فصل: تفسير الآية رقم (228):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (228):

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قوله: {والمطلقات} يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول، ثم خصص بقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] فوجب بناء العام على الخاص، وخرجت من هذا العموم المطلَّقة قبل الدخول، وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالى: {وأولات الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثلاثة أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] والتربص: الانتظار، قيل: هو خبر في معنى الأمر أي: ليتربصن قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه، وزاده تأكيداً وقوعه خبراً للمبتدأ. قال ابن العربي: وهذا باطل، وإنما هو: خبر عن حكم الشرع، فإن وجدت مطلقة لا تتربص، فليس ذلك من الشرع، ولا يلزم من ذلك، وقوع خبر الله سبحانه على خلاف مخبره. والقروء: جمع قرء.
وروي عن نافع أنه قرأ: {قرو} بتشديد الواو. وقرأه الجمهور بالهمز. وقرأ الحسن بفتح القاف، وسكون الراء، والتنوين. قال الأصمعي: الواحد قرء بضم القاف.
وقال أبو زيد بالفتح: وكلاهما قال: أقرأت المرأة: حاضت، وأقرأت: ظهرت.
وقال الأخفش: أقرأت المرأة: إذا صارت صاحبة حيض، فإذا حاضت قلت: قرأت بلا ألف.
وقال أبو عمرو بن العلاء من العرب من يسمي الحيض قرءاً، ومنهم من يسمي الطهر قرءاً، ومنهم من يجمعهما جميعاً، فيسمي الحيض مع الطهر قرءاً، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل: الوقت؛ يقال: هبت الرياح لقرئها، ولقارئها: أي: لوقتها، ومنه قول الشاعر:
كَرهتُ العَقْر عقربني شَليل ** إذَا هَبَّتْ لقارئها الرَّياحُ

فيقال للحيض: قرء، وللطهر: قرء؛ لأن كل واحد منهما له وقت معلوم.
وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار، وتارة على الحيض، فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشى:
أفِي كلٍ عَامٍ أنتَ جَاشِمُ غَزْوةٍ ** تَشُدّ لأقصَاهَا عزيم عَزَائكا

موِّرثة مَالاً وفي الحي رفعة ** لِما ضَاعَ فِيها من قُرُوءِ نِسائكا

أي أطهارهن، ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر:
يَا ربَّ ذي حِنْق عليّ قَارضٍ ** له قُرُوّ كقُروُّ الحائِض

يعني أنه طعنه، فكان له دم كدم الحائض.
وقال قوم: هو مأخوذ من قري الماء في الحوض، وهو جمعه، ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه. قال عمرو بن كلثوم:
ذِراعَي عَيْطَلٍ أدْمَاء بِكرٍ ** هِجَانِ اللونِ لِم تَقْرَأ جنينا

أي: لم تجمعه في بطنها. والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض، والطهر، ولأجل هذا الاشتراك، اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية، فقال أهل الكوفة: هي الحيض، وهو قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وعكرمة، والسدي، وأحمد بن حنبل.
وقال أهل الحجاز: هي: الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والزهري، وأبان بن عثمان، والشافعي.
واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت، فصار معنى الآية عند الجميع: والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة أوقات، فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها، فأهل القول الأول استدلوا على أن المراد في هذه الآية الحيض بقوله صلى الله عليه وسلم: «دعي الصلاة أيام أقرائك» وبقوله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدّتها حيضتان» وبأن المقصود من العدّة استبراء الرحم، وهو يحصل بالحيض لا بالطهر. واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق، وقت الطهر، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمر: «مُرْه فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» وذلك؛ لأن زمن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركنا أحداً من فقهائنا إلا يقول بأن الأقراء هي: الأطهار، فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه، ولو ساعة، ولو لحظة، ثم استقبلت طهراً ثانياً بعد حيضة، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدّة. انتهى.
وعندي أن لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعاً. أما قول الأولين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعي الصلاة أيام أقرائك» فغاية ما في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأقراء على الحيض، ولا نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك، فإنه يطلق تارة على هذا، وتارة على هذا، وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الأمة: «وعدّتها حيضتان» فهو حديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم وصححه، من حديث عائشة مرفوعاً.
