فصل: الشيخ السديد بن أبي البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.الرئيس هبة اللَّه:

كان إسرائيليًّا فاضلًا مشهورًا بالطب، جيد الأعمال، حسن المعالجة، وكان في آخر دولة الخلفاء المصريين، وخدمهم بصناعة الطب، وكانت له منهم الجامكية الوافرة والصلات المتوالية، ثم انقرضت دولتهم وبقي بعدهم يعيش فيما أنعموا به عليه إلى أن توفي، وكانت وفاته في سنة خمسمائة ونيف وثمانين.

.الموفق بن شوعة:

كان من أعيان العلماء وأفاضل الأطباء، إسرائيلي مشهور بإتقان الصناعة وجودة المعرفة في علم الطب والكحل والجراح، كان دمثا خفيف الروح كثير المجون، وكان يشعر ويلعب بالقيثارة، خدم الملك الناصر صلاح الدين بالطب لما كان بمصر، وعلت منزلته عنده، وكان بدمشق فقيه صوفي صحب محمد بن يحيى وسكن خانقاه السميساطي كان يعرف بالخوبشاني ويلقب بالنجم، وله معرفة بنجم الدين أيوب وبأخيه أسد الدين، وكان الخوبشاني ثقيل الروح، قشفًا في العيش، يابسًا في الدين يأكل الدنيا بالناموس؛ ولما صعد أسد الدين مصر تبعه ونزل بمسجد عند دار الوزارة يعرف اليوم بمسجد الخوبشاني، وكان يثلب أهل القصر ويجعل تسبيحه سبهم، وكان سلطاً، ومتى رأى ذميًّا راكبًا قصد قتله فكانوا يتحامونه، ولما كان في بعض الأيام رأى ابن شوعة وهو راكب فرماه بحجر أصاب عينه فقلعها، وتوفي ابن شوعة بالقاهرة في سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
ومن شعر الموفق بن شوعة أنشدني القاضي نفيس الدين بن الزبير قال أنشدني الموفق بن شوعة لنفسه، فمن ذلك قال في النجم الخوبشاني لما قلع عينه:
لا تعجبوا من شعاع الشمس إذ حسرت ** منه العيون وهذا الشأن مشهور

بل اعجبوا كيف أعمى مقلتي نظري ** للنجم وهو ضئيل الشخص مستور

وأنشدني أيضًا قال أنشدني المذكرلنفسه يهجو ابن جميع اليهودي:
يا أيها المدعي طبًا وهندسة ** أوضحت يا ابن جميع واضح الزور

إن كنت بالطب ذا علم فلم عجزت ** قواك عن طب داء فيك مستور

تحتاج فيه طبيبًا ذا معالجة ** بمبضع طوله شبران مطرور

هذا ولا تشتفي منه فقل وأجب ** عن ذا السؤال بتمييز وتفكير

ما هندسي له شكل تهيم به ** وليس ترغب فيه غير منشور

مجسم أسطواني على أكر ** تألفت بين مخروط وتدوير

مجسم إلا نصف زاوية ** فهو كمثل الحبل في البير

وقال أيضًا:
وروضة جادها صوب الربيع فقد ** جادت علينا بوشي لم تحكه يد

كأن أصغره الزاهي وأبيضها ** تبر وورق بكف الريح تنتقد

وباح نشر خزاماها بما كتمت ** وناح قمريها شجوًا بما يجد

.أبو البركات بن القضاعي:

لقبه الموفق، وكان من جملة الأطباء المهرة والمتميزين في صناعة الطب، وكان مشكورًا في علمها، مشهورًا بجودة المعرفة في علمها، وكان يعاني أيضًا صناعة الكحل والجراح، ويعد من الأفاضل فيهما، وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين في الديارالمصرية وتوفي أبو البركات بن القضاعي بالقاهرة في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.

.أبو المعالي بن تمام:

هو أبو المعالي تمام بن هبة الله بن تمام، يهودي، غزير العلم، وافر المعرفة، وكان مشهورًا في الدولة، موصوفًا بالفضل، مشكورًا بالمعالجة، وكان مقيمًا بفسطاط مصر، وأسلم جماعة من أولاده، وكان أبو المعالي قد خدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وحظي في أيامه؛ وخدم أيضًا بعد ذلك لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب.
ولأبي المعالي بن تمام من الكتب تعاليق ومجربات في الطب.

