فصل: تفسير الآيات (67- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (67- 77):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
ذكر سبحانه ما كان من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال: {وَجَآء أَهْلُ المدينة يَسْتَبْشِرُونَ} أي: أهل مدينة قوم لوط، وهي سلام كما سبق، وجملة {يستبشرون} في محل نصب على الحال، أي: مستبشرون بأضياف لوط طمعاً في ارتكاب الفاحشة منهم فقال لهم لوط {إِنَّ هَؤُلآء ضَيْفِى} وحد الضيف؛ لأنه مصدر كما تقدّم، والمراد: أضيافي، وسماهم ضيفاً؛ لأنه رآهم على هيئة الأضياف، وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه، فلذلك طمعوا فيهم {فَلاَ تَفْضَحُونِ} يقال: فضحه يفضحه فضيحة وفضحاً: إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بإظهاره. والمعنى: لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية من نزل بي، أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي، فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضخ المضيف {واتقوا الله} في أمرهم {وَلاَ تُخْزُونِ} يجوز أن تكون من الخزي: وهو الذلّ والهوان، ويجوز أن يكون من الخزاية وهي الحياء والخجل.
وقد تقدّم تفسير ذلك في هود.
{قَالُواْ} أي: قوم لوط، مجيبين له: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} الاستفهام للإنكار، والواو للعطف على مقدّر، أي: ألم نتقدّم إليك وننهك عن أن تكلمنا في شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة؟ وقيل: نهوه عن ضيافة الناس، ويجوز حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من هذين الأمرين. {قَالَ هؤلاءآء بَنَاتِى} فتزوّجوهنّ {إِن كُنتُمْ فاعلين} ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتي تزوّجوهنّ حلالاً ولا تركبوا الحرام. وقيل: أراد ببناته نساء قومه، لكون النبيّ بمنزلة الأب لقومه، وقد تقدّم تفسير هذا في هود {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} العمر والعمر بالفتح والضم واحد، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح، لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم. ذكر ذلك الزجاج.
قال القاضي عياض: اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله، جلّ جلاله، بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي، فقال: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله تعالى ها هنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً له. قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم البرية عنده. قال ابن العربي: ما الذي يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم على الله منه، أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع.
قال القرطبي: ما قاله حسن، فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وسلم كلاماً معترضاً في قصة لوط. فإن قيل: قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين، ونحو ذلك فما فيهما من فضل؟ وأجيب بأنه ما من شيء أقسم الله به إلاّ وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه، وذكر صاحب الكشاف وأتباعه: أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول أي: قالت الملائكة للوط: لعمرك، ثم قال: وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له. انتهى.
وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله، فليس لعباده أن يقسموا بغيره. وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23]. وقيل: الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون، وطور سينين، والنجم، والضحى، والشمس، والليل، ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به، أي: وخالق التين، وكذلك ما بعده. وفي قوله: {لَعَمْرُكَ} أي: وخالق عمرك.
ومعنى {إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}: لفي غوايتهم يتحيرون، جعل الغواية، لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة، والضمير لقريش. على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو القوم لوط على أن القسم للرسول عليه السلام {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} العظيمة، أو صيحة جبريل حال كونهم {مُشْرِقِينَ} أي: داخلين في وقت الشروق، يقال: أشرقت الشمس أي: أضاءت. وشرقت: إذا طلعت، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد. وأشرق القوم: إذا دخلوا في وقت شروق الشمس. وقيل: أراد شروق الفجر. وقيل: أوّل العذاب كان عند شروق الفجر وامتدّ إلى طلوع الشمس. والصيحة: العذاب {فَجَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} أي: عالي المدينة سافلها {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} من طين متحجر.
وقد تقدّم الكلام مستوفى على هذا في سورة هود.
{إِنَّ في ذَلِكَ} أي: في المذكور من قصتهم، وبيان ما أصابهم {لآيَاتٍ} لعلامات يستدلّ بها {لِلْمُتَوَسّمِينَ}: للمتفكرين الناظرين في الأمر ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر ** أنيق لعين الناظر المتوسم

وقال الآخر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة ** بعثوا إليّ عريفهم يتوسم

وقال أبو عبيدة: للمتبصرين.
وقال ثعلب: الواسم: الناظر إليك من قرنك إلى قدمك. والمعنى متقارب، وأصل التوسم: التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم، وهو التأثير بحديدة في جلد البعير {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} يعني: قرى قوم لوط أو معدينتهم على طريق ثابت، وهي الطريق من المدينة إلى الشام، فإن السالك في هذه الطريق يمرّ بتلك القرى {إِنَّ في ذَلِكَ} المذكور من المدينة أو القرى {لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} يعتبرون بها، فإن المؤمنين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَجَآء أَهْلُ المدينة يَسْتَبْشِرُونَ} قال: استبشروا بأضياف نبيّ الله لوط حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} قال: يقولون: أولم ننهك أن تضيف أحداً، أو تؤويه؟ {قَالَ هؤلاءآء بَنَاتِى إِن كُنْتُمْ فاعلين} أمرهم لوط بتزويج النساء، وأراد أن يبقي أضيافه ببناته.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم عن ابن عباس قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} يقول: وحياتك يا محمد، وعمرك وبقائك في الدنيا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {لَعَمْرُكَ} قال: لعيشك.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: ما حلف الله بحياة أحد إلاّ بحياة محمد قال: {لَعَمْرُكَ} الآية.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل لعمري يرونه كقوله وحياتي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي: في ضلالهم يلعبون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الأعمش في الآية: لفي غفلتهم يتردّدون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فأخذتهم الصيحة} مثل الصاعقة، وكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة.
وأخرج ابن جرير عنه {مُشْرِقِينَ} قال: حين أشرقت الشمس.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} قال: علامة، أما ترى الرجل يرسل خاتمه إلى أهله، فيقول: هاتوا كذا وكذا، فإذا رأوه، عرفوا أنه حق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه {لِلْمُتَوَسّمِينَ} قال: للناظرين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال: للمعتبرين.
وأخرج ابن جريج، وابن المنذر عن مجاهد قال: للمتفرّسين، وأخرج البخاري، في التاريخ، والترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن السني، وأبو نعيم، وابن مردويه، والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} يقول: لبهلاك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لبطريق مقيم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: لبطريق واضح.

