فصل: تفسير الآيات (36- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (36- 37):

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}
قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً} هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نوع آخر من قبائح الكفار وذلك أن الله سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص، غيروا تلك الأوقات بالنسيء والكبيسة، فأخبرنا الله بما هو حكمه فقال: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور} أي: عدد شهور السنة عند الله في حكمه وقضائه وحكمته: اثنا عشر شهراً. قوله: {فِى كتاب الله} أي: فيما أثبته في كتابه. قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن يتعلق في {في كتاب الله} بقوله: {عدّة الشهور} للفصل بالأجنبي وهو الخبر: أعني {اثنا عشر شهراً}؛ فقوله: {في كتاب الله} وقوله: {يوم خلق} بدل من قوله: {عند الله} والتقدير: إن عدّة الشهور عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض. وفائدة الإبدالين تقرير الكلام في الأذهان؛ لأنه يعلم منه أن ذلك العدد واجب عند الله في كتاب الله، وثابت في علمه في أوّل ما خلق الله العالم. ويجوز أن يكون {في كتاب الله} صفة {اثنا عشر}: أي اثنا عشر مثبتة في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ. وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب. وأنه لا اعتبار بما عند العجم، والروم، والقبط، من الشهور التي يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوماً، وبعضها أكثر، وبعضها أقلّ.
قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} هي: ذي القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد، وواحد فرد؛ كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة. قوله: {ذلك الدين القيم} أي: كون هذه الشهور كذلك، ومنها أربعة حرم هو: الدين المستقيم، والحساب الصحيح، والعدد المستوفى. قوله: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر الحرم بإيقاع القتال فيها والهتك لحرمتها، وقيل: إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها الحرم وغيرها، وإن الله نهى عن الظلم فيها، والأوّل: أولى.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنّ تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ لهذه الآية، ولقوله: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام} [المائدة: 2] أولقوله: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} الآية.
وقد ذهب جماعة آخرون إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بآية السيف. ويجاب عنه بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيد بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة، فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الأشهر الحرم. كما هي مقيدة بتحريم القتال في الحرم للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه.
وأما ما استدلوا به من أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو: ذو القعدة، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوّال، والمحرّم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم لا إتمامه، وبهذا يحصل الجمع.
قوله: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَافَّةً} أي جميعاً، وهو مصدر في موضع الحال. قال الزجاج: مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة لا يثنى ولا يجمع. {كَمَا يقاتلونكم كَافَّةً} أي جميعاً، وفيه دليل على وجوب قتال المشركين، وأنه فرض على الأعيان إن لم يقم به البعض {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} أي: ينصرهم ويثبتهم، ومن كان الله معه فهو الغالب، وله العاقبة والغلبة.
قوله: {إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ في الكفر} قرأ نافع في رواية ورش عنه {النسيّ} بياء مشدّدة بدون همز. وقرأ الباقون بياء بعدها همزة. قال النحاس: ولم يرو أحد عن نافع هذه القراءة إلا ورش وحده، وهو مشتق من نسأه، وأنسأه: إذا أخره، حكى ذلك الكسائي. قال الجوهري: النسيء فعيل بمعنى مفعول من قولك: نسأت الشيء فهو منسوء: إذا أخرته، ثم تحوّل منسوء إلى نسيء كما تحوّل مقتول إلى قتيل. قال ابن جرير: في النسيء بالهمزة معنى الزيادة يقال: نسأ ينسأ: إذا زاد، قال: ولا يكون بترك الهمزة إلا من النسيان، كما قال تعالى: {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، وردّ على نافع قراءته. وكانت العرب تحرّم القتال في الأشهر الحرم المذكورة، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرّموا غيرها. فإذا قاتلوا في المحرّم، حرّموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره. وكان الذي يحملهم على هذا: أن كثيراً منهم إنما كانوا يعيشون بالغارة على بعضم البعض، ونهب ما يمكنهم نهبه من أموال من يغيرون عليه، ويقع بينهم بسبب ذلك القتال، وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضرّ بهم تواليها وتشتدّ حاجتهم وتعظم فاقتهم. فيحللون بعضها ويحرّمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فهذا هو معنى النسيء الذي كانوا يفعلونه.
