فصل: باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تخليل الشعر‏)‏ أي في غسل الجنابة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَقَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا اغتسل‏)‏ أي أراد أن يغتسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا ظن‏)‏ يحتمل أن يكون على بابه ويكتفي فيه بالغلبة، ويحتمل أن يكون بمعنى علم‏.‏

قوله ‏(‏أروى‏)‏ هو فعل ماض من الإرواء، يقال أرواه إذا جعله ريانا، والمراد بالبشرة هنا ما تحت الشعر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفاض عليه‏)‏ أي على شعره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم غسل سائر جسده‏)‏ أي بقية جسده، وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا ‏"‏ على جلده كله ‏"‏ فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين‏.‏

وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت‏)‏ أي عائشة ‏"‏ وهو معطوف على الأول فهو متصل بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نغرف‏)‏ إسكان المعجمة بعدها راء مكسورة، وله في الاعتصام ‏"‏ نشرع فيه جميعا ‏"‏ وقد تقدمت مباحثه في باب‏:‏ هل يدخل الجنب يده في الطهور‏.‏

*3*باب مَنْ تَوَضَّأَ فِي الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من توضأ في الجنابة‏)‏ سقط من أواخر الترجمة لفظ ‏"‏ منه ‏"‏ من رواية غير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَالَتْ فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا‏)‏ ولأبي ذر ‏(‏حدثنا الفضل‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة‏)‏ كذا للأكثر بالإضافة، ولكريمة ‏"‏ وضوءا ‏"‏ بالتنوين ‏"‏ لجنابة ‏"‏ بلام واحدة، وللكشميهني ‏"‏ جنابة‏"‏، ولرفيقيه ‏"‏ وضع ‏"‏ على البناء للمفعول ‏"‏ لرسول الله ‏"‏ بزيادة اللام أي لأجله ‏"‏ وضوء ‏"‏ بالرفع والتنوين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكفأ‏)‏ ولغير أبي ذر ‏"‏ فأكفأ ‏"‏ أي قلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على يساره‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي وكريمة ‏"‏ على شماله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضرب يده بالأرض‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ ضرب بيده الأرض‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم غسل جسده‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بالترجمة، لأن فيه ‏"‏ ثم غسل سائر جسده ‏"‏ وأما حديث الباب ففيه ‏"‏ ثم غسل جسده ‏"‏ فدخل في عمومه مواضع الوضوء فلا يطابق قوله ‏"‏ ولم يعد غسل مواضع الوضوء ‏"‏ وأجاب ابن المنير بأن قرينة الحال والعرف من سياق الكلام يخص أعضاء الوضوء فإن تقديم غسل أعضاء الوضوء وعرف الناس من مفهوم الجسد إذا أطلق بعده يعطي ذلك ا هـ‏.‏

ولا يخفى تكلفه‏.‏

وأجاب ابن التين بأن مراد البخاري أن يبين أن المراد بقوله في هذه الرواية ‏"‏ ثم غسل جسده ‏"‏ أي ما بقي من جسده، بدليل الرواية الأخرى‏.‏

وهذا فيه نظر لأن هذه القصة غير تلك القصة كما قدمنا في أوائل الغسل‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ جسده ‏"‏ شامل لجميع أعضاء البدن فيحمل عليه الحديث السابق، أو المراد هنا بسائر جسده أي باقيه بعد الرأس لا أعضاء الوضوء‏.‏

قلت‏:‏ ومن لازم هذا التقرير أن الحديث غير مطابق للترجمة‏.‏

والذي يظهر لي أن البخاري حمل قوله ‏"‏ ثم غسل جسده ‏"‏ على المجاز أي ما بقي بعدما تقدم ذكره، ودليل ذلك قوله بعد ‏"‏ فغسل رجليه ‏"‏ إذ لو كان قوله ‏"‏ غسل جسده ‏"‏ محمولا على عمومه لم يحتج لغسل رجليه ثانيا، لأن غسلهما كان يدخل في العموم، وهذا أشبه بتصرفات البخاري، إذ من شأنه الاعتناء بالأخفى أكثر من الأجلى‏.‏

واستنبط ابن بطال من كونه لم يعد غسل مواضع الوضوء إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة، وإجزاء الصلاة بالوضوء المجدد لمن تبين أنه كان قبل التجديد محدثا‏.‏

والاستنباط المذكور مبني عنده على أن الوضوء الواقع في غسل الجنابة سنة وأجزأ مع ذلك عن غسل تلك الأعضاء بعده‏.‏

وهي دعوى مردودة، لأن ذلك يختلف باختلاف النية، فمن نوى غسل الجنابة وقدم أعضاء الوضوء لفضيلته ثم غسله وإلا فلا يصح البناء المذكور‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينفض الماء بيده‏)‏ سقط ‏"‏ الماء ‏"‏ من غير رواية أبي ذر، وللأصيلي ‏"‏ فجعل ينفض بيده‏.‏

وباقي مباحث المتن تقدم في أوائل الغسل‏.‏

والله المستعان‏.‏

*3*باب إِذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ذكر‏)‏ أي تذكر الرجل، وهو ‏(‏في المسجد أنه جنب خرج‏)‏ ‏.‏

ولأبي ذر وكريمة ‏"‏ يخرج ‏"‏ ‏(‏كما هو‏)‏ أي على حاله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يتيمم‏)‏ إشارة إلى رد من يوجبه في هذه الصورة، وهو منقول عن الثوري وإسحاق، كذا قال بعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج‏.‏

وورد ‏"‏ ذكر ‏"‏ بمعنى تذكر من الذكر بضم الذال كثيرا، وإن كان المتبادر أنه من الذكر بكسرها‏.‏

وقوله ‏"‏خرج كما هو ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ هذه الكاف كاف المقارنة لا كاف التشبيه، كذا قال، وعلى التنزل فالتشبيه هنا ليس ممتنعا لأن يتعلق بحالته، أي خرج في حالة شبيهة بحالته التي قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث لم يفعل ما يرفعه من غسل أو ما ينوب عنه من التيمم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا مَكَانَكُمْ ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ تَابَعَهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، ويونس هو ابن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعدلت‏)‏ أي سويت، وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما قام في مصلاه ذكر‏)‏ أي تذكر، لا أنه قال ذلك لفظا، وعلم الراوي بذلك من قرائن الحال أو بإعلامه له بعد ذلك‏.‏

وبين المصنف في الصلاة من رواية صالح بن كيسان عن الزهري أن ذلك كان قبل أن يكبر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لنا‏:‏ مكانكم‏)‏ بالنصب أي‏:‏ ألزموا مكانكم‏.‏

وفيه إطلاق القول على الفعل، فإن في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأشار بيده أن مكانكم ‏"‏ ويحتمل أن يكون جمع بين الكلام والإشارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورأسه يقطر‏)‏ أي من ماء الغسل، وظاهر قوله ‏"‏ فكبر ‏"‏ الاكتفاء بالإقامة السابقة، فيؤخذ منه جواز التخلل الكثير بين الإقامة والدخول في الصلاة، وسيأتي مع بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل أبواب صلاة الجماعة بعد أبواب الأذان إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى البصري، وروايته موصولة عند الإمام أحمد عنه، وقد تابع عثمان بن عمر راويه عن يونس عن عبد الله بن وهب عند مسلم، وهذه متابعة تامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه الأوزاعي‏)‏ روايته موصولة عند المؤلف في أوائل أبواب الإمامة كما سيأتي، وظن بعضهم أن السبب في التفرقة بين قوله تابعه وبين قوله رواه كون المتابعة وقعت بلفظه والرواية بمعناه، وليس كما ظن بل هو من التفنن في العبارة‏.‏

*3*باب نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنْ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة‏)‏ كذا لأبي ذر وكريمة‏.‏

وللباقين ‏"‏ من غسل الجنابة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ مَيْمُونَةُ وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا ثُمَّ غَسَلَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو حمزة‏)‏ هو السكري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلق وهو ينفض يديه‏)‏ استدل به على جواز نفض ماء الغسيل والوضوء وقد تقدم ذلك في أوائل الغسل، وهو ظاهر‏.‏

وفي هذا الإسناد مروزيان‏:‏ عبدان وشيخه، وكوفيان الأعمش وشيخه، ومدنيان كريب وشيخه، وفيما قبله بباب كذلك لأن يوسف بن عيسى وشيخه مروزيان، وفيما قبل ذلك بصريان‏:‏ موسى وأبو عوانة، وكذا موسى وعبد الواحد، وكذا محمد بن محبوب وعبد الواحد، وفيما قبل أيضا مكيان‏:‏ الحميدي وسفيان، وكلهم رووه عن الأعمش بالإسناد المذكور‏.‏