.تفسير الآيات (78- 86):

{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
قوله: {وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة} (أن) هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف، أي: وإن الشأن كان أصحاب الأيكة. والأيكة: الغيضة، وهي جماع الشجر. والجمع: الأيك. ويروى أن شجرهم كان دوماً، وهو المقل، فالمعنى: وإن كان أصحاب الشجر المجتمع. وقيل: الأيكة: اسم القرية التي كانوا فيها. قال أبو عبيدة: الأيكة، وليكة: مدينتهم كمكة وبكة، وأصحاب الأيكة: هم قوم شعيب، وقد تقدّم خبرهم، واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم، وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق، والضمير في {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} يرجع إلى مدينة قوم لوط، ومكان أصحاب الأيكة، أي: وإن المكانين لبطريق واضح. والإمام: اسم لما يؤتمّ به، ومن جملة ذلك الطريق التي تسلك. قال الفراء والزجاج: سمي الطريق إماماً، لأنه يؤتمّ ويتبع.
وقال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتمّ به حتى يصل إلى الموضع الذي يريده. وقيل: الضمير للأيكة ومدين، لأن شعيباً كان ينسب إليهما.
ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين} الحجر: اسم لديار ثمود، قاله الأزهري. وهي ما بين مكة وتبوك.
وقال ابن جرير: هي أرض بين الحجاز والشام. وقال: {المرسلين} ولم يرسل إليهم إلاّ صالح؛ لأن من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الباقين لكونهم متفقين في الدعوة إلى الله. وقيل: كذبوا صالحاً ومن تقدّمه من الأنبياء. وقيل: كذبوا صالحاً، ومن معه من المؤمنين {وءاتيناهم ءاياتنا} أي الآيات المنزلة على نبيهم، ومن جملتها: الناقة. فإن فيها آيات جمة، كخروجها من الصخرة، ودنوّ نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي: غير معتبرين، ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا} النحت في كلام العرب: البري والنجر، نحته ينحته بالكسر نحتاً أي: براه، وفي التنزيل: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] أي: تنجرون. وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتاً، أي: يخرقونها في الجبال. وانتصاب {ءامِنِينَ} على الحال. قال الفراء: آمنين من أن ينقع عليهم، وقيل: آمنين من الموت. وقيل: من العذاب ركوناً منهم على قوّتها ووثاقتها. {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ} أي: داخلين في وقت الصبح.
وقد تقدم ذكر الصيحة في الأعراف، وفي هود، وتقدم أيضاً قريباً.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي: لم يدفع عنهم شيئاً من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال والحصون في الجبال.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} أي: متلبسة بالحق، وهو ما فيهما من الفوائد والمصالح، وقيل: المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته كما في قوله سبحانه: {وَللَّهِ مَا في * السموات وَمَا فِي الارض * لِيَجْزِىَ الذين أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} [النجم: 31]. وقيل: المراد بالحق: الزوال؛ لأنها مخلوقة وكل مخلوق زائل {وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب، ويحسن إلى من يستحق الإحسان، وفيه وعيد للعصاة وتهديد، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يصفح عن قومه، فقال: {فاصفح الصفح الجميل} أي: تجاوز عنهم واعف عفواً حسناً. وقيل: فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً ولا تعجل عليهم، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. قيل: وهذا منسوخ بآية السيف {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق العليم} أي: الخالق للخلق جميعاً، العليم بأحوالهم وبالصالح والطالح منهم.
وقد أخرج ابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيباً».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: أصحاب الأيكة: هم قوم شعيب، والأيكة. ذات آجام وشجر كانوا فيها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأيكة: الغيضة.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: أصحاب الأيكة: أهل مدين، والأيكة: الملتفة من الشجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الأيكة: مجمع الشيء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال في قوله: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} طريق ظاهر.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في أصحاب الحجر قال: أصحاب الوادي.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان أصحاب الحجر ثمود وقوم صالح.
وأخرج البخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلاّ أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم».
وأخرج ابن مردويه عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، وعجنوا منها، ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم بإهراق القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، فقال: «إني أخشى أن يصيبكم مثل الذي أصابهم، فلا تدخلوا عليهم».
وأخرج ابن مردويه، عن سبرة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بالحجر لأصحابه: «من عمل من هذا الماء شيئاً فليلقه» قال: ومنهم من عجن العجين، ومنهم من حاس الحيس.
وأخرج ابن مردويه، وابن النجار عن عليّ في قوله: {فاصفح الصفح الجميل} قال: الرضا بغير عتاب.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: هذه الآية قبل القتال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله.