فصل: تفسير الآيات (31- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (31- 34):

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
الحب والمحبة: ميل النفس إلى الشيء، يقال: أحبه، فهو محبّ، وحبه يحبه بالكسر، فهو محبوب. قال الجوهري: وهذا شاذ؛ لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر. قال ابن الدهان: في حبّ لغتان حبّ وأحبّ، وأصل حبّ في هذا الباب حبب كطرق، وقد فسرت المحبة لله سبحانه بإرادة طاعته. قال الأزهري: محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما، واتباعه أمرهما، ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران. وقرأ أبو رجاء العطاردي: {فاتبعوني} بفتح الباء.
وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من يغفر في اللام. قال النحاس: لا يجيز الخليل، وسيبويه إدغام الراء في اللام، وأبو عمرو أجلّ من أن يغلط في هذا، ولعله كان يخفي الحركة، كما يفعل في أشياء كثيرة.
قوله: {قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} حذف المتعلق مشعر بالتعميم، أي: في جميع الأوامر، والنواهي. قوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} يحتمل أن يكون من تمام مقول القول، فيكون مضارعاً حذفت فيه إحدى التاءين، أي: تتولوا، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، فيكون ماضياً. وقوله: {فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} نفي المحبة كناية عن البغض، والسخط. ووجه الإظهار في قوله: {فَإِنَّ الله} مع كون المقام مقام إضمار؛ لقصد التعظيم، أو التعميم.
قوله: {إِنَّ الله اصطفى آدَمَ} إلخ لما فرغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو: الإسلام، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم، هو الرسول الذي لا يصح لأحد أن يحب الله إلا باتباعه، وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو لمجرد البغي عليه، والحسد له- شرع في تقرير رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أنه من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة. والاصطفاء: الاختيار. قال الزجاج: اختارهم بالنبوة على عالمي زمانهم، وقيل: إن الكلام على تقدير مضاف، أي: اصطفى دين آدم إلخ، وقد تقدم الكلام على تفسير العالمين، وتخصيص آدم بالذكر؛ لأنه أبو البشر، وكذلك نوح، فإنه آدم الثاني، وأما آل إبراهيم، فلكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم مع كثرة الأنبياء منهم. وأما آل عمران فهم وإن كانوا من آل إبراهيم، فلما كان عيسى عليه السلام منهم كان لتخصيصهم بالذكر وجه. وقيل المراد: بآل إبراهيم: إبراهيم نفسه، وبآل عمران: عمران نفسه. قوله: {ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} نصب ذرية على البدلية مما قبله قاله الزجاج، أو على الحالية قاله الأخفش.
وقد تقدم تفسير الذرية، و{بعضها من بعض} في محل نصب على صفة الذرية، ومعناه: متناسلة متشعبة، أو متناصرة متعاضدة في الدين.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن من طرق؛ قال: قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا محمد إنا لنحبّ ربنا، فأنزل الله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن كثير نحوه.
وأخرج أيضاً ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جريج، نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} أي: إن كان هذا من قولكم في عيسى حباً لله، وتعظيماً له: {فاتبعونى يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي: ما مضى من كفركم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء في قوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعونى يُحْبِبْكُمُ الله} قال: على البرّ، والتقوى، والتواضع، وذلة النفس.
وأخرجه أيضاً الحكيم الترمذي، وأبو نعيم، والديلمي، وابن عساكر عنه. أخرج ابن عساكر، مثله عن عائشة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم، عن عائشة؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن يحبّ على شيء من الجور، ويبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحبّ، والبغض في الله» قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وآل إبراهيم وآل عمران} قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} قال: في النية، والعمل، والإخلاص، والتوحيد.

.تفسير الآيات (35- 37):

{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قوله: {إِذْ قَالَتِ} قال أبو عمرو: {إذ} زائدة.
وقال محمد بن يزيد: إنه متعلق بمحذوف تقديره اذكر إذ قالت.
