فصل: سورة المجادلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة المجادلة:

هي ثنتان وعشرون آية.
وهي مدنية.
قال القرطبي: في قول الجميع إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي.
وقال الكلبي: نزلت جميعها بالمدينة غير قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} نزلت بمكة.
وأخرج ابن الضريس والنحاس وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة المجادلة بالمدينة.
وأخرج ابن مردويه عن الزبير مثله.

.تفسير الآيات (1- 4):

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
قوله: {قَدْ سَمِعَ الله} قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي بإدغام الدال في السين، وقرأ الباقون بالإظهار. قال الكسائي: من بيَّن الدال عند السين، فلسانه أعجميّ وليس بعربيّ {قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا} أي: تراجعك الكلام في شأنه {وَتَشْتَكِى إِلَى الله} معطوف على تجادلك. والمجادلة هذه الكائنة منها مع رسول الله أنه كان كلما قال لها: «قد حرمت عليه»، قالت: والله ما ذكر طلاقاً، ثم تقول: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللَّهم إني أشكو إليك، فهذا معنى قوله: {وَتَشْتَكِى إِلَى الله} قال الواحدي: قال المفسرون: نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت، وكان به لمم، فاشتد به لممه ذات يوم، فظاهر منها، ثم ندم على ذلك، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية، وقيل: هي خولة بنت حكيم، وقيل: اسمها جميلة، والأوّل أصح، وقيل: هي بنت خويلد، وقال الماوردي: إنها نسبت تارة إلى أبيها، وتارة إلى جدّها، وأحدهما أبوها، والآخر جدّها، فهي: خولة بنت ثعلبة بن خويلد، وجملة {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما} في محل نصب على الحال، أو مستأنفة جارية مجرى التعليل لما قبلها أي: والله يعلم تراجعكما في الكلام {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يسمع كل مسموع، ويبصر كل مبصر، ومن جملة ذلك ما جادلتك به هذه المرأة. ثم بيّن سبحانه شأن الظهار في نفسه، وذكر حكمه، فقال: {الذين يظاهرون مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ} قرأ الجمهور: {يظهرون} بالتشديد مع فتح حرف المضارعة. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: {يظاهرون} بفتح الياء، وتشديد الظاء، وزيادة ألف، وقرأ أبو العالية، وعاصم، وزرّ بن حبيش: {يظاهرون} بفك الإدغام، ومعنى الظهار: أن يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، ولا خلاف في كون هذا ظهاراً.
واختلفوا إذا قال: أنت عليّ كظهر ابنتي، أو أختي، أو غير ذلك من ذوات المحارم، فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار، وبه قال الحسن، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري.
وقال جماعة منهم قتادة والشعبي: إنه لا يكون ظهاراً بل يختصّ الظهار بالأمّ وحدها. واختلفت الرواية عن الشافعي، فروي عنه كالقول الأوّل، وروي عنه كالقول الثاني، وأصل الظهار مشتق من الظهر.
واختلفوا إذا قال لامرأته: أنت عليّ كرأس أمي، أو يدها، أو رجلها، أو نحو ذلك؟ هل يكون ظهاراً أم لا وهكذا إذا قال: أنت عليّ كأمي ولم يذكر الظهر، والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهاراً.
وروي عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحلّ له النظر إليه لم يكن ظهاراً، وروي عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلاّ في الظهر وحده.
