فصل: باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ

وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج‏)‏ أي السفر ‏(‏في طلب العلم‏)‏ لم يذكر فيه شيئا مرفوعا صريحا، وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة رفعه‏:‏ ‏"‏ من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ‏"‏ ولم يخرجه المصنف لاختلاف فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورحل جابر بن عبد الله‏)‏ هو الأنصاري الصحابي المشهور، وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرا هو الجهني حليف الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حديث واحد‏)‏ هو حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب‏:‏ قل له جابر على الباب‏.‏

فقال‏:‏ ابن عبد الله‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

فخرج فاعتنقني‏.‏

فقلت‏:‏ حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه‏.‏

فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يحشر الله الناس يوم القيامة عراة ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وله طريق أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين، وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال‏:‏ كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص، وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا فسرت حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل‏.‏

‏.‏

فذكر نحوه‏.‏

وإسناده صالح‏.‏

وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبي الجارود العنسي - وهو بالنون الساكنة - عن جابر قال‏:‏ بلغني حديث في القصاص‏.‏

‏.‏

فذكر الحديث نحوه‏.‏

وفي إسناده ضعف ‏"‏ وادعى بعض المتأخرين أن هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة، لأنه علقه بالجزم هنا، ثم أخرج طرفا من متنه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض فقال‏:‏ ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يحشر الله العباد فيناديهم بصوت ‏"‏ الحديث‏.‏

وهذه الدعوى مردودة، والقاعدة بحمد الله غير منتقضة، ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد‏.‏

وحيث ذكر طرفا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت‏.‏

ومن هنا يظهر شفوف علمه ودقة نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى‏.‏

ووهم ابن بطال فزعم أن الحديث الذي رحل فيه جابر إلى عبد الله بن أنيس هو حديث الستر على المسلم، وهو انتقال من حديث إلى حديث، فإن الراحل في حديث الستر هو أبو أيوب الأنصاري رحل فيه إلى عقبة بن عامر الجهني، أخرجه أحمد بسند منقطع، وأخرجه الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال‏:‏ أتاني جابر فقال لي‏.‏

حديث بلغني أنك ترويه في الستر‏.‏

‏.‏

فذكره‏.‏

وقد وقع ذلك لغير من ذكره، فروى أبو داود من طريق عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث‏.‏

وروى الخطيب عن عبيد الله بن عدي قال‏:‏ بلغني حديث عند علي فخفت إن مات أن لا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت عليه العراق‏.‏

وتتبع ذلك يكثر، وسيأتي قول الشعبي في مسألة‏.‏

إن كان الرجل ليرحل فيما دونها إلى المدينة‏.‏

وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد‏.‏

وسيأتي نحو ذلك عن غيره‏.‏

وفي حديث جابر دليل على طلب علو الإسناد، لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فأخذه عنه بلا واسطة‏.‏

وسيأتي عن ابن مسعود في كتاب فضائل القرآن قوله‏:‏ لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه‏.‏

وأخرج الخطيب عن أبي العالية قال‏:‏ كنا نسمع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى خرجنا إليهم فسمعنا منهم‏.‏

وقيل لأحمد‏:‏ رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير، أو يرحل‏؟‏ قال‏:‏ يرحل، يكتب عن علماء الأمصار، فيشافه الناس ويتعلم منهم‏.‏

وفيه ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية‏.‏

وفيه جواز اعتناق القادم حيث لا تحصل الريبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ قَاضِي حِمْصَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ فَقَالَ أُبَيٌّ نَعَمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لَا فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خالد بن خلي‏)‏ هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء تحتانية مشددة كما تقدم في المقدمة، وإنما أعدته لأنه وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة، وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الأوزاعي‏)‏ في رواية الأصيلي‏:‏ حدثنا الأوزاعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه تمارى هو والحر‏)‏ سقطت ‏"‏ هو ‏"‏ من رواية ابن عساكر فعطف على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل، وهو جائز عند البعض‏.‏

وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قبل ببابين، وليس بين الروايتين اختلاف إلا فيما لا يغير المعنى وهو قليل‏.‏

وفيه فضل الازدياد من العلم، ولو مع المشقة والنصب بالسفر، وخضوع الكبير لمن يتعلم منه‏.‏

ووجه الدلالة منه قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده‏)‏ وموسى عليه السلام منهم، فتدخل أمة النبي صلى الله عليه وسلم تحت هذا الأمر إلا فيما ثبت نسخه‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من علم وعلم‏)‏ الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما، والثانية بفتحها وتشديدها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتْ الْمَاءَ قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن العلاء‏)‏ هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وكذا شيخه أبو أسامة، وبريد بضم الموحدة وأبو بردة حده وهو ابن أبي موسى الأشعري‏.‏

وقال في السياق عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا، والإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل‏)‏ بفتح المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الهدى‏)‏ أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نقية‏)‏ كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف، لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة، قال الخطابي‏:‏ هي مستنقع الماء في الجبال والصخور‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ هذا غلط في الرواية، وإحالة للمعنى‏.‏

لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت، وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء‏.‏

قال‏:‏ وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق إلا ‏"‏ نقية ‏"‏ بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء التحتانية، وهو مثل قوله في مسلم‏:‏ ‏"‏ طائفة طيبة‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما عند مسلم وفي كتاب الزركشي‏.‏

وروي‏:‏ ‏"‏ بقعة ‏"‏ قلت‏:‏ هو بمعنى طائفة، لكن ليس ذلك في شيء من روايات الصحيحين‏.‏

ثم قرأت في شرح ابن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال‏:‏ والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس، ومنه‏:‏ ‏(‏فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبلت‏)‏ بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول، كذا في معظم الروايات‏.‏

ووقع عند الأصيلي‏:‏ ‏"‏ قيلت ‏"‏ بالتحتانية المشددة، وهو تصحيف كما سنذكره بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكلأ‏)‏ بالهمزة بلا مد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعشب‏)‏ هو من ذكر الخاص بعد العام، لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا، والعشب للرطب فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إخاذات‏)‏ كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع إخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء‏.‏

وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره‏:‏ ‏"‏ أجادب ‏"‏ بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء‏.‏

وضبطه المازري بالذال المعجمة‏.‏

ووهمه القاضي‏.‏

ورواها الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب‏:‏ ‏"‏ أحارب ‏"‏ بحاء وراء مهملتين، قال الإسماعيلي‏:‏ لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي‏:‏ ليست هذه الرواية بشيء‏.‏

قال‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ ‏"‏ أجارد ‏"‏ بجيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء وهي البارزة التي لا تنبت، قال الخطابي‏:‏ هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية‏.‏

وأغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات، وليس في الصحيحين سوى روايتين فقط، وكذا جزم القاضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنفع الله بها‏)‏ أي بالإخاذات‏.‏

وللأصيلي به أي بالماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزرعوا‏)‏ كذا له بزيادة زاي من الزرع، ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب، ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب‏:‏ ‏"‏ ورعوا ‏"‏ بغير زاي من الرعي، قال النووي‏.‏

كلاهما صحيح‏.‏

ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح، لأن رواية زرعوا تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم، وإن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت، لكن المراد أنها قابلة للإنبات‏.‏

وقيل إنه روي ‏"‏ ووعوا ‏"‏ بواوين، ولا أصل لذلك‏.‏

وقال القاضي قوله‏:‏ ‏"‏ ورعوا ‏"‏ راجع للأولى لأن الثانية لم يحصل منها نبات انتهى‏.‏

ويمكن أن يرجع إلى الثانية أيضا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأصاب‏)‏ أي الماء‏.‏

وللأصيلي وكريمة أصابت أي طائفة أخرى‏.‏

ووقع كذلك صريحا عند النسائي‏.‏

والمراد بالطائفة القطعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيعان‏)‏ بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقه‏)‏ بضم القاف أي صار فقيها‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ رويناه بكسرها والضم أشبه‏.‏

قال القرطبي وغيره‏:‏ ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي في حال حاجتهم إليه، وكذا كان الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت‏.‏

ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم‏.‏

فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها‏.‏

ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله‏:‏ ‏"‏ نضر الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها‏"‏‏.‏

ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها‏.‏

وإنما جمع المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها‏.‏

والله أعلم‏.‏

ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه، والثاني الأولى منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من لم يرفع بذلك رأسا ‏"‏ أي أعرض عنه فلم ينتفع له ولا نفع‏.‏

والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض السماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ولم يقبل هدى الله الذي جئت به‏"‏‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ بقي من أقسام الناس قسمان‏:‏ أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره، والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره‏.‏

قلت‏:‏ والأول داخل في الأول لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تنبته الأرض، فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما‏.‏

وأما الثاني فإن كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم‏:‏ ‏"‏ من لم يرفع بذلك رأسا ‏"‏ والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال إسحاق‏:‏ وكان منها طائفة قيلت‏)‏ أي بتشديد الياء التحتانية‏.‏

أي إن إسحاق وهو ابن راهويه حيث روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف‏.‏

قال الأصيلي‏:‏ هو تصحيف من إسحاق‏.‏

وقال غيره‏:‏ بل هو صواب ومعناه شربت، والقيل شرب نصف النهار، يقال قيلت الإبل أي شربت في القائلة‏.‏

وتعقبه القرطبي بأن المقصود لا يختص بشرب القائلة‏.‏

وأجيب بأن كون هذا أصله لا يمنع استعماله على الإطلاق تجوزا‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه، وتعقبه القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل، لأن اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية، والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت وأنبتت‏.‏

قال‏:‏ والأظهر أنه تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاع يعلوه الماء‏.‏

والصفصف المستوي من الأرض‏)‏ هذا ثابت عند المستملي، وأراد به أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها، وإنما ذكر الصفصف معه جريا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن، وقد يستطرد‏.‏

ووقع في بعض النسخ المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية كريمة‏:‏ وقال ابن إسحاق‏:‏ وكان شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه، وقد وقع في نسخة الصغاني‏:‏ وقال إسحاق عن أبي أسامة‏.‏

وهذا يرجح الأول‏.‏

*3*باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ

وَقَالَ رَبِيعَةُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع العلم‏)‏ مقصود الباب الحث على تعلم العلم، فإنه لا يرفع إلا بقبض العلماء كما سيأتي صريحا‏.‏

وما دام من يتعلم العلم موجودا لا يحصل الرفع‏.‏

وقد تبين في حديث الباب أن رفعه من علامات الساعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ربيعة‏)‏ هو ابن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني، المعروف بربيعة الرأي - بإسكان الهمزة - قيل له ذلك لكثرة اشتغاله بالاجتهاد‏.‏

ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم‏.‏

أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم‏.‏

أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه‏.‏

وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا‏.‏

وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم‏.‏

وقد وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي عن مالك عن ربيعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمران بن ميسرة‏)‏ في بعضها عمران غير مذكور الأب، وقد عرف من الرواية الأخرى أنه ابن ميسرة‏.‏

وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز، وليس هو شيخ البخاري فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد ‏(‏عن أبي التياح‏)‏ بمثناة مفتوحة فوقانية بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ زاد الأصيلي وأبو ذر‏:‏ ‏"‏ ابن مالك ‏"‏ وللنسائي‏:‏ ‏"‏ حدثنا أنس‏"‏‏.‏

ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون، وكذا الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشراط الساعة‏)‏ أي علاماتها كما تقدم في الإيمان، وتقدم أن منها ما يكون من قبيل المعتاد، ومنها ما يكون خارقا للعادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يرفع العلم‏)‏ هو في محل نصب لأنه اسم أن، وسقطت ‏"‏ أن ‏"‏ من رواية النسائي حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه، فعلى روايته يكون مرفوع المحل‏.‏

والمراد برفعه موت حملته كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويثبت‏)‏ هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة‏.‏

وفي رواية مسلم‏:‏ ‏"‏ ويبث ‏"‏ بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر‏.‏

وغفل الكرماني فعزاها للبخاري، وإنما حكاها النووي في الشرح لمسلم‏.‏

قال الكرماني‏:‏ وفي رواية ‏"‏ وينبت ‏"‏ بالنون بدل المثلثة من النبات، وحكى ابن رجب عن بعضهم‏:‏ ‏"‏ وينث ‏"‏ بنون ومثلثة من النث وهو الإشاعة‏.‏

