فصل: باب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآنِيَتِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الشُّرْبِ فِي الْأَقْدَاحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشرب في الأقداح‏)‏ أي هل يباح أو يمنع لكونه من شعار الفسقة‏؟‏ ولعله أشار إلى أن الشرب فيها وإن كان من شعار الفسقة لكن ذلك بالنظر إلى المشروب وإلى الهيئة الخاصة بهم فيكره التشبه بهم، ولا يلزم من ذلك كراهة الشرب في القدح إذا سلم من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن عباس‏)‏ بمهملتين وموحدة، وشيخه عبد الرحمن هو ابن مهدي، وقد تقدم التنبيه على حديث أم الفضل المذكور قريبا، وتقدم أنه مر مشروحا في كتاب الصيام‏.‏

*3*باب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآنِيَتِهِ

وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَا أَسْقِيكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي تبركا به، قال ابن المنير‏:‏ كأنه أراد بهذه الترجمة دفع توهم من يقع في خياله أن الشرب في قدح النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته تصرف في ملك الغير بغير إذن، فبين أن السلف كانوا يفعلون ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث، وما تركه فهو صدقة‏.‏

ولا يقال إن الأغنياء كانوا يفعلون ذلك والصدقة لا تحل للغني، لأن الجواب أن الممتنع على الأغنياء من الصدقة هو المفروض منها، وهذا ليس من الصدقة المفروضة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الجواب غير مقنع، والذي يظهر أن الصدقة المذكورة من جنس الأوقاف المطلقة، ينتفع بها من يحتاج إليها، وتقر تحت يد من يؤتمن عليها، ولهذا كان عند سهل قدح، وعند عبد الله بن سلام آخر، والجبة عند أسماء بنت أبي بكر وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى الأشعري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي عبد الله بن سلام‏)‏ هو الصحابي المشهور، ولام سلام مخففة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا‏)‏ بتخفيف اللام للعرض، وهذا طرف من حديث سيأتي موصولا في كتاب الاعتصام من طريق بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن عبد الله بن سلام، وتقدم في مناقب عبد الله بن سلام من وجه آخر عن أبي بردة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي فَقَالُوا لَهَا أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا قَالَتْ لَا قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِيَخْطُبَكِ قَالَتْ كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ اسْقِنَا يَا سَهْلُ فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد في قصة الجونية بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون في قصة استعاذتها لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها، وقد تقدم شرح قصتها في أول كتاب الطلاق، وقوله في هذه الطريق‏:‏ ‏"‏ فنزلت في أجم ‏"‏ بضم الهمزة والجيم هو بناء يشبه القصر، وهو من حصون المدينة، والجمع آجام مثل أطم وآطام‏.‏

قال الخطابي‏:‏ الأطم والأجم بمعنى، وأغرب الداودي فقال‏:‏ الآجام الأشجار والحوائط، ومثله قول الكرماني‏:‏ الأجم بفتحتين جمع أجمة وهي الغيضة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ أنا كنت أشقى من ذلك‏)‏ ليس أفعل التفضيل فيه على ظاهره، بل مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس في سقيفة بني ساعدة‏)‏ هو المكان الذي وقعت فيه البيعة لأبي بكر الصديق بالخلافة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏:‏ اسقنا يا سهل‏)‏ في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ اسقنا لسهل ‏"‏ أي قال لسهل اسقنا، ووقع عند أبي نعيم ‏"‏ فقال اسقنا يا أبا سعد ‏"‏ والذي أعرفه في كنية سهل بن سعد أبو العباس، فلعل له كنيتين، أو كان الأصل يا ابن سعد فتحرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخرجت لهم هذا القدح‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ فخرجت لهم بهذا القدح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخرج لنا سهل‏)‏ قائل ذلك هو أبو حازم الراوي عنه، وصرح بذلك مسلم في روايته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك فوهبه له‏)‏ كان عمر بن عبد العزيز حينئذ قد ولي إمرة المدينة، وليست الهبة هنا حقيقة، بل من جهة الاختصاص‏.‏

