فصل: تفسير الآيات (13- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (13- 18):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}
قوله: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى} هما آدم وحوّاء، والمقصود أنهم متساوون؛ لاتصالهم بنسب واحد، وكونه يجمعهم أب واحد وأمّ واحدة، وأنه لا موضع للتفاخر بينهم بالأنساب، وقيل المعنى: أن كل واحد منكم من أب وأمّ، فالكل سواء {وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ} الشعوب: جمع شعب بفتح الشين، وهو الحيّ العظيم، مثل: مضر، وربيعة، والقبائل دونها كبني بكر من ربيعة، وبني تميم من مضر. قال الواحدي: هذا قول جماعة من المفسرين، سموا شعباً، لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة، والشعب من أسماء الأضداد، يقال شعبته: إذا جمعته، وشعبته: إذا فرّقته، ومنه سميت المنية شعوباً لأنها مفرّقة، فأما الشعب بالكسر: فهو الطريق في الجبل. قال الجوهري: الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب.
وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك.
وقال قتادة: الشعوب: النسب الأقرب. وقيل: إن الشعوب: عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة، ومضر، وسائر عدنان. وقيل: الشعوب: بطون العجم، والقبائل: بطون العرب.
وحكى أبو عبيد أن الشعب أكثر من القبيلة، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، ثم العشيرة. ومما يؤيد ما قاله الجمهور من أن الشعب أكثر من القبيلة قول الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم ** كريم قد يعدّ ولا نجيب

قرأ الجمهور {لتعارفوا} بتخفيف التاء، وأصله: لتتعارفوا، فحذفت إحدى التاءين. وقرأ البزّي بتشديدها على الإدغام. وقرأ الأعمش بتاءين واللام متعلقة بخلقناكم، أي: خلقناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضاً. وقرأ ابن عباس {لتعرفوا} مضارع عرف. والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه، ولا يعتري إلى غيره. والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك؛ لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم، ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب، وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة، وهذا البطن أشرف من هذا البطن. ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر، فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} أي: إن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى، فمن تلبس بها فهو المستحق؛ لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها، وأشرف وأفضل، فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب، فإن ذلك لا يوجب كرماً، ولا يثبت شرفاً، ولا يقتضي فضلاً. قرأ الجمهور {إن أكرمكم} بكسر إن. وقرأ ابن عباس بفتحها، أي: لأن أكرمكم {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بكل معلوم، ومن ذلك أعمالكم {خَبِيرٌ} بما تسرّون وما تعلنون لا تخفى عليه من ذلك خافية. ولما ذكر سبحانه أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له، وكان أصل التقوى الإيمان ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان؛ ليثبت لهم الشرف والفضل، فقال: {قَالَتِ الاعراب ءامَنَّا} وهم بنو أسد أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم، فقال: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} أي: لم تصدقوا تصديقاً صحيحاً عن اعتقاد قلب، وخلوص نية، وطمأنينة {ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} أي: استسلمنا خوف القتل والسبي، أو للطمع في الصدقة، وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر، ولم تؤمن قلوبهم، ولهذا قال سبحانه: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان في قُلُوبِكُمْ} أي: لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح، ولا نية خالصة، والجملة إما مستأنفة لتقرير ما قبلها، أو في محل نصب على الحال، وفي {لمّا} معنى التوقع.
قال الزجاج: الإسلام: إظهار الخضوع، وقبول ما أتى به النبيّ، وبذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن.
وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان في قُلُوبِكُمْ} أي: لم تصدّقوا، وإنما أسلمتم تعوّذاً من القتل {وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} طاعة صحيحة صادرة عن نيات خالصة، وقلوب مصدقة غير منافقة {لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أعمالكم شَيْئاً} يقال لات يلت: إذا نقص، ولاته يليته ويلوته: إذا نقصه، والمعنى: لا ينقصكم من أعمالكم شيئًا. قرأ الجمهور: {يلتكم} من لاته يليته كباع يبيعه. وقرأ أبو عمرو {لا يألتكم} بالهمز من ألته يألته بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع، واختار قراءة أبي عمرو، أبو حاتم لقوله: {وَمَا ألتناهم مّنْ عَمَلِهِم مّن شَئ} [الطور: 21] وعليها قول الشاعر:
أبلغ بني أسد عني مغلغلة ** جهر الرسالة لا ألتا ولا كذبا

واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور، وعليها قول رؤبة بن العجاج:
وليلة ذات ندى سريت ** ولم يلتني عن سراها ليت

