فصل: تفسير الآيات (156- 164):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (156- 164):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
قوله: {لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} هم المنافقون الذين قالوا: {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا}. قوله: {وَقَالُواْ لإخوانهم} في النفاق، أو في النسب، أي: قالوا لأجلهم: {إِذَا ضَرَبُواْ في الأرض} إذا ساروا فيها للتجارة، أو نحوها، قيل أن {إذا} هنا المفيدة لمعنى الاستقبال، بمعنى (إذا) المفيدة لمعنى المضيّ. وقيل: هي على معناها، والمراد هنا: حكاية الحال الماضية.
وقال الزجاج: {إذا} هنا تنوب عن ما مضى من الزمان، وما يستقبل {لَّوْ كَانُواْ غُزًّى} جمع غاز كراكع وركع، وغائب وغيب، قال الشاعر:
قل للقوافل والغزى إذا غزوا

{لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ} اللام متعلقة بقوله: {قَالُواْ} أي: قالوا ذلك، واعتقدوه؛ ليكون حسرة في قلوبهم. والمراد: أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة، أو متعلقة بقوله: {لاَ تَكُونُواْ} أي: لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك؛ ليجعله الله حسرة في قلوبهم، فقط دون قلوبكم. وقيل: المعنى لا تلتفتوا إليهم؛ ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم، وقيل المراد: حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي، والندامة: {والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ} فيه ردّ على قولهم، أي: ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء، ويحكم ما يريد، فيحيي من يريد، ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر، أو الغزو أثر في ذلك، واللام في قوله: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ} موطئة. وقوله: {لَمَغْفِرَةٌ} جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط، والمعنى: أن السفر، والغزو ليسا مما يجلب الموت، ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه: {لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} أي: الكفرة من منافع الدنيا، وطيباتها مدّة أعمارهم على قراءة من قرأ بالياء التحتية، أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا، ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية. والمقصود في الآية: بيان مزية القتل، أو الموت في سبيل الله، وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة، والرحمة.
قوله: {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} على أيّ وجه حسب تعلق الإرادة الإلهية {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} هو: جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة سادّ مسدّ جواب الشرط، كما تقدم في الجملة الأولى، أي: إلى الربّ الواسع المغفرة تحشرون لا إلى غيره، كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف، والقهر. {وما} في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله} مزيدة للتأكيد، قاله سيبويه وغيره، وقال ابن كيسان: إنها نكرة في موضع جرّ بالباء، ورحمة بدل منها، والأوّل أولى بقواعد العربية، ومثله قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم} [النساء: 155] والجار والمجرور متعلق بقوله: {لِنتَ لَهُمْ} وقدّم عليه لإفادة القصر، وتنوين رحمة للتعظيم، والمعنى: أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه. وقيل: إن {ما} استفهامية، والمعنى: فبأيّ رحمة من الله لنت لهم، وفيه معنى التعجب، وهو بعيد، ولو كان كذلك لحذف الألف من {ما}. وقيل: فبم رحمة من الله. والفظّ: الغليظ الجافي.
وقال الراغب: الفظّ هو: الكريه الخلق، وأصله فظظ كحذر. وغلظ القلب: قساوته، وقلة إشفاقه، وعدم انفعاله للخير. والانفضاض: التفرّق، يقال: فضضتهم، فانفضوا، أي: فرّقتهم، فتفرّقوا والمعنى: لو كنت فظاً غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرّقوا من حولك هيبة لك، واحتشاماً منك بسبب ما كان من توليهم، وإذا كان الأمر، كما ذكر: {فاعف عَنْهُمْ} فيما يتعلق بك من الحقوق: {واستغفر لَهُمُ} الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ في الأمر} أي: الذي يرد عليك، أيّ: أمر كان مما يشاور في مثله، أو في أمر الحرب خاصة، كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم، واستجلاب مودّتهم، ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحد بعدك. والمراد هنا: المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها. قال أهل اللغة: الاستشارة مأخوذة من قول العرب: شرت الدابة، وشورتها: إذا علمت خبرها، وقيل: من قولهم: شرت العسل: إذا أخذته من موضعه. قال ابن خويزمنداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس، فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب، والعمال، والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد، وعمارتها.
وحكى القرطبي عن ابن عطية: أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين.