قلت‏:‏ وليست هذه في شيء من الصحيحين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويشرب الخمر‏)‏ هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف، والمراد كثرة ذلك واشتهاره‏.‏

وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة‏:‏ ‏"‏ ويكثر شرب الخمر ‏"‏ فالعلامة مجموع ما ذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويظهر الزنا‏)‏ أي يفشو كما في رواية مسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ زاد الأصيلي‏:‏ ‏"‏ ابن مالك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأحدثنكم‏)‏ فتح اللام وهو جواب قسم محذوف أي والله لأحدثنكم، وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة، ولمسلم من رواية غندر عن شعبة ألا أحدثكم فيحتمل أن يكون قال لهم أولا‏:‏ ألا أحدثكم‏؟‏ فقال نعم، فقال‏:‏ لأحدثنكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحدثكم أحد بعدي‏)‏ كذا له ولمسلم بحذف المفعول، ولابن ماجه من رواية غندر عن شعبة لا يحدثكم به أحد بعدي، وللمصنف من طريق هشام لا يحدثكم به غيري، ولأبي عوانة من هذا الوجه‏:‏ ‏"‏ لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي ‏"‏ وعرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عاما وكان تحديثه بذلك في آخر عمره، لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم، يعني فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق‏.‏

قلت‏:‏ والأول أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت‏)‏ هو بيان، أو بدل لقوله لأحدثنكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يقل العلم‏)‏ هو بكسر القاف من القلة‏.‏

وفي رواية مسلم عن غندر وغيره عن شعبة‏:‏ ‏"‏ أن يرفع العلم ‏"‏ وكذا في رواية سعيد عند ابن أبي شيبة وهمام عند المصنف في الحدود وهشام عنده في النكاح كلهم عن قتادة، وهو موافق لرواية أبي التياح، وللمصنف أيضا في الأشربة من طريق هشام‏:‏ ‏"‏ أن يقل ‏"‏ فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة وبرفعه آخرها، أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويراد به القلة، وهذا أليق لاتحاد المخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتكثر النساء‏)‏ قيل سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء‏.‏

وقال أبو عبد الملك‏:‏ هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر، لأنه صرح بالقلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة عند المصنف فقال‏:‏ ‏"‏ من قلة الرجال وكثرة النساء ‏"‏ والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ لخمسين ‏"‏ يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازا عن الكثرة‏.‏

ويؤيده أن في حديث أبي موسى‏:‏ ‏"‏ وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القيم‏)‏ أي من يقوم بأمرهن، واللام للعهد إشعارا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء‏.‏

وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي الدين لأن رفع العلم يخل به، والنقل لأن شرب الخمر يخل به، والنسب لأن الزنا يخل به، والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما‏.‏

قال الكرماني‏:‏ وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا، ولا نبي بعد نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين، فيتعين ذلك‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت، خصوصا في هذه الأزمان‏.‏

وقال القرطبي في التذكرة‏:‏ يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوءات أم لا‏.‏

ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي‏.‏

قلت‏:‏ وقد وجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم من أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام‏.‏

والله المستعان‏.‏

*3*باب فَضْلِ الْعِلْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل العلم‏)‏ الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة، فلا يظن أنه كرره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عفير‏)‏ هو سعيد بن كثير بن عفير المصري، نسب إلى جده كما تقدم‏.‏

وعفير بضم المهملة بعدها فاء كما تقدم أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الليث‏)‏ هو ابن سعد عن عقيل، وللأصيلي وكريمة‏:‏ ‏"‏ حدثني الليث حدثني عقيل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة‏)‏ وللمصنف في التعبير‏:‏ ‏"‏ أخبرني حمزة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينا‏)‏ صله بين فأشبعت الفتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتيت‏)‏ بضم الهمزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشربت‏)‏ أي من ذلك اللبن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأرى‏)‏ بفتح الهمزة من الرواية أو من العلم، واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف، والري بكسر الراء في الرواية وحكى الجوهري الفتح‏.‏

