فصل: تفسير الآيات (6- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (6- 12):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}
قوله: {وَإِذْ قَالَ موسى} الظرف متعلق بمحذوف هو أذكر، أي: اذكر وقت قول موسى، و{إِذْ أَنجَاكُمْ} متعلق ب {اذكروا} أي: اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائه لكم من آل فرعون، أو بالنعمة، أو بمتعلق عليكم، أي: مستقرة عليكم وقت إنجائه، وهو بدل اشتمال من النعمة مراداً بها الإنعام أو العطية {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} أي: يبغونكم، يقال سامه ظلماً أي: أولاه ظلماً، وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء، وسوء العذاب: مصدر ساء يسوء، والمراد حبس العذاب السيء. وهو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة، وعطف {يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} على {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} وإن كان التذبيح من جنس سوء العذاب؛ إخراجاً له عن مرتبة العذاب المعتاد حتى كأنه جنس آخر لما فيه من الشدّة، ومع طرح الواو كما في الآية الأخرى يكون التذبيح تفسيراً لسوء العذاب {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي: يتركونهنّ في الحياة لإهانتهنّ وإذلالهنّ {وَفِى ذلكم} المذكور من أفعالهم {بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} أي: ابتلاء لكم، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة البقرة مستوفى.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} {تأذن} بمعنى أذن، قاله الفراء، قال في الكشاف: ولابد في تفعل من زيادة معنى ليست في أفعل، كأنه قيل: وإذ أذن ربكم إيذاناً بليغاً تنتفي عنه الشكوك وتنزاح الشبه. والمعنى: وإذ تأذن ربكم فقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ} أو أجرى {تأذن} مجرى قال، لأنه ضرب من القول. انتهى. وهذا من قول موسى لقومه، وهو معطوف على نعمة الله أي: اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا حين تأذن ربكم. وقيل: هو معطوف على قوله: إذ أنجاكم، أي: اذكروا نعمة الله تعالى في هذين الوقتين، فإن هذا التأذن أيضاً نعمة. وقيل: هو من قول الله سبحانه، أي: واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم، وقرأ ابن مسعود: {وإذ قال ربكم} والمعنى واحد كما تقدم، واللام في لئن شكرتم هي الموطئة للقسم. وقوله: {لأَزِيدَنَّكُمْ} سادّ مسدّ جوابي الشرط والقسم، وكذا اللام في {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} وقوله: {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} سادّ مسدّ الجوابين أيضاً، والمعنى: لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلاً مني. وقيل: لأزيدنكم من طاعتي. وقيل: لأزيدنكم من الثواب. والأوّل أظهر، فالشكر سبب المزيد، ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه {إن عذابي لشديد} فلابد أن يصيبكم منه ما يصيب. وقيل: إن الجواب محذوف، أي: ولئن كفرتم لأعذبنكم، والمذكور تعليل للجواب المحذوف.
{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن في الأرض جَمِيعًا} أي: إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها {فَإِنَّ الله} سبحانه: {لَغَنِىٌّ} عن شكركم لا يحتاج إليه ولا يلحقه بذلك نقص {حَمِيدٌ} أي: مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه، وإن لم تشكروه، أو يحمده غيركم من الملائكة.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} يحتمل أن يكون هذا خطاباً من موسى لقومه، فيكون داخلاً تحت التذكير بأيام الله، ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطاباً لقوم موسى، وتذكيراً لهم بالقرون الأولى وأخبارهم، ومجيء رسل الله إليهم، ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد صلى الله عليه وسلم تحذيراً لهم عن مخالفته، والنبأ: الخبر، والجمع الأنباء، ومنه قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ** بما لاقت لبون بني زياد

و{قَوْمُ نُوحٍ} بدل من الموصول، أو عطف بيان {وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ} أي: من بعد هؤلاء المذكورين {لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} أي: لا يحصي عددهم ويحيط بهم علماً إلاّ الله سبحانه، والموصول مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلاّ الله، والجملة معترضة، أو يكون الموصول معطوفاً على ما قبله، ولا يعلمهم إلاّ الله اعتراض، وعدم العلم من غير الله إما أن يكون راجعاً إلى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم، أي: هذه الأمور لا يعلمها إلاّ الله، ولا يعلمها غيره، أو يكون راجعاً إلى ذواتهم، أي: لا يعلم ذوات أولئك الذين من بعدهم إلاّ الله سبحانه. وجملة {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} مستأنفة لبيان النبأ المذكور في {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} أي: جاءتهم الرسل بالمعجزات الظاهرة وبالشرائع الواضحة {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} أي جعلوا أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل كما في قوله تعالى: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} [آل عمران: 119]، لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم. وقيل: إن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات، أي: اسكتوا واتركوا هذا الذي جئتم به تكذيباً لهم وردّا لقولهم. وقيل: المعنى أنهم أشاروا إلى أنفسهم وما يصدر عنها من المقالة، وهي قولهم: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي: لا جواب لكم سوى هذا الذي قلناه لكم بألسنتا هذه. وقيل: وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاءا وتعجباً. كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه. وقيل: المعنى ردّوا على الرسل قولهم، وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأوّل للرسل والثاني للكفار. وقيل: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردّاً لقولهم، فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل. وقيل: معناه أومئوا إلى الرسل أن اسكتوا. وقيل: أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقيل: إن الأيدي هنا النعم، أي: ردّوا نعم الرسل بأفواههم، أي: بالنطق والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءهم به من الشرائع، وقال أبو عبيدة: ونعم ما قال: هو ضرب مثل، أي: لم يؤمنوا ولم يجيبوا.
والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت: قد ردّ يده في فيه. وهكذا قال الأخفش، واعترض ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول ردّ يده في فيه: إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى عضوا على الأيدي حنقاً وغيظاً، كقول الشاعر:
يردّن في فيه غيظ الحسود ** حتى يعض عليّ الأكفا