قوله: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أي: إذا عزمت عقب المشاورة على شيء، واطمأنت به نفسك، فتوكل على الله في فعل ذلك، أي: اعتمد عليه، وفوّض إليه؛ وقيل: إن المعنى: فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه، فتوكل على الله لا على المشاورة. والعزم في الأصل: قصد الإمضاء، أي: فإذا قصدت إمضاء أمر، فتوكل على الله. وقرأ جعفر الصادق، وجابر بن زيد: {فإذا عزمت} بضم التاء بنسبة العزم إلى الله تعالى، أي: فإذا عزمت لك على شيء، وأرشدتك إليه، فتوكل على الله.
وقوله: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} جملة مستأنفة لتأكيد التوكل، والحثّ عليه. والخذلان: ترك العون، أي: وإن يترك الله عونكم: {فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ} وهذا الاستفهام إنكاري. والضمير في قوله: {مِن بَعْدِهِ} راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} أو إلى الله، ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه، وأن من نصره الله لا غالب له، ومن خذله لا ناصر له، فوّض أموره إليه، وتوكل عليه، ولم يشتغل بغيره، وتقديم الجار والمجرور على الفعل في قوله: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} لإفادة قصره عليه.
قوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍ أَنْ يَغُلَّ} أي: ما صحّ له ذلك لتنافي الغلول والنبوّة. قال أبو عبيد: الغلول من المغنم خاصَّة، ولا نراه من الخيانة، ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال: من الخيانة: أغَلّ يِغلّ، ومن الحِقْد غَلّ يَغِلُّ بالكسر، ومن الغُلول غَلّ يَغِلُّ بالضم، يقال غلّ المغنم غلولاً، أي: خان بأن يأخذ لنفسه شيئاً يستره على أصحابه، فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل: ما صح لنبيّ أن يخون شيئاً من المغنم، فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه. وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول. ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول: ما صح لنبيّ أن يغله أحد من أصحابه: أي: يخونه في الغنيمة، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كونه خيانة غيرهم من الأئمة، والسلاطين، والأمراء حراماً، لأن خيانة الأنبياء أشدّ ذنباً، وأعظم وزراً {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة} أي يأت به حاملاً له على ظهره، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول، والتنفير منه، بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي: مجيئه يوم القيامة بما غله حاملاً له قبل أن يحاسب عليه، ويعاقب عليه. قوله: {ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} أي: تعطي جزاء ما كسبت وافياً من خير وشرّ، وهذه الآية تعمّ كل من كسب خيراً، أو شراً، ويدخل تحتها الغالّ دخولاً أولياً لكون السياق فيه.
قوله: {أَفَمَنِ اتبع رضوان الله كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ الله} الاستفهام للإنكار، أي: ليس من اتبع رضوان الله في أوامره، ونواهيه، فعمل بأمره، واجتنب نهيه كمن باء: أي: رجع بسخط عظيم، كائن من الله، بسبب مخالفته لما أمر به، ونهى عنه. ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول، واجتنابه، ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول. ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت، فقال: {هُمْ درجات عِندَ الله} أي: متفاوتون في الدرجات، والمعنى: هم ذوو درجات، أو لهم درجات، فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله، فإن الأوّلين في أرفع الدرجات. والآخرين في أسفلها.
قوله: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين} جواب قسم محذوف، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته. ومعنى: {مّنْ أَنفُسِهِمْ} أنه عربيّ مثلهم، وقيل: بشر مثلهم، ووجه المنة على الأوّل: أنهم يفقهون عنه، ويفهمون كلامه، ولا يحتاجون إلى ترجمان.
ومعناها على الثاني: أنهم يأنسون به بجامع البشرية، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية، وقرئ: {مّنْ أَنفُسِهِمْ} بفتح الفاء، أي: من أشرفهم، لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل من غيرهم، ولعلّ وجه الامتنان على هذه القراءة: أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له، وأقرب إلى تصديقه، ولابد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأوّل، وأما على الوجه الثاني، فلا حاجة إلى هذا التخصيص، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص؛ لأن بني هاشم هم أنفس العرب، والعجم في شرف الأصل، وكرم النجاد، ورفاعة المحتد. ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى: {هُوَ الذي بَعَثَ في الأميين رَسُولاً مّنْهُمْ} [الجمعة: 2] وقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44]. قوله: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته} هذه منة ثانية، أي: يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئاً من الشرائع {وَيُزَكّيهِمْ} أي: يطهرهم من نجاسة الكفر، وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى، وهما في محل نصب على الحال، أو صفة لرسول، وهكذا قوله: {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب} والمراد بالكتاب هنا: القرآن. والحكمة: السنة.
وقد تقدّم في البقرة تفسير ذلك: {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ} أي: من قبل محمد، أو من قبل بعثته: {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} أي: واضح لا ريب فيه، واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة، وبين النافية، فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية، واسمها ضمير الشأن، أي: وإن الشأن، والحديث، وقيل: إنها النافية، واللام بمعنى إلا، أي: وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين، وبه قال الكوفيون، والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال.
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله تعالى: {وَقَالُواْ لإخوانهم إِذَا ضَرَبُواْ في الأرض} الآية، قال: هذا قول عبد الله بن أبيّ بن سلول، والمنافقين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدّي نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ} قال: يحزنهم قولهم، ولا ينفعهم شيئاً.
وأخرجوا عن قتادة في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله} يقول: فبرحمة من الله: {لِنتَ لَهُمْ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} قال: لانصرفوا عنك.
وأخرج ابن عديّ، والبيهقي في الشعب، قال السيوطي- بسند حسن- عن ابن عباس: قال: لما نزلت: {وَشَاوِرْهُمْ في الامر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكنّ الله جعلها رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً».
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس: {وَشَاوِرْهُمْ في الامر}. قال: أبو بكر وعمر.
وأخرج ابن مردويه، عن عليّ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن العزم، فقال: «مشاورة أهل الرأي، ثم اتباعهم».
وأخرج عبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ} في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فنزلت.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن ابن عباس: {وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ} قال: ما كان لنبيّ أن يتهمه أصحابه.
وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي عن ابن عباس: {هُمْ درجات عِندَ الله} يقول: بأعمالهم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان، عن عائشة في قوله: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين} الآية، قالت: هذه للعرب خاصة.

.تفسير الآيات (165- 168):

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
قوله: {أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ} الألف للاستفهام بقصد التقريع، والواو للعطف. والمصيبة: الغلبة، والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد: {قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا} يوم بدر، وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعون.
وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين، فكان مجموع القتلى، والأسرى يوم بدر مثلي القتلى من المسلمين يوم أحد، والمعنى: أحين أصابكم من المشركين نصف ما أصابهم منكم قبل ذلك جزعتم، وقلتم: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا بالنصر؟. وقوله: {أنى هذا} أي: من أين أصابنا هذا الانهزام، والقتل، ونحن نقاتل في سبيل الله، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وعدنا الله بالنصر عليهم؟ وقوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عن سؤالهم بهذا الجواب، أي: هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من لزوم المكان الذي عينه لهم، وعدم مفارقتهم له على كل حال، وقيل: إن المراد بقوله: {هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} خروجهم من المدينة. ويردّه أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك؛ وقيل: هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل،
و{يَوْمَ التقى الجمعان} يوم أحد، أي: ما أصابكم يوم أحد من القتل، والجرح، والهزيمة {فَبِإِذْنِ الله} فبعلمه، وقيل: بقضائه، وقدره، وقيل: بتخليته بينكم، وبينهم، والفاء دخلت في جواب الموصول لكونه يشبه الشرط، كما قال سيبويه. وقوله: {وَلِيَعْلَمَ المؤمنين} عطف على قوله: {فَبِإِذْنِ الله} عطف سبب على سبب.
وقوله: {وَلِيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ} عطف على ما قبله، قيل: أعاد الفعل لقصد تشريف المؤمنين عن أن يكون الفعل المسند إليهم، وإلى المنافقين، واحداً. والمراد بالعلم هنا: التمييز والإظهار؛ لأن علمه تعالى ثابت قبل ذلك؛ والمراد بالمنافقين هنا: عبد الله بن أبيّ وأصحابه. قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ} هو معطوف على قوله: {نَافَقُواْ} أي: ليعلم الله الذين نافقوا، والذين قيل لهم، وقيل: هو كلام مبتدأ أي: قيل لعبد الله بن أبيّ، وأصحابه: {تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله} إن كنتم ممن يؤمن بالله، واليوم الآخر {أَوِ ادفعوا} عن أنفسكم إن كنتم لا تؤمنون بالله، واليوم الآخر، فأبوا جميع ذلك، وقالوا: لو نعلم أنه سيكون قتالاً لاتبعناكم، وقاتلنا معكم، ولكنه لا قتال هنالك؛ وقيل: المعنى: لو كنا نقدر على القتال، ونحسنه لاتبعناكم؛ ولكنا لا نقدر على ذلك، ولا نحسنه. وعبر عن نفي القدرة على القتال بنفي العلم به؛ لكونها مستلزمة له، وفيه بعد لا ملجئ إليه، وقيل: معناه: لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتبعناكم، ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال، ولكنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة، لعدم القدرة منا، ومنكم على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم، والخروج من المدينة، وهذا أيضاً فيه بعد دون بعد ما قبله، وقيل: معنى الدفع هنا: تكثير سواد المسلمين، وقيل: معناه: رابطوا، والقائل للمنافقين هذه المقالة التي حكاها الله سبحانه: هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ، والد جابر بن عبد الله.
قوله: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ للإيمان} أي: هم في هذا اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون؛ لأنهم قد بينوا حالهم، وهتكوا أستارهم، وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك، وقيل المعنى: أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان. قوله: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدّمها، أي: أنهم أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفر، وذكر الأفواه للتأكيد، مثل قوله: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38].
قوله: {الذين قَالُواْ لإخوانهم} إلخ، أي: هم الذين قالوا لإخوانهم على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون بدلاً من واو يكتمون، أو منصوباً على الذمّ، أو وصف للذين نافقوا.
وقد تقدم معنى: {قَالُواْ لإخوانهم} أي: قالوا لهم ذلك، والحال أن هؤلاء القائلين قد قعدوا عن القتال: {لَوْ أَطَاعُونَا} بترك الخروج من المدينة ما قتلوا، فردّ الله عليهم ذلك بقوله: {قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صادقين} والدرء: الدفع، أي: لا ينفع الحذر من القدر، فإن المقتول يقتل بأجله.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ} الآية. يقول: إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد، وقد بين هذا عكرمة. فأخرج ابن جرير عنه قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن في الآية قال: لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا من أين هذا؟ ما كان للكفار أن يقتلوا منا؟ فلما رأى الله ما قالوا من ذلك، قال الله: هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر. فردّهم الله بذلك، وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه، عن عليّ قال: جاء جبريل إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا، فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقبل منهم عدتهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فذكر ذلك لهم، فقالوا: يا رسول الله عشائرنا، وإخواننا لا بل نأخذ، فداءهم، فنقوى به على قتال عدوّنا، ويستشهد منا عدتهم، فليس في ذلك ما نكره، فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر.
وهذا الحديث هو في سنن الترمذي، والنسائي هو من طريق أبي داود الحضري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن سفيان بن سعيد، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة عن عليّ: قال الترمذي بعد إخراجه: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة.
وروى أبو أسامة عن هشام نحوه.
وروى عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وإسناد ابن جرير لهذا الحديث هكذا: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا إسماعيل بن علية، عن ابن عون قال سنيد وهو حسين، وحدثني حجاج، عن جرير، عن محمد، عن عبيدة، عن علي فذكره.
وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة، حدثنا قراد أبو نوح، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثني ابن عباس، عن عمر بن الخطاب؛ قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عزّ وجلّ: {أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ} الآية.
وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن غزوان، وهو قراد أبو نوح به، ولكن بأطول منه، ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض} [الأنفال: 67] وما روى من بكائه صلى الله عليه وسلم، هو وأبو بكر ندماً على أخذ الفداء، ولو كان أخذ ذلك بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه، ولا حصل ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من الندم، والحزن، ولا صوب النبي صلى الله عليه وسلم رأي عمر رضي الله عنه، حيث أشار بقتل الأسرى، وقال ما معناه: «لو نزلت عقوبة لم ينج منها إلا عمر» والجميع في كتب الحديث، والسير.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس: {قُلْتُمْ أنى هذا} ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله، وهؤلاء مشركون. فقال: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تتبعوهم.
وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: {أَوِ ادفعوا} قال: كثروا بأنفسكم، وإن لم تقاتلوا.
وأخرج أيضاً، عن الضحاك نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي عون الأنصاري في قوله: {أَوِ ادفعوا} قال: رابطوا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن شهاب وغيره؛ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد، والمدينة انخزل عنهم عبد الله بن أبيّ بثلث الناس، وقال: أطاعهم، وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا؟ فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق، وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم، وقومكم عندما حضرهم عدوهم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولا نرى أن يكون قتال.
وأخرجه ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحسين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، فذكره، وزاد أنهم: لما استعصوا عليه، وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتبعناكم} قال: لو نعلم أنا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم.