فصل: باب فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل فاتحة الكتاب‏)‏ ذكر فيه حديثين‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ

الشرح‏:‏

أحدهما حديث أبي سعيد بن المعلى في أنها أعظم سورة في القرآن، والمراد بالعظيم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول منها، وذلك لما اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك، وقد تقدم شرح ذلك مبسوطا في أول التفسير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ فَرَقَاهُ فَبَرَأَ فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي قَالَ لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ قُلْنَا لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهَذَا

الشرح‏:‏

ثانيهما حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتحة الكتاب، وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الإجارة، وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة‏.‏

قال القرطبي‏:‏ اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه، لاحتوائها على الثناء على الله والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه، وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين، إلى غير ذلك مما يقتضي أنها كلها موضع الرقية‏.‏

وذكر الروياني في البحر أن البسملة أفضل آيات القرآن وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث إلخ‏)‏ أراد بهذا التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد، فإنه في الإسناد الذي ساقه أولا بالعنعنة في الموضعين، وقد وصله الإسماعيلي من طريق، محمد بن يحيى الذهلي عن أبي معمر كذلك، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع عند القابسي عن أبي زيد السند إلى محمد بن سيرين ‏"‏ وحدثني معبد بن سيرين ‏"‏ بواو العطف قال والصواب حذفها‏.‏

*3*باب فَضْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل سورة البقرة‏)‏ أورد فيه حديثين‏:‏ الأول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ و حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه، وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة كذلك، وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر، أما الأولان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه عن شعبة عن الأعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن‏)‏ هو ابن يزيد النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي مسعود‏)‏ في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره ‏"‏ قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به ‏"‏ وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في ‏"‏ باب كم يقرأ من القرآن ‏"‏ وأخرجه في ‏"‏ باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا ‏"‏ من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود، فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه، كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة، وأبو مسعود هذا هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي، ووقع في رواية عبدوس بدله ‏"‏ ابن مسعود ‏"‏ وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد المروزي وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف، قال أبو علي الجياني‏:‏ الصواب ‏"‏ عن أبي مسعود ‏"‏ وهو عقبة بن عمرو‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الأعمش فقال فيه ‏"‏ عن عقبة بن عمرو‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ بالآيتين‏)‏ كذا اقتصر البخاري من المتن على هذا القدر، ثم حول السند إلى طريق منصور عن إبراهيم بالسند المذكور وأكمل المتن فقال ‏"‏ من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ‏"‏ وقد أخرجه أحمد عن حجاج ابن محمد عن شعبة فقال فيه ‏"‏ من سورة البقرة ‏"‏ لم يقل ‏"‏ آخر ‏"‏ فلعل هذا هو السر في تحويل السند ليسوقه على لفظ منصور‏.‏

على أنه وقع في رواية غندر عند أحمد بلفظ ‏"‏ من قرأ الآيتين الأخيرتين ‏"‏ فعلى هذا فيكون اللفظ الذي ساقه البخاري لفظ منصور، وليس بينه وبين لفظ الأعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من آخر سورة البقرة‏)‏ يعني من قوله تعالى ‏(‏آمن الرسول‏)‏ إلى آخر السورة، وآخر الآية الأولى ‏(‏المصير‏)‏ ومن ثم إلى آخر السورة آية واحدة، وأما ‏(‏ما اكتسبت‏)‏ فليست رأس آية باتفاق العادين‏.‏

وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في ‏"‏ ثواب القرآن ‏"‏ حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ ‏"‏ من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتا‏:‏ آمن الرسول إلى آخر السورة ‏"‏ ومن حديث النعمان بن بشير رفعه ‏"‏ إن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في آخره‏:‏ آمن الرسول ‏"‏ وأصله عند الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏

ولأبي عبيد في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد ‏"‏ فأقرءوهما وعلموهكا أبناءكم ونساءكم، فإنهما قرآن وصلاة ودعاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كفتاه‏)‏ أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا، وقيل معناه كفتاه كل سوء، وقيل كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال‏:‏ كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي، كذا نقل عنه جازما به، ولم يقل ذلك النووي وإنما قال ما نصه‏:‏ قيل معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الآفات، ويحتمل من الجميع‏.‏

