فصل: تفسير الآيات (83- 91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (83- 91):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}
لما أجاب سبحانه عن سؤالين من سؤالات اليهود، وانتهى الكلام إلى حيث انتهى شرع سبحانه في السؤال الثالث والجواب عنه، فالمراد بالسائلين هنا هم اليهود.
واختلفوا في ذي القرنين اختلافاً كثيراً، فقيل: هو الإسكندر بن فيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها اليوناني باني الإسكندرية.
وقال ابن إسحاق: هو رجل من أهل مصر، اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح؛ وقيل: هو ملك اسمه هرمس؛ وقيل: ملك اسمه هردبس؛ وقيل: شاب من الروم، وقيل: كان نبياً، وقيل: كان عبداً صالحاً وقيل: اسمه عبد الله بن الضحاك؛ وقيل: مصعب بن عبد الله، من أولاد كهلان بن سبأ.
وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال: إن الظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان: أحدهما: كان على عهد إبراهيم عليه السلام. والآخر: كان قريباً من عيسى عليه السلام؛ وقيل: هو أبو كرب الحميري؛ وقيل: هو ملك من الملائكة، ورجح الرازي القول الأوّل، قال: لأن من بلغ ملكه من السعة والقوّة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما تشهد به كتب التاريح؛ قال: فوجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر، قال: وفيه إشكال لأنه كان تلميذاً لأرسطاطاليس الحكيم، وكان على مذهبه، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق، وذلك مما لا سبيل إليه. قال النيسابوري: قلت: ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر والله أعلم.
ورجح ابن كثير ما ذكره السهيلي أنهما اثنان كما قدّمنا ذلك، وبين أن الأوّل: طاف بالبيت مع إبراهيم أوّل ما بناه وآمن به واتبعه وكان وزيره الخضر. وأما الثاني: فهو الإسكندر المقدوني اليوناني، وكان وزيره الفيلسوف المشهور أرسطاطاليس، وكان قبل المسيح بنحو من ثلثمائة سنة. فأما الأوّل المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل، هذا معنى ما ذكره ابن كثير في تفسيره راوياً له عن الأزرقي وغيره؛ ثم قال: وقد ذكرنا طرفاً صالحاً في أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية.
وحكى أبو السعود في تفسيره عن ابن كثير أنه قال: وإنما بينا هذا يعني: أنهما اثنان، لأن كثيراً من الناس يعتقد أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن العظيم هو هذا المتأخر، فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثير، كيف لا، والأوّل: كان عبداً صالحاً مؤمناً، وملكاً عادلاً، ووزيره الخضر، وقد قيل: إنه كان نبياً، وأما الثاني: فقد كان كافراً، ووزيره إرسطاطاليس الفيلسوف، وكان ما بينهما من الزمان أكثر من ألفي سنة، فأين هذا من ذاك؟ انتهى. قلت: لعله ذكر هذا في الكتاب الذي ذكره سابقاً، وسماه بالبداية والنهاية ولم يقف عليه، والذي يستفاد من كتب التاريخ هو أنهما اثنان، كما ذكره السهيلي والأزرقي وابن كثير وغيرهم لا كما ذكره الرازي وادّعى أنه الذي تشهد به كتب التواريخ، وقد وقع الخلاف هل هو نبيّ أم لا؟ وسيأتي ما يستفاد منه المطلوب آخر هذا البحث إن شاء الله.
وأما السبب الذي لأجله سمي ذا القرنين، فقال الزجاج والأزهري: إنما سمي ذا القرنين، لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرن الشمس من مغربها؛ وقيل: إنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قروناً، ومنه قول الشاعر:
فلثمت فاها آخذاً بقرونها ** شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

والحشرج: ماء من مياه العرب؛ وقيل: إنه رأى في أوّل ملكه كأنه قابض على قرني الشمس فسمي بذلك، وقيل: كان له قرنان تحت عمامته؛ وقيل: إنه دعا إلى الله فشجه قومه على قرنه، ثم دعا إلى الله فشجوه على قرنه الآخر، وقيل: إنما سمي بذلك لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه، وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حيّ، وقيل: لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعاً، وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن، وقيل: لأنه دخل النور والظلمة، وقيل: لأنه ملك فارس والروم، وقيل: لأنه ملك الروم والترك، وقيل: لأنه كان لتاجه قرنان. قوله: {قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً} أي: سأتلو عليكم أيها السائلون من ذي القرنين خبراً. وذلك بطريق الوحي المتلوّ. ثم شرع سبحانه في بيان ما أمر به رسوله أن يقوله لهم من أنه سيتلو عليهم منه ذكراً فقال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأرض} أي: أقدرناه بما مهدنا له من الأسباب، فجعلنا له مكنة وقدرة على التصرف فيها، وسهلّ عليه المسير في مواضعها، وذللّ له طرقها حتى تمكن منها أين شاء وكيف شاء؟ ومن جملة تمكينه فيها أنه جعل له الليل والنهار سواء في الإضاءة {وآتيناه مِن كُلّ شَئ} مما يتعلق بمطلوبه {سَبَباً} أي: طريقاً يتوصل بها إلى ما يريده {فَأَتْبَعَ سَبَباً} من تلك الأسباب. قال المفسرون: والمعنى طريقاً تؤديه إلى مغرب الشمس. قال الزجاج: فأتبع سبباً من الأسباب التي أوتي، وذلك أنه أوتي من كل شيء سبباً فأتبع من تلك الأسباب التي أوتي سبباً في المسير إلى المغرب، وقيل: أتبع من كل شيء علماً يتسبب به إلى ما يريد؛ وقيل: بلاغاً إلى حيث أراد؛ وقيل: من كل شيء يحتاج إليه الخلق؛ وقيل: من كل شيء تستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء. وأصل السبب: الحبل، فاستعين لكل ما يتوصل به إلى شيء. قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة، وعاصم، وحمزة، والكسائي {وأتبع} بقطع الهمزة، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وأبو عمرو بوصلها.
قال الأخفش: تبعته وأتبعته بمعنى. مثل ردفته وأردفته، ومنه قوله: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10]. قال النحاس: واختار أبو عبيدة قراءة أهل الكوفة، قال: لأنها من السير.
وحكى هو والأصمعي أنه يقال: تبعته وأتبعته إذا سار ولم يلحقه، وأتبعه إذا لحقه. قال أبو عبيدة: ومثله {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ}. قال النحاس: وهذا من الفرق وإن كان الأصمعي قد حكاه فلا يقبل إلا بعلم أو دليل، وقوله عزّ وجلّ: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] ليس في الحديث أنهم لحقوهم، وإنما الحديث لما خرج موسى وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه في البحر انطبق عليهم البحر. والحق في هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات بمعنى واحد، وهو بمعنى: السير. {حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس} أي: نهاية الأرض من جهة المغرب، لأن من وراء هذه النهاية البحر المحيط، وهو لا يمكن المضيّ فيه {وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي {حامية}: أي: حارّة. وقرأ الباقون {حمئة} أي: كثيرة الحمأة، وهي الطينة السوداء، تقول: حمئت البئر حمأ بالتسكين: إذا نزعت حمأتها، وحمأت البئر حمأتها بالتحريك: كثرت حمأتها، ويجوز أن تكون حامية من الحمأة، فخففت الهمزة وقلبت ياء، وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة وذات حمأة. قيل: ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك في نظره، ولا يبعد أن يقال: لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التي تغرب فيها الشمس، وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس، ومكن له في الأرض والبحر من جملتها، ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره {وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً} الضمير في عندها إما للعين أو للشمس. قيل: هم قوم لباسهم جلود الوحش، وكانوا كفاراً، فخيّره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فقال: {إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} أي: إما أن تعذبهم بالقتل من أوّل الأمر، وإما أن تتخذ فيهم أمراً ذا حسن أو أمراً حسناً مبالغة بجعل المصدر صفة للأمر، والمراد: دعوتهم إلى الحق وتعليمهم الشرائع. {قَالَ} ذو القرنين مختاراً للدعوة التي هي الشق الأخير من الترديد {أَمَّا مَن ظَلَمَ} نفسه بالإصرار على الشرك ولم يقبل دعوتي {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} بالقتل في الدنيا {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ} في الآخرة {فَيْعَذّبُهُ} فيها {عَذَاباً نُّكْراً} أي: منكراً فظيعاً. قال الزجاج: خيّره الله بين الأمرين. قال النحاس: وردّ عليّ بن سليمان قوله لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبيّ فيخاطب بهذا، فكيف يقول لربه عزّ وجل: {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ} وكيف يقول: {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} فيخاطبه بالنون، قال: والتقدير قلنا: يا محمد قالوا: يا ذا القرنين.
