فصل: باب الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الْحُدُودِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود‏)‏ ‏.‏

جمع حد، والمذكور فيه هنا حد الزنا والخمر والسرقة، وقد حصر بعض العلماء ما قيل بوجوب‏.‏

الحد به في سبعة عشر شيئا، فمن المتفق عليه الردة والحرابة ما لم يتب قبل القدرة والزنا والقذف به وشرب الخمر سواء أسكر أم لا والسرقة، ومن المختلف فيه جحد العارية وشرب ما يسكر كثيره من غير الخمر والقذف بغير الزنا والتعريض بالقذف واللواط ولو بمن يحل له نكاحها وإتيان البهيمة والسحاق وتمكين المرأة القرد وغيره من الدواب من وطئها والسحر وترك الصلاة تكاسلا والفطر في رمضان، هذا كله خارج عما تشرع فيه المقاتلة كما لو ترك قوم الزكاة ونصبوا لذلك الحرب‏.‏

وأصل الحد ما يحجز بين شيئين فيمنع اختلاطهما، وحد الدار ما يميزها، وحد الشيء وصفه المحيط به المميز له عن غيره‏.‏

وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدا لكونها تمنعه المعاودة أو لكونها مقدرة من الشارع، وللإشارة إلى المنع سمي البواب حدادا‏.‏

قال الراغب‏:‏ وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى ‏(‏تلك حدود الله فلا تقربوها‏)‏ وعلى فعل فيه شيء مقدر، ومنه ‏(‏ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‏)‏ وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سميت حدودا‏.‏

فمنها ما زجر عن فعله ومنها ما زجر من الزيادة عليه والنقصان منه، وأما قوله تعالى ‏(‏إن الذين يحادون الله ورسوله‏)‏ فهو من الممانعة، ويحتمل أن يراد استعمال الحديد إشارة إلى المقاتلة، وذكرت البسملة في رواية أبي ذر سابقة على ‏"‏ كتاب‏"‏‏.‏

*3*باب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْحُدُودِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يحذر من الحدود‏)‏ كذا للمستملى ولم يذكر فيه حديثا، ولغيره ‏"‏ ما يحذر ‏"‏ عطفا على الحدود‏.‏

وفي رواية النسفي جعل البسملة بين الكتاب والباب ثم قال ‏"‏ لا يشرب الخمر‏.‏

وقال ابن عباس إلخ‏"‏

*3*باب لَا يُشْرَبُ الْخَمْرُ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ فِي الزِّنَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الزنا وشرب الخمر‏)‏ أي التحذير من تعاطيهما‏.‏

ثبت هذا للمستملى وحده‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس ينزع منه نور الإيمان في الزنا‏)‏ وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال ‏"‏ كان ابن عباس يدعو غلمانه غلاما غلاما فيقول‏:‏ ألا أزوجك‏؟‏ ما من عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان ‏"‏ وقد روي مرفوعا أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء أن يرده إليه رده ‏"‏ وله شاهد من حديث أبى هريرة عند أبي داود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّهْبَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبي بكر بن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن الحارث بن هشام المخزومي، ووقع في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه ‏"‏ حدثني عقيل بن خالد قال قال ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏)‏ قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها، ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه، وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المعنى أن زوال ذلك إنما هو إذا أقلع الإقلاع الكلي، وأما لو فرغ وهو مصر على تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الإيمان عنه يستمر، ويؤيده ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي في المحاربين من قول ابن عباس ‏"‏ فإن تاب عاد إليه ‏"‏ ولكن أخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال‏:‏ لا يزني حين يزني وهو مؤمن، فإذا زال رجع إليه الإيمان‏.‏

ليس إذا تاب منه ولكن إذا تأخر عن العمل به‏.‏

ويؤيده أن المصر وإن كان إثمه مستمرا لكن ليس إثمه كمن باشر الفعل كالسرقة مثلا‏.‏

قوله ‏(‏ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن‏)‏ في الرواية الماضية في الأشربة ‏"‏ ولا يشربها ‏"‏ ولم يذكر اسم الفاعل من الشرب كما ذكره في الزنا والسرقة، وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الأشربة‏.‏

قال ابن مالك‏:‏ فيه جواز حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه والتقدير‏:‏ ولا يشرب الشارب الخمر إلخ، ولا يرجع الضمير إلى الزاني لئلا يختص به بل هو عام في حق كل من شرب، وكذا القول في لا يسرق ولا يقتل وفي لا يغل، ونظير حذف الفاعل بعد النفي قراءة هشام ‏(‏لا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله‏)‏ بفتح الياء التحتانية أوله أي لا يحسبن حاسب‏.‏

قوله ‏(‏ولا ينتهب نهبة‏)‏ بضم النون هو المال المنهوب والمراد به المأخوذ جهرا قهرا، ووقع في رواية همام عند أحمد ‏"‏ والذي نفس محمد بيده لا ينتهبن أحدكم نهبة ‏"‏ الحديث، وأشار برفع البصر إلى حالة المنهوبين فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب، بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية، والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة، وزاد في رواية يونس بن يزيد عن ابن شهاب التي يأتي التنبيه عليها عقبها ذات شرف أي ذات قدر حيث يشرف الناس لها ناظرين إليها ولهذا وصفها بقوله ‏"‏ يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ‏"‏ ولفظ يشرف وقع في معظم الروايات في الصحيحين وغيرهما بالشين المعجمة، وقيدها بعض رواة مسلم بالمهملة، وكذا نقل عن إبراهيم الحربي، وهي ترجع إلى التفسير الأول قاله ابن الصلاح‏.‏

قوله ‏(‏يرفع الناس إلخ‏)‏ هكذا وقع تقييده بذلك في النهبة دون السرقة‏.‏

قوله ‏(‏وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا النهبة‏)‏ هو موصول بالسند المذكور، وقد أخرجه مسلم من طريق شعيب بن الليث بلفظ ‏"‏ قال ابن شهاب وحدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهية‏)‏ وتقدم في الأشربة من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب ‏"‏ سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب يقولان قال أبو هريرة ‏"‏ فذكره مرفوعا‏.‏

وقال بعده ‏"‏ قال ابن شهاب وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أبا بكر يعني أباه كان يحدثه عن أبي هريرة ثم يقول‏:‏ كان أبو بكر يلحق معهن ‏"‏ ولا ينتهب نهبة ذات شرف ‏"‏ والباقي نحو الذي هنا، وتقدم في كتاب الأشربة أن مسلما أخرجه من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن ثلاثتهم عن أبي هريرة وساقه مساقا واحدا من غير تفصيل، قال ابن الصلاح في كلامه على مسلم قوله ‏"‏ وكان أبو هريرة يلحق معهن، ولا ينتهب ‏"‏ يوهم أنه موقوف على أبي هريرة، وقد رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم نهبة ‏"‏ الحديث فصرح برفعه انتهى‏.‏

وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم يسق لفظه بل قال ‏"‏ مثل حديث الزهري ‏"‏ لكن قال ‏"‏ يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها ‏"‏ الحديث، قال‏:‏ وزاد ‏"‏ ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم ‏"‏ وسيأتي في المحاربين من حديث ابن عباس هذا فيه من الزيادة ‏"‏ ولا يقتل ‏"‏ وتقدمت الإشارة إلى بعض ما قيل في تأويله في أول كتاب الأشربة وأستوعبه هنا إن شاء الله تعالى، قال الطبري‏:‏ اختلف الرواة في أداء لفظ هذا الحديث، وأنكر بعضهم أن يكون صلى الله عليه وسلم قاله، ثم ذكر الاختلاف في تأويله‏.‏

