فصل: كل قرض جر نفعا فهو ربا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.عقد القرض:

وعقد القرض عقد تمليك فلا يتم إلا ممن يجوز له التصرف، ولا يتحقق إلا بالايجاب والقبول كعقد البيع والهبة.
وينعقد بلفظ القرض والسلف، وبكل لفظ يؤدي إلى معناه.
وعند المالكية أن الملك يثبت بالعقد ولو لم يقبض المال.
ويجوز للمقترض أن يرد مثله أو عينه، سواء أكان مثليا أم غير مثلي، ما لم يتغير بزيادة أو نقص فإن تغير وجب رد المثل.

.اشتراط الاجل فيه:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز اشتراط الاجل في القرض، لأنه تبرع محض.
وللمقرض أن يطالب ببذله في الحال.
فإذا أجل القرض إلى أجل معلوم لم يتأجل وكان حالا.
وقال مالك: يجوز اشتراط الاجل، ويلزم الشرط.
فإذا أجل القرض إلى أجل معلوم تأجل، ولم يكن له حق المطالبة قبل حلول الاجل، لقول الله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى}.
ولما رواه عمر وبن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون عند شروطهم» رواه أبو داود وأحمد والترمذي والدارقطني.

.ما يصح فيه القرض:

يجوز قرض الثياب والحيوان، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استلف بكرا.
كما يجوز قرض ما كان مكيلا أو موزونا، أو ما كان من عروض التجارة.
كما يجوز قرض الخبز والخمير، لحديث عائشة: «قلت يارسول الله، إن الجيران يستقرضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصانا، فقال: لا بأس إنما ذلك من مرافق الناس، لا يراد به الفضل».
وعن معاذ أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير فقال: «سبحان الله، إنما هذا من مكارم الاخلاق، فخذ الكبير وأعط الصغير، وخذ الصغير وأعط الكبير، خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك».

.كل قرض جر نفعا فهو ربا:

إن عقد القرض يقصد به الرفق بالناس ومعاونتهم على شئون العيش وتيسير وسائل الحياة، وليس هو وسيلة من وسائل الكسب، ولا أسلوبا من أساليب الاستغلال.
ولهذا لا يجوز أن يرد المقترض إلى المقرض إلا ما اقترضه منه أو مثله، تبعا للقاعدة الفقهية القائلة: كل قرض جر نفعا فهو ربا.
والحرمة مقيدة هنا بما إذا كان نفع القرض مشروطا أو متعارفا عليه.
فإن لم يكن مشروطا ولامتعارفا عليه، فللمقترض أن يقضي خيرا من القرض في الصفة أو يزيد عليه في المقدار، أو يبيع منه داره إن كان قد شرط أن يبيعها منه، وللمقرض حق الاخذ دون كراهة، لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن.
عن أبي رافع قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا، فجاءته إبل الصدقة، فأمرني أن أقضي الرجل بكرا، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: «أعطه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء».
وقال جابر بن عبد الله: كان لي على رسول الله حق فقضاني وزادني رواه أحمد والبخاري ومسلم.

.التعجيل بقضاء الدين قبل الموت:

1- روى الإمام أحمد أن رجلا سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن أخيه، مات وعليه دين، فقال: «هو محبوس بدينه، فاقض عنه». فقال يا رسول الله: «قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة». فقال: «أعطها فإنها محقة».
2- وروي أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاهدت بنفسي ومالي فقتلت صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، أدخل الجنة؟ قال: نعم. فقال ذلك مرتين أو ثلاثا. قال: «إلا أن مت وعليك دين وليس عندك وفاء».

وأخبرهم بتشديد أنزل، فسألوه عنه فقال: «الدين والذي نفسي بيده، لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله ما دخل الجنة حتى يقضي دينه».
3- وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يصلي على رجل مات وعليه دين. فأتي بميت، فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران فقال: صلوا على صاحبكم.
فقال أبو قتادة الانصاري: هما علي يا رسول الله.
قال: فصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
فلما فتح الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته».
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
4- وحديث البخاري عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله».

.مطل الغني ظلم:

عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع» رواه أبو داودو غيره.
استحباب إنظار المعسر: يقول الله سبحانه: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}.
1- وروي عن أبي قتادة أنه طلب غريما له فتوارى ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: الله؟ قال: فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه».
وعن كعب بن عمر قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله في ظله».

.ضع وتعجل:

ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم وضع قدر من الدين نظير التعجيل بالقضاء قبل الاجل المتفق عليه.
فمن أقرض غيره قرضا إلى أجل، ثم قال المقرض للمقترض: أضع عنك بعض الدين نظير أن ترد الباقي قبل الاجل فإنه يحرم.
ويروي ابن عباس وزفر جواز ذلك، لما رواه ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم، فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضعوا وتعجلوا».

