فصل: تفسير الآيات (65- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (65- 72):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
قوله: {وإلى عاد أخاهم هوداً} أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم أي واحداً من قبيلتهم أو صاحبهم، أو سماه أخاً لكونه ابن آدم مثلهم. وعاد من هو ولد سام بن نوح. قيل هو عاد بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عوص بن إرم بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. و{هوداً} عطف بيان {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. قد تقدّم تفسير هذا قريبا. والاستفهام في {أفلا تتقون} للإنكار.
وقد تقدّم أيضاً تفسير الملأ، والسفاهة الخفة والحمق، وقد تقدّم بيان ذلك في البقرة. نسبوه إلى الخفة والطيش ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا: {إنا لنظنك من الكاذبين} مؤكدين لظنهم كذبه فيما ادعاه من الرسالة، ثم أجاب عليهم بنفي السفاهة عنه. واستدرك من ذلك بأنه رسول ربّ العالمين، وقد تقدّم بيان معنى هذا قريباً، وكذلك سبق تفسير {أبلغكم رسالات ربي} وتقدّم معنى الناصح. والأمين المعروف بالأمانة. وسبق أيضاً تفسير {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم} في قصة نوح التي قبل هذه القصة.
قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} أذكرهم نعمة من نعم الله عليهم، وهي أنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح أي، جعلهم سكان الأرض التي كانوا فيها، أو جعلهم ملوكاً. و{إذ} منصوب ب {اذكر} وجعل الذكر للوقت. والمراد ما كان فيه من الاستخلاف على الأرض لقصد المبالغة، لأن الشيء إذا كان وقته مستحقاً للذكر، فهو مستحق له بالأولى {وزادكم في الخلق بسطة} أي طولاً في الخلق وعظم جسم، زيادة على ما كان عليه آباؤهم في الأبدان.
وقد ورد عن السلف حكايات عن عظم أجرام قوم عاد.
قوله: {فاذكروا آلاء الله} الآلاء: جمع إِلَى ومن جملتها نعمة الاستخلاف في الأرض، والبسطة في الخلق وغير ذلك مما أنعم به عليهم، وكرر التذكير لزيادة التقرير، والآلاء النعم {لعلكم تفلحون} إن تذكرتم ذلك، لأن الذكر للنعمة سبب باعث على شكرها، ومن شكر فقد أفلح.
قوله: {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده} هذا استنكار منهم لدعائه إلى عبادة الله وحده، دون معبوداتهم التي جعلوها شركاء لله، وإنما كان هذا مستنكراً عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه. {ونذر ما كان يعبد آباؤنا} أي نترك الذي كانوا يعبدونه، وهذا داخل في جملة ما استنكروه.
قوله: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} هذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به، لشدّة تمرّدهم على الله، ونكوصهم عن طريق الحق، وبعدهم عن اتباع الصواب، فأجابهم بقوله: {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب} جعل ما هو متوقع كالواقع، تنبيهاً على تحقق وقوعه، كما ذكره أئمة المعاني والبيان.
وقيل معنى وقع: وجب. والرجس: العذاب. وقيل: هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر. ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: {أتجادلونني في أسماء} يعني أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها، جعلها أسماء، لأن مسمياتها لا حقيقة لها، بل تسميتها بالآلهة باطلة، فكأنها معدومة لم توجد، بل الموجود أسماؤها فقط {سميتموها أنتم وآباؤكم} أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم، ولا حقيقة لذلك. {وما نزل الله بها من سلطان} أي من حجة تحتجون بها على ما تدّعونه لها من الدعاوي الباطلة، ثم توعدهم بأشد وعيد فقال: {فانتظروا إني معكم من المنتظرين} أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب، فإني معكم من المنتظرين له، وهو واقع بكم لا محالة، ونازل عليكم بلا شك. ثم أخبر الله سبحانه أنه نجى هوداً ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به، ولم تقبل رسالته، وأنه قطع دابر القوم المكذبين، أي استأصلهم جميعاً.
