فصل: باب: صَدَقَةِ الفِطْر عَلَى الحُرِّ وَالمَمْلُوك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ صَدَقَةِ الفِطْر عَلَى الحُرِّ وَالمَمْلُوك

1511- قوله‏:‏ ‏(‏وكانوا يعطون‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أن تقسيمَ صدقة الفِطر كان إلى الأمراء‏.‏ وقد ثبت في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنَّ الناس كانوا يبعثُونَ بصدقاتِهم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ثم إنه كان يقسِمُها حسَبَ ما يراه الله عز وجل‏.‏ وهو معنى قوله‏:‏ ليجمع، أي ليجمع للإِمام ليصرفها في مصارفها من تعارفه، كالزكاة، فلما علمنا من عمل السلفِ هذا، ناسبَ أن نحملَ عملَ ابن عمر أيضًا على ذلك‏.‏

باب‏:‏ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِير

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عمرو‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وليست هذه القطعة في الشرحين‏.‏ وهو مذهب الشافعي‏.‏ وأما عندنا فلا زكاة في مال اليتيم، وهو مذهب ابن مسعود‏.‏ وليراجع ألفاظ هذه الآثار أيضًا، لينجلي لك الحال‏.‏

كتاب‏:‏ الحَج

باب‏:‏ وُجُوبِ الحَجِّ وَفَضْلِه

ولنقدم قبل الخوضِ في المقصود جُمَلا‏:‏

الأولى‏:‏ أن العلماءَ اختلفوا في السنة التي فرض فيها الحج على أقوال‏:‏ فقيل‏:‏ سنة خمسٍ، حكاه الوَاقِدي‏.‏ وقيل‏:‏ سنة ست‏.‏ وقيل‏:‏ ثمان‏.‏ وقيل‏:‏ سنة تسع، ولكل منهم مُسْكة تمسكوا بها، فليطالعها في مواضعها من شاء‏.‏

الثانية‏:‏ اختَلف الناسُ في وجوب الحج، هل هو على الفور أو على التراخي‏؟‏ وكيف ما كان، التسارع إليه مطلوبٌ، وحينئذٍ يُشكل حجُ النبي صلى الله عليه وسلّم في العاشرة مع فرضيته في الأعوام الماضية على اختلافها‏.‏ فقيل في الجواب‏:‏ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يترقَّبُ أن تعوَدَ الأيامُ على هيئتها، وقد كانت العربُ خلطتها لمكان النسيئة عندهم، فلم تكن أشهر الحج في محلها، فإذا عادت ذو الحجة في موضعها عَزَمَ على الحج، ونادى بين الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن كفر‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي لم يحج، وإنما عبَّرَ عنه بالكفر تهويلا، وعلى تعبير القرآن جاء حديث ابن ماجه‏:‏ «فليس على الله أن يموتَ يهوديًا أو نصرانيًا»‏.‏

1513- قوله‏:‏ ‏(‏فجعل الفضل ينظر إليها‏)‏، واعلم أن الحجابَ عندنا داخلُ الصلاة وخارِجُها سواءً فجاز كشفُ الوجه والكفين عند أجنبي، بشرط الأمن من الفتنة‏.‏ واختُلف في الرِّجلين، والفتوى على الحجاب مطلقًا، وذلك لانقلابِ الزمان، وظهورِ الفتن‏.‏ وإنَّما صرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وجه الفضل احتياطًا، كما هو المذكور في الحديث‏.‏

1513- قوله‏:‏ ‏(‏إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت شيخًا كبيرًا‏)‏، واعلم أنهم اختلفوا في وجوب الحج على المعْضُوب‏.‏ فقيل‏:‏ يجبُ عليه إذا مَلك الزادَ والراحلَة، ومُؤنَة من يرفعُه ويضعُه ويقودُه إلى المناسك‏.‏ وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة‏.‏ وهو قول الشافعي‏.‏ وقيل‏:‏ لا يجبُ وهو المشهور عن إمامنا‏.‏ فقيل‏:‏ معنى الحديث‏:‏ أن الحج فرضٌ على الناس، فأدرك أبي أيضًا زَمَنَ افتراض الحج‏.‏ وراجع التفصيل من «فتح القدير»‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَأْتُوكَ رِجالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجَ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 27- 28‏)‏

1514- قوله‏:‏ ‏(‏يركب راحلته‏)‏، والخلافُ فيه في الأفضلية، ووافقنا ابن عباس، كما عند أبي داود‏.‏

باب‏:‏ الحَجِّ عَلَى الرَّحْل

وهو شرطٌ عندنا إن كانت المسافةُ مسافةَ الرَّحل، وأما الشغدف والهودج فلا‏.‏

1516- قوله‏:‏ ‏(‏قال عمر‏)‏، أراد به الإِعداد للحج والاهتمام به‏.‏

1517- قوله‏:‏ ‏(‏زاملته‏)‏، وهي الراحلة التي عليها الزاد‏.‏ وفي «الفتح» عن ذي النورين أنه كان يحجُّ على البعير، وكان يحمل عليها الحبوب، ثم يقعد عليها، فدل على جواز القُعود على الحبوب‏.‏

1518- قوله‏:‏ ‏(‏ولم أعتمر‏)‏، واعلم أن الحنفية والشافعية اختلفوا في أمر عائشة، فقال‏:‏ إنها كانت معتمرةً، فلما دنت أيام الحج، ولم تخرج عن حيضها أَمرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أن تخرجَ عن عمرتها، وتفسخها إلى الحج، ثم تقضيها‏.‏ وأنكره الشافعية‏.‏ وهذا اللفظُ ظاهرٌ للحنفية، وسيجيءُ تفصيله‏.‏

1518- قوله‏:‏ ‏(‏فأعمرها من التنعيم‏)‏، ومن ههنا قلنا‏:‏ إن الحاج يُهلّ من الحَرَم، والمعتمر من الحِلِّ ولا فرق بينهما عند المصنف‏.‏ والحديثُ حجةٌ عليه، لأنه لو جاز للمعتمر أن يُهلَّ من الحرم لما بعثها إلى التنعيم‏.‏

باب‏:‏ فَضْلِ الحَجِّ المَبْرُور

وهو ما لا جِنَاية فيه‏.‏ أما الحجّ الأكبرُ المشهور بين الناسِ‏.‏ وهو الحج الذي يكون يومَ الجمعة، فلا أصلَ له في الشرع، وهو في القرآن بمعنى آخر‏.‏ ثم إنه مكفرٌ للصغائر والكبائر جميعًا، أو للأولى فقط، فرجَّح ابن نُجيم الثاني، ومال الأكثرون إلى الأول‏.‏

باب‏:‏ فَرْضِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ وَالعُمْرَة

وادَّعى الشافعيةُ أنَّ فرضيةَ المواقيتِ كانت قُبيل حَجة الوداع‏.‏ وادَّعى الحنفيةُ أنها كانت قَبْلها بكثير، لما سيجيء‏.‏ ثم إن تلك المواقيت كلها وقَّتَها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أولا‏؟‏ فقيل‏:‏ نعم؛ وقيل‏:‏ غير ذات عِرْق، فإنَّها وقّتها عمر‏.‏ والصوابُ هو الأول‏.‏ نعم، اشتهرت بعضها في زمن عمر، فنُسبت إليه‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 197‏)‏

1523- قوله‏:‏ ‏(‏وتزودوا فإِن خير الزاد التقوى‏)‏، وفسره السيوطي بما يُتقى به من السؤال، وهو المال‏.‏ وليس بمرادٍ عندي، بل التقوى على معناه المعروف‏.‏ والمراد أنه الزاد الحِسِّي، فقد علمتم أنه لا بد لكم، فسوف تأخذونه، ولكن ههنا زاد آخر أقومُ وأهم منه، وهو التقوى، فهو زادٌ معنوي فلا تَنْسَوه، واجعلوه أيضًا من زادكم، فإنَّه خيرُ زادٍ لمن تزوَّدَه‏.‏ ويؤيِّدُه ما عند أبي داود، أنَّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلّم الزاد، فقال‏:‏ «زوّدك الله التقوى»‏.‏ وإنما أوَّل به السيوطي، لأن تعليل قوله‏:‏ ‏(‏وتزودوا‏)‏ بقوله‏:‏ ‏(‏فإنَّ خيرَ الزِّاد التقوى‏)‏ بظاهره غيرُ مستقيمٍ‏.‏

قلتُ‏:‏ حرف «إن» في كلامهم لا يجيءُ بمعنى العلة المنطقية، بل لمجردِ التناسُبِ بين الأمرين‏.‏ والتناسُب بين الزَّادين ظاهرٌ، فالمقصود منه الأمر بهذا وهذا‏.‏ أي تزوّدوا للحج واتقوه أيضًا، فأبرَزَه في شاكلةِ التعليل، لا أنه تعليل منطقي، فإنَّ المقصودَ فيه لا يكون إلا أمرًا واحدًا، والتعليل يكون لتقريره فقط‏.‏ وههنا المقصود أمران، وقد فصلنا الفرقَ بينهما في رسالتنا «فصل الخطاب»، فإنهم حَمَلوا قوله صلى الله عليه وسلّم «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، على التعليل المنطقي، فناقض أوَّلَ الحديث آخره، وكان محل «إن» لمجرد التناسب، ولكنهم لم يحملوه عليه‏.‏ ثم قيل‏:‏ إن الظاهر‏:‏ التقوى خير الزاد، مكان ‏(‏خير الزاد التقوى‏)‏، فراجع للفرق بينهما كلامَ الزَّمَخْشَري‏.‏

باب‏:‏ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلحَجِّ وَالعُمْرَة

قد علمت أنَّ المصنفَ لم يفرق بين ميقات الحج وميقات العمرة، ولا شيءَ عنده غير العمومات، وقد علمت المسألة عندنا‏.‏

1524- قوله‏:‏ ‏(‏ممن أراد الحج والعمرة‏)‏ تمسك به الشافعية على أن الإِحرام إنما يجبُ على مَنْ دخل مكة معتمرًا أو حاجًا، أما مَنْ لم يردهما، بل أرادَ التجارةَ أو غيرها، فليس عليه إحرام‏.‏ ويجبُ عليه الإِحرام عندنا مطلقًا، لأنه لتعظيم البقعة المباركة، فيستوي فيه الحاجُّ وغيره، فكأن الإِحرام عندنا لازمٌ لمن دَخَلها‏.‏ وأما عند الشافعية فموقوفٌ على إرادته إحدى العبادتين‏.‏ وقوله‏:‏ «فمن أراد الحج والعمرة» نص لهم‏.‏

