فصل: تفسير الآيات (137- 141):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (137- 141):

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم} يعني: بني إسرائيل {الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} أي يذلون ويمتهون بالخدمة لفرعون وقومه {مشارق الأرض ومغاربها} منصوبان بأورثنا.
وقال الكسائي والفراء: إن الأصل في مشارق الأرض ومغاربها، جهات مغربها، ثم حذفت في فنصبا. والأوّل أظهر، لأنه يقال أورثته المال. والأرض هي مصر والشام، ومشارقها جهات مشرقها. ومغاربها، وهي التي كانت لفرعون وقومه من القبط. وقيل: المراد جميع الأرض؛ لأن داود وسليمان من بني إسرائيل، وقد ملكا الأرض. قوله: {التى بَارَكْنَا فِيهَا} صفة للمشارق والمغارب. وقيل: صفة الأرض. والمباركة فيها إخراج الزرع والثمار منها على أتمّ ما يكون، وأنفع ما يتفق.
قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى} أي مضت واستمرت على التمام، والكلمة هي: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} [القصص: 5]، وهذا وعد من الله سبحانه بالنصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم. و{الحسنى} صفة للكلمة. وهي تأنيث الأحسن. وتمام هذه الكلمة {على بَنِى إسراءيل} بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه.
قوله: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} التدمير الإهلاك، أي أهلكنا بالخراب ما كانوا يصنعونه من العمارات {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} قرأ ابن عامر، وأبو بكر، عن عاصم {يعرشُون} بضم الراء. قال الكسائي: هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {يُعَرّشون} بتشديد الراء وضم حرف المضارعة. وقرأ الباقون بكسر الراء مخففة، أي ما كانوا يعرشونه من الجنات، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات وَغَيْرَ معروشات} [الأنعام: 141] وقيل: معنى يعرشون يبنون، يقال عرش يعرش أي بنى يبني.
قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر} هذا شروع في بيان ما فعله بنو إسرائيل بعد الفراغ مما فعله فرعون وقومه. ومعنى جاوزنا ببني إسرائيل البحر: جزناه بهم وقطعناه. وقرئ: {جوزنا} بالتشديد، وهو بمعنى قراءة الجمهور {فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} قرأ حمزة والكسائي {يعكفون} بكسر الكاف، وقرأ الباقون بضمها. يقال عكف يعكف، ويعكف بمعنى أقام على الشيء ولزمه، والمصدر منها عكوف. قيل: هؤلاء القوم الذين آتاهم بنو إسرائيل هم من لخم كانوا نازلين بالرقة، كانت أصنامهم تماثيل بقر. وقيل: كانوا من الكنعانيين {قَالُواْ} أي بنو إسرائيل عند مشاهدتهم لتلك التماثيل {ياموسى اجعل لَّنَا إلها} أي صنماً نعبده كائناً كالذي لهؤلاء القوم، فالكاف متعلق بمحذوف وقع صفة ل {إلهاً} فأجاب عليهم موسى، و{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وصفهم بالجهل، لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله. ولكن هؤلاء القوم، أعني بني إسرائيل، أشد خلق الله عناداً وجهلاً وتلوّناً.
وقد سلف في سورة البقرة بيان ما جرى منهم من ذلك. ثم قال لهم موسى {إِنَّ هَؤُلآء} يعني القوم العاكفين على الأصنام {مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} التبار: الهلاك. وكل إناء منكسر فهو متبر، أي أن هؤلاء هالك ما هم فيه مدمّر مكسر. والذي هم فيه هو: عبادة الأصنام. أخبرهم بأن هذا الدين الذي هؤلاء القوم عليه هالك مدمّر لا يتمّ منه شيء.