وقد وقع الخلاف في أوّل من فعل ذلك، فقيل: هو رجل من بني كنانة يقال له حذيفة بن عتيد. ويلقب القلمس، وإليه يشير الكميت بقوله:
ألسنا الناشئين على معد ** شهور الحلّ نجعلها حراما

وفيه يقول قائلهم:
ومنا ناسيء الشهر القلمس

وقيل: هو عمرو بن لحيّ، وقيل: هو نعيم بن ثعلبة من بني كنانة، وسمى الله سبحانه النسيء زيادة في الكفر؛ لأنه نوع من أنواع كفرهم، ومعصية من معاصيهم المنضمة إلى كفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر. قوله: {يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ} قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وابن عامر {يضلّ} على البناء للمعلوم. وقرأ الكوفيون على البناء للمجهول.
ومعنى القراءة الأولى: أن الكفار يضلون بما يفعلونه من النسيء، ومعنى القراءة الثانية، أن الذي سنّ لهم ذلك يجعلهم ضالين بهذه السنة السيئة، وقد اختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار القراءة الثانية أبو عبيد، وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب {يضل} بضم الياء وكسر الضاد على أن فاعله الموصول، ومفعوله محذوف. ويجوز أن يكون فاعله هو الله سبحانه، ومفعوله الموصول. وقرئ بفتح الياء والضاد من ضلّ يضلّ. وقرئ: {نضلّ} بالنون.
قوله: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا} الضمير راجع إلى النسيء: أي يحلون النسيء عاماً ويحرّمونه عاماً، أو إلى الشهر الذي يؤخرونه ويقاتلون فيه، أي يحلونه عاماً بإبداله بشهر آخر من شهور الحل، ويحرّمون عاماً، أي يحافظون عليه فلا يحلون فيه القتال، بل يبقونه على حرمته. قوله: {لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} أي: لكي يواطئوا، والمواطأة: الموافقة، يقال: تواطأ القوم على كذا: أي توافقوا عليه واجتمعوا. والمعنى: إنهم لم يحلوا شهراً إلا حرّموا شهراً لتبقى الأشهر الحرم أربعة، قال قطرب: معناه عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم، وقرنوه بالمحرّم في التحريم. وكذا قال الطبري. قوله: {فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله} أي: من الأشهر الحرم التي أبدلوها بغيرها {زُيّنَ لَهُمْ سُوء أعمالهم} أي: زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التي يعملونها، ومن جملتها النسيء. وقرئ على البناء للفاعل. {والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} أي: المصرّين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد اليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده.
وقد أخرج البخاري ومسلم، وغيرهما، من حديث أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».
وأخرج نحوه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، من حديث ابن عمر.
وأخرج نحوه ابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، من حديث ابن عباس.
وأخرج نحوه أيضاً البزار، وابن جرير، وابن مردويه، من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أحمد، وابن مردويه، من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعاً مطوّلاً.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن مردويه، عن ابن عباس {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} قال: المحرّم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة.
وأخرج أبو الشيخ، عن الضحاك قال: إنما سمين حرماً لئلا يكون فيهنّ حرب.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كتاب الله} ثم اختصّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهنّ حرماً، وعظم حرماتهنّ، وجعل الدين فيهنّ أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} قال: في كلهنّ {وَقَاتِلُواْ المشركين كَافَّةً} يقول جميعاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مقاتل، في قوله: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَافَّةً} قال: نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة.
وأخرج الطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: كانت العرب يحلون عاماً شهراً وعاماً شهرين، ولا يصيبون الحج إلا في كل سنة، وعشرين سنة مرة، وهي النسيء الذي ذكره الله في كتابه، فلما كان عام حجّ أبو بكر بالناس، وافق ذلك العام، فسماه الله الحجّ الأكبر، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل، واستقبل الناس الأهلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض».
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عمر، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة فقال: «إنما النسيء من الشيطان زيادة في الكفر، يضلّ به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرّمونه عاماً، فكانوا يحرّمون المحرّم عاماً ويستحلون صفر، ويحرّمون صفر عاماً ويستحلون المحرّم، وهي: النسيء».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: كان جنادة بن عوف الكناني يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب، ألا وإن صفر الأوّل العام حلال، فيحله للناس، فيحرّم صفر عاماً، ويحرّم المحرّم عاماً. فذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ في الكفر} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، في الآية قال: المحرّم كانوا يسمونه صفر، وصفر يقولون: صفران الأوّل والآخر، يحلّ لهم مرّة الأوّل، ومرّة الآخر.
وأخرج ابن مردويه، عنه، قال: كانت النساءة حي من بني مالك من كنانة من بني فقيم، فكان آخرهم رجلاً يقال له: القلمس، وهو الذي أنسأ المحرم.

.تفسير الآيات (38- 42):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}
قوله: {ياأيها الذين آمَنُواْ} لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم، والاستفهام في {مَا لَكُمْ} للإنكار والتوبيخ: أي، أيّ شيء يمنعكم عن ذلك، ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتاباً لمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، والنفر: هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان، لأمر يحدث. قوله: {اثاقلتم إِلَى الأرض} أصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، ومثله: ادّاركوا، واطيرتم، واطيروا، وأنشد الكسائي:
توالى الضجيع إذا ما اشتاقها حضرا ** عذب المذاق إذا ما اتابع القبل

وقرأ الأعمش {تثاقلتم} على الأصل، ومعناه: تباطأتم، وعدى ب {إلى} لتضمنه معنى الميل والإخلاد. وقيل: معناه: ملتم إلى الإقامة بأرضكم والبقاء فيها وقرئ: {اثاقلتم} على الاستفهام، ومعناه: التوبيخ، والعامل في الظرف {ما} في {مَالَكُمْ} من معنى الفعل، كأنه قيل: ما يمنعكم، أو ما تصنعون إذا قيل لكم؟ و{إِلَى الأرض} متعلق ب {اثاقلتم} وكما مرّ. قوله: {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا} أي: بنعيمها بدلاً من الآخرة كقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً في الأرض يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] أي بدلاً منكم، ومثله قول الشاعر:
قلبت لنا من ماء زمزم شربة ** مبردة باتت على طهيان

أي بدلاً من ماء زمزم، والطهيان: عود ينصب في ناحية الدار للهواء يعلق عليه الماء ليبرد، ومعنى: {الآخرة} أي في جنب الآخرة، وفي مقابلتها {إِلاَّ قَلِيلٌ} أي: إلا متاع حقير لا يعبأ به، ويجوز أن يراد بالقليل العدم، إذ لا نسبة للمتناهي الزائل إلى غير المتناهي الباقي، والظاهر: أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل، إذ من البعيد أن يطبقوا جميعاً على التباطؤ والتثاقل، وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل، وهو كثير شائع.
قوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ} هذا تهديد شديد، ووعيد موكد لمن ترك النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} أي: يهلككم بعذاب شديد مؤلم، قيل: في الدنيا فقط، وقيل: هو أعم من ذلك. قوله: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي: يجعل لرسله بدلاً منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم.
واختلف في هؤلاء القوم من هم؟ فقيل أهل اليمن، وقيل أهل فارس، ولا وجه للتعين بدون دليل. قوله: {وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} معطوف على {يَسْتَبْدِلْ} والضمير قيل: لله، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ولا تضرّوا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئاً، أو لا تضرّوا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئاً {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم.
قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} أي: إن تركتم نصره فالله متكفل به، فقد نصره في مواطن القلة، وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر، أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه {ثَانِيَ اثنين} أي: أحد اثنين، وهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقرئ بسكون الياء. قال ابن جني: حكاها أبو عمرو بن العلاء، ووجهها أن تسكن الياء تشبيهاً لها بالألف. قال ابن عطية: فهي كقراءة الحسن ما بقي من الربا، وكقول جرير:
هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم ** ماضي العزيمة ما في حكمه جنف

قوله: {إِذْ هُمَا في الغار} بدل من {إِذْ أَخْرَجَهُ} بدل بعض، والغار: ثقب في الجبل المسمى ثوراً، وهو: المشهور بغار ثور، وهو: جبل قريب من مكة، وقصة خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث. قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} بدل ثان: أي وقت قوله لأبي بكر: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} أي: دع الحزن، فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا، ومن كان الله معه فلن يغلب، ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن. قوله: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} السكينة: تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه، وحصل له الأمن، على أن الضمير في {عَلَيْهِ} لأبي بكر. وقيل: هو للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه: عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له، ويؤيد كون الضمير في {عَلَيْهِ} للنبي صلى الله عليه وسلم الضمير في {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} فإنه للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه المؤيد بهذه الجنود التي هي الملائكة، كما كان في يوم بدر. وقيل: إنه لا محذور في رجوع الضمير من {عَلَيْهِ} إلى أبي بكر، ومن {وَأَيَّدَهُ} إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كثير في القرآن، وفي كلام العرب {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى} أي: كلمة الشرك، وهي دعوتهم إليه. ونداؤهم للأصنام {وَكَلِمَةُ الله هي العليا} قرأ الأعمش، ويعقوب بنصب {كلمة} حملاً على جعل، وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف.
وقد ضعف قراءة النصب الفراء، وأبو حاتم، وفي ضمير الفصل، أعني {هِىَ} تأكيد لفضل كلمته في العلوّ، وأنها المختصة به دون غيرها، وكلمة الله هي كلمة التوحيد، والدعوة إلى الإسلام {والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ} أي: غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب.
ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً} أي: حال كونكم خفافاً وثقالاً، قيل المراد: منفردين أو مجتمعين. وقيل: نشاطاً وغير نشاط. وقيل: فقراء وأغنياء. وقيل: شباباً وشيوخاً. وقيل: رجالاً وفرساناً، وقيل: من لا عيال له ومن له عيال، وقيل: من يسبق إلى الحرب كالطلائع، ومن يتأخر كالجيش، وقيل: غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، لأن معنى الآية: انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} [التوبة: 91]، وقيل: الناسخ لها قوله: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ} [النور: 122] الآية. وقيل: هي محكمة وليست بمنسوخة، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ} [النور: 61]. وإخراج الضعيف والمريض بقوله: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} من باب التخصيص، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله: {خِفَافًا وَثِقَالاً} والظاهر: عدم دخولهم تحت العموم. قوله: {وجاهدوا بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ في سَبِيلِ الله} فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم. والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدوّ وبدفعه، فإن كان لا يقوم بالعدوّ إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض، أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى ما تقدّم من الأمر بالنفير، والأمر بالجهاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} أي: خير عظيم في نفسه، وخير: من السكون والدعة {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلك، وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة.
قوله: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ}. قال الزجاج: لو كان المدعوّ إليه فحذف لدلالة ما تقدّم عليه، والعرض: ما يعرض من منافع الدنيا. والمعنى: غنيمة قريبة غير بعيدة {وَسَفَرًا قَاصِدًا} عطف على ما قبله: أي سفراً متوسطاً بين القرب والبعد، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد {ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} قال أبو عبيدة وغيره: إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة، يقال: منه شقة شاقة، قال الجوهري: الشقة بالضم من الثياب، والشقة أيضاً: السفر البعيد، وربما قالوه بالكسر، والمراد بهذا غزوة تبوك، فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة. وقرأ عيسى بن عمر {بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} بكسر العين والشين {وَسَيَحْلِفُونَ بالله} أي: المتخلفون عن غزوة تبوك حال كونكم قائلين: {لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} أي: لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لابد منه {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} هذه الجملة سادّة مسدّ جواب القسم والشرط. قوله: {يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ} هو بدل من قوله: {سَيَحْلِفُونَ} لأن من حلف كاذباً فقد أهلك نفسه أو يكون حالاً: أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك {والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لكاذبون} في حلفهم الذي سيحلفون به لكم.
وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {ياأيها الذين ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا} الآية، قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وحين أمرهم بالنفير في الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج، فأنزل الله: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً}.
وأخرج أبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس، في قوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حياً من أحياء العرب، فتثاقلوا عنه، فأنزل الله هذه الآية، فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: لم نزلت: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وقد كان تخلف عنه أناس في البدو يفقهون قومهم، فقال المؤمنون: قد بقي ناس في البوادي، وقالوا هلك أصحاب البوادي، فنزلت: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً}.
وأخرج أبو داود، وابن أبي حاتم، والنحاس، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس، في قوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ} الآية قال: نسختها: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} قال: ذكر ما كان من أوّل شأنه حين بعث، يقول: فأنا فاعل ذلك به، وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين.
وأخرج أبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، عن ابن شهاب وعروة، أنهم ركبوا في كل وجه يعني المشركين يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الحمل العظيم، وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار، والذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر، وأقبل عليه الهمّ والخوف، فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه السكينة من الله، {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} الآية.
وأخرج ابن شاهين، وابن مردويه، وابن عساكر، عن حبشي ابن جنادة، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أن أحداً من المشركين رفع قدمه لأبصرنا، فقال: «يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا».
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن الزهري، في قوله: {إذ هُمَا في الغار} قال: هو الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثوراً.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه، عن ابن عباس، في قوله: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} قال: على أبي بكر لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم تزل معه السكينة.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس، قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار حراء، فقال أبو بكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر؟ إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم يروها».
وأخرج الخطيب في تاريخه، عن حبيب بن أبي ثابت {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} قال: على أبي بكر، فأما النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد كانت عليه السكينة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، عن ابن عباس، في قوله: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى} قال: هي الشرك بالله: {وَكَلِمَةُ الله هي العليا} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج الفريابي، وأبو الشيخ، عن أبي الضحى قال: أوّل ما أنزل من براءة: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً} ثم نزل أوّلها وآخرها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن أبي مالك، نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {خِفَافًا وَثِقَالاً} قال: نشاطاً وغير نشاط.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحكم في الآية قال: مشاغيل وغير مشاغيل.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الحسن، قال: في العسر واليسر.
وأخرج ابن المذر، عن زيد ابن أسلم، قال: فتياناً وكهولاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن عكرمة، قال: شباباً وشيوخاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: قالوا: إن فينا الثقيل، وذا الحاجة، والضيعة، والشغل فأنزل الله: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافاً وثقالاً، وعلى ما كان منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ قال: جاء رجل زعموا أنه المقداد، وكان عظيماً سميناً، فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى، فنزلت: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً} فلما نزلت هذه الآية اشتدّ على الناس شأنها فنسخها الله، فقال: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى} [التوبة: 91] الآية.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم؟ فقال رجلان: قد علمت يا رسول الله، أن النساء فتنة فلا تفتنا بهنّ فأذن لنا، فأذن لهما، فلما انطلقنا قال أحدهما: إن هو إلا شحمة لأوّل آكل، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه شيء في ذلك، فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المناة {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ} ونزل عليه: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} ونزل عليه: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} [التوبة: 45] ونزل عليه: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [التوبة: 95].
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} قال: غنيمة قريبة، {ولكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} قال: المسير.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة، في قوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لكاذبون} قال: لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم، وزهادة في الجهاد.