واختلفوا إذا شبّه امرأته بأجنبية فقيل: يكون ظهاراً وقيل: لا، والكلام في هذا مبسوط في كتب الفروع. وجملة: {مَّا هُنَّ أمهاتهم} في محل رفع على أنها خبر الموصول، أي: ما نساؤهم بأمهاتهم، فذلك كذب منهم، وفي هذا توبيخ للمظاهرين وتبكيت لهم. قرأ الجمهور {أمهاتهم} بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال {ما} عمل ليس. وقرأ أبو عمرو، والسلمي بالرّفع على عدم الإعمال، وهي لغة نجد، وبني أسد. ثم بيّن سبحانه لهم أمهاتهم على الحقيقة فقال: {إِنْ أمهاتهم إِلاَّ اللائى وَلَدْنَهُمْ} أي: ما أمهاتهم إلاّ النساء اللائي ولدنهم، ثم زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم، فقال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ القول وَزُوراً} أي: وإن المظاهرين ليقولون بقولهم هذا منكراً من القول، أي: فظيعاً من القول ينكره الشرع، والزور: الكذب، وانتصاب {منكراً}، و{زوراً} على أنهما صفة لمصدر محذوف، أي: قولاً منكراً وزوراً {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي: بليغ العفو والمغفرة إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا القول المنكر. {والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} لما ذكر سبحانه الظهار إجمالاً ووبخ فاعليه شرع في تفصيل أحكامه، والمعنى: والذين يقولون ذلك القول المنكر الزور، ثم يعودون لما قالوا، أي: إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي، كما في قوله: {أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ} [النور: 17] أي: إلى مثله، قال الأخفش: {لِمَا قَالُواْ} وإلى ما قالوا يتعاقبان. قال: {وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 43] وقال: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23] وقال: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] وقال: {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ} [هود: 36] وقال الفرّاء: اللام بمعنى عن، والمعنى: ثم يرجعون عما قالوا، ويريدون الوطء.
وقال الزجاج: المعنى: ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا. قال الأخفش أيضاً: الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى: والذين يظهرون من نسائهم، ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} لما قالوا، أي: فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا. فالجار في قوله: {لِمَا قَالُواْ} متعلق بالمحذوف الذي هو خبر المبتدأ، وهو فعليهم.
واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال: الأوّل: أنه العزم على الوطء، وبه قال العراقيون أبو حنيفة وأصحابه، وروي عن مالك. وقيل: هو الوطء نفسه، وبه قال الحسن، وروي أيضاً عن مالك. وقيل: هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق، وبه قال الشافعي. وقيل: هو الكفارة، والمعنى: أنه لا يستبيح وطأها إلاّ بكفارة، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن أبي حنيفة. وقيل: هو تكرير الظهار بلفظه، وبه قال أهل الظاهر.
وروي عن بكير بن الأشبح، وأبي العالية، والفراء.
والمعنى: ثم يعودون إلى قول ما قالوا. والموصول مبتدأ، وخبره: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} على تقدير، فعليهم تحرير رقبة، كما تقدّم، أو قالوا وجب عليهم إعتاق رقبة، يقال: حررته، أي: جعلته حرّاً، والظاهر أنها تجزئ أيّ رقبة كانت، وقيل: يشترط أن تكون مؤمنة كالرقبة في كفارة القتل؛ وبالأول: قال أبو حنيفة وأصحابه، وبالثاني: قال مالك، والشافعي، واشترطا أيضاً سلامتها من كل عيب {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} المراد بالتماس هنا: الجماع، وبه قال الجمهور، فلا يجوز للمظاهر الوطء حتى يُكَفّر، وقيل: إن المراد به الاستمتاع بالجماع، أو اللمس، أو النظر إلى الفرج بشهوة، وبه قال مالك، وهو أحد قولي الشافعي، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى الحكم المذكور وهو مبتدأ، وخبره: {تُوعَظُونَ بِهِ} أي: تؤمرون به، أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار، وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفارة. قال الزجاج: معنى الآية ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به أي: إن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فهو مجازيكم عليها. ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة، فقال: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} أي: فمن لم يجد الرّقبة في ملكه، ولا تمكن من قيمتها، فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما، فإن أفطر استأنف إن كان الإفطار لغير عذر، وإن كان لعذر من سفر أو مرض، فقال سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، والشعبي، والشافعي، ومالك: إنه يبني، ولا يستأنف.
وقال أبو حنيفة: إنه يستأنف، وهو مرويّ عن الشافعي؛ ومعنى {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}: هو ما تقدّم قريباً، فلو وطئ ليلاً أو نهاراً عمداً أو خطأ استأنف، وبه قال أبو حنيفة، ومالك.