وهذا هو القول الذي قدّمناه على جميع هذه الأقوال، ومنه قول الشاعر:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ** عضت من الوجد بأطراف اليد

وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره أبو عبيدة والأخفش، فإن صح ما ذكراه فتفسير الآية به أقرب {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي قال الكفار للرسل: إنا كفرنا بما أرسلتم به من البينات على زعمكم {وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} أي: في شك عظيم مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه {مُرِيبٍ} أي: موجب للريب. يقال: أربته إذا فعلت أمراً أوجب ريبة وشكاً. والريب قلق النفس وعدم سكونها.
وقد قيل: كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك؟ وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك في صحة نبوّتكم.
ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم، وجملة {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا قالت لهم الرسل؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ أي: أفي وحدانيته سبحانه شك؟ وهي في غاية الوضوح والجلاء. ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه ووحدانيته، فقالوا: {فَاطِرَ السموات والأرض} أي: خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم {يَدْعُوكُمْ} إلى الإيمان به وتوحيده {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} قال أبو عبيدة: {من} زائدة، ووجه ذلك قوله في موضع آخر {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} [الزمر: 53].
وقال سيبويه: هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع؛ وقيل: التبعيض على حقيقته، ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميعها لغيرهم. وبهذه الآية احتج من جوّز زيادة {من} في الإثبات. وقيل: {من} للبدل وليست بزائدة ولا تبعيضية، أي: لتكون المغفرة بدلاً من الذنوب {وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: إلى وقت مسمى عنده سبحانه، وهو الموت فلا يعذبكم في الدنيا {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} أي: ما أنتم إلاّ بشر مثلنا في الهيئة والصورة، تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب، ولستم ملائكة {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا} وصفوهم بالبشر أوّلاً، ثم بإرادة الصدّ لهم عما كان يعبد آباؤهم ثانياً أي: تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها {فَأْتُونَا} إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله {بسلطان مُّبِينٍ} أي: بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدّعونه، وقد جاؤهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة، ولكن هذا النوع من تعنتاتهم، ولون من تلوناتهم.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي: ما نحن في الصورة والهيئة إلاّ بشر مثلكم كما قلتم {ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي: يتفضل على من يشاء منهم بالنبوّة. وقيل: بالتوفيق والهداية {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان} أي: ما صح ولا استقام لنا أن نأتيكم بحجة من الحجج {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي: إلاّ بمشيئته وليس ذلك في قدرتنا. قيل: المراد بالسلطان هنا هو ما يطلبه الكفار من الآيات على سبيل التعنت، وقيل أعم من ذلك، فإن ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أي: عليه وحده، وهذا أمر منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون من عداه، وكأنّ الرسل فصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصداً أوّلياً، ولهذا قالوا: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله} أي: وأيّ عذر لنا في ألاّ نتوكل عليه سبحانه؟ {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} أي: والحال أنه قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه من هدايتنا إلى الطريق الموصل إلى رحمته، وهو ما شرعه لعباده وأوجب عليهم سلوكه {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا آذَيْتُمُونَا} بما يقع منكم من التكذيب لنا والاقتراحات الباطلة {وَعَلَى الله} وحده دون من عداه {فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} قيل: المراد بالتوكل الأوّل استحداثه، وبهذا السعي في بقائه وثبوته. وقيل: معنى الأوّل إن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا في حصولها على الله سبحانه لا علينا، فإن شاء سبحانه أظهرها وإن شاء لم يظهرها. ومعنى الثاني: أبداء التوكل على الله في دفع شر الكفار وسفاهتهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ} قال: أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {لأزِيدَنَّكُمْ} قال: من طاعتي.
وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال: لا تذهب أنفسكم إلى الدينا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي.
وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال: «أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال: تمرة من رسول الله، فقال للجارية: اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها».
، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان.
وقال ابن معين: صالح، وقال أبو زرعة: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري: ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد: روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود: ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: لا بأس به.
وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها: ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعاً، وفيها: ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة؟» ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في زرقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} ويقول: كذب النسابون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله.
وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال: قال رجل لعليّ بن أبي طالب: أنا أنسب الناس، قال: إنك لا تنسب الناس، فقال بلى: فقال له عليّ: أرأيت قوله: {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وأصحاب الرس وَقُرُوناً بَيْنَ ذلك كَثِيراً} [الفرقان: 38] قال: أنا أنسب ذلك الكثير، قال: أرأيت قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} فسكت.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال: ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} قال: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} يقولون: لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكاً قوياً.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود: {فرّدوا أيديهم في أفواههم} قال: عضوا عليها. وفي لفظ: على أناملهم غيظاً على رسلهم.

.تفسير الآيات (13- 18):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}
قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} هؤلاء القائلون هم طائفة المتمرّدين عن إجابة الرسل، واللام في لنخرجنكم هي الموطئة للقسم، أي: والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملتنا، لم يقنعوا بردهم لما جاءت به الرسل وعدم امتثالهم لما دعوهم إليه حتى اجترءوا عليهم بهذا، وخيروهم بين الخروج من أرضهم، أو العود في ملتهم الكفرية.
وقد قيل: إن {أو} في {أو لتعودنّ} بمعنى حتى، أو يعني: إلا أن تعودوا كما قاله بعض المفسرين، وردّ بأنه لا حاجة إلى ذلك، بل {أو} على بابها للتخيير بين أحد الأمرين، وقد تقدّم تفسير الآية في سورة الأعراف. قيل: والعود هنا بمعنى الصيرورة لعصمة الأنبياء عن أن يكونوا على ملة الكفر قبل النبوة وبعدها. وقيل: إن الخطاب للرسل ولمن آمن بهم فغلب على أتباعهم {فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أي: إلى الرسل {لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} أي قال لهم: لنهلكن الظالمين.
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض} أي أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو العود، ومثل هذه الآية قوله سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} [الأعراف: 137]. وقال: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وديارهم} [الأحزاب: 27] وقرئ: {ليهلكن} {وليسكننكم} بالتحتية في الفعلين اعتباراً بقوله: {فأوحى} والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين في مساكنهم {لِمَنْ خَافَ مَقَامِى} أي: موقفي، وذلك يوم الحساب، فإنه موقف الله سبحانه، والمقام بفتح الميم مكان الإقامة. وبالضم فعل الإقامة، وقيل: إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام، أي: لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي له، كقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33].
وقال الأخفش: {ذلك لمن خاف مقامي} أي: عذابي {وَخَافَ وَعِيدِ} أي: خاف وعيدي بالعذاب. وقيل: بالقرآن وزواجره. وقيل: هو نفس العذاب، والوعيد الاسم من الوعد.
{واستفتحوا} معطوف على {أوحى} والمعنى: أنهم استنصروا بالله على أعدائهم، أو سألوا الله القضاء بينهم، من الفتاحة وهي الحكومة ومن المعنى الأوّل قوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} [الأنفال: 19] أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. ومن المعنى الثاني قوله: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: 19] أي: احكم، والضمير في {استفتحوا} للرسل. وقيل: للكفار. وقيل: للفريقين {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة، والعنيد المعاند للحق والمجانب له، وهو مأخوذ من العند، وهو الناحية، أي: أخذ في ناحية معرضاً. قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلوني وسطا ** إني كبير لا أطيق العندا

قال الزجاج: العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي، وقال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى.
وقال ابن كيسان: هو الشامخ بأنفه. وقيل: المراد به العاصي. وقيل: الذي أبى أن يقول لا إله إلاّ الله. ومعنى الآية: أنه خسر وهلك من كان متصفاً بهذه الصفة {مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي: من بعده جهنم، والمراد بعد هلاكه على أن وراءها ها هنا بمعنى بعد، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وليس وراء الله للمرء مذهب

أي: ليس بعد الله، ومثله قوله: {ومن مِنَ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي: من بعده. كذا قال الفراء. وقيل: من ورائه أي: من أمامه، قال أبو عبيد: هو من أسماء الأضداد، لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر، ومنه قول الشاعر:
ومن ورائك يوم أنت بالغه ** لا حاضر معجز عنه ولا بادي

وقال آخر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي ** وقومي تميم والفلاة ورائيا

