فصل: عبد الملك بن أبجر الكناني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


 ابن أبي رمثة التميمي

كان طبيباً على عهد رسول اللَّه صلى الله علية وسلم ومزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجراح وروى نعيم عن ابن أبي عيينة عن ابن أبجر عن زياد عن لقيط عن ابن أبي رمثة قال أتيت رسول اللَّه صلى الله علية وسلم فرأيت بين كتفيه الخاتم فقلت إني طبيب فدعني أعالجه فقال أنت رفيق والطبيب اللَّه قال سليمان بن حسان علم رسول اللَّه أنه رفيق اليد ولم يكن فائقاً في العلم فبان ذلك من قوله والطبيب اللَّه

 عبد الملك بن أبجر الكناني

كان طبيباً عالماً ماهراً وكان في أول أمره مقيماً في الإسكندرية لأنه كان المتولي في التدريس بها من بعد الإسكندرانيين الذين تقدم ذكرهم وذلك عندما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى ثم إن المسلمين لما استولوا على البلاد وملكوا الإسكندرية أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز وكان حينئذ أميراً قبل أن تصل إليه الخلافة وصحبه فلما أفضت الخلافة إلى عمر وذلك في صفر سنة تسع وتسعين للهجرة نقل التدريس إلى إنطاكية وحران وتفرق في البلاد وكان عمر بن عبد العزيز يستطب ابن أبجر ويعتمد عليه في صناعة الطب روى الأعمش عن ابن أبجر أنه قال دع الدواء ما احتمل بدنك الداء وهذا من قول النبي صلى الله علية وسلم سر بدائك ما حملك وروى سفيان عن ابن أبجر أنه قال المعدة حوض الجسد

 ابن أثال

كان طبيباً متقدماً من الأطباء المتميزين في دمشق نصراني المذهب ولما ملك معاوية بن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه وكان كثير الافتقاد له والاعتقاد فيه والمحادثة معه ليلاً ونهاراً وكان ابن أثال خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة وقواها وما منها سموم قواتل وكان معاوية يقربه لذلك كثيراً ومات في أيام معاوية جماعة كثيرة من أكابر الناس والأمراء من المسلمين بالسم ومن ذلك حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني الكاتب قال في كتابه المعروف بالأغاني الكبير أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز قال حدثنا المدائني عن شيخ من أهل الحجاز و عن زيد بن رافع مولى المهاجرين خالد بن الوليد عن أبي ذئب عن أبي سهيل أن معاوية لما أراد أن يظهر العقد ليزيد قال لأهل الشام أن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله يريد أن يستخلف عليكم فمن ترون فقالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسكت وأضمرها ودس ابن أثال النصراني الطبيب إليه فسقاه سماً فمات وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر ابن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة وكان أسوأ الناس رأياً في عمه لأن أباه المهاجر كان مع علي رضي اللَّه عنه بصفين وكان عبد الرحمن بن خالد مع معاوية وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه هاشمي المذهب فلما قتل عمه عبد الرحمن مر به عروة بن الزبير فقال له يا خالد اتدع لابن أثال نقى أوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسيل أزارك تجره وتخطر فيه متخائلاً فحمي خالد ودعى مولى له يقال له نافع فاعلمه الخبر وقال له لا بد من قتل ابن أثال وكان نافع جلداً شهماً فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يتمسى عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى اسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع إياك أن تعرض له أنت فإني أضربه ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رأيت شيئاً يريدني من ورائي فشأنك فلما حاذاه وثب إليه فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشوهما حملاً عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً ففاتا الناس‏.‏

