فصل: أبو جعفر بن هارون الترجالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.أبو جعفر بن هارون الترجالي:

من أعيان أهل إشبيلية، وكان محققًا للعلوم الحكمية، متقنًا لها معتنيًا بكتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء المتقدمين؛ فاضلًا في صناعة الطب، متميزًا فيها، خبيرًا بأصولها وفروعها؛ حسن المعالجة، محمود الطريقة، وخدم لأبي يعقوب والد المنصور، وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث، وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد ابن رشد في التعاليم والطب، وأصله من ترجالة من غور الأندلس، وهي التي أصابها المنصور خالية، وهرب أهلها وعمرها المسلمون، وكان أبو جعفر هارون أيضًا عالمًا بصناعة الكحل، وله آثار فاضلة في المداواة.
حدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك اللخمي، ثم الباجي أن أخاه القاضي أبا عبداللَّه محمد بن أحمد لما كان صغيرًا أصاب عينه عود، واخترق السواد حتى أنه يئس له من البرء فاستدعى أبوه أبا جعفر بن هارون، وأراه عين ولده وقال له أنا أدفع لك ثلاثمائة دينار وتعالجها فقال واللَّه ما حاجة إلى هذا الذي ذكرته، وإنما أداويه ويصلح إن شاء اللَّه تعالى، وشرع في مداواته إلى أن صلحت عينه وأبصر بها، وأصاب ابن هارون خدر وضعف في أعضائه فالتزم داره بإشبيلية وكان يطب الناس، وتوفي بإشبيلية.

.أبو الوليد بن رشد:

هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد؛ مولده ومنشؤه بقرطبة مشهور بالفضل معتن بتحصيل العلوم، أوحد في علم الفقه والخلاف، واشتغل على الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وكان أيضًا متميزًا في علم الطب، وهو جيد التصنيف حسن المعاني، وله في الطب كتاب الكليات، وقد أجاد في تأليفه، وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة، ولما ألف كتابه هذا في الأمور الكلية قصد من ابن زهر أن يؤلف كتابًا في الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما ككتاب كامل في صناعة الطب، ولذلك يقول ابن رشد في آخر كتابه ما هذا نصه، قال فهذا هو القول في معالجة جميع أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه، وقد بقي علينا من هذا الجزء القول في شفاء عرض عرض من الأعراض الداخلة على عضو من الأعضاء، وهذا وإن لم يكن ضروريًّا لأنه منطو بالقوة فيما سلف من الأقاويل الكلية ففيه تتميم ما وارتياض، لأنا ننزل فيها إلى علاجات الأمراض بحسب عضو عضو، وهي الطريقة التي سلكها أصحاب الكنانيش، حتى نجمع في أقاويلنا هذه إلى الأشياء الكلية الأمور الجزئية، فإن هذه الصناعة أحق صناعة ينزل فيها إلى الأمور الجزئية ما أمكن إلا أنا نؤخر هذا إلى وقت نكون فيه أشد فراغًا لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك، فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء، وأحب أن ينظر بعد ذلك إلى الكنانيش فأوفق الكنانيش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا أبو مروان بن زهر وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته فكان ذلك سبيلًا إلى خروجه، وهو ما قلنا كتاب الأقاويل الجزئية التي قلت فيها، شديدة المطابقة للأقاويل الكلية، إلا أنه مزج هنالك مع العلاج العلامات، وإعطاء الأسباب على عادة أصحاب الكنانيش، ولا حاجة لمن يقرأ كتابنا هذا إلى ذلك بل يكفيه من ذلك مجرد العلاج فقط، وبالجملة من تحصل له ما تبناه من الأقاويل الكلية أمكنه أن يقف على الصواب والخطأ من مداواة أصحاب الكنانيش في تفسير العلاج والتركيب.
حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان القاضي أبو الوليد بن رشد حسن الرأي ذكيًّا رث البزة قوي النفس، وكان قد اشتغل بالتعاليم وبالطب على أبي جعفر بن هارون، ولازمه مدة وأخذ عنه كثيرًا من العلوم الحكمية، وكان ابن رشد قد قضى مدة في إشبيلية قبل قرطبة، وكان مكينًا عند المنصور وجيهًا في دولته، وكذلك أيضًا كان ولده الناصر يحترمه كثيرًا قال ولما كان المنصور بقرطبة وهو متوجه إلى غزو ألفنس وذلك في عام أحد وتسعين وخمسمائة استدعى أبا الوليد بن رشد، فلما حضر عنده احترمه كثيراً، وقربه إليه حتى تعدى به الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ حفص الهنتاتي صاحب عبد المؤمن، وهو الثالث أو الرابع من العشرة، وكان هذا أبو محمد عبد الواحد قد صاهره المنصور وزوجه بابنته لعظم منزلته عنده، ورزق عبد الواحد منها ابنًا اسمه علي، وهو الآن صاحب إفريقية فلما قرب المنصور ابن رشد وأجلسه إلى جانبه حادثه، ثم خرج من عنده وجماعة الطلبة، وكثير من أصحابه ينتظرونه فهنؤوه بمنزلته عند المنصور وإقباله عليه، فقال واللَّه إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به فإن أمير المؤمنين قد قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمله فيه، أو يصل رجائي إليه، وكان جماعة من أعدائه قد شيعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله فلما خرج سالمًا أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته، ويقول لهم أن يصنعوا له قطًا وفراخ حمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم، وإنما كان غرضه بذلك تطييب قلوبهم بعافيته.
ثم إن المنصور فيما بعد نقم على أبي الوليد بن رشد، وأمر بأن يقيم في اليسانة وهي بلد قريب من قرطبة، وكانت أولًا لليهود، وأن لا يخرج عنها، ونقم أيضًا على جماعة أخر من الفضلاء الأعيان، وأمر أن يكونوا في مواضع أخر وأظهر أنه فعل بهم ذلك بسبب ما يدّعي فيهم أنهم مشتغلون بالحكمة وعلوم الأوائل، وهؤلاء الجماعة هم أبو الوليد بن رشد، وأبو جعفر الذهبي، والفقيه أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم قاضي بجاية، أبو الربيع الكفيف، وأبو العباس الحافظ الشاعر القرابي، وبقوا مدة ثم إن جماعة من الأعيان بإشبيلية شهدوا لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه، فرضي المنصور عنه وعن سائر الجماعة، وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارًا للطلبة ومزوارًا للأطباء، وكان يصفه المنصور ويشكره ويقول إن أبا جعفر الذهبي كالذهب الإبريز الذي لم يزدد في السبك إلا جودة، قال القاضي أبو مروان ومما كان في قلب المنصور من ابن رشد أنه كان متى حضر مجلس المنصور، وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطب المنصور بأن يقول تسمع يا أخي، وأيضًا فإن ابن رشد كان قد صنف كتابًا في الحيوان، وذكر فيه أنواع الحيوان، ونعت كل واحد منها، فلما ذكر الزرافة وصفها ثم قال وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر يعني المنصور، فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه، وكان أحد الأسباب الموجبة في أنه نقم على ابن رشد وأبعده، ويقال إنه مما اعتذر به ابن رشد أنه قال إنما قلت ملك البرين، وإنما تصحفت على القارئ فقال ملك البربر، وكانت وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد رحمه اللَّه في مراكش أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وذلك في أول دولة الناصر، وكان ابن رشد قد عمر عمرًا طويلاً، وخلف ولدًا طبيبًا عالمًا بالصناعة، يقال له أبو محمد عبد اللَّه، وخلف أيضًا أولادًا قد اشتغلوا بالفقه واستخدموا في قضاء الكور.
ومن كلام أبي الوليد بن رشد قال من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانًا باللَّه.
ولأبي الوليد بن رشد من الكتب كتاب التحصيل جمع فيه اختلاف أهل العلم مع الصحابة والتابعين وتابعيهم، ونصر مذاهبهم وبين مواضع الاحتمالات التي هي مثار الاختلاف، كتاب المقدمات في الفقه، كتاب نهاية المجتهد في الفقه، كتاب الكليات، شرح الأرجوزة المنسوبة إلى الشيخ الرئيس بن سينا في الطب، كتاب الحيوان، جوامع كتب أرسطوطاليس في الطبيعيات والإلهيات، كتاب الضروري في المنطق، ملحق به تلخيص كتب أرسطوطاليس، وقد لخصها تلخيصًا تامًا مستوفياً، تلخيص الإلهيات لنيقولاوس، تلخيص كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطوطاليس، تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس، تلخيص كتاب البرهان لأرسطوطاليس، تلخيص كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس، شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس، تلخيص كتاب الأسطقسات لجالينوس، تلخيص كتاب المزاج لجالينوس، تلخيص كتاب القوى الطبيعية لجالينوس، تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس، تلخيص كتاب التعريف لجالينوس، تلخيص كتاب الحميات لجالينوس، تلخيص أول كتاب الأدوية المفردة لجالينوس، تلخيص النصف الثاني من كتاب حيلة البرء لجالينوس، كتاب تهافت التهافت يرد فيه على كتاب التهافت للغزالي، كتاب منهاج الأدلة في علم الأصول، كتاب صغير سماه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، المسائل المهمة على كتاب البرهان لأرسطوطاليس، شرح كتاب القياس لأرسطوطاليس، مقالة في العقل، مقالة في القياس، كتاب في الفحص هل يمكن العقل الذي فينا، وهو المسمى بالهيولاني أن يعقل الصور المفارقة بآخره أو لا يمكن ذلك، وهو المطلوب الذي كان أرسطوطاليس وعدنا بالفحص عنه في كتاب النفس، مقالة في أن ما يعتقده المشاؤون، وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا في كيفية وجود العالم متقارب في المعنى، مقالة في التعريف بجهة نظر أبي نصر في كتبه الموضوعة في صناعة المنطق التي بأيدي الناس، وبجهة نظر أرسطوطاليس فيها، ومقدار ما في كتاب كتاب من أجزاء الصناعة الموجودة في كتب أرسطوطاليس، ومقدار ما زاد لاختلاف النظر يعني نظريهما، مقالة في اتصال العقل المفارق بالإنسان، مقالة في اتصال العقل بالإنسان، مراجعات ومباحث بين أبي بكر بن الطفيل وبين ابن رشد في رسمه للدواء في كتابه المرسوم بالكليات، كتاب في الفحص عن مسائل وقعت في العلم الإلهي في كتاب الشفاء لابن سينا، مسألة في الزمان، مقالة في فسخ شبهة من اعترض على الحكيم وبرهانه في وجود المادة الأولى، وتبيين أن برهان أرسطوطاليس هو الحق المبين، مقالة في الرد على أبي علي بن سينا في تقسيمه الموجودات إلى ممكن على الإطلاق، وممكن بذاته واجب بغيره، وإلى واجب بذاته، مقالة في المزاج، مسألة في نوائب الحمى، مقالة في حميات العفن، مسائل في الحكمة، مقالة في حركة الفلك، كتاب فيما خالف أبو النصر لأرسطوطاليس في كتاب البرهان من ترتيبه وقوانين البراهين والحدود، مقالة في الترياق.