وقال الزجاج: هو متعلق بقوله: {اصطفى} وقيل: متعلق بقوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وامرأة عمران اسمها- حنة بالحاء المهملة، والنون- بنت فاقود بن قبيل أم مريم، فهي جدة عيسى. وعمران هو ابن ماثان جد عيسى، قوله: {رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} تقديم الجار، والمجرور، لكمال العناية، وهذا النذر كان جائزاً في شريعتهم. ومعنى: {لَكَ} أي: لعبادتك {ومحرراً} منصوب على الحال، أي: عتيقاً خالصاً لله خادماً للكنيسة. والمراد هنا: الحرية التي هي ضد العبودية. وقيل: المراد بالمحرر هنا الخالص لله سبحانه الذي لا يشوبه شيء من أمر الدنيا.
ورجح هذا بأنه لا خلاف أن عمران، وامرأته حران. قوله: {فَتَقَبَّلْ مِنّي} التقبل: أخذ الشيء على وجه الرضا، أي: تقبل مني نذري بما في بطني.
قوله: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} التأنيث باعتبار ما علم من المقام أن الذي في بطنها أنثى، أو لكونه أنثى في علم الله، أو بتأويل ما في بطنها بالنفس، أو النسمة، أو نحو ذلك. قوله: {قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أنثى} إنما قالت هذه المقالة؛ لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكر دون الأنثى، فكأنها تحسرت، وتحزنت لما فاتها من ذلك الذي كانت ترجوه، وتقدره، و{أنثى} حال مؤكدة من الضمير، أو بدل منه. قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قرأ أبو بكر، وابن عامر بضم التاء، فيكون من جملة كلامها، ويكون متصلاً بما قبله، وفيه معنى التسليم لله، والخضوع، والتنزيه له أن يخفى عليه شيء. وقرأ الجمهور {وضعت} فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته، والتفخيم لشأنه، والتجليل لها حيث وقع منها التحسر، والتحزن، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله، وابنها آية للعالمين، وعبرة للمعتبرين، ويختصها بما لم يختص به أحداً. وقرأ ابن عباس: {بما وضعت} بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها، أي: إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب، وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام، وتتضافر عندها العقول.
قوله: {وَلَيْسَ الذكر كالانثى} أي: وليس الذكر الذي طلبت، كالأنثى التي وضعت، فإن غاية ما أرادت من كونه ذكراً أن يكون نذراً خادماً للكنيسة، وأمر هذه الأنثى عظيم، وشأنها فخيم. وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع، ورفع شأنه، وعلوّ منزلته، واللام في الذكر، والأنثى للعهد، هذا على قراءة الجمهور، وعلى قراءة ابن عباس، وأما على قراءة أبي بكر، وابن عامر، فيكون قوله: {وَلَيْسَ الذكر كالانثى} من جملة كلامها، ومن تمام تحسرها، وتحزنها، أي: ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادماً، ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت.
قوله: {وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} عطف على {إِنّى وَضَعْتُهَا أنثى} ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرّب إلى الله سبحانه، وأن يكون فعلها مطابقاً لمعنى اسمها، فإن معنى مريم: خادم الربّ بلغتهم، فهي، وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة، فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات. قوله: {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} عطف على قوله: {إِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} والرجيم المطرود، وأصله المرمى بالحجارة، طلبت الإعاذة لها، ولولدها من الشيطان، وأعوانه. قوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} أي: رضي بها في النذر، وسلك بها مسلك السعداء.
وقال قوم: معنى التقبل التكفل، والتربية، والقيام بشأنها، والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق، والباء زائدة، والأصل تقبلاً، وكذلك قوله: {وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} وأصله إنباتاً، فحذف الحرف الزائد، وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، أي: فنبتت نباتاً حسناً. والمعنى أنه سوّى خلقها من غير زيادة، ولا نقصان، قيل: إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام، وقيل: هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها، قوله: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أي: ضمها إليه.
وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها. وقرأ الكوفيون: {وَكَفَّلَهَا} بالتشديد، أي: جعله الله كافلاً لها، وملتزماً بمصالحها، وفي معناه ما في مصحف أبيّ، {وأكفلها} وقرأ الباقون بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا، ومعناه ما تقدّم من كونه ضمها إليه، وضمن القيام بها.
وروى عمرو بن موسى، عن عبد الله بن كثير، وأبي عبد الله المزني، {وكفلها} بكسر الفاء. قال الأخفش: لم أسمع كفل. وقرأ مجاهد: {فتقبلها} بإسكان اللام على المسألة، والطلب، ونصب {ربَّها} على أنه منادى مضاف. وقرأ أيضاً: {وأنبتها} بإسكان التاء {وكفلها} بتشديد الفاء المكسورة، وإسكان اللام، ونصب {زكريا} مع المدّ. وقرأ حفص، وحمزة، والكسائي: {زكريا} بغير مد، ومده الباقون، وقال الفراء: أهل الحجاز يمدون {زكريا} ويقصرونه. قال الأخفش: فيه لغات المد، والقصر، و{زكريّ} بتشديد الياء، وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة، والتعريف مع ألف التأنيث. قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب} قدّم الظرف للاهتمام به، وكلمة كل ظرف، والزمان محذوف، و{ما} مصدرية، أو نكرة موصوفة، والعامل في ذلك قوله: {وَجَدَ} أي: كل زمان دخوله عليها، وجد عندها رزقاً، أي: نوعاً من أنواع الرزق. والمحراب في اللغة: أكرم موضع في المجلس قاله القرطبي، وهو: منصوب على التوسع، قيل: إن زكريا جعل لها محراباً: لا يرتقي إليه إلا بسلم، وكان يطلق عليها حتى كبرت، وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فقال: {يامريم أنى لَكِ هذا} أي: من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله} فليس ذلك بعجيب، ولا مستنكر، وجملة قوله: {إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} تعليلية لما قبلها، وهو من تمام كلامها، ومن قال إنه من كلام زكريا، فتكون الجملة مستأنفة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} قال: كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد فيها، وكانت ترجو أن يكون ذكراً.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: نذرت أن تجعله محرراً للعبادة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {مُحَرَّرًا} قال: خادماً للبيعة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه قال: محرراً خالصاً لا يخالطه شيء من أمر الدنيا،
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهلّ صارخاً من مس الشيطان إياه إلا مريم، وابنها» ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها، وروى من حديث غيره.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس قال: كفلها زكريا، فدخل عليها المحراب، فوجد عندها عنباً في مكتل في غير حينه، فقال: أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، قال: إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولداً {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران: 38].
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم، وإمامهم، فتشاحّ عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج أختها، فكفلها، وكانت عنده، وحضنها.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود، وابن عباس، وناس من الصحابة، نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} قال: جعلها معه في محرابه.

.تفسير الآيات (38- 44):

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قوله: {هُنَالِكَ} ظرف يستعمل للزمان والمكان، وأصله للمكان، وقيل: إنه للزمان خاصة، وهناك للمكان، وقيل: يجوز استعمال كل واحد منهما مكان الآخر، واللام للدلالة على البعد، والكاف للخطاب. والمعنى: أنه دعا في ذلك المكان الذي هو قائم فيه عند مريم، أو في ذلك الزمان أن يهب الله له ذرية طيبة، والذي بعثه على ذلك ما رآه من ولادة حنة لمريم، وقد كانت عاقراً، فحصل له رجاء الولد، وإن كان كبيراً، وامرأته عاقراً، أو بعثه على ذلك ما رآه من فاكهة الشتاء في الصيف، والصيف في الشتاء عند مريم؛ لأن من أوجد ذلك في غير وقته يقدر على إيجاد الولد من العاقر، وعلى هذا يكون هذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط. والذرية: النسل، يكون للواحد، ويكون للجمع، ويدل على أنها هنا للواحد. قوله: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} [مريم: 5] ولم يقل أولياء، وتأنيث طِّيبة لكون لفظ الذرية مؤنثاً.