وقال غيره‏:‏ بالكسر الفعل، وبالفتح المصدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخرج‏)‏ أي الري، وأطلق رؤيته إياه على سبيل الاستعارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أظفاري‏)‏ في رواية ابن عساكر‏:‏ ‏"‏ من أظفاري ‏"‏ وهو أبلغ، وفي التعبير‏:‏ ‏"‏ من أطرافي ‏"‏ وهو بمعناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال العلم‏)‏ هو بالنصب وبالرفع معا في الرواية، وتوجيههما ظاهر‏.‏

وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما‏.‏

وسيأتي بقية الكلام عليه في مناقب عمر وفي كتاب التعبير إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنه عبر عن العلم بأنه فضلة النبي صلى الله عليه وسلم ونصيب مما آتاه الله، وناهيك بذلك، انتهى‏.‏

وهذا قاله بناء على أن المراد بالفضل الفضيلة، وغفل عن النكتة المتقدمة‏.‏

*3*باب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الفتيا‏)‏ و بضم الفاء، وإن قلت الفتوى فتحتها، والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو‏)‏ أي المفتي، ومراده أن العالم يجيب سؤال الطالب ولو كان راكبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الدابة‏)‏ لمراد بها في اللغة كل ما مشى على الأرض، وفي العرف ما يركب‏.‏

وهو المراد بالترجمة، وبعض أهل العرف خصها بالحمار، فإن قيل ليس في سياق الحديث ذكر الركوب فالجواب أنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج فقال‏:‏ ‏"‏ كان على ناقته ‏"‏ ترجم له‏:‏ ‏"‏ باب الفتيا على الدابة عند الجمرة ‏"‏ فأورد الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب فذكره كالذي هنا، ثم من طريق ابن جريج نحوه‏.‏

ثم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته ‏"‏ قال فذكر الحديث ولم يسق لفظه وقال بعده‏:‏ تابعه معمر عن الزهري‏.‏

انتهى‏.‏

ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم والنسائي وفيها‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على ناقته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حجة الوداع‏)‏ هو بفتح الحاء ويجوز كسرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للناس يسألونه‏)‏ هو إما حال من فاعل وقف أو من الناس، أو استئناف بيانا لسبب الوقوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل‏)‏ لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده في قوله‏:‏ ‏"‏ فجاء آخر ‏"‏ والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك، وسيأتي بسط ذلك في الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا حرج‏)‏ أي لا شيء عليه مطلقا من الإثم، لا في الترتيب ولا في ترك الفدية‏.‏

هذا ظاهره‏.‏

وقال بعض الفقهاء‏:‏ المراد نفي الإثم فقط، وفيه نظر لأن في بعض الروايات الصحيحة‏:‏ ‏"‏ ولم يأمر بكفارة ‏"‏ وسيأتي مباحث ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون‏.‏

*3*باب مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بِإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد أو الرأس‏)‏ الإشارة باليد مستفادة من الحديثين المذكورين في الباب أولا، وهما مرفوعان‏.‏

وبالرأس مستفادة من حديث أسماء فقط، وهو من فعل عائشة فيكون موقوفا لكن له حكم المرفوع، لأنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الصلاة يرى من خلفه فيدخل في التقرير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ وَلَا حَرَجَ قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ وَلَا حَرَجَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهيب‏)‏ بالتصغير وهو ابن خالد، من حفاظ البصرة، مات سنة خمس وستين وقيل تسع وستين، وأرخه الدمياطي في حواشي نسخته سنة ست وخمسين وهو وهم‏.‏

وأيوب هو السختياني، وعكرمة هو مولى ابن عباس، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سئل‏)‏ هو بضم أوله ‏(‏فقال‏)‏ أي السائل‏:‏ ‏(‏ذبحت قبل أن أرمي‏)‏ أي فهل علي شيء‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأومأ بيده ففال‏:‏ لا حرج‏)‏ أي عليك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فقال ‏"‏ يحتمل أن يكون بيانا لقوله أومأ ويكون من إطلاق القول على الفعل كما في الحديث الذي بعده‏:‏ ‏"‏ فقال هكذا بيده‏"‏، ويحتمل أن يكون حالا والتقدير فأومأ بيده قائلا لا حرج، فجمع بين الإشارة والنطق، والأول أليق بترجمة المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حلقت‏)‏ يحتمل أن السائل هو الأول، ويحتمل أن يكون غيره ويكون التقدير فقال سائل كذا‏.‏

وقال آخر كذا، وهو الأظهر ليوافق الرواية التي قبله حيث قال‏:‏ فجاء آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأومأ بيده ولا حرج‏)‏ كذا ثبتت الواو في قوله ولا حرج، وليست عند أبي ذر في الجواب الأول‏.‏

قال الكرماني‏:‏ لأن الأول كان في ابتداء الحكم والثاني عطف على المذكور أولا انتهى‏.‏

وقد ثبتت الواو في الأول أيضا في رواية الأصيلي وغيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المكي‏)‏ هو اسم وليس بنسب، وهو من كبار شيوخ البخاري كما سنذكره في باب إثم من كذب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حنظلة‏)‏ هو ابن أبي سفيان بن عبد الرحمن الجمحي المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان الراوي عن حنظلة قال‏:‏ ‏"‏ سمعت سالما ‏"‏ وزاد فيه‏:‏ ‏"‏ لا أدري كم رأيت أبا هريرة قائما في السوق يقول يقبض العلم ‏"‏ فذكره موقوفا، لكن ظهر في آخره أنه مرفوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقبض العلم‏)‏ يفسر المراد بقوله قبل هذا‏:‏ ‏"‏ يرفع العلم ‏"‏ والقبض يفسره حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد أنه يقع بموت العلماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويظهر الجهل‏)‏ هو من لازم ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والفتن‏)‏ في رواية الأصيلي وغيره‏:‏ ‏"‏ وتظهر الفتن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الهرج‏)‏ هو بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال هكذا بيده‏)‏ و من إطلاق القول على الفعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحرفها‏)‏ الفاء فيه تفسيرية كأن الراوي بين أن الإيماء كان محرفا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنه يريد القتل‏)‏ كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب، لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة، فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره‏:‏ ‏"‏ وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان ‏"‏ وقال الكرماني‏:‏ الهرج هو الفتنة، فإرادة القتل من لفظه على طريق التجوز إذ هو لازم معنى الهجر، قال إلا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة‏.‏

قلت‏:‏ وهي غفلة عما في البخاري في كتاب الفتن‏.‏

والهجر القتل بلسان الحبشة‏.‏

وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ قُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي الْمَاءَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا فَيُقَالُ نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن عروة بن الزبير‏.‏

عن ‏(‏فاطمة‏)‏ هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوجة هشام وبنت عمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أسماء‏)‏ أي بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام وهي جدة هشام وفاطمة جميعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت ما شأن الناس‏)‏ أي لما رأت من اضطرابهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشارت‏)‏ أي عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا الناس قيام‏)‏ كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف، ففيه إطلاق الناس على البعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت سبحان الله‏)‏ أي أشارت قائلة سبحان الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت آية‏)‏ هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه آية أي علامة، ويجوز حذف همزة الاستفهام وإثباتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقمت‏)‏ أي في الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى علاني‏)‏ كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام‏.‏

وفي رواية كريمة تجلاني بمثناة وجيم ولام مشددة، وجلال الشيء ما غطي به‏.‏

والغشي بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء أيضا هو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازا، ولهذا قالت‏:‏ فجعلت أصب على رأسي الماء أي في تلك الحال ليذهب‏.‏

ووهم من قال بأن صبها كان بعد الإفاقة، وسيأتي تقرير ذلك في كتاب الطهارة، ويأتي الكلام على هذا الحديث أيضا في صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أريته‏)‏ هو بضم الهمزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى الجنة والنار‏)‏ رويناه بالحركات الثلاث فيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل أو قريبا‏)‏ كذا هو بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني، قال ابن مالك، توجيهه أن أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، فحذف ما أضيف إلى مثل وترك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذف لدلالة ما بعده عليه، وهذا كقول الشاعر‏:‏ بين ذراعي وجبهة الأسد تقديره‏:‏ بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد وقال الآخر‏:‏ أمام وخلف المرء من لطف ربه كواليء تزوي عنه ما هو يحذر وفي رواية بترك التنوين في الثاني أيضا، وتوجيهه أنه مضاف إلى فتنة أيضا، وإظهار حرف الجر بين المضاف والمضاف إليه جائز عند قوم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ لا أدري أي ذلك قالت أسماء ‏"‏ جملة معترضة بين بها الراوي أن الشك منه هل قالت له أسماء مثل أو قالت قريبا، وستأتي مباحث هذا المتن في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في نسخة الصغاني هنا‏:‏ قال ابن عباس مرقدنا مخرجنا‏.‏