وبلغ معاوية الخبر فقال هذا خالد بن المهاجر انظروا الزقاق الذي دخل فيه ففتش عليه وأتي به فقال له لا جزاك اللّه من زائر خيراً قتلت طبيبي فقال قتلت المأمور وبقي الآمر فقال له عليك لعنة اللَّه أما واللّه لو كان تشهّد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال لا قال بلى واللَّه وما اجترأت إلا به ثم أمر بطلبه فوجد فأتي به فضرب مائة سوط ولم ينح خالداً بشيء أكثر من أن حبسه وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم أدخل بيت المال منها ستة آلاف وأخذ ستة آلاف فلم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وأثبت الذي يدخل بيت المال قال لما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في السجن‏:‏ إما خطاي تقاربت مشي المقيد في الحصار فيما أُمشي في الأ باط ح يقتفي أثري إزاري دع ذا ولكن هل ترى ناراً تشب بذي مرار ما أن تشب لقِرة بالمصطلين ولا قتار ما بال ليلك ليس يَن قص طولها طولُ النهار أتقاصر الأمان أم غرض الأسير من الأسار قال فبلغت أبياته معاوية فأطلقه فرجع إلى مكة فلما قدمها لقي عروة بن الزبير فقال له أما ابن أثال فقد قتلته وهذاك ابن جرموز نقي أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائراً فشكاه عروة إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأقسم عليه أن يمسك عنه ففعل أقول كان الزبير بن العوام مع عائشة يوم الجمل فقتله ابن جرموز ولذلك قال خالد بن المهاجر لعروة بن الزبير عن قتل ابن جرموز لأبيه يعيره بذلك ومما يحقق هذا أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفَيل زوجة الزبير بن العوام قالت ترثيه لما قتله ابن جرموز الكامل غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد اللَّه ربك أن قتلت لمسلماً وجبت عليك عقوبة المتعمد إن الزبير لذو بلاء صادق سمح سجيته كريم المشهد كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع القردد فاذهب فما ظفرت يداك بمثله فيما مضى مما يروح ويغتدي وقال أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي في كتاب الأمثال إن معاوية بن أبي سفيان كان خاف أن يميل الناس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فاشتكى عبد الرحمان فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم فأخرقته فعند ذلك قال معاوية لا جد إلا ما أقعص عنك من تكره قال وقال معاوية أيضاً حين بلغه أن الأشتر سقي شربة عسل فيها سم فمات إن للَّه جنوداً منها العسل‏.‏

ونقلت من تاريخ أبي عبد اللَّه محمد بن عمر الواقدي قال لما كان في سنة ثمان وثلاثين بعث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه الأشتر والياً على مصر بعد قتل محمد بن أبي بكر وبلغ معاوية مسيره فدس إلى دهقان بالعريش فقال إن قتلت الأشتر فلك خراجك عشرين سنة فلطف له الدهقان فسأل أي الشراب أحب إليه فقيل العسل فقال عندي عسل من عسل برقة فسمه وأتاه به فشربه فمات وفي تاريخ الطبري أن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما مات مسموماً في أيام معاوية وكان عند معاوية كما قيل دهاء فدس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن رضي اللَّه عنه شربة وقال لها إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد فلما توفي الحسن بعثت إلى معاوية تطلب قوله فقال لها في الجواب أنا أضن بيزيد وقال كثير يرثي الحسن رضي اللَّه عنه السريع يا جعد أبكيه ولا تسأمي بكاء حق ليس بالباطل إن تستري الميت على مثله في الناس من حاف ومن ناعل وقال عوانة بن الحكم لما كان قبل موت الحسن بن علي عليهما السلام كتب معاوية إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة أن أقبل المطي فيما بيني وبينك بخبر الحسن بن علي قال فلم يلبث إلا يسيراً حتى كتب مروان بموته وان ابن عباس إذا دخل على معاوية أجلسه معه على سريره فأذن معاوية للناس فأخذوا مجالسهم وجاء ابن عباس فلم يمهله معاوية أن يسلم حتى قال يا ابن عباس هل أتاك موت الحسن بن علي قال لا قال معاوية فإنه قد أتانا موته فاسترجع ابن عباس وقال إن موته يا معاوية لا يزيد في عمرك ولا يدخل عمله معك في قبرك وقد بلينا بأعظم فقدنا منه جده محمد صلى الله علية وسلم فجبر اللّه مصابنا ولم يهلكنا بعده فقال له معاوية اقعد يا ابن عباس فقال ما هذا بيوم قعود وأظهر معاوية الشماتة بموت الحسن رضي اللَّه عنه فقال قثم ابن عباس في ذلك‏:‏ أصبح اليوم ابن هند شامتاً ظاهر النخوة أن مات حسن رحمة الله عليه أنه طال ما أشجى ابن هند وأذن ولقد كان عليه عمره عدل رضوى وثبير وحضن وإذا أقبل حياً رافعاً صوته والصدر يغلي بالإحن فارتع اليوم ابن هند آمناً إنما يغمص بالعير السمن واتق اللّه وأحدث توبة أن ما كان كشيء لم يكن

