فصل: تفسير الآيات (60- 61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (60- 61):

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر. ومعناه في اللغة: طلب السقيا. وفي الشرع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته من الصلاة والدعاء. والحجر يحتمل أن يكون حجراً معيناً، فتكون اللام للعهد، ويحتمل أن لا يكون معيناً، فتكون للجنس، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة. وقوله: {فانفجرت} الفاء مترتبة على محذوف، تقديره: فضرب، فانفجرت، والانفجار: الانشقاق: وانفجر الماء انفجاراً: تفتح، والفجرة: موضع تفتح الماء. قال ابن عطية: ولا خلاف أنه كان حجراً مربعاً يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون، وإذا استغنوا عن الماء جفت. والمشرب: موضع الشرب، وقيل هو: المشروب نفسه، وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم. قيل: كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها، والأسباط: ذرية الاثني عشر من أولاد يعقوب. وقوله: {كُلُواْ} أي: قلنا لهم كلوا المنّ والسلوى، واشربوا الماء المتفجر من الحجر، وعثا يعثي عثيا، وعثا يعثو عثواً، وعاث يعيث عيثاً، لغات بمعنى أفسد. وقوله: {مُفْسِدِينَ} حال مؤكدة. قال في القاموس: عثي كرمي، وسعى ورضي، عيْثا، وعُيُوثاً، وعَيثاناً، وعثَا يَعْثُو عُثُواً: أفسد: وقال في الكشاف: العثي: أشدّ الفساد. فقيل لهم: لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم؛ لأنهم كانوا متمادين فيه. انتهى.
قوله: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} تضجُّر منهم بما صاروا فيه من النعمة، والرزق الطيب، والعيش المستلذ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش:
إنَّ الشَقيَّ بالشَقَاءِ مُولعٌ ** لا يَمْلِكُ الردَّ لَهُ إذا أتى

ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقاً إلى ما كانوا فيه، ونظراً لما صاروا إليه من العيشة الرافهة، بل هو: باب من تعنتهم، وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم، وهِجّيِراهم في غالب ما قصّ علينا من أخبارهم.
وقال الحسن البصري: إنهم كانوا أهل كراث، وأبصال، وأعداس، فنزعوا إلى عكرهم، أي: أصلهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} والمراد بالطعام الواحد: هو: المنّ والسلوى، وهما، وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاماً واحد. وقيل: لتكررهما في كل يوم، وعدم وجود غيرهما معهما، ولا تبدلة بهما. و(من) في قوله: {مِمَّا تُنبِتُ} تخرج. قال الأخفش زائدة، وخالفه سيبويه، لكونها لا تزاد في الكلام الموجب. قال النحاس: وإنما دعا الأخفش إلى هذا؛ لأنه لم يجد مفعولاً ليخرج فأراد أن يجعل (ما) مفعولاً. والأولى أن يكون المفعول محذوفاً دل عليه سياق الكلام، أي: تخرج لنا مأكولاً.
وقوله: {مِن بَقْلِهَا} بدل من (ما) بإعادة الحرف. والبقل: كل نبات ليس له ساق، والشجر: ما له ساق. قال في الكشاف: البقل: ما أنبتته الأرض من الخضر، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع، والكرفس، والكراث، وأشباهها. انتهى. والقثاء بكسر القاف، وفتحها. والأولى قراءة الجمهور، والثانية قراءة يحيى بن وثاب، وطلحة بن مُصَرَّف، وهو معروف. والفوم: قيل هو: الثوم، وقد قرأه ابن مسعود بالثاء.
وروي نحو ذلك عن ابن عباس، وقيل: الفوم: الحنطة، وإليه ذهب أكثر المفسرين، كما قال القرطبي.
وقد رجح هذا ابن النحاس.
وقال الجوهري: الثوم الحنطة، وممن قال بهذا الزجاج، والأخفش، وأنشد:
قَدْ كُنْتُ أحْسبني كَأغْنَى وَاحِد ** تَركَ المدينةَ عَنْ زِراعةِ فُومِ

وقال بالقول الأوّل الكسائي، والنضر بن شميل، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
كَانَت مَنَازِلُهم إذ ذَاكَ ظَاهِرة ** فِيهَا الفَرَادِيسُ والفُومَاتُ والبْصَلُ

أي الثوم، وقال حسان:
وأنتم أُناسٌ لِئَامُ الأصُولِ ** طَعَامكم الفْوُمُ وَالْحوَقلُ

يعني الثوم والبصل، وقيل: الفوم: السنبلة. وقيل الحمص. وقيل: الفوم: كل حبّ يخبز. والعدس والبصل معروفان. والاستبدال: وضع الشيء موضع الآخر و{أَدْنَى} قال الزجاج: إنه مأخوذ من الدنوّ. أي: القرب، والمراد: أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المنّ والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ، والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه، والحلّ الذي لا تطرقه الشبهة، وعدم الكلفة بالسعي له، والتعب في تحصيله. وقوله: {اهبطوا مِصْرًا} أي: انزلوا، وقد تقدّم معنى الهبوط. وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر. وقيل: إن الأمر للتعجيز؛ لأنهم كانوا في التيه، فهو مثل قوله تعالى: {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} [الإسراء: 50] وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية، والتأنيث؛ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، وهو: يجوز صرفه مع حصول السببين، وبه قال الأخفش والكسائي.
وقال الخليل، وسيبويه: إن ذلك لا يجوز، وقالا: إنه لا علمية هنا؛ لأنه أراد مصراً من الأمصار، ولم يرد المدينة المعروفة، وهو خلاف الظاهر. وقرأ الحسن، وأبان بن تغلب، وطلحة بن مصرف بترك التنوين، وهو كذلك في مصحف أبيّ، وابن مسعود. ومعنى ضرب الذلة، والمسكنة إلزامهم بذلك، والقضاء به عليهم قضاء مستمراً لا يفارقهم، ولا ينفصل عنهم، مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها، ومنه قول الفرزدق يهجو جريراً:
ضرَبَت عَلَيْكَ العَنكَبوتُ بِوزَنها ** وَقَضى عَلَيْكَ بِه الكِتابُ المُنزلُ

وهو ضرب من الهجاء بليغ، كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة، ومنه قول الشاعر:
إنَّ المُروءةَ والشَجَاعَة والنَدَى ** في قُبةٍ ضُرِبتْ على ابن الحَشرجِ

وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة، فإن اليهود أقمأهم الله أذلّ الفرق، وأشدّهم مسكنة، وأكثرهم تصاغراً، لم ينتظم لهم جمع، ولا خفقت على رءوسهم راية، ولا ثبتت لهم ولاية، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن، وطروقة كل فحل في كل عصر، ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أيّ مبلغ فهو متظاهر بالفقر مُتَرَدٍّ بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله، إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية، أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجرؤ على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه. ومعنى {باءوا} رجعوا، يقال باء بكذا، أي: رجع به، وباء إلى المباءة، أي: رجع إلى المنزل، والبواء: الرجوع، ويقال: هم في هذا الأمر بواء، أي: سواء: يرجعون فيه إلى معنى واحد، وباء فلان بفلان: إذا كان حقيقاً بأن يقبل به لمساواته له، ومنه قول الشاعر:
ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي ** محاربنا لا يبوأ الدم بالدم

والمراد في الآية: أنهم رجعوا بغضب من الله، أو صاروا أحقاء بغضبه.
وقد تقدم تفسير الغضب، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله، وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به، ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال: إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة، بل المراد: نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر. ويمكن أن يقال: أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه، بل أرشدوهم إلى مصالح الدين. والدنيا، كما كان من شعيا وزكريا ويحيى، فإنهم قتلوهم، وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون، وتكرير الإشارة لقصد التأكيد، وتعظيم الأمر عليهم، وتهويله، ومجموع ما بعد الإشارة الأولى والإشارة الثانية هو السبب لضرب الذلة وما بعده. وقيل: يجوز أن تكون الإشارة الثانية إلى الكفر والقتل، فيكون ما بعدها سبباً للسبب وهو بعيد جداً. والاعتداء تجاوز الحدّ في كل شيء.
وقد أخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ} قال ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر، فصار فيها اثنتا عشرة عيناً من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة ومجاهد وابن أبي حاتم عن جويبر نحو ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض} قال: لا تسعوا في الأرض فساداً.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: يعني: لا تمشوا بالمعاصي.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد في قوله: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} قال: المنّ والسلوى، واستبدلوا به البقل، وما حكى معه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَفُومِهَا} قال: الخبز، وفي لفظ: البر، وفي لفظ: الحنطة.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الفوم: الثوم.
وأخرج ابن جرير، عن الربيع بن أنس مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن مسعود؛ أنه قرأ: {وثومها} وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال: قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود هذا أحدها: {من بقلها وقثائها وثومها}.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد في قوله: {الذى هُوَ أدنى} قال: أردأ.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة في قوله: {اهبطوا مِصْرًا} قال مصراً من الأمصار.
وأخرج ابن جرير، عن أبي العالية: أنه مصر فرعون.
وأخرج نحوه ابن أبي داود، وابن الأنباري عن الأعمش.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} قال: هم أصحاب الجزية.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن؛ قال: ضربت عليهم الذلة، والمسكنة أي: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأخرج ابن جرير، عن أبي العالية قال: المسكنة الفاقة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ الله} قال: استحقوا الغضب من الله.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وَبَاءوا} قال: انقلبوا.
وأخرج أبو داود الطيالسي، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبيّ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار.

.تفسير الآية رقم (62):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قيل: إن المراد بالذين آمنوا: المنافقون، بدلالة جعلهم مقترنين باليهود، والنصارى، والصابئين، أي: آمنوا في الظاهر، والأولى أن يقال إن المراد الذين صدّقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا من جملة أتباعه، وكأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية وحال من قبلها من سائر الملل يرجع إلى شيء واحد، وهو: أن من آمن منهم بالله، واليوم الآخر، وعمل صالحاً استحق ما ذكره الله من الأجر، ومن فاته ذلك فاته الخير كله، والأجر دِقُّه وجِِلَّه. والمراد بالإيمان هاهنا هو: ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لما سأله جبريل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه» ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية، فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا بالقرآن، فليس بمؤمن، ومن آمن بهما صار مسلماً مؤمناً، ولم يبق يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً. وقوله: {هَادُواْ} معناه صاروا يهوداً، قيل هو: نسبة لهم إلى يهوذا بن يعقوب بالذال المعجمة، فقلبتها العرب دالاً مهملة، وقيل معنى هادوا: تابوا لتوبتهم عن عبادة العجل، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] أي تبنا. وقيل إن معناه السكون، والموادعة.
وقال في الكشاف: إن معناه: دخل في اليهودية. والنصارى: قال سيبويه: مفرده نصران ونصرانة كندمان وندمانة، وأنشد شاهداً على ذلك قول الشاعر:
تراه إذا زار العِشَا مُتَخَفَّفاً ** ويُضْحي لديه وهو نَصرانُ شامِس

وقال الآخر:
فكلتاهما خَرَّت وأسْجَدَ رأسها ** كَمَا سَجَدَت نصْرانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ

قال: ولكن لا يستعمل إلا بياء النسب، فيقال: رجل نصراني وامرأة نصرانية.
وقال الخليل: واحد النصارى نصري، وقال الجوهري: ونصران قرية بالشام تنسب إليها النصارى، ويقال ناصرة، وعلى هذا، فالياء للنسب.
وقال في الكشاف: إن الياء للمبالغة كالتي في أحمري، سموا بذلك؛ لأنهم نصروا المسيح. والصابيئن: جمع صابيء. وقيل: صاب.
وقد اختلف فيه القراء، فهمزوه جميعاً إلا نافعاً، فمن همزه جعله من صبأت النجوم: إذا طلعت، وصبأت ثنية الغلام: إذا خرجت. ومن لم يهمزه جعله من صبا يصبو: إذا مال. والصابئ في اللغة: من خرج، ومال من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ، وسموا هذه الفرقة صابئة؛ لأنها خرجت من دين اليهود، والنصارى، وعبدوا الملائكة. وقوله: {مَنْ ءامَنَ بالله} في موضع نصب بدلاً من الذين آمنوا وما بعده، وقد تقدم معنى الإيمان، ويكون خبر إن قوله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} ويجوز أن يكون قوله: {من آمن بالله} في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله: {فلهم أجرهم} وهما جميعاً خبر إن، والعائد مقدّر في الجملة الأولى، أي: من آمن منهم، ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
وقد تقدم تفسير قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سلمان قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكرت من صلاتهم، وعبادتهم، فنزلت: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ} الآية.
وأخرج الواحدي عن مجاهد نحو ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي في ذكر السبب بنحو ما سبق، وحكى قصة طويلة.
وأخرج أبو داود في الناسخ، والمنسوخ، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ} قال: فأنزل الله بعد هذا {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الاخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85].

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال: إنما سميت اليهود؛ لأنهم قالوا {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: نحن أعلم من أين سميت اليهود باليهودية من كلمة موسى عليه السلام {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ولِمَ تسمت النصارى بالنصرانية؟ من كلمة عيسى عليه السلام: {كُونُواْ أنصار الله} [الصف: 17] وأخرج أبو الشيخ نحوه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة: إنما تسموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة.
وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن جرير، عن ابن عباس قال: إنما سميت النصارى؛ لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: الصابئون: فرقة بين اليهود. والنصارى، والمجوس، ليس لهم دين.
وأخرج عبد الرزاق، عنه قال: قال ابن عباس، فذكر نحوه.
وقد روى في تفسير الصابئين غير هذا.