وهما لغتان فصيحتان {إنَّ الله غَفُورٌ} أي: بليغ المغفرة؛ لمن فرط منه ذنب {رَّحِيمٌ} بليغ الرحمة لهم. ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لم يؤمنوا، ولا دخل الإيمان في قلوبهم، بيّن المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم، فقال: {إِنَّمَا المؤمنون الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} يعني: إيماناً صحيحاً خالصاً عن مواطأة القلب واللسان {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} أي: لم يدخل قلوبهم شيء من الريب، ولا خالطهم شكّ من الشكوك {وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ في سَبِيلِ الله} أي: في طاعته وابتغاء مرضاته، ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، فإنها من جملة ما يجاهد المرء به نفسه حتى يقوم به ويؤدّيه، كما أمر الله سبحانه، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الجامعين بين الأمور المذكورة، وهو مبتدأ، وخبره قوله: {هُمُ الصادقون} أي: الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان، والدخول في عداد أهله، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه، وادّعى أنه مؤمن، ولم يطمئن بالإيمان قلبه، ولا وصل إليه معناه، ولا عمل بأعمال أهله، وهم الأعراب الذين تقدّم ذكرهم، وسائر أهل النفاق.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولاً آخر لما ادّعوا أنهم مؤمنون، فقال: {قُلْ أَتُعَلّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} التعليم ها هنا بمعنى الإعلام، ولهذا دخلت الباء في بدينكم، أي: أتخبرونه بذلك حيث قلتم آمنا {والله يَعْلَمُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} فكيف يخفى عليه بطلان ما تدّعونه من الإيمان، والجملة في محل النصب على الحال من مفعول تعلمون {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} لا تخفى عليه من ذلك خافية، وقد علم ما تبطنونه من الكفر، وتظهرونه من الإسلام؛ لخوف الضرّاء ورجاء النفع. ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المنّ عليه منهم بما يدّعونه من الإسلام فقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} أي: يعدّون إسلامهم منّة عليك حيث قالوا: جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان {قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم} أي: لا تعدّوه منّة عليّ، فإن الإسلام هو المنّة التي لا يطلب موليها ثواباً لمن أنعم بها عليه، ولهذا قال: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان} أي: أرشدكم إليه، وأراكم طريقه سواءً وصلتم إلى المطلوب أم لم تصلوا إليه، وانتصاب {إسلامكم} إما على أنه مفعول به على تضمين يمنّون معنى يعدّون، أو بنزع الخافض، أي: لأن أسلموا، وهكذا قوله: {أَنْ هَداكُمْ للإيمان} فإنه يحتمل الوجهين {إِن كُنتُمْ صادقين} فيما تدّعونه، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله، أي: إن كنتم صادقين، فللّه المنّة عليكم. قرأ الجمهور {أن هداكم} بفتح {أن} وقرأ عاصم بكسرها. {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض} أي: ما غاب فيهما {والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه من ذلك شيء، فهو مجازيكم بالخير خيراً، وبالشرّ شرًّا. قرأ الجمهور: {تعملون} على الخطاب، وقرأ ابن كثير على الغيبة.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس: أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة.
وقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فنزلت: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه.
وأخرج أبو داود في مراسيله، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن الزهري قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا: يا رسول الله، أنزوّج بناتنا موالينا؟ فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى} هي مكية، وهي للعرب خاصة الموالي، أي: قبيلة لهم، وأي شعاب، وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} فقال: أتقاكم للشرك.
وأخرج البخاري، وابن جرير عن ابن عباس قال: الشعوب: القبائل العظام، والقبائل: البطون.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال: القبائل: الأفخاذ، والشعوب: الجمهور مثل مضر.
وأخرج البخاري، وغيره عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني»؟ قالوا: نعم، قال: «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» وقد وردت أحاديث في الصحيح، وغيره أن التقوى هي التي يتفاضل بها العباد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قَالَتِ الأعراب ءامَنَّا} قال: أعراب بني أسد، وخزيمة، وفي قوله: {ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} مخافة القتل والسبي.
وأخرج ابن جرير عن قتادة أنها نزلت في بني أسد.
وأخرج ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه قال السيوطي: بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى: أن ناساً من العرب قالوا: يا رسول الله، أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ}.
وأخرج النسائي، والبزار، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه، وذكر أنهم بنو أسد.

.سورة ق:

هي خمس وأربعون آية.
وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.
وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية، إلا آية، وهي قوله: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب}.
وهي أول المفصل على الصحيح، وقيل: من الحجرات.
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة ق بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وقد أخرج مسلم وغيره عن قطبة بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر في الركعة الأولى: {ق والقرآن المجيد}.
وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد بقاف واقتربت.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن أم هشام ابنة حارثة قالت: ما أخذت: {ق والقرآن المجيد} إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يقرأ بها في كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس وهو في صحيح مسلم.

