فصل: عمران الإسرائيلي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.أبو الحجاج يوسف الإسرائيلي:

مغربي الأصل من مدينة فاس، وأتى إلى الديار المصرية، وكان فاضلًا في صناعة الطب والهندسة وعلم النجوم، واشتغل في مصر بالطب على الرئيس موسى بن ميمون القرطبي، وسافر يوسف بعد ذلك إلى الشام، وأقام بمدينة حلب وخدم الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان يعتمد عليه في الطب، وخدم أيضًا الأمير فارس الدين ميمون القصري، ولم يزل أبو الحجاج يوسف مقيمًا في حلب، ويدرس صناعة الطب إلى أن توفي بها، ولأبي الحجاج يوسف الإسرائيلي من الكتب رسالة في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها، شرح الفصول لأبقراط.

.عمران الإسرائيلي:

هو الحكيم أوحد الدين عمران بن صدقة، مولده بدمشق في سنة إحدى وستين وخمسمائة، وكان أبوه أيضًا طبيبًا مشهورًا واشتغل عمران على الشيخ رضي الدين الرحبي بصناعة الطب، وتميز في علمها، وصار من أكابر المتعينين من أهلها، وحظي عند الملوك، واعتمدوا عليه في المداواة والمعالجة، ونال من جهتهم من الأموال الجسيمة والنعم ما يفوق الوصف، وحصل من الكتب الطبية وغيرها ما لا يكاد يوجد عند غيره، ولم يخدم أحدًا من الملوك في الصحبة، ولا تقيد معهم في سفر، وإنما كل منهم إذا عرض له مرض أو لمن يعز عليه طلبه، ولم يزل يعالجه ويطببه بألطف علاج وأحسن تدبير، إلى أن يفرغ من مداواته، ولقد حرص به الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأن يستخدمه في الصحبة فما فعل، وكذلك غيره من الملوك، وحدثني الأمير صارم الدين التبنيني رحمه اللّه إنه لما كان بالكرك، وبه صاحب الكرك يومئذ الملك الناصر داود بن الملك المعظم، وكان الملك الناصر قد توعك مزاجه، واستدعى الحكيم عمران إليه من دمشق فأقام عنده مديدة وعالجه حتى صلح فخلع عليه، ووهب له مالًا كثيراً، وقرر له جامكية في كل شهر ألفا وخمسمائة درهم ناصرية ويكون في خدمته، وأن يسلف منها عن سنة ونصف سبعة وعشرين ألف درهم فما فعل.
أقول وكان السلطان الملك العادل لم يزل يصله بالإنعام الكثير، وله منه الجامكية الوافرة والجراية، وهو مقيم بدمشق، ويتردد إلى خدمة الدور السلطانية بالقلعة، وكذلك في أيام الملك المعظم، وكان قد أطلق له أيضًا جامكية وجراية تصل إليه، ويتردد إلى البيمارستان الكبير، ويعالج المرضى، وكان به أيضًا في ذلك الوقت شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه، وكان يظهر من اجتماعهما كل فضيلة، ويتهيأ للمرضى من المداواة كل خير، وكنت في ذلك الوقت أتدرب معهما في أعمال الطب، ولقد رأيت من حسن تأتي الحكيم عمران في المعالجة وتحققه للأمراض ما يتعجب منه، ومن ذلك أنه كان يومًا قد أتى البيمارستان مفلوج والأطباء قد ألحوا عليه باستعمال المغالي وغيرها من صفاتهم، فلما رآه وصف له في ذلك اليوم تدبيرًا يستعمله، ثم بعد ذلك أمر بفصده، ولما فصد وعالجه صلح وبرأ برأ تامًا كذلك أيضًا رأيت له أشياء كثيرة من صفات مزاوير وألوان كان يصفها للمرضى على حسب ميل شهواتهم، ولا يخرج عن مقتضى المداواة فينتفعون بها، وهذا باب عظيم في العلاج، ورأيته أيضًا وقد عالج أمراضًا كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة، ويئس الأطباء من برئهم، فبروا على يديه بأدوية غريبة يصفها، ومعالجات بديعة عرفها، وقد ذكرت من ذلك جملًا في كتاب التجارب والفوائد وتوفي الحكيم عمران في مدينة حمص في شهر جمادى الأولي سنة سبع وثلاثين وستمائة، وقد استدعاه صاحبها لمداواته.