ومن أقوى ما يحمل على صرفه عن ظاهره إيجاب الحد في الزنا على أنحاء مختلفة في حق الحر المحصن والحر البكر وفي حق العبد، فلو كان المراد بنفي الإيمان ثبوت الكفر لاستووا في العقوبة لأن المكلفين فيما يتعلق بالإيمان والكفر سواء، فلما كان الواجب فيه من العقوبة مختلفا دل على أن مرتكب ذلك ليس بكافر حقيقة‏.‏

وقال النووي‏:‏ اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه‏:‏ لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء والمراد نفي كماله كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما يغل ولا عيش إلا عيش الآخرة، وإنما تأولناه لحديث أبي ذر ‏"‏ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ‏"‏ وحديث عبادة الصحيح المشهور ‏"‏ أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ‏"‏ الحديث، وفي آخره ‏"‏ ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة، ومن لم يعاقب فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ‏"‏ فهذا مع قول الله عز وجل ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء‏)‏ مع إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك يضطرنا إلى تأويل الحديث ونظائره، وهو تأويل ظاهر سائغ في اللغة مستعمل فيها كثيرا، قال‏:‏ وتأوله بعض العلماء على من فعله مستحلا مع علمه بتحريمه‏.‏

وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري‏:‏ معناه ينزع عنه اسم المدح الذي سمي الله به أولياءه فلا يقال في حقه مؤمن ويستحق اسم الذم فيقال سارق وزان وفاجر وفاسق، وعن ابن عباس‏:‏ ينزع منه نور الإيمان، وفيه حديث مرفوع، وعن المهلب تنزع منه بصيرته في طاعة الله، وعن الزهري أنه من المشكل الذي نؤمن به ونمر كلما جاء ولا نتعرض لتأويله، قال‏:‏ وهذه الأقوال محتملة والصحيح ما قدمته، قال وقيل في معناه عن ما ذكرته مما ليس بظاهر بل بعضها غلط فتركتها‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وقد ورد في تأويله بالمستحل حديث مرفوع عن علي عند الطبراني في الصغير لكن في سنده راو كذبوه، فمن الأقوال التي لم يذكرها ما أخرجه الطبري من طريق محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر أنه خير بمعنى النهي والمعنى‏:‏ لا يزنين مؤمن ولا يسرقن مؤمن‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ كان بعضهم يرويه ولا يشرب بكسر الباء على معنى النهي، والمعنى المؤمن لا ينبغي له أن يفعل ذلك، ورد بعضهم هذا القول بأنه لا يبقى للتقييد بالظرف فائدة فإن الزنا منهي عنه في جميع الملل وليس مختصا بالمؤمنين‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا الرد نظر واضح لمن تأمله‏.‏

ثانيها أن يكون بذلك منافقا نفاق معصية لا نفاق كفر حكاه ابن بطال عن الأوزاعي وقد مضى تقريره في كتاب الإيمان أول الكتاب‏.‏

ثالثها أن معنى نفي كونه مؤمنا أنه شابه الكافر في عمله، وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتاله في تلك الحالة ليكف عن المعصية ولو أدى إلى قتله، فإنه لو قتل في تلك الحالة كان دمه هدرا فانتفت فائدة الإيمان في حقه بالنسبة إلى زوال عصمته في تلك الحالة، وهذا يقوي ما تقدم من التقييد بحالة التلبس بالمعصية‏.‏

رابعها معنى قوله ليس بمؤمن أي ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به، فهو كناية عن الغفلة التي جلبتها له غلبة الشهوة، وعبر عن هذا ابن الجوزي بقوله‏:‏ فإن المعصية تذهله عن مراعاة الإيمان وهو تصديق القلب، فكأنه نسى من صدق به، قال ذلك في تفسير نزع نور الإيمان، ولعل هذا هو مراد المهلب، خامسها معنى نفي الإيمان نفي الأمان من عذاب الله لأن إيمان مشتق من الأمن‏.‏

سادسها أن المراد به الزجر والتنفير ولا يراد ظاهره، وقد أشار إلى ذلك الطيبي فقال‏:‏ يجوز أن يكون من باب التغليظ والتهديد كقوله تعالى ‏(‏ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏)‏ يعني أن هذه الخصال ليست من صفات المؤمن لأنها منافية لحاله فلا ينبغي أن يتصف بها‏.‏

سابعها أنه يسلب الإيمان حالة تلبسه بالكبيرة فإذا فارقها عاد إليه، وهو ظاهر ما أسنده البخاري عن ابن عباس كما سيأتي في ‏"‏ باب إثم الزنا ‏"‏ من كتاب المحاربين عن عكرمة عنه بنحو حديث الباب، قال عكرمة‏:‏ قلت لابن عباس كيف ينزع منه الإيمان‏؟‏ قال‏:‏ هكذا، وشبك بين أصابعه ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه هكذا، وشبك بين أصابعه‏.‏

وجاء مثل هذا مرفوعا أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح من طريق سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة رفعه ‏"‏ إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان ‏"‏ وأخرج الحاكم من طريق ابن حجيرة أنه سمع أبا هريرة يقول ‏"‏ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ‏"‏ وأخرج الطبراني بسند جيد من رواية رجل من الصحابة لم يسم رفعه ‏"‏ من زنى خرج منه الإيمان فإن تاب تاب الله عليه ‏"‏ وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن رواحة ‏"‏ مثل الإيمان مثل قميص بينما أنت مدبر عنه إذ لبسته، وبينما، أنت قد لبسته إذ نزعته ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق، غير أن للتصديق معنيين أحدهما قول والآخر عمل، فإذا ركب المصدق كبيرة فارقه اسم الإيمان فإذا كف عنها عاد له الاسم، لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه ولسانه مصدق عقد قلبه وذلك معنى الإيمان‏.‏

قلت‏:‏ وهذا القول قد يلاقى ما أشار إليه النووي فيما نقله عن ابن عباس‏:‏ ينزع منه نور الإيمان، لأنه يحمل منه على أن المراد في هذه الأحاديث نور الإيمان وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته وهو العمل بمقتضاه، ويمكن رد هذا القول إلى القول الذي رجحه النووي، فقد قال ابن بطال في آخر كلامه تبعا للطبري‏:‏ الصواب عندنا قول من قال يزول عنه اسم الإيمان الذي هو بمعنى المدح إلى الاسم الذي بمعنى الذم فيقال له فاسق مثلا، ولا خلاف أنه يسمى بذلك ما لم تظهر منه التوبة، فالزائل عنه حينئذ اسم الإيمان بالإطلاق والثابت له اسم الإيمان بالتقييد فيقال هو مصدق بالله ورسوله لفظا واعتقادا لا عملا، ومن ذلك الكف عن المحرمات‏.‏

وأظن أن ابن بطال تلقى ذلك من ابن حزم فإنه قال‏:‏ المعتمد عليه عند أهل السنة أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح، وهو يشمل عمل الطاعة والكف عن المعصية، فالمرتكب لبعض ما ذكر لم يختل اعتقاده ولا نطقه بل اختلت طاعته فقط، فليس بمؤمن بمعنى أنه ليس بمطيع، فمعنى نفي الإيمان محمول على الإنذار بزواله ممن اعتاد ذلك لأنه يخشى عليه أن يفضي به إلى الكفر، وهو كقوله ‏"‏ ومن يرتع حول الحمى ‏"‏ الحديث أشار إليه الخطابي، وقد أشار المازري إلى أن القول المصحح هنا مبني على قول من يرى أن الطاعات تسمى إيمانا، والعجب من النووي كيف جزم بأن في التأويل المنقول عن ابن عباس حديثا مرفوعا ثم صحح غيره فلعله لم يطلع على صحته، وقد قدمت أنه يمكن رده إلى القول الذي صححه، قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يكون الذي نقص من إيمان المذكور الحياء وهي المعبر عنه في الحديث الآخر بالنور، وقد مضى أن الحياء من الإيمان فيكون التقدير‏:‏ لا يزني حين يزني وهو يستحي من الله لأنه لو استحى منه وهو يعرف أنه مشاهد حاله لم يرتكب ذلك، وإلى ذلك تصح إشارة ابن عباس تشبيك أصابعه ثم إخراجها منها ثم إعادتها إليها، ويعضده حديث ‏"‏ من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ‏"‏ انتهى‏.‏