هذا آخر كلامه‏.‏

وكأن سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ باب وصحفت فضل فصارت وقيل، واقتصر النووي في ‏"‏ الأذكار ‏"‏ على الأول والثالث نقلا ثم قال‏:‏ قلت ويجوز أن يراد الأولان انتهى‏.‏

وعلى هذا فأقول‏:‏ يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم‏.‏

والوجه الأول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه ‏"‏ من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة ‏"‏ ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه ‏"‏ إن الله كتب كتابا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال ‏"‏ أخرجه الحاكم وصححه، وفي حديث معاذ لما أمسك الجنى وآية ذلك ‏"‏ لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة ‏"‏ أخرجه الحاكم أيضا‏.‏

الحديث الثاني حديث أبي هريرة، تقدم شرحه في الوكالة، وقوله في آخره ‏"‏ صدقك وهو كذوب ‏"‏ هو من التتميم البليغ، لأنه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله صدقك استدرك نفي الصدق عنه بصيغة مبالغة، والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر، وهو كقولهم قد يصدق الكذوب، وقوله ‏"‏ذاك شيطان ‏"‏ كذا للأكثر، وتقدم في الوكالة أنه وقع هنا ‏"‏ ذاك الشيطان ‏"‏ واللام فيه للجنس أو العهد الذهني من الوارد أن لكل آدمي شيطانا وكل به، أو اللام بدل من الضمير كأنه قال‏:‏ ذاك شيطانك، أو المراد الشيطان المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث ‏"‏ ولا يقربك شيطان ‏"‏ وشرحه الطيبي على هذا فقال‏:‏ هو - أي قوله فلا يقربك شيطان - مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس‏.‏

وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إن ‏"‏ شيطانا تفلت على البارحة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية ‏"‏ وتقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام حيث قال ‏(‏وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي‏)‏ قال الله تعالى ‏(‏فسخرنا له الريح‏)‏ ثم قال ‏(‏والشياطين‏)‏ وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم، والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن، أو الشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم، وأما الذي تبدي لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان، والعلم عند الله تعالى

*3*باب فَضْلِ سُورَةِ الْكَهْفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الكهف‏)‏ في رواية أبي الوقت ‏"‏ فضل سورة الكهف ‏"‏ وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ في هذا والذي قبله والثلاثة بعده لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء‏)‏ في رواية الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق ‏"‏ سمعت البراء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل‏)‏ قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاثة أبواب، لكن فيه أنه كان يقرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد وقد وقع قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضا‏.‏

وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة تزهر بمصابيح؛ قال‏:‏ فلعله قرأ سورة البقرة‏.‏

فسئل قال‏:‏ قرأت سورة البقرة ‏"‏ ويحتمل أن يكون قرأ سورة البقرة وسورة الكهف جميعا أو من كل منهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشطنين‏)‏ جمع شطن بفتح المعجمة وهو الحبل، وقيل بشرط طوله، وكأنه كان شديد الصعوبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعل فرسه ينفر‏)‏ بنون وفاء ومهملة وقد وقع في رواية لمسلم ‏"‏ ينقز ‏"‏ بقاف وزاي، وخطأه عياض، فإن كان من حيث الرواية فذاك وإلا فمعناها هنا واضح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تلك السكينة‏)‏ بمهملة وزن عظيمة، وحكى ابن قرقول والصغاني فيها كسر أولها والتشديد بلفظ المرادف للمدية؛ وقد نسبه ابن قرقول للحربي وأنه حكاه عن بعض أهل اللغة‏.‏

وتقرر لفظ السكينة في القرآن والحديث، فروى الطبري وغيره عن علي قال‏:‏ هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، وقيل لها رأسان، وعن مجاهد لها رأس كرأس الهر وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وعن السدي‏:‏ السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الأنبياء، وعن أبي مالك قال‏:‏ هي التي ألقى فيها موسى الألواح والتوراة والعصا، وعن وهب بن منبه‏:‏ هي روح من الله، وعن الضحاك بن مزاحم قال‏:‏ هي الرحمة، وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري، وقيل هي الطمأنينة، وقيل الوقار، وقيل الملائكة ذكره الصغاني‏.‏