وفي الحديث التبسط على الصاحب واستدعاء ما عنده من مأكول ومشروب، وتعظيمه بدعائه بكنيته، والتبرك بآثار الصالحين، واستيهاب الصديق ما لا يشق عليه هبته، ولعل سهلا سمح بذلك لبدل كان عنده من ذلك الجنس أو لأنه كان محتاجا فعوضه المستوهب ما يسد به حاجته، والله أعلم‏.‏

ومناسبته للترجمة ظاهرة من جهة رغبة الذين سألوا سهلا أن يخرج لهم القدح المذكور ليشربوا فيه تبركا به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئاً صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن مدرك حدثنا يحيى بن حماد‏)‏ كذا أخرج هنا، وفي غير موضع عن يحيى بن حماد ‏"‏ بواسطة‏"‏‏.‏

وأخرج عنه في هجرة الحبشة بغير واسطة‏.‏

والحسن بن مدرك كان صهر يحيى بن حماد فكان عنده عنه ما ليس عند غيره، ولهذا لم يخرجه الإسماعيلي من طريق أبي عوانة، ولا وجد له أبو نعيم إسنادا غير إسناد البخاري فأخرجه في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق الفربري عن البخاري ثم قال‏:‏ رواه البخاري عن الحسن بن مدرك، ويقال إنه حديثه، يعني أنه تفرد به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك‏)‏ تقدم في فرض الخمس من طريق أبي حمزة السكري ‏"‏ عن عاصم قال‏:‏ رأيت القدح وشربت منه‏"‏، وأخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة ثم قال ‏"‏ قال علي بن الحسن‏:‏ وأنا رأيت القدح وشربت منه ‏"‏ وذكر القرطبي في ‏"‏ مختصر البخاري ‏"‏ أنه رأى في بعض النسخ القديمة من صحيح البخاري ‏"‏ قال أبو عبد الله البخاري‏:‏ رأيت هذا القدح بالبصرة وشربت منه، وكان اشتري من ميراث النضر بن أنس بثمانمائة ألف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان قد انصدع‏)‏ أي انشق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسلسله بفضة‏)‏ أي وصل بعضه ببعض، وظاهره أن الذي وصله هو أنس، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر رواية أبي حمزة المذكورة بلفظ ‏"‏ إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة ‏"‏ لكن رواية البيهقي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ انصدع فجعلت مكان الشعب سلسلة من فضة‏.‏

قال - يعني أنسا - هو الذي فعل ذلك‏"‏‏.‏

قال البيهقي كذا في سياق الحديث، فما أدري من قاله من رواته هل هو موسى بن هارون أو غيره‏.‏

قلت‏:‏ لم يتعين من هذه الرواية من قال هذا وهو ‏"‏ جعلت ‏"‏ بضم التاء على أنه ضمير القائل وهو أنس، بل يجوز أن يكون جعلت بضم أوله على البناء للمجهول فتساوي الرواية التي في الصحيح‏.‏

ووقع لأحمد من طريق شريك عن عاصم ‏"‏ رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضبة من فضة ‏"‏ وهذا أيضا يحتمل‏.‏

والشعب بفتح المعجمة وسكون العين المهملة هو الصدع، وكأنه سد الشقوق بخيوط من فضة فصارت مثل السلسلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قدح جيد عريض من نضار‏)‏ القائل هو عاصم راويه، والعريض الذي ليس بمتطاول بل يكون طوله أقصر من عمقه، والنضار بضم النون وتخفيف الضاد المعجمة الخالص من العود ومن كل شيء، ويقال أصله من شجر النبع، وقيل‏:‏ من الأثل، ولونه يميل إلى الصفرة‏.‏