قوله: {وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ذاهب مضمحل جميع ما كانوا يعملونه من الأعمال مع عبادتهم للأصنام. قال في الكشاف: وفي إيقاع {هؤلاء} اسماً لإن، وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً لها، وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار، وأنه لا يعدوهم ألبتة، وأنه لهم ضربة لازب، ليحذرهم عاقبة ما طلبوا، ويبغض إليهم ما أحبوا. قوله: {أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إلها} الاستفهام للإنكار والتوبيخ، أي كيف أطلب لكم غير الله إلها تعبدونه، وقد شاهدتم من آياته العظام ما يكفي البعض منه؟ والمعنى: أن هذا الذي طلبتم لا يكون أبداً. وإدخال الهمزة على {غير} للإشعار بأن المنكر هو كون المبتغى غيره سبحانه إلها، و{غير} مفعول للفعل الذي بعده. و{إلها} تمييز أو حال. وجملة: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} في محل نصب على الحال، أي: والحال أنه فضلكم على العالمين من أهل عصركم بما أنعم به عليكم من إهلاك عدوكم، واستخلافكم في الأرض، وإخراجكم من الذلّ والهوان إلى العزّ والرفعة، فكيف تقابلون هذه النعم بطلب عبادة غيره؟
قوله: {وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ} أي: واذكروا وقت إنجائنا لكم من آل فرعون، بعد أن كانوا مالكين لكم، يستعبدونكم فيما يريدونه منكم، ويمتهنونكم بأنواع الامتهانات. هذا على أن هذا الكلام محكيّ عن موسى. وأما إذا كان في حكم الخطاب لليهود الموجودين في عصر محمد، فهو بمعنى: اذكروا إذ أنجينا أسلافكم من آل فرعون. وجملة: {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} في محل نصب على الحال، أي أنجيناكم من آل فرعون حال كونهم {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب}. ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما كانوا فيه مما أنجاهم منه. وجملة: {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} مفسرة للجملة التي قبلها، أو بدل منها، وقد سبق بيان ذلك. والإشارة بقوله: {وَفِى ذلكم} إلى العذاب: أي في هذا العذاب، الذي كنتم فيه {بَلاء} عليكم {مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} وقيل: الإشارة إلى الإنجاء، والبلاء النعمة، والأوّل أولى.
وقد أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الحسن في قوله: {مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا} قال: الشام.
وأخرج هؤلاء عن قتادة مثله.
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، عن عبد الله بن شوذب، قال: هي فلسطين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الشام أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى} قال: ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم منها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} قال: يبنون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} قال: لخم وجذام.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي عمران الجوني مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جريج، في الآية قال: تماثيل بقر من نحاس، فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر. فذلك كان أوّل شأن العجل ليكون لله عليهم الحجة، فينتقم منهم بعد ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة، فقلت: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم».
وأخرج نحوه ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جدّه مرفوعاً، وكثير ضعيف جدّاً.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {مُتَبَّرٌ} قال: خسران.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، قال: هلاك.

.تفسير الآية رقم (142):

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
هذا من جملة ما كرّم الله به موسى عليه السلام وشرفه. والثلاثين هي ذو القعدة، والعشر هي عشر ذي الحجة ضرب الله هذه المدّة موعداً لمناجاة موسى ومكالمته. قيل: وكان التكليم في يوم النحر. والفائدة في {فَتَمَّ ميقات رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} مع العلم بأن الثلاثين والعشر أربعون ليلاً يتوهم وأن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها، فبين أن العشر غير الثلاثين، و{أربعين ليلة} منصوب على الحال، أي فتمّ حال كونه بالغاً أربعين ليلة.
قوله: {وَقَالَ موسى لأخِيهِ هارون اخلفنى في قومي} أي: كن خليفتي فيهم. قال موسى هذا لما أراد المضيّ إلى المناجاة {وَأَصْلِح} أمر بني إسرائيل بحسن سياستهم، والرفق بهم، وتفقد أحوالهم {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} أي: لا تسلك سبيل العاصين، ولا تكن عوناً للظالمين.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، من طرق، عن ابن عباس، في قوله: {وواعدنا موسى} الآية، قال: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن مجاهد مثله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في الآية، قال: إن موسى قال لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه، وأخلف هارون فيكم، فلما فصل موسى إلى ربه، زاده الله عشراً، فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله، فلما مضى ثلاثون ليلة كان السامري قد أبصر جبريل، فأخذ من أثر الفرس قبضة من تراب، ثم ذكر قصة السامريّ.

.تفسير الآيات (143- 147):

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
اللام في {لميقاتنا} للاختصاص، أي كان مجيئه مختصاً بالميقات المذكور، بمعنى أنه جاء في الوقت الموعود {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أي أسمعه كلامه من غير واسطة. قوله: {أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} أي، أرني نفسك أنظر إليك: أي سأله النظر إليه اشتياقاً إلى رؤيته لما أسمعه كلامه. وسؤال موسى للرؤية يدلّ على أنها جائزة عنده في الجملة. ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها. والجواب بقوله: {لَن تَرَانِى} يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذي طلب رؤيته فيه، أو أنه لا يرى ما دام الرائي حياً في دار الدنيا. وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة، والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة، ومنهج الحق واضح. ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده، مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب، والمتعصب وإن كان بصره صحيحاً فبصيرته عمياء، وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق، وهو يظنّ أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق، غفلة منه وجهلاً بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح، وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم. وما أقلّ المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع فإنه صار بها باب الحقّ مرتجاً، وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله سبحانه، والهداية منه:
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ** ومنهج الحق له واضح

وجملة: {قَالَ لَن تَرَانِى} مستأنفة، لكونها جواباً لسؤال مقدّر، كأنه قيل: فما قال الله له؟ والاستدراك بقوله: {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى} معناه أنك لا تثبت لرؤيتي، ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرماً وصلابة وقوّة، وهو الجبل، فانظر إليه {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} ولم يتزلزل عند رؤيتي له {فَسَوْفَ تَرَانِى} وإن ضعف عن ذلك، فأنت منه أضعف. فهذا الكلام بمنزلة ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل. وقيل: هو من باب التعليق بالمحال. وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدّمنا.
وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتين المعتزلة والأشعرية. فالمعتزلة استدلوا بقوله: {لَن تَرَانِى} وبأمره بأن ينظر إلى الجبل. والأشعرية قالوا: إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدلّ على أنها جائزة غير ممتنعة. ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هي بمعزل عن هذا كله. والخلاف بينهم هو فيها لا في الرؤية في الدنيا، فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة، وكلامهم فيها معروف.
قوله: {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا} تجلى معناه: ظهر، من قولك جلوت العروس، أي أيرزتها.
وجلوت السيف: أخلصته من الصدأ، وتجلى الشيء: انكشف. والمعنى: فلما ظهر ربه للجبل جعله دكاً. وقيل المتجلي: هو أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره. والدك مصدر بمعنى المفعول، أي جعله مدكوكاً مدقوقاً فصار تراباً، هذا على قراءة من قرأ: {دكاً} بالمصدر. وهم أهل المدينة وأهل البصرة. وأما على قراءة أهل الكوفة {جَعَلَهُ دَكَّاء} على التأنيث، والجمع دكاوات، كحمراء وحمراوات، وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض، أو للأرض المستوية. فالمعنى: أن الجبل صار صغيراً كالرابية، أو أرضاً مستوية. قال الكسائي الدك: الجبال العراض واحدها أدك. والدكاوات جمع دكاء، وهي رواب من طين ليست بالغلاظ، والدكادك: ما التبد من الأرض فلم يرتفع، وناقة دكاء: لا سنام لها.
{وَخَرَّ موسى صَعِقًا} أي مغشياً عليه مأخوذاً من الصاعقة. والمعنى: أنه صار حاله لما غشي عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له. يقال صعق الرجل، فهو صعق ومصعوق، إذا أصابته الصاعقة {فَلَمَّا أَفَاقَ} من غشيته {قَالَ سبحانك} أي أنزهك تنزيهاً من أن أسأل شيئاً لم تأذن لي به {تُبْتُ إِلَيْكَ} عن العود إلى مثل هذا السؤال. قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية، فإن الأنبياء معصومون. وقيل: هي توبة من قتله للقبطي، ذكره القشيري. ولا وجه له في مثل هذا المقام {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك.
وجملة {قَالَ يَا موسى} مستأنفة كالتي قبلها، متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به. والاصطفاء: الاجتباء والاختيار، أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي، كذا قرأ نافع، وابن كثير، بالافراد، وقرأ الباقون بالجمع. والرسالة مصدر، والأصل فيه الإفراد. ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب، فجمع لاختلاف الأنواع. والمراد بالكلام هنا: التكليم. امتنّ الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام، وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة، ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه، أي أعطاه من هذا الشرف الكريم، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم، والإكرام الجليل.
قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شَئ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَئ} من كل شيء أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم. وهذه الألواح: هي التوراة. قيل: كانت من زمردة خضراء. وقيل: من ياقوتة حمراء، وقيل: من زبرجد، وقيل: من صخرة صماء.
وقد اختلف في عدد الألواح، وفي مقدار طولها وعرضها. والألواح: جمع لوح، وسمي لوحاً لكونه تلوح فيه المعاني. وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفاً للمكتوب في الألواح، وهي مكتوبة بأمره سبحانه. وقيل: هي كتابة خلقها الله في الألواح.
و{مِن كُلّ شَئ} في محل نصب على أنه مفعول {كَتَبْنَا} و{مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً} بدل من محل كل شيء، أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم، وتفصيلاً للأحكام المحتاجة إلى التفصيل {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أي: خذ الألواح بقوّة، أي بجدّ ونشاط. وقيل الضمير عائد إلى الرسالات، أو إلى كل شيء، أو إلى التوراة. قيل: وهذا الأمر على إضمار القول، أي فقلنا له خذها. وقيل: إن {فَخُذْهَا} بدل من قوله: {فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ} {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره، وهو مثل قوله تعالى: {اتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} [الزمر: 55]، وقوله: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه، والعمل بالعزيمة دون الرخصة، وبالفريضة دون النافلة، وفعل المأمور به، وترك المنهيّ عنه.
قوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قيل: هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه. وقيل منازل عاد وثمود. وقيل هي جهنم. وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها. وقيل الدار: الهلاك. والمعنى: سأريكم هلاك الفاسقين.
وقد تقدّم تحقيق معنى الفسق.
قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} قيل: معنى {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ} سأمنعهم فهم كتابي. وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بها. وقيل: سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]. وقيل: سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها. واختلف في تفسير الآيات، فقيل هي المعجزات. وقيل: الكتب المنزلة. وقيل: هي خلق السموات والأرض، وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها. ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة. و{بِغَيْرِ الحق} إما متعلق بقوله: {يَتَكَبَّرُونَ} أي يتكبرون بما ليس بحق، أو بمحذوف وقع حالاً، أي يتكبرون متلبسين بغير الحق.
قوله: {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا} معطوف على {يتكبرون} منتظم معه في حكم الصفة. والمعنى: سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات. ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة، والآيات التكوينية، والمعجزات، أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت. وقرأ مالك بن دينار {يروا} بضم الياء في الموضعين. وجملة: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها. وكذلك جملة: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغى يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} والمعنى: أنهم إذا وجدوا سبيلاً من سبل الرشد تركوه وتجنبوه، وإن رأوا سبيلاً من سبل الغيّ سلكوه واختاروه لأنفسهم. قرأ أهل المدينة وأهل البصرة {الرشد} بضم الراء وإسكان الشين. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بفتح الراء والشين. قال أبو عبيدة: فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال: الرُّشد الصلاح والرُّشد في الدين.
قال النحاس: سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد، كالسخط والسخط. قال الكسائي: والصحيح عن أبي عمرو، وغيره، ما قال أبو عبيدة. وأصل الرشد في اللغة: أن يظفر الإنسان بما يريد، وهو ضدّ الخيبة، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الصرف، أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم، أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات، وتجنب سبيل الرشد، وسلوك سبيل الغيّ، واسم الإشارة مبتدأ، وخبره جملة: {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها. والموصول في {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا وَلِقَاء الآخرة} مبتدأ. وخبره {حَبِطَتْ أعمالهم} والمراد بلقاء الآخرة لقاء الدار الآخرة: أي لقائهم لها، أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف، وحباط الأعمال بطلانها، أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة، كالصدقة والصلة، وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم. ويحتمل أن يراد أنها تبطل بعدما كانت مرجوّة النفع على تقدير إسلامهم، لما في الحديث الصحيح: «أسلمت على ما أسفلت من خير» {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الكفر بالله، والتكذيب بآياته، وتنكب سبيل الحق، وسلوك سبيل الغيّ.