قلنا‏:‏ إن التمسك به يتوقف على مقدمةٍ أخرى، وهي كون تلك الإِرادة غير لازمةٍ عليه، فإن قلنا‏:‏ إن إرادة إحدى العبادتين واجبةٌ عليه، فلا تمسُّك لهم فيه‏.‏ وقد علمت أن وِزانَه وِزانُ لفظ الخير، وهذا يستعمل في الفرائض أيضًا، ولا دليل في لفظ الإِرادة فإِنها كما تكون في المُستحبَّات تكون في الفرائض‏.‏ فإنَّها مما لا بد منه في جميع الأفعال الاختيارية‏.‏

وبعبارة أخرى نقول‏:‏ إن مَنْ مرّ بالمواقيت يجبُ عليه أن يريدَ إحدى العبادتين عندنا، وعند الشافعية هو مخيّر، إن أراد أن يفعل فعل، وإلا لا‏.‏ وفهموا أنَّ الحجَ والعمرة إذا توقف على إرادته لا يكون واجبًا أصلا‏.‏ قلنا‏:‏ إنما يتم ذلك لو ثبت أن الإِرادة لا تُستعملُ إلا في الجائزات، وليس بثابتٍ، فإنَّها تُستعمل في الواجبات، كلفظ الخير‏.‏ وليس مرادُنا من الأفعال الاختيارية ما هي في اختيارنا من جهة الشرع، فإنَّ الواجبات تجبُ علينا، ولكن المرادَ منا الاختيارية لغةً ولا شك أن الواجبَ الشرعي أيضًا اختياري بحَسَب اللغة، بمعنى أن الوجوبَ لا يَسلُبُ الاختيار عن المكلف‏.‏

‏(‏حيلة لدخول مكة من غير إحرام‏)‏

ثم إنَّ المسألةَ عندنا في الآفاقي، أما من كان يسكن داخل الميقات، فله أن يدخُلَها بدون إحرام لرفع الحرج عنه، وهذه هي الحيلةُ لمن أراد أن يدخلَ مكة بدون إحرام، أن ينوي عند مروره بالميقاتِ موضِعَا في داخل الميقات، ولا ينوي البيت، وحينئذٍ لا يجبُ عليه الإِحرام، لأنه لم ينو الموضعَ الذي يجبُ عليه الإِحرام لأجله، فإذا دخله يلحقُ بأهله، فيكونُ له حكم داخلِ المواقيت، ويسقط عنه الإِحرام‏.‏ ثم المسألةُ فيمن يقعُ في طريقه الميقاتان، أن يحرم من أولاهما، فإن أحرم من الثانية له ذلك، ولا يجبُ عليه شيءٌ بمرورِ أوْلى الميقاتين بدون إحرام، ولم أجد تلك المسألة إلا عند محمد في «موطئه» فليحفظ‏.‏

باب‏:‏ مِيقَاتِ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَلا يُهِلُّونَ قَبْلَ ذِي الحُلَيفَة

باب‏:‏ مُهَلِّ أَهْل الشَّأْم

باب‏:‏ مُهَلِّ أَهْلِ نَجْد

واعلم أن المواقيتَ عند فقهائنا على نحوين‏:‏ ميقاتٌ زماني، وميقاتٌ مكاني‏.‏ أما الأول‏:‏ فهو أشهر الحج‏.‏ وأما الثاني‏:‏ فما فصَّلُوه من البُقَع‏.‏ وقالوا‏:‏ لا يُقدَّمُ الإِحرام على الأول، ويستحب له أن يُقدِّمه على الثاني‏.‏ فيستحب أن يُهل أهل المدينة قَبْلَ ذي الحُلَيْفة، فإنها ميقاتهم، وأنكره البخاري، ولذا قال‏:‏ لا يهلوا قَبْلَ ذي الحُلَيْفة، وإنما خصَّصَ أهلَ المدينة بالذكر مع كون المسألة عامةً، لكون ميقاتهم أقربَ المواقيت، فإذا وجبَ عليهم أن يخرجوا إلى ميقاتهم ويُهلوا منها، فغيرهم ممن كانت مواقيتهم على بعد، أولى أن يُحرموا منها‏.‏

قلتُ‏:‏ أما المسألة في أهل المدينة خاصة، فينبغي أن تكون كذلك عند الحنفية أيضًا، وأرجو أن لا تكون خلافًا لمسائلهم، فإنَّ أهلَ المدينة لما كان ميقاتُهم أمامَهم، فلا حاجة لهم إلى تقديم الإِحرام، مع أن في إحرامِهم بميقاتهم تأسي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم بخلاف غيرهم، فإنَّ لهم في التقديم عملا بالعزيمة، وتماديًا في الإِحرام، مع أنه لا يلزمُ عليهم مخالفةً للسنة أيضًا، فافترقا‏.‏

باب‏:‏ مُهَلِّ مَنْ كانَ دُونَ المَوَاقِيت

وقد مر أنَّ إطلاقَ الحديثِ يقتضي التسويةَ بين مُهَلِّ الحج والعمرة، وإنما قلنا بالفرق بينهما لما قام عندنا من الدليل عليه من الخارج‏.‏

باب‏:‏ مُهَلِّ أَهْلِ اليَمَن

قد علمتَ من عادة المصنفِ، أنَّ الحديث إذا كان عنده بطرقٍ عديدة، يُخرجْه مرةً بتراجمَ عديدةٍ وفوائدَ جديدة‏.‏

باب‏:‏ ذَاتُ عِرْقٍ لأَهْلِ العِرَاق

قوله‏:‏ ‏(‏فانظروا حذوها من طريقكم‏)‏، دلّ على جوازِ الإِحرام إذا مرّ بحذائِها، ولا يشترط المرورُ عليها خاصة‏.‏

باب

واعلم أنَّ الشجرةَ صارت اسمًا بالغلبةِ لذي الحُلَيْفة‏.‏ ويقال لها الآن‏:‏ بئر على‏.‏ وهذا غير علي بن أبي طالب‏.‏ ولفظ الراوي يُشعرُ بالتغاير بين الشجرة، وذي الحُليفة‏.‏ ثم المُعَرَّسُ موضعٌ قريب منها، ولكن لا تتميزان لاندِراس الرسوم والمعالم‏.‏ والذي يُظن أن أولها ذو الحُلَيْفة، ثم المُعَرَّس، ثم العقيق- وادي- ‏.‏ وتلك المواضعُ كلها متقاربةٌ، كما ذكره السَّمْهُودي في «الوفا»‏.‏

ثم اعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم خرج من المدينة يوم السبت بعد الظهر، لخمسٍ بَقَيْنَ من ذي القعدة، وكان الشهر تِسعًا وعشرين، ودخلَ مكةَ يوم الأحد، لأربع ليالٍ خَلَونَ من ذي الحجة، فتلك تسعة أيام‏.‏ وبعد حذفِ يومي الدخولِ والخروج، تبقى سبعة أيام، لسفره صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ خُرُوجِ النبي صلى الله عليه وسلّم عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَة

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ»

1534- ‏(‏قل‏:‏ عمرة في حَجّة‏)‏، وهذا نصٌ للحنفية أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان قارنًا من أول إحرامه، فإنَّ وادي العقيق عند ذي الحليفة، وهي ميقات أهل المدينة‏.‏

وبالجملة قد ثبت قِرَانُه صلى الله عليه وسلّم ثبوتًا لا مردَّ له، وإنما اختلف الصحابة في نقل حجه صلى الله عليه وسلّم لأنه كان معاملةَ ألوف من الصحابة، فنقل كلٌّ منهم حَسَبَ ما سمع من تلبية النبي صلى الله عليه وسلّم وأنت تعلَمُ أن القارن له أن يُلبي كيف شاء‏.‏ فمن سمع منه‏:‏ لبيك بحجة زَعَمَ أنه مفرد، وأصاب حَسَب زعمه، وكذلك من سمع‏:‏ لبيك بعمرة، ظنَّ أنه متمتِّع، والأمر ما قررنا‏.‏ وإنما لم نبسط في إثبات قِرَانه صلى الله عليه وسلّم لأنَّ علماءَ المذاهب الأربع، كادوا أن يتفقوا على ذلك، بل قد اتفقوا مع اختلافٍ بينهم، في أنه كان معتمرًا في أول أمره، ثم قَرَن، أو كان قارنًا من أول الأمر‏.‏ وراجع «الطحاوي» فإنَّه قد بَسَطَ الكلامَ في المسألة بما لا مزيد عليه‏.‏ ونقل القاضي عِيَاض أنَّه صنف في إثبات قِرَانه صلى الله عليه وسلّم ألفَ ورقةٍ‏.‏ وأرى أنَّ للمالكيّة اعتناءً بتصانيف الطحاوي أزيدَ من الحنفية‏.‏

باب‏:‏ غَسْلِ الخَلُوقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَاب

واعلم أنَّ الخَلُوق اسم لنوع من الطيب، يُجعل فيه الزعفران، والزعفرانُ مباحٌ أكلا، ومحرم تطيُّبًا لأجل اللون، لا أريد للمحرم، بل للرجل في سائر أحواله‏.‏ ثم إنَّ من تطيَّبَ قَبْل الإِحرام، وبقي أثره، أو عينُه بعده جاز عندنا، وإنما محذورُ إحرامه أن يتطيَّبَ بعد الإِحرام بخلاف اللباس، فإنَّ المحظورَ منه محظورٌ ابتداءً وبقاءً‏.‏ وقالت المالكية‏:‏ إن الباقي إن كان أثرًا للطيب، فجائزٌ، وإن كان عليه فلا‏.‏

1536- قوله‏:‏ ‏(‏وهو متضمخ بطيب‏)‏، وهو محمولٌ على طيب الإِحرام، فإنه لا بأس بالتضمخ بطيبٍ قبل الإِحرام على ما علمت‏.‏ وقد كان يختلجُ في صدري أن العربَ كانوا يحجون من زمن الجاهلية، ولم يُعلم من حالهم التفريطُ في أمر الحج، نعم، كان فيهم بعض تعمق وإفراط، حيث كانوا يطوفون بالبيت عُراةً، زعمًا منهم أن الطوافَ إنما يليق في ثياب لم تتلوث بمعاصيهم، فإذا كان حالهم هذا، فكيف فَرَّط هذا الرجل، وتطيِّبَ في الإِحرام‏؟‏ ثم رأيتُ في كلام القاضي أبي بكر بن العربي‏:‏ أنهم كانوا يُفرِّطون أيضًا، لكنه كان في العمرة دون الحج‏.‏ وذلك لكونها من أفجر الفجورِ في زمنِ الحج عندهم‏.‏ والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

1536- قوله‏:‏ ‏(‏وهو يغط‏)‏- لمبى لمبى سانس لى رهى تهى‏.‏

1536- قوله‏:‏ ‏(‏وانزع عنك الجبة‏)‏، وقد علمتَ أن الثوبَ المخيطَ من محظوراتِ الإِحرام، ابتداءً وبقاءً‏.‏

باب‏:‏ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَما يَلبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجّلَ وَيَدَّهِن

