فصل: تفسير الآيات (10- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (10- 13):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
المراد ب {الذين كفروا}: جنس الكفرة. وقيل: وفد نجران، وقيل: قريظة، وقيل: النضير، وقيل: مشركو العرب. وقرأ السلمي: {لن يُغني} بالتحتية، وقرأ الحسن بكون الياء الآخرة تخفيفاً. قوله: {مِنَ الله شَيْئاً} أي: من عذابه شيئاً من الإغناء، وقيل: إن كلمة من بمعنى عند، أي: لا تغني عند الله شيئاً قاله أبو عبيد، وقيل: هي بمعنى بدل. والمعنى: بدل رحمة الله، وهو بعيد. قوله: {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار} الوقود: اسم للحطب، وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة، أي: هم حطب جهنم الذي تسعر به، وهم: مبتدأ، ووقود خبره، والجملة خبر أولئك، أو هم ضمير فصل، وعلى التقديرين، فالجملة مستأنفة مقرّرة لقوله: {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم} الآية. وقرأ الحسن، ومجاهد، وطلحة بن مصرف {وَقُودُ} بضم الواو، وهو مصدر، وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسماً للحطب، كما تقدم، فلا يحتاج إلى تقدير، ويحتمل أن يكون مصدراً؛ لأنه من المصادر التي تأتي على وزن الفعول، فتحتاج إلى تقدير، أي: هم أهل، وقود النار.
قوله: {كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ} الدأب: الاجتهاد، يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودءوباً: إذا جدّ، واجتهد، والدائبان الليل، والنهار، والدأب: العادة، والشأن، ومنه قول امرئ القيس:
كدأبك من أمِّ الحُوَيِرِثِ قَبْلَها ** وَجَارَتها أمِّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ

والمراد هنا: كعادة آل فرعون، وشأنهم، وحالهم، واختلفوا في الكاف، فقيل: هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى.
وقال الفراء: إن المعنى: كفرت العرب، ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة، وقيل: هي متعلقة بأخذهم الله، أي: أخذهم أخذه، كما أخذ آل فرعون، وقيل: هي متعلقة ب {لن تغني} أي: لم تغن عنهم غناء، كما لم تغن عن آل فرعون، وقيل: إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الإحراق. قالوا: ويؤيده قوله تعالى: {اأدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]. {النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر: 46]، والقول الأوّل هو الذي قاله جمهور المحققين، ومنهم الأزهري. قوله: {والذين مِن قَبْلِهِمْ} أي: من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة، أي: وكدأب الذين من قبلهم. قوله: {كَذَّبُواْ بأياتنا فَأَخَذَهُمُ الله} يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية، ويصح إرادة الجميع. والجملة بيان، وتفسير لدأبهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد: أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا إلخ. وقوله: {بِذُنُوبِهِمْ} أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم.
قوله: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} قيل: هم اليهود، وقيل: هم مشركو مكة، وسيأتي بيان سبب نزول الآية. وقوله: {سَتُغْلَبُونَ} قريء بالفوقية، والتحتية، وكذلك {تُحْشَرُونَ}.
وقد صدق الله، وعده بقتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير، وفتح خيبر، وضرب الجزية على سائر اليهود، ولله الحمد. قوله: {وَبِئْسَ المهاد} يحتمل أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة تهويلاً، وتفظيعاً.
قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ} أي: علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم، وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي: من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله، ولم يقل كانت؛ لأن التأنيث غير حقيقي.
وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه، وبين الإسم بقوله: {لَكُمْ}. والمراد بالفئتين: المسلمون، والمشركون لما الْتقوا يوم بدر. قوله: {فِئَةٌ تقاتل في سَبِيلِ الله} قراءة الجمهور برفع {فئة}. وقرأ الحسن، ومجاهد {فئة} و{كافرة} بالخفض، فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، أي: إحداهما فئة. وقوله: {تقاتل} في محل رفع على الصفة، والجرّ على البدل من قوله: {فِئَتَيْنِ}. وقوله: {وأخرى} أي: وفئة أخرى كافرة. وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما. قال ثعلب: هو على الحال، أي: التقتا مختلفتين، مؤمنة، وكافرة.
وقال الزجاج: النصب بتقدير أعني؛ وسميت الجماعة من الناس فئة؛ لأنه يفاء إليها: أي: يرجع إليها في وقت الشدة.
وقال الزجاج: الفئة: الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف: إذا قطعته، ولا خلاف أن المراد بالفئتين هما: المقتتلتان في يوم بدر، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب، فقيل: المخاطب بها: المؤمنون. وقيل: اليهود. وفائدة الخطاب للمؤمنين: تثبيت نفوسهم، وتشجيعها، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين.
قوله: {يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ} قال أبو علي الفارسي: الرؤية في هذه الآية رؤية العين، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد، ويدل عليه قوله: {رَأْىَ العين} والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين، أو مثلي عدد المسلمين، وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية، وقرأ نافع بالفوقية. وقوله: {مّثْلَيْهِمْ} منتصب على الحال.
وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون، والمفعول هم الكفار. والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين، أي: ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد، وفيه بُعْد أن يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين، وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين، فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم.
وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، ويحتمل أن يكون الضمير في {مثليهم} للمسلمين، أي: ترون أيها المسلمون أنفسكم مثلي ما أنتم عليه من العدد لتقوى بذلك أنفسكم، وقد قال من ذهب إلى التفسير الأوّل- أعني: أن فاعل الرؤية المشركون، وأنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم- أنه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى: {وَيُقَلّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44] بل قللوا أوّلا في أعينهم ليلاقوهم، ويجترئوا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا. قوله: {رَأْىَ العين} مصدر مؤكد لقوله: {يَرَوْنَهُمْ} أي: رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها {والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء} أي: يقوّي من يشاء أن يقويه، ومن جملة ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية {إِنَّ في ذَلِكَ} أي: في رؤية القليل كثيراً {لَعِبْرَةً} فعلة من العبور، كالجلسة من الجلوس. والمرد الاتعاظ، والتنكير للتعظيم، أي: عبرة عظيمة، وموعظة جسيمة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ} قال: كصنيع آل فرعون.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ، عنه قال كفعل.
وأخرج مثله أبو الشيخ، عن مجاهد.
وأخرج ابن جرير، عن الربيع قال: كسنتهم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع قال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً،» قالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً كانوا غماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} إلى قوله: {أُوْلِى الأبصار}.
وأخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم، عن عاصم بن عمر بن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن عكرمة قال: قال فنحاص اليهودي، وذكر نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن قتادة في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ} عبرة، وتفكر.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ تقاتل في سَبِيلِ الله} أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر {وأخرى كَافِرَةٌ} فئة قريش الكفار.
وأخرج عبد الرزاق أن هذه الآية نزلت في أهل بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الربيع في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ} يقول: قد كان لكم في هؤلاء عبرة، ومتفكر أيدهم الله، ونصرهم على عدوهم يوم بدر، كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً، وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود في الآية قال: هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الآية قال: أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وكان المشركون مثليهم ستمائة وستة وعشرين، فأيد الله المؤمنين.

.تفسير الآيات (14- 17):

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قوله: {زُيّنَ لِلنَّاسِ} إلخ: كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار، والمزين قيل: هو الله سبحانه، وبه قال عمر، كما حكاه عنه البخاري، وغيره، ويؤيد قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7]. وقيل: المزين هو الشيطان، وبه قال الحسن، حكاه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه. وقرأ الضحاك: {زين} على البناء للفاعل. وقرأه الجمهور على البناء للمفعول. والمراد بالناس: الجنس. والشهوات جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده. والمراد هنا: المشتهيات عبر عنها بالشهوات، مبالغة في كونها مرغوباً فيها، أو تحقيراً لها؛ لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، ووجه تزيين الله سبحانه لها: ابتلاء عباده، كما صرح به في الآية الأخرى. وقوله: {مِنَ النساء والبنين} في محل الحال: أي: زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء، والبنين إلخ. وبدأ بالنساء لكثرة تشوّق النفوس إليهنّ؛ لأنهن حبائل الشيطان، وخص البنين دون البنات؛ لعدم الاطراد في محبتهن. والقناطير جمع قنطار، وهو اسم للكثير من المال. قال الزجاج: القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه: تقول العرب قنطرت الشيء: إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة لإحكامها.
وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله.
واختلفوا في معنى {المقنطرة} فقال ابن جرير الطبري: معناها المضعفة، وقال القناطير: ثلاثة، والمقنطرة تسعة.
وقال الفراء: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فتكون تسع قناطير، وقيل: المقنطرة: المضروبة، وقيل: المكلمة كما يقال: بدرة مبدرة، وألوف مؤلفة، وبه قال مكي، وحكاه الهروي.
وقال ابن كيسان: لا تكون المقنطرة أقلّ من سبع قناطير. وقوله: {مِنَ الذهب والفضة} بيان للقناطير، أو حال {والخيل المسومة} قيل: هي المرعية في المروج، والمسارح، يقال سامت الدابة، والشاة: إذا سرحت، وقيل: هي المعدّة للجهاد. وقيل: هي الحسان، وقيل: المعلمة من السومة، وهي العلامة، أي: التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها.
وقال ابن فارس في المجمل: المسومة: المرسلة، وعليها ركبانها.
وقال ابن كيسان: البلق. والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، فإذا قلت: نعم: فهي الإبل خاصة قاله الفراء، وابن كيسان، ومنه قول حسان:
وَكَانَتْ لا يَزَالُ بِها أنِيس ** خِلاَلَ مُروجَهَا نَعمٌ وشَاءُ

والحرث: اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به المحروث، يقول حرث الرجل حرثاً: إذا أثار الأرض، فيقع على الأرض، والزرع. قال ابن الأعرابي الحرث: التفتيش. قوله: {ذلك متاع الحياة الدنيا} أي: ذلك المذكور ما يتمتع به، ثم يذهب، ولا يبقى، وفيه تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة. و{المآب}: المرجع آب يئوب إياباً: إذا رجع، ومنه قول امريء القيس:
لَقَد طَوّفْتُ فِي الآفَاقِ حَتَّى ** رَضِيتُ منَ الغَنِيمةِ بالإيَابِ

قوله: {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذلكم} أي: هل أخبركم بما هو خير لكم من تلك المستلذات؟ وإبهام الخير للتفخيم، ثم بينه بقوله: {لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبّهِمْ جنات} وعند في محل نصب على الحال من جنات، وهي مبتدأ، وخبرها للذين اتقوا، ويجوز أن تتعلق اللام بخير. وجنات خبر مبتدأ مقدّر، أي: هو جنات، وخص المتقين؛ لأنهم المنتفعون بذلك.
وقد تقدّم تفسير قوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وما بعده.
قوله: {الذين يَقُولُونَ} بدل من قوله: {لّلَّذِينَ اتقوا} أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، أو منصوب على المدح، والصابرين، وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلاً، أو منصوباً على المدح، وعلى تقدير كونه خبراً يكون الصابرين، وما بعده منصوبة على المدح، وقد تقدّم تفسير الصبر، والصدق، والقنوت. قوله: {والمستغفرين بالأسحار} هم: السائلون للمغفرة بالأسحار. وقيل: المصلون. والأسحار جمع سحر بفتح الحاء، وسكونها. قال الزجاج: هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر، وخص الأسحار؛ لأنها من أوقات الإجابة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عمر بن الخطاب، لما نزلت: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} قال: الآن يا ربّ حين زينتها لنا، فنزلت: {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ}.
وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ {خير} انتهى إلى قوله: {قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ} فبكى، وقال: بعد ماذا، بعد ماذا بعد ما زينتها.
وأخرج أحمد، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية» رواه أحمد من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد، عن عاصم عن أبي صالح عنه. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الصمد به.
وقد رواه ابن جرير موقوفاً على أبي هريرة. قال ابن كثير: وهذا أصح.
وأخرج الحاكم وصححه، عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة، فقال: «القنطار ألف أوقية» ورواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه مرفوعاً بلفظ: «ألف دينار».
وأخرج ابن جرير، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القنطار ألف أوقية، ومائتا أوقية».
وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي من قول معاذ بن جبل.
وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر.
وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي من قول أبي هريرة.
وأخرجه ابن جرير، والبيهقي من قول ابن عباس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، قال: القنطار ملء مسك جلد الثور ذهباً.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر أنه قال: القنطار سبعون ألفاً، وأخرجه عبد بن حميد، عن مجاهد.
وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيب قال القنطار ثمانون ألفاً.
وأخرج أيضاً، عن أبي صالح قال: القنطار مائة رطل.
وأخرجه أيضاً عن قتادة، وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر قال: القنطار خمسة عشر ألف مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً، وأخرج ابن جرير، عن الضحاك قال: هو المال الكثير من الذهب، والفضة.
وأخرجه أيضاً، عن الربيع.
وأخرج عن السدي: أن المقنطرة: المضروبة.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي، عن ابن عباس {والخيل المسومة} قال: الراعية.
وأخرج ابن المنذر، عنه من طريق مجاهد.
وأخرج ابن جرير عنه قال: هي الراعية، والمطهمة الحسان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد قال: هي المطهمة الحسان.
وأخرجا، عن عكرمة قال: تسويمها حسنها.
وأخرج ابن أبي حاتم، قال: {الخيل المسومة} الغرّة، والتحجيل، وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة في قوله الصابرين قال: قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه، والصادقون: قوم صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم، وألسنتهم، وصدقوا في السرّ، والعلانية، والقانتون: هم المطيعون، والمستغفرون بالأسحار: أهل الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن أنس قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة.
وأخرج ابن جرير، وأحمد في الزهد، عن سعيد الجريري؛ قال: بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل، فقال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال: يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر.
وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما، عن جماعة من الصحابة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول هل من سائل، فأعطيه، هل من داع، فأستجيب له، هل من مستغفر، فأغفر له؟».