.الرئيس موسى:

هو الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي، يهودي، عالم بسنن اليهود، ويعد من أحبارهم وفضلائهم، وكان رئيسًا عليهم في الديار المصرية، وهو أوحد زمانه في صناعة الطب، وفي أعمالها، متفنن في العلوم، وله معرفة جيدة بالفلسفة، وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبه، وكذلك ولده الملك الأفضل علي، وقيل إن الرئيس موسى كان قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه، ثم إنه لما توجه إلى الديار المصرية وأقام بفسطاط مصر ارتد، وقال القاضي السعيد بن سناء الملك يمدح الرئيس موسى:
أرى طب جالينوس للجسم وحده ** وطب أبي عمران للعقل والجسم

فلو أنه طب الزمان بعلمه ** لأبراه من داء الجهالة بالعلم

ولو كان بدر التم من يستطبه ** لتم له ما يدعيه من التم

وداواه يوم التم من كلف به ** وأبرأه يوم السرار من السقم

وللرئيس موسى من الكتب اختصار الكتب الستة عشر لجالينوس، مقالة في البواسير وعلاجها، مقالة في تدبير الصحة صنفها للملك الأفضل علي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، مقالة في السموم والتحرز من الأدوية القتالة، كتاب شرح العقار كتاب كبير على مذهب اليهود.

.إبراهيم ابن الرئيس موسى:

هو أبو المنى إبراهيم بن الرئيس موسى بن ميمون، منشؤه بفسطاط مصر، وكان طبيبًا مشهورًا عالمًا بصناعة الطب، جيدًا في أعمالها، وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب ويتردد أيضًا إلى البيمارستان الذي بالقاهرة من القصر، ويعالج المرضى فيه، واجتمعت به سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة وكنت حينئذ أطب في البيمارستان بها فوجدته شيخًا طويلًا نحيف الجسم، حسن العشرة، لطيف الكلام، متميزًا في الطب، وتوفي إبراهيم بن الرئيس موسى بمصر في سنة وثلاثين وستمائة.

.أبو البركات بن شعيا:

ولقبه الموفق شيخ مشهور، كثير التجارب، مشكور الأعمال في صناعة الطب، وكان يهوديًّا قراء، عاش ستًا وثمانين سنة وتوفي بالقاهرة، وخلف ولدًا يقال له سعيد الدولة أبو الفخر، وهو طبيب أيضاً، ومقامه بالقاهرة.

.الأسعد المحلي:

هو أسعد الدين يعقوب بن إسحاق، يهودي من مدينة المحلة من أعمال ديار مصر، متميز في الفضائل، وله اشتغال بالحكمة، واطلاع على دقائقها، وهو من المشهورين في صناعة الطب، والخبيرين بالمداواة والعلاج، وأقام بالقاهرة، وسافر في أول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى دمشق، وأقام بهامديدة، وجرت بينه وبين بعض الأفضال من الأطباء بها مباحث كثيرة ونكد، ورجع بعد ذلك إلى الديار المصرية وتوفي بالقاهرة، ومن نوادره في حسن المداواة أنه كان بعض أهلنا من النساء قد عرض لها مرض وتغير مزاج، وتطاول بها ولم ينجع فيها علاج فلما افتقدها قال لعمي، وكان صديقه عندي أقراص قد ركبتها لهذا المرض خاصة وهي تبرأ بها إن شاء اللَّه، تكون تتناول في كل يوم بالغداة منها قرصًا مع شراب سكنجبين، وأعطاه الأقراص فلما ناولتها برأت، وللأسعد المحلي من الكتب مقالة في قوانين طبية وهي ستة أبواب، كتاب المنزه في حل ما وقع من إدراك البصر في المرايا من الشبه، كتاب في مزاج دمشق ووصفها وتفاوتها من مصر، وأنها أصح وأعدل، وفي مسائل أخر في الطب وأجوبتها وهو يحتوي على ثلاث مقالات، مسائل طبية وأجوبتها سألها لبعض الأطباء بدمشق، وهو صدقة بن ميخا بن صدقة السامري.

.الشيخ السديد بن أبي البيان:

هو سديد الدين أبو الفضل داوود بن أبي البيان سليمان بن أبي الفرج إسرائيل بن أبي الطيب سليمان بن مبارك إسرائيلي، قراء، مولده في سنة ست وخمسين وخمسمائة بالقاهرة، وكان شيخًا محققًا للصناعة الطبية، متقنًا لها، متميزًا في علمها وعملها، خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، ولقد شاهدت منه حيث نعالج المرضى بالبيمارستان الناصري بالقاهرة من حسن تأنيه لمعرفة الأمراض وتحقيقها، وذكر مداواتها، والاطلاع على ما ذكره جالينوس فيها ما يعجز عن الوصف، وكان أقدر أهل زمانه من الأطباء على تركيب الأدوية ومعرفة مقاديرها وأوزانها على ما ينبغي، حتى إنه كان في أوقات يأتي إليه من المستوصفين من به أمراض مختلفة أو قليلة الحدوث، فكان يملي صفات أدوية مركبة بحسب ما يحتاج إليه ذلك المريض من الأقراص والسفوفات والأشربة أو غير ذلك في الوقت الحاضر، وهي في نهاية الجودة وحسن التأليف، وكان شيخه في صناعة الطب الرئيس هبة اللَّه بن جميع اليهودي، وقرأ أيضًا على أبي الفضائل بن الناقد، وكان الشيخ السديد بن أبي البيان قد خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب ووجدت لبعض فيه:
إذا أشكل الداء في باطن ** أتى ابن بيان له بالبيان

فإن كنت ترغب في صحة ** فخذ لسقامك منه الأمان

وعاش فوق الثمانين سنة، وكان قد ضعف بصره في آخر عمره.
وللشيخ السديد بن أبي البيان من الكتب كتاب الأقراباذين، وهو اثنا عشر بابًا قد أجاد في جمعه، وبالغ في تأليفه واقتصر على الأدوية المركبة المستعملة المتداولة في البيمارستانات بمصر والشام والعراق وحوانيت الصيادلة، وقرأته عليه وجمعته معه، وتعاليق على كتاب العلل والأعراض لجالينوس.

.جمال الدين بن أبي الحوافر:

هو الشيخ الإمام العالم أبو عمرو عثمان بن هبة اللّه بن أحمد بن عقيل القيسي، ويعرف بابن أبي الحوافر، أفضل الأطباء، وسيد العلماء، وأوحد العصر، وفريد الدهر، قد أتقن الصناعة الطبية، وتميز في أقسامها العلمية والعملية، وله اشتغال جيد بعلم الأدب وعناية فيه، وله شعر كثير صحيح المباني، بديع المعاني وكان رحمه اللَّه كثير المروءة، عزيز العربية، معروفًا بالأفضال، موصوفًا بحسن الخلال، قد غمر بإحسانه الخاص والعام، وشملهم بكثرة الإنعام، مولده ومنشؤه بدمشق واشتغل بصناعة الطب على الإمام مهذب الدين بن النقاش وعلى الشيخ رضي الدين الرحبي، وخدم بصناعة الطب الملك العزيز عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين، وأقام معه في الديار المصرية، وولاه رياسة الطب ولم يزل في خدمته، وهو كثير الإحسان إليه والإنعام عليه، إلى أن توفي الملك العزيز رحمه اللّه، وكانت وفاته ليلة الأحد العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، وبقي هو مقيمًا بالديار المصرية وقطن بها، ثم خدم بعد ذلك الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، وبقي معه سنين، وتوفي جمال الدين بن أبي الحوافر رحمه الله بالقاهرة.
وحدثني بعض أصدقائه قال كان يومًا راكبًا فرأى في بعض النواحي على مصطبة بياع حمص مسلوق، وهو قاعد، وقدامه كحال يهودي، وهو واقف، وبيده المكحلة والميل، هو يكحل ذلك البياع، فحين رآه على تلك الحال ساق بغلته نحوه وضربه بالمقرعة على رأسه، وشتمه، وعندما مشى معه قال له إذا كنت أنت سفلة في نفسك، أما للصناعة حرمة؟ كنت قعدت إلى جانبه وكحلته، ولا تبقى واقفًا بين يدي عامي بياع حمص، فتاب أن يعود يفعل مثل ذلك الفعل وانصرف.
أقول واشتغل على الشيخ جمال الدين بن أبي الحوافر جماعة، وتميزوا في صناعة الطب، وأفضل من اشتغل عليه منه، وكان أجل تلامذته وأعملهم عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة رحمه اللّه.