.الرهن:


تعريفه: يطلق الرهن في اللغة على الثبوت والدوام، كما يطلق على الحبس.
فمن الأول قولهم: نعمة راهنة، أي ثابتة ودائمة.
ومن الثاني قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}.
أي محبوسة بكسبها وعملها.
وأما معناه في الشرع: فقد عرفه العلماء بأنه جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين، بحيث يمكن أخذ ذلك الدين، أو أخذ بعضه من تلك العين.
فإذا استدان شخص دينا من شخص آخر وجعل له في في نظير ذلك الدين عقارا أو حيوانا محبوسا تحت يده حتى يقضيه دينه، كان ذلك هو الرهن شرعا.
ويقال لمالك العين المدين: راهن، ولصاحب الدين الذي يأخذ العين ويحبسها تحت يده نظير دينه: مرتهن كما يقال للعين المرهونة نفسها: رهن.

.مشروعيته:

الرهن جائز، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فلقول الله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته وليتق الله ربه}.
وأما السنة: فقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي.
طلب منه سلف الشعير، فقال: إنما يريد محمد أن يذهب بمالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب، إني لامين في الأرض، أمين في السماء، ولو ائتمنني لاديت، اذهبوا إليه بدرعي».
وروى البخاري وغيره عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه».
وقد أجمع العلماء على ذلك، ولم يختلف في جوازه ولا مشروعيته أحد، وإن كانوا قد اختلفوا في مشروعيته في الحضر.
فقال الجمهور: يشرع في الحضر، كما يشرع في السفر، لفعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، له وهو مقيم بالمدينة، وأما تقيده بالسفر في الآية فإنه خرج مخرج الغالب، فإن الرهن غالبا يكون في السفر.
وقال مجاهد والضحاك، والظاهرية: لايشرع الرهن إلا في السفر استدلالا بالآية.
والحديث حجة عليهم.

.شروط صحته:

يشترط لصحة عقد الرهن الشروط الآتية:
أولا: العقل.
ثانيا: البلوغ.
ثالثا: أن تكون العين المرهونة موجودة وقت العقد، ولو كانت مشاعة.
رابعا: أن يقبضها المرتهن أو وكيله.
قال الشافعي: لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم.
وقالت المالكية: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن، ومتى قبضه المرتهن فإن الراهن يملك الانتفاع به، خلافا للشافعي الذي قال: بأن له حق الانتفاع ما لم يضر بالمرتهن.

.انتفاع المرتهن بالرهن:

عقد الرهن عقد يقصد به الاستيثاق وضمان الدين وليس المقصود منه الاستثمار والربح، وما دام ذلك كذلك فإنه لا يحل للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة، ولو أذن له الراهن، لأنه قرض جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا.
وهذا في حالة ما إذا لم يكن الرهن دابة تركب أو بهيمة تحلب، فإن كان دابة أو بهيمة فله أن ينتفع بها نظير النفقة عليها فإن قام بالنفقة عليها كان له حق الانتفاع، فيركب ما أعد للركوب كالإبل والخيل والبغال ونحوها ويحمل عليها، ويأخذ لبن البهيمة كالبقر والغنم ونحوها.
والادلة على ذلك ما يأتي: أ- عن الشعبي، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهونا، والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويحلب النفقة».
قال أبو داود: وهو عندنا صحيح، وقد أخرجه آخرون منهم البخاري والترمذي وابن ماجه.
ب- وعن أبي هريرة أيضا، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي.
وفي لفظ: «إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته» رواه أحمد، رضي الله عنه.
ج- وعن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الرهن محلوب مركوب» أو «مر كوب محلوب» كما جاء في رواية أخرى.

.مؤونة الرهن ومنافعه:

مؤونة الرهن وأجرة حفظه وأجرة رده على مالكه.
ومنافع الرهن للراهن، ونماؤه يدخل في الرهن، ويكون رهنا مع الاصل، فيدخل فيه الولدوالصوف والثمرة واللبن، لقوله صلى الله عليه وسلم: «له غنمه، وعليه غرمه».
وقال الشافعي: لايدخل شيء من ذلك في الرهن.
وقال مالك: لايدخل إلا الولد وفسيل النخل.
فإذا أنفق المرتهن على الرهن بإذن الحاكم مع غيبة الراهن وامتناعه كان دينا للمنفق على الراهن.

.الرهن أمانة:

والرهن امانة في يد المرتهن، لا يضمن إلا بالتعدية عند أحمد والشافعي.

.بقاء الرهن حتى يؤدى الدين:

قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من رهن شيئا بمال فأدى بعضه وأراد إخراج بعض الرهن فإن ذلك ليس له حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه.

.غلق الرهن:

كان من عادة العرب أن الراهن إذا عجز عن أداء ما عليه من دين خرج الرهن عن ملكه، واستولى عليه المرتهن، فأبطله الإسلام ونهى عنه.
ومتى حل الاجل لزم الراهن الايفاء وأداء ما عليه من دين، فإن امتنع من وفائه ولم يكن أذن له ببيع الرهن أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن باعه وفضل من ثمنه شيء فلمالكه، وإن بقي شيء فعلى الراهن.
ففي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر: أن رجلا رهن دارا بالمدينة إلى أجل مسمى، فمضى الاجل، فقال الذي ارتهن: منزلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» رواه الشافعي والاثرم والدارقطني، وقال: إسناده حسن متصل.
قال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام:
ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.