قوله: {فَنَادَتْهُ الملئكة} قرأ حمزة، والكسائي: {فناداه} وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود. وقرأ الباقون: {فنادته الملائكة} قيل: المراد هنا جبريل، والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية، ومنه: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} [آل عمران: 173]؛ وقيل: ناداه جميع الملائكة، وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدّم، فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة. قوله: {وَهُوَ قَائِمٌ} جملة حالية، و{يُصَلّى في المحراب} صفة لقوله: {قَائِمٌ} أو خبر ثان لقوله: {وَهُوَ}. قوله: {إِنَّ الله يُبَشّرُكِ} قريء بفتح أنّ، والتقدير بأن الله، وقريء بكسرها على تقدير القول. وقرأ أهل المدينة {يبشرك} بالتشديد. وقرأ حمزة بالتخفيف. وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر الشين، وضم حرف المضارعة. قال الأخفش: هي ثلاث لغات بمعنى واحد، والقراءة الأولى هي التي وردت كثيراً في القرآن، ومنه {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17] {فَبَشّرْهُم بِمَغْفِرَةٍ} [ياس: 11] {فبشرناها بإسحاق} [هود: 71] {قَالُواْ بشرناك بالحق} [الحجر: 55] وهي: قراءة الجمهور. والثانية: لغة أهل تهامة، وبها قرأ أيضاً عبد الله بن مسعود، والثالثة من أبشر يبشر إبشاراً. ويحيى ممتنع إما لكونه أعجمياً أو لكون فيه وزن الفعل، كيعمر مع العلمية. قال القرطبي حاكياً عن النقاش: كان اسمه في الكتاب الأول حنا. انتهى. والذي رأيناه في مواضع من الإنجيل أنه يوحنا. قيل: سمي بذلك؛ لأن الله أحياه بالإيمان، والنبوّة. وقيل: لأن الله أحيا به الناس بالهدى. والمراد هنا: التبشير بولادته، أي: يبشرك بولادة يحيى.
وقوله: {مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله} أي: بعيسى عليه السلام، وسمي كلمة الله؛ لأنه كان بقوله سبحانه: {كن} وقيل: سمي كلمة الله؛ لأن الناس يهتدون به، كما يهتدون بكلام الله.
وقال أبو عبيد: معنى: {بِكَلِمَةٍ مّنَ الله} بكتاب من الله، قال: والعرب تقول أنشدني كلمته، أي: قصيدته، كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان، فقال: لعن الله كلمته، يعني قصيدته. انتهى. ويحيى أوّل من آمن بعيسى، وصدّق، وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين، وقيل: بستة أشهر. والسيد: الذي يسود قومه. قال الزجاج: السيد: الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير. والحصور: أصله من الحصر، وهو الحبس، يقال حصرني الشيء، وأحصرني: إذا حبسني، ومنه قول الشاعر:
وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أنْ تكون تَبَاعَدتْ ** عَلَيْكَ وَلا أن أحْصَرتك شُغولُ

والحصور: الذي لا يأتي النساء، كأنه يحجم عنهن، كما يقال رجل حصور، وحصير: إذا حبس رفده، ولم يخرجه، فيحيى عليه السلام كان حصوراً عن إتيان النساء، أي: محصوراً لا يأتيهنّ، كغيره من الرجال، إما لعدم القدرة على ذلك، أو لكونه يكف عنهنّ منعاً لنفسه عن الشهوة مع القدرة.
وقد رجّح الثاني بأن المقام مقام مدح، وهو لا يكون إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه، لا على ما كان من أصل الخلقة، وفي نفس الجبلة. وقوله: {مّنَ الصالحين} أي: ناشئاً من الصالحين، لكونه من نسل الأنبياء، أو كائناً من جملة الصالحين، كما في قوله: {وَإِنَّهُ في الأخرة لَمِنَ الصالحين} [البقرة: 130]. قال الزجاج: الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه، وإلى الناس حقوقهم، قوله: {قَالَ رَبّ أنى يَكُونُ لِي غلام} ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه، وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة، وذلك لمزيد التضرّع، والجدّ في طلب الجواب، عن سؤاله، وقيل: إنه أراد بالربّ جبريل، أي: يا سيدي، قيل: وفي معنى هذا الاستفهام، وجهان: أحدهما أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر، أو من غيرها؟ وقيل: معناه بأيّ سبب استوجب هذا، وأنا، وامرأتي على هذه الحال؟ والحاصل أنه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما؛ لأنه كان يوم التبشير كبيراً، قيل: في تسعين سنة، وقيل: ابن عشرين ومائة سنة، وكانت امرأته في ثمان وتسعين سنة، ولذلك قال: {وََقَدْ بَلَغَنِي الكبر} أي: والحال ذلك، جعل الكبر، كالطالب له لكونه طليعة من طلائع الموت، فأسند الفعل إليه. والعاقر: التي لا تلد، أي: ذات عقر على النسب، ولو كان على الفعل لقال عقيرة، أي: بها عقر يمنعها من الولد، وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طِّيبة، ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظاماً لقدرة الله سبحانه لا لمحض الاستبعاد، وقيل: إنه قد مرّ بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة، وقيل: عشرون سنة، فكان الاستبعاد من هذه الحيثية.
