فصل: تفسير الآيات (36- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك.. فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء- ولو أنه أعنف- ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز:
{واضربوهن}..
واستصحاب المعاني السابقة كلها؛ واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيباً للانتقام والتشفي. ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير. ويمنع أن يكون أيضاً للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها.. ويحدد أن يكون ضرب تأديب، مصحوب بعاطفة المؤدب المربي؛ كما يزاوله الأب مع أبنائه وكما يزاوله المربي مع تلميذه.
ومعروف- بالضرورة- أن هذه الإجراءات كلها لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطيرة. وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدع. فهي لا تكون إلا وهناك انحراف ما هو الذي تعالجه هذه الإجراءات..
وحين لا تجدي الموعظة، ولا يجدي الهجر في المضاجع.. لابد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر، ومن مستوى آخر، لا تجدي فيه الوسائل الأخرى.. وقد تجدي فيه هذه الوسيلة!
وشواهد الواقع، والملاحظات النفسية، على بعض أنواع الانحراف، تقول: إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين، وإصلاح سلوك صاحبه.. وإرضائه.. في الوقت ذاته!
على أنه من غير أن يكون هناك هذا الانحراف المرضي، الذي يعينه علم النفس التحليلي بالاسم؛ إذ نحن لا نأخذ تقريرات علم النفس مسلمات علمية، فهو لم يصبح بعد علماً بالمعنى العلمي، كما يقول الدكتور ألكسيس كاريل، فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب نفسها أن تجعله قيماً وترضى به زوجاً، إلا حين يقهرها عضلياً! وليست هذه طبيعة كل امرأة. ولكن هذا الصنف من النساء موجود. وهو الذي قد يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة.. ليستقيم. ويبقي على المؤسسة الخطيرة.. في سلم وطمأنينة!
وعلى أية حال، فالذي يقرر هذه الإجراءات، هو الذي خلق. وهو أعلم بمن خلق. وكل جدال بعد قول العليم الخبير مهاترة؛ وكل تمرد على اختيار الخالق وعدم تسليم به، مفض إلى الخروج من مجال الإيمان كله..
وهو- سبحانه- يقررها، في جو وفي ملابسات تحدد صفتها، وتحدد النية المصاحبة لها، وتحدد الغاية من ورائها. بحيث لا يحسب على منهج الله تلك المفهومات الخاطئة للناس في عهود الجاهلية؛ حين يتحول الرجل جلاداً- باسم الدين! وتتحول المرأة رقيقاً- باسم الدين!- أو حين يتحول الرجل امرأة؛ وتتحول المرأة رجلاً؛ أو يتحول كلاهما إلى صنف ثالث مائع بين الرجل والمرأة- باسم التطور في فهم الدين- فهذه كلها أوضاع لا يصعب تمييزها عن الإسلام الصحيح ومقتضياته في نفوس المؤمنين!
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز- قبل استفحالها- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها، فور تقريرها وإباحتها. وتولى الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية علاج الغلو هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة:
ورد في السنن والمسند: عن معاوية بن حيدة القشيري، أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت. ولا تضرب الوجه. ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت».
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تضربوا إماء الله».. فجاء- عمر رضي الله عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرت النساء على أزواجهن! فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن. فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن.. ليس أولئك بخياركم».
وقال صلى الله عليه وسلم «لا يضرب أحدكم امرأته كالعير يجلدها أول النهار. ثم يضاجعها آخره».
وقال «خيركم خيركم لأهله. وأنا خيركم لأهلي».
ومثل هذه النصوص والتوجيهات؛ والملابسات التي أحاطت بها؛ ترسم صورة لصراع الرواسب الجاهلية مع توجيهات المنهج الإسلامي، في المجتمع المسلم، في هذا المجال. وهي تشبه صورة الصراع بين هذه الرواسب وهذه التوجيهات في شتى مجالات الحياة الأخرى. قبل أن تستقر الأوضاع الإسلامية الجديدة، وتعمق جذورها الشعورية في أعماق الضمير المسلم في المجتمع الإسلامي..
وعلى أية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده- متى تحققت الغاية- عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات. فلا تتجاوز إلى ما وراءها:
{فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً}..
فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة. مما يدل على أن الغاية- غاية الطاعة- هي المقصودة. وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام. فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة، قاعدة الجماعة.
ويشير النص إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغي وتحكم وتجاوز.
{فلا تبغوا عليهن سبيلاً}..
ثم يعقب على هذا النهي بالتذكير بالعلي الكبير.. كي تتطامن القلوب، وتعنو الرؤوس، وتتبخر مشاعر البغي والاستعلاء، إن طافت ببعض النفوس: على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب.
{إن الله كان علياً كبيراً}..
ذلك حين لا يستعلن النشوز، وإنما تتقى بوادره. فأما إذا كان قد استعلن. فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت. إذا لا قيمة لها إذن ولا ثمرة. وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخر! وهذا ليس المقصود، ولا المطلوب.. وكذلك إذا رئي أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي، بل سيزيد الشقة بعداً، والنشوز استعلاناً؛ ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة.. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير؛ لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار. قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار:
{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً}.
وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار- الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة- فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام؛ بقدر خطورتها في بناء المجتمع، وفي إمداده باللبنات الجديدة، اللازمة لنموه ورقيه وامتداده.
إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة- عند خوف الشقاق- فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلاً.. ببعث حكم من أهلها ترتضيه، وحكم من أهله يرتضيه. يجتمعان في هدوء. بعيدين عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين. طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة، وتعقد الأمور، وتبدو- لقربها من نفسي الزوجين- كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما. حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين. مشفقين على الأطفال الصغار. بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر- كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف- راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار... وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين، لأنهما من أهلهما: لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار. إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها!
يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح. فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين، يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق:
{إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}..
فهما يريدان الإصلاح، والله يستجيب لهما ويوفق..
وهذه هي الصلة بين قلوب الناس وسعيهم، ومشيئة الله وقدره.. إن قدر الله هو الذي يحقق ما يقع في حياة الناس. ولكن الناس يملكون أن يتجهوا وأن يحاولوا؛ وبقدر الله- بعد ذلك- يكون ما يكون.
ويكون عن علم بالسرائر وعن خبرة بالصوالح:
{إن الله كان عليماً خبيراً}.
وهكذا نرى- في هذا الدرس- مدى الجدية والخطورة في نظرة الإسلام إلى المرأة وعلاقات الجنسين ومؤسسة الأسرة، وما يتصل بها من الروابط الاجتماعية.. ونرى مدى اهتمام المنهج الإسلامي بتنظيم هذا الجانب الخطير من الحياة الإنسانية. ونطلع على نماذج من الجهد الذي بذله هذا المنهج العظيم، وهو يأخذ بيد الجماعة المسلمة- التي التقطها من سفح الجاهلية- في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة على هدى الله. الذي لا هدى سواه..

.تفسير الآيات (36- 43):

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
هناك أكثر من مناسبة واحدة، تربط بين مطلع هذا الدرس؛ وبين محور السورة كلها، وموضوعاتها الأساسية من ناحية؛ وبينه وبين موضوعات الدرس السابق في هذا الجزء من ناحية أخرى.
فهذا الدرس بدء جولة في تنظيم حياة المجتمع المسلم؛ وتخليصه من رواسب الجاهلية، وتثبيت الملامح الإسلامية الجديدة؛ والتحذير من أهل الكتاب- وهم اليهود بالمدينة- وما جبلوا عليه من شر ونكر؛ وما ينفثونه في المجتمع المسلم، وما يبذلونه من جهود لتعويق نموه وتكامله- وبخاصة من الناحية الأخلاقية، وناحية التكافل والتعاون، اللتين هما موضع القوة النامية في هذا المجتمع الجديد..
ولأن الدرس الجديد جولة جديدة، فقد بدأ بالقاعدة الأولية التي يقوم عليها المجتمع المسلم- قاعدة التوحيد الخالص- التي تنبثق منها حياته؛ وينبثق منها منهج هذه الحياة، في كل جانب، وفي كل اتجاه.
وقد سبق هذا الدرس أشواط منوعة في التنظيم العائلي، والتنظيم الاجتماعي. وكان الحديث في الدرس السابق عن الأسرة وتنظيمها ووسائل صيانتها؛ والروابط التي تشدها وتوثق بناءها.. فجاء هذا الدرس يتناول علاقات إنسانية- في المجتمع المسلم- أوسع مدى من علاقات الأسرة؛ ومتصلة بها كذلك. متصلة بها بالحديث عن الوالدين. ومتصلة بها في توسعها بعد علاقة الوالدين، لتشمل علاقات أخرى؛ ينبع الشعور بها من المشاعر الودود الطيبة التي تنشأ في جو الأسرة المتحابة؛ حتى تفيض على جوانب الإنسانية الأخرى؛ ويتعلمها الإنسان- أول من يتعلمها- في جو الأسرة الحاني ومحضنها الرفيق. ومن هناك يتوسع في علاقاته بأسرة الإنسانية كلها؛ بعدما بذرت بذورها في حسه أسرته الخاصة القريبة.
ولأن في الدرس الجديد توجيهات إلى رعاية الأسرة القريبة- العائلة- والأسرة الكبيرة- الإنسانية- وإقامة قيم وموازين في هذا الحقل، للباذلين وللباخلين.. فقد ابتدأ الدرس بالقاعدة الأساسية التي تنبثق منها كل القيم والموازين- كما ينبثق منها منهج الحياة كله في المجتمع المسلم- وهي قاعدة التوحيد.. وربط كل حركة وكل نشاط، وكل خالجة وكل انفعال بمعنى العبادة لله. التي هي غاية كل نشاط إنساني، في ضمير المسلم وفي حياته..
وبسبب من الحديث عن عبادة الله وحده- في محيطها الشامل- جاءت الفقرة الثانية في الدرس؛ تبين بعض أحكام الصلاة والطهارة؛ وتتخذ خطوة في طريق تحريم الخمر- ولم تكن قد حرمت بعد- باعتبار هذه الخطوة جزءاً من برنامج التربية الإسلامية العامة الدائبة الخطى في المجتمع الوليد. وباعتبار علاقتها بالعبادة والصلاة والتوحيد..
حلقات متماسكة بعضها مع بعض. ومع الدرس السابق. ومع محور السورة كذلك.
{واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم.إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً}..
هذه الفقرة تبدأ بالأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن إشراك شيء به.. تبدأ بحرف عطف يربط بين هذا الأمر، وهذا النهي، والأوامر السابقة الخاصة بتنظيم الأسرة في أواخر الدرس الماضي. فيدل هذا الربط بين الموضوعين على الوحدة الكلية الشاملة المتكاملة في هذا الدين. فليس هو مجرد عقيدة تستكن في الضمير؛ ولا مجرد شعائر تقام وعبادات؛ ولا مجرد تنظيم دنيوي منقطع الصلة بالعقيدة وبالشعائر التعبدية.. إنما هو منهج يشمل هذا النشاط كله، ويربط بين جوانبه، ويشدها جميعاً إلى الأصل الأصيل. وهو توحيد الله. والتلقي منه وحده- في هذا النشاط كله- دون سواه. توحيده إلهاً معبوداً. وتوحيده مصدراً للتوجيه والتشريع لكل النشاط الإنساني أيضاً. لا ينفك هذا التوحيد عن ذاك- في الإسلام- وفي دين الله الصحيح على الإطلاق.