 أبو الحكم

كان طبيباً نصرانياً عالماً بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه وعمّر أبو الحكم هذا عمراً طويلاً حتى تجاوز المائة سنة حدث أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبي قال حدثني عيسى ابن حكم الدمشقي المتطبب قال حدثني أبي عن أبيه قال ولي الموسم في أيام معاوية ابن أبي سفيان و يزيد بن معاوية فوجهني أبوه معه متطبباً له وخرجت مع عبد الصمد ابن علي بن عبد اللَّه بن العباس إلى مكة متطبباً له وقعدد عبد الصمد مثل قعدد يزيد وبين وفاتهما مائة ونيف وعشرون سنة قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم عن أبيه أن جده أعلمه أنه كان حمّى عبد الملك بن مروان من شرب الماء في علته التي توفي فيها وأعلمه أنه متى شرب الماء قبل نضج علته توفي قال فاحتمى عن الماء يومين وبعض الثالث قال فإني عنده لجالس وعنده بناته و إذ دخل عليه الوليد ابنه فسأله عن حاله وهو يتبين في وجه الوليد السرور بموته فأجابه بأن قال‏:‏ ومستخبر عنا يريد بنا الردى ومستخبرات والدموع سواجم وكان استفتاحه النصف الأول وهو مواجه للوليد ثم واجه البنات عند قوله النصف الثاني ثم دعا بالماء فشربه فقضى من ساعته

 حكم الدمشقي

كان يلحق بابيه في معرفته بالمداواة والأعمال الطبية والصفات البديعة وكان مقيماً بدمشق وعمر أيضاً عمراً طويلاً قال أبو يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم أن والده توفي وكان عبد اللَّه ابن طاهر بدمشق في سنة عشر ومائتين وإن عبد اللّه سأله عن مبلغ عمر أبيه فأعلمه أنه عمره مائة وخمس سنين لم يتغير عقله ولم ينقص علمه فقال عبد اللَّه عاش حكم نصف التاريخ قال يوسف وحدثني عيسى أنه ركب مع أبيه حكم بمدينة دمشق إذ اجتازوا بحانوت حجام قد وقف عليه بشر كثير فلما بصر بنا بعض الوقوف قال أفرجوا هذا حكم المتطبب وعيسى ابنه فأفرج القوم فإذا رجل قد فصده الحجام في العرق الباسليق وقد فصده فصداً واسعاً وكان الباسليق على الشريان فلم يحسن الحجام تعليق العرق فأصاب الشريان ولم يكن عند الحجام حيلة في قطع الدم واستعملنا الحيلة في قطعه بالرفائد ونسج العنكبوت والوبر فلم ينقطع بذلك فسألني والدي عن حيلة فأعلمته أنه لا حيلة عندي فدعا بفستقة فشقها وطرح ما فيها وأخذ أحد نصفي القشرة فجعله على موضع الفصد ثم أخذ حاشية من ثوب كتان غليظ فلف بها موضع الفصد على قشر الفستقة لفاً شديداً حتى كان يستغيث المفتصد من شدته ثم شد ذلك بعد اللف شداً شديداً وأمر بحمل الرجل إلى نهر بردى وأدخل يده في الماء ووطّأ له على شاطئ النهر ونومه عليه وأمر فحسى محات بيض نيمرشت ووكل به تلميذاً من تلامذته وأمره بمنعه من إخراج يده من موضع الفصد من الماء إلا عند وقت الصلاة أو يتخوف عليه الموت من شدة البرد فإن تخوف ذلك أذِن له في إخراج يده هنيهة ثم أمره بردها ففعل ذلك إلى الليل ثم أمر بحمله إلى منزله ونهاه عن تغطية موضع الفصد وعن حل الشد قبل استتمام خمسة أيام ففعل ذلك إلا أنه صار إليه في اليوم الثالث وقد ورم عضده وذراعه ورماً شديداً فنفس من الشد شيئاً يسيراً وقال للرجل الورم أسهل من الموت فلما كان في اليوم الخامس حل الشداد شيئاً يسيراً فوجدنا قشر الفستقة ملتصقاً بلحم الرجل فقال والدي للرجل بهذا القشر نجوت من الموت فإن خلعت هذا القشر قبل انخلاعه وسقوطه من غير فعل منك تلفت نفسك قال عيسى فسقط القشر في اليوم السابع وبقي في مكانه دم يابس في خلقة الفستقة فنهاه والدي عن العبث به أو حك ما حوله أو فتّ شيء من ذلك الدم فلم يزل الدم يتحات حتى انكشف موضع الفصد في أكثر من أربعين ليلة وبرأ الرجل