وأخرجه ابن ماجه، والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً أيضاً، ودلالته على ما قاله الأولون قوية. وأما قولهم: إن المقصود من العدّة استبراء الرحم، وهو يحصل بالحيض لا بالطهر، فيجاب عنه بأنه إنما يتم لو لم يكن في هذه العدّة شيء من الحيض على فرض تفسير الأقراء بالأطهار، وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض، كما هي مشتملة على الأطهار، وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى: {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فيجاب عنه بأن التنازع في اللام في قوله: {لِعِدَّتِهِنَّ} يصير ذلك محتملاً، ولا تقوم الحجة بمحتمل. وأما استدلالهم بقوله لعمر: «مُرْه فليراجعها» الحديث، فهو في الصحيح، ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه، ويمكن أن يقال إنها تنقضي العدّة بثلاثة أطهار، أو بثلاث حِيَض، ولا مانع من ذلك، فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه، وبذلك يجمع بين الأدلة، ويرتفع الخلاف، ويندفع النزاع.
وقد استشكل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله: قروء، وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة. وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك، فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية.
قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ} قيل: المراد به: الحيض، وقيل: الحمل. وقيل كلاهما، ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الإضرار بالزوج، وإذهاب حقه؛ فإذا قالت المرأة: حضت، وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع؛ وإذا قالت لم تحض، وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه، فاضرّت به، وكذلك الحمل ربما تكتمه التقطع حقه من الارتجاع، وربما تدّعيه لتوجب عليه النفقة، ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للإضرار بالزوج.
وقد اختلفت الأقوال في المدّة التي تصدَّق فيها المرأة إذا ادّعت انقضاء عدّتها. وقوله: {إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بالله واليوم الأخر} فيه، وعيد شديد للكاتمات، وبيان أن من كتمت ذلك منهنّ لم تستحق اسم الإيمان. والبعولة جمع بعل، وهو الزوج، سمي بعلاً لعلوّه على الزوجة؛ لأنهم يطلقونه على الرب، ومنه قوله: تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} [الصافات: 125] أي: رباً. ويقال: بعول، وبعولة، كما يقال في جمع الذكر ذكور، وذكورة، وهذه التاء لتأنيث الجمع، وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع، والبعولة أيضاً تكون مصدراً من بعل الرجل يبعل، مثل منع يمنع. أي: صار بعلاً.
وقوله: {أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} أي: برجعتهنّ، وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها، فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} لأنه يعم المثلثات، وغيرهنّ. وقوله: {فِي ذلك} يعني في مدة التربص، فإن انقضت مدّة التربص، فهي أحق بنفسها، ولا تحلّ له إلا بنكاح مستأنف بوليّ، وشهود، ومهر جديد، ولا خلاف في ذلك، والرجعة تكون باللفظ، وتكون بالوطء، ولا يلزم المراجع شيء من أحكام النكاح بلا خلاف. وقوله: {إِنْ أَرَادُواْ إصلاحا} أي: بالمراجعة، أي: إصلاح حاله معها، وحالها معه، فإن قصد الإضرار بها، فهي محرّمة لقوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} قيل: وإذا قصد بالرجعة الضرار، فهي صحيحة، وإن ارتكب بذلك محرّماً، وظلم نفسه، وعلى هذا، فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح، والزجر لهم عن قصد الضرار، وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطاً لصحة الرجعة. قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف} أي: لهنّ من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهنّ. فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم. وهي: كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهنّ يفعلنه؛ لأوزاجهنّ من طاعة، وتزين، وتحبب، ونحو ذلك.
قوله: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي: منزلة ليست لهنّ، وهو قيامه عليها في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد، والعقل، والقوّة، وله من الميراث أكثر مما لها، وكونه يجب عليها امتثال أمره، والوقوف عند رضاه، ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهنّ خلقن من الرجال لما ثبت أن حوّاء خلقت من ضلع آدم.
وقد أخرج أبو داود، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طلِّقْتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدّة، فأنزل الله حين طلقت العدّة للطلاق، فقال: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} الآية.
وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن المنذر عن ابن عباس: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قُرُوء} ثم قال: {واللائى يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نّسَائِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثلاثة أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فنسخ، وقال: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
وأخرج مالك، والشافعي، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والبيهقي من طرق، عن عائشة؛ أنها قالت: الأقراء: الأطهار.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت مثله.