وحاصل ما اجتمع لنا من الأقوال في معنى هذا الحديث ثلاثة عشر قولا خارجا عن قول الخوارج وعن قول المعتزلة، وقد أشرت إلى أن بعض الأقوال المنسوبة لأهل السنة يمكن رد بعضها إلى بعض، قال المازري‏:‏ هذه التأويلات تدفع قول الخوارج ومن وافقهم من الرافضة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار إذا مات من غير توبة، وكذا قول المعتزلة إنه فاسق مخلد في النار، فإن الطوائف المذكورين تعلقوا بهذا الحديث وشبهه، وإذا احتمل ما قلناه اندفعت حجتهم‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ أشار بعض العلماء إلى أن في هذا الحديث تنبيها على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها، فنبه بالزنا على جميع الشهوات وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالخمر على جميع ما يصد عن الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله وترك توقيرهم والحياء منهم وعلى جميع الدنيا من غير وجهها‏.‏

وقال القرطبي بعد أن ذكره ملخصا‏:‏ وهذا لا يتمشى إلا مع المسامحة، والأولى أن يقال‏:‏ إن الحديث يتضمن التحرز من ثلاثة أمور هي من أعظم أصول المفاسد وأضدادها من أصول المصالح وهي استباحة الفروج المحرمة وما يؤدي إلى اختلال العقل، وخص الخمر بالذكر لكونها أغلب الوجوه في ذلك والسرقة بالذكر لكونها أغلب الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق‏.‏

قلت‏:‏ وأشار بذلك إلى أن عموم ما ذكره الأول يشمل الكبائر والصغائر، وليست الصغائر مرادة هنا لأنها تكفر باجتناب الكبائر فلا يقع الوعيد عليها بمثل التشديد الذي في هذا الحديث‏.‏

وفي الحديث من الفوائد أن من زنى دخل في هذا الوعيد سواء كان بكرا أو محصنا وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما، ولا شك أنه في حق المحرم فحش ومن المتزوج أعظم، ولا يدخل فيه ما يطلق عليه اسم الزنا من اللمس المحرم وكذا التقبيل والنظر لأنها وإن سميت في عرف الشرع زنا فلا تدخل في ذلك لأنها من الصغائر كما تقدم تقريره في تفسير اللمم‏.‏

وفيه أن من سرق قليلا أو كثيرا وكذا من انتهب أنه يدخل في الوعيد، وفيه نظر فقد شرط بعض العلماء وهو لبعض الشافعية أيضا في كون الغصب كبيرة أن يكون المغصوب نصابا وكذا في السرقة وإن كان بعضهم أطلق فيها فهو محمول على ما اشتهر أن وجوب القطع فيها متوقف على وجود النصاب وإن كان سرقة ما دون النصاب حراما‏.‏

وفي الحديث تعظيم شأن أخذ حق الغير بغير حق لأنه صلى الله عليه وسلم أقسم عليه ولا يقسم إلا على إرادة تأكيد المقسم عليه‏.‏

وفيه أن من شرب الخمر دخل في الوعيد المذكور سواء كان المشروب كثيرا أم قليلا لأن شرب القليل من الخمر معدود من الكبائر وإن كان ما يترتب على الشرب من المحذور من اختلال العقل أفحش من شرب ما لا يتغير معه العقل، وعلى القول الذي رجحه النووي لا إشكال في شيء من ذلك لأن لنقص الكمال مراتب بعضها أقوى من بعض، واستدل به من قال إن الانتهاب كله حرام حتى فيما أذن مالكه كالنثار في العرس، ولكن صرح الحسن والنخعي وقتادة فيما أخرجه ابن المنذر عنهم بأن شرط التحريم أن يكون بغير إذن المالك وقال أبو عبيدة هو كما قالوا، وأما النهبة المختلف فيها فهو ما أذن فيه صاحبه وأباحه وغرضه تساويهم أو مقاربة التساوي، فإذا كان القوي منهم يغلب الضعيف ولم تطب نفس صاحبه بذلك فهو مكروه وقد ينتهي إلى التحريم، وقد صرح المالكية والشافعية والجمهور بكراهته، وممن كرهه من الصحابة أبو مسعود البدري ومن التابعين النخعي وعكرمة، قال ابن المنذر ولم يكرهوه من الجهة المذكورة بل لكون الأخذ في مثل ذلك إنما يحصل لمن فيه فضل قوة أو قلة حياء، واحتج الحنفية ومن وافقهم بأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن قرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البدن التي نحرها ‏"‏ من شاء اقتطع ‏"‏ واحتجوا أيضا بحديث معاذ رفعه ‏"‏ إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فأما العرسان فلا ‏"‏ الحديث وهو حديث ضعيف في سنده ضعف وانقطاع، قال ابن المنذر‏:‏ هي حجة قوية في جواز أخذ ما ينثر في العرس ونحوه لأن المبيح لهم قد علم اختلاف حالهم في الأخذ كما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن فيه في أخذ البدن التي نحرها وليس فيها معنى إلا وهو موجود في النثار‏.‏

قلت‏:‏ بل فيها معنى ليس في غيرها بالنسبة إلى المأذون لهم، فإنهم كانوا الغاية في الورع والإنصاف، وليس غيرهم في ذلك مثلهم‏.‏

*3*بَاب مَا جَاءَ فِي ضَرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما جاء في ضرب شارب الخمر‏)‏ أي خلافا لمن قال يتعين الجلد وبيان الاختلاف في كميته، وقد تقدم الكلام على تحريم الخمر ووقته وسبب نزوله وحقيقتها وهل هي مشتقة وهل يجوز تذكيرها في أول كتاب الأشربة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن قتادة عن أنس‏)‏ في رواية لمسلم والنسائي ‏"‏ سمعت أنسا ‏"‏ أخرجاها من طريق خالد بن الحارث عن شعبة، وهو يدل على أن رواية شبابة عن شعبة بزيادة الحسن بين قتادة وأنس التي أخرجها النسائي من المزيد في متصل الأسانيد‏.‏

قوله ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا ذكر طريق شعبة عن قتادة ولم يسق المتن وتحول إلى طريق هشام عن قتادة فساق المتن على لفظه، وقد ذكره في الباب الآتي بعد باب عن شيخ آخر عن هشام بهذا اللفظ، وأما لفظ شعبة فأخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر فضربه بجريدتين نحوا من أربعين، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون ففعله عمر ‏"‏ ولفظ رواية خالد التي ذكرتها إلى قوله ‏"‏ نحوا من أربعين ‏"‏ وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم إلا أنه قال ‏"‏ وفعله أبو بكر فلما كان عمر - أي في خلافته - استشار الناس فقال عبد الرحمن - يعني ابن عوف - أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر ‏"‏ ووقع لبعض رواة مسلم ‏"‏ أخف الحدود ثمانين ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه حذف عامل النصب والتقدير جعله، وتعقبه الفاكهي فقال‏:‏ هذا بعيد أو باطل وكأنه صدر عن غير تأمل لقواعد العربية ولا لمراد المتكلم إذ لا يجوز أجود الناس الزيدين على تقدير اجعلهم، لأن مراد عبد الرحمن الإخبار بأخف الحدود لا الأمر بذلك، فالذي يظهر أن راوي النصب وهم واحتمال توهيمه أولى من ارتكاب ما لا يجوز لفظا ولا معنى، ورد عليه تلميذه ابن مرزوق بأن عبد الرحمن مستشار والمستشار مسئول والمستشير سائل ولا يبعد أن يكون المستشار آمرا، قال‏:‏ والمثال الذي مثل به غير مطابق‏.‏

