد‏:‏ إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب‏.‏ فقال رجل من القوم‏:‏ أوله أيها الأمير معروفًا‏.‏ ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه‏.‏

لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس‏:‏ لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ‏:‏ تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه‏.‏

مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا‏:‏

زاد معروفك عندي عظمـًا *** أنه عندك محقورٌ صـغـير

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه *** وهو عند الناس مشهورٌ كبير

شعر للطائي وقال الطائي‏:‏

جودٌ مشيت به الضراء تواضعًا *** وعظمت عن ذكراه وهو عظيم

أخفيته فخـفـيتـه وطـويتـه *** فنشرته والشخص منه عمـيم

وكان يقال‏:‏ ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ ما أولي‏.‏

وقالوا‏:‏ المنّة تهدم الصنيعة‏.‏

قال الشاعر‏:‏

أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ *** ليس الكريم إذا أسدى بمـنـان

بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة‏:‏ فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا‏.‏ فقال‏:‏ لا خير في المعروف إذا أحصي‏.‏

في الآثر وفي بعض الحديث‏:‏ ‏"‏كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ‏"‏‏.‏

وفي الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على أهله‏"‏‏.‏

وكان يقال‏:‏ بذل الجاه زكاة الشرف‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

وليس فتى الفتيان من راح واغتدى *** لشرب صبوحٍ أو لشرب غبـوق

ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى *** لضرّ عدوٍّ أو لـنـفـع صـديق

لابن عباس قال ابن عباس‏:‏ لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه‏.‏

شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد‏:‏

إنّ الكريم ليخفي عنك عسرتـه *** حتى تراه غنيًّا وهو مجـهـود

إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم *** تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود

وللبخيل على أموالـه عـلـلٌ *** رزق العيون عليها أوجهٌ سود

أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فمـا *** ترجى الثّمار إذا لم يورق العود

بثّ النوال ولا تمنعك قـلّـتـه *** فكلّ ما سدّ فقرًا فهو محمـود

والعرب تقول‏:‏ ‏"‏من حقر حرم‏"‏‏.‏

لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال‏:‏ قال سلم بن قتيبة‏:‏ أحدهم يحقر الشيء فيأتي ما هو شرّ منه‏.‏ يعني المنع‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

وما أبالي إذا ضيفٌ تضـيّفـنـي *** ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبـرًا *** ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجـود

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏"‏أفضل الصّدقة جهد المقلّ‏"‏‏.‏

للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ‏:‏

أبو مالكس قاصرٌ فقره *** على نفسه ومشيعٌ غناه

لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر‏:‏ أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه‏.‏ والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة‏:‏

من يفعل الخير لا يعدم جـوازيه *** لا يذهب العرف بين اللّه والناس

ويقال‏:‏ إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل‏.‏

لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه‏:‏ إن أحسن الناس عيشًا من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان‏.‏

في الأثر وفي الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث‏"‏‏.‏

شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار‏:‏

أنفق المال ولا تشق به *** خير ديناريك دينارٌ نفق

لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال بزر جمهر‏:‏ إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقة‏.‏

أخذه بعض المحدثين فقال‏:‏

فانفق إذا أنفقت إن كنت موسـرًا *** وأنفق على ما خيّلت حين تعسر

فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ *** ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر

من كتاب كليلة ودمنة وفي‏"‏كتاب كليلة‏"‏لا يعدّ عائشًا من لا يشارك في غناه‏.‏

مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهمًا؛ فقال له‏:‏ أتحبّ درهمك هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك‏.‏

بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له‏:‏ كن وصيّ نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

سأحبس مالي علي حاجتي *** وأوثر نفسي على الوارث

أعاذل عاجل ما أشتـهـي *** أحبّ من المبطىء الرّائث

لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً‏:‏ زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون‏.‏

لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ‏:‏ لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك‏:‏ الحدثان والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيبًا فافعل‏.‏

لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له‏:‏ من رزقه اللّه رزقًا حسنًا فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين‏.‏ إمّا مصلحٍ فلا يقلّ عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء‏.‏ فقال معاوية‏:‏ جمع أبو عثمان طرفي الكلام‏.‏

شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر‏:‏

ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن *** لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا

أريني جوادًا مات هزلًا لعلّني *** أرى ما ترين أو بخيلًا مخلّدا

وقلت ولم أعي الجواب تبيّني *** أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد

لأعرابي قال أعرابّي‏:‏ الدراهم ميسمٌ تسم حمدًا أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالًا حمدًا، ولا كلّ عديم ذميم‏.‏

وقال بعض المحدثين‏:‏

أنت للمال إذا أمسكته *** فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال‏:‏ حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تنزل المعونة على قدر المؤونة‏"‏‏.‏

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ‏:‏ الدراهم ميسمٌ تسم حمدًا أو ذمًّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالًا أعطي حمدًا، ولا كلّ عديم ذميم‏.‏

وقال بعض المحدثين‏:‏

أنت للمال إذا أمسكته *** فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال‏:‏ حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تنزل المعونة على قدر المؤونة‏"‏‏.‏

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص‏:‏ ما بقي من الدنيا تلذّه‏؟‏قال‏:‏ العريض الطويل‏.‏ قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الجديث الحسن أو ألقى أخًا قد نكبه الدهر فأجبره‏.‏ قال‏:‏ نحن أحقّ بهما منك‏.‏ قال‏:‏ إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما‏.‏

لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي‏:‏

ومـا هـذه الأيام إلا مـعـارةٌ *** فما اسطعت من معروفها فتزوّد

فإنـك لا تـدري بـأيّة بـلـدةٍ *** تموت ولا ما يحدث اللّه في غد

يقولون لا تبعد، ومن يك بـعـده *** ذراعين من قرب الأحبّة يبعـد

وقال آخر‏:‏

إن كنت لا تبذل أو تسـأل *** أفسدت ما تعطي بما تفعل

قال بعضهم‏:‏ مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ، اعتقدوا مننًا، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم‏:‏ كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضًا، وإظهار البر حقًا واجبًا، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات‏.‏

بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي‏:‏ وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم‏:‏ إن لقريش درجًا تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالًا تخشع لها رقاب الأموال، وألسنًا تكلّ معها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم‏.‏ ثم إن أناسًا منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن خالفوا مكروهًا تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر‏.‏

لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين‏:‏

فلو كنت تطلب شأو الكرام *** فعلت كفعل أبي البختري

تتبع إخوانه في الـبـلاد *** فأغنى المقلّ عن المكثر

القناعة والاستعفاف

للنبي ‏)‏ في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال‏:‏ قال رسول الله ‏)‏‏:‏ ‏"‏من يتقبل لي بواحدةٍ وأتقبل له بالجنة‏؟‏‏"‏‏.‏ فقال ثوبان‏:‏ أنا يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏لا تسأل الناس شيئًا‏"‏‏.‏ فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحدًا أن يناوله إياه‏.‏

لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضًا عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال‏:‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه‏.‏

للنبي ‏)‏‏:‏ ‏"‏إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع‏"‏‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب‏"‏‏.‏

شعر لابن حازم قال ابن حازم‏:‏

للناس مالٌ ولي مالان ما لهـمـا *** إذا تحارس أهل المال أحـراس

مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه *** ومالي اليأس مما يملك النـاس

أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له بعض الملوك‏:‏ مامالك‏؟‏ قال‏:‏ الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس‏.‏

لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر‏:‏

وإني لعفٌ عن فكاهة جارتـي *** وإنيّ لمشنوء إليّ اغتـيابـهـا

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لهـا *** زءورًا ولم تأنس إليّ كلابهـا

ولم أك طلابًا أحاديث سـرّهـا *** ولا عالمًا من أيّ حوكٍ ثيابهـا

وإن قراب البطن يكفيك ملـؤه *** ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ *** فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابـهـا

لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم‏:‏

أوجع من وخزة السّنان *** لذي الحجا وخزة اللّسان

فاسترزق اللّه واستعنـه *** فإنه خير مسـتـعـان

وإن نبا منـزلٌ بـحـرٍ *** فمن مكانٍ إلى مكـان

لا يثبت الحرّ في مكـانٍ *** ينسب فيه إلى هـوان

الحرّ حرٌّ وإن تـعـدّت *** عليه يومًا يد الـزمـان

لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة قال‏:‏ حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي‏:‏ أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول‏:‏ أربع آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحًا لم أبال على ما أصبح‏:‏ ‏"‏ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده‏"‏‏.‏‏"‏وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده‏"‏‏.‏‏"‏وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها‏"‏‏.‏‏"‏سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا‏"‏لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال‏:‏ قال إبراهيم بن أدهم‏:‏ لا تجعل بينك وبين اللّه منعمًا عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما‏.‏

في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال‏:‏ أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ‏:‏

والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها *** وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع

للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال‏:‏ حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال‏:‏ احتاجت عجوزٌ من العجز القدم، قال‏:‏ فجزعت إلى المسألة، ولو صبرت لكان خيرًا لها ولقد بلغني أن الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول‏:‏ لو صرت إليّ لكفيتك‏.‏

وكان يقال‏:‏ أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال‏:‏ اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ‏.‏

وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ‏:‏ ‏{‏فلنحيينهّ حياةً طيبةً‏}‏ قال‏:‏ بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر‏:‏ يا بنّي إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ‏.‏

شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة‏:‏

لقد علمت وما الإسراف في طمع *** أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنّينـي تـطـلـبـه *** ولو قعدت أتاني لا يعـنّـينـي

وقال أبو العتاهية‏:‏

إن كان لا يغنيك ما يكفـيكـا *** فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا

في القناعة وقال بعضهم‏:‏ الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها‏:‏ أين زادك‏؟‏ قالت‏:‏ ما معي إلا ما في ضرعها‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

يا روح من حسمت قناعته *** سبب المطامع من غدٍ وغد

من لم يكن للّه متّـهـمـًا *** لم يمس محتاجًا إلى أحـد

لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير‏:‏ خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب‏:‏

ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى *** وإلى الذي يهب الرغائب فارغب

لا تغضبنّ على امرىء في مالـه *** وعلى كرائم صلب مالك فاغضب

وقال أبو الأسود‏:‏

ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه *** فكلّ قريبٍ لا ينـال بـعـيد

وقال كعب بن زهير‏:‏

قد يعوز الحازم المحمود نـيتّـه *** بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق

فلا تخافي علينا الفقر وانتظـري *** فضل الذي بالغنى من فضله نثق

وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقًا فقال له بعضهم‏:‏ شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة‏:‏ سلني حاجتك‏.‏ قال‏:‏ أكره أن أسأل في بيت اللّه غير اللّه‏.‏

لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلًا يسأل في الموقف ورأى رجلًا يسأل في الموقف فقال‏:‏ أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل‏!‏ شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال البشر وقال ابن المعذّل‏:‏

تكلفني إذلال نفسـي لـعـزّهـا *** وهان عليها أن أهان لتكـرمـا

تقول سل المعروف يحيى بن أكثم *** فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثمـا

لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس‏:‏ المساكين لا يعودون مريضًا ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس‏.‏

وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له *** وقلّ ما تجد الراضين بالقسم

شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق‏:‏

شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا *** عن كلّ طالب حاجةً أو راغب

غالوا بأبواب الحديد لـعـزّهـا *** وتنوقوا في قبح وجه الحاجـب

وإذا تلّطف للـدّخـول إلـيهـم *** راجٍ تلـقّـوه بـوعـدٍ كـاذب

فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن *** ياذا الضّراعة طالبًا من طالـب

وجد على ميلٍ في طريق مكة‏:‏

ألا يا طالب الدّنـيا *** دع الدنيا لشانيكـا

إلى كم تطلب الدنيا *** وظلّ الميل يكفيكا

بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه‏:‏ إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال‏.‏

لأبي الأسود وقال أبو الأسود‏:‏

وإن أحق الناس إن كنت مادحـًا *** بمدحك من أعطاك والوجه وافر

شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين‏:‏

وفتىً خلا مـن مـالـه *** ومن المروءة غير خالي

أعطاك قبـل سـؤالـه *** فكفاك مكروه السـؤال

وقال آخر‏:‏

أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس *** بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسـع

فلو تسأل الناس التراب لأوشكو *** إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا

والمشهور في هذا قول عبيد‏:‏

من يسأل الناس يحرموه *** وسائل اللّه لا يخـيب

بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي حازمٍ‏:‏ سل حوائجك‏.‏ فقال‏:‏ قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه‏.‏

قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وهو خير الرازقين‏}‏‏:‏ أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع‏.‏

شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر‏:‏

لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** فإنّ ذلك وهنٌ منك بـالـدّين

واسترزق اللّه رزقًا من خزائنه *** فإنما هو بين الكاف والـنـون

شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد‏:‏

أبلغ سليمان أنّي عنه فـي سـعةٍ *** وفي غنىً غير أني لست ذا مال

شحًا بنفسي، إنـي لا أرى أحـدًا *** يموت هزلًا ولا يبقى على حـال

فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه *** ولا يزيدك فيه حول مـحـتـال

للمعلوط، وغيره وقال المعلوط‏:‏

متى ما ير الناس الغنـيّ وجـاره *** فقيرٌ يقولوا عـاجـزٌ وجـلـيد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى *** ولكن حظوظٌ قسّمـت وجـدود

وقال آخر‏:‏

يخيب الفتى من حـيث يرزق غـيره *** ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه

وقال أبو الأسود‏:‏

ليتك آذنـتـنـي بـواحـدةٍ *** تجعلها منك سـائر الأبـد

تحلف ألاّ تـبـرّنـي أبـدًا *** فإنّ فيها بردًا على كبـدي

إن كان رزقي إليك فارم به *** في ناظري حيّةٍ على رصد

لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه‏:‏ حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس‏.‏

لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص‏:‏ موطنان لا أستحي من العيّ فيهما‏:‏ عند مخاطبتي جاهلًا، وعن مسألتي حاجةً لنفسي‏.‏

لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن عبد اللّه بن واصل قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ‏:‏ حاجتك عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها‏.‏

وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال‏:‏ إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل‏.‏

شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين‏:‏

عوّدت نفسي الضّيق حتى ألـفـتـه *** وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر

ووسّع قلبي للأذى الأنـس بـالأذى *** وقد كنت أحيانًا يضيق به صـدري

وصيّرني يأسي من النـاس راجـيًا *** لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري

وقال آخر‏:‏

حسبي بعلمي لو نفـع *** ما الذّلّ إلا في الطّمع

من راقب اللّه نـزع *** عن قبح ما كان صنع

ما طار شيء فارتفع *** إلا كما طـار وقـع

الحرص والإلحاح

من كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتابًا‏:‏ إذا كان القدر حقًّا فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعًا فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصدًا فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ‏.‏

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه *** وأخو الحوائج وجهه ممـلـول

من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند‏:‏ لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته‏.‏

شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد‏:‏

قد يدرك المبطىء من حـظّـه *** والرزق قد يسبق جهد الحريص

لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن المقفع‏:‏ الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب مقبلًا أكثر أم من قتل مدبرًا، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

كم من حريص على شىء ليدركه *** وعلّ إدراكه يدني إلى عـطـبة

وقال آخر‏:‏

وربّ ملحّ على بغيةٍ *** وفيها منيّته لو شعر

قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى‏:‏

لا يرسل الساق إلا ممسكًا ساقًا ***

وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصنًا حتىّ يقبض على آخر‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

أنّى أتيح له حرباء تـنـضـبةٍ *** لا يرسل السّاق إلاّ ممسكًا ساقًا

من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي كتاب كليلة‏:‏ لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق‏.‏

لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع‏:‏ الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة‏.‏

أيضًا من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة‏:‏ خمسة حرصاء، المال أحبّ إليهم من أنفسهم‏:‏ المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر، والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ‏.‏

بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصًا بخيلًا دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له‏:‏ يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود‏!‏ فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال‏:‏ لمن هذه‏؟‏ قال‏:‏ لي‏.‏ قال‏:‏ فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك‏:‏ هذه وضعت القيود في رجلك‏.‏

لأشعب

كان أشعب يقول‏:‏ أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا‏.‏

شعر للنابغة وقال النابغة‏:‏

واليأس عما فات يعقب راحةً *** ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحـا

لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير‏:‏

فإنّي قد بلوتـكـم جـمـيعـًا *** فما منكم على شكري حريص

وأرخصت الثناء فعفـتـمـوه *** وربّتما غلا الشيء الرّخـيص

فعفت نوالكم ورغبت عـنـه *** وشرّ الزاد ما عاف الخصيص

لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ‏:‏

أيّها الدّائب الحريص المعنّى *** لك رزقٌ وسوف تستوفـيه

قبّح اللّه نـائلًا تـرتـجـيه *** من يدي من تريد أن تقتضيه

إنما الجود والسماح لمـن يع *** طيك عفوًا وماء وجهك فيه

لا ينال الحريص شيئًا فيكفي *** ه وإن كان فوق ما يكفـيه

فسل اللّه وحده ودع الـنـا *** س وأسخطهم بما يرضـيه

لا ترى معطيًا لما منـع ال *** لّه ولا مانعًا لما يعـطـيه

‏"‏وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي‏"‏‏:‏ آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه‏.‏ وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة‏.‏ والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمد النبيّ وآله أجمعين‏.‏ ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق للصّواب‏.‏

‏"‏وفيه كذلك-وهو من زيادات النسّاخ-‏"‏‏:‏ شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف‏:‏

علـيك بـالــيأس مـــن الـــنـــاس *** إنّ غـنـى نـفـســك فـــي الـــياس

كم صـاحـب قـد كـان لـي وامــقـــًا *** إذ كـــان فـــي حـــالة إفـــلاس

أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس ***

حتى إذا ما صار فيما اشتهى *** وعـدّه الـنّــاس مـــن الـــنّـــاس

قطّـع بـالـصـدّ حـبـال الـصّـــفـــا *** منّـي ولـمّـا يرض بـالــقـــاســـي

آخر وقد أحسن‏:‏

إنّ للمـعـروف أهـلًا *** وقـلـيلٌ فـاعـلـوه

أهنأ المعروف مـالـم *** تبتذل فـيه الـوجـوه

أنت ما استغنيت عن صا *** حبك الـدّهـر أخـوه

فإذا احـتـجـت إلـيه *** ساعةً مـجّـك فـوه

إنما يعـرف الـفـض *** ل من الـنـاس ذووه

لو رأى النـاس نـبـيًّا *** سائلًا مـا وصـلـوه

من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها‏:‏ أنا-أعزّك اللّه-وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى‏.‏ وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ‏.‏ ثم كتب في آخرها‏:‏

لا تهنّي بعد إكرامك لي *** فشديدٌ عادةٌ منتزعـه

آخر‏:‏

مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا *** أغدو إلى عمـلٍ إلاّ بـلا أمـل

وليس لي شغلٌ يجدي عـلـيّ إذا *** فكّرت فيه وما أنفكّ من شـغـل

كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمـل *** وما أروح ولا أغدو إلى عـمـل

ولست في الناس موجودًا كبعضهم *** وإنما أنا بعض الناس في المثـل

وآخر‏:‏

المرء بعد المـوت أحـدوثةٌ *** يفنى وتبقى مـنـه آثـاره

يطويه من أيّامه ما طـوى *** لكنّه تـنـشـر أسـراره

وأحسن الحالات حال امرىءٍ *** تطيب بعد الموت أخبـاره

يفنى ويبقى ذكـره بـعـده *** إذا خلت من شخصـه داره

شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي‏:‏

وما ابن آدم إلاّ ذكر صالـحةٍ *** أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم

أما سمعت بدهرٍ بـاد أمّـتـه *** جاءت بأخبارها من بعدها أمم

شعر في البخل في البخل‏:‏

طرقت أناسًا علـى غـرّةٍ *** فذقت من العيش جهد البلاء

فأمّا الـقـديد وأشـبـاهـه *** فذاك مفاتيحه في السمـاء

وأما السّويق فـفـي عـيبةٍ *** يشمّ ويدعي له بالـبـقـاء

ومن حاول الخبز قالوا له *** أتذكر شيئًا خبي للـدّواء