.موفق الدين يعقوب بن سقلاب:

نصراني، كان أعلم أهل زمانه بكتب جالينوس ومعرفتها والتحقيق لمعانيها، والدراية لها، وكان من كثرة اجتهاده في صناعة الطب وشدة حرصه ومواظبته على القراءة والمطالعة لكتب جالينوس، وجودة فطرته وقوة ذكائه، أن جمهور كتب جالينوس وأقواله فيها كانت مستحضرة له في خاطره، فكان مهما تكلم به في صناعة الطب على تفاريق أقسامها، وتفنن مباحثها، وكثرة جزئياتها، إنما ينقل ذلك عن جالينوس، ومهما سئل عنه في صناعة الطب من المسائل والمواضيع المستعصية وغيرها لا يجيب بشيء من ذلك إلا أن يقول قال جالينوس، ويورد فيه أشياء من كلام جالينوس، حتى كان يتعجب منه في ذلك، وربما أنه في بعض الأوقات كان يذكر شيئًا من كلام جالينوس، ويقول هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس، ويسميه ويعني به النسخة التي عنده، وذلك لكثرة مطالعته إياها وأنسه بها، ومما شاهدته في ذلك من أمره أنني كنت أقرأ عليه في أوائل اشتغالي بصناعة الطب ونحن في المعسكر المعظمي- وكان أبي أيضًا في ذلك الوقت في خدمة الملك المعظم رحمه اللّه- شيئًا من كلام أبقراط حفظًا واستشراحاً، فكنت أرى من حسن تأتيه في الشرح، وشدة استقصائه للمعاني- بأحسن عبارة وأوجزها وأتمها معنى- ما لا يجسر أحد على مثل ذلك ولا يقدر عليه ثم يذكر خلاصة ما ذكره وحاصل ما قاله حتى لا يبقى في كلام بقراط موضع إلا وقد شرحه شرحًا لا مزيد عليه في الجودة، ثم إنه يورد نص ما قاله جالينوس في شرحه لذلك الفصل على التوالي إلى آخر قوله، ولقد كنت أراجع شرح جالينوس في ذلك فأجده قد حكى جملة ما قاله جالينوس بأسره في ذلك المعنى، وربما ألفاظ كثيرة من ألفاظ جالينوس يوردها بأعيانها من غير أن يزيد فيها ولا ينقص، وهذا شيء تفرد به في زمانه، وكان في أوقات كثيرة لما أقام بدمشق يجتمع هو والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي في الموضع الذي يجلس فيه الأطباء عند دار السلطان ويتباحثان في أشياء من الطب، فكان الشيخ مهذب الدين أفصح عبارة، وأقوى براعة، وأحسن بحثاً، وكان الحكيم يعقوب أكثر سكينة، وأبين قولاً، وأوسع نقلاً، لأنه كان بمنزلة الترجمان المستحضر لما ذكره جالينوس في سائر كتبه من صناعة الطب، فأما معالجات الحكيم يعقوب فإنها كانت في الغاية من الجودة والنجح، وذلك أنه كان يتحقق معرفة المرض أولًا تحقيقًا لا مزيد عليه، ثم يشرع في مداواته بالقوانين التي ذكرها جالينوس مع تصرفه هو فيما يستعمله في الوقت الحاضر.
