فصل: سورة المؤمنون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة المؤمنون:

هي مكية بلا خلاف.
قال القرطبي: كلها مكية في قول الجميع، وآياتها مائة وتسع عشرة آية.
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع.
وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما خلق الله الجنة قال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون».
وأخرجه أيضا ابن عدي والحاكم وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله.
وقد ورد فضائل العشر الآيات من أول هذه السورة ما سيأتي قريبا.

.تفسير الآيات (1- 11):

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}
قوله: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} قال الفراء: {قد} ها هنا يجوز أن تكون تأكيداً لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريباً للماضي من الحال؛ لأن قد تقرّب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة قبل حال قيامها، ويكون المعنى في الآية: أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال، والفلاح الظفر بالمراد والنجاة من المكروه. وقيل: البقاء في الخير، وأفلح إذا دخل في الفلاح، ويقال: أفلحه: إذا أصاره إلى الفلاح، وقد تقدّم بيان معنى الفلاح في أوّل البقرة. وقرأ طلحة بن مصرف {قد أفلح} بضم الهمزة وبناء الفعل للمفعول.
وروي عنه أنه قرأ: {أفلحوا المؤمنون} على الإبهام والتفسير، أو على لغة أكلوني البراغيث.
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} وما عطف عليه. والخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث، وهو في اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل.
وقد اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها؟ على قولين: قيل: الصحيح الأوّل، وقيل: الثاني. وادّعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، حكاه النيسابوري في تفسيره. قال: ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} [محمد: 24]. والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله: {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِي} [طه: 14]. والغفلة تضادّ الذكر، ولهذا قال: {وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين} [الأعراف: 205]. وقوله: {حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. نهي للسكران والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته. واللغو، قال الزجاج: هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية وما لا يجمل من القول والفعل، وقد تقدم تفسيره في البقرة. قال الضحاك: إن اللغو هنا الشرك.
وقال الحسن: إنه المعاصي كلها. ومعنى إعراضهم عنه: تجنبهم له وعدم التفاتهم إليه، وظاهره اتصافهم بصفة الإعراض عن اللغو في كل الأوقات، فيدخل وقت الصلاة في ذلك دخولاً أوّلياً كما تفيده الجملة الإسمية، وبناء الحكم على الضمير، ومعنى فعلهم للزكاة: تأديتهم لها، فعبر عن التأدية بالفعل لأنها مما يصدق عليه الفعل، والمراد بالزكاة هنا: المصدر؛ لأنه الصادر عن الفاعل، وقيل: يجوز أن يراد بها العين على تقدير مضاف، أي والذين هُم لتأدية الزكواة * فاعلون. {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون}: الفرج يطلق على فرج الرجل والمرأة، ومعنى حفظهم لها: أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحلّ لهم. قيل: والمراد هنا: الرجال خاصة دون النساء، بدليل قوله: {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} للإجماع على أنه لا يحل للمرأة أن يطأها من تملكه.
قال الفراء: إن {على} في قوله: {إِلاَّ على أزواجهم} بمعنى: {من}.
وقال الزجاج: المعنى: أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم فأمروا بحفظه إلا على أزواجهم ودلّ على المحذوف ذكر اللوم في آخر الآية. والجملة في محل نصب على الحال. وقيل: إن الاستثناء من نفي الإرسال المفهوم من الحفظ، أي لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم. وقيل: المعنى: إلا والين على أزواجهم وقوّامين عليهم من قولهم: كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان. والمعنى: أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوّجهم أو تسرّيهم، وجملة: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} في محل جرّ عطفاً على أزواجهم، و{ما} مصدرية. والمراد بذلك: الإماء، وعبر عنهنّ ب {ما} التي لغير العقلاء؛ لأنه اجتمع فيهنّ الأنوثة المنبئة عن قصور العقل وجواز البيع والشراء فيهنّ كسائر السلع، فأجراهن بهذين الأمرين مجرى غير العقلاء، وجملة: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} تعليل لما تقدّم مما لا يجب عليهم حفظ فروجهم منه.
{فَمَنِ ابتغى وَرَاء ذلك فأولئك هُمُ العادون} الإشارة إلى الزوجات وملك اليمين، ومعنى العادون: المجاوزون إلى ما لا يحلّ لهم، فسمى سبحانه من نكح ما لا يحلّ عادياً. ووراء هنا بمعنى: سوى وهو مفعول ابتغى. قال الزجاج: أي فمن ابتغى ما بعد ذلك فمفعول الابتغاء محذوف، و{وراء} ظرف.
وقد دلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة، واستدلّ بها بعض أهل العلم على تحريم الاستمناء لأنه من الوراء لما ذكر، وقد جمعنا في ذلك رسالة سميناها: بلوغ المني في حكم الاستمنا، وذكرنا فيها أدلة المنع والجواز وترجيح الراجح منهما.
{والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون} قرأ الجمهور: {لأماناتهم} بالجمع. وقرأ ابن كثير بالإفراد. والأمانة: ما يؤتمنون عليه، والعهد: ما يعاهدون عليه من جهة الله سبحانه أو جهة عباده، وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين والدنيا، والأمانة أعمّ من العهد، فكل عهد أمانة، ومعنى {راعون}: حافظون. {والذين هُمْ على صلواتهم يحافظون} قرأ الجمهور: {صلواتهم} بالجمع. وقرأ حمزة والكسائي: {صلاتهم} بالإفراد، ومن قرأ بالإفراد فقد أراد اسم الجنس وهو في معنى الجمع. والمحافظة على الصلاة إقامتها والمحافظة عليها في أوقاتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها.
ثم مدح سبحانه هؤلاء فقال: {أولئك هُمُ الوارثون} أي الأحقاء بأن يسموا بهذا الاسم دون غيرهم. ثم بين الموروث بقوله: {الذين يَرِثُونَ الفردوس} وهو أوسط الجنة، كما صح تفسيره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى: أن من عمل بما ذكر في هذه الآيات فهو الوارث الذي يرث من الجنة ذلك المكان، وفيه استعارة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم.
وقيل: المعنى: أنهم يرثون من الكفار منازلهم حيث فرقوها على أنفسهم؛ لأنه سبحانه خلق لكل إنسان منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار. ولفظ الفردوس لغة رومية معرّبة، وقيل: فارسية. وقيل: حبشية. وقيل: هي عربية. وجملة: {هُمْ فِيهَا خالدون} في محل نصب على الحال المقدّرة، أو مستأنفة لا محل لها، ومعنى الخلود: أنهم يدومون فيها لا يخرجون منها ولا يموتون فيها، وتأنيث الضمير مع أنه راجع إلى الفردوس لأنه بمعنى الجنة.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن المنذر والعقيلي، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب قال: كان إذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدويّ النحل، فأنزل الله عليه يوماً فمكثنا ساعة، فسريّ عنه فاستقبل القبلة فقال: «اللّهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا»، ثم قال: «لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنة»، ثم قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} حتى ختم العشر. وفي إسناده يونس بن سليم الصنعاني. قال النسائي: لا نعرف أحداً رواه عن ابن شهاب إلا يونس بن سليم ويونس لا نعرفه.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد، والنسائي وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن يزيد بن بابنوس قال: قلنا لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين؟ اقرأ: {قد أفلح المؤمنون} حتى بلغ العشر، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون}.
وأخرجه عبد الرزاق، عنه، وزاد: فأمره بالخشوع فرمى ببصره نحو مسجده.
وأخرجه عنه أيضاً عبد بن حميد، وأبو داود في المراسيل، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في السنن بلفظ: كان إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا، يميناً وشمالاً، فنزلت: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} فحنى رأسه.
وروي عنه من طرق مرسلاً هكذا.
وأخرجه الحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عنه عن أبي هريرة؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} فطأطأ رأسه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون رؤوسهم وأبصارهم إلى السماء في الصلاة يلتفتون يميناً وشمالاً، فأنزل الله: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون * الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} فمالوا برؤوسهم فلم يرفعوا أبصارهم بعد ذلك في الصلاة، ولم يلتفتوا يميناً وشمالاً.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن عليّ: أنه سئل عن قوله: {الذين هُمْ في صَلاَتِهِمْ خاشعون} قال: الخشوع في القلب، وأن تلين كتفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خاشعون} قال: خائفون ساكنون.
وقد ورد في مشروعية الخشوع في الصلاة والنهي عن الالتفات وعن رفع البصر إلى السماء أحاديث معروفة في كتب الحديث.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} قال: الباطل.
وأخرج عبد الرزاق، وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد: أنه سئل عن المتعة فقال: إني لأرى تحريمها في القرآن، ثم تلا: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون * إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن: {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]. {والذين هُمْ على صلاتهم يحافظون} قال: ذلك على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، قال: تركها كفر.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير، والحاكم وصححه عن أبي هريرة في قوله: {أولئك هُمُ الوارثون} قال: يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم التي أعدت لهم لو أطاعوا الله.
وأخرج سعيد بن منصور وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: {أولئك هُمُ الوارثون}».
وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أنس، فذكر قصة، وفيها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها»، ويدلّ على هذه الوراثة المذكورة هنا قوله تعالى: {تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} [مريم: 63]. وقوله: {تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]. ويشهد لحديث أبي هريرة هذا ما في صحيح مسلم عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى» وفي لفظ له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقول: هذا فكاكك من النار».

.تفسير الآيات (12- 22):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}
لما حثّ سبحانه عباده على العبادة ووعدهم الفردوس على فعلها، عاد إلى تقرير المبدأ والمعاد ليتمكن ذلك في نفوس المكلفين فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} إلى آخره، واللام جواب قسم محذوف، والجملة مبتدأة، وقيل: معطوفة على ما قبلها، والمراد بالإنسان: الجنس؛ لأنهم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم، وقيل: المراد به آدم. والسلالة فعالة من السلّ، وهو استخراج الشيء من الشيء، يقال: سللت الشعرة من العجين، والسيف من الغمد فانسلّ، فالنطفة سلالة، والولد سليل، وسلالة أيضاً، ومنه قول الشاعر:
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا ** سلالة فرج كان غير حصين

وقول الآخر:
وهل هند إلا مهرة عربية ** سلالة أفراس تجللها بغل

و{من} في: {مِن سلالة} ابتدائية متعلقة ب {خلقنا}، وفي: {مِن طِينٍ} بيانية متعلقة بمحذوف، وقع صفة لسلالة، أي كائنة من طين، والمعنى: أنه سبحانه خلق جوهر الإنسان أوّلاً من طين؛ لأن الأصل آدم، وهو من طين خالص وأولاده من طين ومنيّ، وقيل: السلالة: الطين إذا عصرته انسلّ من بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السلالة، قاله الكلبي {ثُمَّ جعلناه} أي: الجنس باعتبار أفراده الذين هم بنو آدم، أو جعلنا نسله على حذف مضاف إن أريد بالإنسان آدم {نُّطْفَةٍ} وقد تقدّم تفسير النطفة في سورة الحج. وكذلك تفسير العلقة والمضغة. والمراد بالقرار المكين: الرّحم، وعبر عنها بالقرار الذي هو مصدر مبالغة، ومعنى {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً} أي أنه سبحانه أحال النطفة البيضاء علقة حمراء {فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً} أي قطعة لحم غير مخلقة {فَخَلَقْنَا المضغة عظاما} أي جعلها الله سبحانه متصلبة لتكون عموداً للبدن على أشكال مخصوصة {فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً} أي أنبتَ الله سبحانه على كل عظم لحماً على المقدار الذي يليق به ويناسبه {ثم أنشأناه خلقاً آخر} أي نفخنا فيه الروح بعد أن كان جماداً. وقيل: أخرجناه إلى الدنيا. وقيل: هو نبات الشعر. وقيل: خروج الأسنان. وقيل: تكميل القوى المخلوقة فيه، ولا مانع من إرادة الجميع، والمجيء ب {ثم} لكمال التفاوت بين الخلقين {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} أي استحق التعظيم والثناء. وقيل: مأخوذ من البركة، أي كثر خيره وبركته. والخلق في اللغة: التقدير، يقال: خلقت الأديم: إذا قسته لتقطع منه شيئاً، فمعنى {أحسن الخالقين}: أتقن الصانعين المقدّرين، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وب ** عض القوم يخلق ثم لا يفري

{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيّتُونَ} الإشارة بقوله: {ذلك} إلى الأمور المتقدّمة، أي ثم إنكم بعد تلك الأمور لميتون صائرون إلى الموت لا محالة {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ} من قبوركم إلى المحشر للحساب والعقاب.
واللام في {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} جواب لقسم محذوف، والجملة مبتدأة مشتملة على بيان خلق ما يحتاجون إليه بعد بيان خلقهم. والطرائق: هي السموات. قال الخليل والفراء والزجاج: سميت طرائق؛ لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل. قال أبو عبيدة: طارقت الشيء جعلت بعضه فوق بعض، والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. وقيل: لأنها طرائق الملائكة. وقيل: لأنها طرائق الكواكب {وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غافلين} المراد بالخلق هنا: المخلوق، أي: وما كنا عن هذه السبع الطرائق وحفظها عن أن تقع على الأرض بغافلين.
وقال أكثر المفسرين: المراد الخلق كلهم بغافلين بل حفظنا السموات عن أن تسقط، وحفظنا من في الأرض أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم أو تميد بهم الأرض، أو يهلكون بسبب من الأسباب المستأصلة لهم، ويجوز أن يراد نفي الغفلة عن القيام بمصالحهم وما يعيشون به، ونفي الغفلة عن حفظهم.
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء} هذا من جملة ما امتن الله سبحانه به على خلقه. والمراد: بالماء ماء المطر، فإن به حياة الأرض وما فيها من الحيوان، ومن جملة ذلك ماء الأنهار النازلة من السماء والعيون، والآبار المستخرجة من الأرض، فإن أصلها من ماء السماء. وقيل: أراد سبحانه في هذه الآية الأنهار الأربعة: سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، ولا وجه لهذا التخصيص. وقيل: المراد به: الماء العذب، ولا وجه لذلك أيضاً فليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء، ومعنى {بِقَدَرٍ}: بتقدير منا أو بمقدار يكون به صلاح الزرع والثمار، فإنه لو كثر لكان به هلاك ذلك، ومثله قوله سبحانه: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] ومعنى {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض}: جعلناه مستقرّاً فيها ينتفعون به وقت حاجتهم إليه كالماء الذي يبقى في المستنقعات والغدران ونحوها {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون} أي كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه، ولهذا التنكير حسن موقع لا يخفى، وفي هذا تهديد شديد لما يدلّ عليه من قدرته سبحانه على إذهابه وتغويره حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم، ومثله قوله: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ} [الملك: 30].
ثم بين سبحانه ما يتسبب عن إنزال فقال: {فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنات مّن نَّخِيلٍ وأعناب} أي أوجدنا بذلك الماء جنات من النوعين المذكورين {لَكُمْ فِيهَا} أي في هذه الجنات {فواكه كَثِيرَةٌ}. تتفكهون بها وتتطعمون منها، وقيل: المعنى: ومن هذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعاشكم كقوله: فلان يأكل من حرفة كذا، وهو بعيد، واقتصر سبحانه على النخيل والأعناب؛ لأنها الموجودة بالطائف والمدينة وما يتصل بذلك.
كذا قال ابن جرير. وقيل: لأنها أشرف الأشجار ثمرة وأطيبها منفعة وطعماً ولذّة. قيل: المعنى بقوله: {لَّكُمْ فِيهَا فواكه} أن لكم في هذه الجنات فواكه من غير العنب والنخيل. وقيل: المعنى لكم في هذين النوعين خاصة فواكه؛ لأن فيهما أنواعاً مختلفة متفاوتة في الطعم واللون.
وقد اختلف أهل الفقه في لفظ الفاكهة على ماذا يطلق؟ اختلافاً كثيراً، وأحسن ما قيل: إنها تطلق على الثمرات التي يأكلها الناس، وليست بقوت لهم ولا طعام ولا إدام. واختلف في البقول هل تدخل في الفاكهة أم لا؟
وانتصاب {شجرة} على العطف على {جنات}. وأجاز الفراء الرفع على تقدير: وثم شجرة فتكون مرتفعة على الابتداء، وخبرها محذوف مقدّر قبلها، وهو الظرف المذكور. قال الواحدي: المفسرون كلهم يقولون: إن المراد بهذه الشجرة: شجرة الزيتون، وخصت بالذكر، لأنه لا يتعاهدها أحد بالسقي، وهي التي يخرج الدهن منها، فذكرها الله سبحانه امتناناً منه على عباده بها؛ ولأنها أكرم الشجر وأعمها نفعاً وأكثرها بركة، ثم وصف سبحانه هذه الشجرة بأنها {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء} وهو جبل ببيت المقدّس، والطور الجبل في كلام العرب. وقيل: هو مما عرّب من كلام العجم. واختلف في معنى سيناء فقيل: هو الحسن. وقيل: هو المبارك، وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل كما تقول: جبل أحد. وقيل: سيناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده. وقيل: هو كلّ جبل يحمل الثمار. وقرأ الكوفيون: {سيناء} بفتح السين، وقرأ الباقون بكسر السين، ولم يصرف لأنه جعل اسماً للبقعة، وزعم الأخفش أنه أعجمي. وقرأ الجمهور: {تنبت بالدهن} بفتح المثناة وضمّ الباء الموحدة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمّ المثناة وكسر الباء الموحدة. والمعنى على القراءة الأولى: أنها تنبت في نفسها متلبسة بالدهن، وعلى القراءة الثانية: الباء بمعنى مع، فهي للمصاحبة. قال أبو عليّ الفارسي: التقدير: تنبت جناها ومعه الدهن. وقيل: الباء زائدة، قاله أبو عبيدة، ومثله قول الشاعر:
هنّ الحرائر لا ربات أحمرة ** سود المحاجر لا يقرأن بالسور