باب‏:‏ مَنْ أَهَلَّ مُلَبِّدًا

باب‏:‏ الإِهْلالِ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيفَة

لعله أشارَ إلى مُوَافقةِ الحنفية والشافعية في مسألة التَّطيُّبِ قبل الإِحرام‏.‏ أما الشَّمُّ فهو مكروهٌ عندنا، ويُجاز للتداوي‏.‏ وكذا يجوزُ شدُّ الهِمْيَان، ولبس المخيط على غير هيئتِهِ، كما إذا ارتدى بالقميص‏.‏ ولا يجوزُ عندنا التطيب بالزيت، لكونه أصلَ الطيب، وإن جاز أكله‏.‏

1537- قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فلم يكن يستعمل الطيب قبل الإِحرام، ولا بعدَه‏.‏ فمذهبُه أضيقُ من مالك أيضًا، ومذهب إبراهيم كمذهبنا‏.‏

1537- قوله‏:‏ ‏(‏كأني أنظر إلى وبيص الطيب‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، دل على جواز بقاءِ جِرْم الطيب بعد الإِحرام‏.‏

1538- قوله‏:‏ ‏(‏كنت أطيب‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، استدل منه النووي على أن «كان» لا تستدعي الاستمرارَ، لكونها واقعةً واحدةً ههنا‏.‏ وقال الشيخ ابن الهُمَام‏:‏ إنه كذلك سيما إذا كان خبرُه مضارعًا‏.‏ قلتُ‏:‏ وهو صحيح لغةً، غير أنه في العرفِ للاستمرار، وهو مستقيمٌ ههنا أيضًا بحذف فعلِ الاتصاف، ولا ريب أنَّ اتصافها بذلك دائمٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولحله قبل أن يطوف‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قيل‏:‏ إن المحلل عندنا هو الحلق‏.‏ وإنِّما يظهرُ تحليله في حق الجِماع بعد طواف الزيارة‏.‏

وقيل‏:‏ بل المحلل اثنان‏:‏ الحلق، والطواف؛ فالأول‏:‏ محللٌ لجميع المحظورات غير الجماع؛ والثاني‏:‏ محللٌ للجماع‏.‏ وكيفما كان يَحِلُّ له بعد الحلق كل شيء، إلا الجماع‏.‏ وقيل‏:‏ إلا الجماع، والطيب، وهو رواية شاذة‏.‏

باب‏:‏ ما لا يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَاب

باب‏:‏ الرُّكُوبِ وَالارْتِدَافِ في الحَج

وذكر ضابطةً في «كتاب المناسك» أنَّ كل ثوبٍ مخيطٍ مُستَمسِكٍ على الجسد إذا لُبس بطريقه المعروف، كانت جنايةً عندنا‏.‏

1542- قوله‏:‏ ‏(‏ليقطعهما أسفل من الكعبين‏)‏، وهو واجبٌ عند الثلاثة، ومستحبٌ عند الحنابلة، لأن بعض الرواة لم يذكروه‏.‏ قلنا‏:‏ إنه ساكت، فيحمل الساكت على الناطق‏.‏ ثم الكعبَ في الحج هو العظمُ النابتُ في وَسَط القدم، وخَلَطَ من نقله في الوضوء‏.‏

1542- قوله‏:‏ ‏(‏مسه الزعفران‏)‏، قال الحنفية‏:‏ إن المحظور في الإِحرام هو الطيب، وفي الإِحدادِ اللون، وإنما يُكره الطيبُ فيه لأجلِ الزِّينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحك جسده‏)‏، وهو جائز عندنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويلقي القمل‏)‏، وهكذا عندنا، ويتصدَّق فيه دون البَقِّ، لكون القملِ متولدةً من جسد، دون البق‏.‏ ثم اعلم أنه يجوزُ له لُبس السراويل بعد فتقِهِ، وإلا تكون جنايةٌ، فإِن لبسه عند الحاجة وجب عليه الدم، ولا يأثم، وهذا من خصائص الحج، أن المعذورَ يرخصهُ الشرعُ بأشياء، ثم يوجِبُ عليه الدم، كحلق الرأس عند التأذِّي، هكذا ذكره الطحاوي‏.‏

باب‏:‏ ما يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُر

قوله‏:‏ ‏(‏الثياب المعصفرة‏)‏، ونهى عنها الحنفية أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تتبرقع‏)‏ إذا مس وجهها، أما إذا كان مُجَافيًا لا يمسُّ وجهها، فلا بأس به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحليِّ‏)‏، وهي مكروهةٌ تنزيهًا عندنا، كما في «البدائع»، ويشهد له حديث أبي داود، غير أنه اختُلف في وقفه ورفعه، وجنح المصنف إلى وقفه‏.‏ وعمل به الحنفية، فحملوه على الكراهة تنزيهًا‏.‏

1545- قوله‏:‏ ‏(‏انطلق النبي صلى الله عليه وسلّم من المدينة بعدما ترجّل، وادّهن، ولبس إزاره، ورداءه‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، هذا بيان لإِعداده للإِحرام، ولم يكن أحرم بَعدُ، لأنه جامَعَ بعدَه‏.‏ ولبس الإِزارِ، والرداء لم يكن لكونه مُحرِمًا، بل لكون ذلك لباس العرب‏.‏ وإنما يتبادَرُ منه الإِحرام، لكونه لُبْسة المحرم في عرفنا‏.‏

1545- قوله‏:‏ ‏(‏إلا المزعفرة‏)‏، قال الطحاوي‏:‏ إن المزعفرة إذا لم ينفض اللونَ جاز، واستدلَ بروايةٍ فيها يحيى بن حميد الحماني، وهو الأزدي، من علماء الكوفة، وكان يحيى بن مَعِين يوثقه حتى الموت، وتردد فيه بعضهم، ولعله لا ذَنْب له‏:‏ غير أنه حنفيٌ، وإن من الذنوب ما لا يغفَرُ عند بعضهم‏.‏

واعلم أن الراوي لم يتعرض إلى طَوَافه صلى الله عليه وسلّم النَّفل، مع ثبوته في الخارج، لأنه كان بالليل‏.‏ وإنما لم يَطُف النبي صلى الله عليه وسلّم بالنهار، مع كونه أفضل العبادات في تلك البقعة الشريفة، مخافةَ أن يقعَ الناسُ في مَغْلَطة‏.‏

مسألة‏:‏ قال الحنفية‏:‏ إن الحاج يقطعُ التلبيةَ عند رمي الجمار‏.‏ والظاهر أنَّ التلبيةَ لما كانت للبيت، ينبغي أن تنقطعَ عند البيت‏.‏ قلتُ‏:‏ والسِّر في ذلك أن التلبيةَ إعلانٌ بالإِجابة والحضور‏.‏ وذا لا يناسبُ له، وهو قائمٌ بين يدي الجِمار، فناسب قَطْعَها عندها، فإذا انقطعت عندها لهذا المعنى انقطعت بعدها رأسًا، على أن معاملة المحرم إلى الجمار كانت مع الجماعة، ثم صارت أحاديًا وانفراديًا، فيأتي بها الحاجُّ متى شاء، مع الجماعة أو قبلها، أو بعدها، فانقطعت تلبيتُه أيضًا‏.‏

باب‏:‏ مَنْ بَاتَ بِذِي الحُلَيفَةِ حَتَّى أَصْبَح

فكأنه من المُستَحَبَّات، ولم يعدها الحنفية مُستحبًا‏.‏

باب‏:‏ رَفعِ الصَّوْتِ بِالإِهلال

والرفعُ مطلوبٌ بشرطِ التحرُّزِ عن الإِفراط‏.‏

1548- قوله‏:‏ ‏(‏سمعتهم يصرخون بهما جميعًا‏)‏، وهذا حالُ بعض الصحابة، وفيه حجةٌ للحنفية على ما لا يخفى‏.‏

باب‏:‏ التَّلبِيَة

واعلم أن الإِحرامَ عندنا قوليٌّ وفعليٌّ‏.‏ ونعني بالقوليَّ التلبية، فإِذا لبىَّ ناويًا‏.‏ فقد أحرم، وبالفعلي أن يسوقَ الهدْي ناويًا، فعلم أن المرء لا يصير مُحرمًا بمجرد النية، ما لم يقترن معها قولٌ، أو فعل مخصوص بالحج‏.‏ ثم لا يُشترط ذكر النسك أو النسكين في التلبية، بل كفى له النية‏.‏ وصرَّح علي القاري أنّه يُستحب الوقوفُ في كلمات التلبية في أربعة مواضع‏:‏ لبيك اللهم لبيك، لبّيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك‏.‏

والأفصحُ فيها‏:‏ «إن» بالكسر، كما هو مروي عن محمد، ورُوِي عن أبي حنيفة الفتح‏.‏ وهو مخالفٌ للذوق، فاغتممتُ لها حتى رأيت في «الكشاف» أن فيه روايتين عنه- الفتح، والكسر- فعلمتُ أن الفتحَ محمولٌ على الجوازِ، والكسرَ على الاختيار؛ وحينئذ زال الاضطراب‏.‏ والأولى أن لا يزيدَ على تلك الكلمات، وإن أبى إلا أن يفعَلَها، ففي آخرها، كما رُوِي عن ابن عمر‏.‏

باب‏:‏ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، قَبْلَ الإِهْلالِ، عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّة

باب‏:‏ مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَة

باب‏:‏ الإِهْلالِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة

ولا يمنعُ الحاجُّ عن الأذكار كلها، وإن كان الفضلُ في الوظيفةِ الوقتية، وهي التَّلبية‏.‏

1551- قوله‏:‏ ‏(‏ثم أهل بحج وعمرة‏)‏، وفيه حجةٌ صريحة للحنفية‏.‏

1551- قوله‏:‏ ‏(‏وأهل الناس بهما‏)‏، وفيه توسع‏.‏ والمعنى أنَّهم أهلُّوا بهما، ولو بتخلُّلِ حِلَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحر النبي صلى الله عليه وسلّم ، واعلم أن بَدَنات النبي صلى الله عليه وسلّم التي كان أهداها ثلاثٌ وستون؛ وجاء عليٌّ بسبعٍ وثلاثين، فتلك مئة‏.‏ والنُّكْتة في العدد المذكور أنَّ ذلك كان عُمُر النبي صلى الله عليه وسلّم فأهدى من كل سنة بَدَنة، ولعل عليٌّ نحر منها ثنتين وثلاثين، وأظن أن ذلك عُمُره، بقيت منها خمس، فنحرها النبي صلى الله عليه وسلّم في وقت آخر، وهي التي ذكرها الراوي ههنا‏.‏ وحينئذٍ لا حاجةَ إلى إعلال رواية أبي داود‏:‏ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم نحر خمسًا منها، فإِنها كانت من بَقَايا هَدَايا عليَ، نحرها في مجلس آخر‏.‏

1551- قوله‏:‏ ‏(‏وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين‏)‏، وهذه قِطعة من حديث آخر في الأُضحية، ولا تعلقَ لها بحديثِ الحج‏.‏

باب‏:‏ التَّلبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ في الوَادِي

1555- قوله‏:‏ ‏(‏مكتوب بين عينيه‏:‏ كافر‏)‏، تردد الشيخُ الأكبر في صورة ما يكون بين عيني الدَّجَال، هل هي بصيغة الماضي أو بصيغة اسم الفاعل‏؟‏ قلتُ‏:‏ وفي تلك الرواية دليل الثاني‏.‏

1555- قوله‏:‏ ‏(‏وأما موسى‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والسرُّ فيه أنه عليه الصلاة والسلام لعله لم يحجّ في حياته، وكذا عيسى عليه السلام، ولذا يحجُّ بعد نزوله‏.‏ وقد ثبت حج أكثر الأنبياء عليهم السلام‏.‏ ثم تلك الوادي هي‏:‏ الأزرق‏.‏

واعلم أنهم اختلفوا في تحقيقِ نسبة الدنيا مع الآخرة، فقيل‏:‏ كنسبة الروح مع البدن، وليست كنسبة الدرة بالحقة، ولا كنسبة أحد المنفصل بالمنفصل الآخر‏.‏ وقيل‏:‏ كنسبة الشجرةِ بالبَذْر، فتنشقُّ الدنيا عن الآخرة، كما ينشقُّ البَذرُ عن الشجرة‏.‏ وعندي نسبتُها كنسبة الظاهر بالباطن، والغيب إلى الشهادة، فإِذن لا فرق بحسَب العالم والحيِّز، بل باعتبار النظرِ والبصر‏.‏ فلو قوي البصرُ الآن لرأى الآخرة والنار والجنة، ولكن الأبصارَ عامةٌ ضعيفة، فلا ترى ما يراه حديد البصر‏.‏ فالأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام يرون الجنة والنار في حياتهم أيضًا‏.‏ أما العوام فسيرونَها بعد الحشر حتى يصير البصرُ حديدًا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ‏}‏ ‏(‏قلله‏:‏ 22‏)‏‏.‏

باب‏:‏ كَيفَ تُهِلُّ الحَائِضُ وَالنُّفَسَاء

واعلم أنَّ الحُيَّضَ والنُّفَسَاء لسنَ بمحجوراتٍ عن شيء من مناسك الحج غيرَ الطواف، والسعي‏.‏ أما الطوافُ، فلكونه في المسجد؛ وأما السعيُ فلكونه مترتبًا عليه، فعليهن أن يغتسلنَ لدفعِ الأذى، وتحصيلِ النظافة، وتخفيف النجاسة، ثم يفعلن كما يفعل الحاج، غير أنهنَّ لا يَطُفنَ بالبيت‏.‏ ومن ههنا تبين نوع آخر من الغُسل، وهو ما لا يفيدُ الطهارةَ غير النظافة، فلا يُباح لهنَّ بهذا الغُسل مسُّ المصحف وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما أهل لغير الله به‏)‏، وراجع الفرق بينه وبين قوله‏:‏ وأهلّ به لغير الله من «تفسير ابن كثير»‏.‏

1556- قوله‏:‏ ‏(‏فأهللنا بعمرة‏)‏، هذا حال المتمتعين فقط، لا حالُ الجميع‏.‏

1556- قوله‏:‏ ‏(‏انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة‏)‏، قال الشافعية‏:‏ إن أم المؤمنين عائشة كانت قارنةً، فَوَرَدَ عليهم الامتشاط‏.‏ فقالوا‏:‏ إنه محمولٌ على الامتشاط بالتخفيف، بحيث لا يؤدي إلى نقض الأشعار، وكذا أوّلوا قوله‏:‏ «ودعي العمرة»، وقالوا‏:‏ معناه‏:‏ اتركي أفعال العمرة لا إحرامها‏.‏ وقال الحنفية‏:‏ إنها كانت معتمرة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلّم حين حاضت أن تخرجَ من عمرتها، وتفعل ما يفعلُه الحلال، فأمرها بالامتشاط، فهو صريح في نقض الإِحرام‏.‏ ومما يدلُّك على أن الامتشاطَ عندهم كان معهودًا للإِحلال، ما أخرجه البخاري عن أبي موسى في الباب التالي، قال‏:‏ «فأحللتُ، فأتيت امرأةً من قومي فَمَشَطَتْني»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فإن كان امتشاطُه للإِحلال، فكذلك امتشاطُ عائشة، وحملُه على غير ذلك تكلُّفٌ بارد‏.‏ ومما يدل على رفضِ عمرتِها، أمرُ النبي صلى الله عليه وسلّم إياها بعد الفراغ عن الحج، أن تعتمرَ عمرةً أخرى مكان المفروضة‏.‏ وحملَه الشافعية على أن أمره كان لتطييب خاطرها، وسيجىء الكلام‏.‏

1556- قوله‏:‏ ‏(‏وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة‏)‏، وسيجىء ما لَه وما عليه عن قريب‏.‏

باب‏:‏ مَنْ أَهَلَّ في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم كَإِهْلالِ النبي صلى الله عليه وسلّم

قيدُ «في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم اتفاقيٌّ وليس مَحَطًا للحكم‏.‏ ومُحصَّلُ كلامه تحقيقُ التعليق في الإِحرام، أي إذا أهلَّ كإِهلال فلان هل يصيرُ بذلك مُحرمًا أو لا‏؟‏ فنسب النووي إلينا‏:‏ أنه لا يكون محرمًا عندنا، وهو سهوٌ، فإنَّه يصح عندنا، غيرَ أنه يجبُ عليه أن يعين إحدى العبادتين‏:‏ الحج، أو العمرة، قبل الدخول في الأفعال‏.‏ والنووي لم يحقق مذهبَ الحنفية، حتى أظن أنه غَلِطَ في نقل مذهبنا في نحو مئة مسألة‏.‏ بخلاف الحافظ ابن حجر، فإِني لا أذكر خطأه في ذلك إلا في مسألة- من باب الزكاة- وعند الشافعية يصيرُ محرمًا بعين ذلك الإِحرام‏.‏ فالفرق بيننا وبينهم أنه يصيرُ بالتعليق محرِمًا بأصل الإِحرام عندنا، فله أنْ يُعيِّن قبل الدخول ما شاء، وعندهم يصيرُ محرمًا بعين ذلك الإِحرام‏.‏ وتمسكوا بإِحرام علي، قلنا‏:‏ فماذا تقولون في إحرام أبي موسى، فإِنه كان أهلَّ كما أهلَّ به علي، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يُحل‏؟‏ وأما عليٌّ فإنَّما لم يأمُرْه النبي صلى الله عليه وسلّم به لمكان الهَدْي عنده‏.‏

1558- قوله‏:‏ ‏(‏لولا أن معي الهدي لأحللت‏)‏ فيه دَلالة على أن المانعَ من إحلاله صلى الله عليه وسلّم لم يكن إحرامه للقِرَان، كما قلنا، بل كان وجودَ الهَدْي، وهو المنقولُ في عذرِ عدم إحلاله صلى الله عليه وسلّم عامة‏.‏ والمناسبُ على نظر الحنفية أن يقول‏:‏ لولا أني جمعت بين الحج والعمرة لأحللت، فإنَّ المؤثّرَ حقيقةً عندنا هو إحرامُه للقِرَان، فإنَّه لو لم يكن ساق الهَدْي لما أحلَّ أيضًا‏.‏

والجواب‏:‏ أنه اعتذرَ بالسَوْق، ليتَّضحَ عذرُه لمن لم يكن أهدَى، ليعلموا أنه منَعَه عن الإِحلال الهَدْي، ولا شك أنَّ له مدخلا أيضًا، وأنه لولاه لوافَقَهم في الحِلِّ‏.‏ ومن ههنا ظهر الجواب عما تمسك به الحنابلة، حيث قالوا‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلّم وإن كان قَارِنًا، لكنه تمنى أنْ لو كان متمتعًا، ولا ريبَ أنَّ الفضلَ يكونُ فيما تمناه، وذلك أنه تمنى التمتعَ ليكون موافِقًا لهم في الإِحرام، فلا يَعسُرُ عليهم الحِلُّ في البيْنِ، لا لكونه أفضلَ عنده، فقم بالفرقِ بين المقامين، ولا تعجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمر‏:‏ أن نأخذ بكتاب الله، فإنه يأمرنا بالتمام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏)‏تفرَّق الناسُ في بيان مرادِ عمر‏.‏ وتقرير كلامِهِ على آراء‏.‏ فقال قائل‏:‏ إنه كان ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة، كما هو مذهب الجمهور، فإنَّه كان مخصوصًا بتلك السنة، كما يدل عليه ما رُوي عن أبي ذر، عند مسلم‏:‏ «أنه كان خاصًا بذلك العام، ولم يكن للأبد»‏.‏ وأجاز أحمد لمن بعدَه أيضًا‏.‏ وشدد فيه الحافظ ابن تيمية وتلميذه، فاختارا الوجوب، حتى ذَكَر أن الحجَّ ينفسخُ إلى العمرة بمجرد رؤية البيت، أراد أو لم يرد‏.‏

وهذا كما قال ابن تيمية في شرح قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم»، أي حُكمًا من جهة الشرع، سواء أفطرَ أو لم يُفطر، فكذلك الحاجُّ إذا دخل مكة شرَّفَها الله تعالى، ووقع بصرُه على البيت، فقد انفسخَ حجُّه وصار عمرةً‏.‏ وحينئذٍ فتقريرُ كلامه أن الله تعالى يأمرنا بالتمام، أي بعدم فسخ الحج، على خلاف مذهب أحمد‏.‏ وهذا هو الذي فهمه أكثر الشارحين وذهب جماعةٌ‏:‏ منهم النووي، أنه كان يَنهى عن القِرَان والتمتع، وكان يأمرُهم بالإِفراد، وحينئذٍ فمحطُّ الإِتمام النهيُ عن هذين، كأنه رآهما خلافَ الإِتمام‏.‏

قلتُ‏:‏ والذي ظَهَر لي أن الأمر ليس كما فهمه الشارحون، ولا كما زعمه النووي، بل أراد عمرُ أنْ لا يصيرَ البيتُ مهجورًا، فإِن في القِرَان والتمتُّع أداءً للنُّسُكين في سفرٍ، سواء تحلل في البين أو لا‏.‏ وذلك يوجبُ أن لا يتردد الناسُ إليه بخلافهم في الإِفراد، فإنَّه يجبُ عليهم العوْدُ إليه ثانيًا للعمرة، فأحبَّ أن يزارَ البيتُ مرةً بعد أخرى‏.‏ وحينئذ فتقرير كلامه، حسَبَ مُرَامه، ما ذكره عبد الله ابن عمر، عند الطحاوي، قال‏:‏ «إتمام العمرة أن تُفْرِدُوها من أشهر الحج، والحج أشهرٌ معلومات، فأخلِصُوا فيهنَّ الحجَّ، واعتمروا فيما سواهُنَّ من الشهور»، فأراد عمر بذلك تمامَ العمرة، لقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ اه‏.‏ وعلى هذا، معنى الإِتمامُ أنْ لا يعتمرَ في أشهر الحج، وأن يفصِل بينهما، كما عند الطحاوي عن عمر‏:‏ «أُفْصلُوا بين حجكم وعمرتكم‏.‏ فإنَّه أتمُّ لحجكم، وأتمُّ لعمرته أن يعتمرَ في غير أشهر الحج»‏.‏ اهـ‏.‏

ثم اعلم أن الإِفراد على نوعين‏:‏ الأول ما هو المشهور‏.‏ والثاني‏:‏ ما ذكره محمد في «موطئه»‏:‏ وهو الإِفراد في السفرين‏.‏ ولا ريب أنَّ الثاني أفضلُ من القِرَان، صرح به محمد، ولم يَنْقل فيه خلافًا عن الشيخين، فهو المذهب عندي‏.‏ أما الخلاف في المفاضلة بين الإِفراد والقِرَان والتمتع، فهو بمعناه المشهور، أما في المعنى الذي ذكرناه، فلا خلاف فيه، وهذا الذي أحبَّهُ عمر، وأراده من إفراد الحج، ولا خلافَ فيه لأحدٍ، كما علمت هذا في نهيه عن القران‏.‏

بقي نهيُه عن التمتع، فلعله كان مفضولا عنده، لأنه يوجبُ التحلُّل في البين، مع أن المطلوبَ تمادي الإِحرام‏.‏ وهذا هو الذي كرهه الصحابة حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتحلَّلوا ويفسخوا حجَّهم إلى العمرة، كما يدل عليه قولهم عند مسلم‏:‏ «ومَذَاكِيرُنا تقطر المنيَّ» أي كيف نتحللُ، ونجامعُ نساءَنا، ونحن على شرف الحج، فأيُّ حلَ هذا‏؟‏ فالكراهة لهذا، لا كما ذكره الشارحون، كما يدل عليه ما عند مسلم، والنسائي فقال عمر‏:‏ قد علمت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد فعله، ولكن كرهتُ أن يظلوا معرِّسين بهنَّ في الأرَاك، ثم يَرُوحوا بالحج تقطُرُ رؤوسهم‏.‏

وبالجملة‏:‏ نهيُه عن التمتع كان لكراهةِ الحِلِّ، وانقطاع الإِحرام، وحينئذٍ فتقريرُ كلامه ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي لا تُحِلوا في البين، فعبَّر عن الحل في التمتع بعدم الإِتمام‏.‏

وصار الحاصل‏:‏ أن لا تمتعوا، لأنه يوجبُ انقطاعَ الإِحرام المستلزِمِ لعدم الإِتمام‏.‏ وتحصل من مجموع الكلام‏:‏ أن القِرَان والتمتعَ يوجبان تركَ الإِتمام‏.‏ أما القِرَانُ فلأن الإِتمامَ عبارةٌ عن إفراد الحج في أشهر الحج، والقرانُ يخالفه‏.‏ وأما التمتعُ، فلكونه موجِبًا للحل في البين‏.‏ فإن قلتَ‏:‏ فلم أمر النبي صلى الله عليه وسلّم آلافًا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالتحلل مع كونه مكروهًا‏؟‏ قلتُ‏:‏ ردًا لأمر الجاهلية، وتشريعُه عَمَلا، وتوكيدُه فعلا وقولا، فإنَّه كان أواخِرَ أوانِهِ في الدنيا، فأراد أنْ يجعلَ شعائرَ الجاهليةِ كلَّها تحت قدميه، ويَرى الناسُ عِيَانًا أنَّ التمتعَ جائزٌ في أشهر الحج، وليس كما تزعُم العرب‏:‏ أن العمرةَ فيها من أفجرِ الفجور‏.‏ ثم استقر اجتهاد عمر رَضي الله تعالى عنه على فضل الإِفراد، كما مر تقريره‏.‏

والذي يفيدُ ثلجَ الصدر في هذا المقام، أن عمر لم يكن ينهى عن القِرَان‏.‏ وما رواه الطحاوي عن ابن عباس، قال‏:‏ يقولون‏:‏ إن عمر رضي الله تعالى عنه نَهى عن المُتعة، قال عمر‏:‏ لو اعتمرتُ في عام مرتين، ثم حججتُ لجعلتها مع حجَّتي‏.‏ اهـ‏.‏ أي لو وقع في نفسي أنْ أعتمرَ عُمرتين، لجعلت إحدَاها مع حجتي، فأحرمت بالقِرَان، وهذا صريح في كون القِرَان أحبُّ عنده من الإِفراد في سفر‏.‏

ثم الظاهرُ أن نهي عثمان أيضًا كان من هذا القبيل‏.‏ ولا نرى به أن يكونَ نهيٌ عن أمرٍ قد فعله النبي صلى الله عليه وسلّم كيف وأن عليًا لم يتَّبِعْه في ذلك، وأبى إلا أنْ يفعلَ ما رآه النبي صلى الله عليه وسلّم يفعله‏.‏

ثم اعلم أنَّ العمرةَ عندنا سنةٌ في المشهور، وفي قول‏:‏ واجبةٌ‏.‏ ويردُ على الأول أنَّ النصَّ لم يفرق بين الحج والعمرة، وأمر بإِتمامهما‏.‏ وأجيبَ أنَّ المأمورَ به الإِتمامُ بعد الشروع، ولا خلاف فيه، فإنَّها تجبُ عندنا بعد الشروع مطلقًا، وهو حكم سائر التطوعات‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 197‏)‏

هذا الباب في الميقاتِ الزماني، كما أن الباب السابق كان في الميقات المكاني‏.‏ وهي عند فقهائنا‏:‏ شوال، وذو القَعدة، وعشرُ ليالٍ من ذي الحجة‏.‏ فمن وقفَ ليلةَ النحرِ بعرفة، فقد أدرك الحجّ ومن فات عنه الوقوف من تلك الليلة أيضًا، فقد فات عنه الحج، ولذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ‏}‏، ولم يقل‏:‏ فمن حج فيهن، فإنَّ افتراضَ الحجِّ يتلعقُ بهنَّ فقط، وإن كان بعضُ المناسكِ، كالرمي وغيره، بعد تلك العشر أيضًا‏.‏

والمراد من العشرةِ عند الشافعية عشرةُ أيامٍ‏.‏ وقد مر أنَّ المرادَ عندنا الليالي‏.‏ وأما عند مالك، فذو الحِجة بتمامها، وهو ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَشْهُرٌ مَّعْلُومَتٌ‏}‏ فإنه أقلُّ الجمع، ولعله أخَذَها بتمامِهَا لكون الأضحية تصحُّ عندَه، إلى آخر الشهر‏.‏ فلمّا بقيَ بعضُ أحكامِهِ إلى آخر الشهر، اعتبر كلَّ الشهر من أشهر الحج‏.‏

قيل في توجيه الجمع على مذهب الجمهور‏:‏ إن معناه الحج في أشهرٍ معلوماتٍ، فلم يقتض الاستيعابَ فرقًا بين حذف «في»، وذكرها، كما ذكروه في قوله‏:‏ أنت طالقٌ غدًا، وفي غدٍ‏.‏ ثم إن قول ابن عمر‏:‏ عشر من ذي الحِجة، بدون التاء، يوافقنا‏.‏ ولو كان المراد به الأيام لأتى بالتاء، قال تعالى‏:‏ ‏{‏سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَنِيَةَ أَيَّامٍ‏}‏ ‏(‏الحاقة‏:‏ 7‏)‏ ثم إن الرَّفَثَ والفسوقَ، وإن كان ممنوعًا في سائر الأيام، غير أنه في تلك الأيام أشد، كذا في «المدارك»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ من السنة أن لا يُحرِم بالحج إلا في أشهر الحج، وهي مسألة كراهيةِ تقديمِ الإِحرام على الميقات الزماني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقِصَّتُه أنَّ عامِلَه كان نذر لئنْ فتحَ اللهاُ عليه كَرْمان ليحجنَّ إلى بيت الله محرِمًا، ففتح اللهاُ تعالى له فأوفى بنذره، وأحرم من كرمان، فَعَاب ذلك عثمان، وقال‏:‏ «إنك جاهدت في سبيل الله وغزوت، ثم صَغَّرْت أمر الحج»، ومراده أنك أحرمتَ من بُعدٍ بعيد، وما خشيت الجنايات في الحج‏.‏ وحينئذٍ تبين لي أن نهيَه إنما كان من أجل مخافة الجنايات، وراجع «الأسماء والكنى» للدُّوْلابي‏.‏ وحرر ابن أمير حاج أنَّ التمتعَ قد يفضُلُ القِرَان بالعوارضِ، كما في هذه القِصة، فإنَّ المتمتعَ يُحِلُّ بعد العمرة، فيأمنَ عن الجِنَايات، بخلاف القارن، فإنَّه التمادي إحرامه لا يأمنُ عنها‏.‏6

والاحترازُ من الجناياتِ أحبُّ من لتمادي في الإِحرام‏.‏

1560- قوله‏:‏ ‏(‏فنزلنا بسرف، قالت‏:‏ فخرج إلى أصحابه، فقال‏:‏ «من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل»‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم خيَّرهم في أول أمرِهم، ثم أمرَهم ثانيًا قبل شروعهم في الأفعال حين بلغَ مكةَ شرَّفها الله تعالى، فلم يعمل به أحدٌ منهم، فلما رآهم امتنعوا عنه غَضِبَ عليهم، وعزمَ عليهم حين صعد المروةَ‏.‏ وإنما غضبَ عليهم لأنهم أَبَوا أنْ يأتوا بما كان أمرَهم به، وتنزَّهُوا عن رخصتِهِ‏.‏ وفي مثله وردَ الغضبُ‏.‏

كما وقع في بعض من أرادوا أن يمتنِعُوا عن النكاح، ويخرجوا إلى الصُّعُدات، فقال لهم‏:‏ «أنا أخشاكم لله وأتقاكم»، وكما غضب على من صام في السفر، فقال‏:‏ «ليس من البر الصيام في السفر»، وكما غَضبَ على أمهاتِ المؤمنين في الاعتكاف، حين رأى خيمتين في المسجد، فقال‏:‏ «آلبِرَّ تُرِدْنَ‏؟‏»‏.‏ فقد يحل الغضب على ترك الرخصةِ أيضًا، فإنْ قلتُ‏:‏ كيف يلتئم قوله في هذه الرواية‏:‏ «فالآخذ بها والتارك لها»، مع ما ورد في بعض الروايات‏:‏ «لم يعمل به أحد»‏؟‏ قلتَ‏:‏ كانت تلك معاملة ألوفٍ من الصحابة، وفي مثلها تأتي الاعتبارات كلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يقدروا على العمرة‏)‏ أراد بها العمرةَ المنفصلةَ عن الحج، بحيث يتخلل الحِلُّ بينهما، وإلا فلا ريبَ أنَّ القارنين كلهم قد أتوا بأفعال العمرة‏.‏

وتوضيحه‏:‏ أنَّ الرواة إنما يعتدون بالعمرة التي يعقُبُها الحل، وما لا حلَّ بعدها لا يعبرونَ عنها بالعمرة، لكونها غير معتدَّةٍ عندهم، وذلك لأن العمرة إذا صادَفها الحلُّ تميزت عن الحج حِسًا، بخلاف ما إذا لم يصادفها حِلٌّ، فإنَّها لا تتميزُ عنه كذلك، وإن كانت معتبرةً عند الفقهاء، فإنها إذا تميزت عن الحج بحلَ، لم يسع لهم إخمالها، وإذا لم تتميز جاز لهم أن يغمِضُوا عنها في العبارة، وهو الملحَظُ في قولهم‏:‏ «إنهم طافوا طوافًا واحدًا»، لأن طوافَهم للعمرة إذا لم يتميز عن طوافِهم للحج بحلَ في البيْنِ، لفُّهوهما في عبارة واحد، وعبَّرُوا عنهما بطوافٍ واحدةٍ‏.‏ وقد مر غير مرة أن الرواةَ يعتبرون بالحِسِّ، ولا بحثَ لهم عن الأنظار المعنوية، على عكس أنظارِ الفقهاء، فإنَّ موضوعَهم كشفُ الملاحظ‏.‏

1560- قوله‏:‏ ‏(‏فمنعت العمرة‏)‏، قد علمتَ الخلافَ بيننا وبين الشافعي في إحرام عائشة، فإنَّها كانت معتمرةً عندنا، وقارنةً عندهم، وأنها كانت رفضتْ عمرتُها عندنا، ولم ترفض عندهم‏.‏ ويؤيدنا اللفظ المذكور، وكذا قوله صلى الله عليه وسلّم لها‏:‏ «كوني في حجتك»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقوله صلى الله عليه وسلّم «عسى الله أن يرزقكيها»، وقوله‏:‏ «هذه مكان عمرتك»، وقوله‏:‏ «وهي عمرتك وانقضي رأسك، وامتشطي»، وكذلك قول عائشة‏:‏ «لم أطف بين الصفا والمروة»، تشكو حُزنها وبثَّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك قولها‏:‏ «يرجع الناسُ بحجةٍ وعمرةٍ، وأرجع بعمرة فقط» ففي كلها آياتٍ بيناتٌ، على أنها لم تأت بأفعال العمرةِ، ولكنها أفردتْ بالحج، ثم أتت بالعمرة قضاءً مما كانت رفضتها، وأنَّ طوافها للحج لم يُحسَبْ عن طوافها للعمرة‏.‏ فإن قلنا‏:‏ إنها كانت قارنةً، وأن طوافها للحجِّ حُسِبَ عن طوافِها للعمرة، كما يقول الشافعي بتداخل العمرة في الحج، لما كان لهذه الأقوال معنىً صحيح‏.‏

فالعجبُ أنَّها تبكي، وتشكو بثَّها، وتُظهِرُ جَزَعها لعدم عمرتِها، وتضطربُ لفواتها، ثم لا يقول لها النبي صلى الله عليه وسلّم ما هذا الاضطراب، وما هذه الشكوى، فإنَّ عمرتَك قد أديت في الحج، مع أنها ألحت عليه ثلاث مرار في سَرِفٍ، وفي مكة قبل الطواف، وفيها بعد الحجِّ عند العزمِ بالرجوع، ومع ذلك لم يُعْلمها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أنَّ القارنَ لا يحتاج إلى الاعتمار مستقلا‏.‏

ثم العجب من مثلِ عائشة رضي الله عنها، أنها اضطربت لأمرٍ لم يفعلْه النبي صلى الله عليه وسلّم أيضًا، وإنما كان هذا محلُّ افتخارٍ وابتهاج، أنها وافقت النبيَّ صلى الله عليه وسلّم في الأفعال، فإنْ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم طاف لهما طوافين، ولم يسع سعيين، فعلى أي أمرٍ كانت تتحسَّر‏؟‏ أعلى أمرٍ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدل على أنَّها كانت ترى الناس فائزين بالطوافين، كما نطقت به أيضًا، حيث قالت‏:‏ «يرجع الناس بحجةٍ وعمرة»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ونفسها خائبةً عن إدراك طواف العمرة، فتحسرت لذلك‏.‏

ولأجلِ ذلك أمرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بعد الحج أن تعتمرَ من التَّنْعِيم، تلافيًا لما فاتها، وجبرًا لانكسارها، ولو كان المقصودُ منه تطييبُ خَاطِرِها فقط، لما احتاج إلى هذا التطويل، واكتفى بتعليمِ المسألة إياها فقط، أو بإِخبارها عن نفسه أنه لم يؤد أفعالها مستقلة أيضًا‏.‏ ولو أخبَرَها أنه لم يَطف للعمرة أيضًا، كما أنها لم تطف لها لطابتْ نفسًا، ولآثرت موافقتها إيَّاه في الأفعال على ألف عمرة، ولم يرفع إليها رأسًا أصلا، فهذه قرائن أو دلائل على أنها كانت مفردةً قطعًا، ولم تكن قارنةً إن شاء الله تعالى‏.‏

باب‏:‏ التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفرَادِ بِالحَجِّ، وَفَسْخِ الحجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي

أحال الفصل على الناظرين‏.‏

1561- قوله‏:‏ ‏(‏لا نرى إلا الحج‏)‏، مع أنها قالت من قبل‏:‏ «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم حَجَّة الوداع، فأهللنا بعمرة، كما مر في‏:‏ باب كيف تهل الحائض، وكلاهما صحيحان‏.‏ فإنها كانت تريدُ الحجَّ بعد العمرة، أو قولُها‏:‏ «لا نرى إلا الحج»، بيانٌ لحالهم إلى ذي الحُلَيفة، فإذا بلغوا ذا الحُلَيفة افترقوا على أحوال‏.‏ على أنَّ الحصر فيه بالنسبة إلى الأفعال الأخر، لا بالنسبة إلى التمتع والقِرَان، أي ما كنا نريد الدنيا وزينَتَها، إنَّما كنا نريدُ الحج، لأنَ الموسم كان له، وهذا عرفٌ جيد، وهو العرفُ في الهند، فإنَّ الناس إذا خرجوا لزيارة البيت لا يقولون إلا‏:‏ إنا نريد الحج، وإن كانت من نيتهم العمرة، أو القِرَان، أو الإِفراد، فكأن الحج عندهم في مرتبة المقْسَم، والتمتع وغيره من أقسامه‏.‏ أو لكونه متبُوعًا، والعمرة تابعة له‏.‏

1561- قوله‏:‏ ‏(‏فلما قدمنا تطوفنا بالبيت‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، بيانٌ لحال سائر الصحابة رضي الله عنهم، لا لحال نفسها، فإنَّها كانت حائضةً، لم تَطُف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة‏.‏ وهو كحديث أبي هريرة في قِصة ذي اليدين‏:‏ «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وإنما أراد به صلينا نحن معاشرَ المسلمين، ولم يرد نفسه، فإنه أسلمَ السنةَ السابعة، وقِصة ذي اليدين متقدِّمة، كما ذكرها الطحاوي‏.‏ ثم إن في قوله‏:‏ «فلما قدمنا»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، دليلٌ على أن هذا الطوافَ كان طوافُ العمرة، لا طوافَ الحج، وكذا في قوله‏:‏ «وما طفت ليالي قدمنا مكة»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أيضًا دليلٌ على أنها لو أتت به في تلك الليالي لكان لها عمرةٌ كما كانت لسائر الناس، ولَمَا احتاجت إلى قضائها بعد الحج، وهذا استنباطٌ مني، واستحسنه مولانا وشيخنا، شيخ الهند‏.‏

1561- قوله‏:‏ ‏(‏أو ما طفت يوم النحر‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، يدل على أن طوافَ الصَّدَرِ سقط بالعذر‏.‏

واعلم أنَّ الحنفية قالوا‏:‏ إنه لا فرق بين الواجب والفرض عملا، وليس بصواب عندي، لتطرُّقِ الأعذار إلى الواجبات دون الأركان، كما رأيت في طواف الصَّدر، فإنه يسقطُ لعلة الطَمْث، ولا تكون جناية، ولو كان ركنًا لما سقط، ولوجَبَ عليها أن تنتظرَه حتى تطهُرَ، فتأتي به، فظهر الفرقُ بينهما عملا أيضًا‏.‏ وهكذا قال أرباب الفتاوى‏:‏ إنه لو سها في العيدين، أو صلاة الخوف تسقطُ عنه سجدة السهو‏.‏ وتردد صاحب «الدر المختار» فيما إذا وجب عليه السهو وطلعت الشمس قَبْله‏.‏ وعندي يسقطُ عنه، فالواجباتُ تسقطُ عند الأعذار، بخلاف الأركان ‏(‏مصعد‏)‏ أي ذاهبٌ إلى خارج البلد، والهبوط ضده، أي الدخول في البلد‏.‏

1562- قوله‏:‏ ‏(‏فمنا من أهلّ بعمرة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أراد به من حَلُّوا بعد عمرتهم، لأنه ذكرهم في مقابلة القارنين، وأنهم لم يحلوا‏.‏

1562- قوله‏:‏ ‏(‏ومنا من أهل بالحج‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، صريح في أنه كان منهم مفرِدُون أيضًا‏.‏ وأنكر ابن تيمية أن يكون في تلك السنة مفردٌ، فحكم عليه بالوَهَم من رأيه فقط‏.‏

1562- قوله‏:‏ ‏(‏وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحج‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أنَّ المدارَ فيه على النية فقط، ولا يجب التلفظ بما نوى في التلبية أيضًا، فيصح للقارِنِ أن يكتفيَ في تلبيتِهِ بالحج، والنية لا تُعلم إلا بالبيان من قِبَلِه‏.‏ وحينئذٍ لا إشكال في بيان الأحوال المختلفة‏.‏ وقوله فيما يأتي‏:‏ «ولم تحلل أنت من عمرتك»، صريح في كونه قارنًا، ودلَّ أيضًا دَلالة لطيفة على أنَّه كان أتى بأفعال العمرة، إلا أنَّه لم يكن تحلل بعدها، وإلا لكان المناسب أن يقول‏:‏ ولم تحلل أنت من عمرة، بدون الإِضافة، والإِضافة تدلُّ على أنها كانت، ثم لم يكن بعدها حِلٌّ‏.‏ وفي مثله وصيةٌ عن عبد القاهر في «دلائل الإِعجاز» يأخذ على شعر المتنبي‏:‏

عجبًا له حفظ العنان بأنمُلٍ *** ما كفها الأشياء من عاداتها

فإنَّ المقام مقام النفي رأسًا، فينبغي أنْ تُحذف الإِضافة، لدلالتها على أن كف الأشياء، وإن لم تكن لها عادة، إلا أنها قد تفعله، فلا يناسبُ التعرُّض إلى المتعلقات في مقام النفي‏.‏ وهكذا في قوله‏:‏ «من عمرتك»، فإنَّ العمرةَ إذا كانت منفيةً رأسًا، ناسبَ أن يقول‏:‏ ولم تحلل أنت من عمرة، بقطعها عن الإِضافة‏.‏

واستشعره الإِمام الشافعي، فقال‏:‏ إن معناه إن الناس حَلُّوا، فلو اعتمرتَ لتحللت أيضًا‏.‏ كأنها تتمناه‏.‏ ونقل الحافظُ جوابَ الإِمام، ثم لم يفهمه، لأنَّ الإِمامَ في الذُّرْوَة العُليا من الفصاحة، ودَرْكُ مرادِه عسيرٌ، وبمثله قرروا في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 157‏)‏، ففيه دليلٌ على أنه كان هناك مقتولا، أو مصلوبًا غيره، وذلك لانصباب النفي إلى القيد‏.‏ وإلا فالأظهر أن يقال‏:‏ وما قتل وما صلب، فإنَّه يكفي لبيان نفي القتل عنه، فاعلمه‏.‏

1568- قوله‏:‏ ‏(‏واجعلوا التي قدمتم بها متعة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فأمَرَهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يفسخوا حجَّهم، ويُحرموا لعمرة، ثم يحرِمُوا بالحج يوم التَّروية‏.‏

باب‏:‏ مَنْ لَبَّى بِالحَجِّ وَسَمَّاه

وقد علمت فيما مر أن الواجبَ عندنا هو النية والتلبية، أما التسميةُ فهي جائزةٌ أيضًا‏.‏ ثم القَدْرُ الواجبُ من التلبية هو قوله‏:‏ لبيك بحجة، أو عمرة‏.‏ أما التلبية المأثورة فهي سُنةٌ‏.‏

باب‏:‏ التَّمَتُّع

1571- قوله‏:‏ ‏(‏فنزل القرآن‏)‏ أي نزلَ القرآنُ بجوازِهِ‏.‏ أو معناه لم يزلْ القرآن يتنزَّلُ بَعْدَه، ولم يتنزَّل فيه النهيُ عن التمتع‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 196‏)‏

باب‏:‏ الاغْتِسَالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّة

وغَلِطَ الكاتب ههنا- في النُّسخة المطبوعة بالهند- في الكتابة، فكتب‏:‏ «قال» بالخط الخفي، «وحدثنا» بالجلي، مع أنَّ المناسبَ أن يكتبَ «قال» بالجلي، لأنه مبدأ السَندِ، دون «حدثنا»، فتنَبَّه‏.‏

قال الحنفية‏:‏ إن ‏{‏ذلِكَ‏}‏ إشارةٌ إلى القِرَان، والتمتع، فلا قِرَان للمكي، ولا تمتُّع‏.‏ فإنْ قَرَنَ‏:‏ أو تمتع، اختُلِف فيه، فقيل‏:‏ يبطلُ قِرَانه، وكذا تمتعه‏.‏ وقال ابن الهُمام‏:‏ بل يُكره تحريمًا‏.‏ وقال الشامي‏:‏ يُكره القِرَان، ويبطُلُ التمتع‏.‏

قلتُ‏:‏ وهو الأوجه، كأن الإِلمام يتحققُ في التمتع، فيبطل، بخلاف القِرَان، فلا يبطل‏.‏ ثم اعلم أن الشيخ ابن الهُمَام قام دهرًا على أن المكيَّ لا عمرةَ له في أشهر الحج، سواءٌ أراد الحجَّ أو لا‏.‏ واتفقَ له في ذلك مناظرةً مع علماء مكة، ثم تبيَّنَ له بعد ثلاثين سنة أن الصواب مع الجمهور، أنَّ الكراهةَ للمكي فيما إذا أراد الحج من عامه ذلك، وإلا فلا بأس في العمرة في أشهر الحج، وكتبه على الهامش، ثم أدخله بعضُهم في الصُّلْب، ولعله من تلميذه العلامة قاسم‏.‏ وعند الشافعي قوله‏:‏ ذلك إشارة إلى الدم المذكور، واعترض عليه الحنفية أنَّ المناسبٍ حينئذٍ أنْ تكون «على» أي ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقد أجابوا عنه أيضًا‏.‏ ثم قال الحنفية‏:‏ إن المرادَ من الحاضرين هم الذين في داخلِ الميْقَات‏.‏ وقيل‏:‏ ساكني المسجد الحرام خاصة‏.‏

1572- قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ واعلم أنه ادَّعى الحافظ ابن القيم أنه لم يكن في حجة الوداع إلا سعيٌ واحد، ولم يثبت عن أحدٍ منهم أنه سعى سعيين، حتى المتمتعين أيضًا‏.‏قلتُ‏:‏ وفي هذه الرواية حجةٌ صريحةٌ لتعدد السعي للمتمتعين، وهو مذهبُ الجمهور‏.‏ ولابن القيم رواية عند أبي داود في باب إفراد الحج وفيه‏:‏ «فلما كان يوم التَّروية أَهلُّوا بالحج، فلما كان يوم النحر قدِمُوا فطافوا بالبيت، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وهو عند الطحاوي أيضًا متنًا وسندًا‏.‏ وهو عند مسلم أيضًا مختصرًا، وفيه‏:‏ «لم يطف النبي صلى الله عليه وسلّم ولا أصحابه إلا طوافًا واحدًا بين الصفا والمروة»، وحمله النووي على القارنين، وليس عليهم عند الشافعية إلا سعيٌ واحد‏.‏

قلتُ‏:‏ كيف حملَه عليهم مع التصريح بكونهم متمتعين‏؟‏ فالجواب‏:‏ إما بالترجيح، وهو لحديث البخاري قطعًا، وتركُ ما عند أبي داود، أو يقال‏:‏ إن الراويَ أرادَ من النفي في أبي داود نفيَ السعي جماعةً‏.‏ وهكذا يُستفاد من الأحاديث، فإنَّ معاملَتهم إلى جمرة العقبة كانت جماعة، ثم صارت إرسالا، فأدَّى كلٌّ منهم مناسِكَه، متى تيسر له‏.‏ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم «أني نحرتُ ههنا‏.‏ ومِنى كلها منحر، فلينحر كلكم أين شئتم»‏.‏ أو يُقال‏:‏ إنهم طافوا متنفلين بعد إحرام الحج، وسَعوا بعده، وإذن لا يجبُ عليهم السعي ثانيًا بعد طواف الإِفاضة، ويُحتمل أنْ يكونَ الطوافُ المذكور فيه طوافَ الصدر بعد طواف الزيارة، ولا سعي في طوافِ الصدر‏.‏

1572- قوله‏:‏ ‏(‏وأباحه للناس غير أهل مكة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فهذا ابن عباس يؤيدُ الحنفيةَ أنْ لا قِرَان للمكي ولا تمتع، وأن ذلك إشارةٌ إلى التمتع والقران كما قلنا، لا إلى الدم، كما اختاره الشافعي‏.‏

باب‏:‏ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيلا

باب‏:‏ مِنْ أَينَ يَدْخُلُ مَكَّة

باب‏:‏ مِنْ أَين يَخْرُجُ مِنْ مَكَّة

واعلم أنَّ باب مكة في الشرق، فكأنه فرضَ وجهها إلى جانب الشرق، وظهرها إلى الغرب‏.‏ والأدب في السلاطين أنْ يُدخل عليهم من جانب الوجه‏.‏ فاستحبُّوا للزائر أيضًا أنْ يَدخلَ مكة وهو يُواجهها، وهذا فيمن دخلها من كداء- ممدودة- لكونها في جانب الشرق، ويخرج من كُدي لكونها ظهرَ البيت، وهو في الغرب‏.‏ ثم الكَداء- ممدودة- أعلى مكة، وكُدي- مقصورة- أسفلَها‏.‏ والراوي قد يعكِسُ بينهما، ويقول‏:‏ وخرج من كُدي من أعلى مكة، مع كونها أسفلها، إلا أن يقال‏:‏ إن قوله‏:‏ من أعلى مكة، يتعلق بقوله‏:‏ من كَداء‏.‏

باب‏:‏ فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا

باب‏:‏ فَضْلِ الحَرَم

قوله‏:‏ ‏{‏وإذا جعلنا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قال السيوطي‏:‏ إن الظرف مفعول فيه، والأصلُ‏:‏ واذكر الحادث ‏{‏إِذْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وعندي تصلح ‏{‏إِذْ‏}‏ أنْ تقعَ مفعولا به أيضًا، أعني واذكر ‏{‏إِذْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وراجع لتفصيله «عقيدة الإِسلام في حياة عيسى عليه السلام»، فقد بسطته فيها حين تكلمت على قوله‏:‏ ‏{‏وإذ قال ااُ يا عيسى إني مُتَوَفِّيْكَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏(‏آل عمران‏:‏ 55‏)‏ ‏{‏وَأَمْناً‏}‏‏.‏ وفي «الجامع الصغير» للسيوطي‏:‏ «إن مكة تبقى أمنًا وعزيزًا إلى أن يذلها أهلها» بالمعنى ‏{‏وَاتَّخِذُواْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ بيان لركعتي الطواف ‏{‏وَالْعَكِفِينَ‏}‏ أي معتكفين، ولذا قلنا‏:‏ إن الاعتكافَ مختصٌّ بالمسجد‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن كَفَرَ‏}‏ عطفُ تلقينٍ ‏{‏وَإِسْمَعِيلَ‏}‏، وإنما فَصَلَه من إبراهيم، ولم يقل‏:‏ وإذ يرفع إبراهيم وإسماعيل، لكونه مُعِيْنًا له، وإنما كان يرفَعُ بنيانها إبراهين فقط؛ ‏{‏رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ‏}‏ أي قائلين‏.‏ قال الأَشْمُوْني‏:‏ لما أراد الله سبحانه حكاية الحال، نقله بعين اللفظ، ولم يقل‏:‏ قائلين ‏{‏رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ‏}‏، صريحٌ في إطلاق الإِسلام على من قبلنا أيضًا، وادّعى السيوطي اختصاصَه بهذه الأمة، ‏{‏وَمِن ذُرّيَّتِنَآ‏}‏ إنما جاء بحرف التبعيض، لعلمِهِ أنَّ كلَّهم لا يكون مسلمًا‏.‏

1582- قوله‏:‏ ‏(‏فخر إلى الأرض‏)‏، وقد مر البحث فيه‏.‏ واعلم أنَّ عبد الله بن الزبير لما استخلِفَ أراد أنْ يعيدَ بناءَ البيت إلى ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أرادَه، فنقَضَ البُنيانَ، وأرخى الثيابَ حول البيت ليعرِفَ الناسُ قبلتهم في الصلوات، فدل على أنَّ القِبلة هي الهواء، كما قال به الحنفية‏.‏

باب‏:‏ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيعِهَا وَشِرَائِهَا وَأَنَّ النَّاسَ فيمَسْجِدِ الحَرَامِ سَوَاءٌ خاصَّة

اختلف الحنفية والشافعية في أنَّ أراضي مكة موقوفةٌ أو مملوكة‏؟‏ فعندهم هي مملوكةٌ‏.‏ وقال الحنفية‏:‏ هي موقوفة من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام‏.‏ وأصلُ النزاعِ في أنَّ مكة فُتِحت عَنْوةً أو صلحًا، فإن كان عَنْوة، تعين كونُ أراضيها موقوفةً لكونها لم تُقسمْ بين الغانمين، وإن كان صُلحًا كانت مملوكةً لأهليها على الأصل، فيجوز فيها سائر التصرفات‏.‏

فقال الحنفية‏:‏ إنها فُتحت عَنْوة، واختار الشافعي أنها فُتحت صُلحًا‏.‏ وكنت أقضي العجبَ من مثلِ الشافعي كيف قال بالفتح صُلحًا، مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم غزا عليها، مع ألوف من الصحابة رضي الله عنهم، وقاتل أيضًا، وإن كان يسيرًا، فهل يُسمَّى مثلُه صُلحًا‏؟‏ ثم تبين لي أن الحال لما انتهى إلى الصُّلح- وإن كان بعد القِتَال- اعتبَرَه صُلحًا‏.‏

والحاصل‏:‏ أن الإِمام الهُمَام نظر إلى أول الحال، والإِمام الشافعي نظر إلى آخره، فلينظُر العلماء أنَّ العبرةَ في مثله بالحال الأول، أو الآخر‏.‏ ثم إن العلماء صرَّحوا أن السلاطين قد وَقَفُوها مِرارًا‏.‏ وإذًا لا يجوز بيعُها عند الشافعية أيضًا، فهي عندنا موقوفةٌ بوقفِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وعندهم بوقف السَّلاطين‏.‏

هذا في الأراضي، بقيت الدُّور، فالمذهب عندنا أنَّ البناءَ على الأرض الموقوفة مِلكٌ للمالك، نعم، يجري الخلافُ في الدور التي كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم وفي «الدر المختار» من باب الحظر والإِباحة‏:‏ أنه يجوزُ بيعُ دورِها وأراضيها‏.‏ قلتُ‏:‏ أما بيع الدور فكما قال، وأما بيع الأراضي فلا يجوز عندنا، على ما علمت من المذهب‏.‏ وراجع له «الجامع الصغير» لمحمد، فإنها موقوفةٌ عندنا‏.‏

وما رُوي عن أبي حنيفة أنه كان يَكْره إجارةَ البيوت في الموسم، فهي مسألةٌ أخرى، لا تدخل في هذا الباب، ولا تدل على وقْفِ الدور عنده، فإنها لرعاية الحاج، لأنه إذا كان عندك فضلُ بيتٍ، فالذي تقتضيه الفِطرة أنْ لا تؤجِرَها للحجاج، بل يُباح لهم فيها السكنى، وتُضِيْفُ زوَّار بيت الله‏.‏ وفي «الدر المختار» أنه كان يكره الإِجارة لقوله تعالى ‏{‏سَوَآء الْعَكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏ وفيه في باب الشفعة‏:‏ فصح بيعُ دورِ مكة، قلتُ‏:‏ فالإِجارة بالأولى، وراجع كلام الطحاوي من باب بيعِ دُور مكة، وإجارتها‏.‏ فقال‏:‏ لا يجوزُ بيعُها، وإجارتها‏.‏

قلتُ‏:‏ لم يقل الإِمام بالبطلان بل بالكراهة‏.‏ أما حال أراضيها فقد ذكره الطحاوي في باب فتح مكة، فقال‏:‏ فأما أراضي مكة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وذلك لأنه علم أنَّ مسألةَ الأراضي غير مسألة الدور، والإِجارة، فذكرها في باب آخر‏.‏ والحاصل‏:‏ أنَّ بيعَ دُورها وتوريثها جائزٌ عندنا أيضًا‏.‏

1588- قوله‏:‏ ‏(‏إن الذين كفروا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قلنا‏:‏ هذا في المسجد الحرام، فلا يتم حجةً علينا‏.‏ ولعل أبا يوسف يقول بجواز بيع الأراضي أيضًا‏.‏ أما المصنِّف فذكر الدّور، ولم يتعرض إلى الأراضي، فلعله اختار التفصيل الذي ذكرناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهل ترك عقيل‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أنه كان لأبي طالب أربعةُ بنين، فأسلم منهم علي وجعفر من قبلُ، وعقيل بعدهما، أما طالب فمات على الكفر‏.‏

فلما هاجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم هاجر معه عليٌّ، وجعفر، وبقي عقيلٌ بمكة، فباع جميع دُور بني هاشم‏.‏ واستدل منه المصنف على جواز بيع دور مكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم ينقض بيعه‏.‏

قلتُ‏:‏ وفيه نظرٌ، لأن بيعَ تلك وإن جاز في نفسه، إلا أنه لا يجوز غصبًا عند أحد‏.‏ وهذا عقيل قد بَاعه كذلك، فإنه باع في حياتهم، فلا يكون توريثًا بل غصبًا، وعدمُ تعرض النبي صلى الله عليه وسلّم يمكنُ أن يكون مروءةً‏.‏

ثم إن الشافعية كتبوا‏:‏ أن المهاجرين إذا كانوا يهاجرون من مكة لم يأخذوا من أموالهم شيئًا، وذلك لأنهم إذا تركوا الدار، تركوا ما اكتسبوا فيها من الأموال، فكأنهم رأوا أنَّ من تمامِ هجرتهم أن لا ينتفِعُوا من أموالهم أيضًا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين هاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

قلتُ‏:‏ ويعلم من قِصة حاطب بن أبي بَلْتَعة أنَّ الصحابَة رضي الله تعالى عنهم كانوا يحبون حماية أموالهم بمكة، ولذا أراد حاطِبُ أن تكون له يدٌ عليهم، إذ فاتته قرابته منهم، فكان من أمره كما في الحديث‏.‏ فهذا دليلٌ على بقاءِ قبضتهم على تلك الأموال، وحينئذٍ بيعُ عقيل ليس بصحيح، فالاستدلال في حَيِّز الخفاء‏.‏

باب‏:‏ نُزُولِ النبي صلى الله عليه وسلّم مَكَّة

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏(‏إبراهيم 35- 37‏)‏

1589- قوله‏:‏ ‏(‏بخيف بني كنانة‏)‏، أخذ المسألة من الإِضافة‏.‏

1590- قوله‏:‏ ‏(‏وبني عبد المطلب‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والصحيح بني المُطَّلب، والعبد سهوٌ‏.‏

1590- قوله‏:‏ ‏(‏يحيى بن الضحاك‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قال ابن مَعِين‏:‏ إن ابن الضحاك لم يسمع من الأوْزَاعي شيئًا، وإنما يروي من كِتَابه‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏

وتفسير القيام عند البخاري أنَّ البيتَ سببٌ لبقاء العالم، وقيامُه بمنزلةِ خيمةِ السلطان، تكون أولها نصبًا ونقضًا، فكذلك البيتُ ظهر أوَّلا، ثمّ يُنقض كذلك، وبنقضة تندكُّ الأرض، وتنفطِرُ السموات، فإنَّ رفعَ الخيمة يكونُ أَمارة للرحيل‏.‏ ومن ههنا ظهرت مناسبة حديث السُّوَيْقَتَيْن من الترجمة‏.‏ وذكر السيوطي‏:‏ أنَّ بين تخريب البيت والساعة مئة وعشرين سنة‏.‏

باب‏:‏ كِسْوَةِ الكَعْبَة

ويُعلم من الروايات أنَّ مَلِكًا كساها بثوبٍ كان نسيجُه من ذهب، وقد رآه بعض من التابعين أيضًا، ثم لا يُدرى أين ذهب‏.‏

باب‏:‏ هَدْمِ الكَعْبَة

واعلم أن وقعةَ الخسفِ متقدِّمةٌ، ثم واقعة ذي السُّوَيْقَتَيْن بعدها، فلا قلق‏.‏

باب‏:‏ ما ذُكِرَ في الحَجَرِ الأَسْوَد

وفي الروايات أنه يمينُ الله في الأرض، ووضعُ اليدين عليه يقوم مقامَ المُصَافحة، فلا بأس أن يكون أصلا للمصافحة باليدين، ثم إن تقبيله ثابت شرعًا، فيكن أصلا لتقبيل تبركات الصالحين‏.‏ وقَبَّلَ عمر بن عبد العزيز المصحف، وأباح أحمد تقبيلَ الرّوضة المُطَهرة، وتحير منه الحافظ ابن تيمية، فإنه لا يجوزُ عنده‏.‏ ثم إن الرفعَ عند الحجر الأسودِ على هيئته في الصلاة باستقبالهما القبلة، إما على الصفا والمروة، فإن شاء رفعهما، كما في الدعاء، أو كما في الصلاة، وإما في الجمرتين الأولى والوسطى، فيرفعهما كما في الدعاء، وهو عن أبي يوسف، عند الطحاوي‏.‏

باب‏:‏ إِغْلاقِ البَيتِ، وَيُصَلِّي في أَيِّ نَوَاحِي البَيتِ شَاء

وهو جائزٌ عندنا أيضًا، فإنَّه ليس مسْجدًا‏.‏ وقد علمنا أنَّ القِبلة عندنا هو الهواء، خلافًا للشافعي، فتجوز الصلاةُ عندنا أمامَ الباب، وهو مفتوحٌ‏.‏

باب‏:‏ الصَّلاةِ في الكَعْبَة

وقد مرّ الكلام فيه مبسوطًا‏.‏

باب‏:‏ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الكَعْبَة

باب‏:‏ مَنْ كَبَّرَ في نَوَاحِي الكَعْبَة

باب‏:‏ كَيفَ كانَ بَدْءُ الرَّمَل

باب‏:‏ اسْتِلامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ ما يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلاثًا

واعلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يدخل مكة في صلح الحُدَيْبِية، ثم لم يدخل البيتَ في عُمرة القضاء، وعمرة الجِعْرَانة لمكان الأصنام فيها‏.‏ ودخل فيها في فتح مكة وطهرها من الأصنام، ولم يدخل فيها في حجة الوداع‏.‏ ويُستحبُّ الدخولُ فيها إن تيسر بدون الرِّشوة، وإلا لا‏.‏