قوله: {كذلك الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء} أي: يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل، وهو: إيجاد الولد من الشيخ الكبير، والمرأة العاقر، والكاف في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف، والإشارة إلى مصدر يفعل، أو الكاف في محل رفع على أنها خبر، أي: على هذا الشأن العجيب شأن الله، ويكون قوله: {يَفْعَلُ مَا يَشَاء} بياناً له، أو الكاف في محل نصب على الحال، أي: يفعل الله الفعل كائناً مثل ذلك.
قوله: {قَالَ رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} أي: علامة أعرف بها صحة الحبل، فأتلقى هذه النعمة بالشكر {قال آيتك ألا تُكَلّمَ الناس ثلاثة أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} أي: علامتك أن تحبس لسانك عن تكليم الناس ثلاثة أيام لا عن غيره من الأذكار، ووجه جعل الآية هذا؛ لتخلص تلك الأيام لذكر الله سبحانه شكراً على ما أنعم به عليه، وقيل: بأن ذلك عقوبة من الله سبحانه له بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه، حكاه القرطبي عن أكثر المفسرين. والرمز في اللغة: الإيماء بالشفتين، أو العينين، أو الحاجبين، أو اليدين، وأصله الحركة، وهو: استثناء منقطع، لكون الرمز من غير جنس الكلام، وقيل: هو متصل على معنى أن الكلام ما حصل به الافهام من لفظ، أو إشارة، أو كتابة، وهو بعيد. والصواب الأوّل، وبه قال الأخفش، والكسائي. قوله: {وَسَبّحْ} أي: سبحه {بالعشى} وهو: جمع عشية، وقيل: هو واحد، وهو: من حين تزول الشمس إلى أن تغيب. وقيل: من العصر إلى ذهاب صدر الليل، وهو ضعيف جداً {والإبكار} من طلوع الفجر إلى وقت الضحى. وقيل: المراد بالتسبيح: الصلاة.
قوله: {إِذْ قَالَتِ الملئكة يامريم} الظرف متعلق بمحذوف، كالظرف الأول {إِنَّ الله اصطفاك} اختارك {وَطَهَّرَكِ} من الكفر، أو من الأدناس على عمومها {واصطفاك على نِسَاء العالمين} قيل: هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأوّل، فالأوّل هو: حيث تقبلها بقبول حسن، والآخر لولادة عيسى. والمراد بالعالمين هنا قيل: نساء عالم زمانها، وهو الحق، وقيل: نساء جميع العالم إلى يوم القيامة، واختاره الزجاج، وقيل: الاصطفاء الآخر تأكيد للاصطفاء الأول، والمراد بهما جميعاً: واحد.
قوله: {يامريم اقنتى لِرَبّكِ} أي: أطيلي القيام في الصلاة، أو أديميه؛ وقد تقدّم الكلام على معاني القنوت، وقدّم السجود على الركوع، لكونه أفضل، أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها مع كون الواو لمجرد الجمع بلا ترتيب. وقوله: {واركعى مَعَ الركعين} ظاهره أن ركوعها يكون مع ركوعهم، فيدل على مشروعية صلاة الجماعة. وقيل: المعنى: أنها تفعل مثل فعلهم، وإن لم تصلّ معهم.
والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما سبق من الأمور التي أخبره الله بها. والوحي في اللغة: الإعلام في خفاء، يقال وحي، وأوحى بمعنى.
قال ابن فارس: الوحي الإشارة، والكتابة، والرسالة، وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى تعلمه. قوله: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} أي: تحضرنهم يعني المتنازعين في تربية مريم، وإنما نفي حضوره عندهم مع كونه معلوماً؛ لأنهم أنكروا الوحي، فلو كان ذلك الإنكار صحيحاً لم يبق طريق للعلم به إلا المشاهدة، والحضور، وهم لا يدّعون ذلك، فثبت كونه، وحياً مع تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة، ولا ممن يلابس أهلها. والأقلام جمع قلم، من قلمه: إذا قطعه، أي: أقلامهم التي يكتبون بها، وقيل: قداحهم {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} أي: يحضنها، أي: يلقون أقلامهم؛ ليعلموا أيهم يكفلها، وذلك عند اختصامهم في كفالتها، فقال زكريا: هو: أحق بها لكون خالتها عنده، وهي أشيع أُخت حنة أمّ مريم.