وقال آخر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

وقال الفراء والزجاج: إن نبت وأنبت بمعنى، والأصمعي ينكر أنبت، ويرد عليه قول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ** قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل

أي نبت. وقرأ الزهري والحسن والأعرج: {تنبت} بضم المثناة وفتح الموحدة. قال الزجاج وابن جني: أي تنبت ومعها الدهن، وقرأ ابن مسعود: {تخرج} بالدهن، وقرأ زرّ بن حبيش: {تنبت الدهن} بحذف حرف الجرّ. وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب: {بالدهان} {وَصِبْغٍ لّلآكِلِيِنَ} معطوف على الدهن، أي تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به. وكونه صبغاً يؤتدم به. قرأ الجمهور: {صبغ}، وقرأ قوم {صباغ} مثل لبس ولباس.
وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ وصباغ. وأصل الصبغ: ما يلّون به الثوب، وشبه الإدام به؛ لأن الخبز يكون بالإدام كالمصبوغ به.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الانعام لَعِبْرَةً} هذه من جملة النعم التي امتنّ الله بها عليهم.
وقد تقدّم تفسير الأنعام في سورة النحل. قال النيسابوري في تفسيره: ولعلّ القصد بالأنعام هنا إلى الإبل خاصة؛ لأنها هي المحمول عليها في العادة؛ ولأنه قرنها بالفلك وهي سفائن البرّ، كما أن الفلك سفائن البحر. وبين سبحانه أنها عبرة؛ لأنها مما يستدل بخلقها وأفعالها على عظيم القدرة الإلهية، ثم فصل سبحانه ما في هذه الأنعام من النعم بعد ما ذكره من العبرة فيها للعباد فقال: {نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِي بُطُونِهَا} يعني سبحانه: اللبن المتكوّن في بطونها المنصبّ إلى ضروعها، فإن في انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ، والمشروب النفيس أعظم عبرة للمعتبرين، وأكبر موعظة للمتعظين. وقرئ: {نسقيكم} بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه، وقرئ بالتاء الفوقية على أن الفاعل هو الأنعام، ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالاً فقال: {وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ} يعني: في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها، ثم ذكر منفعة خاصة فقال: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} لما في الأكل من عظيم الانتفاع لهم.
وكذلك ذكر الركوب عليها لما فيه من المنفعة العظيمة فقال: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي وعلى الأنعام، فإن أريد بالأنعام الإبل والبقر والغنم، فالمراد وعلى بعض الأنعام، وهي الإبل خاصة، وإن أريد بالأنعام الإبل خاصة، فالمعنى واضح. ثم لما كانت الأنعام هي غالب ما يكون الركوب عليه في البرّ ضمّ إليها ما يكون الركوب عليه في البحر، فقال: {وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} تميماً للنعمة وتكميلاً للمنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلالة: صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر فتمكث أربعين يوماً، ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة. وللتابعين في تفسير السلالة أقوال قد قدّمنا الإشارة إليها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: الشعر والأسنان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه: {أنشأناه خلقاً آخر} قال: نفخ فيه الروح، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والربيع بن أنس والسديّ والضحاك وابن زيد، واختاره ابن جرير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال: حين استوى به الشباب.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال: لما نزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال عمر: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} قال: «والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت به يا عمر».
وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله: {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى} [البقرة: 125]. وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر، فأنزل الله: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53] وقلت لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم: لتنتهنّ أو ليبدلنّه الله أزواجاً خيراً منكنّ، فنزلت: {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [التحريم: 5] الآية، ونزلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة} إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} فقلت أنا: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين}.
وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: أملى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} إلى قوله: {خَلْقاً ءَاخَرَ} فقال معاذ بن جبل: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: «بها ختمت {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين}» وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جداً. قال ابن كثير: وفي خبره هذا نكارة شديدة، وذلك أن هذه السورة مكية، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة، والله أعلم.
وأخرج ابن مردويه والخطيب، قال السيوطي: بسند ضعيف، عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض، وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم، فذلك قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل، فرفع من الأرض القرآن والعلم، والحجر من ركن البيت، ومقام إبراهيم، وتابوت موسى بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع كل ذلك إلى السماء، فذلك قوله: {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون} فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس، قال: طور سيناء هو الجبل الذي نودي منه موسى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {تَنبُتُ بالدهن} قال: هو الزيت يؤكل ويدهن به.