قال النحاس: وهذا الذي ذكره لا يلزم لجواز أن يكون الله عزّ وجلّ خاطبه على لسان نبيّ في وقته، وكأن ذا القرنين خاطب أولئك القوم فلا يلزم ما ذكره. ويمكن أن يكون مخاطباً للنبيّ الذي خاطبه الله على لسانه، أو خاطب قومه الذين وصل بهم إلى ذلك الموضع. قال ثعلب: إن في قوله: {إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ} في موضع نصب، ولو رفعت لكان صواباً بمعنى فأما هو كقول الشاعر:
فسيروا فإما حاجة تقضيانها ** وإما مقيل صالح وصديق

{وَأَمَّا مَنْ امَنَ} بالله وصدّق دعوتي {وَعَمِلَ} عملاً {صالحا} مما يقتضيه الإيمان {فَلَهُ جَزَاء الحسنى} قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم وابن كثير وابن عامر: {فله جزاء} بالرفع على الابتداء أي: جزاء الخصلة الحسنى عند الله، أو الفعلة الحسنى وهي الجنة قاله الفراء. وإضافة الجزاء إلى الحسنى التي هي الجنة كإضافة حق اليقين ودار الآخرة، ويجوز أن يكون هذا الجزاء من ذي القرنين أي: أعطيه وأتفضل عليه، وقرأ سائر الكوفيين {فله جزاء الحسنى} بنصب {جزاء} وتنوينه. قال الفراء: انتصابه على التمييز.
وقال الزجاج: هو مصدر في موضع الحال أي مجزياً بها جزاءً. وقرأ ابن عباس ومسروق بنصب {جزاء} من غير تنوين. قال أبو حاتم: هي على حذف التنوين لالتقاء الساكنين. قال النحاس: وهذا عند غيره خطأ لأنه ليس موضع حذف تنوين لالتقاء الساكنين. وقرئ برفع: {جزاء} منوّناً على أنه مبتدأ، و{الحسنى} بدل منه والخبر الجارّ والمجرور {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} أي: مما نأمر به قولاً ذا يسر ليس بالصعب الشاق، أو أطلق عليه المصدر مبالغة. {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أي: طريقاً آخر غير الطريق الأولى وهي التي رجع بها من المغرب وسار فيها إلى المشرق {حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس} أي: الموضع الذي تطلع عليه الشمس أوّلاً من معمور الأرض، أو مكان طلوعها لعدم المانع شرعاً ولا عقلاً من وصوله إليه كما أوضحناه فيما سبق {وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً} يسترهم، لا من البيوت ولا من اللباس، بل هم حفاة عراة لا يأوون إلى شيء من العمارة. قيل: لأنهم بأرض لا يمكن أن يستقرّ عليها البناء {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} أي: كذلك أمر ذي القرنين أتبع هذه الأسباب حتى بلغ، وقد علمنا حين ملكناه ما عنده من الصلاحية لذلك الملك والاستقلال به؛ وقيل: المعنى لم نجعل لهم ستراً مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الأبنية والثياب، وقيل: المعنى كذلك بلغ مطلع الشمس مثل ما بلغ من مغربها، وقيل: المعنى كذلك تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم، فقضي في هؤلاء كما قضي في أولئك من تعذيب الظالمين والإحسان إلى المؤمنين، ويكون تأويل الإحاطة بما لديه في هذه الوجوه على ما يناسب ذلك كما قلنا في الوجه الأوّل.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: قالت اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا محمد إنك إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين، إنك سمعت ذكرهم منا، فأخبرنا عن نبيّ لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد، قال: «ومن هو»؟ قالوا: ذو القرنين، قال: «ما بلغني عنه شيء»، فخرجوا فرحين قد غلبوا في أنفسهم، فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين}.