.تفسير الآيات (1- 15):

{ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)}
قوله: {ق والقرءان المجيد} الكلام في إعراب هذا كالكلام الذي قدّمنا في قوله: {ص والقرءان ذِى الذكر} [ص: 1] وفي قوله: {حم * والكتاب المبين} [الدخان: 1، 2] واختلف في معنى {ق}، فقال الواحدي: قال المفسرون: هو اسم جبل يحيط بالدنيا من زبرجد، والسماء مقببة عليه، وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة. قال الفراء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في {ق} لأنه اسم، وليس بهجاء. قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل:
قلت لها قفي فقالت قاف

أي: أنا واقفة.
وحكى الفراء، والزجاج: أن قوماً قالوا: معنى: {ق}: قضي الأمر، وقضي ما هو كائن، كما قيل في {حم}: حمّ الأمر. وقيل: هو اسم من أسماء الله أقسم به.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن.
وقال الشعبي: فاتحة السورة.
وقال أبو بكر الورّاق معناه: قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما، وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه، والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة، ومعنى {المجيد}: أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة.
وقال الحسن: الكريم، وقيل: الرفيع القدر، وقيل: الكبير القدر، وجواب القسم قال الكوفيون: هو قوله: {بَلْ عَجِبُواْ} وقال الأخفش: جوابه محذوف كأنه قال: ق والقرآن المجيد لتبعثن، يدل عليه {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} وقال ابن كيسان جوابه: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} وقيل: هو {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} بتقدير اللام أي: لقد علمنا، وقيل: هو محذوف وتقديره أنزلناه إليك لتنذر، كأنه قيل: ق والقرآن المجيد، أنزلناه إليك لتنذر به الناس. قرأ الجمهور قاف بالسكون. وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، ونصر بن عاصم بكسر الفاء. وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء. وقرأ هارون، ومحمد بن السميفع بالضم. {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} {بل} للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال، و{أن} في موضع نصب على تقدير: لأن جاءهم. والمعنى: بل عجب الكفار؛ لأن جاءهم منذر منهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفوا بمجرّد الشك والردّ، بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة، وقيل: هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيداً، وقد تقدم تفسير هذا في سورة {ص}. ثم فسّر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله: {فَقَالَ الكافرون هذا شَئ عَجِيبٌ} وفيه زيادة تصريح وإيضاح. قال قتادة: عجبهم أن دعوا إلى إله واحد، وقيل: تعجبهم من البعث، فيكون لفظ {هذا} إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله: {أَءذَا مِتْنَا} إلخ، والأوّل أولى. قال الرازي: الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر.
ثم قالوا: {أَءذَا مِتْنَا} وأيضاً قد وجُد ها هنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب، وهو قولهم: {ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} فإنه استبعاد وهو كالتعجب، فلو كان التعجب بقولهم: {هذا شَئ عَجِيبٌ} عائداً إلى قولهم: {أئذا} لكان كالتكرار، فإن قيل: التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر، فإن تعجبهم منه علم من قولهم: وعجبوا أن جاءهم، فقوله: {هذا شَئ عَجِيبٌ} يكون تكراراً، فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير؛ لأنه لما قال: {بل عجبوا} بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجباً كقوله: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} [هود: 73] ويقال في العرف: لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم: لا معنى لتعجبكم، فقالوا: {هذا شَئ عَجِيبٌ} فكيف لا نعجب منه، ويدلّ على ذلك قوله ها هنا: {فَقَالَ الكافرون} بالفاء، فإنها تدلّ على أنه مترتب على ما تقدّم، قرأ الجمهور {أئذا متنا} بالاستفهام. وقرأ ابن عامر في رواية عنه، وأبو جعفر، والأعمش، والأعرج بهمزة واحدة، فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور، وهمزة الاستفهام مقدّرة، ويحتمل أن معناه الإخبار، والعامل في الظرف مقدّر، أي: أيبعثنا، أو أنرجع إذا متنا لدلالة ما بعده عليه، هذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة الثانية، فجواب {إذا} محذوف أي: رجعنا، وقيل: ذلك رجع، والمعنى: استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم تراباً. ثم جزموا باستبعادهم للبعث، فقالوا: {ذلك} أي: البعث {رَجْع بَعِيدٌ} أي: بعيد عن العقول، أو الأفهام، أو العادة، أو الإمكان، يقال: رجعته أرجعه رجعاً، ورجع هو يرجع رجوعاً. ثم ردّ سبحانه ما قالوه، فقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} أي: ما تأكل من أجسادهم، فلا يضلّ عنا شيء من ذلك، ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث، ولا يستبعد منه، وقال السديّ: النقص هنا الموت، يقول: قد علمنا من يموت منهم، ومن يبقى؛ لأن من مات دفن، فكأن الأرض تنقص من الأموات، وقيل المعنى: من يدخل في الإسلام من المشركين، والأوّل أولى {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} أي: حافظ لعدتّهم وأسمائهم ولكلّ شيء من الأشياء، وهو اللوح المحفوظ، وقيل: المراد بالكتاب هنا: العلم والإحصاء، والأوّل أولى. وقيل: حفيظ بمعنى محفوظ، أي: محفوظ من الشياطين، أو محفوظ فيه كل شيء، ثم أضرب سبحانه عن كلامهم الأول وانتقل إلى ما هو أشنع منه فقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} فإنه تصريح منهم بالتكذيب بعد ما تقدّم عنهم من الاستبعاد، والمراد بالحق هنا: القرآن. قال الماوردي في قول الجميع، وقيل: هو الإسلام، وقيل: محمد، وقيل: النبوّة الثابتة بالمعجزات {لَمَّا جَاءهُمْ} أي: وقت مجيئه إليهم من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر، قرأ الجمهور بفتح اللام وتشديد الميم.
وقرأ الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم {فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} أي: مختلط مضطرب، يقولون مرة ساحر، ومرة شاعر، ومرة كاهن، قاله الزجاج، وغيره.
وقال قتادة: مختلف.
وقال الحسن: ملتبس، والمعنى متقارب، وقيل: فاسد، والمعاني متقاربة، ومنه قولهم: مرجت أمانات الناس أي: فسدت، ومرج الدين، والأمر: اختلط {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السماء فَوْقَهُمْ} الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي: كيف غفلوا عن النظر إلى السماء فوقهم {كَيْفَ بنيناها}، وجعلناها على هذه الصفة مرفوعة بغير عماد تعتمد عليه {وزيناها} بما جعلنا فيها من المصابيح {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أي: فتوق وشقوق وصدوع، وهو جمع فرج، ومنه قول امرئ القيس:
ويسدّ به فرجاً من دبر

