فصل: تفسير الآيات (34- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (34- 41):

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)}
لما ذكر سبحانه النهي عن إتلاف النفوس، أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال، وكان أهمها بالحفظ والرعايا مال اليتيم فقال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم}. والنهي عن قربانه مبالغة في النهي عن المباشرة له وإتلافه. ثم بيّن سبحانه أن النهي عن قربانه، ليس المراد منه النهي عن مباشرته فيما يصلحه ويفسده، بل يجوز لوليّ اليتيم أن يفعل في مال اليتيم ما يصلحه، وذلك يسلتزم مباشرته، فقال: {إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} أي: إلاّ بالخصلة التي هي أحسن الخصال، وهي حفظه وطلب الربح فيه والسعي فيما يزيد به. ثم ذكر الغاية التي للنهي عن قربان مال اليتيم فقال: {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي: لا تقربوه إلاّ بالتي هي أحسن حتى يبلغ اليتيم أشدّه، فإذا بلغ أشدّه كان لكم أن تدفعوه إليه، أو تتصرفوا فيه بإذنه.
وقد تقدّم الكلام على هذا مستوفى في الأنعام {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} قد مضى الكلام فيه في غير موضع. قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه، فهو من العهد، فيدخل في ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم البعض. والوفاء بالعهد: هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي، إلاّ إذا دلّ دليل خاص على جواز النقض {إِنَّ العهد كَانَ مَّسْئُولاً} أي: مسئولاً عنه، فالمسئول هنا: هو صاحبه، وقيل: إن العهد يسأل تبكيتاً لناقضه. {وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ} أي: أتموا الكيل ولا تخسروه وقت كيلكم للناس. {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم}. قال الزجاج: هو ميزان العدل أيّ: ميزان كان من موازين الدراهم وغيرها، وفيه لغتان: ضم القاف، وكسرها، وقيل هو القبّان المسمى بالقرسطون؛ وقيل هو العدل نفسه، وهي لغة الروم، وقيل: لغة سريانية. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر {القُسطاس} بضم القاف، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بكسر القاف، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى إيفاء الكيل والوزن، وهو مبتدأ، وخبره {خَيْرٌ} أي: خير لكم عند الله وعند الناس، يتأثر عنه حسن الذكر وترغيب الناس في معاملة من كان كذلك {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أي: أحسن عاقبة، من آل إذا رجع. ثم أمر سبحانه بإصلاح اللسان والقلب فقال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي: لا تتبع ما لا تعلم، من قولك: قفوت فلاناً: إذا اتبعت أثره، ومنه قافية الشعر، لأنها تقفو كل بيت، ومنه القبيلة المشهورة بالقافة، لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس.
وحكى ابن جرير عن فرقة أنها قالت: قفا وقاف، مثل عثا وعاث. قال منذر بن سعيد البلوطي: قفا وقاف، مثل جذب وجبذ.
وحكى الكسائي عن بعض القراء أنه قرأ: {تَقُفْ} بضم القاف وسكون الفاء.
وقرأ الفراء بفتح القاف وهي لغة لبعض العرب، وأنكرها أبو حاتم وغيره. ومعنى الآية: النهي عن أن يقول الإنسان ما لا يعلم، أو يعمل بما لا علم له به، وهذه قضية كلية، وقد جعلها جماعة من المفسرين خاصة بأمور: فقيل: لا تذم أحداً بما ليس لك به علم؛ وقيل: هي في شهادة الزور؛ وقيل: هي في القذف.
وقال القتيبي: معنى الآية: لا تتبع الحدس والظنون، وهذا صواب، فإن ما عدا ذلك هو العلم؛ وقيل: المراد بالعلم هنا: هو الاعتقاد الراجح المستفاد من مستند قطعياً كان أو ظنياً. قال أبو السعود في تفسيره: واستعماله بهذا المعنى مما لا ينكر شيوعه. وأقول: إن هذه الآية قد دلت على عدم جواز العمل بما ليس بعلم، ولكنها عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظنّ كالعمل بالعامّ، وبخبر الواحد، والعمل بالشهادة، والاجتهاد في القبلة وفي جزاء الصيد ونحو ذلك، فلا تخرج من عمومها ومن عموم {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} [يونس: 36]. إلاّ ما قام دليل جواز العمل به، فالعمل بالرأي في مسائل الشرع إن كان لعدم وجود الدليل في الكتاب والسنّة، فقد رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه قاضياً: «بم تقضي؟ قال بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: فبسنّة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي». وهو حديث صالح للاحتجاج به كما أوضحنا ذلك في بحث مفرد. وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتاب أو السنّة، ولكنه قصر صاحب الرأي عن البحث فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولاً أوّلياً، لأنه محض رأي في شرع الله، وبالناس عنه غنىً بكتاب الله سبحانه وبسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تدع إليه حاجة، على أن الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل إنما هو رخصة للمجتهد يجوز له أن يعمل به، ولم يدل دليل على أنه يجوز لغيره العمل به، وينزله منزلة مسائل الشرع، وبهذا يتضح لك أتمّ اتضاح، ويظهر لك أكمل ظهور أن هذه الآراء المدوّنة في الكتب الفروعية ليست من الشرع في شيء، والعامل بها على شفا جرف هار، فالمجتهد المستكثر من الرأي قد قفا ما ليس له به علم، والمقلد المسكين العامل برأي ذلك المجتهد قد عمل بما ليس له به علم ولا لمن قلده {ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور: 40].
