فصل: القضاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


القضاء

صفات القاضي

حدّثنا إسحاق بن راهويه قال‏:‏ أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال‏:‏ حدّثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ ‏"‏لا ينبغي للرجل أن يكون قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال‏:‏ يكون عالمًا قيل أن يستعمل، مستشيرًا لأهل العلم، ملقيًا للرّثع، منصفًا للخصم، محتملًا للائمة‏"‏‏.‏

حدّثني عليّ بن محمد قال‏:‏ حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏"‏ذمتي رهينة وأنا به زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل‏.‏ ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلًا، غارًّا بأغباش الفتنة، عميًا بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالمًا ولم يغن في العلم يومًا سالمًا‏.‏ بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضيًا لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا رثًّا من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت‏.‏ لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب‏.‏ خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع‏.‏ يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام‏.‏ لا ملىءٌ واللّه بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به‏"‏‏.‏

لابن شبرمة في القضاء

قال ابن شبرمة‏:‏

ما في القضاء شفعة لمخاصم *** عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم

أهون عليّ إذا قضيت بسـنة *** أو بالكتاب برغم أنف الراغم

وقضيت فيما لم أجد أثرًا بـه *** بنظائر معروفة ومعـالـم

بين شريح والحجاج في توليه القضاء

الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال‏:‏ كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضيًا بهم، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة‏.‏ ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمسًا وسبعين سنة إلا أن زيادًا أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضيًا حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة‏.‏ فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلًا مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحًا في الطريق فقال‏:‏ يا أبا أميةقضيت واللّه بجور‏.‏ قال‏:‏ وكيف ذاك‏؟‏ ويحك‏!‏ قال‏:‏ كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك‏.‏ فقال شريح‏:‏ لاجرم لا يقولهم أحد بعدك‏.‏ فأتى الحجاج فقال‏:‏ واللّه لا أقضي بين اثنين‏.‏ قال‏:‏ واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلًا‏.‏فقال شريح‏:‏ عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى‏.‏ فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتبًا و وزيرًا‏.‏

بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار

وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له‏:‏ يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم‏؟‏ فقال له‏:‏ إني والخصوم كما قال الأعشى‏:‏

أرقت وما هذا السّهاد الـمـؤرّق *** وما بي من سقم وما بي معشـق

ولكن أرانـي لا أزل بـحـادث *** أغادي بما لم يمس عندي وأطرق

رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم

حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال‏:‏ كنت جالسًا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم، فقال إياس‏:‏ إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما يقول لك‏؟‏ يقول لك‏:‏ حطّ شيئًا، ويقول لصاحبك‏:‏ زده شيئًا حتى نصلح بينكما‏.‏، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك‏؟‏ يقول لك‏:‏ اجحد ما عليك‏.‏ ويقول لصاحبك‏:‏ ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّبًا‏.‏

من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحق

قرأت في الآيين‏:‏ ‏"‏ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة‏.‏

قول أعرابي في الحق

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال‏:‏ قال أعرابي لقوم يتنازعون‏:‏ هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق‏؟‏ فقيل‏:‏ وما يكون خيرًا من الحق‏؟‏ قال‏:‏ التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ‏.‏

حكم الهوى

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلًا له في المخطىء همى، فقال للمخطىء‏:‏ من يقول بقولك أكثر‏.‏

الهيثم بن عدي قال‏:‏ تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى بهما فقضى لهم، فقال هذيل الأشجعي‏:‏

أتاه رفيق بـالـشـهـود يسـوقـهـم *** على ما ادّعت من صامت المال والخول

فأدلـى ولـيدٌ عـنـد ذاك بـحـقــه *** وكـان ولـيد ذا مـراء وذا جـــدل

ففتّنت القبطيّ حتى قـضـى لـهـمـا *** بغير قضاء اللّه في السّـور الـطّـول

فلو كان من في القصر يعلم عـلـمـه *** لما استعمل القبطيّ فينا علـى عـمـل

له حين يقضي للـنـسـاء تـخـاوصٌ *** وكان ما منه التـخـاوص والـحـول

إذا ذات دلٍّ كـلـمـتـه لـحـــاجة *** فهمّ بأن يقضي تنـحـنـح أو سـعـل

وبـرّق عـينـيه ولاك لـسـانـــه *** يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلـل‏"‏

فكان عبد الملك بن عمير يقول‏:‏ واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك‏.‏

‏؟‏لابن مناذر في خالد بن طلق القاضي

وقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة‏:‏

قل لأمير المؤمنـين الـذي *** من هاشم في سرّها واللباب

إن كنت للسّخطة عاقبتـنـا *** بخالد فهو أشدّ الـعـقـاب

كان قضاة الناس فيما مضى *** من رحمة اللّه وهذا عذاب

يا عجبًا من خالـد كـيف لا *** يخطىء فتيا مرةً بالصواب

وقال فيه‏:‏

جعل الحاكم يا لـلـنّ *** اس من آل طـلـيق

ضحكةٌ يحكم في النـا *** س برأي الجاثـلـيق

أي قاض أنت في النق *** ص وتعطيل الحقوق

يا أبا الهـيثـم مـا أن *** ت لهـذا بـخـلـيق

لا ولا أنت لمـا حـمّ *** لت منه بـمـطـيق

‏؟‏رد بكر بن عبد اللّه المزني

على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاء

أراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر‏:‏ واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذبًا أو صادقًا فما يحلّ لك أن توليني‏.‏

‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏من قضاء ابن شبرمة

وروى عبد الرزاق عن معمر قال‏:‏ لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن‏:‏ اختر لنا رجلًا نوليه القضاء‏.‏ فقال له ابن شبرمة‏:‏ ما أعرفه‏.‏ فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة‏:‏ هل تدري لم دعيت‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء‏.‏ قال‏:‏ ما أيسر القضاء‏!‏ فقال له ابن شبرمة‏:‏ فنسئلك عن شيء يسير منه‏.‏ قال‏:‏ سل‏.‏ قال له ابن شبرمة‏:‏ ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما في بطنهم‏؟‏ فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة‏:‏ أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئًا‏.‏ فقيل له ما القضاء فيهم‏؟‏ قال ابن شبرمة‏:‏ تقوّم حاملًا وتقوّم حائلًا ويغرم قدر ما بينها‏.‏

امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاء

حدّثني عبد اللّه بن محمد‏؟‏ الخلنجي قال‏:‏ كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل‏:‏ ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين‏؟‏ فلم يعرفهم، فقال له يحيى‏:‏ كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه‏.‏

بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدل

ودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال‏:‏ إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك‏.‏ فقال له عبد الملك‏:‏ إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر‏.‏ فدعا بالبحدلي فسأله، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله‏.‏

رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاء

قال ابن سيرين‏:‏ كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة‏:‏ ضع لي إصبعك في هذه النار‏.‏ فقال له الرجلك سبحان اللّه‏!‏ تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار‏!‏ فقال له أبو عبيد ة‏:‏ أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم‏!‏ قال‏:‏ فظننا أنه دعاه إلى القضاء‏.‏

صفات القاضي الكامل وغير الكامل

كان يقال‏:‏ ‏"‏ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل‏:‏ إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل‏.‏ وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل‏:‏ يشاور وإن كان عالمًا، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ ‏"‏ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر‏"‏‏.‏

بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهر

قال الشعبي‏:‏ حضرت شريحًا ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت‏:‏ يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة‏.‏ فقال‏:‏ يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون‏.‏

كتاب عمر بن الخطاب

إلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء

بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال‏:‏ كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى أبي موسى الأشعريّ كتابًا فيه‏:‏ ‏"‏بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس‏.‏ سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له‏.‏ آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك‏.‏ البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء‏.‏ واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل‏.‏ الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى‏.‏ اجعل لمن ادّعى حقًا غائبًا أمدًا ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء‏.‏ والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلودًا في حدّ أو مجرّبًا عيه شهم دة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة‏.‏ إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والإيمان‏.‏ وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه، والسلام‏"‏‏.‏

لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت

على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيان

وقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان‏:‏

أبلغ سـبـيعـا وأنـت سـيدنـا *** قدما وأوفى رجالـنـا ذمـمـا

أن بـغـيضـًا وأن أخـوتـهـم *** ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما

نبّئت أن حـكّـمـوك بـينـهـم *** فلا تقولـنّ بـئس مـا حـمـك

إن كنت ذا عـرفة بـشـأنـهـم *** تعرف ذا حقّهم ومن ظـلـمـا

وتنزل الأمـر فـي مـنـازلـه *** حكما وعلما وتحضر الفـهـمـا

فاحكم فأنت الحـكـيم بـينـهـم *** لن يعدموا الحقّ باردًا صمـتـا

واصدع أديم الـسـواء بـينـهـم *** على رضى من رضا ومن رغما

إن كان مالا فـمـثـل عـدّتـه *** مالٌ بـمـال وإن دمـًا فـدمـا

هذا وإن لم تطق حكـومـتـهـم *** فانبذ إليهم أمـورهـم سـلـمـا

إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمى

وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله‏:‏

فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء

جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ‏.‏

شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمة

وقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة‏:‏

وكيف ترجّى لفصل القضاء *** ولم تصب الحكم في نفسكا

وتزعم أنك لابن الـجـلاح *** وهيهم ت دعواك من أصلكا

شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضي

عبد اللّه بن صالح العجلي قال‏:‏ خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى،‏"‏شاهي‏"‏، فأقام بهم ثلاثًا ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي‏:‏

فإن كان الذي قد قلت حـقـًا *** بأن قد أكرهوك على القضاء

فما لك موضعًا في كـل يوم *** تلقّى من يحجّ من النـسـاء

مقيمًا في قرى شاهي ثلاثـا *** بلا زاد سوى كسـرٍ ومـاء

يزيد النـاس خـيرًا كـلّ يوم *** فترجع يا شريك إلـى وراء

وقال فيه أيضًا‏:‏

فليت أبا شريك كـان حـيا *** فيقصر حين يبصره شريك

ويترك من تدرّيه علـيّنـا *** إذا قلنا لـه هـذا أبـوك

شعر في بعض الحكام غير العدول

وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام‏:‏

أبكي وأندب بهجة الإسـلام *** إذ صرت تقعد مقعد الحكّام

إن الحوادث ما علمت كثيرة *** وأراك بعض حوادث الأيام

حدّثني يزيد بن عمرو قال‏:‏ حدّثني القاسم بن الفضل قال‏:‏ حدّثني رجل من بني جرير أن رجلًا منهم خاصم رجلًا إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول‏:‏

رأيت أحلامًا فعبّرتـهـم *** وكنت للأحلام عـبّـارا

رأيتني أخنق ضبًّا علـى *** حجر وكان الضبّ سوّارا

في الشهم دات

أقوال في الشهم دة

حدّثني أبو حاتم قال‏:‏ حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب‏:‏ إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز شهم دته‏.‏ قال‏:‏ وقال سوّار‏:‏ ما أعلم أحدًا أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته‏.‏ يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته‏.‏

قال‏:‏ وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار‏:‏ وما يدريك أنه ابنه‏؟‏ قال‏:‏ كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب‏.‏

قال‏:‏ وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال‏:‏ أشهد أنهم من الماء إلى السماء‏.‏

وشهد آخر فقال للكاتب‏:‏ اكتب شهم دتهما‏.‏ فقال‏:‏ أيّ شي ء أكتب‏؟‏ فقال‏:‏ كلّ شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه‏.‏

قال‏:‏ وشهد رجل عند سوار، فقال له‏:‏ ما صناعتكن‏؟‏ قال‏:‏ أنا مؤدّب‏.‏ قال‏:‏ فإنّا لا نجيز شهم دتكن‏.‏ قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجرًا‏.‏ قال‏:‏ وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرًا‏.‏ قال إني أكرهت على القضاء‏.‏ قال‏:‏ يا هذا، القضاء أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق‏؟‏ قال‏:‏ هلمّ شهم دتكن‏.‏ فأجازهم‏.‏

قال‏:‏ وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال‏:‏ قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا‏.‏ فقيل له حين انصرف‏:‏ إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن‏.‏ قال‏:‏ وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف محصنة‏.‏

شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلى

وجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك‏:‏

إن القوم غطّوني تغطيت دونهم *** وإن بحثوا عني ففيهم مباحـث

وإن حفروا بئري حفرت بئارهم *** ليعلم ما تخفيه تلك النّـبـائت

فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء‏.‏

من قضاء ابن شبرمة

أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولًا فسألهم‏:‏ كم في القراح من نخلة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا نعلم‏.‏ فردّ شهم دتهم‏.‏ فقال له رجل منهم‏:‏ أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا‏:‏ كم فيه من أسطوانة‏؟‏ فأجازهم‏.‏

شعر في خصومة القاضي

وقال بعض الشعراء‏:‏

والخصم لا يرتجى النجاة لـه *** يومًا إذا كان خصمه القاضي

قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه

قدم رجلًا خصمًا له إلى زياد في حق له عليه، فقال‏:‏ إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته‏:‏ إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذًا عنيفًا، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه‏.‏

في الحكم إلى الأخوان

وقال أبو اليقظان‏:‏ كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضيًا وكان يميل في الحكم إلى إخوانه‏.‏ فقيل له في ذلك‏.‏ فقال‏:‏ وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه‏؟‏

قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير

قال المدائني‏:‏ كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة‏.‏ قال‏:‏ فقالا‏:‏ نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما‏:‏ أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان‏!‏ وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين‏!‏ والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا‏"‏إن شئتما فأدليا بحجتكنما‏"‏وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما‏.‏ فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا‏.‏

فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهم

وكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول‏:‏ اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان‏.‏ فيمن لاتقبل شهم دته في البادية

وقال أبو البيداء‏:‏ سمعت شيخًا من الأعراب يقول‏:‏ نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله‏.‏ قال أبو البيداء‏:‏ فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي‏.‏

لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق

وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري‏:‏ أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق‏؟‏ قال‏:‏ لا، وسأريكم‏.‏ ادعوا لي أبا مودود حاجبي‏.‏ فلما جاء قال له‏:‏ اخرج حتى تنظر ما الريح‏؟‏ فخرج ثم رجع فقال‏:‏ شمال يشوبهم شيء من الجنوب‏.‏ فقال‏:‏ أتروني كنت مجيزًا شهم دة مثل هذا‏؟‏

بين الأعمش ومحارب بن دثار

في ولاية القضاء والعزل عنه

قال الأعمش‏:‏ قال لي محارب بن دثار‏:‏ وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك‏؟‏ فقلت له‏:‏ وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك‏.‏ فقاتل‏:‏ إنه لكما قلت‏.‏

بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان

قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخًا كبيرًا‏.‏ فقال له القاضي‏:‏ أتقدّم شيخًا كبيرًا‏؟‏ فقال له إياس الحق أكبر منه‏.‏ قال‏:‏ اسكت‏.‏ قال‏:‏ فمن ينطق بحجتي‏؟‏ قال‏:‏ ما أظنك تقول حقًا حتى تقوم‏.‏ قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللّه‏.‏ فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال‏:‏ اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس‏.‏

قول أعرابي لخصمٍ له

قال أعرابي لخصم له‏:‏ ‏"‏واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف‏"‏‏.‏

باب الأحكام

قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرع

حدّثني عبد ة بن عبد الله قال‏:‏ حدّثنا وهب بن جرير قال‏:‏ حدّثني أبي قال‏:‏ سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏"‏قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع‏"‏‏.‏

كفالة النبي رجلًا في تهمة

حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ ‏"‏كفل النبي عليه السلام رجلًا في تهمة‏"‏‏.‏

من أحكام النبيّ

قال‏:‏ وحدّثني أيضًا عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ قال أبو هريرة‏:‏ ‏"‏حبس النبي في اللّهمة حبسًا يسيرًا حتى استبرأ حدّثني يزيد قال‏:‏ حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن‏:‏ ‏"‏أنّ رسول اللّه صلب رجلًا على جبل يقال له‏:‏ رباب‏"‏وقال لي رجل بالمدينة‏:‏ هو ذو رباب‏.‏

حدّثني أحمد بن خليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏أتى ماعز بن مالك النبي فقال‏:‏ إني زنيت يا رسول اللّه‏.‏ فقال‏:‏ لعلك مسست أو لمست أو غمزت‏.‏ فقال‏:‏ لا‏.‏ بل زنيت‏.‏ فأعادهم عليه ثلاثًا، فلما كان في الرابعة رجمه‏"‏‏.‏

من أحكام أبي الدرداء

حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال‏:‏ أسرقت‏؟‏ قولي‏:‏ لا‏.‏

بين زياد والأحنف

حدّثني سهل بن محمد قال‏:‏ حدّثني الأصمعيّ قال‏:‏ جاءوا زيادًا بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا‏:‏ اصدق الأمير‏.‏ فقال الأحنف‏:‏ إن الصدق أحيانًا معجزة‏.‏ فأعجب ذلك زيادًا وقال‏:‏ جزاك اللّه خيرًا‏.‏

لابن عباس في جزّ الرأس واللحية

حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لا أن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكًا لمرضاته‏"‏‏.‏

لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبة

حدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ ‏"‏إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية‏"‏‏.‏

من أحكام مروان بن الحكم

حدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال‏:‏ حدّثنا سلابن قتيبة قال‏:‏ حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال‏:‏ كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلًا فضرط بأربعين درهمًا‏.‏

لابن مسعود

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ

حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال‏:‏ كان عامر بن الظّرب العدواني حكم العرب، فنزل به قوم يستفتونه في خنثى وله جارية يقال لهم خصيلة‏.‏ وربما لامهم في الإبطاء في الرعي وفي الشيء يجده عليهم‏.‏ فقال‏:‏ يا خصيلة لقد حبست هؤلاء القوم وريّثتهم حتى أسرعت في غنمي‏.‏

قالت‏:‏ وما يكن عليك من ذلك‏؟‏ أتبعه مباله‏.‏ فقال لهم‏:‏ ‏"‏مسّي خصيل بعدهم أو روّحي‏"‏‏.‏

‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسان

قال‏:‏ وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث‏.‏ فقال‏:‏ من لهذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ أرسل إلى جابر بن زيد‏.‏ فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال‏:‏ ما تقول‏:‏ في هذا‏؟‏ فقال‏:‏ ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى‏.‏

رفض شريح بالقضاء في الطنبور

حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال‏:‏ حدّثنا سلابن قتيبة قال‏:‏ حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلًا كسر طنبورًا لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح‏:‏ لا أقضي في الطنبور بشيء‏.‏

بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال‏:‏ قال لي أبو العجاج‏:‏ يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك‏.‏ أي لاتقر‏.‏

‏؟‏حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاء

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال‏:‏ ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له‏:‏ بم تردّهم‏؟‏ قال له‏:‏ بالحمق‏.‏ فقال لهم إياس‏:‏ أيّ رجليك أطول‏؟‏ فقالت‏:‏ هذه‏.‏ فقال‏:‏ أتذكرين ليلة ولدت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏ فقال إياس‏:‏ ردّ ردّ‏.‏

قضاء الشعبي وهو على جلد أسد

حدّثني أبو الخطاب قال‏:‏ حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال‏:‏ رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد‏.‏

الظلم

كلام المظلوم ووجه الظالأ

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال‏:‏ حدّثني الأصمعيّ قال‏:‏ أخبرنا بعض أشياخ البصرة أن رجلًا وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم فقال‏:‏ يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم ‏!‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏ فأهوى زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن وجههم فقال العامل‏:‏ عليك اللعنة‏؟‏ كلام مظلومٍ ووجه ظالمٍ‏.‏

وأنشد الرياشيّ في نحو هذا‏:‏

رأيت أبا الحجناء في الناس جائرًا *** ولون أبي الحجناء لون البهـم ئم

تراه على ما لاحه مـن سـواده *** وإن كان مظلومًا له وجه ظـالأ

في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلًا يظلم ويعتدي يقول‏:‏ فلان لا يموت سويًّا‏.‏ فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له‏:‏ مات فلان سويًا‏.‏ فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار‏.‏ فقال‏:‏ إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم‏.‏

رسالة كاتب إلى السلطان

كتب رجل من الكتّاب إلى سلطان‏:‏ ‏"‏أعيذك باللّه من أن تكون لاهيًا عن الشكر محجوبًا بالنعم صارفًا فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم‏.‏ هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال‏:‏ حدّثنا معاوية بن عمرو قال‏:‏ حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال‏:‏ ‏"‏يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة‏"‏‏.‏

‏؟‏لمعاوية في الظلم

وكان معاوية يقول‏:‏ ‏"‏إني لأستحي أن أظلم‏"‏من لا يجد عليّ ناصرًا إلا اللّه‏"‏‏.‏

وقال بلال‏:‏ ‏"‏إني لأستحي أن أظلم‏"‏وأحرج أن أظلموكان يقال‏:‏ إذا أراد اللّه أن يتحف عبد ًا قيّض له من يظلمه‏.‏

كتب رجل إلى سلطان‏:‏ ‏"‏أحق الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه وأولاهم بالإنصاف من بسطت بالقدرة يداه‏"‏‏.‏

في أن الظّلم يخرب الديار

ذكر الظالأفي مجلس ابن عباس فقال كعب‏:‏ إني لا أجد في كتاب اللّه المنزّل أن الظلم يخرب الديار‏.‏ فقال ابن عباس أنا أوجدكه في القرآن، قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏فتلك بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا‏}‏‏.‏

القوة في الحق

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال‏:‏ كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير على إبل الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له جملًا، فجاء الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس‏:‏ كبرت واللّه يا فرعان‏.‏ فقال‏:‏ لاواللّه ولكن جذبني جذبة محقٍّ‏.‏

وكان سديف بن ميمون مولى اللّهبين يقول‏:‏ اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثًا بعد الاختيار للأمة‏.‏ واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّة‏.‏ اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهم يته واجتمع طريده‏.‏ اللهم فأتح له يدًا من الحق حاصدة تبدّد شمله وتفرّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره وأتم نوره‏.‏

بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح

ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا‏:‏ قتلناه وصلبناه‏.‏ فقال‏:‏ فهل أديتم ديته‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم‏.‏ فلم يبرحوا حتى أدّوهم‏.‏

بين أبي العاج ونصراني

كان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال‏:‏ ما اسمك‏؟‏ فقال‏:‏ بنداذ شهر بنداذ‏.‏ فقال‏:‏ اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ‏!‏ لا واللّه العظيم‏.‏ قال‏:‏ فأخذ منه ثلاث جزًى‏.‏

حكم أعرابي

ولي أعرابي‏"‏تبالة‏"‏فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال‏:‏ إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضربًا‏.‏ فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه‏.‏

شعر في الظلم

قال بعض الشعراء‏:‏

بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد مـا *** دفنتم بصحراء الغمير الـقـوافـيا

فلسنا كمن كنتم تـصـيبـون سـلّة *** فنقبل ضيما أو نحـكّـم قـاضـيا

ولكن حكم السيف فيكم مـسـلّـط *** فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيًا

فإن قلتم إنا ظلمنـا فـلـم نـكـن *** ظلمنا ولكنّا أسأنـا الـتـقـاضـيا

‏"‏وقال آخر‏:‏

تفرح أن تغلبني ظالمـًا *** والغالب المظلوم لو تعلم‏"‏

دعاء في الوقاية من ظلم السلطان

وكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا‏:‏ ‏"‏بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا‏"‏‏"‏آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره‏.‏ أخذت قوّتكن بقوّة اللّه‏.‏ بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة‏.‏ جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك‏"‏‏.‏

في ظلم الأمراء وأولي الأمر

وقال بعض الشعراء‏:‏

ونستعدي الأمير إذا ظلمنا *** فمن يعدي إذا ظلم الأمير

‏"‏وقال آخر‏:‏

إذا كان الأمير عليك خصما *** فلا تكنثر فقد غلب الأمير‏"‏

وكتب رجل إلى صديق له‏:‏ قد كنت أستعديك ظالمًا على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلومًا فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل‏:‏

كنت من كربتي أفرّ إليهم *** فهم كربتي فأين الفرار

‏"‏ونحوه‏:‏

والخصم لا يرتجى النجاح له *** يومًا إذا خصمه القاضـي‏"‏

للأصمعي في إباء العدل

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال‏:‏ كان يقال‏:‏ ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شرًا منه‏.‏ قال‏:‏ وقال الأحنف‏:‏ ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله‏.‏

شعر للبعيث

وقال البعيث‏:‏

وإني لأعطي النّصف من لو ظلمته *** أقرّ وطابت نفسه لي بالـظّـلـم

للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب

وقال الطائي‏:‏

يرى العلقم المأدوم بالعـزّ أريةً *** يمانيةً والأري بالضيم علقـمـا

إذا فرشوه النّصف نامت شذاتـه *** وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما

وقال العباس بن عبد المطلب‏:‏

أبى قومنا أنى ينصفونا فأنصفت *** قواطع في أيماننا تقطر الدمـا

تركناهم لا يستجلّون بـعـدهـم *** لذي رحمٍ يومًا من الدهر محرما

كتاب عمر بن عبد العزيز

إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلم

بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله‏:‏ أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام‏.‏

بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمه

سمع ابن سيرين رجلًا يدعو على من ظلمه، فقال‏:‏ أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك‏.‏

قولهم في الحبس

شكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس

‏"‏في الحديث المرفوع‏:‏ ‏"‏شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه‏:‏ من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت‏:‏ ‏{‏ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه‏}‏ ولو قلت‏:‏ ‏(‏العافية أحبّ عليّ لعوفيت‏)‏‏.‏

دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجن

حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال‏:‏ ‏"‏إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال‏:‏ اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار‏"‏فيقال‏:‏ أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد‏.‏

ما كتب على باب سجين

وكتب على باب السجن‏:‏ ‏"‏هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء‏"‏‏.‏

شعر للرياشي في السجن

أنشدني الرياشيّ‏:‏

ما يدخل السجن إنسانٌ فتسأله *** ما بال سجنك إلا قال مظلوم

ولأعرابي، ثم لأحد المساجين

وقال أعرابي‏:‏

ولمّا دخلت السجن كبّر أهـلـه *** وقالوا أبو ليلى الغـداة حـزين

وفي الباب مكتوبٌ على صفحاته *** بأنك تنزو ثـمّ سـوف تـلـين

ويقال‏:‏ إنّ قولهم‏"‏تنزو وتلين‏"‏زؤي مكتوبًا على باب حبس فضربه الناس مثلا‏.‏

وقال بعض المسجونين‏:‏

وبتّ بأحصنـهـم مـنـزلًا *** ثقيلًا على عنق السـالـك

ولست بضيف ولا في كـرا *** ولا مستعـير ولا مـالـك

وليس بغصبٍ ولا كالرّهون *** ولا يشبه الوقف عن هم لك

ولي مسمعان فأدنـاهـمـا *** يغنّي ويسمع في الحالـك

وأقصاهما ناظرٌ في السمـا *** ء عمدًا وأوسخ من عارك

المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس‏.‏ ونحوه قول الآخر‏:‏

ولي مسمعان وزمّـارة *** وظلٌّ مديد وحصن أمق

الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور‏.‏

بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوان

قال أبو عبيد ة‏:‏ اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول‏:‏ سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال‏:‏ أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد‏.‏ وأمر به إلى الحبس، فقال خالد‏:‏ علام تحبسني‏؟‏ فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة‏.‏ فقال بلال‏:‏ يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص‏.‏

بين الحجاج والغضبان بن القبعثري

قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سمينًا‏:‏ ما أسمنك‏؟‏ قال‏:‏ القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن‏.‏

خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر له

كان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال‏:‏

ولما أحلّوني بصلـعـاء صـيلـمٍ *** بإحدى زبى ذي اللّبدتين أبي الشّبل

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبلٍ *** على رغم آناف النوابح والمشلـي

عليّ ثياب الغانـيات وتـحـتـهـم *** عزيمة مرءٍ أشبهت سلّة النصـل

شعر للفرزدق

وكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال‏:‏

وأني لأرجو خالدًا أن يفكّنـي *** ويطلق عني مقفلات الحدائد

فإن يك قيدي ردّ همّي فربمـا *** تناولت أطراف الهموم الأباعد

وما من بلاء غير كلّ عشـية *** وكل صباح زائرٍ غير عـائد

يقول لي الحداد هل أنت قـائم *** وما أنا إلا مثل آخر قـاعـد

لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس

وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس‏:‏

لعمري لقد أعمرتم السجن خالـدًا *** وأوطأتموه وطأة المـتـثـاقـل

إن تحبسوا القسريّ لا تحبسوا اسمه *** ولا تستجنوا معروفه في القبـائل

وقال بعض المسجّنين‏:‏

أسجنٌ وقيد واغتراب وعسرة *** وفقد حبيب‏!‏ إن ذا لعظـيم

وإن آمرأ تبقى مواثيق عهده *** على كل هذا، إنه لـكـريم

وقال آخر مثله‏:‏

إلى اللّه أشكو إنه موضع الشكوى *** وفي يده كشف المصيبة والبلـوى

خرجنا من الدنيا ونحن من آهلهـم *** فلسنا من الأحياء فيهم ولا الموتى

إذا جاءنا السجّان يومـًا لـحـاجة *** عجبنا وقلنا جاء هذا من الـدنـيا

وتعجبنا الرؤيا فـجـلّ حـديثـنـا *** إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا

فإن حسنت لم تأت عجلي وأبطأت *** وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى

وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس‏:‏ يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد‏.‏

بين الفرزدق والمهلب وهو محبوس

ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال‏:‏

أصبح في قيدك السماحة وال *** جود وحملٌ لمضلع الأثقال

فقال له‏:‏ أتمدحني على هذه الحال‏؟‏ فقال‏:‏ أصبتكن رخيصًا فاشتريتكن‏.‏

بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعرًا

وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم‏:‏

تفديك نفسي من كل ما كرهت *** نفسك إن كنت مذنبًا فاغفـر

يا ليت قلبي مصوّر لـك مـا *** فيه لتستقين الـذي أضـمـر

فوقّع الرشيد في رقعته‏:‏ لا بأس عليك‏.‏ فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم‏:‏

كأنّ الخلق ركّب فـيه روح *** له جسد وأنت علـيه رأس

أمين اللّه إن الحبـس بـأسٌ *** وقد وقّعت‏"‏ليس عليك بأس‏"‏

فأمر بإطلاقه‏.‏

الحجاب

بين عبد العزيز بن زرارة ومعاوية، وقد حجبه عنه يومًا، وشعر له في ذلك أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال‏:‏ من يستأذن لي اليوم فأدخله غدًا‏؟‏ وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال‏:‏ هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلًا إلا عليك‏.‏ أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار‏.‏ يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر‏.‏ فأكرمه وقرّبه‏.‏ فقال في ذلك‏:‏

دخلت على معاوية بن حرب *** وذلك إذ يئست من الدخـول

وما نلت الدخول عليه حتّـى *** حللت محلّة الرجل الذلـيل

وأغضبت الجفون على قذاهم *** ولم أسمع إلى قـالٍ وقـيل

فأدركت الذي أمّلـت فـيه *** بمكثٍ والخطا زاد العجول

وقال غير العتبي‏:‏ لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له‏:‏ ‏"‏إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقوامًا قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان‏.‏ وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس‏.‏ وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر‏"‏‏.‏

شعر لعبد العزيز بن

زرارة في حجاب معاوية إياه

وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ‏:‏

من يأذن اليوم لعبد العزيز *** يأذن له عبد عزيزٍ غـدًا

قال أبو اليقظان‏:‏ كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب‏.‏

رد أبي سفيان على حجب عثمان إياه

أستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه‏.‏ فقيل له‏:‏ حجبك أمير المؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني‏.‏

قول أبي الدرداء في حجب معاوية له

وحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء‏:‏ من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف بابًا عنه مغلقًا وجد إلى جانبه بابًا فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي‏.‏

وظيفة الحاجب ودوره

قال رجل لحاجبه‏:‏ إنك عين أنظر بهم وجنّة أستنيم إليهم، وقد ولّيتكن بابي، فما تراك صانعًا برعيتي‏؟‏ قال‏:‏ أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر منازلهم عندك وأضعهم في إبطائهم عن زيارتكن ولزومهم خدمتكن مواضع استحقاقهم وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك‏.‏ قال‏:‏ قد وفّيت ما لك وما عليك إن صدّقته بفعل‏.‏ و كان يقال‏:‏ حاجب الرجل حارس عرضه‏.‏

قول أبرويز لحاجبه يحدد دوره

وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه‏:‏ ‏"‏لا تقدّمن مستغيثًا ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته‏.‏ وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّمًا له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغًا به ولم يزدرعه تثميرًا له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه‏.‏ لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سرارًا‏.‏ وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرًّا ثم أدخله بعد أن تستأذن له‏.‏ حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله‏:‏ ما علمه ذلك‏؟‏ ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضًا، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك‏"‏‏.‏

قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه

الهيثم قال‏:‏ قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه‏:‏ ‏"‏لا تحجبني عنّي أحدًا إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث‏:‏ عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله‏"‏‏.‏

شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي

ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال‏:‏

إذا آعتصم الوالي باغلاق بـابـه *** وردّ ذوي الحاجات دون حجابـه

ظننت بهم حدى ثـلاث وربّـمـا *** نزعت بظنٍّ واقعٍ بـصـوابـه

فقلت به مسٌّ من العيّ ظـاهـرٌ *** ففي إذنه للناس إظهم ر ما بـه

فإن لم يكن عيّ اللسان فغـالـبٌ *** من البخل يحمي ما له عن طلابه

فإن لم يكـن هـذا ولاذا فـريبةٌ *** يصرّ عليهم عند إغـلاق بـابـه

لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبه

وقال بعض الشعراء‏:‏

أعلمن إن كنت تعلمـه *** أن عرض الملك حاجبه

فبه تبدو مـحـاسـنـه *** وبه تبـدو مـعـايبـه

شعر في الحاجب

وقال آخر‏:‏

كم من فتى تحمد أخلاقه *** وتسكن الأحرار في ذمّته

قد كثّر الحاجب أعـداءه *** وسلّط الذمّ على نعمتـه

قول جماعة على باب عمر بن الخطاب

حضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال‏:‏ أين صهيب‏؟‏ أين عمّار‏؟‏ أين سلمان‏؟‏ فتمع0ّرت وجوه القوم‏.‏ فقال واحد منهم‏:‏ لم تتمعّر وجوهكم‏؟‏ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر‏.‏

شعر في حاجب

وقال بعض الشعراء‏:‏

سأترك هذا الباب ما دام إذنـه *** على ما أرى حتى يخفّ قليلا

إذا لم نجد للاذن عندك موضعا *** وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا

وقال آخر لحاجب‏:‏

سأترك بابًا أنـت تـمـلـك إذنـه *** وإن كنت أعمى عن جميع المسالك

فلو كنت بوّاب الجنان تركـتـهـم *** وحوّلت رحلي مسرعا نحو مالـك

وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف‏:‏

لئن عدت بعد اليوم إنـي لـظـالـم *** سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم

متى ينجح الغـادي إلـيك بـحـاجة *** ونصفك محجوب ونصفـك نـائم‏؟‏

وقال آخر‏:‏

ولست بمتّخذ صاحـبـا *** يقيم على بابه حاجبـا

إذا جئت قال له حـاجةٌ *** وإن عدت ألفيته غائبا

ويلزم إخوانـه حـقـه *** وليس يرى حقّهم واجبا

فلست بلاقيه حتى الممات *** إذ أنا لم ألقـه راكـبـا

وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائمًا‏:‏

ألا ربّ نصح يغلق الباب دونه *** وغشٍّ إلى جنب السرير يقرّب

وقال آخر‏:‏

ما ضاقت الأرض على راغب *** يطّلب الـرزق ولا هـم رب

بل ضاقت الأرض على طالب *** أصبح يشكو جفوة الحاجـب

كتاب رجل حجب عن باب السلطان

وحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه‏:‏ ‏"‏نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك‏"‏ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك‏"‏ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدرًا ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا‏"‏‏.‏

شعر لبشار

وقال بشار، وقيل هو لغيره‏:‏

تأبى خلائق خالد وفـعـالـه *** إلا تجنّب كـلّ أمـر عـائب

فإذا أتيت الباب وقـت غـدائه *** أذن الغداء برغم أنف الحاجب

اشعار في الحاجب والحجاب

وهذا ضد قول الآخر‏:‏

إذا تغـدّى فـر بـوابـه *** وآرتدّ من غير يدٍ بـابـه

ومات من شهوة ما يحتسي *** عياله طرًّا وأصحـابـه

وقال آخر‏:‏

يا أميرا على جريب من الأر *** ض له تسعة من الحجّـاب

قاعدًا في الخراب يحجب عنه *** ما سمعنا بحاجب في خراب‏!‏

وقال آخر‏:‏

على أي باب أطلب الاذن بعد ما *** حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه

وقال الطائي‏:‏

يا أيهم الملك النـائي بـرؤيتـه *** وجوده لمراعي جـوده كـثـب

ليس الحجاب مقصٍ عنك لي أملا *** إن السماء ترجّى حين تحتجـب

وقال أيضًا‏:‏

ومحجّبٍ حاولتـه فـوجـدتـه *** نجمًا عن الركب العفاة شسوعا

أعدمته لما عـدمـت نـوالـه *** شكري فرحنا معدمين جميعـا

وقال آخر‏:‏

قد أطلنا بالباب أمس القعـودا *** وجفينا بـه جـفـاء شـديدا

وذممنا العبيد حتـى إذا نـح *** ن بلونا المولى عذرنا العبيد ا

وحجب رجل فكتب‏:‏

أبا جعفر إن الولاية إن تـكـن *** منبّلة قومًا فأنت لـهـم نـبـل

فلا ترفع عنا لشـيء ولـيتـه *** كما لم يصغّر عندنا شأنك العزل

كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسه

وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له‏:‏ ‏"‏إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم‏"‏وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلسًا ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك‏.‏ فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك‏.‏ وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك‏"‏‏.‏

بين معاوية وحضين بن المنذر

أبو حاتم عن العتبيّ قال‏:‏ قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس‏:‏ يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك‏.‏ فانشأ يقول‏:‏

كل خفيف الشأن يسعى مشمّرا *** إذا فتح البوّاب بابك إصبـعـا

ونحن الجلوس الماكثون رزانةً *** وحلمًا إلى أن يفتح الباب أجمعا

شعر في بشر بن مروان

وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان‏:‏

بعيد مردّ العين ما ردّ طـرفـه *** حذار الغواشي باب دار ولا ستر

ولو شاء بشر كان من دون بابـه *** طماطم سودٌ أو صقالبةٌ حمـر

ولكن بشرا يسّر الباب لـلـتـي *** يكون له في غبّهم الحمد والأجر

وقال بشر‏:‏

فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنـه *** مخافة أن يرجى نداه حـزين

إذا جئته في العرف اغلق بابـه *** فلم تلقـه إلا وأنـت كـمـين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا *** وفي كل معروف عليك يمـين

مدح لابن هرمة

وقال ابن هرمة يمدح‏:‏

هشٌّ إذا نزل الوفود ببابـه *** سهل الحجاب مؤدّب الخدّام

وإذا رأيت شقيقه وصديقـه *** لم تدر أيّهما أخو الأرحـام

وكتب رجل إلى بعض الملوك‏:‏

إذا كان الجواد له حـجـاب *** فما فضل الجواد على البخيل

فكتب إليه الآخر‏:‏

إذا كان الجواد قليل مال *** ولم يعذر تعلّل بالحجاب

وقال عبيد اللّه بن عكراش‏"‏‏:‏

وإني لأرثي للكـريم إذا غـدا *** على طمع عند اللئيم يطالـبـه

وأرثي له من مجلس عند بابـه *** كمرثيتي للطّرف والعلج راكبه

وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له‏:‏

أتيتكن زائرًا لقضـاء حـق *** فحال السّتر دونك والحجاب

ولست بصساقطٍ في قدر قوم *** وإن كرهوا كما يقع الذّباب

شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيع

أبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال‏:‏ كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح‏.‏ فقام ناحية وأنشأ يقول‏:‏

رأيت آذننـا يعـتـام بـزّتـنـا *** وليس للحسب الزاكي بمعـتـام

ولو دعينا على الأحساب قدّمنـي *** مجدٌ تليد وجدّ راجـح نـامـي

متى رأيا الصقور الجدل يقدمهم *** خلطان من رخمٍ قرع ومن هم م

بين معاوية وشريك الحارثي

دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه‏.‏ مثلك ينكر مثلي من رعيته‏!‏ فقال له معاوية‏:‏ إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن‏.‏

في آداب الدخول على الملوك

استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه‏.‏ فقال معاوية‏:‏ إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك‏.‏ فقم لا أقام اللّه لك وزنًا‏.‏

دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيز

دخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه‏.‏ فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس‏:‏ هذا أبو مجلز‏.‏ فردّه واعتذر إليه وقال‏:‏ إني لم أعرفك‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني‏.‏

أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد

قال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد‏:‏

على باب ابن منصورٍ *** علاماتٌ من البـذل

جماعاتٌ وحسب البـا *** ب فضلًا كثرة الأهل

وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء ومن قرع المراح‏.‏

وقال بعض الشعراء‏:‏

ما لي أرى أبوابهم مهجـورة *** وكأنّ بابك مجمـع الأسـواق

ألجوك أم خافوك أم شاموا الحيا *** بحراك فانتجعوا من الآفـاق

وقال آخر‏:‏

يزدحم الناس علـى بـابـه *** والمشرع العذب كثير الزحام

وقال آخر‏:‏ إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام‏.‏

شعر لبشار

وقال بشار‏:‏

ليس يعطيك للرجاء ولا الخو *** ف ولكن يلذّ طعم العطـاء

يسقط الطير حيث ينتثر الح *** بّ وتغشى منازل الكرماء

بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهول

دقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏ قال عمر‏:‏ ما نعرف أحدًا من إخواننا يسمّى أنا‏.‏

قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافة

خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يومًا فقال له قائل‏:‏ كيف رأيت الناس‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت الداخل راجيًا ورأيت الخارج راضيًا‏.‏ شعر لأبي العتاهية، وغيره

قال أبو العتاهية‏:‏

إذا آشتدّ دوني حجاب آمرىء *** كفيت المؤونة حـجّـابـه

حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال‏:‏

أهين لهم نفسي لأكرمهم بهم *** ولا يكرم النفس الذي لايهينهم

وقال جرير‏:‏

قوم إذا حضر الملوك وفودهم *** نتفت شواربهم على الأبواب

وقال آخر‏:‏

فلما وردت الباب أيقنت أننـا *** على اللّه والسلطان غير كرام

وقال أبو القمقام الأسدي‏:‏

أبلغ أبا مالك عني مغـلـغـلة *** وفي العتاب حياةٌ بـين أقـوام

أدخلت قبلي قوماٌ لم يكن لـهـم *** من قبل أن يلجوا الأبواب قدّامي

لو عدّ بيتٌ وبيتٌ كنت أكرمهـم *** بيتًا وأبعدهم من منـزل الـذام

فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلـت *** بباب دارك أدلوهـم بـأقـوام

التلطف في مخاطبة السلطان وإلقاء النصيحة إليه

بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحة

العتبي قال‏:‏ قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك‏.‏ وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعًا‏؟‏ أم أقول مشفقًا‏؟‏ فقال‏:‏ كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه‏.‏ ونعود فنقول‏:‏ فقتل بعد أيام‏.‏

من كتاب للهند في نصيحة السلطان

وفي إلقاء النصيحة إليه‏:‏ قرأت في كتاب للهند أن رجلًا دخل على بعض ملوكهم فقال له‏:‏ أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقًا مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا‏"‏موصول‏"‏ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدًّا من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني‏"‏أو خفت ألّا تقبل مني‏"‏فإنه يقال‏:‏ من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه‏.‏

الخفوت في طاعته

بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاء

قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد‏:‏ إني قد أعددتكن لأمر‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين، إن اللّه قد أعدّ لك منّي قلبًا معقودًا بنصيحتكن ويدًا مبسوطة بطاعتكن وسيفًا مشحوذًا على عدوّك فإذا شئت فقل‏.‏

وفي مثله‏:‏ قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ قال لي جعفر بن يحيى‏:‏ آغد عليّ غدا لكذا‏.‏ فقلت‏:‏ أنا والصبح كفرسي رهم ن‏.‏

وفي مثله‏:‏ أمر بعض الأمراء رجلًا بأمر فقال له‏:‏ أنا أطوع لك من اليد وأذل لك من النّعل‏.‏

وقال آخر‏:‏ أنا أطوع لك من الرّداء وأذلّ لك من الحذاء‏.‏

التلطّف في مدحه

خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز

قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز‏:‏ من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم، فأنت كما قال القائل‏:‏

وإذا الدّرّ زان حسن وجوه *** كان للدّر وجهـك زينـا

فقال عمر‏:‏ أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا‏.‏

نصيحة أديب لوزير

وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء‏:‏ ‏"‏إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعًا، ولا بسطا وإيناسًا إلا ازددت له من العامة قربا‏.‏ ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم

بين الرشيد والعماني الراجز

وفي مدحه‏:‏ دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخفّ ساذج، فقال له الرشيد‏:‏ يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفّان دلقمان فبكّر إليه من الغد وقد تزيّا بزيّ الأعراب ثم أنشده وقبّل يده وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين قد واللّه أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبّلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السّفاح ثم المنصور ثم المهدي‏.‏ كلّ هؤلاء رأيت وجوههم وقبّلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء والسادة والرؤساء، واللّه مارأيت فيهم أبهى منظرًا ولا أحسن وجهم ولا أنعم كفًّا وأندى راحةً منك يا أمير المؤمنين‏.‏ فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام‏.‏

كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحه

وفي المديح‏:‏ كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال‏:‏ ‏"‏إن اللّه قد جعل جدّك عاليًا وجعلك في كل خير مقدمًا وإلى غاية كل فضل سابقًا وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريبًا، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت‏.‏ وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه‏"‏‏.‏

بين الرشيد وبعض الشعراء

وفي مدحه‏:‏ قال الرشيد يومًا لبعض الشعراء‏:‏ هل أحدّثت فينا شيئًا‏؟‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ‏:‏

ماذا يرى قائلٌ يثني عليك وقـد *** ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير

فتّ المدائح إلا أن ألـسـنـنـا *** مستنطقات بما تخفي الضمائير

‏"‏في عترة لم تقم إلا بطاعتهـم *** من الكتاب ولك تقض المشاعير

هذي يمينك في قربـاك صـائلة *** وصارمٌ من سيوف الهند مأثور‏"‏

رسالة إلى أمير

وفي مدحه‏:‏ كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء‏:‏ ‏"‏إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عونًا على تجاوزهم‏.‏ ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول‏"‏‏.‏

وإلى وزير

وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير‏:‏ ‏"‏مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له‏"‏‏.‏

لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاوية

وفي مثل ذلك‏:‏ لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد‏:‏ قم يا أبا أمية‏.‏ فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏"‏أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية‏:‏ أوسعت يا أبا أمية فاجلس‏.‏

في مدح الحسن بن سهل

وفي مثل ذلك‏:‏ قال رجل للحسن بن سهل‏:‏ ‏"‏يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم‏"‏‏.‏

في مدح محمد بن عبد الملك

وفي مثل ذلك‏:‏ كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك‏:‏ ‏"‏إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة‏"‏‏.‏

في مدح وزير

وفي مثل ذلك‏:‏ كتب آخر إلى بعض الوزراء‏:‏ ‏"‏رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك‏"‏‏.‏

العتّابي يمدح خالد بن يزيد

وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد‏:‏ ‏"‏أنت أيهم الأمير وارث سلفك وبقية أعلام أهل بيتكن، المسدود بك ثلمهم والمجدّد بك قديم شرفهم والمنبّه بك أيام صيتهم والمنبسط بك‏"‏آمالنا والصائر بك أكالنا والمأخوذ بك‏"‏حظوظنا، فإنه لم يخمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا آمّحت معاهد من خلفته في مرتبته‏"‏‏.‏

في شكر الملك وحمده

قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك‏:‏ ‏"‏الحمد اللّه الذي أعلقني سببًا من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ‏"‏‏.‏

في شكر أردشير وتعداد نعمه

وفي شكره وتعداد نعمه‏:‏ قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيبًا فقال‏:‏ ‏"‏لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت‏"‏‏.‏

قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه

وفي مثله‏:‏ قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه‏:‏ ‏"‏قدمت فأعطيت كلًا بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد‏"‏‏.‏

شكر وزير

كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له‏:‏ ‏"‏من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه‏"‏‏.‏

مثله في الشكر

قرأت في كتاب‏:‏ ‏"‏ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزًّا نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود‏"‏‏.‏

التلطف في مسألة العفو

يوشت المغني يسأل كسرى العفو

قال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه‏:‏ ‏"‏كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال‏:‏ أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه‏؟‏ قال كسرى‏:‏ دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة‏.‏ وفي العفو أيضًا

قال رجل للمنصور‏:‏ ‏"‏الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين‏"‏‏.‏

وفي العفو

جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال‏:‏ أيهم الأمير إن لي عليك حقًا‏.‏ قال‏:‏ وماحقك عليّ‏؟‏ قال‏:‏ سبّك عبد الرحمن يومًا فرددت عنك‏.‏ قال‏:‏ ومن يعلم ذاك‏؟‏ فقال الرجل‏:‏ أنشد اللّه رجلًا سمع ذاك إلا شهد به‏.‏ فقام رجل من الأسرى فقال‏:‏ قد كان ذاك أيهم الأمير‏.‏ فقال‏:‏ خلّوا عنه‏.‏ ثم قال للشاهد‏:‏ فما منعك أن تنكر كما أنكر‏؟‏ قال‏:‏ لقديم بغضي إياك‏.‏ قال‏:‏ ويخلّى هذا لصدقه‏.‏

وفي العفو

أسر معاوية يوم صفّين رجلًا من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال‏:‏ الحمد اللّه الذي أمكن منك‏.‏ قال‏:‏ لا تقل ذاك فإنهم مصيبة‏.‏ قال‏:‏ وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي‏.‏ اضربا عنقه‏.‏ فقال‏:‏ اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله‏.‏ فقال‏:‏ قاتلك اللّه‏!‏ لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء‏.‏ خلّيا سبيله‏.‏

وفي مثله

أخذ عبد الملك بن مروان سارقًا فأمر بقطع يده فقال‏:‏

يدي يا أمير المؤمنين أعيذهـم *** بعفوك أن تلقى نكالا يشينهـم

فلا خير في الدنيا وكانت حبيبةً *** إذا ما شمالي فارقتهم يمينهـم

فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي‏.‏ فقال‏:‏ بئس الكاسب‏!‏ هذا حدّ من حدود اللّه‏.‏ فقالت‏:‏ اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم‏.‏ فعفا عنه‏.‏

وفي مثله

أخذ عبد اللّه بن عليّ أسيرًا من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال‏:‏ اذهب فأنت عتيق آستكن‏.‏ فالتفت إليه وقال‏:‏ أصلح اللّه الأمير‏!‏ رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه‏؟‏ قال‏:‏ لا،‏"‏قال‏"‏‏:‏ هذا واللّه الإدبار‏.‏ قال‏:‏ وكيف ذاك‏؟‏ قال‏:‏ ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا‏.‏

وفي مثله

خرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالسًا على غدير ماء، فقال له‏:‏ أتعرف النعمان‏؟‏ قال اليشكري‏؟‏ أليس ابن سلمى‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم‏.‏ قال له‏:‏ ويحك، النعمان بن المنذر‏!‏ قال‏:‏ قد خبرتكن‏.‏ فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك‏.‏ فقال له‏:‏ كيف قلت‏؟‏ قال‏:‏ أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخًا أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك‏.‏ فقال النعمان‏:‏ دعوه، فأنشأ يقول‏:‏

تعفو الملوك عن العظي *** م من الذنوب لفضلهـم

ولقد تعاقب في اليسـي *** ر وليس ذاك لجهلهـم

إلا ليعرف فضـلـهـم *** ويخاف شدّة نكلـهـم

إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنه

لمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون‏:‏ قد أشارا بقتلك‏.‏ فقال إبراهيم‏:‏ أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه‏.‏ وكان في اعتذاره إليه أن قال‏:‏ إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب‏.‏ فقال المأمون‏:‏ لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك‏.‏ وكان إبراهيم يقول بعد ذلك‏:‏ واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي‏.‏

شعر في طلب العفو

ومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي‏:‏

رحل الرجاء إليك مغتـربـا *** حشدت عليه نوائب الدهـر

ردّت إليك ندامتـي أمـلـي *** وثنى إليك عنانه شـكـري

وجعلت عتبك عتب موعظة *** ورجاء عفوك منتهى عذري

وقول عليّ بن الجهم للمتوكل‏:‏

عفا اللّه عنـك ألا حـرمة *** تعوذ بعفـوك أن أبـعـدا

لئن جلّ ذنب ولم أعتـمـده *** لأنت أجـلّ وأعـلـى يدا

ألم تر عبد ًا عـدا طـوره *** ومولّىً عفا ورشيدا هـدى

ومفسد أمـر تـلافـيتـه *** فعاد فأصلح مـا أفـسـدا

أقلني أقالك مـن لـم يزل *** يقيك ويصرف عنك الردى

وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حينًا ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلًا شاحبًا‏.‏ فقال‏:‏ متى اعتللت‏؟‏ فقال‏:‏

ما مسّني سقمٌ ولـكـنـنـي *** جفوت نفسي إذ جفاني الأمير

فعاد له وقال آخر‏:‏

ألا إن خير العفو عفوٌ معجّـل *** وشر العقاب ما يجاز به القدر

وكان يقال‏:‏ بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب‏.‏

وفي العفو‏:‏ قال بعضهم‏:‏ إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب للتقوى‏.‏

ونحوه‏:‏ قال رجل لبعض الأمراء‏:‏ أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي وبراءتي أحبّ إليه من جرمي‏.‏

ونحوه قول آخر‏:‏ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة‏.‏

وفي مثله‏:‏ أتى الأحنف ابن قيس مصعب بن الزبير فكلّمه في قوم حبسهم، فقال‏:‏ أصلح اللّه الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم‏.‏ فخلاّهم‏.‏

وفي مثله‏:‏ أمر معاوية بعقوبة روح بن زنباع فقال له روح‏:‏ أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتهم أو تنقض مني مرّة أنت أبرمتهم أو تشمت بي عدوًا أنت وقمته وإلاّ أتى حلمك وعفوك على جهلي وإساءتي‏.‏ فقال معاوية‏:‏ خلّيا عنه‏.‏ ثم أنشد‏:‏ إذا اللّه سنّى عقد أمرٍ تيسرا وفي مثله‏:‏ أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه اللّه منه ليفعلنّ به وليفعلن‏.‏ فقال له رجاء بن حيوة‏:‏ قد فعل اللّه ما تحب من الظفر فافعل ما يحب اللّه من العفو‏.‏

وفي مثله‏:‏ قال ابن القرّيّة للحجاج في كلام له‏:‏ أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة‏.‏ فقال الحجاج‏:‏ كلاّ، واللّه حتى أوردك جهنم‏.‏ ألست القائل برستقباذ‏:‏ تغدّوا الجدي قبل أن يتعشّاكم‏.‏

وفي مثله‏:‏ أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللّه، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود‏.‏ فخلّى سبيله‏.‏

وفي مثله‏:‏ قال خالد بن عبد اللّه لسليمان بعد أن عذبه‏"‏بما عذّبه به‏"‏‏:‏ إن القدرة تذهب الحفيظة وقد جلّ قدرك عن العتاب ونحن مقرّون بالذنب، فإن تعف فأهل العفو وإن تعاقب فبما كان منا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أولى لك‏"‏أمّا حتّى تأتي الشأم راجلًا فلا عفو‏.‏

وفي مثله‏:‏ ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم‏:‏ واللّه لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة‏.‏ فقال الحجاج‏:‏ أفٍّ لهذه الجيف‏!‏ أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا‏!‏ وكفّ عن القتل‏.‏

وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفي

أخذ مصعب بن الزبير رجلًا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه‏.‏ فقال‏:‏ أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعبًا فيم قتلني‏.‏ قال‏:‏ أطلقوه‏.‏ قال‏:‏ اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض‏.‏ قال‏:‏ أعطوه مائة ألف‏.‏ قال‏:‏ بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفًا‏.‏ قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لقوله فيك‏:‏

إنما مصعبٌ شهم ب من الل *** ه تجلّت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رحمة ليس فـيه *** جبروتٌ يخشى ولا كبـرياء

يتقي اللّه في الأمور وقد أف *** لح من كان همّه الاتـقـاء

فضحك مصعب، وقال‏:‏ أرى فيك موضعًا للصنيعة‏.‏ وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل‏.‏

وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاج

قال عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان‏:‏ هربت إليك من العراق‏.‏

قال‏:‏ كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا‏.‏

ثم جاء يومًا آخر فقال‏:‏

أدنو لترحمني وترتق خلّتي *** وأراك تدفعني فأين المدفع

ونحوه قول الآخر‏:‏

كنت من كربتي أفرّ إليهم *** فهم كربتي فأين الفرار

وفي مثله‏:‏ قنّع الحجاج رجلًا في مجلسه ثلاثين سوطًا وهو في ذلك يقول‏:‏

وليس بتعزيز الأمير خـزايةٌ *** عليّ إذا ما كنت غير مريب

ونحوه‏:‏

وإن أمير المؤمنين وفـعـلـه *** لكالدهر، لا عارٌ بما فعل الدهر

وفي مثله للحسن البصري

مر الحسن البصري برجل يقاد منه‏.‏ فقال للوليّ‏:‏ يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمدًا، فانظر لنفسك‏.‏ قال‏:‏ قد تركته للّذه‏.‏

وفي مثله‏:‏ حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال‏:‏ رمي الحجاج فقال‏:‏ انظروا من هذا‏؟‏ فأوما رجل بيده ليرمي‏.‏ فأخذ فأدخل عليه وقد ذهبت روحه‏.‏ قال عيسى بصوت ضعيف يحكي الحجاج‏:‏ أنت الرّامينا منذ الليلة‏؟‏ قال‏:‏ نعم أيهم الأمير‏.‏ قال‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ قال‏:‏ العيّ واللّه واللؤم‏.‏ قال‏:‏ خلّوا عنه‏.‏ وكان إذا صدق انكسر‏.‏

وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحام

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال‏:‏ أتي الحجاج بالشّعبي فقال له‏:‏ أخرجت عليّنا يا شعبي‏؟‏ قال‏:‏ أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة أقوياء‏.‏ فقال الحجاج‏:‏ اللّه أبوك‏.‏ ثم أرسله‏.‏

وفي مثله‏:‏ أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرّعه بذنوبه، فقال الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرّعني به ردٌ عليك وإقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنبًا لم أجنه، ولكني أقول‏:‏

فإن كنت ترجو بالعـقـوبةً راحةً *** فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر

وفي مثله‏:‏ قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه‏:‏ على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو‏.‏

في الدعاء للسلطان

قال رجل لبعض الأمراء‏:‏ ‏"‏إني لو كنت أعرف كلامًا يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له‏:‏ قرأت في كتاب رجل من الكتاب‏:‏ ‏"‏لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم‏"‏‏.‏

وفي الدعاء أيضًا

دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال‏:‏ السلام عليك أمير المؤمنين‏.‏ محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا‏.‏ هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك‏"‏ثم تكنلّم في حاجته‏.‏

وفي شكر السلطان وفي حمده

قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له‏:‏ ما أقدمك عليّ‏؟‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة‏.‏ قال‏:‏ وكيف ذاك‏؟‏ قال‏:‏ أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر‏.‏

وفي حمده

كتب بعض الكتاب إلى وزير‏:‏ ‏"‏كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة‏"‏‏.‏

وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل قال شبيب بن شيبة للمهدي‏:‏ إن اللّه عز وجل لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا ترض بأن يكون أحد أشكر له منك، والسلام‏.‏

تم كتاب السلطان، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الحرب‏.‏