فصل: إسحاق بن عمران:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.الباب الثالث عشر: طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها:

.إسحاق بن عمران:

طبيب مشهور وعالم مذكور ويعرف باسم ساعة، وقال سليمان ابن حسان المعروف بابن جلجل إن إسحاق بن عمران مسلم النحلة، وكان بغدادي الأصل، ودخل إفريقية في دولة زيادة اللّه بن الأغلب التميمي وهو استجلبه وأعطاه شروطًا ثلاثة لم يف له بأحدها، بعث إليه عند وروده عليه راحلة أقلته وألف دينار لنفقته، وكتاب أمان بخط يده متى أحب الانصراف إلى وطنه انصرف وبه ظهر الطب بالمغرب وعرفت الفلسفة، وكان طبيبًا حاذقًا متميزًا بتأليف الأدوية المركبة بصيرًا بتفرقة العلل، أشبه الأوئل في علمه وجودة قريحته، استوطن القيروان حيناً، وألف كتبًا منها كتابه العروف بنزهة النفس، وكتابه في داء المالنخوليا لم يسبق مثله، وكتابه في الفصد، وكتاب في النبض.
ودارت له مع زيادة الله بن الأغلب محنة أوجبت الوجدة بينهما، حتى صلبه ابن الأغلب، وكان إسحاق قد استأذنه في الانصراف إلى بغداد فلم يأذن له، وكان إسحاق يشاهد أكل ابن الأغلب فيقول له كل هذا، ودع هذا، حتى ورد على ابن الأغلب حدث يهودي اندلسي فاستقربه وخف عليه، وأشهده أكله فكان إسحاق إذا قال له اترك هذا لا تأكله قال الإسرائيلي يصعبه عليك، وكان بابن الأغلب علة النسمة، وهي ضيق النفس، فقد بين يديه لبنًا مريبًا فهم بأكله، فنهاه أسحق، وسهل عليه الإسرائيلي، فوافقه بالأكل فعرض له في الليل ضيق النفس حتى أشرف على الهلاك، فأرسل إلى إسحاق، وقيل له هل عندك من علاج؟ فقال قد نهيته فلم يقبل مني، ليس عندي علاج، فقيل لإسحاق هذه خمسمائة مثقال وعالجه فأبى حتى بلغ إلى ألف مثقال، فأخذها وأمر بإحضار الثلج وأمره بالأكل منه حتى تملأ، ثم قيأه فخرج جميع اللبن قد تجبن ببرد الثلج، فقال إسحاق أيها الأمير لو دخل هذا اللبن إلى أنابيب رئتك ولحج فيها أهلكك بضيقة النفس، لكني أجهدته وأخرجته قبل وصوله، فقال زيادة اللّه باع إسحاق روحي في البدء اقطعوا رزقه، فلما قطع عنه الرزق خرج إلى وضع فسيح من رحاب القيروان، ووضع هنالك كرسيًّا ودواة وقراطيس فكان يكتب الصفات كل يوم بدنانير، فقيل لزيادة اللّه عرضت لإسحاق الغني، فأمر بضمه إلى السجن، فتبعه الناس هنالك، ثم أخحرجه بالليل إلى نفسه وكانت له معه حكايات ومعاتبات احنقته عليه لفرط جوره وسخف رأيه، فأمر بفصده في ذراعيه جميعًا وسال دمه حتى مات ثم أمر به فصلب ومكث مصلوبًا زمانًا طويلًا حتى عشش في جوفه طائر، وكان مما قال لزيادة اللّه في تلك الليلة واللّه أنك لتدعى بسيد العرب، وما أنت لها بسيد، ولقد سقيتك منذ دهر دواء ليفعلن في عقلك، وكان زيادة اللّه مجنونًا فتمخل ومات، ولإسحاق بن عمران من الكتب كتاب الأدوية المفردة، كتاب العنصر والتمام في الطب، مقالة في الاستسقاء، مقالة وجيزة كتب بها إلى سعيد بن توفيل المتطبب في الإبانة عن الأشياء التي يقال أنها تشفي السقام، وفيها يكون البرء، مما أراد إتحافه به من نوادر الطب ولطائف الحكمة، كتاب نزهة النفس، كتاب في المالنخوليا، كتاب في الفصد، كتاب في النبض، مقالة في علل القولنج وأنواعه وشرح أدويته وهي الرسالة التي كتب بها إلى العباس وكيل إبراهيم بن الأغلب، كتاب في البول من كلام ابقراط وجالينوس وغيرهما، كتاب جمع فيه أقاويل جالينوس في الشراب، مسائل له مجموعة في الشراب على معنى ما ذهب إليه ابقراط وجالينوس في المقالة الثالثة من كتاب تدبير الأمراض الحادة وما ذكر فيها من الخمر، كلام له في بياض المعدة ورسوب البول وبياض المني.

.إسحاق بن سليمان الإسرائيلي:

كان طبيبًا فاضلًا بليغًا عالمًا مشهورًا بالحذق والمعرفة، جيد التصنيف عالي الهمة، ويكنى أبا يعقوب، وهو الذي شاع ذكره وانتشرت معرفته بالإسرائيلي، وهو من أهل مصر، وكان يكحل من أوليته، ثم سكن القيروان ولازم إسحاق بن عمران وتتلمذ له، وخدم الإمام أبا محمد عبيد اللّه المهدي صاحب إفريقية بصناعة الطب، وكان إسحاق بن سليمان مع فضله في صناعة الطب بصيرًا بالمنطق، متصرفًا في ضروب المعارف، وعمر عمرًا طويلًا إلى أن نيف على مائة سنة، ولم يتخذ امرأة ولا أعقب ولداً، وقيل له أيسرّك أن لك ولداً؟ قال أما إذا صار لي كتاب الحميات فلا، يعني أن بقاء ذكره بكتاب الحميات أكثر من بقاء ذكره بالولد.
ويروى أنه قال لي أربعة كتب يحيي ذكري أكثر من الولد وهي كتاب الحميات، وكتاب الأغذية والأدوية وكتاب البول، وكتاب الأسطقسات وتوفي قريبًا من سنة عشرين وثلثمائة.
وقال أحمد بن إبراهيمم بن أبي خالد المعروف بابن الجزار في كتاب أخبار الدولة يعني ابتداء دولة الإمام أبي محمد عبيد اللّه المهدي الذي ظهر من المغرب حدثني إسحاق بن سليمان المتطبب قال لما قدمت من مصر على زيادة اللّه بن الأغلب وجدته مقيمًا بالجيوش في الأريس فرحلت إليه، فلما بلغه قدومي وقد كان بعث في طلبي وأرسل إلي بخمسمائة دينار وتقويت بها على السفر، فأدخلت إليه ساعة وصولي فسلمت بالإمرة، وفعلت ما يجب أن يفعل للملوك من التعبد، فرأيت مجلسه قليل الوقار والغالب عليه حب اللهو، وكل ما حرك الضحك، فابتدأني بالكلام ابن خنيس المعروف باليوناني فقال لي تقول أن الملوحة تجلو؟ قلت نعم، قال وتقول أن الحلاوة تجلو؟ قلت نعم، قال لي فالحلاوة هي الملوحة، والملوحة، والملوحة هي الحلاوة فقلت إن الحلاوة تجلو بلطف وملاءمة، والملوحة تجلو بعنف، فتمادى على المكابرة وأحب المغالطة، فلما رأيت ذلك قلت له تقول أنت حي؟ قال نعم، قلت والكلب حي؟ قال نعم، قلت فأنت الكلب والكلب أنت، فضحك زيادة اللّه ضحكًا شديداً، فعلمت أن رغبته في الهزل أكثر من رغبته في الجد، قال إسحاق فلما وصل أبو عبد اللّه داعي المهدي إلى رقادة أدناني وقرب منزلتي، وكانت به حصاة في الكلى، وكنت أعالجه بدواء فيه العقارب المحرقة، فجلست ذات يوم مع جماعة من كتامة فسألوني عن صنوف من العلل، فكلما أجبتهم فلم يفقهوا قولي، فقلت لهم إنما أنتم بقر وليس معكم من الإنسانية إلا الاسم، فبلغ الخبر إلى أبي عبد اللّه فلما دخلت إليه قال لي تقابل إخواننا المؤمنين من كتامة بما لا يجب، وباللّه الكريم لولا أنك عذرك بأنك جاهل بحقهم، وبقدر ما صار إليهم من معرفة الحق وأهل الحق لأضربن عنقك، قال لي إسحاق فرأيت رجلًا شأنه الجد فيما قصد إليه وليس للهزل عنده سوق، ولإسحاق بن سليمان من الكتب كتاب الحميات، خمس مقالات، ولم يوجد في هذا المعنى كتاب أجود منه، ونقلت من خط أبي الحسن علي بن رضوان عليه ما هذا مثاله أقول أنا علي بن رضوان الطبيب أن هذا الكتاب نافع وجمع رجل فاضل، وقد عملت بكثير مما فيه فوجدته لا مزيد عليه، وباللّه التوفيق والمعونة، كتاب الأدوية المفردة والأغذية، كتاب البول اختصار كتابه في البول، كتاب الأسطقسات، كتاب الحدود والرسوم، كتاب بستان الحكيم وفيه مسائل من العلم الإلهي، كتاب المدخل إلى المنطق، كتاب المدخل إلى صناعة الطب، كتاب في النبض، كتاب في الترياق كتاب في الحكمة، وهو أحد عشر ميمراً.