وقد قيل: إن هذه الآية خاصة بالعقائد ولا دليل على ذلك أصلاً. ثم علل سبحانه النهي عن العمل بما ليس بعلم بقوله: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً} إشارة إلى الأعضاء الثلاثة، وأجريت مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها.
وقال الزجاج: إن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل ب: أولئك، وأنشد ابن جرير مستدلاً على جواز هذا قول الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيام

واعترض بأن الرواية بعد أولئك الأقوام، وتبعه غيره على هذا الخطأ كصاحب الكشاف. والضمير في {كان} من قوله: {كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً} يرجع إلى {كل} وكذا الضمير في {عنه} وقيل: الضمير في {كان} يعود إلى القافي المدلول عليه بقوله: {وَلاَ تَقْفُ}. وقوله: {عنه} في محل رفع لإسناد {مسئولاً} إليه، ورد بما حكاه النحاس من الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جاراً أو مجروراً. قيل: والأولى أن يقال: إنه فاعل {مسئولاً} المحذوف، والمذكور مفسر له. ومعنى سؤال هذه الجوارح: أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات، والمستعمل لها: هو الروح الإنساني، فإن استعملها في الخير استحق الثواب، وإن استعملها في الشرّ استحق العقاب؛ وقيل: إن الله سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها. {وَلاَ تَمْشِ في الأرض مَرَحًا} المرح: قيل: هو شدّة الفرح، وقيل: التكبر في المشي؛ وقيل: تجاوز الإنسان قدره؛ وقيل: الخيلاء في المشي؛ وقيل: البطر والأشر، وقيل: النشاط. والظاهر أن المراد به هنا: الخيلاء والفخر، قال الزجاج في تفسير الآية: لا تمش في الأرض مختالاً فخوراً، وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلاّ عليها، أو على ما هو معتمد عليها تأكيداً وتقريراً، ولقد أحسن من قال:
ولا تمش فوق الأرض إلاّ تواضعا ** فكم تحتها قوم هم منك أرفع

وإن كنت في عزّ وحرز ومنعة ** فكم مات من قوم هم منك أمنع

والمرح مصدر وقع حالاً، أي: ذا مرح. وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد. وقرأ الجمهور {مرحاً} بفتح الراء على المصدر.
وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل ثم علل سبحانه هذا النهي فقال: {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض} يقال: خرق الثوب أي: شقه، وخرق الأرض: قطعها، والخرق: الواسع من الأرض، والمعنى: أنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها تكبراً، وفيه تهكم بالمختال المتكبر {وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً} أي: ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جثتك حاملاً لك على الكبر والاختيال، فلا قوّة لك حتى تخرق الأرض بالمشي عليها، ولا عظم في بدنك حتى تطاول الجبال، فما الحامل لك على ما أنت فيه؟. و{طولاً} مصدر في موضع الحال، أو تمييز، أو مفعول له؛ وقيل: المراد بخرق الأرض نقبها، لا قطعها بالمسافة.
وقال الأزهري: خرقها: قطعها، قال النحاس: وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق، وهو: الفتحة الواسعة، ويقال: فلان أخرق من فلان: أي أكثر سفراً، والإشارة بقوله: {كُلُّ ذلك} إلى جميع ما تقدّم ذكره من الأوامر والنواهي، أو إلى ما نهى عنه فقط من قوله: {وَلاَ تَقْفُ} {وَلاَ تَمْشِ}.
قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، ومسروق: {سيئه} على إضافة سيء إلى الضمير، ويؤيد هذه القراءة قوله: {مَكْرُوهًا} فإن السيء هو المكروه. ويؤيدها أيضاً قراءة أبيّ: {كان سيئاته} واختار هذه القراءة أبو عبيد. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {سيئة} على أنها واحدة السيئات، وانتصابها على خبرية كان، ويكون {مكروهاً} صفة ل {سيئة} على المعنى، فإنها بمعنى (سيئاً) أو هو بدل من {سيئة}؛ وقيل: هو خبر ثانٍ ل {كان} حملاً على لفظ {كل} ورجح أبو علي الفارسي البدل، وقد قيل في توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى. قال الزجاج: والإضافة أحسن، لأن ما تقدّم من الآيات فيها سيء وحسن، فسيئه المكروه. ويقوّي ذلك التذكير في المكروه، قال: ومن قرأ بالتنوين جعل {كل ذلك} إحاطة بالمنهيّ عنه دون الحسن. المعنى: كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروهاً. قال: والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة، وليس بنعت. والمراد بالمكروه عند الله: هو الذي يبغضه ولا يرضاه، لا أنه غير مراد مطلقاً، لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه، وذكر مطلق الكراهة مع أن في الأشياء المتقدّمة ما هو من الكبائر إشعاراً بأن مجرّد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك. والحاصل: أن في الخصال المتقدّمة ما هو حسن وهو المأمور به، وما هو مكروه وهو المنهيّ عنه، فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة بقوله: {كُلُّ ذلك} إلى جميع الخصال حسنها ومكروهها، ثم الإخبار بأن ما هو سيء من هذه الأشياء وهو المنهي عنه مكروه عند الله، وعلى قراءة الإفراد من دون إضافة تكون الإشارة إلى المنهيات، ثم الإخبار عن هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند الله. {ذلك مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة} الإشارة إلى ما تقدّم ذكره من قوله: {لاَّ تَجْعَل} إلى هذه الغاية، وترتقي إلى خمسة وعشرين تكليفاً، {مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ} أي: من جنسه أو بعض منه، وسمي حكمة لأنه كلام محكم، وهو ما علمه من الشرائع، أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها الفساد، وعند الحكماء: أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته، و{من الحكمة} متعلق بمحذوف وقع حالاً، أي: كائناً من الحكمة، أو بدل من الموصول بإعادة الجار، أو متعلق ب {أوحى}. {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} كرر سبحانه النهي عن الشرك تأكيداً وتقريراً وتنبيهاً عن أنه رأس خصال الدين وعمدته.
قيل: وقد راعى سبحانه في هذا التأكيد دقيقة، فرتب على الأوّل كونه مذموماً مخذولاً، وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا، ورتب على الثاني أنه يلقى {فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} وذلك إشارة إلى حاله في الآخرة، وفي القعود هناك، والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة، وقد تقدّم تفسير الملوم والمدحور. {أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملئكة إِنَاثًا} قال أبو عبيدة: {أصفاكم}: خصكم، وقال الفضل: أخلصكم، وهو خطاب للكفار القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفيه توبيخ شديد، وتقريع بالغ لما كان يقوله هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل، والفاء للعطف على مقدّر، كنظائره مما قد كررناه. {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ} يعني: القائلين بأن لهم الذكر ولله الإناث {قَوْلاً عَظِيمًا} بالغاً في العظم والجراءة على الله إلى مكان لا يقادر قدره. {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا في هذا القرءان} أي: بينا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها، أو كررنا فيه؛ وقيل: {في} زائدة، والتقدير ولقد صرفنا هذا القرآن. والتصريف في الأصل: صرف الشيء من جهة إلى جهة؛ وقيل: معنى التصريف: المغايرة، أي: غايرنا بين المواعظ ليتذكروا ويعتبروا، وقراءة الجمهور {صرّفنا} بالتشديد، وقرأ الحسن بالتخفيف، ثم علل تعالى ذلك فقال: {لّيَذْكُرُواْ} أي: ليتعظوا ويتدبروا بعقولهم ويتفكروا فيه حتى يقفوا على بطلان ما يقولونه. قرأ يحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي: {ليذكروا} مخففاً، والباقون بالتشديد، واختارها أبو عبيد لما تفيده من معنى التكثير، وجملة {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} في محل نصب على الحال، أي: والحال أن هذا التصريف والتذكير ما يزيدهم إلاّ تباعداً عن الحق وغفلة عن النظر في الصواب، لأنهم قد اعتقدوا في القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر، وهم لا ينزعون عن هذه الغواية ولا وازع لهم يزعهم إلى الهداية.
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} قال: كانوا لا يخالطونهم في مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت: {وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم} [البقرة: 220].
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إِنَّ العهد كَانَ مَّسْئُولاً} قال: يسأل الله ناقض العهد عن نقضه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية، قال: يسأل عهده من أعطاه إياه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ} يعني: لغيركم {وَزِنُواْ بالقسطاس} يعني: الميزان، وبلغة الروم: الميزان: القسطاس: {ذلك خَيْرٌ} يعني: وفاء الكليل والميزان خير من النقصان {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عاقبة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: القسطاس: العدل بالرومية.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: القسطاس: القبّان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: الحديد.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَقْفُ} قال: لا تقل.
وأخرج ابن جرير عنه قال: لا ترم أحداً بما ليس لك به علم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية في الآية قال: شهادة الزور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً} يقول: سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه.
وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله: {كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولاً} قال: يوم القيامة أكذلك كان أم لا؟.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَلاَ تَمْشِ في الارض مَرَحًا} قال: لا تمش فخراً وكبراً، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن التوارة في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلا {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {مَّدْحُورًا} قال: مطروداً.