أي: أمامي، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف: 79]. أي: أمامهم، ويقول أبي عبيدة هذا قاله قطرب.
وقال الأخفش: هو كما يقال: هذا الأمر من ورائك، أي: سوف يأتيك، وأنا من وراء فلان، أي: في طلبه.
وقال النحاس: من ورائه، أي: من أمامه، وليس من الأضداد، ولكنه من توارى، أي: استتر فصارت جهنم من ورائه؛ لأنها لا ترى، وحكى مثله ابن الأنباري. {ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ} معطوف على مقدّر جواباً عن سؤال سائل، كأنه قيل: فماذا يكون إذن؟ قيل: يلقى فيها ويسقى، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار، واشتقاقه من الصدّ، لأنه يصدّ الناظرين عن رؤيته، وهو دم مختلط بقيح، والصديد صفة لماء. وقيل: عطف بيان منه {ويتجرعه} في محل جر على أنه صفة لماء، أو في محل نصب على أنه حال. وقيل: هو استئناف مبنيّ على سؤال. والتجرع التحسي أي: يتحساه مرة بعد مرّة لا مرّة واحدة لمرارته وحرارته {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} أي: يبتلعه، يقال ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغاً: إذا كان سهلاً، والمعنى: ولا يقارب إساغته، فكيف تكون الإساغة؟ بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة، ويشربه على هذه الحال أخرى. وقيل: إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء، كقوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] أي: يفعلون بعد إبطاء، كما يدلّ عليه قوله تعالى في آية أخرى {يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ} [الحج: 20] {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ} أي: تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات. أو من كل موضع من مواضع بدنه.
وقال الأخفش: المراد بالموت هنا البلايا التي تصيب الكافر في النار، سماها موتاً لشدّتها {وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ} أي: والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح. وقيل: تعلق نفسه في حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا، ومثله قوله تعالى: {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا} [الأعلى: 13]، وقيل: معنى {وما هو بميت} لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه، والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه: {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا} وقوله: {لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي من أمامه، أو من بعده عذاب شديد. وقيل هو الخلود. وقيل حبس النفس.
{مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} قال سيبويه: مثل مرتفع على الابتداء، والخبر مقدّر، أي: فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا وبه قال الزجاج.
وقال الفراء: التقدير {مثل} أعمال الذين كفروا فحذف المضاف.
وروي عنه أنه قال بإلغاء مثل. والتقدير الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد. وقيل هو: أعني {مثل} مبتدأ وخبره {أعمالهم كرماد} على أن معناه الصفة، فكأنه قال صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد. والمعنى: أن أعمالهم باطلة غير مقبولة، والرماد ما يبقى بعد احتراق الشيء، ضرب الله سبحانه هذه الآية مثلاً لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف، ومعنى اشتدّت به الريح: حملته بشدّة وسرعة، والعصف شدّة الريح، وصف به زمانها مبالغة كما يقال: يوم حار ويوم بارد، والبرد والحر فيهما لا منهما {لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَئ} أي: لا يقدر الكفار مما كسبوا من تلك الأعمال الباطلة على شيء منها، ولا يرون له أثراً في الآخرة يجازون به ويثابون عليه، بل جميع ما عملوه في الدنيا باطل ذاهب كذهاب الريح بالرماد عند شدة هبوبها. والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما دلّ عليه التمثيل أي: هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها {هُوَ الضلال البعيد} عن طريق الحقّ المخالف لمنهج الصواب، لما كان هذا خسراناً لا يمكن تداركه سماه بعيداً.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا} الآية، قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويكذبونهم، ويدعونهم إلى أن يعودوا في ملتهم، فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا على الله، وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنجز لهم ما وعدهم. واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: وعدهم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فبين الله من يسكنها من عباده فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وإن لله مقاماً هو قائمه، وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {واستفتحوا} قال: للرسل كلها يقول استُنصروا، وفي قوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} قال: معاند للحقّ مجانب له.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: استنصرت الرسل على قومها {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} يقول: عنيد عن الحق معرض عنه، أبى أن يقول لا إله إلاّ إله.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: العنيد الناكب عن الحق.
وأخرج أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ} قال: «يقرب إليه فيتكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره». يقول الله تعالى: {وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} [محمد: 15]. وقال: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل يَشْوِى الوجوه} [الكهف: 29].
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس في قوله: {مِن مَّاء صَدِيدٍ} قال: يسيل من جلد الكافر ولحمه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: {مِن مَّاء صَدِيدٍ} هو القيح والدم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ} قال: أنواع العذاب، وليس منها نوع إلاّ الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت لأن الله يقول: {لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} [فاطر: 36].
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ} قال: من كلّ عظم وعرق وعصب.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة، عن محمد بن كعب نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال: من موضع كل شعرة في جسده {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} قال: الخلود.
وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} قال: حبس الأنفاس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} الآية قال: مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون على شيء من أعمالهم، ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف.