فصل: سورة الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الفاتحة:

بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به، ثم أطلقت على أول كل شيء كالكلام، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، فسميت هذه السورة فاتحة الكتاب؛ لكونه افتتح بها؛ إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن، وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الاسم في أيام النبوة.
قيل: هي مكية.
وقيل: مدنية.
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والثعلبي والواحدي من حديث عمر بن شرحبيل «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي فذهبت به إلى ورقة فأخبره فقال له: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل: {بسم الله الرحمن الرحيم} حتى بلغ: {ولا الضالين}». الحديث.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال: لما أسلمت فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت امرأة عمرو له: هل لك أن تسمع من أبيك ما روي عنه؟ فسأله فقرأ عليه: {الحمد لله رب العالمين}، وكان ذلك قبل الهجرة.
وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال: فاتحة الكتاب نزلت بمكة.
فهذا جملة ما استدل به من قال: إنها نزلت بمكة.
واستدل من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة: «رن إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب» وأنزلت بالمدينة.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال: نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة.
وقيل: إنها نزلت مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة جمعا بين هذه الروايات.
وتسمى: أم الكتاب.
قال البخاري في أول التفسير: وسميت أم الكتاب؛ لأنه يبدأ بكتابها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة.
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب عن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول أم الكتاب ويقول: قال الله تعالى: {وعنده أم الكتاب}، ولكن يقول فاتحة الكتاب.
ويقال لها الفاتحة؛ لأنها يفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام.
قال ابن كثير في تفسيره: وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا: لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة.
وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم القرآن: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم».
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني».
وأخرج نحوه ابن مردويه في تفسيره والدارقطني من حديثه، وقال: كلهم ثقات.
وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى: {سبعا من المثاني} بالفاتحة.
ومن جملة أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية وسورة الحمد وسورة الصلاة.
وقد أخرج الثعلبي أن سفيان بن عيينة كان يسمى فاتحة الكتاب الواقية.
وأخرج الثعلبي أيضا عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير أنه سأله سائل عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال عن الكافية تسأل؟ قال السائل: وما الكافية؟! قال: الفاتحة أما علمت أنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها.
وأخرج أيضا عن الشعبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال: عليك بأساس القرآن قال: وما أساس القرآن؟ قال: فاتحة الكتاب.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أعطاني فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال: هي من كنوز عرشي».
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا.
وقد ذكر الدارقطني في تفسيره للفاتحة اثني عشر اسما.
وهي سبع آيات بلا خلاف، كما حكاه ابن كثير في تفسيره.
وقال القرطبي: أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات، إلا ما روي عن حسين الجعفي أنها ست، وهو شاذ، وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل {إياك نعبد} آية، فهي عنده ثمان، وهو شاذ. انتهى.
وإنما اختلفوا في البسملة كما سيأتي إن شاء الله.
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال: لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء.
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله، إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: «نعم: {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ ثم أخبره أنها الفاتحة».
وأخرجه النسائي وأخرج أحمد في المسند من حديث عبد الله بن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «اقرأ {الحمد لله رب العالمين} حتى تختمها».
وفي إسناده ابن عقيل، وقد احتج به كبار الأئمة، وبقية رجاله ثقات.
وعبد الله بن جابر هذا هو العبدي، كما قال ابن الجوزي، وقيل: الأنصاري البياضي، كما قال ابن عساكر.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أخبروه بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب: «وما كان يدريه أنها رقية» الحديث.
وأخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث ابن عباس قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته».
وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج- ثلاثا- غير تامة».
وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب {قل هو الله أحد} فقد أمنت من كل شيء إلا الموت».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي زيد وكان له صحبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج المدينة فسمع رجلا يتهجد ويقرأ بأم القرآن فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع حتى ختمها ثم قال: «ما في القرآن مثلها».
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم».
وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا، وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبد الملك بن عمير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب: «شفاء من كل داء».
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعا من عنده فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله: أعندك ما تداوي به هذا!؟ فإن صاحبكم قد جاء بخير قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ، فأعطاني مائة شاة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: «كل فمن أكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق».
وأخرج الفرياني في تفسيره عن ابن عباس قال: «فاتحة الكتاب ثلث القرآن».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ أم القرآن {قل هو الله أحد} فكأنما قرأ ثلث القرآن».
وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن».
وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه: {الحمد لله رب العالمين}».
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتحة الكتاب تجزئ ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات».
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان».

.تفسير الآية رقم (1):

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}
اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها، أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها، أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك.
وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل.
وقد جزم قرّاء مكة، والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة. وخالفهم قّراء المدينة، والبصرة، والشام، فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور، قالوا: وإنما كتبت للفصل والتبرّك.
وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل.
وأخرجه الحاكم في المستدرك.
وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية». وفي إسناده عمرو بن هارون البلخي، وفيه ضعف، وروى نحوه الدارقطني مرفوعاً عن أبي هريرة.
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة.
وقد أخرج النسائي في سننه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة: «أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»، وصححه الدارقطني، والخطيب، والبيهقي، وغيرهم.
وروى أبو داود، والترمذي عن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ب {بسم الله الرحمن الرحيم}» قال الترمذي: وليس إسناده بذلك.
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم}» ثم قال: صحيح.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءتُه مدّاً، ثم قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} يمدّ بسم الله، ويمدّ الرحمن، ويمدّ الرحيِّم.
وأخرج أحمد في المسند، وأبو داود في السنن، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته {بسم الله الرحمن الرحيِّم الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيِّم مالك يوم الدين}» وقال الدارقطني: إسناده صحيح.
واحتجّ من قال بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة ب {الحمد لله ربّ العالمين}».
وفي الصحيحين عن أنس قال: «صليت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون ب {الحمد لله ربّ العالمين}».
ولمسلم لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة، ولا في آخرها.
وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مُغَفّل. وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة، وجماعة من الصحابة.
وأحاديث الترك، وإن كانت أصح، ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجاً من مخرج صحيح، فالأخذ به أولى، ولاسيما مع إمكان تأويل الترك، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي، أعني كونها قرآناً؛ والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة. ولتنقيح البحث، والكلام على أطرافه استدلالاً، وردّاً، وتعقُّباً، ودفعاً، ورواية، ودراية موضعٌ غير هذا.
ومتعلق الباء محذوف، وهو: أقرأ، أو أتلو؛ لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له، فمن قَدَّره متقدماً كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل، ومن قدره متأخراً كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص، مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الاسم، والإشارة إلى أن البداية به أهمّ، لكون التبرّك حصل به، وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخراً في مثل هذا المقام، ولا يعارضه قوله تعالى: {اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ} [العلق: 1] لأن ذلك المقام مقام القراءة، فكان الأمر بها أهمّ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسماً أو فعلاً فلا يتعلق بذلك كثير فائدة. والباء للاستعانة أو للمصاحبة، ورجح الثاني الزمخشري.
واسم أصله: سمو، حذفت لامه، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوّله الهمزة إذا نطقوا به؛ لئلا يقع الابتداء بالساكن، وهو اللفظ الدَّالُّ على المسمَّى؛ ومن زعم أن الاسم هو: المسمى كما قاله أبو عبيدة، وسيبويه، والباقلاني، وابن فورك، وحكاه الرازي عن الحشوية والكَّرامية والأشعرية، فقد غلط غلطاً بيَّناً، وجاء بما لا يعقل، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من لغة العرب، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو: أصوات مقطعة، وحروف مؤلفة، غير المسمى الذي هو: مدلوله، والبحث مبسوط في علم الكلام.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة»، وقال الله عزّ وجلّ: {وَللَّهِ الاسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180] وقال تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى} [الإسراء: 110] فله الأسماء الحسنى. والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره، وأصله: إله حذفت الهمزة، وعُوّضت عنها أداة التعريف، فلزمت. وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس، يقع على كل معبود بحق، أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق، كالنجم، والصعق، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة، وبعده من الأعلام المختصة.
{والرحمن الرحيم}: اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيِّم.
وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا، ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا.
وقد تقررّ أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى.
وقال ابن الأنباري، والزجّاج: إن الرحمن عَبْرَاني، والرحيِّم عربي. وخالفهما غيرهما.
والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عزّ وجل. وأما قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمن اليمامة، فقال في الكشاف: إنه باب من تعنتهم في كفرهم.
قال أبو عليّ الفارسيّ: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو: في جهة المؤمنين، قال الله تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} [الأحزاب: 43]
وقد ورد في فضلها أحاديث، منها:
ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه، وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس، قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
وأخرج نحوه أبو عبيد، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضاً.
وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان جبريلُ إذا جاءني بالوحي أوّلُ ما يلقي عليّ {بسم الله الرحمن الرحيم}».
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم في المستدرك، وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس؛ أن عثمان بن عفان سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: «هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين، وبياضها من القرب».
وأخرج ابن جرير وابن عديّ في الكامل، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والثعلبي بسند ضعيف جداً عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عيسى ابن مريم أسلمته أمُّهُ إلى الكتاب لتعلِّمه، فقال له المعلم: اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال له عيسى: وما بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة» وفي إسناده إسماعيل بن يحيى، وهو: كذاب.
وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات.
وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال: لما نزلت: {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغَيْمُ إلى المشرق، وسكنت الريحُ، وهاج البحرُ، وأصغت البهائمُ بآذانها، ورُجِمَت الشياطينُ من السماء، وحلفَ اللهُ بعزته وجلاله ألا تُسَمَّى على شيء إلا بارك فيه.
وأخرج أبو نعيم، والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت: {بسم الله الرحمن الرحيم} ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويَّها فقالوا: سَحَرَ محمد الجبالَ، فبعث الله دخاناً حتى أظل على أهل مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} موقناً سبَّحت معه الجبالُ إلا أنه لا يُسْمَع ذلك منها».
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة، ومحا عنه أربعة آلاف سيئة، ورفع له أربعة آلاف درجة».
وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{بسم الله الرحمن الرحيم} مفتاح كل كتاب» وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها، والكلام عنها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله.
وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة، قد بينها الشارع منها عند الوضوء، وعند الذبيحة، وعند الأكل، وعند الجماع وغير ذلك.