وأخرج المذكورون، عن عمرو بن دينار، قال: الأقراء: الحيض عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البيهقي، وابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {ثلاثة قُرُوء} قال: ثلاث حيض.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة في قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ} قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهنّ الله عن ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر في الآية قال: الحمل، والحيض، وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة، أو تطليقتين، وهي حامل، فهو أحقّ برجعتها ما لم تضع حملها، وهو قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي، عن مجاهد في قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ فِي ذلك} قال: في العدّة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة مثله، وزاد ما لم يطلقها ثلاثاً.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ} قال: إذا أطعن الله، وأطعن أزواجهنّ، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته.
وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، أما حقكم على نسائكم أن لا يوطئن، فُرُشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهنّ، وطعامهنّ» وصححه الترمذي.
وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، والحاكم وصححه، والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تهجر إلا في البيت».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد في قوله: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال: فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكل ما فضل به عليها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن أبي مالك في الآية قال: يطلقها، وليس لها من الأمر شيء.
وأخرجا عن زيد بن أسلم قال: الإمارة.

.تفسير الآيات (229- 230):

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
المراد بالطلاق المذكور: هو: الرجعي بدليل ما تقدّم في الآية الأولى: أي: الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان، أي: الطلقة الأولى، والثانية، إذ لا رجعة بعد الثالثة، وإنما قال سبحانه: {مَرَّتَانِ} ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة، لا طلقتان دفعة واحدة، كذا قال جماعة من المفسرين، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين، إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة، أو الإمساك لها، واستدامة نكاحها، وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} أي: فإمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف أي: بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} أي: بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها. وقيل: المراد: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} أي: برجعة بعد الطلقة الثانية {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} أي: بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدّتها. والأول أظهر. وقوله: {الطلاق} مبتدأ بتقدير مضاف أي: عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة مرتان.
وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثاً، أو واحدة فقط؟ فذهب إلى الأوّل الجمهور، وذهب إلى الثاني مَنْ عداهم، وهو الحق.
وقد قررته في مؤلفاتي تقريراً بالغاً، وأفردته برسالة مستقلة.
قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} الخطاب للأزواج، أي: لا يحلّ للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئاً على وجه المضارة لهنّ، وتنكير {شيئاً} للتحقير: أي: شيئاً نزراً فضلاً عن الكثير، وخص ما دفعوه إليهنّ بعدم حلّ الأخذ منه مع كونه لا يحلّ للأزواج أن يأخذوا شيئاً من أموالهنّ التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك، هو الذي تتعلق به نفس الزوج، وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحلّ له كان ما عداه ممنوعاً منه بالأولى. وقيل: الخطاب في قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ} للأئمة، والحكام ليطابق قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فإن الخطاب فيه للأئمة، والحكام، وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك. والأول أولى لقوله: {مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ} فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جداً؛ لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم. وقيل: إن الثاني أولى لئلا يتشوّش النظم. قوله: {إِلاَّ أَن يَخَافَا} أي: لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئاً إلا أن يخافا {يُقِيمَا حُدُودَ الله} أي: عدم إقامة حدود الله التي حدّها للزوجينّ، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة، فإن خافا ذلك {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} أي: لا جناح على الرجل في الأخذ، وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج، فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع، وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحلّ له الأخذ مع ذلك الخوف، وهو الذي صرّح به القرآن.
وحكى ابن المنذر، عن بعض أهل العلم أنه لا يحلّ له ما أخذ، ولا يجبر على ردّه، وهذا في غاية السقوط. وقرأ حمزة: {إلا أن يخافا} على البناء للمجهول، والفاعل محذوف، وهو الأئمة، والحكام واختاره أبو عبيد قال: لقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فجعل الخوف لغير الزوجين.
وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان، وهو سعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين.
وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور.
وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ ألاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} أي: إذا خاف الأئمة، والحكام، أو المتوسطون بين الزوجين، وإن لم يكونوا أئمة، وحكاماً عدم إقامة حدود الله من الزوجين، وهي: ما أوجبه عليهما كما سلف.
وقد حكى عن بكر بن عبد الله المزني: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بهتانا وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20] وهو قول خارج عن الإجماع، ولا تنافي بين الاثنين.
وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر، وما يتبعه، ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا؟ وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين، وبذا قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة، والتابعين، وقال طاوس، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق: إنه لا يجوز، وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ الله} أي: أحكام النكاح، والفراق المذكورة هي: حدود الله التي أمرتم بامتثالها، فلا تعتدوها بالمخالفة لها، فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم.
قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا} أي: الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} أي: فإن وقع منه ذلك، فقد حرمت عليه بالتثليث {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي: حتى تتزوج بزوج آخر.
وقد أخذ بظاهر الآية سعيد بن المسيب، ومن وافقه قالوا: يكفي مجرد العقد؛ لأنه المراد بقوله: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وذهب الجمهور من السلف، والخلف إلى أنه لابد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتبار ذلك، وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب، ومن تابعه. وفي الآية دليل على أنه لابد من أن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصوداً لذاته لا نكاحاً غير مقصود لذاته، بل حيلة للتحليل، وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأوّل، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذمّ فاعله، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع، ولعن من اتخذه لذلك.
قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا} أي: الزوج الثاني: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي: الزوج الأول والمرأة {أَن يَتَرَاجَعَا} أي: يرجع كل واحد منهما لصاحبه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحرّ إذا طلق زوجته ثلاثاً، ثم انقضت عدّتها، ونكحت زوجاً، ودخل بها، ثم فارقها، وانقضت عدّتها، ثم نكحها الزوج الأوّل، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات. قوله: {إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} أي: حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر، وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما، أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله، أو تردداً، أو أحدهما، ولم يحصل لهما الظنّ، فلا يجوز الدخول في هذا النكاح؛ لأنه مظنة للمعصية لله، والوقوع فيما حرّمه على الزوجين. وقوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} إشارة إلى الأحكام المذكورة، كما سلف، وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم، وغيره، ووجوب التبليغ لكل فرد؛ لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور.
وقد أخرج مالك، والشافعي، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدّتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا ما دنا وقت انقضاء عدتها ارتجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويك إليّ ولا تحلين لي أبداً، فأنزل الله: {الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ؛ من كان منهم طلق، ومن لم يطلق.
وأخرج نحوه الترمذي، وابن مردويه، والحاكم وصححه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وأخرج البخاري عنها أنها أتتها امرأة، فسألتها عن شيء من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {الطلاق مَرَّتَانِ}.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي رزين الأسدي قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت قول الله الطلاق مرتان؟ فأين الثالثة؟ قال: «التسريح بإحسان الثالثة».
وأخرج نحوه ابن مردويه، والبيهقي عن ابن ابن عباس مرفوعاً.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد أنه قال: قال الله للثالثة: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} وأخرج ابن أبي حاتم، عن يزيد بن أبي حبيب قال: التسريح في كتاب الله الطلاق.
وأخرج البيهقي، من طريق السدي، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {الطلاق مَرَّتَانِ} قالوا: وهو الميقات الذي تكون فيه الرجعة، فإذا طلق واحدة، أو اثنتين، فإما أن يمسك، ويراجع بمعروف، وإما أن يسكت عنها حتى تنقضي عدتها، فتكون أحق بنفسها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الآية نحوه.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نَحَلها، وغيره لا يرى أن عليه جناحاً، فأنزل الله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهنّ إلا بحقها، ثم قال: {إِلاَّ أَن يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} وقال: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَئ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4].
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} قال: إلا أن يكون النشوز، وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به.
وأخرج مالك، والشافعي وأحمد، وأبو داود والنسائي، والبيهقي من طريق عَمْرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن حبيبة بنت سهل الأنصارى؛ «أنها كانت تحبّ ثابت بن قيس، وأن رسول الله خرج إلى الصبح، فوجدها عند بابه في الغلس، فقال: من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل، فقال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا، ولا ثابت، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، فذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها، فأخذ منها، وجلست في أهلها».
وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس، وفي حبيبة، وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فدعاه، فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك، قال: «نعم» قال ثابت: قد فعلت، فنزلت: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ} الآية، وأخرج عبد الرزاق، واأبو داود، وابن جرير، والبيهقي من طريق عمرة، عن عائشة نحوه.
وأخرج البخاري، والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، والبيهقي، عن ابن عباس؛ أن جميلة بنت عبد الله بن سلول، امرأة ثابت بن قيس بن شَمَّاس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق، ولا دين، ولكن لا أطيقه بغضاً، وأكره الكفر في الإسلام، قال: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قال: «أقبل الحديقة، وطلقها تطليقة» ولفظ ابن ماجه: «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد».
وأخرج البيهقي من طريق عطاء قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: إني أبغض زوجي، وأحب فراقه، قال: «أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت: نعم، وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الزيادة من مالك فلا».
