فصل: تفسير الآيات (91- 96):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (91- 96):

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)}
خصّ سبحانه من جملة المأمورات التي تضمنها قوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل} الوفاء بالعهد، فقال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} وظاهره العموم في كل عهد يقع من الإنسان من غير فرق بين عهد البيعة وغيره. وخصّ هذا العهد المذكور في هذه الآية بعض المفسرين بالعهد الكائن في بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وهو خلاف ما يفيده العهد المضاف إلى اسم الله سبحانه من العموم الشامل لجميع عهود الله. ولو فرض أن السبب خاص بعهد من العهود، لم يكن ذلك موجباً لقصره على السبب، فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وفسره بعضهم باليمين، وهو مدفوع بذكر الوفاء بالأَيمان بعده حيث قال سبحانه: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} أي: بعد تشديدها وتغليظها وتوثيقها، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالأَيمان المؤكدة، لا بغيرها مما لا تأكيد فيه. فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يوكد منها. يقال: وكد وأكد توكيداً وتأكيداً، وهما لغتان.
وقال الزجاج: الأصل الواو، والهمزة بدل منها، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم فقال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه»، حتى بالغ في ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني وهذه الألفاظ ثابتة في الصحيحين وغيرهما، ويخصّ أيضاً من هذا العموم يمين اللغو، لقوله سبحانه: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أيمانكم} [البقرة: 225] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هنا لإخراج أيمان اللغو.
وقد تقدّم بسط الكلام على الأَيمان في البقرة. {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} أي: شهيداً. وقيل: حافظاً. وقيل: ضامناً. وقيل: رقيباً؛ لأن الكفيل يراعي حال المكفول به. وقيل: إن توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مراراً.
وحكى القرطبي عن ابن عمر: أن التوكيد هو أن يحلف مرتين، فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فيجازيكم بحسب ذلك، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، وفيه ترغيب وترهيب.
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض، فقال: {وَلاَ تَكُونُواْ كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا} أي لا تكونوا فيما تصنعون من النقض، بعد التوكيد كالتي نقضت غزلها، أي: ما غزلته {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} أي: من بعد إبرام الغزل وإحكامه، وهو متعلق ب {نقضت} {أنكاثا} جمع نكث بكسر النون، ما ينكث فتله. قال الزجاج: انتصب {أنكاثاً} على المصدر؛ لأن معنى نقضت: نكثت.
وردّ بأن {أنكاثاً} ليس بمصدر، وإنما هو جمع كما ذكرنا.
وقال الواحدي: هو منصوب على أنه مفعول ثانٍ كما تقول كسرته أقطاعاً وأجزاء، أي: جعلته أقطاعاً وأجزاء. ويحتمل أن يكون حالاً. قال ابن قتيبة: هذه الآية متعلقة بما قبلها، والتقدير: وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأَيمان، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلاً وأحكمته ثم جعلته أنكاثاً.
وجملة {تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ} في محل نصب على الحال. قال الجوهري: والدخل: المكر والخديعة، وقال أبو عبيدة: كلّ أمر لم يكن صحيحاً فهو دخل، وقيل: الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج: غشاً وغلاً {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: بأن تكون جماعة هي أربى من جماعة، أي: أكثر عدداً منها وأوفر مالاً. يقال: ربا الشيء يربو إذا كثر، قال الفراء: المعنى: لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم، أو لقلتكم وكثرتهم، وقد عزرتموهم بالأَيمان. قيل: وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم، نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم. وقيل: هو تحذير للمؤمنين أن يغترّوا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} أي: يختبركم بكونكم أكثر وأوفر، لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء، أم تنقضون اغتراراً بالكثرة؟ فالضمير في {به} راجع إلى مضمون جملة: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي: إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة، ليعلم ما تصنعون، أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم. {وَلَيُبَيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فيوضح الحق والمحقين، ويرفع درجاتهم، ويبين الباطل والمبطلين، فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه. وفي هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل. أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار. ثم بيّن سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال: {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقة على الحق {ولكن} بحكم الإلهية {يُضِلُّ مَن يَشَاء} بخذلانه إياهم عدلاً منه فيهم {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} بتوفيقه إياهم فضلاً منه عليهم {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23]. ولهذا قال: {ولتسألن عما كنتم تعملون} من الأعمال في الدنيا، واللام في {وليبيننّ لكم} وفي {ولتسألنّ} هما الموطئتان للقسم.
ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان، نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة، فقال: {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ} وهي أيمان البيعة. قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين. واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} من المبالغة، وبما في قوله: {وَتَذُوقُواْ السوء بِمَا صَدَدتُّمْ} لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صدّوا غيرهم عن الدخول في الإسلام.
وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله، لقصد التأكيد والتقرير. ومعنى {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتزلّ قدم من اتخذ يمينه دخلاً عن محجة الحق {بعد ثبوتها} عليها ورسوخها فيها. قيل: وأفرد القدم للإيذان بأن زلل قدم واحد، أيّ قدم كانت عزّت أو هانت محذور عظيم، فكيف بأقدام كثيرة؟ وهذا استعارة للمستقيم الحال، يقع في شرّ عظيم ويسقط فيه، لأن القدم إذا زلت، نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شرّ. ويقال لمن أخطأ في شيء: زلت به قدمه، ومنه قول الشاعر:
تداركتما عبساً وقد ثلّ عرشها ** وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

{وَتَذُوقُواْ السوء بِمَا صَدَدتُّمْ} أي: تذوقوا العذاب السيء في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما بما صددتم {عَن سَبِيلِ الله} أي: بسبب صدودكم أنتم عن سبيل الله، وهو الإسلام، أو بسبب صدّكم لغيركم عن الإسلام، فإن من نقض البيعة وارتدّ، اقتدى به غيره في ذلك، فكان فعله سنّة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها ولهذا قال: {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: متبالغ في العظم، وهو عذاب الآخرة إن كان المراد بما قبله عذاب الدنيا.
ثم نهاهم سبحانه عن الميل إلى عرض الدنيا والرجوع عن العهد لأجله فقال: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً} أي: لا تأخذوا في مقابلة عهدكم عوضاً يسيراً حقيراً. وكل عرض دنيوي وإن كان في الصورة كثيراً، فهو لكونه ذاهباً زائلاً يسير، ولهذا ذكر سبحانه بعد تقليل عرض الدنيا خيرية ما عند الله فقال: {إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي: ما عنده من النصر في الدنيا والغنائم والرزق الواسع، وما عنده في الآخرية من نعيم الجنة الذي لا يزول ولا ينقطع هو خير لهم. ثم علل النهي عن أن يشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً، وأن ما عند الله هو خير لهم بقوله: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الأشياء.
ثم ذكر دليلاً قاطعاً على حقارة عرض الدنيا وخيرية ما عند الله فقال: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} ومعلوم لكل عاقل أن ما ينفد ويزول وإن بلغ في الكثرة إلى أي مبلغ فهو حقير يسير، وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل. أما نعيم الآخرة فظاهر، وأما نعيم الدنيا الذي أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلاً، لكنه لما كان متصلاً بنعيم الآخرة، كان من هذه الحيثية في حكم الباقي الذي لا ينقطع، ثم قال: {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} اللام هي الموطئة، أي: لنجزينهم بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاقّ التكليف وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الإيذاء بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعات.
قيل: وإنما خصّ أحسن أعمالهم؛ لأن ما عداه وهو الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل: المعنى: ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم، كقوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأعلى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل، لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن، كذا قيل. قرأ عاصم وابن كثير {لنجزين} بالنون. وقرأ الباقون بالياء التحتية.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر في قوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} قال: أنزلت هذه الآية في بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّ من أسلم بايع على الإسلام، فقال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله} الآية، فلا يحملنكم قلة محمد وأصحابه، وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} يقول: بعد تغليظها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه.
وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، أن سعيدة الأسدية كانت تجمع الشعر والليف، فنزلت فيها هذه الآية {وَلاَ تَكُونُواْ كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص مثله. وفي الروايتين جميعاً أنها كانت مجنونة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدّي في سبب نزول الآية، قال: كانت امرأة بمكة تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها نقضته.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير معناه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} قال: ناس أكثر من ناس.
وأخرجوا عن مجاهد في الآية قال: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ، فنهوا عن ذلك.

.تفسير الآيات (97- 105):

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}
هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح، وتعميم للوعد. ومعنى {مَّنْ عَمِلَ صالحا} من عمل عملاً صالحاً أي: عمل كان. وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ {من} شاملاً لهما لقصد التأكيد والمبالغة في تقرير الوعد. وقيل: إن لفظ {من} ظاهر في الذكور، فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين، وجملة {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} في محل نصب على الحال، جعل سبحانه الإيمان قيداً في الجزاء المذكور؛ لأن عمل الكافر لا اعتداد به، لقوله سبحانه: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].
ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً} وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون؟ فقيل: بالرزق الحلال، روي ذلك عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك. وقيل: بالقناعة، قاله الحسن البصري، وزيد بن وهب، ووهب بن منبه.
وروي أيضاً عن عليّ وابن عباس. وقيل: بالتوفيق إلى الطاعة، قاله الضحاك. وقيل: الحياة الطيبة: هي حياة الجنة. روي عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وحكي عن الحسن أنه قال: لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة، وقيل: الحياة الطيبة. هي السعادة. روي ذلك عن ابن عباس. وقيل: هي المعرفة بالله، حكي ذلك عن جعفر الصادق.
وقال أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة.
وقال سهل بن عبد الله التستري: هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه، ويردّ تدبيره إلى الحق. وقيل: هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق. وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هي في الدنيا، لا في الآخرة؛ لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقد قدّمنا قريباً تفسير الجزاء بالأحسن. ووحد الضمير في {لنحيينه} وجمعه في {ولنجزينهم} حملاً على لفظ {من} وعلى معناه.
ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه أتبعه بذكر الاستعاذة التي تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية، فقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرءان فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} والفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح، وقيل: هذه الآية متصلة بقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لّكُلّ شَئ} والتقدير: فإذا أخذت في قراءته، فاستعذ. قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة: معناه: إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ: وليس معناه: أستعذ بعد أن تقرأ القرآن، ومثله: إذا أكلت فقل: بسم الله. قال الواحدي: وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة، إلاّ ما روي عن أبي هريرة، وابن سيرين، وداود، ومالك، وحمزة من القراء، فإنهم قالوا: الاستعاذة بعد القراءة، ذهبوا إلى ظاهر الآية، ومعنى {فاستعذ بالله} اسأله سبحانه أن يعيذك من الشيطان الرجيم، أي: من وساوسه.
وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها أهمّ؛ لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كانت عند إرادة غيره أولى، كذا قيل. وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة؛ لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان مع عصمته، فكيف بسائر أمته؟ وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب.
وروي عن عطاء الوجوب أخذاً بظاهر الأمر.
وقد تقدّم الكلام في الاستعاذة مستوفى في أوّل هذا التفسير.
والضمير في {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} للشأن أو للشيطان، أي: ليس له تسلط {على} إغواء {الذين ءامَنُواْ وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وحكى الواحدي عن جميع المفسرين أنهم فسروا السلطان بالحجة. وقالوا: المعنى: ليس له حجة على المؤمنين في إغوائهم ودعائهم إلى الضلالة. ومعنى {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يفوّضون أمورهم إليه في كل قول وفعل. فإن الإيمان بالله والتوكل عليه يمنعان الشيطان من وسوسته لهم، وإن وسوس لأحد منهم، لا تؤثر فيه وسوسته. وهذه الجملة تعليل للأمر بالاستعاذة، وهؤلاء الجامعون بين الإيمان والتوكل هم الذين قال فيهم إبليس: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: 40] وقال الله فيهم: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42].
ثم حصر سبحانه سلطان الشيطان، فقال: {إِنَّمَا سلطانه} أي: تسلطه على الإغواء {على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} أي: يتخذونه ولياً ويطيعونه في وساوسه {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} الضمير في {به} يرجع إلى الله تعالى، أي: الذين هم بالله مشركون. وقيل: يرجع إلى الشيطان. والمعنى: والذين هم من أجله وبسبب وسوسته مشركون بالله.
{وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} هذا شروع منه سبحانه في حكاية شبه كفرية ودفعها. ومعنى التبديل: رفع الشيء مع وضع غيره مكانه. وتبديل الآية رفعها بأخرى غيرها، وهو نسخها بآية سواها.
وقد تقدّم الكلام في النسخ في البقرة {قَالُواْ} أي: كفار قريش الجاهلون للحكمة في النسخ {إِنَّمَا أَنتَ} يا محمد {مُفْتَرٍ} أي: كاذب مختلق على الله، متقوّل عليه بما لم يقل، حيث تزعم أنه أمرك بشيء. ثم تزعم أنه أمرك بخلافه، فردّ الله سبحانه عليهم بما يفيد جهلهم، فقال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} شيئاً من العلم أصلاً، أو لا يعلمون بالحكمة في النسخ، فإنه مبنيّ على المصالح التي يعلمها الله سبحانه، فقد يكون في شرع هذا الشيء مصلحة مؤقتة بوقت، ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت في شرع غيره، ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة، لعرفوا أن ذلك وجه الصواب ومنهج العدل والرفق واللطف.
ثم بين سبحانه لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ، الزاعمين أن ذلك لم يكن من عند الله، وأن رسوله افتراه فقال: {قُلْ نَزَّلَهُ} أي: القرآن المدلول عليه بذكر الآية. {رُوحُ القدس} أي: جبريل، والقدس: التطهير. والمعنى: نزله الروح المطهر من أدناس البشرية، فهو من إضافة موصوف إلى الصفة {مِن رَبّكَ} أي: ابتداء تنزيله من عنده سبحانه، و{بالحق} في محل نصب على الحال، أي: متلبساً بكونه حقاً ثابتاً لحكمة بالغة {لِيُثَبّتَ الذين ءامَنُواْ} على الإيمان، فيقولون: كلّ من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا؛ ولأنهم أيضاً إذا عرفوا ما في النسخ من المصالح ثبتت أقدامهم على الإيمان ورسخت عقائدهم. وقرئ: {ليثبت} من الإثبات {وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} وهما معطوفان على محل {ليثبت} أي: تثبيتاً لهم وهداية وبشارة، وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم.
ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبههم فقال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} اللام هي الموطئة، أي: ولقد نعلم أن هؤلاء الكفار يقولون: إنما يعلم محمداً القرآن بشر من بني آدم غير ملك.
وقد اختلف أهل العلم في تعيين هذا البشر الذي زعموا عليه ما زعموا، فقيل: هو غلام الفاكه بن المغيرة، واسمه جبر، وكان نصرانياً فأسلم، وكان كفار قريش إذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أخبار القرون الأولى مع كونه أمياً، قالوا: إنما يعلمه جبر، وقيل: اسمه يعيش، عبد لبني الحضرميّ، وكان يقرأ الكتب الأعجمية. وقيل: غلام لبني عامر بن لؤيّ، وقيل: هما غلامان: اسم أحدهما يسار، واسم الآخر جبر، وكانا صيقليين يعملان السيوف، وكانا يقرآن كتاباً لهم. وقيل: كانا يقرآن التوراة والإنجيل. وقيل: هو سلمان الفارسي. وقيل: عنوا نصرانياً بمكة اسمه بلعام، وكان يقرأ التوراة. وقيل: عنوا رجلاً نصرانياً كان اسمه أبا ميسرة يتكلم بالرومية، وفي رواية اسمه عداس. قال النحاس: وهذه الأقوال غير متناقضة، لأنه يجوز أنهم زعموا أنهم جميعاً يعلمونه، ولكن لا يمكن الجمع باعتبار قول من قال: إنه سلمان، لأن هذه الآية مكية، وهو إنما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا فقال: {لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} الإلحاد: الميل، يقال: لحد وألحد أي: مال عن القصد.
وقد تقدّم في الأعراف. وقرأ حمزة والكسائي {يلحدون} بفتح الياء والحاء. وقرأ من عداهما بضم الياء وكسر الحاء، أي: لسان الذين يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك أعجميّ، يقال: رجل أعجم وإمرأة عجماء، أي: لا يفصحان، والعجمة: الإخفاء، وهي ضدّ البيان. والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بها أعجمياً. قال الفراء: الأعجم: الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب، والأعجميّ: هو العجمي الذي أصله من العجم.
وقال أبو علي الفارسي: العجمي المنسوب إلى العجم الذي لا يفصح، سواء كان من العرب أو من العجم، وكذلك الأعجم. والأعجمي: المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً. {وهذا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} الإشارة إلى القرآن، وسماه لساناً لأن العرب تقول للقصيدة والبيت: لساناً، ومنه قول الشاعر:
لسان الشر تهديها إلينا ** وخنت وما حسبتك أن تخونا

أو أراد باللسان: البلاغة، فكأنه قال: وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان واضح، فكيف تزعمون أن بشراً يعلمه من العجم؟ وقد عجزتم أنتم عن معارضة سورة منه، وأنتم أهل اللسان العربي ورجال الفصاحة، وقادة البلاغة، وهاتان الجملتان مستأنفتان سيقتا لإبطال طعنهم ودفع كذبهم.
ولما ذكر سبحانه جوابهم، وبخهم وهددّهم فقال: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي: لا يصدّقون بها {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} إلى الحق الذي هو سبيل النجاة، هداية موصلة إلى المطلوب لما علم من شقاوتهم {وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} بسبب ما هم عليه من الكفر والتكذيب بآيات الله.
ثم لما وقع منهم نسبة الافتراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ عليهم بقوله: {إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} فكيف يقع الافتراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رأس المؤمنين بها، والداعين إلى الإيمان بها. وهؤلاء الكفار هم الذين لا يؤمنون بها، فهم المفترون للكذب. قال الزجاج: المعنى: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلاّ الله كذبوا بها هؤلاء أكذب الكذبة، ثم سماهم الكاذبين. فقال: {وَأُوْلئِكَ} أي: المتصفون بذلك {هُمُ الكاذبون} أي: إن الكذب نعت لازم لهم وعادة من عادتهم فهم الكاملون في الكذب، إذ لا كذب أعظم من تكذيبهم بآيات الله.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد ابن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه سئل عن الحياة الطيبة: المذكورة في الآية فقال: الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا، وإذا صار إلى ربه، جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الكسب الطيب، والعمل الصالح.
وأخرج العسكري في الأمثال عن عليّ في الآية قال: القناعة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال: القنوع، قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الّلهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير».
وأخرج أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه».
وأخرج الترمذي، والنسائي من حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافاً وقنع به».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة وغيرها من أجل قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم}.
وقد ورد في مشروعية الاستعاذة عند التلاوة ما لعلنا قد قدّمنا ذكره.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يقول: سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن مردويه، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} قال: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} قال: هو كقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: 106].
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه قال السيوطي: بسندٍ ضعيف عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بمكة قينا اسمه بلعام، وكان أعجمياً، فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان عنه في الآية، قال: قالوا إنما يعلم محمداً عبد بن الحضرمي وهو صاحب الكتب، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج آدم بن أبي إياس، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن عبد الله ابن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما: يسار. والآخر: جبر، وكان يصنعان السيوف بمكة، وكانا يقرآن الإنجيل، فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن فيقف ويستمع، فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، فنزلت هذه الآية.