قلت بل هو مطابق لما ادعاه أن عبد الرحمن قصد الإخبار فقط، والحق أنه أخبر برأيه مستندا إلى القياس، وأقرب التقادير أخف الحدود أجده ثمانين أو أجد أخف الحدود ثمانين فنصبهما، وأغرب ابن العطار صاحب النووي في ‏"‏ شرح العمدة ‏"‏ فنقل عن بعض العلماء أنه ذكره بلفظ أخف الحدود ثمانون بالرفع وأعربه مبتدأ وخبرا، قال ولا أعلمه منقولا رواية، كذا قال والرواية بذلك ثابتة والأولى في توجيهها ما أخرجه مسلم أيضا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه ‏"‏ ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمرو دنا الناس من الريف والقرى قال‏:‏ ما ترون في جلد الخمر‏؟‏ فقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال فجلد عمر ثمانين ‏"‏ فيكون المحذوف من هذه الرواية المختصرة أرى أن تجعلها وأداة التشبيه‏.‏

وأخرج النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة ‏"‏ فضربه بالنعال نحوا من أربعين، ثم أتى به أبو بكر فصنع به مثل ذلك ‏"‏ ورواه همام عن قتادة بلفظ ‏"‏ فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال ‏"‏ أخرجه أحمد والبيهقي، وهذا يجمع بين ما اختلف فيه على شعبة وإن جملة الضربات كانت نحو أربعين لا إنه جلده بجريدتين أربعين فتكون الجملة ثمانين كما أجاب به بعض الناس‏.‏

ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ ‏"‏ جلد بالجريد والنعال أربعين ‏"‏ علقه أبو داود بسند صحيح ووصله البيهقي، وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ ‏"‏ كان يضرب في الخمر مثله ‏"‏ وقد نسب صاحب العمدة قصة عبد الرحمن هذه إلى تخريج الصحيحين ولم يخرج البخاري منها شيئا وبذلك جزم عبد الحق في الجمع ثم المنذري، نعم ذكر معنى صنيع عمر فقط في حديث السائب في الباب الثالث، وسيأتي بسط ذلك فيه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الرجل المذكور لم أقف على اسمه صريحا لكن سأذكر في ‏"‏ باب ما يكره من لعن الشارب ‏"‏ ما يؤخذ منه، أنه النعيمان‏.‏

*3*بَاب مَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ الْحَدِّ فِي الْبَيْتِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من أمر بضرب الحد في البيت‏)‏ يعني خلافا لمن قال‏:‏ لا يضرب الحد سرا، وقد ورد عن عمر في قصة ولده أبي شحمة لما شرب بمصر فحده عمرو بن العاص في البيت أن عمر أنكر عليه وأحضره إلى المدينة وضربه الحد جهرا، روى ذلك ابن سعد وأشار إليه الزبير وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولا، وجمهور أهل العلم على الاكتفاء، وحملوا صنيع عمر على المبالغة في تأديب ولده لا أن إقامة الحد لا تصح إلا جهرا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ أَوْ بِابْنِ النُّعَيْمَانِ شَارِبًا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ قَالَ فَضَرَبُوهُ فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، وابن أبي مليكة هو عبد الله ابن عبيد الله وقد سمي في الباب الذي بعده من رواية وهيب بن خالد عن أيوب‏.‏

قوله ‏(‏عن عقبة بن الحارث‏)‏ أي ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف، ووقع في رواية عبد الوارث عن أيوب عند أحمد ‏"‏ حدثني عقبة بن الحارث ‏"‏ وقد اتفق هؤلاء على وصله، وخالفهم إسماعيل بن علية فقال ‏"‏ عن أيوب عن ابن أبي مليكة مرسلا ‏"‏ أخرجه مسدد عنه‏.‏

قوله ‏(‏جيء‏)‏ كذا لهم على البناء للمجهول، وقد ذكرت في الوكالة تسمية الذي أتى به ولم ينبه عليه أحد ممن صنف في المبهمات‏.‏

قوله ‏(‏بالنعيمان أو بابن النعيمان‏)‏ في رواية الكشميهني في الباب الذي يليه ‏"‏ نعيمان ‏"‏ بغير ألف ولام في الموضعين وقد تقدم التنبيه على ذلك في كتاب الوكالة وأنه وقع عند الإسماعيلي ‏"‏ النعيمان ‏"‏ بغير شك، فإن الزبير بن بكار وابن منده أخرجا الحديث من وجهين فيهما ‏"‏ النعيمان ‏"‏ بغير شك وذكرت نسبه هناك‏.‏

وفي رواية الزبير ‏"‏ كان النعيمان يصيب الشراب ‏"‏ وهذا يعكر على قول ابن عبد البر أن الذي كان أتى به قد شرب الخمر هو ابن النعيمان فإنه قيل في ترجمة النعيمان‏:‏ كان رجلا صالحا وكان له ابن انهمك في شرب الخمر فجلده النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال في موضع آخر أظن ابن النعيمان جلد في الخمر أكثر من خمسين مرة، وذكر الزبير في بكار أيضا أنه كان مزاحا وله في ذلك قصة مع سويبط بن حرملة ومع مخرمة بن نوفل والد المسور مع أمير المؤمنين عثمان ذكرها الزبير مع نظائر لها في ‏"‏ كتاب الفكاهة والمزاح ‏"‏ وذكر محمد ابن سعد أنه عاش إلى خلافة معاوية‏.‏

قوله ‏(‏شاربا‏)‏ في رواية وهيب ‏"‏ وهو سكران ‏"‏ وزاد ‏"‏ فشق عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ووقع في رواية معلى بن أسد عن وهيب عند النسائي ‏"‏ فشق على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة ‏"‏ وسيأتي بقية ما يتعلق بقصة النعيمان في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

واستدل به على جواز إقامة الحد على السكران في حال سكره، وبه قال بعض الظاهرية والجمهور على خلافه وأولوا الحديث بأن المراد ذكر سبب الضرب وأن ذلك الوصف استمر في حال ضربه وأيدوا ذلك بالمعنى وهو أن المقصود بالضرب في الحد الإيلام ليحصل به الردع، وفي الحديث تحريم الخمر ووجوب الحد على شاربها سواء كان شرب كثيرا أم قليلا وسواء أسكر أم لا‏.‏

*3*باب الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الضرب بالجريد والنعال‏)‏ أي في شرب الخمر، وأشار بذلك إلى أنه لا يشترط الجلد‏.‏

وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال وهي أوجه عند الشافعية‏:‏ أصحها يجوز الجلد بالسوط ويجوز الاقتصار على الضرب س بالأيدي والنعال والثياب، ثانيها يتعين الجلد، ثالثها يتعين الضرب‏.‏

وحجة الراجح أنه فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت نسخه والجلد في عهد الصحابة فدل على جوازه، وحجة الآخر أن الشافعي قال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ لو أقام عليه الحد بالسوط فمات وجبت الدية فسوى بينه وبين ما إذا زاد فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط، وصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط، وصرح القاضي حسين بتعيين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة ونقل عن النص في القضاء ما يوافقه، ولكن في الاستدلال بإجماع الصحابة نظر فقد قال النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏‏:‏ أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب، ثم قال‏:‏ والأصح جوازه بالسوط، وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للأحاديث الصحيحة‏.‏