وقد تقدّم تحقيق معناه، وجملة: {وما كانوا مؤمنين} معطوفة على {كذبوا} أي استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذبين بآياتنا وعدم الإيمان.
وقد أخرج ابن المنذر، عن ابن عباس، في قوله: {وإلى عاد أخاهم هوداً} قال: ليس بأخيهم في الدين، ولكنه أخوهم في النسب؛ لأنه منهم، فلذلك جعل أخاهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع بن خيثم قال: كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذرّ.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان الرجل من عاد ستين ذراعاً بذراعهم، وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة، وكان عين الرجل لتفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً طولاً.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن ابن عباس قال: كان الرجل منهم ثمانين باعاً، وكانت البرّة فيهم ككلية البقرة، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه {وزادكم في الخلق بسطة} قال شدة.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة، قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة، لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {آلاء الله} قال: نعم الله، وفي قوله: {رجس} قال: سخط.
وأخرج ابن عساكر قال: لما أرسل الله الريح على عاد، اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الأنفس، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض، وتدمغه بالحجارة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن زيد، في قوله: {وقطعنا دابر الذين كذبوا} قال: استأصلناهم.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن عساكر، عن عليّ بن أبي طالب، قال: قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة.
وأخرج ابن عساكر، عن عثمان بن أبي العاتكة، قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي هريرة، قال: كان عمر هود أربعمائة سنة واثنتين وسبعين سنة.

.تفسير الآيات (73- 79):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}
قوله: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} معطوف على ما تقدّم، أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم، وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وصالح عطف بيان، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود، وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسماً للقبيلة.
وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه أعجميّ. قال النحاس: وهو غلط لأنه من الثمد، وهو الماء القليل، وقد قرأ القراء {أَلا إِنَ ثموداً كفروا ربهم} [هود: 68] على أنه اسم للحيّ، وكانت مساكن ثمود الحجر، بين الحجاز والشام إلى وادي القرى.
قوله: {قَالَ يَاقَوْم اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} قد تقدّم تفسيره في قصة نوح. {قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ} أي معجزة ظاهرة، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد. وجملة {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} مشتملة على بيان البينة المذكورة، وانتصاب {آية} على الحال. والعامل فيها معنى الإشارة، وفي إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم.
قوله: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} أي دعوها تأكل في أرض الله، فهي ناقة الله، والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم، ولا تملكونه، {وَلاَ تَمَسُّوهَا} بشيء من السوء، أي لا تتعرّضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوءها. قوله: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} هو جواب النهي، أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم: أي شديد الألم.
قوله: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ} أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم ملوكاً فيها، كما تقدّم في قصة هود. {وَبَوَّأَكُمْ في الأرض} أي جعل لكم فيها مباءة، وهي المنزل الذي تسكنونه {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} أي: تتخذون من سهولة الأرض قصوراً، أو هذه الجملة مبينة لجملة: {وبوّأكم في الأرض} وسهول الأرض ترابها، يتخذون منه اللبن والآجر، ونحو ذلك، فيبنون به القصور. {وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتًا} أي تتخذون في الجبال التي هي صخور بيوتاً تسكنون فيها، وقد كانوا لقوّتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها، كهوفاً يسكنون فيها، لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم. وانتصاب {بيوتاً} على أنها حال مقدّرة، أو على أنها مفعول ثان ل {تنحتون} على تضمينه معنى {تتخذون}. قوله: {فاذكروا ءالآء الله} تقدّم تفسيره في القصة التي قبل هذه.
قوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض مُفْسِدِينَ} العثي والعثو لغتان، وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما يغني عن الإعادة. {قَالَ الملا الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} أي قال الرؤساء المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين، الذين استضعفهم المستكبرون، و{لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} بدل من الذين {استضعفوا} بإعادة حرف الجر، بدل البعض من الكل، لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن، هذا على عود ضمير {منهم} إلى الذين استضعفوا، فإن عاد إلى قومه كان بدل كل من المستضعفين، ومقول القول: {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ} قالوا هذا على طريق الاستهزاء والسخرية.
قوله: {قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أجابوهم بأنهم مؤمنون برسالته، مع كون سؤال المستكبرين لهم إنما هو عن العلم منهم هل تعلمون برسالته أم لا؟ مسارعة إلى إظهار ما لهم من الإيمان، وتنبيهاً على أن كونه مرسلاً أمر واضح مكشوف، لا يحتاج إلى السؤال عنه، فأجابوا تمرداً وعناداً بقولهم: {إِنَّا بالذى آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} وهذه الجمل المعنوية، يقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدّرة كما سبق بيانه.
قوله: {فَعَقَرُواْ الناقة} العقر: الجرح. وقيل: قطع عضو يؤثر في تلف النفس. يقال عقرت الفرس: إذا ضربت قوائمه بالسيف. وقيل أصل العقر: كسر عرقوب البعير، ثم قيل للنحر عقر، لأن العقر سبب النحر في الغالب، وأسند العقر إلى الجميع، مع كون العاقر واحداً منهم، لأنهم راضون بذلك موافقون عليه.
وقد اختلف في عاقر الناقة ما كان اسمه؟ فقيل قدار بن سالف، وقيل غير ذلك {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي استكبروا، يقال عتا يعتو عتوّاً: استكبر، وتعتي فلان: إذا لم يطع، والليل العاتي: الشديد الظلمة {وَقَالُواْ ياصَالِح ائتنا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} هذا استعجال منهم للنقمة، وطلب منهم لنزول العذاب، وحلول البلية بهم. {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلة. يقال رجف الشيء يرجف رجفاناً، وأصله حركة مع صوت، ومنه: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} [النازعات: 6]. وقيل: كانت صيحة شديدة، خلعت قلوبهم {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي: بلدهم {جاثمين} لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم، كما يجثم الطائر. وأصل الجثوم للأرنب وشبهها. وقيل للناس والطير، والمراد أنهم أصبحوا في دورهم ميتين لا حراك بهم {فتولى عَنْهُمْ} صالح عند اليأس من إجابتهم {وَقَالَ} لهم هذه المقالة {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} ويحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية لحالهم الماضية. كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم من التكليم لأهل قليب بدر بعد موتهم، أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم، وكأنه كان مشاهداً لذلك، فنحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب، ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهداً في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح، لكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه، فحق عليهم العذاب، ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي الطفيل قال: قالت ثمود لصالح: {ائتنا بآية إن كنت من الصادقين} [الشعراء: 154]، قال: اخرجوا، فخرجوا إلى هضبة من الأرض، فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل، ثم إنها انفرجت، فخرجت الناقة من وسطها، فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية} [هود: 64]، فلما ملوها عقروها: {فَقَالَ تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} [هود: 65].
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة: أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام، ثم قال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غداً مصفرّة، وتصبح اليوم الثاني محمرّة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودّة. فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك، فتكفنوا وتحنطوا. ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم.
وقال عاقر الناقة: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين، فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين؟ فتقول نعم، والصبيّ حتى رضوا أجمعون، فعقرها.
وأخرج أحمد، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب فقال: «يا أيها الناس، لا تسألوا نبيكم عن الآيات، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفجّ، فتشرب ماءهم يوم وردها، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها. فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام، وكان وعد من الله غير مكذوب، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها، إلا رجلاً كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله»، فقيل يا رسول الله من هو؟ فقال: «أبو رغال. فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» قال ابن كثير: هذا الحديث على شرط مسلم.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، من حديث أبي الطفيل مرفوعاً مثله.
وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم»، وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه. وفي لفظ لأحمد من هذا الحديث قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود.
وأخرج أحمد، وابن المنذر، نحوه مرفوعاً من حديث أبي كبشة الأنماري.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج، في قوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} قال: لا تعقروها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، في قوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} قال: كانوا ينقبون في الجبال البيوت.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} قال: غلوا في الباطل {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} قال: الصيحة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن زيد {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} قال: ميتين.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة مثله.