والذي يظهر أنها مقولة بالاشتراك على هذه المعاني، فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به، والذي يليق بحديث الباب هو الأول، وليس قول وهب ببعيد‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله سكينته عليه‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين‏)‏ فيحتمل الأول ويحتمل قول وهب والضحاك، فقد أخرج المصنف حديث الباب في تفسير سورة الفتح كذلك، وأما التي في قوله تعالى ‏(‏فيه سكينة من ربكم‏)‏ فيحتمل قول السدي وأبي مالك‏.‏

وقال النووي‏:‏ المختار أنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تنزلت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تنزل ‏"‏ بضم اللام بغير تاء والأصل تتنزل‏.‏

وفي رواية الترمذي ‏"‏ نزلت مع القرآن أو على القرآن‏"‏

*3*باب فَضْلِ سُورَةِ الْفَتْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل سورة الفتح‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ فضل سورة الفتح ‏"‏ بغير ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره‏)‏ تقدم في غزوة الفتح وفي التفسير أن هذا السياق صورته الإرسال وأن الإسماعيلي والبزار أخرجاه من طريق محمد بن خالد ابن عثمة عن مالك بصريح الاتصال ولفظه ‏"‏ عن أبيه عن عمر ‏"‏ ثم وجدته في التفسير من جامع الترمذي من هذا الوجه فقال ‏"‏ عن أبيه سمعت عمر ‏"‏ ثم قال ‏"‏ حديث حسن غريب ‏"‏ وقد رواه بعضهم عن مالك فأرسله فأشار إلى الطريق التي أخرجها البخاري وما وافقها، وقد بينت في المقدمة أن في أثناء السياق ما يدل على أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه ‏"‏ قال عمر فحركت بعيري إلخ ‏"‏ وتقدمت بقية شرحه في تفسير سورة الفتح

*3*باب فَضْلِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

فِيهِ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل قل هو الله أحد، فيه عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو طرف من حديث أوله ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد ‏"‏ الحديث وفي آخره ‏"‏ أخبروه أن الله يحبه ‏"‏ وسيأتي موصولا في أول كتاب التوحيد بتمامه، وتقدم في صفة ا لصلاة من وجه آخر عن أنس، وبينت هناك الاختلاف في تسميته، وذكرت فيه بعض فوائده، وأحلت ببقية شرحه على كتاب التوحيد وذهل الكرماني فقال‏:‏ قوله ‏"‏ فيه عمرة ‏"‏ أي روت عن عائشة حديثا في فضل سورة الإخلاص، ولما لم يكن على شرطه لم يذكره بنصه واكتفى بالإشارة إليه إجمالا‏.‏

كذا قال، وغفل عما في كتاب التوحيد والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَزَادَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة‏)‏ هذا هو المحفوظ، وكذا هو في الموطأ، ورواه أبو صفوان الأموي عن مالك فقال ‏"‏ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه ‏"‏ أخرجه الدار قطني، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن أبيه، ومعن من طريق يحيى القطان، ثلاثتهم عن مالك‏.‏

وقال بعده ‏"‏ إن الصواب عبد الرحمن بن عبد الله، كما في الأصل، وكذا قال الدار قطني، وأخرجه النسائي أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر عن مالك كذلك وقال بعده ‏"‏ الصواب عبد الرحمن ابن عبد الله ‏"‏ وقد تقدم مثل هذا الاختلاف في حديث آخر عن مالك كتاب الأذان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها‏)‏ القارئ هو قتادة بن النعمان، أخرج أحمد من طريق أبي الهيثم عن أبي سعيد قال ‏"‏ بات قتادة بن النعمان يقرأ من الليل كله قل هو الله أحد لا يزيد عليها ‏"‏ الحديث، والذي سمعه لعله أبو سعيد راوي ما الحديث لأنه أخوه لأمه وكانا متجاورين وبذلك جزم ابن عبد البر، فكأنه أبهم نفسه وأخاه، وقد أخرج الدار قطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ إن لي جارا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقرأ قل هو الله أحد‏)‏ في رواية محمد بن جهضم ‏"‏ يقرأ قل هو الله أحد كلها يرددها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان الرجل‏)‏ أي السائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتقالها‏)‏ بتشديد اللام وأصله يتقاللها أي يعتقد أنها قليلة‏.‏

وفي رواية ابن الطباع المذكورة ‏"‏ كأنه يقللها ‏"‏ وفي رواية يحيى القطان عن مالك ‏"‏ فكأنه استقلها ‏"‏ والمراد استقلال العمل لا التنقيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أبو معمر‏)‏ قال الدمياطي‏:‏ هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري، وخالفه المزي تبعا لابن عساكر فجزما بأنه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وهو الصواب، وإن كان كل من المنقري والهذلي يكنى أبا معمر وكلاهما من شيوخ البخاري، لكن هذا الحديث إنما يعرف بالهذلي، بل لا نعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئا، وقد وصله ا لنسائي والإسماعيلي من طرق عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك‏)‏ هو من رواية الأقران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أخي قتادة بن النعمان‏)‏ هو أخوه لأمه، أمهما أنيسة بنت عمرو بن قيس بن مالك من بني النجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصبحنا أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه‏)‏ يعني نحو الحديث الذي قبله، ولفظه عند الإسماعيلي ‏"‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إن فلانا قام الليلة يقرأ من السحر قل هو الله أحد فساق السورة يرددها لا يزيد عليها وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنها لتعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ الْمَشْرِقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إبراهيم‏)‏ هو النخعي والضحاك المشرقي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد ابن جشم بن حاشد بطن من همدان، قيده العسكري وقال‏:‏ من فتح الميم فقد صحف، كأنه يشير إلى قول ابن أبي حاتم مشرق موضع، وقد ضبطه بفتح الميم وكسر الراء الدار قطني وابن ماكولا وتبعهما ابن السمعاني في موضع، ثم غفل فذكره بكسر الميم كما قال العسكري لكن جعل قافه فاء، وتعقبه ابن الأثير فأصاب‏.‏

والضحاك المذكور هو ابن شراحبيل ويقال شراحبيل، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الأدب قرنه فيه بأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي سعيد الخدري، وحكى البزار أن بعضهم زعم أنه الضحاك ابن مزاحم وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيعجز أحدكم‏)‏ بكسر الجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة‏)‏ لعل هذه قصة أخرى غير قصة قتادة بن النعمان‏.‏

وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث أبي مسعود الأنصاري مثل حديث أبي سعيد بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن‏)‏ عند الإسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمش ‏"‏ فقال‏:‏ يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن ‏"‏ فكأن رواية الباب بالمعنى‏.‏

وقد وقع في حديث أبي مسعود المذكور نظير ذلك، ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين، أو يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك، فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ ‏"‏ الله أحد الله الصمد ‏"‏ بغير ‏"‏ قل ‏"‏ في أولها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الفربري‏.‏

سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله يقول قال أبو عبد الله‏:‏ عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك المشرقي مسند‏)‏ ثبت هذا عند أبي ذر عن شيوخه، والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة ورواية الضحاك عنه متصلة، وأبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف، وكأن الفربري ما سمع هذا الكلام منه فحمله عن أبي جعفر عنه، وأبو جعفر كان يورق للبخاري أي ينسخ له وكان من الملازمين له والعارفين به والمكثرين عنه، وقد ذكر الفربري عنه في الحج والمظالم والاعتصام وغيرها فوائد عن البخاري ويؤخذ من هذا الكلام أن البخاري كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل وعلى المتصل لفظ المسند، والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يكون ظاهر الإسناد إليه الاتصال، وهذا الثاني لا ينافي ما أطلقه المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلث القرآن‏)‏ حمله بعض العلماء على ظاهره فقال‏:‏ هي ثلث باعتبار معاني القرآن، لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار، ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال ‏"‏ جزء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء‏:‏ فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن ‏"‏ وقال القرطبي‏:‏ اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أصناف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد الصمد، لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال، وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا ا ه‏.‏

وقال غيره‏:‏ تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال المعنى، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير، وهذه مجمع التوحيد الاعتقادي، ولذلك عادلت ثلث القرآن لأن القرآن خبر وإنشاء، والإنشاء أمر ونهي وإباحة، والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص الخبر وعن الله وخلصت قارئها من الشرك الاعتقادي‏.‏

ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال‏:‏ معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف، وهي دعوى بغير دليل، ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير وقال فيه ‏"‏ قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ‏"‏ ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ احشدوا، فسأقرأ عليكم ثلث القرآن‏.‏

فخرج فقرأ قل هو الله أحد، ثم قال‏:‏ ألا إنها تعدل ثلث القرآن ‏"‏ ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب ‏"‏ من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن، وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه‏؟‏ فيه نظر، ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة‏.‏

