فصل: سورة الانفطار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الانفطار:

هي تسع عشرة آية.
وهي مكية بلا خلاف.
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت: {إذا السماء انفطرت} بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وأخرج النسائي عن جابر قال: قام معاذ فصلى العشاء فطول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ؟ أين أنت عن {سبح اسم ربك الأعلى} والضحى {إذا السماء انفطرت}؟».
وأصل الحديث في الصحيحين، ولكن بدون ذكر {إذا السماء انفطرت}.
وقد تقدم بها النسائي.
وقد تقدم في سورة التكوير حديث: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: {إذا الشمس كورت}، و{إذا السماء انفطرت}، و{إذا السماء انشقت}».

.تفسير الآيات (1- 19):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
قوله: {إِذَا السماء انفطرت} قال الواحدي: قال المفسرون: انفطارها انشقاقها كقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً} [الفرقان: 25] والفطر: الشق، يقال: فطرته فانفطر، ومنه فطر ناب البعير: إذا طلع، قيل: والمراد: أنها انفطرت هنا لنزول الملائكة منها، وقيل: انفطرت لهيبة الله. {وَإِذَا الكواكب انتثرت} أي: تساقطت متفرقة يقال: نثرت الشيء أنثره نثراً. {وَإِذَا البحار فُجّرَتْ} أي: فجر بعضها في بعض، فصارت بحراً واحداً، واختلط العذب منها بالمالح.
وقال الحسن: معنى {فجرت} ذهب ماؤها، ويبست، وهذه الأشياء بين يدي الساعة، كما تقدّم في السورة التي قبل هذه {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} أي: قلب ترابها، وأخرج الموتى الذين هم فيها، يقال: بعثر يبعثر بعثرة: إذا قلب التراب، ويقال: بعثر المتاع قلبه ظهراً لبطن، وبعثرت الحوض وبعثرته إذا هدمته، وجعلت أعلاه أسفله. قال الفراء: {بعثرت} أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها.
ثم ذكر سبحانه الجواب عما تقدّم فقال: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} والمعنى: أنها علمته عند نشر الصحف لا عند البعث لأنه وقت واحد من عند البعث إلى عند مصير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، والكلام في إفراد نفس هنا، كما تقدّم في السورة الأولى في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] ومعنى {مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}: ما قدّمت من عمل خير أو شرّ، وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة لأن لها أجر ما سنته من السنن الحسنة، وأجر من عمل بها، وعليها وزر ما سنته من السنن السيئة، ووزر من عمل بها.
وقال قتادة: ما قدّمت من معصية، وأخرت من طاعة، وقيل: ما قدّم من فرض، وأخّر من فرض، وقيل: أوّل عمله وآخره. وقيل: إن النفس تعلم عند البعث بما قدّمت وأخرت علماً إجمالياً لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة، وأما العلم التفصيلي، فإنما يحصل عند نشر الصحف.
{ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} هذا خطاب الكفار: أي: ما الذي غرّك، وخدعك حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك، وجعلك عاقلاً فاهماً، ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها. قال قتادة: غرّه شيطانه المسلط عليه.
وقال الحسن: غرّه شيطانه الخبيث، وقيل: حمقه وجهله. وقيل: غرّه عفو الله إذ لم يعاجله بالعقوبة أوّل مرّة، كذاقال مقاتل {الذى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي: خلقك من نطفة، ولم تك شيئًا، فسوّاك رجلاً تسمع وتبصر وتعقل، {فعدلك} جعلك معتدلاً. قال عطاء: جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة.
وقال مقاتل: عدّل خلقك في العينين، والأذنين، واليدين، والرجلين، والمعنى: عدل بين ما خلق لك من الأعضاء. قرأ الجمهور: {فعدّلك} مشدّداً، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بالتخفيف، واختار أبو حاتم، وأبو عبيد القراءة الأولى. قال الفراء، وأبو عبيد: يدلّ عليها قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] ومعنى القراءة الأولى: أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها، ومعنى القراءة الثانية: أنه صرفه، وأماله إلى أيّ صورة شاء، إما حسناً وإما قبيحاً، وإما طويلاً وإما قصيراً. {في أي صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} في أيّ صورة متعلق بركبك، و{ما} مزيدة، و{شاء} صفة لصورة، أي: ركّبك في أيّ صورة شاءها من الصور المختلفة، وتكون هذه الجملة كالبيان لقوله: {فَعَدَلَكَ} والتقدير: فعدّلك: ركبك في أيّ صورة شاءها، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال أي: ركبك حاصلاً في أيّ صورة. ونقل أبو حيان عن بعض المفسرين أنه متعلق بعدّلك. واعترض عليه بأن {أيّ} لها صدر الكلام، فلا يعمل فيها ما قبلها. قال مقاتل، والكلبي، ومجاهد: في أيّ شبه من أب أو أمّ، أو خال أو عم.