قلت‏:‏ وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم وهو متجه، ونقل ابن دقيق العيد عن بعضهم أن معنى قوله ‏"‏ نحوا من أربعين ‏"‏ تقدير أربعين ضربة بعصا مثلا لا أن المراد عدد معين، ولذلك وقع في بعض طرق عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكرم أربعين، قال‏:‏ وهذا عندي خلاف الظاهر، ويبعده قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ جلد في الخمر أربعين ‏"‏ قلت‏:‏ ويبعد التأويل المذكور ما تقدم من رواية همام في حديث أنس ‏"‏ فأمر عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال، وذكر المصنف فيه خمسة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ وَهُوَ سَكْرَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ

الشرح‏:‏

حديث عقبة بن الحارث قد تقدم في الباب الذي قبله وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ

الشرح‏:‏

حديث أنس وقد تقدم أيضا في الباب الأول، وقوله فيه ‏"‏ جلد ‏"‏ تقدم في الباب الأول بلفظ ‏"‏ ضرب ‏"‏ ولا منافاة بينهما لأن معنى جلد هنا ضربه فأصاب جلده وليس المراد به ضربه بالجلد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة‏.‏

قوله ‏(‏أبو ضمرة أنس‏)‏ يعني ابن عياض‏.‏

قوله ‏(‏عن يزيد بن الهاد‏)‏ هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد فنسب إلى جده الأعلى، وهو وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون، ووقع في آخر الباب الذي يليه ‏"‏ أنس بن عياض حدثنا ابن الهاد‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن محمد بن إبراهيم‏)‏ أي ابن الحارث بن خالد التيمي، زاد في رواية الطحاوي من طريق نافع ابن يزيد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم أنه حدثه عن أبي سلمة‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وصرح به في رواية الطحاوي‏.‏

قوله ‏(‏أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب‏)‏ في الرواية التي في الباب الذي يليه ‏"‏ بسكران ‏"‏ وهذا الرجل يحتمل أن يفسر بعبد الله الذي كان يلقب حمارا المذكور في الباب الذي بعده من حديث عمر، ويحتمل أن يفسر بابن النعيمان، والأول أقرب لأن في قصته ‏"‏ فقال رجل من القوم اللهم العنه ‏"‏ ونحوه في قصة المذكور في حديث أبي هريرة لكن لفظه ‏"‏ قال بعض القوم أخزاك الله ‏"‏ ويحتمل أن يكون ثالثا فإن الجواب في حديثي عمر وأبي هريرة مختلف‏.‏

وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال ‏"‏ الحديث، ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين ‏"‏ كان الذي يشرب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال اضربوه‏)‏ هذا يفسر الرواية الآتية بلفظ ‏"‏ فأمر بضربه ‏"‏ ولكن لم يذكر فيهما عددا‏.‏

قوله ‏(‏قال بعض القوم‏)‏ في الرواية الآتية ‏"‏ فقال رجل ‏"‏ وهذا الرجل هو عمر بن الخطاب إن كانت هذه القصة متحدة مع حديث عمر في قصة حمار كما سأبينه‏.‏

قوله ‏(‏لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان‏)‏ في الرواية الأخرى ‏"‏ لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم، ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان‏.‏

ووقع عند أبي داود من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره ‏"‏ ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه ‏"‏ زاد فيه أيضا بعد الضرب ‏"‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكتوه ‏"‏ وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله، وقد فسره في الخبر بقوله ‏"‏ فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل، ما خشيت الله جل ثناؤه، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوه ‏"‏ وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب ‏"‏ ثم قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ بكتوه فبكتوه، ثم أرسله ‏"‏ ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن، وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري، وصرح به في رواية مسلم وأبو حصين بمهملتين مفتوح أوله، وعمير بن سعيد بالتصغير وأبوه بفتح أوله وكسر ثانيه تابعي كبير ثقة، قال النووي‏:‏ هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا، ووقع في الجمع للحميدي ‏"‏ سعد ‏"‏ بسكون العين وهو غلط، ووقع في المهذب وغيره ‏"‏ عمر بن سعد ‏"‏ بحذف الياء فيهما وهو غلط فاحش‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في بعض النسخ من البخاري كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في تقييد أبي علي الجياني منسوبا لأبي زيد المروزي قال‏:‏ والصواب سعيد، وجزم بذلك ابن حزم وأنه في البخاري سعد بسكون العين فلعله سلف الحميدي‏.‏

ووقع للنسائي والطحاوي ‏"‏ عمر ‏"‏ بضم العين وفتح الميم كما في المهذب لكن الذي عندهما في أبيه ‏"‏ سعيد ‏"‏ ووقع عند ابن حزم في النسائي ‏"‏ عمرو ‏"‏ بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ ‏[‏عمير‏]‏ كما قال النووي، وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه، وقد عمر عمير المذكور وعاش إلى سنة خمس عشرة ومائة‏.‏

قوله ‏(‏ما كنت لأقيم‏)‏ اللام لتأكيد النفي كما في قوله تعالى ‏(‏وما كان الله ليضيع إيمانكم‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏فيموت فأجد‏)‏ بالنصب فيهما، ومعنى أجد من الوجد، وله معان اللائق منها هنا الحزن، وقوله ‏"‏فيموت ‏"‏ مسبب عن ‏"‏ أقيم ‏"‏ وقوله ‏"‏ فأجد ‏"‏ مسبب عن السبب والمسبب معا‏.‏

قوله ‏(‏إلا صاحب الخمر‏)‏ أي شاربها وهو بالنصب، ويجوز الرفع، والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات، ويحتمل أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا من موت شارب الخمر فيكون الاستثناء على هذا متصلا قاله الطيبي‏.‏

قوله ‏(‏فإنه لو مات وديته‏)‏ أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها، وقد جاء مفسرا من طريق أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال ‏"‏ سمعت عليا يقول من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لم يسنه‏)‏ أي لم يسن فيه عددا معينا، في رواية شريك ‏"‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستن فيه شيئا ‏"‏ ووقع في رواية الشعبي ‏"‏ فإنما هو شيء صنعناه‏"‏‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر، فعن علي ما تقدم‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إن ضرب بغير السوط فلا ضمان وإن جلد بالسوط ضمن قبل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْجُعَيْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن الجعيد‏)‏ بالجيم والتصغير، ويقال الجعد بفتح أوله ثم سكون، وهو تابعي صغير تقدمت روايته عن السائب بن يزيد في كتاب الطهارة، وروي عنه هنا بواسطة، وهذا السند للبخاري في غاية العلو لأن بينه وبين التابعي فيه واحدا فكان في حكم الثلاثيات، وإن كان التابعي رواه عن تابعي آخر وله عنده نظائر، ومثله ما أخرجه في العلم عن عبيد الله بن موسى عن معروف عن أبي الطفيل عن علي فإن أبا الطفيل صحابي فيكون في حكم الثلاثيات لأن بينه وبين الصحابي فيه اثنين وإن كان صحابيه إنما رواه عن صحابي آخر، وقد أخرجه النسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن الجعيد سمعت السائب، فعلى هذا فإدخال يزيد ابن خصيفة بينهما إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون الجعيد سمعه من السائب، وثبته فيه يزيد، ثم ظهر لي السبب في ذلك وهو أن رواية الجعيد المذكورة عن السائب مختصرة فكأنه سمع الحديث تاما من يزيد عن السائب فحدث بما سمعه من السائب عنه من غير ذكر يزيد، وحدث أيضا بالتام فذكر الواسطة، ويزيد ابن خصيفة المذكور هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب لجده وقيل هو يزيد بن عبد الله بن يزيد بن خصيفة فيكون نسب إلى جد أبيه، وخصيفة هو ابن يزيد بن ثمامة أخو السائب بن يزيد صحابي هذا الحديث فتكون رواية يزيد بن خصيفة لهذا الحديث عن عم أبيه أو عم جده‏.‏