وقيل‏:‏ المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن‏.‏

وادعى بعضهم أن قوله ‏"‏ تعدل ثلث القرآن ‏"‏ يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد، قال القابسي‏:‏ ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل عمله، فقال له الشارع ذلك ترغيبا له في عمل الخير وإن قل‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي‏.‏

وفي الحديث إثبات فضل قل هو الله أحد‏.‏

وقد قال بعض العلماء‏:‏ إنها تضاهي كلمة التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل، ومعنى النفي فيها أنه الخالق الرزاق المعبود، لأنه ليس فوقه من يمنعه كالوالد، ولا من يساويه في ذلك كالكفء، ولا من يعينه على ذلك كالولد‏.‏

وفيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه، واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم، لأن المتبادر من إطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلا، وقد ظهر أن ذلك غير مراد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج الترمذي والحاكم وأبو الشيخ من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، والكافرون تعدل ربع القرآن ‏"‏ وأخرج الترمذي أيضا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ من طريق سلمة بن وردان عن أنس ‏"‏ أن الكافرون والنصر تعدل كل منهما ربع القرآن‏.‏

وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن ‏"‏ زاد ابن أبي شيبة وأبو الشيخ ‏"‏ وآية الكرسي تعدل ربع القرآن ‏"‏ وهو حديث ضعيف لضعف سلمة وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال، وكذا صحح الحاكم حديث ابن عباس وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم

*3*باب فَضْلِ الْمُعَوِّذَاتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فصل المعوذات‏)‏ أي الإخلاص والفلق والناس، وقد كنت جوزت في ‏"‏ باب الوفاة النبوية ‏"‏ من كتاب المغازي أن الجمع فيه بناء على أن أقل الجمع اثنان، ثم ظهر من حديث هذا الباب أنه على الظاهر، وأن المراد بأنه كان يقرأ بالمعوذات أي السور الثلاث، وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبا لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ‏.‏

وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال ‏"‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس تعوذ بهن، فإنه لم يتعوذ بمثلهن، اقرأ المعوذات دبر كل صلاة ‏"‏ فذكرهن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات‏)‏ الحديث تقدم في الوفاة النبوية من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس عن ابن شهاب، وأحلت بشرحه على كتاب الطب، ورواية عقيل عن ابن شهاب في هذا الباب وإن اتحد سندها بالذي قبله من ابن شهاب فصاعدا لكن فيها أنه كان يقرأ المعوذات عند النوم، فهي مغايرة لحديث مالك المذكور، فالذي يترجح أنهما حديثان عند ابن شهاب بسند واحد عند بعض الرواة عنه ما ليس عند بعض، فأما مالك ومعمر ويونس وزياد بن سعد عند مسلم فلم تختلف الرواة عنهم في أن ذلك كان عند الوجع، ومنهم من قيده بمرض، الموت، ومنهم من زاد فيه فعل عائشة، ولم يفسر أحد منهم المعوذات، وأما عقيل فلم تختلف الرواة عنه في ذلك عند النوم‏.‏

ووقع في رواية يونس من طريق سليمان بن بلال عنه أنه فعل عائشة كان بأمره صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في كتاب الطب، وقد جعلهمـا أبو مسعود حديثا واحدا، وتعقبه أبو العباس الطرقي، وفرق بينهما خلف، وتبعه المزي والله أعلم‏.‏

وسيأتي شرحه في كتاب الطب إن شاء الله تعالى

*3*باب نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلَائِكَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ وَسَكَتَتْ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ وَتَدْرِي مَا ذَاكَ قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ الْهَادِ وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن‏)‏ كذا جمع بين السكينة والملائكة، ولم يقع في حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة، فلعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة، ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة، لكن ابن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائكة كانت فيها ومعها السكينة‏.‏

قال ابن بطال قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدا مع الملائكة، وقد تقدم بيان الخلاف في السكينة ما هي وما قال النوي في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث إلخ‏)‏ وصله أبو عبيد في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين جميعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يزيد بن الهاد‏)‏ هو ابن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن إبراهيم‏)‏ هو التيمي وهو من صغار التابعين، ولم يدرك أسيد بن حضير فروايته عنه منقطعة، لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني، قال الإسماعيلي‏:‏ محمد بن إبراهيم عن أسيد ابن حضير مرسل، وعبد الله بن خباب عن أبي سعيد متصل‏.‏

