فصل: تفسير الآيات (84- 98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (84- 98):

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)}
أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل الكفار عن أمور لا عذر لهم من الاعتراف فيها، ثم أمره أن ينكر عليهم بعد الاعتراف منهم ويوبخهم فقال: {قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا} أي قل يا محمد لأهل مكة هذه المقالة، والمراد بمن في الأرض: الخلق جميعاً، وعبر عنهم بمن تغليباً للعقلاء {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} شيئاً من العلم، وجواب الشرط محذوف، أي إن كنتم تعلمون فأخبروني، وفي هذا تلويح بجهلهم وفرط غباوتهم {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} أي لابد لهم أن يقولوا ذلك؛ لأنه معلوم ببديهة العقل. ثم أمره سبحانه أن يقول لهم بعد اعترافهم: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} ترغيباً لهم في التدبر وإمعان النظر والفكر، فإن ذلك مما يقودهم إلى اتباع الحق وترك الباطل؛ لأن من قدر على ذلك ابتداء قدر على إحياء الموتى.
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات السبعِ وَرَبُّ العرش العظيم * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} جاء سبحانه باللام نظراً إلى معنى السؤال، فإن قولك: من ربه، ولمن هو في معنى واحد، كقولك: من ربّ هذه الدار؟ فيقال: زيد، ويقال: لزيد. وقرأ أبو عمرو، وأهل العراق: {سيقولون الله} بغير لام نظراً إلى لفظ السؤال، وهذه القراءة أوضح من قراءة الباقين باللام، ولكنه يؤيد قراءة الجمهور أنها مكتوبة في جميع المصاحف باللام بدون ألف، وهكذا قرأ الجمهور في قوله: {قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله} باللام نظراً إلى معنى السؤال كما سلف. وقرأ أبو عمرو وأهل العراق بغير لام نظراً إلى لفظ السؤال، ومثل هذا قول الشاعر:
إذا قيل من ربّ المزالف والقرى ** وربّ الجياد الجرد قيل لخالد

أي لمن المزالف، والملكوت: الملك، وزيادة التاء للمبالغة، نحو جبروت ورهبوت، ومعنى {وَهُوَ يُجْيِرُ}: أنه يغيث غيره إذا شاء ويمنعه {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} أي لا يمنع أحد أحداً من عذاب الله ولا يقدر على نصره وإغاثته، يقال: أجرت فلاناً: إذا استغاث بك فحميته، وأجرت عليه: إذا حميت عنه {قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} قال الفراء والزجاج: أي تصرفون عن الحق وتخدعون، والمعنى: كيف يخيل لكم الحق باطلاً والصحيح فاسداً؟ والخادع لهم: هو الشيطان أو الهوى أو كلاهما.
ثم بين سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم فقال: {بَلْ أتيناهم بالحق} أي الأمر الواضح الذي يحقّ اتباعه {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك، ثم نفاهما عن نفسه فقال: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} {من} في الموضعين زائدة لتأكيد النفي.
ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدّعيه الكفار من إثبات الشريك، فقال: {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} وفي الكلام حذف تقديره لو كان مع الله آلهة لانفرد كل إله بخلقه واستبدّ به وامتاز ملكه عن ملك الآخر، ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي غلب القويّ على الضعيف وقهره وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم، وحينئذٍ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها، وإذا تقرّر عدم إمكان المشاركة في ذلك، وأنه لا يقوم به إلا واحد تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه، وهذا الدليل كما دلّ على نفي الشريك فإنه يدلّ على نفي الولد؛ لأن الولد ينازع أباه في ملكه. ثم نزّه سبحانه نفسه فقال: {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} أي: من الشريك والولد وإثبات ذلك لله عزّ وجل: {عالم الغيب والشهادة} أي: هو مختص بعلم الغيب والشهادة، وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب. قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي: {عالم} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو عالم، وقرأ الباقون بالجرّ على أنه صفة لله أو بدل منه.
وروي عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ {فتعالى} الله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} معطوف على معنى ما تقدّم كأنه قال: علم الغيب فتعالى، كقولك: زيد شجاع فعظمت منزلته، أي شجع فعظمت، أو يكون على إضمار القول، أي أقول: فتعالى الله، والمعنى: أنه سبحانه متعالٍ عن أن يكون له شريك في الملك.
{قُل رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى مَا يُوعَدُونَ} أي إن كان ولابد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل لهم. {رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي القوم الظالمين} أي قل يا ربّ فلا تجعلني. قال الزجاج: أي إن أنزلت بهم النقمة يا ربّ فاجعلني خارجاً عنهم، ومعنى كلامه هذا: أن النداء معترض، و{ما} في: {إما} زائدة، أي قل ربّ إن تريني، والجواب: {فلا تجعلني} وذكر الربّ مرّتين مرة قبل الشرط، ومرّة بعده مبالغة في التضرع. وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبداً، تعليماً له صلى الله عليه وسلم من ربه كيف يتواضع، وقيل: يهضم نفسه، أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله، كقوله: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].
ثم لما كان المشركون ينكرون العذاب، ويسخرون من النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر لهم ذلك، أكد سبحانه وقوعه بقوله: {وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون} أي أن الله سبحانه قادر على أن يري رسوله عذابهم، ولكنه يؤخره لعلمه بأن بعضهم سيؤمن، أو لكون الله سبحانه لا يعذبهم والرسول فيهم.

.تفسير الآيات (99- 118):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}
{حتى} هي الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية، وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله: {لكاذبون} وقيل: ب {يصفون} والمراد بمجيء الموت: مجيء علاماته {قَالَ رَبّ ارجعون} أي قال ذلك الواحد الذي حضره الموت تحسراً وتحزناً على ما فرط منه: رب ارجعون، أي ردوني إلى الدنيا، وإنما قال: ارجعون بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب. وقيل: هو على معنى تكرير الفعل، أي ارجعني ارجعني ارجعني، ومثله قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24]. قال المازني: معناه ألق ألق، وهكذا قيل في قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

ومنه قول الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه.
ومنه قول الشاعر:
ولو شئت حرمت النساء سواكم

وقول الآخر:
ألا فارحموني يا إله محمد

وقيل: إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم: ربّ، ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال: {ارجعون * لَعَلّي أَعْمَلُ صالحا} أي: أعمل عملاً صالحاً في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير، ولما تمنى أن يرجع ليعمل ردّ الله عليه ذلك بقوله: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} فجاء بكلمة الردع والزجر، والضمير في: {إنها} يرجع إلى قوله: {رَبّ ارجعون} أي إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، أو المعنى: أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء، كما في قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28]. وقيل: إن الضمير في: {قائلها} يرجع إلى الله، أي لا خلف في خبره، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها {وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} أي من أمامهم وبين أيديهم. والبرزخ هو: الحاجز بين الشيئين. قاله الجوهري.
واختلف في معنى الآية، فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد: حاجز بين الموت والبعث.
وقال الكلبي: هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.
وقال السديّ: هو الأجل، و{إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} هو يوم القيامة.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور} قيل: هذه هي النفخة الأولى. وقيل: الثانية، وهذا أولى، وهي النفخة التي تقع بين البعث والنشور. وقيل: المعنى: فإذا نفخ في الأجساد أرواحها، على أن الصور جمع صورة، لا القرن ويدلّ على هذا قراءة ابن عباس والحسن: {الصور} بفتح الواو مع ضم الصاد جمع صورة. وقرأ أبو رزين بفتح الصاد والواو، وقرأ الباقون بضم الصاد وسكون الواو، وهو القرن الذي ينفخ فيه {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} أي لا يتفاخرون بالأنساب ويذكرونها لما هم فيه من الحيرة والدهشة {وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} أي لا يسأل بعضهم بعضاً، فإن لهم إذ ذاك شغلاً شاغلاً، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ} [عبس: 34 36]. وقوله: {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج: 10]. ولا ينافي هذا ما في الآية الأخرى من قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الطور: 25]. فإن ذلك محمول على اختلاف المواقف يوم القيامة، فالإثبات باعتبار بعضها، والنفي باعتبار بعض آخر كما قررناه في نظائر هذا، مما أثبت تارة ونفي أخرى.
{فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} أي موزوناته من أعماله الصالحة {فأولئك هُمُ المفلحون} أي الفائزون بمطالبهم المحبوبة، الناجون من الأمور التي يخافونها {وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} وهي أعماله الصالحة {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} أي ضيعوها وتركوا ما ينفعها {فِي جَهَنَّمَ خالدون} هذا بدل من صلة الموصول، أو خبر ثانٍ لاسم الإشارة، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية مستوفى فلا نعيده، وجملة: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} مستأنفة، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال، أو تكون خبراً آخر لأولئك، واللفح: الإحراق، يقال: لفحته النار: إذا أحرقته، ولفحته بالسيف: إذا ضربته، وخصّ الوجوه؛ لأنها أشرف الأعضاء {وَهُمْ فِيهَا كالحون} هذه الجملة في محل نصب على الحال. والكالح: الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه، قاله الزجاج. ودهر كالح، أي شديد. قال أهل اللغة: الكلوح: تكشر في عبوس.
وجملة {أَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} هي على إضمار القول، أي يقال لهم ذلك توبيخاً وتقريعاً أي: ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ}. وجملة: {قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أي غلبت علينا لذّاتنا وشهواتنا، فسمي ذلك شقوة؛ لأنه يؤول إلى الشقاء. قرأ أهل المدينة، وأبو عمرو وعاصم: {شقوتنا} وقرأ الباقون: {شقاوتنا} وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن {وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ} أي بسب ذلك فإنهم ضلوا عن الحق بتلك الشقوة. ثم طلبوا ما لا يجابون إليه فقالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظالمون} أي فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر وعدم الإيمان فإنا ظالمون لأنفسنا بالعود إلى ذلك، فأجاب الله عليهم بقوله: {قَالَ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} أي اسكنوا في جهنم. قال المبرد: الخسء: إبعاد بمكروه، وقال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب. فالمعنى على هذا: أبعدوا في جهنم. كما يقال للكلب: اخسأ، أي ابعد، خسأت الكلب خسأً: طردته، {ولا تكلمون} في إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا، أو في رفع العذاب عنكم، وقيل: المعنى: لا تكلمون رأساً.
ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ} وهم المؤمنون. وقيل: الصحابة، يقولون: {رَبَّنَا ءامَنَّا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الرحمين} قرأ الجمهور: {إنه كان فريق} بكسر إن استئنافاً تعليلياً، وقرأ أبيّ بفتحها {فاتخذتموهم سِخْرِيّاً} قرأ نافع وحمزة والكسائي بضمّ السين، وقرأ الباقون بكسرها.
وفرّق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو، والضم من جهة السُّخْرة. قال النحاس: ولا يعرف هذا الفرق الخليل، ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفرّاء، وحكى الثعلبي عن الكسائي: أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضم بمعنى: التسخير والاستعباد بالفعل {حتى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي اتخذتموهم سخرياً إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدّة اشتغالهم بالاستهزاء {وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} في الدنيا، والمعنى: حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك، فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب. وجملة: {إِنِي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صَبَرُواْ} مستأنفة لتقرير ما سبق، والباء في: {بما صبروا} للسببية {أَنَّهُمْ هُمُ الفائزون} قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرأ الباقون بالفتح، أي لأنهم الفائزون، ويجوز أن يكون منصوباً على أنه المفعول الثاني للفعل {قال كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الارض عَدَدَ سِنِينَ} القائل هو الله عزّ وجلّ وتذكيراً لهم كم لبثوا، لما سألوا الرجوع إلى الدنيا بعد أن أخبرهم بأن ذلك غير كائن، كما في قوله: {اخسئوا فيها}، والمراد بالأرض: هي الأرض التي طلبوا الرجوع إليها، ويحتمل أن يكون السؤال عن جميع ما لبثوه في الحياة وفي القبور. وقيل: هو سؤال عن مدة لبثهم في القبور لقوله: {في الأرض} ولم يقل: على الأرض، وردّ بمثل قوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ في الأرض} [الأعراف: 56]. وانتصاب {عدد سنين} على التمييز، لما في {كم} من الإبهام {وسنين} بفتح النون على أنها نون الجمع، ومن العرب من يخفضها وينوّنها. {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصروا مدّة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد. وقيل: إن العذاب رفع عنهم بين النفختين، فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم. وقيل: أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية. ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدّة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا: {فَاسْأَلِ العادين} أي: المتمكنين من معرفة العدد، وهم الملائكة؛ لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم. وقيل: المعنى: فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {قل كم لبثتم في الأرض} على الأمر، والمعنى: قل يا محمد للكفار، أو يكون أمراً للملك بسؤالهم، أو التقدير: قولوا كم لبثتم، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد، والمراد: الجماعة. وقرأ الباقون: {قال كم لبثتم} على أن القائل هو الله عزّ وجلّ أو الملك.
{قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} قرأ حمزة والكسائي: {قل إن لبثتم} كما في الآية الأولى، وقرأ الباقون: {قال} على الخبر، وقد تقدّم توجيه القراءتين، أي ما لبثتم في الأرض إلا لبثاً قليلاً {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} شيئاً من العلم، والجواب محذوف، أي لو كنتم تعلمون لعلمتم اليوم قلة لبثكم في الأرض أو في القبور أو فيهما، فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم.
ثم زاد سبحانه في توبيخهم فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً} الهمزة للتوبيخ والتقرير، والفاء للعطف على مقدّر كما تقدّم بيانه في مواضع، أي ألم تعلموا شيئاً فحسبتم، وانتصاب {عبثاً} على الحال، أي عابثين، أو على العلة، أي للعبث. قال بالأوّل سيبويه وقطرب، وبالثاني أبو عبيدة، وقال أيضاً: يجوز أن يكون منتصباً على المصدرية، وجملة: {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} معطوفة على {أنما خلقناكم عبثاً} والعبث في اللغة: اللعب، يقال: عبث يعبث عبثاً فهو عابث، أي لاعب، وأصله من قولهم: عبثت الأقط، أي خلطته، والمعنى: أفحسبتم أن خلقناكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب، وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم، قرأ حمزة والكسائي: {ترجعون} بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنياً للفاعل، وقرأ الباقون على البناء للمفعول. وقيل: إنه يجوز عطف وأنكم إلينا لا ترجعون على {عبثاً} على معنى: أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع.
ثم نزّه سبحانه نفسه فقال: {فتعالى الله} أي: تنزّه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئاً عبثاً، أو عن جميع ذلك، وهو {الملك} الذي يحق له الملك على الإطلاق {الحق} في جميع أفعاله وأقواله {لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم} فكيف لا يكون إلها ورباً، لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات؟ ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه، أو باعتبار من استوى عليه، كما يقال: بيت كريم: إذا كان ساكنوه كراماً. قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب: {الكريم} بالرفع على أنه نعت لربّ، وقرأ الباقون بالجرّ على أنه نعت للعرش.
ثم زيف ما عليه أهل الشرك توبيخاً لهم وتقريعاً فقال: {وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا ءاخَرَ} يعبده مع الله أو يعبده وحده، وجملة {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} في محل نصب صفة لقوله: إلها، وهي صفة لازمة جيء بها للتأكيد، كقوله: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]. والبرهان: الحجة الواضحة والدليل الواضح، وجواب الشرط قوله: {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ}. وجملة: {لا برهان له به} معترضة بين الشرط والجزاء، كقولك: من أحسن إلى زيد لا أحقّ منه بالإحسان، فالله مثيبه. وقيل: إن جواب الشرط قوله: لا برهان له به على حذف فاء الجزاء كقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها

{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} قرأ الحسن وقتادة بفتح {أن} على التعليل، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف، وقرأ الحسن: {لا يفلح} بفتح الياء واللام مضارع فلح بمعنى أفلح.
ثم ختم هذه السورة بتعليم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال: {وَقُل رَّبّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الراحمين} أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته. وقيل: أمره بالاستغفار لأمته.
وقد تقدّم بيان كونه أرحم الراحمين، ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار {قَالَ رَبّ ارجعون} أتوب أعمل صالحاً، فيقال له: قد عمرت ما كنت معمراً، فيضيق عليه قبره، فهو كالمنهوش ينازع ويفزع تهوي إليه حيات الأرض وعقاربها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: زعموا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا، فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، بل قدما إلى الله، وأما الكافر فيقولون له: نرجعك، فيقول: {ربّ ارجعون لَعَلّي أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ}» هو مرسل.
وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحقّ فيجعل بين عينيه، فعند ذلك يقول: {ربّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت}».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {أَعْمَلَ صالحا} قال: أقول: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور، يدخل عليهم في قبورهم حيات سود، حية عند رأسه وحية عند رجليه، يقرصانه حتى تلتقيا في وسطه، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله: {وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} قال: حين نفخ في الصور، فلا يبقى حيّ إلا الله.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه، أنه سئل عن قوله: {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} وقوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات: 27، الطور: 25] فقال: إنها مواقف، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى، لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون.
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عنه أيضاً، أنه سئل عن الآيتين فقال: أما قوله: {وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء، وأما قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ}
[الصافات: 50] فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين. وفي لفظ: يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأوّلين والآخرين، ثم ينادي منادٍ: ألا إن هذا فلان بن فلان، فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه. وفي لفظ: من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه، فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك في كتاب الله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ}.
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسْور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري».
وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والحاكم، والضياء في المختارة: عن عمر بن الخطاب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري».
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «ما بال رجال يقولون: إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفع قومه، بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرط لكم».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} قال: تنفح.
وأخرج ابن مردويه، والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} قال: «تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود في الآية قال: لفحتهم لفحة فما أبقت لحماً على عظم إلا ألقته على أعقابهم.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن أبي الدنيا في صفة النار، وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه في قوله: {وَهُمْ فِيهَا كالحون} قال: تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال: كلوح الرأس النضيج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {كالحون} قال: عابسون.
وقد ورد في صفة أهل النار وما يقولونه وما يقال لهم أحاديث كثيرة معروفة.
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود؛ أنه قرأ في أذن مصاب: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً} حتى ختم السورة فبرئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بماذا قرأت في أذنه؟» فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأ بها على جبل لزال».
وأخرج ابن السني وابن منده، وأبو نعيم في المعرفة، قال السيوطي: بسند حسن، من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} فقرأناها فغنمنا وسلمنا.