فصل: باب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزوة مؤتة‏)‏ بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد، ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس، وحكى صاحب ‏"‏ الواعي ‏"‏ الوجهين‏.‏

وأما الموتة التي ورد الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أرض الشام‏)‏ قال ابن إسحاق هي بالقرب من البلقاء‏.‏

وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس‏.‏

ويقال‏:‏ إن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو الغساني - وهو من أمراء قيصر على الشام - قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بصري، واسم الرسول الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف‏.‏

وفي ‏"‏ مغازي أبي الأسود ‏"‏ عن عروة ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى موتة في جمادى من سنة ثمان ‏"‏ وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ هو ابن صالح، بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري، وبه جزم أبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن الحارث، وابن أبي هلال هو سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وأخبرني نافع‏)‏ هو معطوف على شيء محذوف، ويؤيد ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أنه وقف على جعفر يومئذ ‏"‏ ولم يتقدم لغزوة موتة إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح، وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في أول ‏"‏ باب جامع الشهادتين ‏"‏ من السنن لسعيد بن منصور قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة - فذكر شعرا له - قال‏.‏

فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة فحاد حيدة فقال‏:‏ أقسمت يا نفس لتنزلنه كارهة أو لتطاوعنه ما لي أراك تكرهين الجنة ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية، ورمى واقد بن عبد الله التيمي المشركين حتى ردهم الله، قال ابن أبي هلال ‏"‏ وأخبرني نافع - فذكر ما أخرجه البخاري وزاد في آخره - قال سعيد بن أبي هلال‏:‏ وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعددت به خمسين بين طعنة وضربة‏)‏ روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله‏.‏

وقال ابن سعد عن أبي نعيم عن أبي معشر ‏"‏ تسعين ‏"‏ وفي الرواية الثانية ‏"‏ ووجدنا في جسده بضعه وتسعين من طعنه ورمية ‏"‏ وكذا أخرجه ابن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ ‏"‏ بضع وتسعون ‏"‏ وظاهرهما التخالف، ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم، أو بأن الريادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى، أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شيء في دبره أي في ظهره‏.‏

فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره، وهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه أو جانبيه، ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمري عن نافع ‏"‏ فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده ‏"‏ بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون، ووقع في رواية البيهقي في الدلائل عن البخاري بلفظ ‏"‏ بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين ‏"‏ بالشك، لم أر ذلك في شيء من نسخ البخاري‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ ليس شيء منها في دبره ‏"‏ بيان فرط شجاعته وإقدامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس منها‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ليس فيها‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أحمد بن أبي بكر‏)‏ هو أبو مصعب الزهري، ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب الزبيري، وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي، وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث، وهو بطريق المتابعة عنده‏.‏

وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك، وهو صدوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن سعيد‏)‏ في رواية مصعب ‏"‏ عبد الله بن سعيد بن أبي هند ‏"‏ وهو مدني ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن قتل زيد فجعفر‏)‏ زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن ابن شهاب ‏"‏ فجعفر بن أبي طالب أميرهم ‏"‏ وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح ‏"‏ إن قتل زيد فأميركم جعفر ‏"‏ وروى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أبي قتادة قال‏:‏ ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال‏:‏ عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر ‏"‏ فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏"‏ فوثب جعفر فقال‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدا، قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ أي ابن عمر، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب‏)‏ أي بعد أن قتل، كذا اختصره‏.‏

وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور ‏"‏ فلقوا العدو، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر ‏"‏ ونحوه في مرسل عروة عند ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه ‏"‏ عن رجل من بني مرة قال‏:‏ والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها، ثم تقدم فقاتل حتى قتل‏.‏

قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال‏:‏ ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحه فالتوى بها بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل‏.‏

ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري فقال‏:‏ اصطلحوا على رجل، فقالوا‏:‏ أنت لها، قال‏:‏ لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد ‏"‏ وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال‏:‏ ‏"‏ أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له‏:‏ أنت أعلم بالقتال مني‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن واقد‏)‏ هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعى زيدا‏)‏ أي أخبرهم بقتله، وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك‏.‏

قال فأخبرني‏.‏

فأخبره خبرهم‏.‏

فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره ‏"‏ وعند الطبراني من حديث أبى اليسر الأنصاري ‏"‏ أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ جعفر فأصيب‏)‏ كذا هنا بحذفه المفعول، والمراد الراية‏.‏

ووقع في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ عند أبي ذر بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ ثم أخذها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعيناه تذرفان‏)‏ بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم‏)‏ في حديث أبي قتادة ‏"‏ ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، وهو أمير نفسه ‏"‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏"‏ اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره ‏"‏ فمن يومئذ سمي سيف الله‏.‏

وفي حديث عبد الله بن جعفر ‏"‏ ثم أخذها سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم ‏"‏ وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب ‏"‏ فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ‏"‏ والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه، وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه، وزاد قيه ‏"‏ وما يسرهم أنهم عندنا ‏"‏ أي لما رأوا من فضل الشهادة‏.‏

وزاد في حديث عبد الله بن جعفر ‏"‏ ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال‏:‏ لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال‏:‏ ائتوني ببني أخي‏.‏

فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا الحلاق فحلق رءوسنا ثم قال‏:‏ أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي‏.‏

ثم دعا لهم ‏"‏ وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه‏.‏

وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز‏.‏

وفيه جواز تعليق الإمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب‏.‏

وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا‏؟‏ والذي يظهر أنها في الحال تنعقد، ولكن بشرط الترتيب‏.‏

وقيل‏.‏

تنعقد لواحد لا بعينه، وتتعين لمن عينها الإمام على الترتيب‏.‏

وقيل‏:‏ تنعقد للأول فقط، وأما الثاني فبطريق الاختيار‏.‏

واختيار الإمام مقدم على غيره لأنه أعرف بالمصلحة العامة‏.‏

وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي‏:‏ هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر‏.‏

وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ولمن ذكر من الصحابة‏.‏

واختلف أهل النقل في المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ حتى فتح الله عليه ‏"‏ هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين‏؟‏ ففي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة ‏"‏ فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه، ثم انصرف بالناس ‏"‏ وهذا يدل على الأول، ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول‏.‏

وذكر ابن سعد عن أبي عامر ‏"‏ أن المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا، ثم اجتمعوا على خالد ‏"‏ وعند الواقدي من طريق عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة، وميمنته ميسرة، فأنكر العدو حالهم وقالوا‏:‏ جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين‏"‏‏.‏

وعنده من حديث جابر قال‏:‏ ‏"‏ أصيب بمؤتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين ‏"‏ وفي مغازي أبي الأسود عن عروة ‏"‏ فحمل خالد على الروم فهزموهم ‏"‏ وهذا يدل على الثاني‏.‏

أو يمكن الجمع بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم، فقد قيل إنهم كانوا أكثر من مائة ألف، فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة‏.‏

وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة الانقطاع، والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود، وكذلك الواقدي، فقد وقع في المغازي لموسى بن عقبة - وهي أصح المغازي كما تقدم - ما نصه ‏"‏ ثم أخذه - يعني اللواء - عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين ‏"‏ قال العماد بن كثير‏:‏ يمكن الجمع بأن خالدا لما جاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم، وتوهم العدو أنهم قد جاء لهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى‏.‏

ثم وجدت في ‏"‏ مغازي ابن عائذ ‏"‏ بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا، فحاصروهم، حتى فتح الله عليهم عنوة، وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَالَ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنْ التُّرَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما جاء قتل ابن رواحة‏)‏ يحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش، ويحتمل أن يكون المراد مجيء الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعرف فيه الحزن‏)‏ أي لما جعل الله فيه من الرحمة، ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء، ويؤخذ منه أن ظهور الحزن على الإنسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا، بل قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع المصيبة أصلا، أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أطلع من صائر الباب، تعني من شق الباب‏)‏ ووقع في رواية القابسي ‏"‏ من صائر الباب بشق الباب ‏"‏ وللنسفي ‏"‏ شق ‏"‏ بغير موحدة والأول أصوب هنا، وشق بالكسر وبالفتح أيضا، يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة، وبالكسر الناحية‏.‏

وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ ‏"‏ من صائر الباب شق الباب ‏"‏ إدراجا، وأنه تفسير من بعض رواته‏.‏

وذكر ابن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث بلفظ ‏"‏ صائر ‏"‏ تغيير والصواب ‏"‏ صير ‏"‏ بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء، قال الجوهري‏:‏ الصير شق الباب، وفي الحديث ‏"‏ من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر ‏"‏ قال أبو عبيد‏:‏ لم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتاه رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن نساء جعفر‏)‏ يحتمل أن يريد زوجاته، ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة، وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر بكاءهن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وذكر ‏"‏ بواو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمره أن يأتيهن‏)‏ كذا رأيت في أصل أبي ذر، فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره فنهاهن، وأظنه محرفا فإن الذي في سائر الروايات ‏"‏ فأمره أن ينهاهن ‏"‏ وهو الوجه، وكذا وقع في الجنائز‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وذكر أنه لم يطعنه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وذكر أنهن ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد غلبننا‏)‏ أي في عدم الامتثال لقوله، وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه، أو حملن الأمر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه، أو لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء‏.‏

والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على محض البكاء كالنوح ونحو ذلك، فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي‏.‏

واستبعده بعضهم من جهة أن الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم، ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء، وكان غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه، لكن قوله‏:‏ ‏"‏ فاحث في أفواههن من التراب ‏"‏ يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع، ويجوز في الثاء المثلثة من قوله‏:‏ ‏"‏ فاحث ‏"‏ الضم والكسر لأنه يقال حثى يحثو ويحثى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من العناء‏)‏ يفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب، ووقع في رواية العذري عند مسلم ‏"‏ من الغي ‏"‏ بغين معجمة وتحتانية ثقيلة، وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن الرجل لا يقدر على ذلك، فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شيء لا يقدر على إزالته ولعل الرجل لم يفهم من الأمر المحتم‏.‏

وقال القرطبي لم يكن الأمر للرجل بذلك على حقيقته، لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك، وإلا فالملاطفة أولى‏.‏

وفي الحديث جواز معاقبة من نهي عن منكر فتمادى عليه بما يليق به‏.‏

وقال النووي‏:‏ معنى كلام عائشة إنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الإنكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء‏.‏

ووقع عند ابن إسحاق من وجه آخر صحيح عن عائشة في آخره ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ وعرفت أنه لا يقدر أن يحثي في أفواههن التراب‏.‏

قالت‏:‏ وربما ضر التكلف أهله ‏"‏ وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات، ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته، وملازمة الوقار والتثبت‏.‏

وفيه جواز نظر من شأنه الاحتجاب من شق الباب، وأما عكسه فممنوع‏.‏

وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه بالمدعو به، لأن قول عائشة ‏"‏ أرغم الله أنفك ‏"‏ أي ألصقه بالتراب‏.‏

ولم ترد حقيقة هذا، وإنما جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له، ووجه المناسبة في قوله‏:‏ ‏"‏ احث في أفواههن ‏"‏ دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء، بل عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد بن أبي بكر‏)‏ هو المقدمي، وعمر بن علي هو عمه، وعامر هو الشعبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا ابن ذي الجناحين‏)‏ تقدم شرحه في مناقب جعفر، وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه فقتل‏.‏

وإن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل ذي ناحيتين جناحان، وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ قوله‏:‏ جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه، لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها، فالمراد بالجناحية صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر‏.‏

وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏واضمم إليك جناحك‏)‏ وقال العلماء في أجنحة الملائكة‏:‏ إنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة، فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح، ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها، انتهى‏.‏

وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود، وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف، وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره، لأن الصورة باقية‏.‏

وقد روى البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت‏.‏

وجاء في جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه ابن منده في ترجمة ورقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمانية‏)‏ بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك ‏"‏ أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏دق في يدي‏)‏ بضم الدال فسره في الرواية الأولى بقوله‏:‏ ‏"‏ انقطعت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمانية‏)‏ بتخفيف التحتانية وحكي تشديدها، وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا، وقد روى أحمد وأبو داود من حديث عوف بن مالك ‏"‏ أن رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة، فقتل روميا وأخذ سلبه، فاستكثره خالد بن الوليد، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فدل على أن ذلك بعد أن قام خالد بن الوليد بالأمر، وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر القتال، فيمكن الجمع كما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَا جَبَلَاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي آنْتَ كَذَلِكَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، وعامر هو الشعبي كما في الرواية الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أغمي على عبد الله بن رواحة‏)‏ أي ابن ثعلب بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأحد النقباء بالعقبة وأحد البدريين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعلت أخته عمرة‏)‏ هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث، ووقع في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أنها أمه، وهو خطأ، فلو كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما، ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد، وهذا الحديث ذكره خلف في مسند النعمان، وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة، وهو واضح لأن المتن منقول عنه، وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية ‏"‏ لم تبك عليه ‏"‏ أي عمرة فهو نقل من النعمان ما صنعت أمه، ولما قال خاله، لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله، فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن أخيها، فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجبلاه وكذا وكذا تعدد عليه‏)‏ في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ واعضداه ‏"‏ وفي مرسل الحسن عند ابن سعد ‏"‏ واجبلاه، واعزاه ‏"‏ وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده ‏"‏ واظهراه ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال‏:‏ اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه، وإلا فاشفه، قال‏:‏ فوجد خفة، فقال كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول‏:‏ آنت كذا‏؟‏ فلو قلت نعم لقمعني بها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيل لي آنت كذلك‏)‏ هو استفهام إنكار، وفي مرسل الحسن ‏"‏ آنت جبلها، آنت عزها ‏"‏ وزاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق هشيم في آخرها ‏"‏ فنهاها عن البكاء عليه ‏"‏ وبها تظهر النكتة في قوله في الرواية الثانية ‏"‏ فلما مات لم تبك عليه ‏"‏ أي أصلا امتثالا لأمره، وبهذه الزيادة وهي قوله‏:‏ ‏"‏ فلما مات لم تبك عليه ‏"‏ تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب، ويظهر أو يتجه الرد على من قال‏:‏ لا مناسبة لدخوله فيه لأن موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض، والله أعلم‏.‏

*3*باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات‏)‏ بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف، نسبة إلى الحرقة، واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة، تسمى الحرقة لأنه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره ابن الكلبي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب، قال النووي أهل اللغة يفتحون الطاء يعني المشالة من الظبيان، وأهل الحديث يكسرونها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة‏)‏ ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة، وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة، وهي وراء بطن نخل، وذلك في رمضان سنة سبع‏.‏

وقالوا‏:‏ إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية، فإن ثبت أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة موتة وذلك في رجب سنة ثمان، وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي، وسيأتي شرح حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَقُولُ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً أُسَامَةُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏"‏ غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات‏.‏

وخرجت فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة ‏"‏ أما غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية، وقد ذكر منها في الطريق الأخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره ‏"‏ قال يزيد - يعني ابن أبي عبيد الراوي عنه - ونسيت بقيتهم ‏"‏ كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث، وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه، ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف لعله ‏"‏ بقيتها ‏"‏ هي أوجه، وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وإن كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية، فهذه سبع غزوات كما ثبت في أكثر الروايات، وإن كانت الرواية الأولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ ‏"‏ التسع ‏"‏ محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر، وعد أيضا عمرة القضاء غزوة كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة، وأما ما وقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله ‏"‏ أحد وخيبر ‏"‏ ففيه نظر لأنهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا‏.‏

وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم‏.‏

وأما البعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت من حديثه عند مسلم، وسريته إلى بني كلاب ذكرها ابن سعد، وبعثه إلى الحج سنة تسع‏.‏

وأما أسامة فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى ابني بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر، فوقفنا مما ذكره على خمس سرايا وبقيت أربع‏.‏

فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره‏:‏ ومرة علينا غيرهما، وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات للبعوث عددا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن حفص‏)‏ أي ابن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة، وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله عن عمر بن حفص به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا‏)‏ كذا أبهمه البخاري عن شيخه أبي عاصم، وقد ذكرت ما فيه في ‏"‏ باب غزوة زيد بن حارثة ‏"‏ ولعل البخاري أبهمه عمدا لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ قَالَ يَزِيدُ وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة‏)‏ يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي، وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي، والله أعلم‏.‏

*3*باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزوة الفتح‏)‏ أي فتح مكة شرفها الله تعالى، وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من نسخة الصغاني، وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم‏.‏

قال ابن إسحاق ‏"‏ حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أنه كان في الشرط‏:‏ من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر - أي ابن عبد مناة بن كنانة - في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير، فأصاب منهم رجلا يقال له منبه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال‏:‏ يا رب إني ناشـد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصرا أيدا وادع عباد الله يأتوا مددا إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا هم بيوتنا بالوتير هجـدا وقتلونا ركعا وسجدا وزعموا أن لست أدعو أحـدا وهـم أذل وأقل عـددا قال ابن إسحاق‏:‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ نصرت يا عمرو بن سالم ‏"‏ فكان ذلك ما هاج فتح مكة‏.‏

وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول‏.‏

ولكن رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا‏.‏

وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا مطولا قال فيه‏:‏ ‏"‏ لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وكانت خزاعة في صلحه وبنو بكر في صلح قريش، فكان بينهم قتال، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام، فظهروا على خزاعة وقتلوا منهم‏.‏

قال‏:‏ وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر، وذكر الشعر ‏"‏ وأخرجه عبد الرزاق من طريق مقسم عن ابن عباس مطولا وليس في الشعر‏.‏

وأخرجه الطبراني من حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا وهو في متوضئه‏:‏ نصرت نصرت، فسألته فقال‏:‏ هذا راجز بني كعب يستصرخني، وزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر‏.‏

قالت‏:‏ فأقمنا ثلاثا، ثم صلى الصبح بالناس، ثم سمعت الراجز ينشده ‏"‏ وعند موسى بن عقبة في هذه القصة قال‏:‏ ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهل بن عمرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ به ‏"‏ من بعض النسخ أي لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم‏.‏

وعند ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال‏:‏ فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، ثم أعطاه امرأة من مزينة، وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند ابن أبي شيبة ‏"‏ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة جهزيني ولا تعلمي بذلك أحدا، فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالت له، فقال‏:‏ والله ما انقضت الهدنة بيننا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له أنهم أول من غدر‏.‏

ثم أمر بالطرق فحبست فعمي على أهل مكة لا يأتيهم خبر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ قَالَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ تقدم في الجهاد ‏"‏ عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد‏)‏ كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع‏.‏

وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا ‏"‏ بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام ‏"‏ فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا، وساق الخبر بالتثنية‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها إلخ ‏"‏ فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن بها ظعينة معها كتاب‏)‏ في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي‏:‏ ‏"‏ وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا ‏"‏ وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة، والواقدي أن اسمها كنود‏.‏

وفي رواية سارة، وفي أخرى أم سارة‏.‏

وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك، وقيل‏:‏ دينارا واحدا، وقيل‏:‏ إنها كانت مولاة العباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخرجته من عقاصها‏)‏ قد تقدم في الجهاد، وبيان الاختلاف في ذلك، ووجه الجمع بين كونه في عقاصها أو في حجزتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني كنت امرأ ملصقا في قريش‏)‏ أي حليفا، وقد فسره بقوله‏:‏ ‏"‏ كنت حليفا ولم أكن من أنفسها ‏"‏ وعند ابن إسحاق ‏"‏ ليس في القوم من أصل ولا عشيرة ‏"‏ وعند أحمد ‏"‏ وكنت غريبا ‏"‏ قال السهيلي‏:‏ كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل‏:‏ كان حليفا لقريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحمون بها قرابتي‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه ‏"‏ وسيأتي تكملة شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة، وذكر بعض أهل المغازي وهـو في ‏"‏ تفسير يحيى بن سلام ‏"‏ أن لفظ الكتاب ‏"‏ أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده‏.‏

فانظروا لأنفسكم والسلام ‏"‏ كذا حكاه السهيلي‏.‏

وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد‏"‏