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال: لما كلم الله موسى قال: يا ربّ أهكذا كلامك؟ قال: يا موسى إنما أكلمك بقوّة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئاً.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات، من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما كلم الله موسى يوم الطور، كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه، فقال له موسى: يا ربّ، أهذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال: يا موسى إنما كلمتك بقوّة عشرة آلاف لسان، ولي قوّة الألسن كلها، وأقوى من ذلك. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، فقال: لا تستطيعونه، ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل، في أحلا حلاوة سمعتموه، فذاك قريب منه وليس به».
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، قال: إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه، ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد، إلا مات من نور ربّ العالمين.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} يقول: أعطني أنظر إليك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة، في الآية، قال: لما سمع الكلام طمع في الرؤية.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: حين قال موسى لربه تبارك وتعالى: {رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} قال الله: يا موسى إنك لن تراني، قال يقول: ليس تراني ولا يكون ذلك أبداً، يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا، قال موسى ربّ إني أراك ثم أموت، أحبّ إليّ من أن لا أراك ثم أحيا، فقال الله لموسى: يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} يقول: فإن ثبت مكانه لم يتضعضع، ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي {فَسَوْفَ تَرَانِى} أنت لضعفك وذلتك، وإن الجبل انهدّ بقوّته وشدته وعظمته، فأنت أضعف وأذلّ.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي في الكامل، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا} قال هكذا، وأشار بأصبعيه ووضع إبهامه على أنملة الخنصر. وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر. فساخ الجبل {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} وفي لفظ، فساخ الجبل في الأرض، فهو يهوى فيها إلى يوم القيامة، وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: الجبل الذي أمره الله أن ينظر إليه الطور.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في كتاب الرؤية، عن ابن عباس {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر {جَعَلَهُ دَكّا} قال: تراباً {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} قال: مغشياً عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، والديلمي، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة: أحد وورقان ورضوى، وبمكة: حراء وثبير وثور».
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لما تجلى الله لموسى، تطايرت سبعة أجبل، ففي الحجاز خمسة منها، وفي اليمن اثنان، في الحجاز: أحد وثبير وحراء وورقان، وفي اليمن: حضور وصبر».
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن عباس، أن موسى لما كلمه ربه أحبّ أن ينظر إليه فسأله فقال: {لَن تَرَانِى ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} قال: فحفّ حول الجبل الملائكة، وحفّ حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة، وحفّ حولهم بنار، ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر، فجعل الجبل دكاً وخرّ موسى صعقاً، فلم يزل صعقاً ما شاء الله، ثم أفاق فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين من بني إسرائيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ عن عليّ ابن أبي طالب، قال: كتب الله الألواح لموسى، وهو يسمع صريف الأقلام في لوح.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثنى عشر ذراعاً».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد ابن جبير، قال كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة. وأنا أقول: إنما كانت من زمرّد وكتابها الذهب، كتبها الله بيده، فسمع أهل السموات صريف الأقلام.
أقول: رحم الله سعيداً، ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه، فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس، والذي يغلب به الظن أن كثيراً من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور. فلهذا اختلفت واضطربت، فهذا يقول من خشب، وهذا يقول من ياقوت. وهذا يقول من زمرّد، وهذا يقول من زبرجد، وهذا يقول من برد، وهذا يقول من حجر.
وأخرج أبو الشيخ، عن السدي {وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شَئ} كل شيء أمروا به ونهوا عنه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، مثله.
وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافاً كثيراً. ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال بجدّ وحزم {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال: دار الكفار.
وأخرج ابن جرير عنه {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} قال: أمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أمر به قومه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال: بطاعة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} يعني: بجدّ واجتهاد {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} قال: بأحسن ما يجدون منها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن قتادة، قال: منازلهم في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الحسن، قال: جهنم.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، قال: مصر.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السدي، في قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي} قال: عن أن يتفكروا في آياتي.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن جريج {عَنْ ءاياتي} قال: عن خلق السموات والأرض، والآيات التي فيها، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سفيان بن عيينة في الآية قال: أنزع عنهم فهم القرآن.