وأخرج عبد الرزاق، ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري أتبع كان نبياً أم لا؟ وما أدري أذو القرنين كان نبياً أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟»، وأخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل عليّ عن ذي القرنين أنبيّ هو؟ قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «هو عبد ناصح الله فنصحه».
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن أبي عاصم في السنة، وابن مردويه من طريق أبي الطفيل: أن ابن الكواء سأل عليّ بن أبي طالب عن ذي القرنين أنبياً كان أم ملكاً؟ قال: لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان عبداً صالحاً أحبّ الله فأحبه الله، ونصح لله فنصحه الله، بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات، ثم أحياه الله لجهادهم، ثم بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات، فأحياه الله لجهادهم، فلذلك سمي ذا القرنين، وإن فيكم مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عمرو قال: ذو القرنين نبيّ.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأخرص بن حكيم، عن أبيه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال: «هو ملك مسح الأرض بالأسباب».
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن خالد بن معدان الكلاعي مرفوعاً مثله.
وأخرج ابن عبد الحكم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب: أنه سمع رجلاً ينادي بمنى يا ذا القرنين، فقال عمر: ها أنتم قد سمعتم بأسماء الأنبياء فما بالكم وأسماء الملائكة؟ وفي الباب غير ما ذكرناه مما يغني عنه ما قد أوردناه.
وقد أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر الجهني حديثاً يتضمن: أن نفراً من اليهود سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، وكان فيما أخبرهم به: «أنه كان شاباً من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السدّ»، وإسناده ضعيف، وفي متنه نكارة، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، ذكر معنى هذا ابن كثير في تفسيره وعزاه إلى ابن جرير والأموي في مغازيه، ثم قال بعد ذلك: والعجب أن أبا زرعة الداري مع جلالة قدره ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوّة، انتهى.
وقد ساقه بتمامه السيوطي في الدرّ المنثور، وساق أيضاً خبراً طويلاً عن وهب بن منبه وعزاه إلى ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والشيرازي في الألقاب، وأبي الشيخ، وفيه أشياء منكرة جدّاً، وكذلك ذكر خبراً طويلاً عن محمد الباقر أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، ولعل هذه الأخبار ونحوها منقولة عن أهل الكتاب، وقد أمرنا بأن لا نصدقهم ولا نكذبهم فيما ينقلونه إلينا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وآتيناه مِن كُلّ شَئ سَبَباً} قال: علماً.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن أبي هلال: أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا، قال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال: {وآتيناه مِن كُلّ شَئ سَبَباً}.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاصر، أن ابن عباس ذكر له: أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف {تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَامِيَةً} قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: ما نقرؤها إلا {حمئة} فسأل معاوية عبد بن عمرو كيف تقرؤها؟ فقال عبد الله: كما قرأتها، قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن، فأرسل إلى كعب، فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربية فإنهم أعلم بها، وأما أنا فإني أجد في التوراة في ماء وطين، وأشار بيده إلى المغرب. قال ابن أبي حاصر: لو أني عند كما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة. قال ابن عباس: وما هو؟ قلت: فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه:
قد كان ذو القرنين عمر مسلماً ** ملكاً تذلّ له الملوك وتحشد

فأتى المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب ملك من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها ** في عين ذي خلب وثاط حرمد

فقال ابن عباس: ما الخلب؟ قلت: الطين بكلامهم، قال: فما الثأط؟ قلت: الحمأة. قال: فما الحرمد؟ قلت: الأسود، فدعا ابن عباس غلاماً فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل.
وأخرج الترمذي، وأبو داود الطيالسي، وابن جرير، وابن المنذر عن أبيّ بن كعب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كان يقرأ: {فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ}».
وأخرج الطبراني، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً مثله.