وكان شديد البحث واستقراء الأعراض بحيث أنه كان إذا افتقد مريضًا لا يزال يستقصي منه عرضًا عرضاً، وما يشكوه مما يجده، من مرضه حالًا حالًا إلى أن لا يترك عرضا يستدل به على تحقيق المرض إلا ويعتبره، فكانت أبدًا معالجاته لا مزيد عليها في الجودة، وكان الملك المعظم يشكر منه هذه الحالة ويصفه ويقول لو لم يكن في الحكيم يعقوب إلا شدة استقصائه في تحقيق الأمراض حتى يعالجها على الصواب، ولا يشتبه عليه شيء من أمرها، وكان الحكيم يعقوب أيضًا متقنًا للسان الرومي خبيرًا بلغته ونقل معناه إلى العربي، وكان عنده بعض كتب جالينوس مكتوبة بالرومي مثل حيلة البرء والعلل والأعراض وغير ذلك، وكان أيضًا ملازمًا لقراءتها والاشتغال بها، وكان مولده بالقدس وأقام بها سنين كثيرة، ولازم بها رجلًا فاضلًا فيلسوفًا راهبًا في دير السبق كان خبيرًا بالعلم الطبيعي، متقنًا للهندسة وعلم الحساب، قويًّا في علم أحكام النجوم والاطلاع عليها، وكانت له أحكام صحيحة، وإنذارات عجيبة، وأخبرني الحكيم يعقوب عنه معرفته للحكمة وحسن فطرته وفطنته شيئًا كثيراً، واجتمع أيضًا الحكيم يعقوب في القدس بالشيخ أبي منصور النصراني الطبيب، واشتغل عليه، وباشر معه أعمال صناعة الطب وانتفع به.
وكان الحكيم يعقوب من أتم الناس عقلاً، وأسدهم رأياً، وأكثرهم سكينة، ولما خدم الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب، وصار معه في الصحبة كان حسن الاعتقاد فيه، حتى أنه كان يعتمد عليه في كثير من الآراء الطبية وغيرها فينتفع بها ويحمد عواقبها، وقصد الملك المعظم أن يوليه بعض تدبير دولته والنظر في ذلك، فما فعل، واقتصر على مداومة صناعة الطب فقط، وكان قد عرض للحكيم يعقوب في رجليه نقرس، وكان يثور به في أوقات، ويألم بسببه، وتعسر عليه الحركة، فكان الملك المعظم يستصحبه في أسفاره معه في محفة ويفتقده، ويكرمه غاية الإكرام، وله منه الجامكية السنية والإحسان الوافر، وقال له يومًا يا حكيم لم لا تداوي هذا المرض الذي في رجليك؟ فقال يا مولانا الخشب إذا سوس ما يبقى في إصلاحه حيلة، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم، وكانت وفاته رحمه اللّه في الساعة الثالثة من نهاريوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق، وملك بعده وله الملك الناصر داود فدخل إليه الحكيم يعقوب، ودعا له وذكره بقديم صحبته، وسالف خدمته، وأنه قد وصل إلى سن الشيخوخة والهرم والضعف وأنشده:
أتيتكم وجلابيب الصبا قشب ** فكيف أرحل عنكم وهي أسمال

لي حرمة الضيف والجار القديم ومن ** أتاكم وكهول الحي أطفال

وهذا الشعر لابن منقذ رحمه اللّه، فأحسن إليه الملك الناصر إحسانًا كثيراً، وأطلق له مالًا وكسوة وأمر بأن جميع ما قد كان له مقررًا من الملك المعظم يستمر، وأن لا يكلف لخدمة، فبقي كذلك مديدة، ثم توفي بدمشق في عيد الفصح للنصارى، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة.

.سديد الدين أبو منصور:

هو الحكيم الأجل العالم أبو منصور بن الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب، من أفاضل الأطباء وأعيان العلماء، متميز في علم صناعة الطب وعملها متقن لفصولها وجملها اشتغل على والده وعلى غيره بصناعة الطب، وقرأ أيضًا بالكرك على الإمام شمس الدين الخسروشاهي كثيرًا من العلوم الحكمية، وخدم الحكيم سديد الدين أبو منصور الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب، وأقام في صحبته بالكرك، وكان مكينًا عنده معتمدًا عليه في صناعة الطب، ثم أتى أبو منصور إلى دمشق وتوفي بها.

.رشيد الدين ابن الصوري:

هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري، قد اشتمل على جمل الصناعة الطبية، واطلع على محاسنها الجلية والخفية، وكان أوحدًا في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها، وتحقيق خواصها وتأثيراتها، ومولده في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور ونشأ بها، ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ موفق الدين عبد العزبز، وقرأ أيضًا على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، وتميز في صناعة الطب، وأقام بالقدس سنتين، وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه، وصحب الشيخ أبا العباس الجياني، وكان شيخًا فاضلًا في الأدوية المفردة متفننًا في علوم أخر، كثير الدين، محبًا للخير، فانتفع بصحبته له، وتعلم منه أكثر ما يفهمه، واطلع رشيد الدين بن الصوري أيضًا على كثير من خواص الأدوية المفردة حتى تميز على كثير من أربابها، وأربى على سائر من حاولها واشتغل بها هذا مع ما هو عليه من المروءة التي لا مزيد عليها، والعصبية التي لم يسبق إليها، والمعارف المذكورة، والشجاعة المشهورة، وكان قد خدم بصناعة الطب الملك العادل أبا بكر بن أيوب في سنة اثنتي عشرة وستمائة لما كان الملك العادل متوجهًا إلى الديار المصرية واستصحبه معه من القدس، وبقي في خدمته إلى أن توفي الملك العادل رحمه اللّه، ثم خدم بعده لولده الملك المعظم عيسى بن أبي بكر، وكان مكينًا عنده وجيهًا في أيامه، وشهد معه مصافات عدة مع الفرنج لما كانوا نازلوا ثغر دمياط، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي المعظم رحمه اللّه؛ وملك بعده ولده الملك الناصر داود بن الملك المعظم فأجراه على جامكيته، ورأى له سابق خدمته، وفوض إليه رياسة الطب، وبقي معه في الخدمة إلى أن توجه الملك الناصر إلى الكرك، فأقام هو بدمشق، وكان له مجلس للطب والجماعة يترددون إليه، ويشتغلون بالصناعة الطبية، وحرر كثيرًا في أيام الملك المعظم، وتوفي رشيد الدين بن الصوري رحمه اللّه يوم الأحد أول شهر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق، وكان رشيد الدين بن الصوري قد أهدى إلي تأليفًا له يحتوي على فوائد ووصايا طبية فقلت وكتبت بها إليه في رسالة:
لعلم رشيد الدين في كل مشهد ** منار علا يأتمه كل مهتدي

حكيم لديه المكرمات بأسرها ** توارثها عن سيد بعد سيد

حوى الفضل عن آبائه وجدوده ** فذاك قديم فيه غير مجدد

تفرد في ذا العصر عن كل مشبه ** بخير صفات حصرها لم يجدد

أتتني وصاياه الحسان التي حوت ** بنثر كلام كل فصل منضد

وأهدى إلى قلبي السرور ولم يزل ** بإحسانه يسدي لمثلي من يد

وجدت بها ما أرتجيه وإنني ** بها أبدًا فيما أحاول مقتدي

ولا غرومن علم الرشيد وفضله ** إذا كان بعد اللّه في العلم مرشدي

أدام اللّه أيام الحكيم الأوحد الأمجد، العامل، الفاضل الكامل، الرئيس رشيد الدنيا والدين، معتمد الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، بلغه في الدارين نهاية سؤله وأمانيه، وكبت حسدته وأعاديه، ولا زالت الفضائل مخيمة بفنائه، والفواضل صادرة منه إلى أوليائه، والألسن مجتمعة على شكره وثنائه، والصحة محفوظة بحسن مراعاته، والأمراض زائلة بتدبيره ومعالجته، المملوك ينهي مايجده من الأشواق إلى خدمته، والتأسف على الفائت من مشاهدته، ووصلت المشرفة الكريمة التي وجد بها نهاية الأمل، والإرشاد إلى المطالب الطبية الجامعة للعلم والعمل، وقد جعلها المملوك أصلًا يعتمد عليه، ودستورًا يرجع إليه، لا يخليها من فكره، ولا يخل بما تتضمنه في سائر عمره، وليس للمملوك ما يقابل به إحسان مولانا إلا الدعاء الصالح، والثناء الذي يكتسب من محاسنه النشر العطر الفائح، من المملوك صالح أدعيته، ويجزي مولانا كل خير على كمال مروءته، إن شاء.
وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي يمدح الحكيم رشيد الدين بن الصوري ويشكره على إحسان أسداه إليه.
سرى طيفها والكاشحون ** هجود فبات قريبًا والمزار بعيد

فيا عجبًا من طيفها كيف زارني ** ومن دونه بيد تهول وبيد

وكيف يزور الطيف طرف مسهدٍ ** لطيب الكرى عن ناظريه صدود

وفي قلبه نار من الوجد والأسى ** لها بين أحناء الضلوع وقود

وقد أخلق السقم المبرح والضنا ** لباس اصطباري والغرام جديد

وتاللّه لا عاد الخيال وإنما ** تخيله الأفكار لي فيعود

فيا لائمي كف الملام ولا تزد فما ** فوق وجدي والغرام مزيد

ولي كبد حرى وطرف مسهد ** وقلب يحب الغانيات عميد

ألا في سبيل الحب من مات ** صبوة ومن قتلته الغيد فهو شهيد

ولم تر عيني مثل أسماء خلة ** تضن بوصلي والخيال يجود

تجدد أشجاني بها وصبابتي ** معاهد أقوت باللوى وعهود

رعى اللّه بيضًا من ليال وصلتها ** ببيض حسان والمفارق سود

وبت وجنح الليل مرخ سدوله ** أضم غصون البان وهي قدود

وأرشف راحًا روقتها مباسم ** وأقطف وردًا أنبتته خدود

إلى أن تبدى الصبح غير مذمم ** وزال ظلام الليل وهو حميد

وكيف أذم الصبح أو لا أوده ** وإن ريع مودود به وودود

وكل صباح فيه للعين حظوة ** بوجه رشيد الدين وهو سعيد

هو العالم الصدر الحكيم ومن له ** كلام يضاهي الدر وهو نضيد

رئيس الأطباء ابن سينا وقبله ** حنين تلاميذ له وعبيد

ولو أن جالينوس حيًّا بعصره ** لكان عليه يبتدي ويعيد

فقل لبني الصوري قد سدتم الورى ** وما الناس إلا سيد ومسود

وما حزتم إرث العلا عن ** كلالة كذلك آباء لكم وجدود

فيا عالم الدنيا ويا علم الهدى ** ويا من به للمكرمات وجود

ويا من له ربع من الفضل آهل ** وقصر معال بالثناء مشيد

ودوح من الإحسان أثمر بالمنى ** وظل على اللاجي إليه مديد

ويا من به العاصي الجموح أطاعني ** وذل لي الجبار وهو عنيد

فمعقل عزي في حماه ممنع ** حصين وعيشي في ذراه رغيد

ومن راشني معروفه واصطناعه ** وقام بأمري والأنام قعود

وأحسن بي فعلًا فأحسنت قائلًا ** وجاد ففي مدحي علاه أجيد

فعند نداه حاتم الجود باخل ** وعندي لبيد في المديح بليد

تصدى لكسب الحمد من كل ** وجهة وللقوم عن كسب الثناء صدود

له ظل ذي فضل على كل ** لاجئ مفيء وعلم بالأمور مفيد

ولرشيد الدين الصوري من الكتب كتاب الأدوية المفردة، وهذا الكتاب بدأ بعمله في أيام الملك المعظم، وجعله باسمه واستقصى فيه ذكر الأدوية المفردة، وذكر أيضًا أدوية اطلع على معرفتها ومنافعها لم يذكرها المتقدمون، وكان يستصحب مصوراً، ومعه الأصباغ والليق على إتلافها وتنوعها فكان يتوجه رشيد الدين بن الصوري إلى المواضع التي بها النبات، مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات فيشاهد النبات ويحققه، ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله، ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها، ثم إنه سلك أيضًا في تصوير النبات مسلكًا مفيداً، وذلك أنه كان يري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته فيصوره، ثم يريه إياه أيضًا وقت كماله وظهور بزره فيصوره تلو ذلك، ثم يريه إياه أيضًا في وقت ذواه ويبسه، فيصوره، فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب، وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه في الأرض فيكون تحقيقه له أتم، ومعرفته له أبين، الرد على كتاب التاج للغاوي في الأدوية المفردة، تعاليق له وفرائد ووصايا طبية كتب بها اليّ.