قال الكسائي: ليس فيها تفاوت، ولا اختلاف، ولا فتوق {والأرض مددناها} أي: بسطناها {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} أي: جبالاً ثوابت، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الرعد. {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: من كل صنف حسن، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الحج. {تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} هما علتان لما تقدّم منتصبان بالفعل الأخير منها، أو بمقدّر، أي: فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير، قاله الزجاج.
وقال أبو حاتم: انتصبا على المصدرية، أي: جعلنا ذلك تبصرة وذكرى. والمنيب: الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه، وعجائب مخلوقاته. وفي سياق هذه الآيات تذكير لمنكري البعث، وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة، وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه، فإن القادر على مثل هذه الأمور يقدر عليه، وهكذا قوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} أي: نزّلنا من السحاب ماءً كثير البركة؛ لانتفاع الناس به في غالب أمورهم {فَأَنبَتْنَا بِهِ جنات} أي: أنبتنا بذلك الماء بساتين كثيرة {وَحَبَّ الحصيد} أي: ما يقتات ويحصد من الحبوب، والمعنى: وحبّ الزرع الحصيد، وخصّ الحبّ لأنه المقصود، كذا قال البصريون.
وقال الكوفيون: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كمسجد الجامع، حكاه الفرّاء. قال الضحاك: حبّ الحصيد: البرّ والشعير، وقيل: كل حبّ يحصد ويدخر ويقتات {والنخل باسقات لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} هو معطوف على {جنات} أي: وأنبتنا به النخل، وتخصيصها بالذكر مع دخولها في الجنات للدلالة على فضلها على سائر الأشجار، وانتصاب {باسقات} على الحال، وهي حال مقدّرة؛ لأنها وقت الإنبات لم تكن باسقة. قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة: الباسقات: الطوال، وقال سعيد بن جبير: مستويات.
وقال الحسن، وعكرمة، والفراء: مواقير حوامل، يقال للشاة إذا بسقت: ولدت، والأشهر في لغة العرب الأوّل، يقال: بسقت النخلة بسوقاً: إذا طالت، ومنه قول الشاعر:
لنا خمر وليست خمر كرم ** ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولا ** وفات ثمارها أيدي الجناة

وجملة: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} في محل نصب على الحال من {النخل}، الطلع: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل، يقال: طلع الطلع طلوعاً، والنضيد: المتراكب الذي نضد بعضه على بعض، وذلك قبل أن ينفتح فهو نضيد في أكمامه فإذا خرج من أكمامه، فليس بنضيد {رّزْقاً لّلْعِبَادِ} انتصابه على المصدرية، أي: رزقناهم رزقاً، أو على العلة، أي: أنبتنا هذه الأشياء للرزق {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} أي: أحيينا بذلك الماء بلدة مجدبة لا ثمار فيها ولا زرع، وجملة {كذلك الخروج} مستأنفة لبيان أن الخروج من القبور عند البعث كمثل هذا الإحياء الذي أحيا الله به الأرض الميتة، قرأ الجمهور: {ميتاً} على التخفيف، وقرأ أبو جعفر، وخالد بالتثقيل. ثم ذكر سبحانه الأمم المكذبة، فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وأصحاب الرس} هم قوم شعيب كما تقدّم بيانه، وقيل: هم الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى، وهم من قوم عيسى، وقيل: هم أصحاب الأخدود. والرسّ: إما موضع نسبوا إليه، أو فعل، وهو حفر البئر، يقال رسّ: إذا حفر بئراً {وَثَمُودُ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ} أي: فرعون وقومه {وإخوان لُوطٍ} جعلهم إخوانه لأنهم كانوا أصهاره، وقيل: هم من قوم إبراهيم، وكانوا من معارف لوط {وأصحاب الأيكة} تقدّم الكلام على الأيكة، واختلاف القراء فيها في سورة الشعراء مستوفى، ونبيهم الذي بعثه الله إليهم شعيب {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} هو تبع الحميري الذي تقدّم ذكره في قوله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37] واسمه سعد أبو كرب، وقيل: أسعد. قال قتادة: ذمّ الله قوم تبع، ولم يذمه {كُلٌّ كَذَّبَ الرسل} التنوين عوض عن المضاف إليه، أي: كل واحد من هؤلاء كذب رسوله الذي أرسله الله إليه، وكذب ما جاء به من الشرع، واللام في {الرسل} تكون للعهد، ويجوز أن تكون للجنس، أي: كل طائفة من هذه الطوائف كذبت جميع الرسل، وإفراد الضمير في {كذب} باعتبار لفظ {كل}، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل له: لا تحزن، ولا تكثر غمك لتكذيب هؤلاء لك، فهذا شأن من تقدّمك من الأنبياء، فإن قومهم كذبوهم، ولم يصدّقهم إلاّ القليل منهم {فَحَقَّ وَعِيدِ} أي: وجب عليهم وعيدي، وحقّت عليهم كلمة العذاب، وحل بهم ما قدّره الله عليهم من الخسف، والمسخ، والإهلاك بالأنواع التي أنزلها الله بهم من عذابه. {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث الذي أنكرته الأمم، أي: أفعجزنا بالخلق حين خلقناهم أوّلاً ولم يكونوا شيئًا، فكيف نعجز عن بعثهم، يقال: عييت بالأمر: إذا عجزت عنه، ولم أعرف وجهه.
قرأ الجمهور بكسر الياء الأولى بعدها ياء ساكنة. وقرأ ابن أبي عبلة بتشديد الياء من غير إشباع. ثم ذكر أنهم في شكّ من البعث، فقال: {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: في شك وحيرة واختلاط من خلق مستأنف، وهو بعث الأموات، ومعنى الإضراب: أنهم غير منكرين لقدرة الله على الخلق الأوّل {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ق} قال: هو اسم من أسماء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: خلق الله من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً، ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له: قاف السماء الدنيا مرفرفة عليه، ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها، ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له: قاف السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عدّ سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سموات، قال: وذلك قوله: {والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] قال ابن كثير: لا يصح سنده عن ابن عباس.
وقال أيضاً: وفيه انقطاع.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه أيضاً قال: هو جبل وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل، فحرّك ذلك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها، فمن ثم يحرك القرية دون القرية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {والقرءان المجيد} قال: الكريم، وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: القرآن المجيد ليس شيء أحسن منه ولا أفضل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} قال: أجسادهم وما يذهب منها.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال: ما تأكل من لحومهم وعظامهم وأشعارهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً قال: المريج: الشيء المتغير.
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه عن قطبة قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: {ق}، فلما أتى على هذه الآية: {والنخل باسقات} فجعلت أقول: ما بسوقها؟ قال: «طولها».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {والنخل باسقات} قال: الطول.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} قال: متراكم بعضه على بعض.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} يقول: لم يعيينا الخلق الأوّل، وفي قوله: {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} في شكّ من البعث.