وأخرج البيهقي، عن أبي الزبير: أن ثابت بن قيس، فذكر القصة، وفيه: «أما الزيادة فلا».
وأخرج ابن مردويه بإسناد جيد عن ابن عباس، وفيه: «أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً أن يأخذ ما ساق، ولا يزداد».
وأخرج البيهقي عن أبي سعيد، وذكر القصة، وفيها: «فردت عليه حديقته وزادت».
وأخرج ابن جرير، عن عمر: أنه قال في بعض المختلعات: «اخلعها، ولو من قرطها». وفي لفظ أخرجه عبد الرزاق، عنه أنه قال للزوج: «خذ ولو عقاصها». قال البخاري: أجاز عثمان الخلع دون عقاصها.
وأخرج عبد بن حميد، والبيهقي، عن عطاء: كره أن النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها.
وقد ورد في ذم المختلعات أحاديث منها: عن ثوبان عند أحمد، وأبي داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن جرير، والحاكم وصححه، والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة، وقال: المختلعات هنّ المنافقات»، ومنها عن ابن عباس، عند ابن ماجه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه، فتجد ريح الجنة، وإن ريحها لتُوجد مسيرة أربعين عاماً» ومنها عن أبي هريرة عند أحمد، والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المختلعات، والمنتزعات هنّ المنافقات» ومنها عن عقبة عند ابن جرير مرفوعاً مثل حديث أبي هريرة.
وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة، والراجح أنها تعتدّ بحيضة لما أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، والحاكم وصححه، عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس، أن تعتدّ بحيضة» ولما أخرجه الترمذي، عن الرُّبَيِّع بنت معوذ بن عفراء: «أنها اختلعت على عهد رسول الله، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتدّ بحيضة، أو أمرت أن تعتد بحيضة». قال الترمذي: الصحيح أنها أمرت أن تعتدّ بحيضة.
وأخرج النسائي، وابن ماجه، عنها أنها قالت: اختلعت من زوجي، فجئت عثمان، فسألته ماذا عليّ من العدّة؟ فقال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك، فتمكثين حتى تحيضي حيضة، قالت: إنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية، وكانت تحب ثابت بن قيس، فاختلعت منه.
وأخرج النسائي، عن الربيع بنت معوذ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس، أن تتربص حيضة واحدة، فتلحق بأهلها» ولم يرد ما يعارض هذا من المرفوع، بل ورد عن جماعة من الصحابة، والتابعين أن عدّة المختلعة كعدّة الطلاق، وبه قال الجمهور. قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة، وغيرهم، واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات، فهي داخلة تحت عموم القرآن. والحق ما ذكرناه؛ لأن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يخصص عموم القرآن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ} يقول: فإن طلقها ثلاثاً، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره.
وأخرج ابن المنذر، عن عليّ نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة نحوه.
وأخرج الشافعي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني فبتَّ طلاقي، فتزوجني عبد الرحمن بن الزَّبير، وما معه إلا مثل هُدْبَة الثوب، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عُسَيْلته، ويذوق عُسَيْلتك»، وقد روى نحو هذا عنها من طرق.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، والبيهقي، عن عمر مرفوعاً نحوه.
وأخرج أحمد، وابن جرير، والبيهقي، عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، ولم يسمّ هؤلاء الثلاثة الصحابة صاحبة القصة.
وأخرج أحمد، والنسائي، عن ابن عباس: أن العُمْيصاء، أو الرُّمَيْصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره».
وقد ثبت لعن المحلل في أحاديث منها عن ابن مسعود عند أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، والبيهقي في سننه قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له» ومنها عن علي عند أحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي مرفوعاً مثل حديث ابن مسعود، ومنها عن جابر مرفوعاً عند الترمذي مثله، ومنها عن ابن عباس مرفوعاً عند ابن ماجه مثله، ومنها عن عقبة بن عامر، عند ابن ماجه، والحاكم وصححه، والبيهقي مرفوعاً مثله، ومنها عن أبي هريرة مرفوعاً عند أحمد، وابن أبي شيبة، والبيهقي مثله. وفي الباب أحاديث في ذم التحليل، وفاعله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا} يقول: إذا تزوجت بعد الأوّل، فدخل بها الآخر، فلا حرج على الأوّل أن يتزوجها إذا طلقها الآخر، أو مات عنها، فقد حلت له.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل في قوله: {أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} قال: أمر الله وطاعته.