قوله ‏(‏كنا نؤتى بالشارب‏)‏ فيه إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجازا لكونه مستويا معهم في أمر ما وإن لم يباشر هو ذلك الفعل الخاص لأن السائب كان صغيرا جدا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تقدم في الترجمة النبوية أنه كان ابن ست سنين فيبعد أن يكون شارك من كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من ضرب الشارب، فكأن مراده بقوله ‏"‏ كنا ‏"‏ أي الصحابة، لكن يحتمل أن يحضر مع أبيه أو عمه فيشاركهم في ذلك فيكون الإسناد على حقيقته‏.‏

قوله ‏(‏وإمرة أبي بكر‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته‏.‏

وفي رواية حاتم ‏"‏ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض زمان عمر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وصدرا من خلافة عمر‏)‏ أي جانبا أوليا‏.‏

قوله ‏(‏فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا‏)‏ أي فنضربه بها‏.‏

قوله ‏(‏حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين‏)‏ ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر، وليس كذلك لما في قصة خالد بن الوليد وكتابته إلى عمر فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر، وإنما المراد بالغاية المذكورة أولا استمرار الأربعين فليست الفاء معقبة لآخر الإمرة بل لزمان أبي بكر وبيان ما وقع في زمن عمر، فالتقدير فاستمر جلد أربعين، والمراد بالغاية الأخرى في قوله ‏"‏ حتى إذا عتوا ‏"‏ تأكيدا لغاية الأولى وبيان ما صنع عمر بعد الغاية الأولى‏.‏

وقد أخرجه النسائي من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن الجعيد بلفظ ‏"‏ حتى كان وسط إمارة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا ‏"‏ وهذه لا إشكال فيها، قوله ‏(‏حتى إذا عتوا‏)‏ بمهملة ثم مثناة من العتو وهو التجبر، والمراد هنا انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد‏.‏

قوله ‏(‏وفسقوا‏)‏ أي خرجوا عن الطاعة، ووقع في رواية للنسائي ‏"‏ فلم ينكلوا ‏"‏ أي يدعوا‏.‏

قوله ‏(‏جلد ثمانين‏)‏ وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب وفيه ‏"‏ أن عمر جعله أربعين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال‏:‏ هذا أدنى الحدود ‏"‏ وهذا يدل على أنه وافق عبد الرحمن بن عوف في أن الثمانين أدنى الحدود، وأراد بذلك الحدود المذكورة في القرآن وهي حد الزنا وحد السرقة للقطع وحد القذف وهو أخفها عقوبة وأدناها عددا، وقد مضى من حديث أنس في رواية شعبة وغيره سبب ذلك وكلام عبد الرحمن فيه حيث قال ‏"‏ أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر ‏"‏ وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد ‏"‏ أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب‏:‏ نرى أن تجعله ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى ‏"‏ فجلد عمر في الخمر ثمانين، وهذا معضل وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مطولا ولفظه ‏"‏ أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم فقال أبو بكر‏:‏ لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتى برجل ‏"‏ فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا‏)‏ وأن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى ‏(‏إذا ما اتقوا‏)‏ والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق، فقال عمر‏:‏ ما ترون‏؟‏ فقال علي فذكره وزاد بعد قوله وإذا هذى افترى ‏"‏ وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين ‏"‏ ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى منها ما أخرجها الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ‏"‏ أن رجلا من بني كلب يقال له ابن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين، قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت‏:‏ إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله‏:‏ ما ترون‏؟‏ قال ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد، فقال علي ‏"‏ فذكر مثل رواية ثور الموصولة، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة ‏"‏ أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي‏:‏ إن السكران إذا سكر هذى ‏"‏ الحديث، ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال ‏"‏ شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت‏:‏ أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين ‏"‏ وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه ‏"‏ فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد‏:‏ إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، قال وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين‏.‏

وقال علي ‏"‏ فذكر مثله وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر عن ابن شهاب قال ‏"‏ فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين ‏"‏ قال الطحاوي‏:‏ جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا، ويؤيده فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين وحديث عبد الرحمن بن أزهر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه ‏"‏ وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث ‏"‏ ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين، ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين ‏"‏ فإنه يدل على أنه وإن لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك‏.‏

ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضير بمهملة وضاد معجمة مصغر ابن لمنذر ‏"‏ أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر، فقال لعبد الله بن جعفر اجلده فجلده، فلما بلغ أربعين قال‏:‏ أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي ‏"‏ فإن فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها ‏"‏ نحو الأربعين ‏"‏ والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب، وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة، ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف، وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه، وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ إنه أثبت شيء في هذا الباب، قال البيهقي‏:‏ وصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله، وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم، وتضعيفه الداناج لا يقبل لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا، ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع، قلت‏:‏ وثق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي، وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين، ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال‏:‏ أخرجه البخاري، وهو كما قال، وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه إنه جلد ثمانين، وذكرت ما قيل في ذلك هناك‏.‏

وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال وهذا أحب إلي أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين، وبأن ابن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون، والجواب عن ذلك من وجهين، أحدهما أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي، الثاني على تقدير ثبوته فإنه يجوز أن ذلك يختلف بحال الشارب، وأن حد الخمر لا ينقص عن الأربعين ولا يزاد على الثمانين، والحجة إنما هي في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وقد جمع الطحاوي بينهما بما أخرجه هو والطبري من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن عليا جلد الوليد بسوط له طرفان‏.‏

وأخرج الطحاوي أيضا من طريق عروة مثله لكن قال ‏"‏ له ذنبان أربعين جلدة في الخمر في زمن عثمان ‏"‏ قال الطحاوي‏:‏ ففي هذا الحديث أن عليا جلده ثمانين لأن كل سوط سوطان، وتعقب بأن السند الأول منقطع فإن أبا جعفر ولد بعد موت علي بأكثر من عشرين سنة، وبأن الثاني في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف وعروة لم يكن في الوقت المذكور مميزا وعلى تقدير ثبوته فليس في الطريقين أن الطرفين أصاباه في كل ضربة‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ يحتمل أن يكون ضربه بالطرفين عشرين فأراد بالأربعين ما اجتمع من عشرين وعشرين، ويوضح ذلك قوله في بقية الخبر ‏"‏ وكل سنة وهذا أحب إلي ‏"‏ لأنه لا يقتضي التغاير، والتأويل المذكور يقتضي أن يكون كل من الفريقين جلد ثمانين فلا يبقى هناك عدد يقع التفاضل فيه‏.‏

وأما دعوى من زعم أن المراد بقوله هذا الإشارة إلى الثمانين فيلزم من ذلك أن يكون علي رجح ما فعل عمر على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهذا لا يظن به قاله البيهقي، واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي ‏"‏ إنه إذا سكر هذى إلخ ‏"‏ قال فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل واستخرج الحد بطريق الاستنباط دل على أنه لا توقيف عنده من الشارع في ذلك، فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي، إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه إلى القياس، ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه، وتعقب بأنه إنما يتجه الإنكار لو كان المنزع واحدا فأما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار، وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع يزيد على ما كان مقررا، ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة وانهمكوا فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره إما اجتهادا بناء على جواز دخول القياس في الحدود فيكون الكل حدا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد لا النقصان منه، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا، لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه، فيحتمل أن يكونوا ارتدعوا بذلك ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك فرأى علي الرجوع إلى الحد المنصوص وأعرض عن الزيادة لانتفاء سببها، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور، ويدل على ذلك أن في بعض طرق حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عند الدار قطني وغيره ‏"‏ فكان عمر إذا أتى بالرجل الضعيف تكون منه الزلة جلده أربعين ‏"‏ قال وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين‏.‏