وقال بنو إسرائيل: نحن أحق بها لكونها بنت عالمنا، فاقترعوا، وجعلوا أقلامهم في الماء الجاري على أن من وقف قلمه، ولم يجر مع الماء، فهو صاحبها، فجرت أقلامهم، ووقف قلم زكريا، وقد استدل بهذا من أثبت القرعة، والخلاف في ذلك معروف، وقد ثبتت أحاديث صحيحة في اعتبارها.
وقد أخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال: لما رأى زكريا ذلك، يعني فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، عند مريم قال: إن الذي أتى بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولداً، فذلك حين دعا ربه.
وأخرج ابن عساكر، عن الحسن نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي: {ذُرّيَّةً طَيّبَةً} يقول: مباركة.
وأخرج ابن جرير، عن عبد الرحمن بن أبي حماد قال: في قراءة ابن مسعود: {فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب} وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي أنه قال: {فَنَادَتْهُ الملئكة} أي: جبريل.
وأخرج ابن المنذر، عن السدي قال: المحراب المصلى.
وقد أخرج الطبراني، والبيهقي، عن ابن عمرو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا هذه المذابح» يعني: المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى» وقد رويت كراهة ذلك عن جماعة من الصحابة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة؛ قال: إنما سمي يحيى؛ لأن الله أحياه بالإيمان.
وأخرجوا، عن ابن عباس قال: {مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ الله} قال: عيسى بن مريم هو: الكلمة.
وأخرج ابن جرير، من طريق ابن جريج، عنه قال: كان يحيى، وعيسى ابني الخالة، وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه، وهو: أوّل من صدق بعيسى.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {وَسَيّدًا} قال: حليماً تقياً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد قال: السيد الكريم على الله.
وأخرج ابن جرير، عن ابن المسيب قال: السيد الفقيه العالم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَسَيّدًا وَحَصُورًا} قال: السيد الحليم، والحصور الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد، عن سعيد بن جبير في الحصور مثله.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الحصور الذي لا ينزل الماء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان ذكره مثل هدبة الثوب».
وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، من وجه آخر، عن ابن عمرو موقوفاً، وهو أقوى.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن شعيب الجبائي قال: اسم أم يحيى أشيع.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {اجعل لِّى ءايَةً} قال: بالحمل به.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {آيتك ألاّ تُكَلّمَ الناس ثلاثة أَيَّامٍ} قال: إنما عوقب بذلك، لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة، فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه، فأخذ عليه بلسانه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ رَمْزًا} قال: الرمز بالشفتين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال: الرمز الإشارة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وَسَبّحْ بالعشى والإبكار} قال: العشيّ ميل الشمس إلى أن تغيب، والإبكار أوّل الفجر.
وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد».
وأخرج الحاكم وصححه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء العالمين خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية امرأة فرعون».
وأخرج ابن مردويه، عن أنس مرفوعاً نحوه.
وأخرج نحوه، أحمد، والترمذي وصححه، وابن المنذر، وابن حبان، والحاكم، من حديثه مرفوعاً، وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على الطعام».
وفي المعنى أحاديث كثيرة، وكلها تفيد أن مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها، لا نساء جميع العالم. ويؤيده ما أخرجه ابن عساكر، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أربع نسوة سادات نساء عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهن عالماً فاطمة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد في قوله: {يامريم اقنتى لِرَبّكِ} قال: أطيلي الركوع يعني: القيام.
وأخرج ابن جرير، عن سعيد بن جبير {اقنتى لِرَبّكِ} قال: أخلصي.
وأخرج عن قتادة قال: أطيعي ربك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أقلامهم} قال: إن مريم لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى، وهم يكتبون الوحي، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها. قال الله لمحمد: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: ألقوا أقلامهم في الماء، فذهبت مع الجرية، وصعد قلم زكريا، فكفلها زكريا.
وأخرج ابن جرير، عن الربيع نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد، وكذلك أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن جريج، أن الأقلام هي التي يكتبون بها التوراة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن عطاء: أنها القداح.