.أبو محمد بن رشد:

هو أبو محمد عبد اللَّه بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد، فاضل في صناعة الطب عالم بها مشكور في أفعالها، وكان يفد إلى الناصر ويطبه، ولأبي محمد بن رشد من الكتب مقالة في حيلة البرء.

.أبو الحجاج يوسف بن موراطير:

من شرقي الأندلس، وموراطير قرية قريبة من بلنسية، كان فاضلًا في صناعة الطب خبيرًا بها، مزاولًا لأعمالها، محمود الطريقة، حسن الرأي، عالمًا بالأمور الشرعية، وسمع الحديث وقرأ المدونة، وكان أديبًا شاعرًا محبًا للمجون كثير النادرة، حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كنا في تونس مع الناصر وكان في العسكر غلاء، وقل وجود الشعير فعمل أبو الحجاج بن موراطير موشحًا في الناصر، وأتى في ضمنه تغيير بيت عمله الحفيد أبو بكر بن زهر في بعض موشحاته وذلك أن ابن زهر قال:
ما العيد في حلة وطاق وشم طيب ** وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب

فعل ابن موراطير:
ما العيد في حلة وطاق من الحرير ** إنما العيد في التلاقي مع الشعير

فأطلق له الناصر عشرة أمداد شعير كانت قيمتها في ذلك الوقت خمسين ديناراً، وكان أبو الحجاج بن موراطير قدخدم بصناعة الطب المنصور أبا يوسف يعقوب، ولما توفي المنصور خدم لولده الناصر، وهو أبو عبد اللَّه محمد بن يعقوب، ومن بعد الناصر أيضًا خدم لولده أبي يعقوب يوسف المستنصر بن الناصر، وكان أبو الحجاج بن موراطير قد عمر عمرًا طويلاً، وكان حظيًّا عند المنصور، مكينًا عنده رفيع المنزلة، وكان يدخل مجلس الخاصة مع الأشياخ للمذاكرة في العربية وغيرها، ومات بالنقرس في مراكش في دولة المستنصر.