تم ساقه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن الهاد بالإسنادين جميعا وقال‏:‏ هذه الطريق على شرط البخاري‏.‏

قلت‏:‏ وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد عن ابن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني فقط، وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني لكن وقع في روايته ‏"‏ عن أبي سعيد عن أسيد ابن حضير ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير قال ‏"‏ لكن في سياقه ما يدل على أن أبا سعيد إنما حمله عن أسيد فإنه قال في أثنائه ‏"‏ قال أسيد‏:‏ فخشيت أن يطأ يحيى‏.‏

فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فالحديث من مسند أسيد بن حضير، وليحيى بن بكير فيه عن الليث إسناد آخر أخرجه أبو عبيد أيضا من هذا الوجه فقال ‏"‏ عن ابن شهاب عن أبي بن كعب بن مالك عن أسيد بن حضير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة‏)‏ رواية ابن أبي ليلى عن أسيد بن حضير ‏"‏ بينما أنا أقرأ سورة، فلما انتهيت إلى آخرها ‏"‏ أخرجه أبو عبيد، ويستفاد منه أنه ختم السورة التي ابتدأ بها‏.‏

ووقع في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة ‏"‏ بينما هو يقرأ في مربده ‏"‏ أي المكان الذي فيه التمر‏.‏

وفي رواية أبي بن كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده، وفي حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشي أن تطأه، وهذا كله مخالف لكونه كان حينئذ على ظهر البيت، إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ جالت الفرس فسكت فسكنت‏)‏ في رواية إبراهيم بن سعد أن ذلك تكرر ثلاث مرار وهو يقرأ‏.‏

وفي رواية ابن أبي ليلى ‏"‏ سمعت رجة من خلفي حتى ظننت أن فرسي تنطلق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما اجتره‏)‏ بجيم ومثناه وراء ثقيلة والضمير لولده أي اجتر ولده من المكان الذي هو فيه حتى لا تطأه الفرس، ووقع في رواية القابسي ‏"‏ أخره ‏"‏ بمعجمة ثقيلة وراء خفيفة أي عن الموضع الذي كان به خشية عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها‏)‏ كذا فيه باختصار، وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه ‏"‏ رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج، فعرجت في الجو حتى ما أراها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقرأ يا ابن حضير‏)‏ أي كان ينبغي أن تستمر على قراءتك، وليس أمرا له بالقراءة في حالة التحديث، وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر عنده لما رأى ما رأى، فكأنه يقول‏:‏ استمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك، وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذره في قطع القراءة، وهو قوله ‏"‏ خفت أن تطأ يحيى ‏"‏ أي خشيت إن استمريت على القراءة أن تطأ الفرس ولدى، ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته لأنه كان يمكنه أول، ما جالت الفرس أن يرفع رأسه، وكأنه كان بلغه حديث النهي عن رفع المصلي رأسه إلى السماء فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب، ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته فلهذا تمادى به الحال ثلاث مرات‏.‏

ووقع في رواية ابن أبي ليلى المذكورة ‏"‏ اقرأ أباعتيك ‏"‏ وهي كنية أسيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دنت لصوتك‏)‏ في رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ تستمع لك ‏"‏ وفي رواية ابن كعب المذكورة ‏"‏ وكان أسيد حسن الصوت ‏"‏ وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي أيضا ‏"‏ اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود ‏"‏ وفي هذه الزيادة إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولو قرأت‏)‏ في رواية ابن أبي ليلى ‏"‏ أما إنك لو مضيت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يتوارى منهم‏)‏ في رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ ما تستتر منهم ‏"‏ وفي رواية ابن أبي ليلى ‏"‏ لرأيت الأعاجيب ‏"‏ قال النووي‏:‏ في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة، كذا أطلق، وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلا والحسن الصوت، قال‏:‏ وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة‏.‏

قلت‏:‏ الحكم المذكور أعم من الدليل، فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة، ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر، وإلا لو كان الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ‏.‏

وقد أشار في آخر الحديث بقوله ‏"‏ ما يتوارى منهم ‏"‏ إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم، وفيه منقبة لأسيد بن حضير، وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل، وفضل الخشوع في الصلاة، وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح