فصل: تفسير الآيات (29- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره..}
ألا إنها لشاقة. ألا وإنها لكبيرة، ولكنها هي ذاك.. وإلا:
{فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}..
وإلا فتعرضوا لمصير الفاسقين:
{والله لا يهدي القوم الفاسقين}..
وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده، إنما تطالب به الجماعة المسلمة، والدولة المسلمة. فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله.
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف، إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه- فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها- وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال؛ وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها.. لذة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط، والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء. فإذا غلبتها ثقلة الأرض ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك.
ثم لمسة للمشاعر بالذكرى، وباستعراض صفحة من الواقع الذي عاشه المسلمون إذ ذاك منذ قريب.. المواطن التي نصرهم الله فيها، ولم تكن لهم قوة ولا عدة. ويوم حنين الذي هزموا فيه بكثرتهم ثم نصرهم الله بقوته. يوم أن انضم إلى جيش الفتح ألفان فقط من الطلقاء! يوم أن غفلت قلوب المسلمين لحظات عن الله مأخوذة بالكثرة في العدد والعتاد.
ليعلم المؤمنون أن التجرد لله، وتوثيق الصلة به هي عدة النصر التي لا تخذلهم حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد؛ وحين يخذلهم المال والإخوان والأولاد:
{لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم}.
ولقد كان نصر الله لهم في المواطن الكثيرة قريباً من ذاكرتهم لا يحتاج إلى أكثر من الإشارة. فأما وقعة حنين فكانت بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة. وذلك لما فرغ صلى الله عليه وسلم من فتح مكة، وتمهدت أمورها، وأسلم عامة أهلها، وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه، وأن أميرهم مالك بن عوف النضري، ومعه ثقيف بكمالها، وبنو جشم، وبنو سعد ابن بكر، وأوزاع من بني هلال- وهم قليل- وناس من بني عمرو بن عامر وعوف ابن عامر؛ وقد أقبلوا ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم؛ وجاءوا بقضهم وقضيضهم. فخرج إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة، وهم الطلقاء، في ألفين؛ فسار بهم إلى العدو؛ فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين فكانت فيه الواقعة في أول النهار في غلس الصبح. انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن، فما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم. فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين- كما قال الله عز وجل- وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهو راكب بغلته الشهباء، يسوقها إلى نحر العدو، والعباس آخذ بركابها الأيمن، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر، يثقلانها لئلا تسرع السير، وهو ينوه باسمه- عليه الصلاة والسلام- ويدعو المسلمين إلى الرجعة، ويقول: إلي يا عباد الله. إلي أنا رسول الله ويقول في تلك الحال: «أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب» وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، ومنهم من قال ثمانون؛ فمنهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- والعباس وعلي والفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، وأسامة بن زيد، وغيرهم- رضي الله عنهم- ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة- يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها على ألا يفروا عنه- فجعل ينادي بهم: يا أصحاب السمرة، ويقول تارة: يا أصحاب سورة البقرة.
فجعلوا يقولون: يا لبيك، يا لبيك. وانعطف الناس فتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع لبس درعه ثم انحدر عنه وأرسله، ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحملة... وانهزم المشركون فأتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي المعركة التي اجتمع فيها للمسلمين- للمرة الأولى- جيش عدته اثنا عشر ألفاً فأعجبتهم كثرتهم، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول، فردهم الله بالهزيمة في أول المعركة إليه؛ ثم نصرهم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصقت به.
والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية، وبانفعالاتها الشعورية:
{إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}..
فمن انفعال الإعجاب بالكثرة، إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم. إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب..
{ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}..
وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة ويهدئ الانفعالات الثائرة.
{وأنزل جنوداً لم تروها}..
فلا نعلم ماهيتها وطبيعتها.. وما يعلم جنود ربك إلا هو..
{وعذب الذين كفروا}.
بالقتل والأسر والسلب والهزيمة:
{وذلك جزاء الكافرين}..
{ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم}..
فباب المغفرة دائماً مفتوح لمن يخطئ ثم يتوب.
إن معركة حنين التي يذكرها السياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن الله، والاعتماد على قوة غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية. حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة. إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة المتجردة للعقيدة. وإن الكثرة لتكون أحياناً سبباً في الهزيمة، لأن بعض الداخلين فيها، التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة؛ فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف، فوق ما تخدع الكثرة أصحابها فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، انشغالاً بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة.
لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة، لا بالزبد الذي يذهب جفاء، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح!
وعندما يبلغ السياق إلى هذا المقطع، ويلمس وجدان المسلمين بالذكرى القريبة من التاريخ، ينهي القول في شأن المشركين. ويلقي الكلمة الباقية فيهم إلى يوم الدين:
{يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم}..
إنما المشركون نجس. يجسم التعبير نجاسة أرواحهم فيجعلها ماهيتهم وكيانهم. فهم بكليتهم وبحقيقتهم نجس، يستقذره الحس، ويتطهر منه المتطهرون! وهو النجس المعنوي لا الحسي في الحقيقة، فأجسامهم ليست نجسة بذاتها. إنما هي طريقة التعبير القرآنية بالتجسيم.
{نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}..
وتلك غاية في تحريم وجودهم بالمسجد الحرام، حتى لينصبّ النهي على مجرد القرب منه، ويعلل بأنهم نجس وهو الطهور!
ولكن الموسم الاقتصادي الذي ينتظره أهل مكة؛ والتجارة التي يعيش عليها معظم الظاهرين في الجزيرة؛ ورحلة الشتاء والصيف التي تكاد تقوم عليها الحياة... إنها كلها ستتعرض للضياع بمنع المشركين من الحج؛ وبإعلان الجهاد العام على المشركين كافة..
نعم! ولكنها العقيدة. والله يريد أن تخلص القلوب كلها للعقيدة!
وبعد ذلك، فالله هو المتكفل بأمر الرزق من وراء الأسباب المعهودة المألوفة:
{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}..
وحين يشاء الله يستبدل أسباباً بأسباب؛ وحين يشاء يغلق باباً ويفتح الأبواب..
{إن الله عليم حكيم}..
يدبر الأمر كله عن علم وعن حكمة، وعن تقدير وحساب..
لقد كان المنهج القرآني يعمل، في المجتمع المسلم الذي نشأ من الفتح؛ والذي لم تكن مستوياته الإيمانية قد تناسقت بعد..
وكما أننا نلمح من خلال السياق في هذا المقطع ما كان يعتور هذا المجتمع من ثغرات. فكذلك نلمح عمل المنهج القرآني في سد هذه الثغرات. ونلمح الجهد الطويل المبذول لتربية هذه الأمة بهذا المنهج القرآني الفريد.
إن القمة التي كان المنهج القرآني ينقل خطى هذه الأمة لتبلغ إليها، هي قمة التجرد لله، والخلوص لدينه وقمة المفاصلة على أساس العقيدة مع كل أواصر القربى وكل لذائذ الحياة، وكان هذا يتم من خلال ما يبثه المنهج القرآني من وعي لحقيقة الفوارق والفواصل بين منهج الله الذي يجعل الناس كلهم عبيداً لله وحده، ومنهج الجاهلية الذي يجعل الناس أرباباً بعضهم لبعض.. وهما منهجان لا يلتقيان.. ولا يتعايشان..
وبدون هذا الفقه الضروري لطبيعة هذا الدين وحقيقته، وطبيعة الجاهلية وحقيقتها؛ لا يملك إنسان أن يقوّم الأحكام الإسلامية، التي تقرر قواعد المعاملات والعلاقات بين المعسكر المسلم وسائر المعسكرات.

.تفسير الآيات (29- 35):

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}
هذا المقطع الثاني في سياق السورة؛ يستهدف تقرير الأحكام النهائية في العلاقات بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب؛ كما استهدف المقطع الأول منها تقرير الأحكام النهائية في العلاقات بين هذا المجتمع والمشركين في الجزيرة.
وإذا كانت نصوص المقطع الأول في منطوقها تواجه الواقع في الجزيرة يومئذ؛ وتتحدث عن المشركين فيها؛ وتحدد صفات ووقائع وأحداثاً تنطبق عليهم انطباقاً مباشراً. فإن النصوص في المقطع الثاني- الخاصة بأهل الكتاب- عامة في لفظها ومدلولها؛ وهي تعني كل أهل الكتاب. سواء منهم من كان في الجزيرة ومن كان خارجها كذلك.
هذه الأَحكام النهائية التي يتضمنها هذا المقطع تحتوي تعديلات أساسية في القواعد التي كانت تقوم عليها العلاقات من قبل بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب- وبخاصة النصارى منهم- فلقد كانت وقعت المواقع قبل ذلك مع اليهود؛ ولكن حتى هذا الوقت لم يكن قد وقع منها شيء مع النصارى.
والتعديل البارز في هذه الأحكام الجديدة هو الأمر بقتال أهل الكتاب المنحرفين عن دين الله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.. فلم تعد تقبل منهم عهود موادعة ومهادنة إلى على هذا الأساس.. أساس إعطاء الجزية.. وفي هذه الحالة تتقرر لهم حقوق الذمي المعاهد؛ ويقوم السلام بينهم وبين المسلمين. فأما إذا هم اقتنعوا بالإسلام عقيدة فاعتنقوه فهم من المسلمين..
إنهم لا يُكرَهون على اعتناق الإسلام عقيدة. فالقاعدة الإسلامية المحكمة هي: {لا إكراه في الدين} ولكنهم لا يتركون على دينهم إلا إذا أعطوا الجزية، وقام بينهم وبين المجتمع المسلم عهد على هذا الأساس.
وهذا التعديل الأخير في قواعد التعامل بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب لا يفهم على طبيعته إلى بالفقه المستنير لطبيعة العلاقات الحتمية بين منهج الله ومناهج الجاهلية من ناحية. ثم لطبيعة المنهج الحركي الإسلامي، ومراحله المتعددة، ووسائله المتجددة المكافئة للواقع البشري المتغير من الناحية الأخرى.
وطبيعة العلاقة الحتمية بين منهج الله ومناهج الجاهلية هي عدم إمكان التعايش إلا في ظل أوضاع خاصة وشروط خاصة؛ قاعدتها ألا تقوم في وجه الإعلان العام الذي يتضمنه الإسلام لتحرير الإنسان بعبادة الله وحده والخروج من عبادة البشر للبشر، أية عقبات مادية من قوة الدولة، ومن نظام الحكم، ومن أوضاع المجتمع على ظهر الأرض! ذلك أن منهج الله يريد أن يسيطر، ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده- كما هو الإعلان العام للإسلام- ومناهج الجاهلية تريد- دفاعاً عن وجودها- أن تسحق الحركة المنطلقة بمنهج الله في الأرض، وأن تقضي عليها..