وقال المازري‏:‏ لو فهم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا لما قالوا فيه بالرأي كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه انتهى‏.‏

وقد وقع التصريح بالحد المعلوم فوجب المصير إليه ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد إنما هو التعزير على القول بأنهم اجتهدوا في الحد المعين لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها كما سبق في تقريره‏.‏

وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أنبأنا عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول‏:‏ كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم، فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال‏:‏ هذا أخف الحدود‏.‏

والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وأنه سنة وبين حديثه المذكور في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين، يؤيده قوله ‏"‏ وإنما هو شيء صنعناه نحن ‏"‏ يشير إلى ما أشار به على عمر، وعلى هذا فقوله ‏"‏ لو مات لوديته ‏"‏ أي في الأربعين الزائدة وبذلك جزم البيهقي وابن حزم، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ لم يسنه ‏"‏ أي الثمانين لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ وإنما هو شيء صنعناه ‏"‏ فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا، واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عندما كان الأمر عليه أولا أولى فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله ‏"‏ لم يسنه ‏"‏ لصفة الضرب وكونها بسوط الجلد أي لم يسن الجلد بالسوط وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره، أشار إلى ذلك البيهقي‏.‏

وقال ابن حزم أيضا‏:‏ لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون وأنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر فضلا عن علي مع سعة علمه وقوة فهمه، وإذا تعارض خبر عمر بن سعيد وخبر أبي ساسان فخبر أبي ساسان أولى بالقبول لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي وخبر عمير موقوف على علي، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم المرفوع‏.‏

وأما دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة، وعلى تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الإثبات مقدمة على رواية النفي، وقد ساعدتها رواية أنس على اختلاف ألفاظ النقلة عن قتادة، وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض فحديث أنس سالم من ذلك، واستدل بصنيع عمر في جلد شارب الخمر ثمانين على أن حد الخمر ثمانون و هو قول الأئمة الثلاثة وأحد القولين للشافعي واختاره ابن المنذر، والقول الآخر للشافعي وهو الصحيح أنه أربعون‏.‏

قلت‏:‏ جاء عن أحمد كالمذهبين، قال القاضي عياض‏:‏ أجمعوا على وجوب الحد في الخمر واختلفوا في تقديره، فذهب الجمهور إلى الثمانين‏.‏

وقال الشافعي في المشهور عنه وأحمد في رواية وأبو ثور وداود أربعين، وتبعه على نقل الإجماع ابن دقيق العيد والنووي ومن تبعهما، وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بأحاديث الباب فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب وأصرحها حديث أنس ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه، وقد قال عبد الرزاق ‏"‏ أنبأنا ابن جريج ومعمر سئل ابن شهاب‏:‏ كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر‏؟‏ فقال‏:‏ لم يكن فرض فيها حدا، كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم ارفعوا، وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي ‏"‏ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدا، قال ابن عباس‏:‏ وشرب رجل فسكر فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشيء ‏"‏ وأخرج الطبري من وجه آخر ‏"‏ عن ابن عباس ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرا، ولقد غزا تبوك فغشى حجرته من الليل سكران فقال ليقم إليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده إلى رجله ‏"‏ والجواب أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران فصيره حدا واستمر عليه، وكذا استمر من بعده وإن اختلفوا في العدد، وجمع القرطبي بين الأخبار بأنه لم يكن أولا في شرب الخمر حد وعلى ذلك يحمل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس، ثم شرع فيه التعزيز على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها، ثم شرع الحد ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحا مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين، ومن ثم توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر عليه الأمر، ثم رأي عمر ومن وافقه الزيادة على الأربعين إما حدا بطريق الاستنباط وإما تعزيرا‏.‏

قلت‏:‏ وبقي ما ورد في الحديث أنه إن شرب فحد ثلاث مرات ثم شرب قتل في الرابعة وفي رواية في الخامسة وهو حديث مخرج في السنن من عدة طرق أسانيدها قوية، ونقل الترمذي الإجماع على ترك القتل وهو محمول على من بعد من نقل غيره عنه القول به كعبد الله بن عمرو فيما أخرجه أحمد والحسن البصري وبعض أهل الظاهر، وبالغ النووي فقال‏:‏ كل قول باطل مخالف لإجماع الصحابة فمن بعدهم والحديث الوارد فيه منسوخ إما بحديث ‏"‏ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ‏"‏ وإما لأن الإجماع دل على نسخه‏.‏

قلت‏:‏ بل دليل النسخ منصوص وهو ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري عن قبيصة في هذه القصة قال ‏"‏ فأتى برجل قد شرب فجلده، ثم أتى به قد شرب فجلده، ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده فرفع القتل وكانت رخصة ‏"‏ وسيأتي بسط ذلك في الباب الذي يليه‏.‏

واحتج من قال إن حده ثمانون بالإجماع في عهد عمر حيث وافقه على ذلك كبار الصحابة، وتعقب بأن عليا أشار على عمر بذلك ثم رجع علي عن ذلك واقتصر على الأربعين لأنها القدر الذي اتفقوا عليه وفي زمن أبي بكر مستندين إلى تقدير ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الذي أشار به فقد تبين من سياق قصته أنه أشار بذلك ردعا للذين انهمكوا لأن في بعض طرق القصة كما تقدم أنهم ‏"‏ احتقروا العقوبة ‏"‏ وبهذا تمسك الشافعية فقالوا‏:‏ أقل ما في حد الخمر أربعون وتجوز الزيادة فيه إلى الثمانين على سبيل التعزير ولا يجاوز الثمانين، واستندوا إلى أن التعزير إلى رأي الإمام فرأى عمر فعله بموافقة علي ثم رجع علي ووقف عندما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ووافقه عثمان على ذلك، وأما قول علي ‏"‏ وكل سنة ‏"‏ فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصار إليه أبو بكر، والوصول إلى الثمانين سنة عمر ردعا للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى ووافقه من ذكر في زمانه للمعنى الذي تقدم وسوغ لهم ذلك إما اعتقادهم جواز القياس في الحدود على رأي من يجعل الجميع حدا وإما أنهم جعلوا الزيادة تعزيرا بناء على جواز أن يبلغ بالتعزير قدر الحد ولعلهم لم يبلغهم الخبر الآتي في باب التعزير، وقد تمسك بذلك من قال بجواز القياس في الحدود وادعى إجماع الصحابة، وهي دعوى ضعيفة لقيام الاحتمال، وقد شنع ابن حزم على الحنفية في قولهم إن القياس لا يدخل في الحدود والكفارات مع جزم الطحاوي ومن وافقه منهم بأن حد الخمر وقع بالقياس على حد القذف، وبه تمسك من قال بالجواز من المالكية والشافعية، واحتج من منع ذلك بأن الحدود والكفارات شرعت بحسب المصالح، وقد تشترك أشياء مختلفة وتختلف أشياء متساوية فلا سبيل إلى علم ذلك إلا بالنص، وأجابوا عما وقع في زمن عمر بأنه لا يلزم من كونه جلد قدر حد القذف أن يكون جعل الجميع حدا بل الذي فعلوه محمول على أنهم لم يبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حد فيه أربعين إذ لو بلغهم لما جاوزوه كما لم يجاوزوا غيره من الحدود المنصوصة، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال فرجح أن الزيادة كانت تعزيرا، ويؤيده ما أخرجه أبو عبيد في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ بسند صحيح عن أبي رافع بن عمر أنه أتى بشارب فقال لمطيع بن الأسود‏:‏ إذا أصبحت غدا فاضربه، فجاء عمر فوجده يضربه ضربا شديدا فقال‏:‏ كم ضربته‏؟‏ قال ستين قال اقتص عنه بعشرين، قال أبو عبيد‏:‏ يعني اجعل شدة ضربك له قصاصا بالعشرين التي بقيت من الثمانين، قال أبو عبيد‏:‏ فيؤخذ من هذا الحديث أن ضرب الشارب لا يكون شديدا وأن لا يضرب في حال السكر لقوله ‏"‏ إذا أصبحت فاضربه ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ ويؤخذ منه أن الزيادة على الأربعين ليست بحد إذ لو كانت حدا لما جاز النقص منه بشدة الضرب إذ لا قائل به‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ المفهم ‏"‏ ما ملخصه بعد أن ساق الأحاديث الماضية‏:‏ هذا كله يدل على أن الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أدبا وتعزيرا، ولذلك قال علي‏:‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه، فلذلك ساغ للصحابة الاجتهاد فيه فألحقوه بأخف الحدود، وهذا قول طائفة من علمائنا‏.‏

