فصل: سديد الدين بن رقيقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.سديد الدين بن رقيقة:

هو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن شجاع الشيباني الحانوي ويعرف بابن رقيقة ذو النفس الفاضلة والمروءة الكاملة، وقد جمع من صناعة الطب ما تفرق من أقوال المتقدمين، وتميز على سائر نظرائه وأضرابه من الحكماء والمتطببين، هذا مع ما هو عليه من الفطرة الفائقة، والألفاظ الرائقه، والنظم البليغ، والشعر البديع وكثيرًا ما له من الأبيات الأمثالية، والفقر الحكمية، وأما الرجز فإنني ما رأيت في وقته من الأطباء أحدًا أسرع عملًا له منه، حتى إنه كان يأخذ أي كتاب شاء من الكتب الطبية وينظمه رجزًا في أسرع وقت مع استيفائه للمعاني ومراعاته لحسن اللفظ، ولازم الشيخ فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني وصحبه كثيرًا واشتغل عليه بصناعة الطب وبغيرها من العلوم الحكمية، وكان لسديد الدين بن رقيقة أيضًا معرفة بصناعة الكحل والجراح، وحاول كثيرًا من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين، وقدح أيضًا الماء النازل في العين الجماعة، وأنجب قدحه وأبصروا، وكان المقدح الذي يعانيه مجوفًا وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء، ويكون العلاج به أبلغ.
وكان قد اشتغل أيضًا بعلم النجوم، ونظر في حيل بني موسى، وعمل منها أشياء مستطرفة، وكان فاضلًا في النحو واللغة، وله أيضًا أخ فاضل يقال له معين الدين، أوحد زمانه في العربية وهي فنه وله شعر كثير، سمع سديد الدين بن رقيقة أيضًا شيئًا من الحديث، ومن ذلك حدثني سديد الدين محمود بن عمر بن محمد الطبيب الحانوي سماعًا من لفظه قال حدثني الإمام الفاضل فخر الدين محمد بن عبد السلام المقدسي، ثم المارديني، قال حدثنا الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي، قال أخبرنا أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، قال حدثنا أبو القاسم علي بن عبيد اللَّه الرقي، قال حدثني الرئيس أبو الحسن علي بن أحمد البتي، قال حدثني أبو بكر محمد عبد اللَّه الشافعي، قال حدثنا القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق، قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتيناك يا رسول اللّه ولم يبق لنا جمل يئط، ولا صبي يصطبح، ثم أنشده:
أتيناك والعذراء تدمى لثاتها ** وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وألقى بكفيه الفتى لاستكانة ** من الجوع هونًا ما يمر وما يحلي

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ** سوى العلهز العامي والحنظل الفسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا ** وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

قال الرقي العلهز الوبر يعالج بدم الحلم، والحلم القراد إذا كبر ويؤكل في الجدب ويروى والعنقر بضم القاف وفتحها وهو أصل البردي فهذان صحيحان.
ويروى العقهر وهو تصحيف مردود، فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى رقي المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم رفع نحو السماء يديه ثم قال: «اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعاً، سحًا سجالاً، غدقًا طبقاً، ديمًا عاجلًا غير رائث نافعًا غير ضار، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع، وتحيي به الأرض بعد موتها»، فواللّه ما رد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يده إلى نحره حتى التقت السماء بأرواقها، وجاءه أهل البطانة يضجون يا رسول اللّه الغرق الغرق، فأومأ بطرفه إلى السماء وضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل ثم قال «للّه دُر أبي طالب لو كان حيًّا قرت عيناه، من ينشدنا قوله» فقال علي عليه السلام يا رسول اللّه لعلك أردت:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم ** فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت اللّه رب محمد ** ولما نقاتل دونه ونناضل

ولا نسلمه حتى نصرع حوله ** ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أجل»، ثم قام رجل من كنانة فأنشده:
لك الحمد والحمد ممن شكر ** سقينا بوجه النبي المطر

دعا اللَّه خالقه دعوة ** إليه وأشخص منه البصر

فما كان إلا كما ساعة ** وأسرع حتى رأينا الذرر

دفاق العزالى وجم ** البعاق أغاث به اللّه عَليا مضر

فكان كما قال عمه ** أبو طالب ذا رواء غرر

به يسّر اللّه صوب ** الغمام فهذا العيان لذاك الأثر

فمن يشكر اللّه يلقى المزيد ** ومن يكفر اللّه يلقى الغير

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اجلس إن يك شاعرًا أحسن فقد أحسنت»، وأخبرني سديد الدين بن رقيقة أن مولده في سنة أربع وستين وخمسمائة بمدينة حيني ونشأ بها، ولما كان فخر الدين المارديني بمدينة حيني، وصاحبها نور الدين بن جمال الدين بن أرتق كان قد عرض لنور الدين مرض في عينيه فداواه الشيخ فخر الدين مدة أيام، ثم عزم على السفر وأشار على نور الدين بن أرتق بأن يداويه سديد الدين بن رقيقة فعالجه سريعاً، وبرأ برءًا تامًا وأطلق له جامكية وجراية في صناعة الطب، وقال لي سديد الدين أن عمره يومئذ كان دون العشرين سنة، واستمر في خدمته، ثم خدم بعد ذلك الملك المنصور محمد صاحب حماه ابن تقي الدين عمر وبقي معه مدة ثم سافر إلى خلاط وكان صاحبها في ذلك الوقت الملك الأوحد نجم الدين أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وخدم صلاح الدين بن ياغيسان وكان هذا صلاح الدين قد تزوج الملك الأوحد ابن الملك العادل بأخته، وكان سديد الدين بن رقيقة يتردد إلى خدمتها أيضاً، وكانت كثيرة الإحسان إليه، وأقام بخلاط مدة إلى أن توفي الملك الأوحد في ملازكرد بعلة ذات الجنب، وذلك في يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة تسع وستمائة، وكان يعالجه هو وصدقة السامري، وخدم أيضًا بعد ذلك الملك الأشرف أبا الفتح موسى ابن الملك العادل، وأقام بميافارقين سنين كثيرة، ولما كان في ثالث جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وصل سديد الدين بن رقيقة إلى دمشق إلى السلطان الملك الأشرف فأكرمه واحترمه، وأمر بأن يتردد إلى الدور السلطانية بالقلعة، وأن يواظب أيضًا معالجة المرضى بالبيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي، وأطلق له جامكية وجراية.
وكان لي أيضًا في ذلك الوقت مقرر جامكية وجراية لمعالجة المرضى في هذا البيمارستان، وتصاحبنا مدة فوجدت من كمال مروءته، وشرف أرومته، وغزارة علمه، وحسن تأتيه في معرفة الأمراض ومداواتها، ما يفوق الوصف، لم يزل بدمشق وهو يشتغل بصناعة الطب إلى أن توفي رحمه اللَّه في سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكنت أنا قد انتقلت إلى صرخد في خدمة صاحبها الأمير عز الدين المعظمي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة.
ومن شعر سديد الدين بن رقيقة، وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال:
يا ملبسي بالنطق ثوب ** كرامة ومكملي جواد به ومقومي

خذني إذا أجلي تناهى ** وانقضى عمري على خط إليك مقوم

واكشف بلطفك يا إلهي غمتي ** واجل الصدا عن نفس عبدك وارحم

فعساي من بعد المهانة أكتسي ** حلل المهابة في المحل الأكرم

وأبوء بالفردوس بعد إقامتي ** في منزل بادي السماجة مظلم

فقد اجتويت ثواي فيه ومن ** تكن دار الغرور له محلًا يسأم

دار يغادر بؤسها وشقاءها ** من حلها وكأنه لم ينعم

ويديل صافي عيشه وحياته ** كدرًا فلا تجنح إليها تسلم

فبك المعاذ إلهنا من شرها ** وبك الملاذ من الغواية فاعصم

وعليك متكلي وعفوك لم يزل ** قصدي فوا خسراه إن لم ترحم

يا نفس جدي وأدأبي وتمسكي ** بعرى الهدى وعرى الموانع فافصمي

لا تهملي يا نفس ذاتك إن في ** نسيانها نسيان ربك فاعلمي

وعليك بالتفكير في آلائه ** لتبوّئي جناته وتنعمي

وتيممي نهج الهداية إنه ** منج وعن لقم الضلالة أحجمي

لا ترتضي الدنيا الدنية موطنًا ** تعلي على رتب السواري الأنجم

وتعايني ما لا رأت عين ولا ** أذن وعت فإليه جدي تغنمي

وتشاهدي ما ليس يدرك كنهه ** بالفكر أو يتوهم المتوهم

وأنشدني أيضًا لنفسه:
لا يغرنك من زمانك بشره ** فالبشر منه لا محالة حائل

فقطوبه طبع وليس تطبعًا ** والطبع باق والتطبع زائل

وأنشدني أيضًا لنفسه:
لست من يطلب التكسب بالسخ ** ـف ولو كنت مت عريًا وجوعا

ولو أني ملكت ملك سليما ** ن لما اخترت عن وقاري رجوعا

وقال اقتداء بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال:
لا تكن ناظرًا إلى قائل القو ** ل بل انظر إليه ماذا يقول

وخذ القول حين تلقيه معقو ** لا ولو قاله غبي جهول

فنباح الكلاب مع خسة فيها ** على منزل الكريم دليل

وكذاك النضار معدنه الأر ** ض ولكنه الخطير الجليل

وأنشدني أيضًا لنفسه:
توقّ صحبة أبناء الزمان ولا ** تأمن إلى أحد منهم ولا تثق

فليس يسلم منهم من تصاحبه ** طبعًا من المكر والتمويه والملق

وأنشدني أيضًا لنفسه:
أرى كل ذي ظلم إذا كان عاجزًا ** يعف ويبدي ظلمه حين يقدر

ومن نال من دنياه ما كان زائدًا ** على قدره أخلاقه تتنكر

وكل امرئ تلفيه للشر مؤثرًا ** فلا بد أن يلقى الذي كان يؤثر

وأنشدني أيضًا لنفسه:
لما رأيت ذوي الفضائل والحجا ** لا ينفقون وكل فدم ينفق

ألزمت نفسي اليأس علمًا أن لي ** ربًا يجود بما أروم ويرزق

ولزمت بيتي واتخذت مسامري ** سفرًا بأنواع الفضائل ينطق

لي منه أنى جئته متصفحًا ** عما حوى روض نضير مونق

وأنشدني أيضًا لنفسه:
ما ضر خلقي إقلالي ولا شيمي ** ولا نهاني عن نهج النهى عدمي

وكيف والعلم حظي وهو أنفس ما ** أعطى المهيمن من مال ومن نعم

العلم بالعلم يزكو دائمًا أبدًا ** والمال إن أدمن الإنفاق لم يدم

فالمال صاحبه الأيام يحرسه ** والعلم يحرس أهليه من النقم

وأنشدني أيضًا لنفسه:
خلقت مشاركًا في النوم قومًا ** وقد خالفتهم إذ ذاك شخصا

أريدكمالهم والنفع جهدي ** وهم يبغون لي ضرًا ونقصا

إذا عددت ما فيهم عيوبًا ** فقد حاولت شيئًا ليس يحصى

وأنشدني أيضًا لنفسه:
وإن أشد أهل الأرض حزنًا ** وغمًا منهما لا يستفيق

كريم حل موضعه المعلى ** سواه وأنه لبه الخليق

وأنشدني أيضًا لنفسه:
وضع العوارف عند النذل يتبعه ** على معاودة الإلحاح في الطلب

ويحمل الفاضل الطبع الكريم على ** حسن الجزاء لمولى العرف عن كثب

فالناس كالأرض تسقى وهي واحدة ** عذبًا وتنبت مثل الشري والرطب

وقال أيضًا:
إذا كان رزق المرء من قدر أتى ** فما حرصه يغنيه في طلب الرزق

كذا موته إن كان ضربة لازب ** فإخلاده نحو الدنا غاية الحمق

فإن شئت أن تحيا كريمًا فكن فتى ** يؤوسًا فإن اليأس من كرم الخلق

فيأس الكريم الطبع حلو مذاقه ** لديه إذا ما رام مسألة الخلق

وقال أيضًا:
أرى وجودك هذا لم يكن عبثًا ** ألا لتكمل منك النفس فانتبه

فاعدل عن الجسم لا تقبل عليه ** ومل إلى رعاية ما الإنسان أنت به

فمؤيس النفس عن أهوائها يقظ ** ومطمع النفس فيها غير منتبه

فاسلك سبيل الهدى تحمد مغبته ** فمنهج الحق بادر غير مشتبه

وأنشدني أيضًا لنفسه:
وما صاحب السلطان إلا كراكب ** بلجة بحر فهو يستشعر الغرق

فإن عاد منه سالم الجسم ناجيًا ** فما نفسه فيه يفارقها الفرق

وأنشدني أيضًا لنفسه:
يا ناظرا ً في ما قصدت لجمعه ** اعذر فإن أخا الفضيلة يعذر

علمًا بأن المرء لو بلغ المدى ** في العمر لاقى الموت وهو مقصر

وأنشدني أيضًا لنفسه مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مخرمة، إذا قلب في الكأس ماء دار دورانًا سريعاً، وصفر صفيرًا قوياً، ومن إذا وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئًا من الشراب صفر الطائر، وكذلك لو شربه في مائه مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم واحد فإن صفيره ينقطع:
ولا عند الخوى والجوع حتى ** تلهن باليسير من الادام

وخذ منه القليل ففيه نفع لذي ** العطش المبرح والأوام

وهضمك فاصلحنه فهو أصل ** وأسهل بالإبارج كل عام

وفصد العرق نكب عنه إلا لذي ** مرض رطيب الطبع حامي

ولا تتحركن عقيب أكل ** وصير ذاك بند الانهضام

لئلا ينزل الكيلوس فجا ** فيلحج في المنافذ والمسام

ولا تدم السكون فإن منه ** تولد كل خلط فيك خام

وقلل ما استطعت الماء بعد ** الرياضة واجتنب شرب المدام

وعدل مزج كأسك فهي ** تبقي الحرارة فيك دائمة الضرام

وخل السكر واهجره مليًّا ** فإن السكر من فعل الطغام

وأحسن صون نفسك عن ** هواها تفز بالخلد في دار السلام

وقال أيضًا:
أيها الشادن الذي طاب ** هتكي وافتضاحي بعد الصيانة فيكا

علة الجفن فيك علة سقمي ** وشفاي ارتشاف خمرة فيكا

وأنشدني أيضًا لنفسه يمدح صلاح الدين محمد بن باغيبسان:
ومدلل ساجي الجفون مهفهف ** جمع الملاحة ذو الجلال لديه

وأحلها فيه فأصبح ربها ** وأمال أفئدة الأنام إليه

من جفنه سيف الصلاح ** محمد باد ومن جفني سحب يديه

وأنشدني أيضًا لنفسه يهنئ الصاحب جلال الدين أبا الفتح محمد بن نباتة ببناء داره:
يا أيها الصاحب الصدر الكبير جل ** ل الدين ابن الكرام السادة الشرفا

بنيت دارًا على الجوزاء مشرفة ** كما قديمًا بنيت المجد والشرفا

دامت محل سرور لا يحول ول ** زالت رؤوس أعاديكم لها شرفاً

شرفت أصلًا وأخلاقًا وشنشنة ** فلست ممن بأصل وحده شرفا

وأنشدني أيضًا لنفسه، وقد كتبها لي شيخه فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني:
يا سائقًا نحو ميافارقين أنخ ** بها الركاب وبلغ بعض أشواقي

وما أعانيه من وجد ومن كمد ** ولوعة وصبابات وإيراق

إلى الذي فاق أبناء الزمان نهى ** ومحتدًا ثناهم طيب أعراق

وقل محب لكم قد شفه مرض ** وما سواك له من دائه راقي

صل الطبيعة لا ينفك يلدغه ** فاصرف نكايته عنه بترياق

شطر الحياة مضى والنفس ناقصة ** فكن مكملها في شطرها الباقي

فأنت أولى بتهذيبي وتبصرتي ** بما يهذب أوصافي وأخلاقي

وما يخلص نفسي من موانعها ** الوصول عند التفاف الساق بالساق

مشكاة ذهني قد أمست زجاجتها ** صديئة فأجلها بالواحد الواقي

وأنشدني أيضًا لنفسه يرثي ولدًا له:
بني لقد غادرت بين ** جوانحي لفقدك نارًا حرّها يتسعر

وأغريت بالأجفان بعد رقاده ** سهادًا فلن تنفك بعدك تسهر

فلست أبالي حين بنت بمن ثوى ** ولم أر من أخشى عليك وأحذر

وقال أناس يصغر الحزن كلما ** تمادى وحزني الدهر ينمي ويكبر

وكنت صبورًا عند كل ملمة ** تلم فمذ أرديت عز التصبر

كملت فوافتك المنون وهكذا ** يوافي الخسوف البدر إبان يبدر

وقال أيضًا:
أيا فاعلًا خل التطبب واتئد ** فكم تقتل المرضى المساكين بالجهل

فتركيب أجسام الأنام مؤجل ** فلم لا كلاك اللّه تعجل بالحل

كأنك يا هذا خلقت موكلا ** على رجع أرواح الأنام ألى الأصل

بهرت الوبا إذ قتلك الناس ** دائمًا وذلك في الأحيان يحدث في فصل

كفى الوصب المسكين شخصل ** قاتلًا إذا عدته قبل التعرض للفعل

ولسديد الدين بن رقيقة من الكتب؛ كتاب لطف السائل وتحف المسائل، وهذا الكتاب قد نظم فيه مسائل حنين، كليات القانون لابن سينا رجزاً، ومعاني أخر ضرورية يحتاج إليها في صناعة الطب، وشرح هذا الكتاب، وله أيضًا عليه حواش مفيدة، كتاب موضحة الأشباه في أدوية الباه كتاب الفريدة الشاهية، والقصيدة الباهية، وهذه القصيدة صنعها بميافارقين في سنة خمس عشرة وستمائة للملك الأشرف، شاه أرمن، موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وذكر لي أنه نظمها في يومين وهي بيت، وصنع لها أيضًا شرحًا مستقصى بليغًا في معناه، كتاب قانون الحكماء وفردوس الندماء، كتاب الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب، مقالة مسائل وأجوبتها في الحميات، أرجوزة في الفصد.