وقال أبو حنيفة الدينوري‏:‏ هو أجود الخشب للآنية‏.‏

وقال في ‏"‏ المحكم ‏"‏ النضار التبر والخشب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي عاصم ‏(‏قال أنس‏:‏ لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا‏)‏ وقع عند مسلم من طريق ثابت عن أنس ‏"‏ لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن ‏"‏ وقد تقدمت صفة النبيذ الذي كان يشربه، وأنه نقيع التمر أو الزبيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي عاصم ‏(‏وقال ابن سيرين‏)‏ هو محمد، وقد فصل أبو عوانة في روايته هذه ما حمله عاصم عن أنس مما حمله عن ابن سيرين، ولم يقع ذلك في رواية أبي حمزة الماضية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة‏)‏ هو شك من الراوي، ويحتمل أن يكون التردد من أنس عند إرادة ذلك أو استشارته أبا طلحة فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له أبو طلحة‏)‏ هو الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تغيرن‏)‏ كذا للأكثر بالتوكيد، وللكشميهني ‏"‏ لا تغير ‏"‏ بصيغة النهي بغير تأكيد، وكلام أبي طلحة هذا إن كان ابن سيرين سمعه من أنس وإلا فيكون أرسله عن أبي طلحة لأنه لم يلقه، وفي الحديث جواز اتخاذ ضبة الفضة وكذلك السلسلة والحلقة، وهو أيضا مما اختلف فيه‏.‏

قال الخطابي‏:‏ منعه مطلقا جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك والليث‏.‏

وعن مالك‏:‏ يجوز من الفضة إن كان يسيرا‏.‏

وكرهه الشافعي قال‏:‏ لئلا يكون شاربا على فضة، فأخذ بعضهم منه أن الكراهة تختص بما إذا كانت الفضة في موضع الشرب، وبذلك صرح الحنفية‏.‏

وقال به أحمد وإسحاق وأبو ثور‏.‏

وقال ابن المنذر تبعا لأبي عبيد‏:‏ المفضض ليس هو إناء فضة‏.‏

والذي تقرر عند الشافعية أن الضبة إن كانت من الفضة وهي كبيرة للزينة تحرم، أو للحاجة فتجوز مطلقا، وتحرم ضبة الذهب مطلقا‏.‏

ومنهم من سوى بين ضبتي الفضة والذهب‏.‏

وأما الحديث الذي أخرجه الدار قطني والحاكم والبيهقي من طريق زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر بنحو حديث أم سلمة وزاد فيه ‏"‏ أو في إناء فيه شيء من ذلك ‏"‏ فإنه معلول بجهالة حال إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وولده، قال البيهقي‏:‏ الصواب ما رواه عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر موقوفا أنه ‏"‏ كان لا يشرب في قدح فيه ضبة فضة ‏"‏ وقد أخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث أم عطية ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح ‏"‏ وهذا لو ثبت لكان حجة في الجواز، لكن في سنده من لا يعرف‏.‏

واستدل بقوله ‏"‏ أو إناء فيه شيء من ذلك ‏"‏ على تحريم الإناء من النحاس أو الحديد المطلي بالذهب أو الفضة، والصحيح عند الشافعية إن كان يحصل منه بالعرض على النار حرم، وإلا فوجهان أصحهما لا، وفي العكس وجهان كذلك، ولو غلف إناء الذهب أو الفضة بالنحاس مثلا ظاهرا وباطنا فكذلك‏.‏

وجزم إمام الحرمين أنه لا يحرم كحشو الجبة التي من القطن مثلا بالحرير، واستدل بجواز اتخاذ السلسلة والحلقة أنه يجوز أن يتخذ للإناء رأس منفصل عنه، وهذا ما نقله المتولي والبغوي والخوارزمي‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ فيه نظر‏.‏

وقال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ ينبغي أن يجعل كالتضبيب ويجري فيه الخلاف والتفصيل‏.‏

واختلفوا في ضابط الصغر في ذلك فقيل‏:‏ العرف وهو الأصح، وقيل‏:‏ ما يلمع على بعد كبير ومالا فصغير، وقيل‏:‏ ما استوعب جزءا من الإناء كأسفله أو عروته أو شفته كبير، وما لا فلا‏.‏

ومتى شك فالأصل الإباحة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب شُرْبِ الْبَرَكَةِ وَالْمَاءِ الْمُبَارَكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب شرب البركة، والماء المبارك‏)‏ قال المهلب‏:‏ سمي الماء بركة لأن الشيء إذا كان مباركا فيه يسمى بركة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَضَرَتْ الْعَصْرُ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ الْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا فَجَعَلْتُ لَا آلُوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ قُلْتُ لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ أَلْفاً وَأَرْبَعَ مِائَةٍ تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ حُصَيْنٌ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جابر بن عبد الله‏)‏ في رواية حصين ‏"‏ عن سالم بن أبي الجعد سمعت جابرا ‏"‏ وقد تقدمت في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد رأيتني‏)‏ بضم التاء، وفيه نوع تجريد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحضرت العصر‏)‏ أي وقت صلاتها، والجملة حالية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏:‏ حي على أهل الوضوء‏)‏ كذا وقع للأكثر‏.‏

وفي رواية النسفي ‏"‏ حي على الوضوء ‏"‏ بإسقاط لفظ ‏"‏ أهل ‏"‏ وهي أصوب، وقد وجهت على تقدير ثبوتها بأن يكون أهل بالنصب على النداء بحذف حرف النداء كأنه قال‏:‏ حي على الوضوء المبارك يا أهل الوضوء، كذا قال عياض، وتعقب بأن المجرور بعلى غير مذكور‏.‏

وقال غيره‏:‏ الصواب حي هلا على الوضوء المبارك، فتحرف لفظ ‏"‏ هلا ‏"‏ فصارت ‏"‏ أهل ‏"‏ وحولت عن مكانها، و ‏"‏ حي ‏"‏ اسم فعل للأمر بالإسراع، وتفتح لسكون ما قبلها مثل ليت وهلا بتخفيف اللام والتنوين كلمة استعجال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعلت لا آلو‏)‏ بالمد وتخفيف اللام المضمومة أي لا أقصر، والمراد أنه جعل يستكثر من شربه من ذلك الماء لأجل البركة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ يؤخذ منه أنه لا سرف ولا شره في الطعام أو الشراب الذي تظهر فيه البركة بالمعجزة، بل يستحب الاستكثار منه‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ في ترجمة البخاري إشارة إلى أنه يغتفر في الشرب منه الإكثار دون المعتاد الذي ورد باستحباب جعل الثلث له، ولئلا يظن أن الشرب من غير عطش ممنوع، فإن فعل جابر ما ذكر دال على أن الحاجة إلى البركة أكثر من الحاجة إلى الري، والظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولو كان ممنوعا لنهاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لجابر‏)‏ القائل هو سالم بن أبي الجعد راويه عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كم كنتم يومئذ‏؟‏ قال‏:‏ ألف وأربعمائة‏)‏ كذا لهم بالرفع، والتقدير نحن يومئذ ألف وأربعمائة، ويجوز النصب على خبر كان، وقد تقدم بيان الاختلاف على جابر في عددهم يوم الحديبية في ‏"‏ باب غزوة الحديبية ‏"‏ من المغازي، وبينت هناك أن هذه القصة كانت هناك، وتقدم شيء من شرح المتن في علامات النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عمرو بن دينار عن جابر‏)‏ وصله المؤلف في تفسير سورة الفتح مختصرا ‏"‏ كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ‏"‏ وهذا القدر هو مقصوده بالمتابعة المذكورة لا جميع سياق الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حصين وعمرو بن مرة عن سالم‏)‏ هو ابن أبي الجعد ‏(‏خمس عشرة مائة‏)‏ أما رواية حصين فوصلها المؤلف في المغازي، وأما رواية عمرو بن مرة فوصلها مسلم وأحمد بلفظ ألف وخمسمائة، والجمع بين هذا الاختلاف عن جابر أنهم كانوا زيادة على ألف وأربعمائة، فمن اقتصر عليها ألغى الكسر، ومن قال ألف وخمسمائة جبره‏.‏

وقد تقدم بسط ذلك في كتاب المغازي، وبيان توجيه من قال ألف وثلاثمائة، ولله الحمد‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ اشتمل كتاب الأشربة من الأحاديث المرفوعة على أحد وتسعين حديثا، المعلق منها تسعة عشر طريقا والباقي موصول، المكرر منها فيه وفيما مضى سبعون طريقا والباقي خالص، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي مالك وأبي عامر في المعازف، وحديث ابن أبي أوفى في الجر الأخضر، وحديث أنس في الأقداح ليلة الإسراء وهو معلق، وحديث جابر في الكرع، وحديث علي في الشرب قائما، وحديث أبي هريرة في النهي عن الشرب من فم السقاء، وحديث أبي طلحة في قدح النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أربعمائة عشر أثرا، والله أعلم‏.‏