وقال الشافعي: لا يستأنف إذا وطئ ليلاً؛ لأنه ليس محلاً للصوم، والأول أولى {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} يعني: صيام شهرين متتابعين {فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً} أي: فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين مدّان، وهما نصف صاع، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وغيره: لكل مسكين مدّ واحد، والظاهر من الآية أن يطعمهم حتى يشبعوا مرّة واحدة، أو يدفع إليهم ما يشبعهم، ولا يلزمه أن يجمعهم مرّة واحدة، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم، وبعضهم في يوم آخر، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم ذكره من الأحكام، وهو مبتدأ، وخبره مقدّر، أي: ذلك واقع {لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل نصب، والتقدير: فعلنا ذلك لتؤمنوا، أي: لتصدّقوا أن الله أمر به وشرعه، أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي، وتقفوا عند حدود الشرع ولا تتعدّوها، ولا تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور، والإشارة بقوله: {وَتِلْكَ} إلى الأحكام المذكورة، وهو مبتدأ، وخبره: {حُدُود الله} فلا تجاوزوا حدوده التي حدّها لكم، فإنه قد بيّن لكم أن الظهار معصية، وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة {وللكافرين} الذين لا يقفون عند حدود الله، ولا يعملون بما حدّه الله لعباده {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو عذاب جهنم، وسماه كفراً تغليظاً وتشديداً.
وقد أخرج ابن ماجه، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللَّهمّ إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا} وهو أوس بن الصامت.
وأخرج النحاس، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال: كان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس، وكانت تحته ابنة عمّ له يقال لها: خولة بنت خويلد، فظاهر منها، فأسقط في يده وقال: ما أراك إلاّ قد حرمت عليّ، فانطلقي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فاسأليه، فأتت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فأخبرته، فقال: «يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء»، فأنزل الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا خولة أبشري» قالت: خيراً. قال: «خيراً»، فقرأ عليها {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا} الآيات.
وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقيّ من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدّثتني خولة بنت ثعلبة قالت: فيّ، والله، وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه، فدخل عليّ يوماً فراجعته بشيء، فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ثم رجع، فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ، وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فما برحت حتى نزل القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سري عنه، فقال لي: «يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك»، ثم قرأ عليّ: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ} إلى قوله: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مريه، فليعتق رقبة»، قلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: «فليصم شهرين متتابعين»، قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: «فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر»، قلت: والله ما ذاك عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنا سأعينه بعرق من تمر»، فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، فقال: «قد أصبت، وأحسنت، فاذهبي، فتصدّقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً،» قالت، ففعلت وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} قال: هو الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، فإذا قال ذلك فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح، ولا غيره حتى يُكَفر بعتق رقبة {فَمَنْ} فإن {لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} والمسّ: النكاح {فَمَنْ} فإن {لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً} وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنث، فلا يقربها حتى يُكَفّر، ولا يقع في الظهار طلاق.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: ثلاث فيه مدّ: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الصيام.
وأخرج البزار، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال: أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني ظاهرت من امرأتي، فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر، فوقعت عليها قبل أن أُكفر، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألم يقل الله: {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}»، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال: «أمسك عنها حتى تُكَفر».
وأخرج عبد الرزاق، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقيّ عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي، فوقعت عليها من قبل أن أُكفر، فقال: «وما حملك على ذلك»؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله».
وأخرج عبد الرّزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذيّ وحسنه، وابن ماجه، والطبراني، والبغوي في معجمه، والحاكم وصححه عن سلمة بن صخر الأنصاريّ قال: كنت رجلاً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقا من أن أصيب منها في ليلي، فأتتابع في ذلك، ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء، فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي، فأخبرتهم خبري، فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بأمري، فقالوا: لا، والله لا نفعل نتخوّف أن ينزل فينا القرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها؛ ولكن اذهب أنت، فاصنع ما بدا لك قال: فخرجت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته خبري، فقال: «أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، قال: «أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، قال: «أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا، فأمض فيّ حكم الله، فإني صابر لذلك، قال: «أعتق رقبة»، فضربت عنقي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحقّ ما أصبحت أملك غيرها، قال: «فصم شهرين متتابعين»، فقلت: هل أصابني ما أصابني إلاّ في الصيام؟ قال: «فأطعم ستين مسكيناً»، قلت: والذي بعثك بالحقّ لقد بتنا ليلتنا هذه وحشاً ما لنا عشاء، قال: «اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له، فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً، ثم استعن بسائرها عليك، وعلى عيالك» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليّ، فدفعوها إليه.