ويرد عليهم قول علي ‏"‏ جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ‏"‏ وكذا وقوع الأربعين في عهد أبي بكر وفي خلافة عمر أولا أيضا ثم في خلافة عثمان، فلولا أنه حد لاختلف التقدير، ويؤيده قيام الإجماع على أن في الخمر الحد وإن وقع الاختلاف في الأربعين والثمانين، قال‏:‏ والجواب أن النقل عن الصحابة اختلف في التحديد والتقدير، ولا بد من الجمع بين مختلف أقوالهم، وطريقه أنهم فهموا أن الذي وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم كان أدبا من أصل ما شاهدوه من اختلاف الحال، فلما كثر الإقدام علي الشرب ألحقوه بأخف الحدود المذكورة في القرآن، وقوى ذلك عندهم وجود الافتراء من السكر فأثبتوها حذا، ولهذا أطلق على أن عمر جلد ثمانين وهي سنة ثم ظهر لعلي أن الاقتصار على الأربعين أولى مخافة أن يموت فتجب فيه الدية ومراده بذلك الثمانون وبهذا يجمع بين قوله ‏"‏ لم يسنه ‏"‏ وبين تصريحه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين قال‏:‏ وغاية هذا البحث أن الضرب في الخمر تعزير يمنع من الزيادة على غايته وهي مختلف فيها، قال‏:‏ وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم أقاموا السكر مقام القذف لأنه لا يخلوا عنه غالبا فأعطوه حكمه، وهو من أقوى حجج القائلين بالقياس، فقد اشتهرت هذه القصة ولم ينكرها في ذلك الزمان منكر‏.‏

قال‏:‏ وقد اعترض بعض أهل النظر بأنه إن ساغ إلحاق حد السكر بحد القذف فليحكم له بحكم الزنا والقتل لأنهما مظنته وليقتصروا في الثمانين على من سكر لا على من اقتصر على الشرب ولم يسكر، قال‏:‏ وجوابه أن المظنة موجودة غالبا في القذف نادرة في الزنا والقتل، الوجود يحقق ذلك، وإنما أقاموا الحد على الشارب وإن لم يسكر مبالغة في الردع لأن القليل يدعو إلى الكثير والكثير يسكر غالبا وهو المظنة، ويؤيده أنهم اتفقوا على إقامة الحد في الزنا بمجرد الإيلاج وإن لم يتلذذ ولا أنزل ولا أكمل‏.‏

قلت‏:‏ والذي تحصل لنا من الآراء في حد الخمر ستة أقوال‏:‏ الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيها حدا معلوما بل كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق به، قال ابن المنذر قال بعض أهل العلم‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمرهم بضربه وتبكيته، فدل على أن لا حد في السكر بل فيه التنكيل والتبكيت ولو كان ذلك على سبيل الحد لبينه بيانا واضحا‏.‏

قال‏:‏ فلما كثر الشراب في عهد عمر استشار الصحابة، ولو كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء محدود لما تجاوزوه كما لم يتجاوزوا حد القذف ولو كثر القاذفون وبالغوا في الفحش، فلما اقتضى رأيهم أن يجعلوه كحد القذف، وأستدل علي بما ذكر من أن في تعاطيه ما يؤدي إلى وجود القذف غالبا أو إلى ما يشبه القذف، ثم رجع إلى الوقوف عند تقدير ما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، دل على صحة ما قلناه، لأن الروايات في التحديد بأربعين اختلفت عن أنس وكذا عن علي فالأولى أن لا يتجاوزوا أقل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه لأنه المحقق سواء كان ذلك حدا أو تعزيرا‏.‏

الثاني أن الحد فيه أربعون ولا تجوز الزيادة عليها‏.‏

الثالث مثله لكن للإمام أن يبلغ به ثمانين، وهل تكون الزيادة من تمام الحد أو تعزيرا‏؟‏ قولان‏.‏

الرابع أنه ثمانون ولا تجوز الزيادة عليها‏.‏

الخامس كذلك وتجوز الزيادة تعزيرا‏.‏

وعلى الأقوال كلها هل يتعين الجلد بالسوط أو يتعين بما عداه أو يجوز بكل من ذلك‏؟‏ أقوال‏.‏

السادس إن شرب فجلد ثلاث مرات فعاد الرابعة وجب قتله، وقيل إن شرب أربعا فعاد الخامسة وجب قتله، وهذا السادس في الطرف الأبعد من القول الأول وكلاهما شاذ وأظن الأول رأي البخاري فإنه لم يترجم بالعدد أصلا ولا أخرج هنا في العدد الصريح شيئا مرفوعا، وتمسك من قال لا يزاد على الأربعين بأن أبا بكر تحرى ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوجده أربعين فعمل به‏.‏

ولا يعلم له في زمنه مخالف، فإن كان السكوت إجماعا فهذا الإجماع سابق على ما وقع في عهد عمر والتمسك به أولى لأن مستنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجع إليه علي ففعله في زمن عثمان بحضرته وبحضرة من كان عنده من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر الذي باشر ذلك والحسن بن علي، فإن كان السكوت إجماعا فهذا هو الأخير فينبغي ترجيحه، وتمسك من قال بجواز الزيادة بما صنع في عهد عمر من الزيادة، ومنهم من أجاب عن الأربعين بأن المضروب كان عبدا وهو بعيد فاحتمل الأمرين‏:‏ أن يكون حدا أو تعزيرا، وتمسك من قاد بجواز الزيادة على الثمانين تعزيرا بما تقدم في الصيام أن عمر حد الشارب في رمضان ثم نفاه إلى الشام، وبما أخرجه ابن أبي شيبة أن عليا جلد النجاشي الشاعر ثمانين ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان، وسيأتي الكلام في جواز الجمع بين الحد والتعزير في الكلام على تغريب الزاني إن شاء الله تعالى‏.‏

وتمسك من قال يقتل في الرابعة أو الخامسة بما سأذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لا قتل فيه واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين، وذلك خاص بالحر المسلم وأما الذمي فلا يحد فيه، وعن أحمد رواية أنه يحد، وعنه إن سكر والصحيح عندهم كالجمهور، وأما من هو في الرق فهو على النصف من ذلك إلا عند أبي ثور وأكثر أهل الظاهر فقالوا الحر والعبد في ذلك سواء لا ينقص عن الأربعين نقله ابن عبد البر وغيره عنهم، وخالفهم ابن حزم فوافق الجمهور‏.‏