*3*باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من بدأ بشق رأسه لأيمن في الغسل‏)‏ تقدم مثل ذلك في باب من بدأ بالحلاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْمَنِ وَبِيَدِهَا الْأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خلاد بن يحيى‏)‏ هذا من كبار شيوخ البخاري، وهو كوفي سكن مكة، ومن فوقه إلى عائشة مكيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صفية‏)‏ وللإسماعيلي ‏"‏ أنه سمع صفية ‏"‏ وهي من صغار الصحابة، وأبوها شيبة هو ابن عثمان الحجبي العبدري صحابي مشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصاب‏)‏ ولكريمة ‏"‏ أصابت ‏"‏ ‏(‏إحدانا‏)‏ أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وللحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهو مصير من البخاري إلى القول بأن لقول الصحابي ‏"‏ كنا نفعل كذا ‏"‏ حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا، وبه جزم الحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذت بيديها‏)‏ ولكريمة ‏"‏ بيدها ‏"‏ أي الماء، وصرح به الإسماعيلي في روايته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوق رأسها‏)‏ أي فصبته فوق رأسها، وللإسماعيلي ‏"‏ أخذت بيديها الماء ثم صبت على رأسها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبيدها الأخرى‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ ثم أخذت بيدها ‏"‏ وهي أدل على الترتيب من رواية المصنف، وإن كان لفظ ‏"‏ الأخرى ‏"‏ يدل على أن لها أولى وهي متأخرة عنها‏.‏

فإن قيل‏:‏ الحديث دال على تقديم أيمن الشخص لا أيمن رأسه فكيف يطابق الترجمة‏؟‏ أجاب الكرماني بأن المراد من أيمن الشخص أيمنه من رأسه إلى قدمه فيطابق، والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع كما سبق في باب‏:‏ من بدأ بالحلاب، وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*بَاب مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة‏)‏ أي من الناس، وهو تأكيد لقوله ‏"‏ وحده‏"‏، ودل قوله ‏"‏ أفضل ‏"‏ على الجواز وعليه أكثر العلماء، وخالف فيه ابن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا ‏"‏ إذا اغتسل أحدكم فليستتر ‏"‏ قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود، وللبزار نحوه من حديث ابن عباس مطولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بهز‏)‏ زاد الأصيلي ‏"‏ ابن حكيم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جده‏)‏ هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يستحيي منه من الناس‏)‏ كذا لأكثر الرواة، وللسرخسي ‏"‏ أحق أن يستنزه منه ‏"‏ وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم‏.‏

وقال ابن أبي شيبة ‏"‏ حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال‏:‏ قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر‏؟‏ قال‏:‏ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا‏؟‏ قال‏:‏ الله أحق أن يستحيي منه من الناس ‏"‏ فالإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم به البخاري، وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه، ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ‏"‏ ويذكر عن معاوية بن حيدة ‏"‏ فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه، وأما ما فوقه فلا يدل، وقد حققت ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح، وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها‏.‏

وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة، بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني إن المراد بقوله ‏"‏ أحق أن يستحيي منه ‏"‏ أي فلا يعصى‏.‏

ومفهوم قوله ‏"‏ إلا من زوجتك ‏"‏ يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وفيه حديث في صحيح مسلم‏.‏

ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا، لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام، ووجه الدلالة منه - على ما قال ابن بطال - أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول‏:‏ شرع من قبلنا شرع لنا‏.‏

والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث نهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت بنو إسرائيل‏)‏ أي جماعتهم وهو كقوله تعالى ‏(‏قالت الأعراب آمنا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغتسلون عراة‏)‏ ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل‏.‏

وأغرب ابن بطال فقال‏:‏ هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له، وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آدر‏)‏ بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري‏:‏ الأدرة نفخة في الخصية، وهي بفتحات وحكى بضم أوله وإسكان الدال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجمح موسى‏)‏ أي جرى مسرعا‏.‏

وفي رواية ‏"‏ فخرج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوبي يا حجر‏)‏ أي أعطني، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه، فلما لم يعطه ضربه‏.‏

وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه، ويحتمل أن يكون عن وحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نظرت‏)‏ ظاهره أنهم رأوا جسده، وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها، وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل، واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه، وفيه نظر‏.‏

قوله ‏(‏فطفق بالحجر ضربا‏)‏ كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني والحموي ‏"‏ فطفق الحجر ضربا ‏"‏ والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة‏)‏ هو من تتمة مقول همام، وليس بمعلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لندب‏)‏ بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبي هريرة‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وجزم الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ، فإن الحديثين ثابتان في نسخة همام بالإسناد المذكور‏.‏

وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الإسناد في أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحتثي‏)‏ بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة، والحثية هي الأخذ باليد‏.‏

ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد ‏"‏ يحتثن ‏"‏ بنون في آخره بدل الياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا غنى‏)‏ القصر بلا تنوين ورويناه بالتنوين أيضا على أن ‏"‏ لا ‏"‏ بمعنى ليس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم‏)‏ هو ابن طهمان، وروايته موصولة بهذا الإسناد عند النسائي والإسماعيلي، قال ابن بطال‏:‏ وجه الدلالة من حديث أيوب أن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد، ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه‏.‏

وسيأتي بقية الكلام عليه في أحاديث الأنبياء أيضا‏.‏

*3*باب التَّسَتُّرِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التستر‏)‏ لما فرغ من الاستدلال لأحد الشقين وهو التعري في الخلوة أورد الشق الآخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولى عمر بن عبيد الله‏)‏ بالتصغير وهو التيمي، وأم هانئ بهمزة منونة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال من هذه‏؟‏‏)‏ يدل على أن الستر كان كثيفا، وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال، وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد حيث أورده المصنف تاما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ سَتَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ الْأَرْضِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ الْمَاءَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري، وقد تقدم الحديث في أول الغسل للمصنف عاليا إلى الثوري، ونزل فيه هنا درجة‏.‏

وكذلك نزل فيه شيخه عبدان درجة لأنه سبق من روايته عن أبي حمزة عن الأعمش‏.‏

والسبب في ذلك اعتناؤه بمغايرة الطرق عند تغاير الأحكام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو عوانة‏)‏ أي عن الأعمش بإسناده هذا، وقد تقدمت هذه المتابعة موصولة عنده في باب‏:‏ من أفرغ بيمينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابن فضيل‏)‏ أي الأعمش أيضا بهذا الإسناد، وروايته موصولة في صحيح أبي عوانة الإسفرايني نحو ورواية أبي عوانة البصري، وقد وقع ذكر الستر أيضا في هذا الحديث من رواية أبي حمزة عند المصنف، ومن رواية زائدة عند الإسماعيلي، وسبقت مباحث الحديث في أول الغسل‏.‏

والله المستعان‏.‏

*3*باب إِذَا احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا احتلمت المرأة‏)‏ إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال، وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي، واستبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه، لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زينب بنت أبي سلمة‏)‏ تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر، وفيه زينب بنت أم سلمة فنسبت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها، وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، ورواه مسلم أيضا من رواية الزهري عن عروة لكن قال ‏"‏ عن عائشة‏"‏، وفيه أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة، ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام، وهو ظاهر صنيع البخاري، لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الروايتين، وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري لأن نافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة‏.‏

وأخرج مسلم أيضا رواية نافع‏.‏

وأخرج أيضا من حديث أنس قال ‏"‏ جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، وعائشة عنده ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏

وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لأم سلمة ‏"‏ فقالت أم سليم‏:‏ يا رسول الله‏"‏؛ فذكر الحديث وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها، وهذا يقوى رواية هشام، قال النووي في شرح مسلم‏:‏ يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم، وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد‏.‏

وقال في شرح المهذب‏:‏ يجمع بين الروايات بأن أنسا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة‏.‏

انتهى‏.‏

والذي يظهر أن أنسا لم يحضر القصة وإنما تلقى ذلك من أمه أم سليم، وفي صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك، وروى أحمد من حديث ابن عمر نحو هذه القصة، وإنما تلقى ذلك ابن عمر من أم سليم أو غيرها‏.‏

وقد سألت عن هذه المسالة أيضا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي آخره ‏"‏ كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل ‏"‏ وسهلة بنت سهيل عند الطبراني، وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله لا يستحيي من الحق‏)‏ قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحيي منه، والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي، إذ الحياء الشرعي خير كله‏.‏

وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغة‏:‏ تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق، أو لا يمنع من ذكر الحق‏.‏

وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا، لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله، قاله ابن دقيق العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل على المرأة من غسل‏)‏ ‏"‏ من ‏"‏ زائدة، وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏احتلمت‏)‏ الاحتلام افتعال من الحلم بضيم المهملة وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حلم بالفتح واحتلم، والمراد به هنا أمر خاص منه وهو الجماع‏.‏

وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت‏:‏ يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأت الماء‏)‏ أي المني بعد الاستيقاظ‏.‏

وفي رواية الحميدي عن سفيان عن هشام ‏"‏ إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل ‏"‏ وزاد ‏"‏ فقالت أم سلمة‏:‏ وهل تحتلم المرأة‏؟‏ ‏"‏ وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غير مالك فلم يذكرها، وقد تقدمت من رواية أبي معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم وفيه ‏"‏ أو تحتلم المرأة‏؟‏ ‏"‏ وهو معطوف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم‏؟‏ وفيه ‏"‏ فغطت أم سلمة وجهها ‏"‏ ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام ‏"‏ فضحكت أم سلمة‏"‏، ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبا وغطت وجهها حياء، ولمسلم من رواية وكيع عن هشام ‏"‏ فقالت لها‏:‏ يا أم سليم فضحت النساء ‏"‏ وكذا لأحمد من حديث أم سليم، وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن، وعكسه غيره، فقال‏:‏ فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن، والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع، أي فيهن قابلية ذلك‏.‏

وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، وقد قدمناه عن النخعي‏.‏

وكأن أم سليم لم تسمع حديث ‏"‏ الماء من الماء‏"‏، أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز الماء منها‏.‏

وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت ‏"‏ يا رسول الله وهل للمرأة ماء‏؟‏ فقال‏:‏ هن شقائق الرجال ‏"‏ وروى عبد الرزاق في هذه القصة ‏"‏ إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل‏"‏، وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ‏"‏ ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل ‏"‏ وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها، وحمل قوله ‏"‏ إذا رأت الماء ‏"‏ أي علمت به، لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إذا أراد به علمها بذلك وهي نائمة فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لم يجب عليه الغسل اتفاقا، فكذلك المرأة وإن أراد به علمها بذلك بعد أن استيقظت فلا يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم إن كان مشاهدا، فحمل الرؤية على ظاهرها هو الصواب وفيه استفتاء المرأة بنفسها، وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك‏.‏

وفيه جواز التبسم في التعجب، وسيأتي الكلام على قوله ‏"‏ فيم يشبهها ولدها ‏"‏ في بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب عَرَقِ الْجُنُبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس‏)‏ كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر‏.‏

وقال قوم إنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي، فتقدير الكلام بيان حكم عرق الجنب، وبيان أن المسلم لا ينحس، وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس، ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وحميد هو الطويل، وبكر هو ابن عبد الله المزني، وأبو رافع الصائغ وهو مدني سكن البصرة، ومن دونه في الإسناد بصريون أيضا، وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بعض طرق‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ طرق ‏"‏ ولأبي داود والنسائي ‏"‏ لقيته في طريق من طرق المدينة ‏"‏ وهي توافق رواية الأصيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو جنب‏)‏ يعني نفسه‏.‏

وفي رواية أبي داود ‏"‏ وأنا جنب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانخنست‏)‏ كذا للكشميهني والحموي وكريمة بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة‏.‏

وقال القزاز‏:‏ وقع في رواية ‏"‏ فانبخست ‏"‏ يعني بنون ثم موحدة ثم خاء معجمة ثم سين مهملة قال‏:‏ ولا وجه له، والصواب أن يقال ‏"‏ فانخنست ‏"‏ يعني كما تقدم، قال‏:‏ والمعنى مضيت عنه مستخفيا، ولذلك وصف الشيطان بالخناس، ويقويه الرواية الأخرى ‏"‏ فانسللت‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ وقعت هذه اللفظة ‏"‏ فانبخست ‏"‏ يعني كما تقدم قال‏:‏ ولابن السكن بالجيم، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون من قوله تعالى ‏(‏فانبجست منه اثنتا عشرة عينا‏)‏ أي جرت واندفعت، وهذه أيضا رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ووقع في رواية المستملي ‏"‏ فانتجست ‏"‏ بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم أي اعتقدت نفسي نجسا‏.‏

ووجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنها مأخوذة من البخس وهو النقص، أي اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت في رواية الترمذي مثل رواية ابن السكن وقال‏:‏ معنى انبخست منه تنحيت عنه، ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم، وأشبهها بالصواب الأولى ثم هذه‏.‏

وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة لا معنى للتشاغل بذكره، كانتجشت بشين معجمة من النجش، وبنون وحاء مهملة ثم موحدة ثم سين مهملة من الانحباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن المؤمن لا ينجس‏)‏ تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال‏:‏ إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى ‏(‏إنما المشركون نجس‏)‏ وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال‏.‏

وأغرب القرطبي في الجنائز من، شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي، وسيأتي الكلام على مسألة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة، واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبهم على أكمل الهيئات‏.‏

وكان سبب ذهاب أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له، هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة، فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه صلى الله عليه وسلم كعادته، فبادر إلى الاغتسال، وإنما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله ‏"‏ وأنا على غير طهارة‏"‏، وقوله ‏"‏سبحان الله ‏"‏ تعجب فن اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة، أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر‏؟‏ وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله ‏"‏ أين كنت‏؟‏ ‏"‏ فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه‏.‏

وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله‏.‏

وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، وبوب عليه ابن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس، واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجنابة، فكذلك ما تحلب منه‏.‏

وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل فقال‏:‏

*3*باب الْجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ

وَقَالَ عَطَاءٌ يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ

الشرح‏:‏

‏(‏باب الجنب يخرج ويمشي في السوق‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏وغيره‏)‏ بالجر أي وغير السوق، ويحتمل الرفع عطفا على يخرج من جهة المعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏)‏ كذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وزاد ‏"‏ ويطلي بالنورة ‏"‏ ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله ‏"‏ وغيره ‏"‏ بالرفع في الترجمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة، كذا لهم إلا الأصيلي فقال شعبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي‏)‏ وفي رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد تقدم الكلام على هذا الحديث برقم 268 في باب إذا جامع ثم عاد وإيراده له في هذا الباب يقوي رواية ‏"‏ وغيره ‏"‏ بالجر لأن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة فهو محتاج في الدخول في هذه إلى هذه إلى المشي، وعلى هذا فناسبة إيراد أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير غسل، وقد خالف عطاء غيره كما رواه أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا‏:‏ يستحب له الوضوء وحديث أنس يقوي اختيار عطاء لأنه لم يذكر فيه أنه توضأ فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ بياء تحتانية وشين معجمة هو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى والإسناد أيضا إلى أبي رافع بصريون، وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله قوله‏:‏ ‏(‏فانسللت‏)‏ أي ذهبت في خفية، والرحل بحاء مهملة ساكنة أي المكان الذي يأوى فيه، وقوله ‏"‏يا أبا هريرة ‏"‏ وقع في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ يا أبا هر ‏"‏ بالترخيم‏.‏

*3*باب كَيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كينونة الجنب في البيت‏)‏ أي استقراره فيه، وكينونة مصدر كان يكون كونا وكينونة، ولم يجيء على هذا إلا أحرف معدودة مثل ديمومة من دام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا توضأ‏)‏ زاد أبو الوقت وكريمة ‏"‏ قبل أن يغتسل ‏"‏ وسقط الجميع من رواية المستملي والحموي، قيل أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن على مرفوعا ‏"‏ إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب ‏"‏ رواه أبو داود وغيره، وفيه نجى بضم النون وفتح الجيم الحضرمي، ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول، لكن وثقه العجلي وصحح حديثه ابن حبان والحاكم، فيحتمل كما قال الخطابي أن المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله، قال‏:‏ ويقويه أن المراد بالكلب غير ما أذن في اتخاذه، وبالصورة ما فيه روح وما لا يمتهن، قال النووي‏:‏ وفي الكلب نظر‏.‏

انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في حديث على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه، وعلى هذا فلا يكون بينه وبين حديث الباب منافاة، لأنه إذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح كما سيأتي تصويره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، وشيبان هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير، وصرح بتحديث أبي سلمة له في رواية ابن أبي شيبة‏.‏

ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن ابن عمر أخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم ويتوضأ‏)‏ هو معطوف على ما سد لفظ ‏"‏ نعم ‏"‏ مسده أي يرقد ويتوضأ، والواو لا تقتضي الترتيب فالمعنى يتوضأ ثم يرقد، ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ ‏"‏ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة‏"‏، وهذا السياق أوضح في المراد‏.‏

وللمصنف مثله في الباب الذي بعد هذا من رواية عروة عن عائشة بزيادة ‏"‏ غسل الفرج ‏"‏ وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي نعيم شيخ البخاري في آخر حديث الباب ‏"‏ ويتوضأ وضوءه للصلاة ‏"‏ وللإسماعيلي من وجه آخر عن هشام نحوه، وفيه رد على من حمل الوضوء هنا على التنظيف‏.‏

*3*بَاب نَوْمِ الْجُنُبِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب سأل‏)‏ ظاهره أن ابن عمر حضر هذا السؤال، فيكون الحديث من مسنده وهو المشهور من رواية نافع، وروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ أخرجه النسائي، وعلى هذا فهو من مسند عمر، وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر، لكن ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن جواز رقاد الجنب في البيت يقتضي جواز استقراره فيه يقظان لعدم الفرق، أو لأن نومه يستلزم الجواز لحصول اليقظة بين وضوئه ونومه، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير‏.‏

ووقع في رواية كريمة قبل حديث ابن عمر ‏"‏ باب نوم الجنب ‏"‏ وهذه الترجمة زائدة للاستغناء عنها بباب الجنب يتوضأ ثم ينام، ويحتمل أن يكون ترجم على الإطلاق وعلى التقييد في تكون زائدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن‏)‏ هو أبو الأسود الذي يقال له يتيم عروة‏.‏

ونصف هذا الإسناد المبتدأ به بصريون ونصفه الأعلى مدنيون‏.‏

قوله ‏(‏وتوضأ للصلاة‏)‏ أي توضأ وضوءا كما للصلاة، وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جويرية‏)‏ بالجيم والراء مصغرا وهو اسم رجل، واسم أبيه أسماء بن عبيد، وقد سمع جويرية هذا من نافع مولى ابن عمر ومن مالك عن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ في رواية ابن عساكر ‏"‏ عن ابن عمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال نعم إذا توضأ‏)‏ ولمسلم من طريق ابن جريج عن نافع ‏"‏ ليتوضأ ثم لينم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن دينار‏)‏ هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق من رواة الموطأ، ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية ابن السكن عن نافع بدل عبد الله بن دينار، وكان كذلك عند الأصيلي إلا أنه ضرب على نافع وكتب فوقه ‏"‏ عبد الله بن دينار ‏"‏ قال أبو علي‏:‏ والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ الحديث لمالك عنهما جميعا، لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث نافع غريب‏.‏

انتهى‏.‏

وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة، وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ، فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ، نعم رواية الموطأ أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر عمر بن الخطاب‏)‏ مقتضاه أيضا أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة، ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر، وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق ابن عون عن نافع قال‏:‏ أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال ‏"‏ ليتوضأ ويرقد ‏"‏ وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب ‏"‏ أنه تصيبه ‏"‏ يعود على ابن عمر لا على عمر، وقوله في الجواب ‏"‏ توضأ ‏"‏ يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأنه‏)‏ كذا للمستملي والحموي وللباقين ‏"‏ أنه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ له ‏"‏ من رواية الأصيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توضأ واغسل ذكرك‏)‏ في رواية أبي نوح ‏"‏ اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم ‏"‏ وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال‏:‏ يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر، فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء، ويمكن أن يؤخذ عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط، وهو متمسك لمن قال بوجوبه‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وهو شذوذ‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال‏:‏ لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه‏.‏

وهو كما قال، لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب‏:‏ هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرا، وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبوب عليه أبو عوانة في صحيحه إيجاب الوضوء عن الجنب إذا أراد النوم، ثم استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ‏"‏ وقد تقدم ذكره في باب إذا جامع ثم عاد‏.‏

وقد قدح في هذا الاستدلال ابن رشد المالكي، وهو واضح‏.‏

ونقل الطحاوي عن أبي يوسف أنه ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره، وتعقب بأن الحفاظ قالوا إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه، أو أن معنى قوله لا يمس ماء أي للغسل، وأورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك، ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع، وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدم فيعتمد ويحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر‏.‏

وقال جمهور العلماء‏:‏ المراد بالوضوء هنا الشرعي، والحكمة فيه أنه يخفف الحدث، ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال ‏"‏ إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة ‏"‏ وقيل‏:‏ الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه‏.‏

وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم، ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ نص الشافعي رحمه الله على أن ذلك ليس على الحائض، لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب، لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك‏.‏

وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة، واستحباب التنظيف عند النوم، قال ابن الجوزي‏:‏ والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك، والله أعلم‏.‏