فصل: فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحوافر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحوافر:

كان مثل أبيه جمال الدين في العلم والفضل والنباهة، نزيه النفس، صائب الحدس، أعلم الناس بمعرفة الأمراض، وتحقيق الأسباب والأعراض، حسن العلاج والمداواة، لطيف التدبير والمداراة، عالي الهمة، كثير المروءة، فصيح اللسان، كثير الإحسان، وخدم بصناعة الطب الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، وبعد الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد، وتوفي رحمه اللَّه في أيامه بالقاهرة.

.شهاب الدين بن فتح الدين:

هو سيد العلماء ورئيس الأطباء؛ علامة زمانه، وأوحد أوانه، قد جمع الفضائل، وتميز على الأواخر والأوائل؛ وأتقن الصناعة الطبية علمًا وعملاً، وحررها تفصيلًا وجملاً؛ وهو علامة وقته في حفظ الصحة ومراعاتها، وإزالة الأمراض وعلاجاتها، وقد قتفى سيرة آبائه، وفاق نظراءه في همته وإبائه.
ورث المكارم عن أبيه وجده ** كالرمح أنبوبًا على أنبوب

ومقامه في الديار المصرية، وخدم بصناعة الطب الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملك الصالح صاحب الديار المصرية والشامية.

.القاضي نفيس الدين بن الزبير:

هو القاضي الحكيم نفيس الدين أبو القاسم هبة اللَّه ابن صدقة بن عبد اللّه الكولمي، والكولم من بلاد الهند، وهو ينسب من جهة أمه إلى ابن الزبير الشاعر المشهور الذي كان بالديار المصرية وهو القائل:
يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ** هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا

ومولد القاضي نفيس الدين في سنة خمس أو ست وخمسين وخمسمائة، وقرأ صناعة الطب على ابن شوعة أولاً، وقرأ بعد ذلك على الشيخ السيد رئيس الطب، وتميز في صناعة الطب وحاول أعمالها، وأتقن أيضًا صناعة الكحل، وعلم الجراح، وكثرت شهرته بصناعة الكحل، وولاه الملك الكامل ابن الملك العادل رياسة الطب بالديار المصرية، ويكحل في البيمارستان الناصري الذي كان من جملة القصر للخلفاء المصريين وتوفي القاضي نفيس الدين بن الزبير رحمه اللّه بالقاهرة في سنة ست وثلاثين وستمائة، وله أولاد مقيمون في القاهرة، وهم من المشهورين بصناعة الحكل والمتميزين في علمها وعملها.

.أفضل الدين الخونجي:

هو الإمام العالم، الصدر الكامل، سيد العلماء والحكماء، أوحد زمانه، وعلامة أوانه، أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن ناماوار الخونجي، قد تميز في العلوم الحكمية، وأتقن الأمور الشرعية قوي الاشتغال كثير التحصيل، اجتمعت به في القاهرة في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فوجدته الغاية القصوى في سائر العلوم، وقرأت عليه بعض الكليات من كتاب القانون للرئيس بن سينا، وكان في بعض الأوقات يعرض له انشداه خاطر لكثرة أنصباب ذهنه إلى العلم، وتوفر فكرته فيه، وفي آخر أمره تولى القضاء بمصر، وصار قاضي القضاة بها وبأعمالها، وكانت وفاته رحمه اللَّه بالقاهرة يوم الأربعاء خامس شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة ودفن بالقرافة، وقال الشيخ عز الدين محمد ابن حسن الغنوي الضرير الأربلي يرثيه:
قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل ** ومات بموت الخونجي الفضائل

فيها أيها الحبر الذي جاء أخرة ** فحل لنا ما لم تحل الأوائل

ومستنبط العلم الخفي بفكرة ** بها اتضحت للسائلين المسائل

وفاتح باب المشكلات بها لنا ** فلم يسم لولاه لها المتطاول

وحبرًا إذا قيس البحار بعلمه ** غدا علمه بحرًا وتلك الجداول

فليت المنايا عنه طاش سهامها ** وكانت أصيبت من سواه المقاتل

أتدري بمن قد سار حامل نعشه ** عداه أحبوه ومن هو حامل

ومات فريدًا في الزمان وأهله ** وبحر علوم ماله الدهر ساحل

فإن غيبوه في الثرى عن عيوننا ** فما علمه خاف ولا الذكر خامل

وإن أفِلت شمس المعالي بموته ** فما علمه عن طالب العلم زائل

وما كنت أدري أن للشمس في الثرى ** أفولًا وأن البدر في الترب نازل

إلى أن رأيناه وقد حل قبره ** قضينا بأن البدر في اللحد حاصل

ولأفضل الدين الخونجي من الكتب شرح ما قاله الرئيس بن سينا في النبض، مقالة في الخدور والوروم، كتاب الجمل في علم المنطق، كتاب كشف الأسرار في علم المنطق، كتاب الموجز في المنطق، كتاب أدوار الحميات.