وقال مكحول: إن شاء ذكراً، وإن شاء أنثى، وقوله: {كَلاَّ} للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله، وجعله ذريعة إلى الكفر به، والمعاصي له، ويجوز أن يكون بمعنى: حقاً، وقوله: {بَلْ تُكَذّبُونَ بالدين} إضراب عن جملة مقدّرة ينساق إليها الكلام، كأنه قيل: بعد الردع، وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجاوزونه إلى ما هو أعظم منه من التكذيب بالدين وهو الجزاء، أو بدين الإسلام. قال ابن الأنباري: الوقف الجيد على الدين، وعلى ركبك، وعلى {كلاً} قبيح، والمعنى: بل تكذبون يا أهل مكة بالدين، أي: بالحساب، وبل لنفي شيء تقدّم، وتحقيق غيره، وإنكار البعث قد كان معلوماً عندهم، وإن لم يجر له ذكر. قال الفراء: كلا ليس الأمر، كما غررت به. قرأ الجمهور {تكذبون} بالفوقية على الخطاب. وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة بالتحتية على الغيبة.
وجملة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون، أي: تكذبون، والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم، والحافظين: الرقباء من الملائكة الذين يحفظون على العباد أعمالهم، ويكتبونها في الصحف. ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد، وجملة: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين، أو على النعت، أو مستأنفة. قال الرازي: والمعنى التعجيب من حالهم كأنه قال: إنكم تكذبون بيوم الدين، وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره قوله تعالى: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
[ق: 17، 18].
ثم بيّن سبحانه حال الفريقين فقال: {إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} والجملة مستأنفة لتقرير هذا المعنى الذي سيقت له، وهي كقوله سبحانه: {فَرِيقٌ في الجنة وَفَرِيقٌ في السعير} [الشورى: 7] وقوله: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدين} صفة ل {جحيم}؛ ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجارّ، والمجرور، أو مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل ما حالهم؟ فقيل: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدين} أي: يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به، ومعنى {يصلونها}: أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها، وحرّها يومئذ. قرأ الجمهور {يصلونها} مخففاً مبنياً للفاعل، وقرئ بالتشديد مبنياً للمفعول. {وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} أي: لا يفارقونها أبداً، ولا يغيبون عنها، بل هم فيها، وقيل: المعنى: وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرّها في قبورهم. ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} أي: يوم الجزاء، والحساب، وكرّره تعظيماً لقدره، وتفخيماً لشأنه، وتهويلاً لأمره، كما في قوله: {القارعة * مَا القارعة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} [القارعة: 1 3] و{الحاقة * مَا الحاقة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة} [الحاقة: 1- 3] والمعنى: أيّ شيء جعلك دارياً ما يوم الدين. قال الكلبي: الخطاب للإنسان الكافر.
ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو برفع: {يوم} على أنه بدل من {يوم الدين}، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية: {يوم} بالتنوين، والقطع عن الإضافة. وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير: أعني أو اذكر، فيكون مفعولاً به، أو على أنها فتحة بناء لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبنيّ على الفتح لإضافته إلى قوله: {لاَ تَمْلِكُ} وما أضيف إلى غير المتمكن، فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل، وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، وأما إلى الفعل المستقبل، فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي، والفرّاء، وغيرهما، والمعنى: أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئًا من النفع أو الضرّ {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وحده لا يملك شيئًا من الأمر غيره كائناً ما كان. قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئًا من المنفعة. قال قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئًا، أو يصنع شيئًا إلا الله ربّ العالمين، والمعنى: أن الله لا يملك أحداً في ذلك اليوم شيئًا من الأمور، كما ملكهم في الدنيا، ومثل هذا قوله: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا البحار فُجّرَتْ} قال: بعضها في بعض، وفي قوله: {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} قال: بحثت.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} قال: ما قدّمت من خير، وما أخّرت من سنة صالحة يعمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، أو سنة سيئة تعمل بعده، فإن عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيئًا.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس نحوه.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من استنّ خيراً فاستنّ به فله أجره، ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شرّاً فاستنّ به، فعليه وزره، ومثل أوزار من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم» وتلا حذيفة: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} قال: غرّه والله جهله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار يحفظان عمله ويكتبان أثره.

.سورة المطففين:

وهي ست وثلاثون آية.
قال القرطبي: وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة.
وقال مقاتل: أيضا هي أول سورة نزلت بالمدينة.
وقال ابن عباس وقتادة: هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله: {إن الذين أجرموا} إلى آخرها.
وقال الكلبي وجابر بن زيد: نزلت بين مكة والمدينة.
وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة المطففين بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: آخر ما نزل بمكة سورة المطففين.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب- قال السيوطي: بسند صحيح- عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله: {ويل للمطففين}؛ فأحسنوا الكيل بعد ذلك.

.تفسير الآيات (1- 17):

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
قوله: {وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ} ويل مبتدأ، وسوّغ الابتداء به كونه دعاء، ولو نصب لجاز. قال مكي والمختار: في ويل، وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع، ويجوز النصب، فإن كان مضافاً أو معرّفاً كان الاختيار فيه النصب نحو قوله: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ} [طه: 61] و{للمطففين} خبره، والمطفف: المنقص، وحقيقته الأخذ في الكيل، أو الوزن شيئًا طفيفاً أي: نزراً حقيراً. قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفف، وهو القليل، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف، لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. قال أبو عبيدة، والمبرد: المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن، والمراد بالويل هنا شدّة العذاب، أو نفس العذاب، أو الشرّ الشديد، أو هو واد في جهنم. قال الكلبي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسيئون كيلهم، ووزنهم لغيرهم، ويستوفون لأنفسهم، فنزلت هذه الآية.
وقال السديّ: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان بها رجل يقال له أبو جهينة، ومعه صاعان يكيل بأحدهما، ويكتال بالآخر، فأنزل الله هذه الآية. قال الفراء: هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلاً إلى يومهم هذا.
ثم بيّن سبحانه المطففين من هم؟ فقال: {الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ} أي: يستوفون الاكتيال، والأخذ بالكيل. قال الفرّاء: يريد اكتالوا من الناس، وعلى ومن في هذا الموضع يعتقبان، يقال: اكتلت منك أي: استوفيت منك، وتقول: اكتلت عليك أي: أخذت ما عليك. قال الزجاج: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، ولم يذكر اتزنوا؛ لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع، فأحدهما يدل على الآخر. قال الواحدي: قال المفسرون: يعني: الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا، وهو معنى قوله: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} أي: كالوا لهم، أو وزنوا لهم، فحذفت اللام فتعدّى الفعل إلى المفعول، فهو من باب الحذف والإيصال، ومثله: نصحتك، ونصحت لك، كذا قال الأخفش، والكسائي، والفرّاء. قال الفرّاء: وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس أتينا التاجر، فيكيلنا المدّ والمدّين إلى الموسم المقبل. قال: وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس. قال الزجاج: لا يجوز الوقف على كالوا حتى يوصل بالضمير، ومن الناس من يجعله توكيداً أي: توكيداً للضمير المستكنّ في الفعل، فيجيز الوقف على كالوا أو وزنوا، قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا أو وزنوا، ثم يقول: هم يخسرون. قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك. قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحداهما الخط، ولذلك كتبوها بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا أو وزنوا بالألف.
والأخرى أنه يقال: كلتك، ووزنتك بمعنى: كلت لك، ووزنت لك، وهو كلام عربيّ؛ كما يقال صدتك وصدت لك، وكسبتك وكسبت لك، وشكرتك وشكرت لك، ونحو ذلك. وقيل: هو على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف المكيل والموزون أي: وإذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا موزونهم، ومعنى {يخسرون}: ينقصون كقوله: {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 9] والعرب تقول: خسرت الميزان، وأخسرته.
ثم خوّفهم سبحانه فقال: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ} والجملة مستأنفة مسوقة لتهويل ما فعلوه من التطفيف، وتفظيعه، وللتعجيب من حالهم في الاجتراء عليه، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المطففين، والمعنى: أنهم لا يخطرون ببالهم أنهم مبعوثون، فمسؤولون عما يفعلون. قيل: والظنّ هنا بمعنى اليقين أي: لا يوقن أولئك، ولو أيقنوا ما نقصوا الكيل والوزن، وقيل: الظنّ على بابه، والمعنى: إن كانوا لا يستيقنون البعث، فهلا ظنوه حتى يتدبروا فيه، ويبحثوا عنه، ويتركوا ما يخشون من عاقبته. واليوم العظيم: هو يوم القيامة، ووصفه بالعظم، لكونه زماناً لتلك الأمور العظام من البعث والحساب والعقاب، ودخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} انتصاب الظرف ب {مبعوثون} المذكور قبله، أو بفعل مقدّر يدل عليه مبعوثون. أي: يبعثون يوم يقوم الناس، أو على البدل من محل ليوم، أو بإضمار أعني، أو هو في محلّ رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو في محلّ جرّ على البدل من لفظ ليوم، وإنما بني على الفتح في هذين الوجهين لإضافته إلى الفعل. قال الزجاج: {يوم} منصوب بقوله: {مبعوثون}، المعنى: ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة؟ ومعنى {يوم يقوم الناس}: يوم يقومون من قبورهم لأمر ربّ العالمين، أو لجزائه، أو لحسابه، أو لحكمه وقضائه. وفي وصف اليوم بالعظم مع قيام الناس لله خاضعين فيه، ووصفه سبحانه بكونه ربّ العالمين دلالة على عظم ذنب التطفيف، ومزيد إثمه، وفظاعة عقابه. وقيل المراد بقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس} قيامهم في رشحهم إلى أنصاف آذانهم، وقيل: المراد قيامهم بما عليهم من حقوق العباد، وقيل: المراد قيام الرسل بين يدي الله للقضاء، والأوّل أولى. قوله: {كَلاَّ} هي: للردع، والزجر للمطففين الغافلين عن البعث، وما بعده. ثم استأنف فقال: {إِنَّ كتاب الفجار لَفِى سِجّينٍ} وعند أبي حاتم أن {كلا} بمعنى: حقاً متصلة بما بعدها على معنى: حقاً إن كتاب الفجار لفي سجين، وسجين هو ما فسره به سبحانه من قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ * كتاب مَّرْقُومٌ} فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم أي: مسطور، قيل: هو كتاب جامع لأعمال الشرّ الصادر من الشياطين والكفرة والفسقة، ولفظ سجين علم له.
وقال قتادة، وسعيد بن جبير، ومقاتل، وكعب: إنه صخرة تحت الأرض السابعة تقلب، فيجعل كتاب الفجار تحتها، وبه قال مجاهد، فيكون في الكلام على هذا القول مضاف محذوف، والتقدير: محل كتاب مرقوم.
وقال أبو عبيدة، والأخفش، والمبرد، والزجاج {لَفِى سِجّينٍ}: لفي حبس وضيق شديد، والمعنى: كأنهم في حبس، جعل ذلك دليلاً على خساسة منزلتهم وهوانها. قال الواحدي: ذكر قوم أن قوله: {كتاب مَّرْقُومٌ} تفسير لسجين، وهو بعيد لأنه ليس السجين من الكتاب في شيء على ما حكيناه عن المفسرين، والوجه أن يجعل بياناً لكتاب المذكور في قوله: {إِنَّ كتاب الفجار} على تقدير هو كتاب مرقوم أي: مكتوب قد بينت حروفه انتهى، والأولى ما ذكرناه، ويكون المعنى: إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون أي: ما يكتب من أعمالهم، أو كتابة أعمالهم لفي ذلك الكتاب المدوّن للقبائح المختصّ بالشر، وهو سجين.
ثم ذكر ما يدل على تهويله، وتعظيمه، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ} ثم بيّنه بقوله: {كتاب مَّرْقُومٌ}. قال الزجاج: معنى قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ} ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك. قال قتادة: ومعنى {مرقوم}: رقم لهم بشرّ كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه كافر. وكذا قال مقاتل.
وقد اختلفوا في نون سجين، فقيل: هي أصلية، واشتقاقه من السجن، وهو الحبس، وهو بناء مبالغة كخمير، وسكير، وفسيق من الخمر والسكر والفسق. وكذا قال أبو عبيدة، والمبرد، والزجاج. قال الواحدي: وهذا ضعيف؛ لأن العرب ما كانت تعرف سجيناً. ويجاب عنه: بأنه رواية هؤلاء الأئمة تقوم بها الحجة، وتدل على أنه من لغة العرب، ومنه قول ابن مقبل:
ورفقة يضربون البيض ضاحية ** ضرباً تواصت به الأبطال سجينا

وقيل: النون بدل من اللام، والأصل سجيل، مشتقاً من السجل، وهو الكتاب. قال ابن عطية: من قال: إن سجيناً موضع، فكتاب مرفوع على أنه خبر إن، والظرف وهو قوله: {لَفِى سِجّينٍ} ملغى، ومن جعله عبارة عن الكتاب، فكتاب خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هو كتاب، ويكون هذا الكلام مفسراً لسجين ما هو؟ كذا قال. قال الضحاك: مرقوم مختوم بلغة حمير، وأصل الرقم الكتابة. قال الشاعر:
سأرقم بالماء القراح إليكم ** على بعدكم إن كان للماء راقم

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} هذا متصل بقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} وما بينهما اعتراض، والمعنى: ويل يوم القيامة لمن وقع منه التكذيب بالبعث، وبما جاءت به الرسل. ثم بيّن سبحانه هؤلاء المكذبين فقال: {الذين يُكَذّبُونَ بِيَوْمِ الدين} والموصول صفة للمكذبين، أو بدل منه {وَمَا يُكَذّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} أي: فاجر جائر متجاوز في الإثم منهمك في أسبابه.
{إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا} المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم {قَالَ أساطير الأولين} أي: أحاديثهم وأباطيلهم التي زخرفوها. قرأ الجمهور {إذا تتلى} بفوقيتين. وقرأ أبو حيوة، وأبو السماك، والأشهب العقيلي، والسلمي بالتحتية، وقوله: {كَلاَّ} للردع، والزجر للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل، وتكذيب له، وقوله: {بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بيان للسبب الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأوّلين. قال أبو عبيدة: ران على قلوبهم: غلب عليها ريناً، وريوناً، وكل ما غلبك، وعلاك فقد ران بك، وران عليك. قال الفرّاء: هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. قال مجاهد: القلب مثل الكف، ورفع كفه فإذا أذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب ذنباً آخر انقبض، وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها حتى يطبع على قلبه. قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين. ثم قرأ هذه الآية. قال أبو زيد: يقال قد رين بالرجل ريناً: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، ولا قبل له به.
وقال أبو معاذ النحوي: الرين أن يسودّ القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب، وهو أشدّ من الرين، والإقفال أشدّ من الطبع. قال الزجاج: الرين هو كالصدأ يغشى القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين.
ثم كرّر سبحانه الردع، والزجر فقال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} وقيل: كلا بمعنى حقاً أي: حقاً إنهم، يعني: الكفار عن ربهم يوم القيامة لا يرونه أبداً. قال مقاتل: يعني: أنهم بعد العرض والحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم. قال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنّ الله عزّ وجلّ يرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة.
وقال جلّ ثناؤه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] فأعلم جلّ ثناؤه أن المؤمنين ينظرون، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه. وقيل: هو تمثيل لإهانتهم بإهانة من يحجب عن الدخول على الملوك.
وقال قتادة، وابن أبي مليكة: هو أن لا ينظر إليهم برحمته، ولا يزكيهم.
وقال مجاهد: محجوبون عن كرامته، وكذا قال ابن كيسان {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الجحيم} أي: داخلو النار، وملازموها غير خارجين منها، وثم لتراخي الرتبة؛ لأن صلي الجحيم أشدّ من الإهانة، وحرمان الكرامة.
{ثُمَّ يُقَالُ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} أي: تقول لهم خزنة جهنم تبكيتاً وتوبيخاً: هذا الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، فانظروه وذوقوه.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات، وأخذوا بالسنين».
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «{يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه».
وأخرج الطبراني، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} قال: «فكيف إذا جمعكم الله، كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم».
وأخرج أبو يعلى، وابن حبان، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «{يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} بمقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى الغروب إلى أن تغرب».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إذا حشر الناس قاموا أربعين عاماً.
وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعاً.
وأخرج الطبراني عن ابن عمر أنه قال: يا رسول الله كم مقام الناس بين يدي ربّ العالمين يوم القيامة؟ قال: «ألف سنة لا يؤذن لهم».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طريق شمر بن عطية أن ابن عباس سأل كعب الأحبار عن قوله: {كَلاَّ إِنَّ كتاب الفجار لَفِى سِجّينٍ} قال: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، فيهبط بها إلى الأرض، فتأبى أن تقبلها، فيدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجين، وهو خدّ إبليس، فيخرج لها من تحت خد إبليس كتاباً فيختم، ويوضع تحت خد إبليس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {سِجّينٍ}: أسفل الأرضين.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّ قال: «الفلق جب في جهنم مغطى، وأما سجين فمفتوح» قال ابن كثير: هو حديث غريب منكر لا يصحّ.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{سِجّينٍ} الأرض السابعة السفلى».
وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه مرفوعاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن ماجه، والطبراني، والبيهقي في البعث عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أمّ بشر بنت البراء فقالت: إن لقيت ابني، فأقرئه مني السلام، فقال: غفر الله لك يا أمّ بشر نحن أشغل من ذلك، فقالت: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حين شاءت، وإن نسمة الكافر في سجين؟» قال: بلى، قالت: فهو ذلك.
وأخرج ابن المبارك نحوه عن سلمان.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تغلف قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله سبحانه في القرآن: {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}».