 عيسى بن حكم الدمشقي

وهو المشهور بمسيح صاحب الكناش الكبير الذي يعرف به وينسب إليه قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن الحكم أنه عرض لغضيض أم ولد الرشيد قولنج فأحضرته وأحضرت الأبح والطبري الحاسبين وسألت عيسى عما يرى معالجتها به قال عيسى فأعلمتها أن القولنج قد استحكم بها استحكاماً إن لم تبادره بالحقنة لم يؤمن عليها التلف فقالت للأبح والطبري اختارا لي وقتاً أتعالج فيه فقال لها الأبح علتك هذه ليست من العلل التي يمكن أن يؤخر لها العلاج إلى وقت يحمده المنجمون وأنا أرى أن تبادري بالعلاج قبل أن تعملي عملاً وكذلك يرى عيسى بن حكم فسألتني فأعلمتها أن الأبح قد صدقها فسألت الطبري عن رأيه فقال إن القمر اليوم مع زحل وهو في غد مع المشتري وأنا أرى لك أن تؤخري العلاج إلى مقارنة القمر المشتري فقال الأبح أنا أخاف أن يصير القمر مع المشتري وقد عمل القولنج عملاً لا يحتاج معه إلى علاج فتطيرت من ذلك غضيض ولبنتها أم محمد وأمرتا بإخراجه من الدار وقبلت قول الطبري فماتت غضيض قبل موافاة القمر المشتري فلما وافى القمر المشتري قال الأبح لأم محمد هذا وقت اختيار الطبري للعلاج فأين العليل حتى نعالجه فزادتها رسالته غيظاً عليه ولم تزل سيئة الرأي فيه حتى توفيت قال يوسف نزلت على عيسى بن حكم في منزله بدمشق سنة خمس وعشرين ومائتين وبي نزلة صعبة فكان يغذوني بأغذية طيبة ويسقيني الثلج فكنت أنكر ذلك وأعلمه أن تلك الأغذية مضرة بالنزلة فيعتل علي بالهواء ويقول أنا أعلم بهواء بلدي منك وهذه الأشياء المضرة بالعراق نافعة بدمشق فكنت أغتذي بما يغذوني به فلما خرجت عن البلد خرج مشيعاً لي حتى صرنا إلى الموضع المعروف بالراهب وهو الموضع الذي فارقني فيه فقال لي قد أعددت لك طعاماً يُحمل معك يخالف الأطعمة التي كنت تأكلها وأنا آمرك أن لا تشرب ماء بارداً ولا تأكل من مثل الأغذية التي كنت تأكلها في منزلي شيئاً فلمته على ما كان يغذوني به فقال أنه لا يحسن بالعاقل أن يلزم قوانين الطب مع ضيفه في منزله قال يوسف وتجاريت وعيسى يوماً بدمشق ذكر البصل فابترك في ذمه ووصف معايبه وكان عيسى وسلمويه بن بيان يسلكان طريق الرهبان ولا يحمدان شيئاً مما يزيد في الباه ويذكران أن ذلك مما يتلف الأبدان ويذهب الأنفس فلم استنجد الاحتجاج عليه بزيادة البصل في الباه فقلت له قد رأيت له في سفري هذا أعني فيما بين سر من رأى ودمشق منفعة فسأل عنها فاعلمته أني كنت أذوق الماء في بعض المناهل فأصيبه مالحاً فآكل البصل الني ثم أعاود شرب الماء فأجد ملوحته قد نقصت وكان عيسى قليل الضحك فاستضحك من قولي ثم رجع إلى إظهار جرح منه ثم قال يعز علي أن يغلط مثلك هذا الغلط لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل وأعيب عيب فيه فجعلتها مدحاً ثم قال لي أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حس الشم والذوق والسمع والبصر فأعلمته أن الأمر كذلك فقال لي إن خاصية البصل إحدث فساد الدماغ فإنما قلل حسك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد قال وقال لي عيسى وقد شيعني إلى الراهب وهو آخر كلام دار بيني وبينه أن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين لم يتشنج له وجه ولم ينقص من ماء وجهه لأشياء كان يفعلها وأنا الآن مزودكها فاعمل بها وهي أن لا تذوق القديد ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبداً إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك والزم ذلك فإنه ينفعك فلزمت ما أمرني به من هذا الباب إلا أني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة وفي الأكثر من ذلك ولعيسى بن حكم من الكتب كناش كتاب منافع الحيوان‏.‏

 تياذوق

كان طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب وعمر وكان في أول دولة بني أمية ومشهوراً عندهم بالطب وصحب أيضاً الحجاج بن يوسف الثقفي المتولي من جهة عبد الملك بن مروان وخدمه بصناعة الطب وكان يعتمد عليه ويثق بمداواته وكان له منه الجامكية الوافرة والافتقاد الكثير ومن كلام تياذوق للحجاج قال لا تنكح إلا شابة ولا تأكل من اللحم إلا فتياً ولا تشرب الدواء إلا من علة ولا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها وأجد مضغ الطعام وإذا أكلت نهاراً فلا بأس أن تنام وإذا أكلت ليلاً فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة فقال له بعض من حضر إذا كان الأمر كما تقول فلم هلك بقراط ولم هلك جالينوس وغيرهما ولم يبق أحد منهم قال يا بني قد احتججت فاسمع إن القوم دبّروا أنفسهم بما يملكون وغلبهم ما لا يملكون - يعني الموت - وما يرد من خارج كالحر والبرد والوقوع والغرق والجراح والغم وما أشبه ذلك وأوصى تياذوق أيضاً الحجاج فقال لا تأكلن حتى تجوع ولا تتكارهنّ على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل أن يأخذ منك وقال أيضاً للحجاج أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق وما مجامعة العجوز ببعيدة منهن ووجد الحجاج في رأسه صداعاً فبعث إلى تياذوق وأحضره فقال اغسل رجليك بماء حار وادهنهما وخصي للحجاج قائم على رأسه فقال واللَّه ما رأيت طبيباً أقل معرفة بالطب منك شكى الأمير الصداع في رأسه فتصف له دواء في رجليه فقال له أما أن علامة ما قلت فيك بينة قال الخصي وما هي قال نُزعت خصيتاك فذهب شعر لحيتك فضحك الحجاج ومن حضر وشكى الحجاج ضعفاً في معدته وقصوراً في الهضم إلى تياذوق فقال يكون الأمير يحضر بين يديه الفستق الأحمر القشر البراني ويكسره ويأكل من لبه فإن ذلك يقوي المعدة فلما أمس الحجاج بعث إلى حظاياه وقال إن تياذوق وصف لي الفستق فبعث إليه كل واحدة منهن صينية فيها قلوب فستق فأكل من ذلك حتى امتلأ وأصابته بعقبه هيضة كادت تأتي على نفسه فشكى حاله إلى تياذوق وقال وصفت لي شيئاً أضرَّ بي وذكر له ما تناول فقال له إنما قلت لك أن حضر عندك الفستق بقشره البراني فتكسر الواحدة بعد الواحدة وتلوك قشرها البراني وفيه العطرية والقبض فيكون بذلك تقوية المعدة وأنت فقد عملت غير ما قلت لك وداواه مما عرض له قيل ومن أخباره مع الحجاج أنه دخل عليه يوماً فقال له الحجاج أي شيء دواء أكل الطين فقال عزيمة مثلك أيها الأمير فرمى الحجاج بالطين من يده ولم يعد إليه أبداً وقيل أن بعض الملوك لما رأى تياذوق وقد شاخ وكبر سنه وخشي أن يموت ولا يعتاض عنه لأنه كان أعلم الناس وأحذق الأمة في وقته بالطب فقال له صف لي ما أعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن أن يحدث عليك حدث الموت ولا أجد مثلك فقال تياذوق أيها الملك بالخيرات أقول لك عشرة أبواب إن علمت واجتنبتها لم تعتل مدة حياتك وهذه عشر كلمات 1 - لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام 2 - ولا تأكل ما تضعف أسنانك من مضغه وفتضعف معدتك عن هضمه 3 - ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن أصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام 4 - وعليك بدخول الحمام في كل يومين مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء 5 - وأكثر الدم في بدنك تحرص به نفسك 6 - وعليك كل فصل قيئة ومسهلة 7 - ولا تحبس البول وإن كنت راكباً 8 - واعرض نفسك عل الخلاء قبل نومك 9 - ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس من نار الحياة فليكثر أو يقل 10 - ولا تجامع العجوز فإنه يورث الموت الفجأة فلما سمع الملك ذلك أمر كاتبه أن يكتب هذه الألفاظ بالذهب الأحمر ويضعه في صندوق من ذهب مرصع وبقي ينظر إليه في كل يوم ويعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى جاءه الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب قال قال الحجاج لابنه محمد يا بني إن تياذوق الطبيب كان قد أوصاني في تدبير الصحة بوصية كنت استعملها فلم أر إلا خيراً ولما حضرته الوفاة دخلت عليه أعوده فقال الزم ما كنت وصيتك به وما نسيت منها فلا تنس لا تشربن دواء حتى تحتاج إليه ولا تأكلن طعاماً وفي جوفك طعام وإذا أكلت فامش أربعين خطوة وذا امتلأت من الطعام فنم على جنبك الأيسر ولا تأكلن الفاكهة وهي مولية ولا تأكلن من اللحم إلا فتياً ولا تنكحن عجوزاً وعليك بالسواك ولا تتبعن اللحم اللحم فإن إدخال اللحم على اللحم يقتل الأُسود في الفلوات وقال أيضاً إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتاب أخبار الحجاج إن الحجاج لما قتل سعيد بن جبير رحمه اللَّه وكان من خيار التابعين وجرى بينهما كلام كثير وأمر به فذبح بين يديه وخرج منه دم كثير استكثره وهاله فقال الحجاج لتياذوق طبيبه ما هذا قال لاجتماع نفسه وأنه لم يجزع من الموت ولا هاب ما فعلته به وغيره تقتله وهو مفترق النفس فيقل دمه لذلك ومات تياذوق بعد ما أسن وكبر وكانت وفاته بواسط في نحو سنة تسعين للهجرة ولتياذوق من الكتب كناش كبير ألفه لابنه كتاب إيدال الأدوية وكيفية دقها وإيقاعها وإذابتها وشيء من تفسير أسماء الأدوية‏.‏

 زينب طبيبة بني أود

كانت عارفة بالأعمال الطبية خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات مشهورة بين العرب بذلك قال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني الكبير أخبرنا محمد بن خلف المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن كناسة عن أبيه عن جده قال أتيت أمرأة من بني أود لتكحلني من رمد كان قد أصابني فكحلتني ثم قالت اضطجع قليلاً حتى يدور الدواء في عينيك فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر‏:‏ أمخترمي ريب المنون ولم أزر طبيب بني أود على النأي زينبا فضحكت ثم قالت أتدري فيمن قيل هذا الشعر قلت لا قالت فيَّ واللَّه قيل وأنا زينب التي عناها وأنا طبيبة بني أود افتدري من الشاعر قلت لا قالت عمك أبو سماك الأسدي‏.‏