.أبو سليمان داود بن أبي المنى بن أبي فانة:

كان طبيبًا نصرانيًّا بمصر في زمان الخلفاء، وكان حظيًّا عندهم، فاضلًا في الصناعة الطبية، خبيرًا بعلمها وعملها، متميزًا في العلوم، وكان من أهل القدس، ثم انتقل إلى الديار المصرية، وكانت له معرفة بالغة بأحكام النجوم.
حدثني الحكيم رشيد الدين أبو حليقة بن الفارس بن أبي سليمان المذكور قال سمعت الأمير مجد الدين أخا الفقيه عيسى، وهو يحدث السلطان الملك الكامل بشر مساح عند حضوره إليه، بعد وفاة الملك العادل، ونزول الفرنج على ثغر دمياط من أحوال جدي أبي سليمان داود ما هذا نصه قال كان الحكيم أبو سليمان في زمان الخلفاء، وكان له خمسة أولاد، فلما وصل الملك مارى إلى الديار المصرية أعجبه طبه فطلبه من الخليفة بها، ونقله هو وأولاده الخمسة إلى البيت المقدس، ونشأ للملك مارى ولد مجذم فركب له الترياق الفاروقي بالبيت المقدس، وترهب وترك ولده الأكبر وهو الحكيم المهذب أبو سعيد خليفته على منزله وإخوته.
واتفق أن ملك الفرنج المذكور بالبيت المقدس أسر الفقيه عيسى، ومرض فسيره الملك لمداواته، فلما وصل إليه وجده في الجب مثقلًا بالحديد فرجع إلى الملك وقال له إن هذا الرجل ذو نعمة، ولو سقيته ماء الحياة وهو على هذا الحال لم ينتفع به، قال الملك فما أفعل في أمره؟ قال يطلقه الملك من الجب ويفك عنه حديده ويكرمه فما يحتاج إلى مداواة أكثر من هذا، فقال الملك نخاف أن يهرب وقطيعته كثيرة، قال للملك سلمه إلي وضمانه علي، فقال له تسلمه وإذا جاءت قطيعته كان لك منها ألف دينار، فمضى وشاله من الجب وفك حديده، وأخلى له موضعًا في داره أقام فيه ستة أشهر يخدمه فيها أتم خدمة، فلما جاءت قطيعته طلب الملك الحكيم أبا سعيد ليحضر له الفقيه المذكور فحضر وهو صحبته، ووجد قطيعته في أكياس بين يديه فأعطاه منه الكيس الذي وعده به، فلما أخذه قال له يا مولانا هذه الألف دينار قد صارت لي أتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم؟ فقال له نعم، فأعطاها للفقيه في المجلس وقال له أنا أعرف أن هذه القطيعة ما جاءت إلا وقد تركت خلفك شيئًا وربما قد تدني لك شيئًا آخر فتقبل مني هذه الألف دينار إعانة نفقة الطريق، فقبلها الفقيه منه، وسافر إلى الملك الناصر.
واتفق أن الحكيم أبا سليمان داود المذكور ظهر له في أحكام النجوم أن الملك الناصر يفتح البيت المقدس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية، وأنه يدخل إليها من باب الرحمة، فقال لأحد أولاده الخمسة وهو الفارس أبو الخير بن أبي سليمان داود المذكور، وكان هذا الولد قد تربى مع الولد المجذم ملك البيت المقدس، وعلمه الفروسية، فلما توج الملك فرسه وخرج المذكور من بين إخوته الأربعة الأطباء جندياً، وكان قول الحكيم أبي سليمان لولده هذا بأن يمضي رسولًا عنه إلى الملك الناصر، ويبشره بملك البيت المقدس في الوقت المذكور، فامتثل مرسومه ومضى إلى الملك الناصر، فاتفق وصوله إليه في غرة سنة ثمانين وخمسمائة، والناس يهنؤونه بها وهم على فاميه، فمضى إلى الفقيه المذكور ففرح به غاية الفرح، ودخل به إلى الملك الناصر، وأوصل إليه الرسالة عن أبيه، ففرح بذلك فرحًا شديداً، وأنعم عليه بجائزة سنية، وأعطاه علمًا أصفر ونشابة من رنكة، وقال له متى يسّر اللَّه ما ذكرت اجعلوا هذا العلم الأصفر والنشابة فوق داركم فالحارة التي أنتم فيها تسلم جميعها في خفارة داركم، فلما حضر الوقت صح جميع ما قاله الحكيم المذكور فدخل الفقيه عيسى إلى الدار التي كان مقيمًا بها ليحفظها، ولم يسلم من البيت المقدس من الأسر والقتل ووزن القطيعة سوى بيت هذا الحكيم المذكور، وضاعف لأولاده ما كان لهم عند الفرنج، وكتب له كتابًا إلى سائر ممالكه برًا وبحرًا بمسامحتهم بجميع الحقوق اللازمة للنصارى، فاعفوا عنها إلى الآن، وتوفي الحكيم أبو سليمان المذكور بعد أن استدعاه الملك الناصر إليه، وقام له قائمًا وقال له أنت شيخ مبارك، قد وصل إلينا بشراك، وتم جميع ما ذكرته فتمن علي، فقال له أتمنى عليك حفظ أولادي، فأخذ الملك الناصر أولاده واعتنى بهم، وأعطاهم للملك العادل، ووصاه بأن يكرمهم ويكونوا من الخواص عنده وعند أولاده، وكان كذلك، أقول وكان فتح السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب للقدس في سابع وعشرين رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

.أبو سعيد بن أبي سليمان:

هو الحكيم مهذب الدين أبو سعيد بن أبي سليمان بن أبي المنى بن أبي فانة، كان فاضلًا في صناعة الطب، عالمًا بها، متميزًا في أعمالها، متقدمًا في الدولة، وقرأ علم الطب على أبيه وعلى غيره، وكان السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب قدجعله في خدمة ولده الملك المعظم، وأكرمه غاية الإكرام وأمر أن لا يدخل قلعة من قلاعه إلا راكبًا مع صحة جسمه، فكان يدخل في قلاعه الأربعة كذلك، وهي قلعة الكرك وقعلة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق، وخدم أبو سعيد بن أبي سليمان الملك الناصر صلاح الدين والملك العادل أيضًا بالطب، وانتقل إلى الديار المصرية، وأقام بها إلى حين وفاته، وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بدير الخندق عند القاهرة.

.أبو شاكر بن أبي سليمان:

هو الحكيم موفق الدين أبوشاكر بن أبي سليمان داود، وكان متقنًا لصناعة الطب متميزًا في علمها وعملها جيد العلاج مكينًا في الدولة وقرأ صناعة الطب على أخيه أبي سعيد بن أبي سليمان، وتميز بعد ذلك واشتهر ذكره، وكان السلطان الملك العادل قد جعله في خدمة ولده الملك الكامل فبقي في خدمته، وحظي عنده الحظوة العظيمة، وتمكن عنده التمكن الكثير، ونال في دولته حظًا عظيمًا وكانت له منه إقطاعات ضياع وغيرها، ولم يزل أبدا يفتقده بالهبات الوافرة، والصلات المتواترة، وكان أيضًا الملك العادل يعتمد عليه في المداواة، ويصفه بحسن العلاج، وكان يدخل أيضًا في جميع قلاعه وهو راكب، مثل قلعة الكرك وقلعة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق، ثم قلعة القاهرة، مع صحة جسمه، ولقد بلغ من أمره عند سكن الملك الكامل بقصر القاهرة المحروسة أن أسكنه عنده فيه، وكان الملك العادل ساكنًا بدار الوزارة، وأنه ركب ذات يوم على بغلة النوبة التي له، وخرج إلى بين القصرين فركب فرسًا آخر وسير بغلته التي كان راكبًا عليها إلى دار الحكيم المذكور بالقصر، وأمر بركوبه عليها لخروجه من القصر راكبًا ولم يزل راكبًا بين القصرين إلى أن وصل إليه فأخذ بيده وسايره يتحدث معه إلى دار الوزارة، وسائر الوزراء يمشون بين يدي الملك الكامل، وللعضد بن منقذ في أبي شاكر:
هذا الحكيم أبو شاكر ** كثير المحبين والشاكر

خليفة بقراط في عصرنا ** وثانيه في علمه الباهر

وتوفي أبو شاكر بن أبي سليمان في سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بدير الخندق عند القاهرة.