وفي ثبوت ذلك نظر لأنه لم يقع في الحديث لذلك ذكر وإن كان قد يظهر له مناسبة‏.‏

وقد ذكر ذلك في موضعه من سورة يس‏.‏

*3*باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تحريض‏)‏ هو بالضاد المعجمة ومن قالها بالمهملة هنا فقد صحف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك بن الحويرث‏)‏ هو بصيغة تصغير الحارث‏.‏

وهذا التعليق طرف من حديث له مشهور يأتي في الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ الْوَفْدُ أَوْ مَنْ الْقَوْمُ قَالُوا رَبِيعَةُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى قَالُوا إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ قَالَ شُعْبَةُ رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ قَالَ احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبي جمرة‏)‏ هو بالجيم والراء كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من شقة‏)‏ بضم الشين المعجمة وتشديد القاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتعطوا‏)‏ كذا وقع، وهو منصوب بتقدير أن، وساغ التقدير لأن المعطوف عليه اسم قاله الكرماني‏.‏

قلت‏:‏ قد رواه أحمد عن غندر فقال‏:‏ ‏"‏ وأن تعطوا ‏"‏ فكأن حذفها من شيخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة‏:‏ وربما قال النقير‏)‏ أي بالنون المفتوحة وتخفيف القاف المكسورة ‏(‏وربما قال المقير‏)‏ أي بالميم المضمومة وفتح القاف وتشديد الياء المفتوحة، وليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه، بل المراد أنه كان جازما بذكر الثلاثة الأول شاكا في الرابع وهو النقير، فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره‏.‏

وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير‏.‏

هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه‏.‏

وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في أواخر كتاب الإيمان‏.‏

وأخرجه المصنف هناك عاليا عن علي بن الجعد عن شعبة، ولم يتردد إلا في المزفت والمقير فقط، وجزم بالنقير، وهو يؤيد ما قلته‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخبروه‏)‏ هو بفتح الهمزة وكسر الباء‏.‏

وللكشميهني‏:‏ ‏"‏ وأخبروا ‏"‏ بحذف الضمير‏.‏

*3*باب الرِّحْلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرحلة‏)‏ هو بكسر الراء بمعنى الارتحال، وفي روايتنا أيضا بفتح الراء أي الواحدة، وأما بضمها فالمراد به الجهة، وقد تطلق على من يرتحل إليه‏.‏

وفي رواية كريمة‏:‏ ‏"‏ وتعليم أهله ‏"‏ بعد قوله في المسألة النازلة، والصواب حذفها لأنها تأتي في باب آخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن أبي مليكة‏)‏ هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة نسب إلى جده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقبة بن الحارث‏)‏ سيأتي تصريحه بالسماع من عقبة في كتاب النكاح خلافا لمن أنكره، وسيأتي الخلاف في كنية عقبة في قصة خبيب بن عدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه تزوج ابنة‏)‏ اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية مشـددة، وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات‏.‏

وهجم الكرماني فقال‏:‏ لا يعرف اسمها، وأبو إهاب بكسر الهمزة لا أعرف اسمه، وهو مذكور في الصحابة، وعزيز بفتح العين المهملة وكسر الزاي وآخره زاي أيضا كما تقدم في المقدمة، ومن قاله بضم أوله فقد حرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتته امرأة‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أخبرتني‏)‏ بكسر المثناة أي قبل ذلك كأنه اتهمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فركب‏)‏ أي من مكة لأنها كانت دار إقامته‏.‏

والفرق بين هذه الترجمة وترجمة‏:‏ ‏"‏ باب الخروج في طلب العلم ‏"‏ أن هذا أخص وذاك أعم، وستأتي مباحث هذا الحديث في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونكحت زوجا غيره‏)‏ اسم هذا الزوج ظريب بضم المعجمة المشالة وفتح الراء وآخره موحدة مصغرا‏.‏