.ابن الجزار:

هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد، ويعرف بابن الجزار من أهل القيروان طبيب ابن طبيب وعمه أبو بكر طبيب وكان ممن لقي إسحاق بن سليمان وصحبه وأخذ عنه، وكان ابن الجزار من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم، حسن الفهم لها، وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن أحمد بن أبي خالد كان قد أخذ لنفسه مأخذًا عجيبًا في سمته وهديه وتعدده ولم يحفظ عنه بالقيروان زلة قط، ولا أخلد إلى لذة، وكان يشهد الجنائز والعرائس، ولا يأكل فيها؛ ولا يركب قط إلى أحد من رجال إفريقية ولا إلى سلطانهم إلا إلى أبي طالب عم معد، وكان له صديقًا قديماً، فكان يركب إليه يوم جمعة لا غير، وكان ينهض في كل عام إلى رابطة على البحر المستنير، وهو موضع مرابطة مشهور البركة، مذكور في الأخبار، على ساحل البحر الرومي، فيكون هنالك طول أيام القيظ، ثم ينصرف إلى إفريقية، وكان قد وضع على باب داره سقيفة أقعد فيها غلامًا له يسمى برشيق، أعد بين يديه جميع المعجونات والأشربة والأدوية، فإذا رأى القوارير بالغداة أمر بالجواز إلى الغلام وأخذ الأدوية منه نزاهة بنفسه أن يأخذ من أحد شيئاً، قال ابن جلجل، حدثني عنه من أثق به قال كنت عنده في دهليزه وقد غص بالناس إذ أقبل ابن أخي النعمان القاضي وكان حدثنا جليلًا بإفريقية يستخلفه القاضي إذا منعه مانع عن الحكم، فلم يجد في الدهليز موضعًا يجلس فيه إلا مجلس أبي جعفر، فخرج أبو جعفر، فقام له ابن أخي القاضي على قدم فما أقعده ولا أنزله، وأراه قارورة ماء كانت معه لابن عمه ولد النعمان، واستوفى جوابه عليها وهو واقف ثم نهض وركب وما كدح ذلك في نفسه، وجعل يتكرر إليه بالماء في كل يوم حتى برئ العليل، قال، قال الذي حدثني فكنت عنده ضحوة نهار إذ أقبل رسول النعمان القاضي بكتاب شكره فيه على ما تولى من علاج ابنه، ومعه منديل بكسوة وثلثمائة مثقال، فقرأ الكتاب وجاوبه شاكراً، ولم يقبض المال ولا الكسوة، فقلت له يا أبا جعفر رزق ساقه اللّه إليك، قال لي واللّه لا كان لرجال معد قبلي نعمة، وعاش أحمد بن الجزار نيفًا وثمانين سنة ومات عتيًّا بالقيروان، ووجد له أربعة وعشرون ألف دينار، وخمسة وعشرون قنطارًا من كتب طبية وغيرها، وكان قد هم بالرحلة إلى الأندلس ولم ينفذ ذلك، وكان في دولة معد، وقال كشاجم يمدح أبا جعفر أحمد بن الجزار ويصف كتابه المعروف بزاد المسافر:
أبا جعفر أبقيت حيًّا وميتًا ** مفاخر في طهر الزمان عظاما

رأيت على زاد المسافر عندنا ** من الناظرين العارفين زحاما

فأيقنت أن لو كان حيًّا لوقته ** يحنا لما سمى التمام تماما

سأحمد أفعالًا لأحمد لم تزل ** مواقها عند الكرام كراما

ولابن الجزار من الكتب كتاب في علاج الأمراض، ويعرف بزاد المسافر مجلدان، كتاب في الأدوية المفردة، ويعرف باعتماد، كتاب في الأدوية المركبة، ويعرف بالبغية، كتاب العدة لطول المدة، وهو أكبر كتاب وجدناه له في الطب، وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتابًا كبيرًا في الطب اسمه قوت المقيم، وكان عشرين مجلداً، كتاب التعريف بصحيح التاريخ، وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه، وقطعة جميلة من أخبارهم، رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها، كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها، كتاب طب الفقراء، رسالة في إبدال الأدوية، كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها، رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه، رسالة في النوم واليقظة، مجربات في الطب، مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه، كتاب الخواص، كتاب نصائح الأبرار، كتاب المختبرات، كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه، رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت، رسالة في المقعدة وأوجاعها، كتاب المكلل في الأدب، كتب البلغة في حفظ الصحة، مقالة في الحمامات، كتاب أخبار الدولة، يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب، كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات.